المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا - حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة - جـ ١

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الباب الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباع سنته

- ‌الفصل الأول: وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان وبيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌المطلب الأول: تعريف الإيمان عموما

- ‌المطلب الثاني: تعريف الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: معنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: نواقض الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: وجوب الإيمان بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معنى النبوة والرسالة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثالث: وجوب الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على عموم رسالته

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على عموم رسالته

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على عموم رسالته

- ‌المبحث الرابع: وجوب الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين

- ‌المطلب الأول: معنى ختم النبوة

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من القرآن الكريم على ختم النبوة

- ‌المطلب الثالث: الأدلة من السنة على ختم النبوة:

- ‌المطلب الرابع: ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم في تأكيد عقيدة ختم النبوة

- ‌المطلب الخامس: إجماع الأمة

- ‌‌‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث الخامس: وجوب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأكملها

- ‌المبحث السادس: وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: تعريف العصمة

- ‌المطلب الثاني: الجوانب التي عصم فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: مسألة وقوع الخطأ منه

- ‌الفصل الثاني: وجوب طاعته ولزوم سنته والمحافظة عليها

- ‌المبحث الأول: الأدلة على وجوب طاعته

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: دليل الإجماع على وجوب طاعته

- ‌المبحث الثاني: منهج السلف في اتباعه وطاعته

- ‌المطلب الأول: منهجهم في الاتباع

- ‌المطلب الثاني: محاربة السلف لما يناقض الاتباع

- ‌المبحث الثالث: التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على التحذير من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم من خالفه:

- ‌الباب الثاني: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الأول: بيان المعنى الصحيح لمحبته والأدلة على وجوبها

- ‌المبحث الأول: المعنى الصحيح لمحبته

- ‌المطلب الأول: تعريف المحبة

- ‌المطلب الثاني: أقسام المحبة:

- ‌المطلب الثالث: حقيقة المحبة الشرعية:

- ‌المطلب الرابع: المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وانقسام الناس فيها:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: الأدلة من السنة على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: ما جاء عن الصحابة في شأن محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثاني: علامات محبته صلى الله عليه وسلم والثواب المترتب عليها

- ‌المبحث الأول: علامات محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: من علامات محبته اتباعه والأخذ بسنته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: من علامات محبته الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تمني رؤيته والشوق إلى لقائه

- ‌المطلب الرابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين عامتهم

- ‌المطلب الخامس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم

- ‌المطلب السادس: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب السابع: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم بغض من أبغض الله ورسوله

- ‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا

- ‌المطلب التاسع: التحذير من علامات المحبة البدعية

- ‌المبحث الثاني: ثواب محبته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: ثمار المحبة في الحياة الدنيا

- ‌المطلب الثاني: ثواب المحبة في الآخرة

الفصل: ‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا

‌المطلب الثامن: من علامات محبته صلى الله عليه وسلم الزهد في الدنيا

إن من علامات محبة النبي فالزهد في الدنيا والصبر على شدائدها، وعدم الركون إلى زخرفها وملذاتها. وذلك افتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعا لما كان عليه. فلقد كان من صفاته صلى الله عليه وسلم زهده في أمور الدنيا وحبه للكفاف من العيش وإيثاره الآخرة على الأولى.

فهو القائل صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"1.

وهو القائل: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في يوم صائف 2 فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها"3.

والزهد المقصود هنا هو الزهد الشرعي لا الزهد البدعي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الزهد: هو عما لا ينفع. إما لانتفاء نفعه. أو لكونه مرجوحا، لأنه مفوت لما هو أنفع منه، أو محصل لما يربو ضرره على نفعه. فالزهد من باب عدم الرغبة والإرادة في المزهود فيه. فالواجبات

1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل". فتح الباري (11/233) ح 6416.

2 يوم صائف: أي حار. القاموس (3/170) .

3 أخرجه وكيع بن الجراح في الزهد (1/ 286- 288) ح 64، وأخرجه عنه الإمام أحمد في المسند (1/ 441) وفي الزهد (8) والحاكم في المستدرك (4/ 309- 310) وصححه ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/326) بعد عزوه لأحمد رجاله رجال الصحيح، غير هلال بن خباب وهو ثقة. وقال محقق كتاب الزهد لوكيع:"والحديث مع ماله من الشواهد يرتقي إلى درجة الصحة". الزهد لوكيع (1/288) .

ص: 362

والمستحبات لا يصلح فيها الزهد. وكذا المنافع الخالصة أو الراجحة فالزهد فيها حمق. أما المحرمات والمكروهات فيصلح فيها الزهد وكذا المباحات "1. " والفرق بين الزهد والورع: أن الزهد: ترك مالا ينفع في الآخرة.

وأما الورع: فهو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة"2

"والقلب المعلق بالشهوات لا يصلح له زهد ولا ورع"3

والزهد أنواع:

1-

زهد في الحرام وهو فرض عين.

2-

زهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة.

فإن قويت التحق بالواجب.

وإن ضعفت كان مستحبا.

3-

زهد في الفضول: وهو الزهد فيما لا يغني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.

4-

زهد في الناس أي فيما عندهم.

5-

زهد في النفس بحيث تهون عليه تفسه في الله، وهذا أصعب الأنواع وأشقها.

6-

زهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما شغلك عنه.

وأفضل الزهد: إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ4.

والزهد الشرعي ينقسم باعتبار حكمه إلى قسمين:

1 مجموع الفتاوى (0/ 615) بتصرف.

2 الفوائد لابن القيم (118) .

3 الفوائد لابن القيم (118) .

4 الفرائد لابن القيم (ص 118) .

ص: 363

القسم الأول منه: ما هو فرض على كل مسلم وهو الزهد في الحرام. القسم الثاني منه: ما هو مستحب وهو الزهد في المكروه وفضول المباحات والتفنن في الشهوات المباحة، وهو على درجات في الاستحباب بحسب المزهود فيه.

مفهوم الزهد في الدنيا:

ليس المراد بالزهد في الدنيا تخليتها من اليد وإخراجها، وقعوده صفرا. وإنما المراد إخراجها من القلب بالكلية بحيث لا يلتفت الزاهد إليها ولا يدعها تساكن قلبه وإن كانا في يده.

فليس الزهد أن تترك الدنيا من يدك وهي في قلبك، وإنما الزهد أن تتركها من قلبك وهي في يدك.

وهذا كحال سيد ولد آدم لا حين فتح الله عليه من الدنيا ما فتح، فلم يزده ذاك إلا زهدا فيها.

وكحال الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز الذي يضرب بزهدهم المثل مع أن خزائن الأموال تحت أيديهم.

والذي يصحح هذا الزهد ثلاثة أشياء:

1-

أحدها: علم العبد أنها ظل زائل، وخيال زائر، وأنها كما قال تعالى فيها:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} 1 ونحوها من الآيات.

1 الآية (20) من سورة الحديد.

ص: 364

وسماها سبحانه {مَتَاعُ الْغُرُورِ} 1 ونهي عن الاغترار بها وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترين بها، وحذرنا مثل مصارعهم وذم من رضي بها واطمأن إليها.

2-

الثاني: علمه أن وراءها دارا أعظم منها قدرا وأجل خطرا، وهي دار البقاء، فالزهد فيها لكمال الرغبة فيما هو أعظم منها.

3-

الثالث: معرفته بأن زهده فيها لا يمنعه شيئا كتب له منها.

وأن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها.

فمتى تيقن ذلك ثلج له صدره، وعلم أن مضمونه منها سيأتيه، وبقي حرصه وتعبه وكده ضائعا والعاقل لا يرضى، لنفسه بذلك.

فهذه الأمور الثلاثة تسهل على العبد الزهد فيها ويثبت قدمه في مقامه"2.

الزهد البدعي:

وهو الذي عليه حال كثير من المتصوفة الذين تركوا الكسب والاكتساب ولم يأخذوا بالأسباب، وانقطعوا انقطاعا تاما عن الوسائل المشروعة لتحصيل الرزق. فأصبحوا بذلك عالة على الناس يتكففونهم ويعيشون على صدقاتهم وزكاتهم وأوقافهم، وصاروا عضوا أشل في مجتمعاتهم، فأوقعوا أنفسهم في محاذير كثيرة منها:

1-

دخولهم في الرهبانية التي نهى الشارع الحكيم عنها.

2-

مخالفتهم لأوامر الله لعباده بالسعي في الأرض وطلب الرزق الحلال

3-

وقوعهم في مسألة الناس مع قدرتهم على طلب الرزق فاستحقوا بذلك الوعيد الشديد الوارد في هذا الشأن.

1 الآية (185) من سورة آل عمران.

2 طريق الهجرتين (453- 456) بتصرف.

ص: 365

فالواجب على المسلم الحذر من مشابهة هؤلاء في أحوالهم فالزهد المشروع إنما هو قلة الرغبة في الموجود لا قلة الرغبة في المفقود. وعلامة قلة الرغبة في الموجود إنفاقه في سبيل الله. فخلاصة القول: إنه من المعلوم أن كل دعوى لابد لها من دليل عليها، ليثبت صدقها ويؤكدها ويبرهن عليها.

قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 3

وكذا الحال في دعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لابد لمدعي هذه المحبة من علامات وأدلة تؤكد دعواه وتبرهن صدق ما قاله. وما تقدم من علامات وأدلة تعد أبرز وأهم العلامات التي تدلل وتبرهن على صحة تلك الدعوى.

وعلى العموم فكل عمل يعمله المسلم مما حث الشارع على فعله يعد ذلك دليلا على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، شريطة تحري الإخلاص في ذلك العمل وإرادة وجه الله تعالى به.

وعلى هذا الأساس فإنه بقدر التزام المسلم بعلامات المحبة وحرصه على تطبيقها تتحدد درجة محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ودرجة إيمانه كذلك.

فمحبته همسا هي جزء من أجزاء الإيمان، والإيمان كما هو معلوم يزداد بالطاعات وينقص بالمعاصي. فتزداد المحبة بمقدار الالتزام بتلك العلامات. وتنقص بمقدار البعد عنها.

3 الآية (111) من سورة البقرة.

ص: 366