الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم
الفصل الأول: بيان المعنى الصحيح لمحبته والأدلة على وجوبها
المبحث الأول: المعنى الصحيح لمحبته
المطلب الأول: تعريف المحبة
…
المطلب الأول: تعريف المحبة:
أحببت قبل الشروع في بيان المعنى الصحيح لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم أن أتطرق للمعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة المحبة، وذلك بهدف التعريف بهذه الكلمة وبيان مدلولها:
أ- أصل اشتقاق المحبة:
قال صاحب لسان العرب: "المحبة: اسم للحب"1، ويرى ابن القيم أن مادة كلمة "حب" تدور في اللغة على خمسة أشياء:
أحدها: الصفاء والبياض، ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها "حبب الأسنان"
الثاني: العلو والظهور، ومنه "حبب الماء وحبابه" وهو ما يعلوه عند المطر الشديد، وحبب الكأس منه.
الثالث: اللزوم والثبات، ومنه، حب البعير وأحب، إذا برك ولم يقم.
قال الشاعر:
حلت عليه بالفلاة ضربا
…
ضرب بعير السوء إذ أحبَّا
الرابع: اللب، ومنه: حبة القلب، للبه وداخله.
ومنه: الحبة لواحدة الحبوب، إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه.
الخامس: الحفظ والإمساك، ومنه حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه ويمسكه وفيه معنى الثبوت أيضا.
(1/ 290)
ثم قال رحمه الله: ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة:
1-
فإنها صفاء المودة، وهيجان إرادات القلب للمحبوب.
2-
وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد.
3-
وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوما لا تفارقه.
4-
ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده، وهو قلبه.
5-
ولاجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه.
فاجتمعت فيها المعاني الخمسة1.
ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة: "الحاء" التي هي من أقصى الحلق.
و"الباء" الشفوية التي هي نهايته.
فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.
وقالوا في فعلها: حَبْهُ وأحَبْهُ.
ثم اقتصروا على اسم الفاعل من "أحب" فقالوا: "مُحِبٌّ" ولم يقولوا "حاب". واقتصروا على اسم المفعول من "حب" فقالوا: "محبوب" ولم يقولوا "مُحَب" إلا قليلا كما قال الشاعر:
1 زاد ابن القيم في كتابه روضة المحبين (ص 17، 18) على هذه المعاني الخمسة مايلي: "وقيل: بل هي مأخوذة من القلق والاضطراب، ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الأذن واضطرابه. وقيل بل هي مأخوذة من الحب الذي هو إناء واسع فيمتلئ به بحيث لا يسع لغيره، وكذلك قلب المحب ليس فيه سعة لغير محبوبه، وقيل: مأخوذة من الحب وهو الخشبات الأربع التي يستقر عليها ما يوضع من جرة أو غيرها فسمي الحب بذلك لأن المحب يتحمل لأجل محبوبه الأثقال، كما تتحمل الخشبات ثقل ما يوضع عليها.
ولقد نزلت فلا تظني غيره
…
مني بمنزلة المُحَب المكرم1
وأعطوا "الحب" حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها، مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها.
وأعطوا "الحِب" وهو المحبوب: حركة الكسر لخفتها عن الضمة وخفة المحبوب، وخفة ذكره على قلوبهم وألسنتهم
…
فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعاني تطلعك على قدر هذه اللغة، وأن لها شأنا ليس لسائر اللغات2.
ب- الحد الاصطلاحي للمحبة:
قال ابن حجر3: "وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانا ولا يمكن التعبير عنها"4
وقال ابن القيم: "لا تحد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء، فحدها وجودها. ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها، وموجباتها، وعلاماتها، وشواهدها، وثمراتها، وأحكامها فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات وكثرت الإشارات، بحسب إدراك الشخص ومقامه وحاله وملكه للعبارة"5.
1 البيت لعنترة بن شداد.
2 مدارج السالكين (3/ 9- 11) .
3 أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- صاحب كتاب فتح الباري- من أئمة العلم والتاريخ، ولد بالقاهرة سنة 773 هـ، وتوفي بها سنة 852 هـ، وله مؤلفات كثيرة. الأعلام (1/ 178)
4 فتح الباري (10/ 463) .
5 مدارج السالكين (3/ 9) .
قلت: وهذا الذي ذكره ابن القيم وابن حجر هو الذي تطمئن له النفس فالمحبة أمر شعوري وجداني يتعرف عليه بواسطة الأمور الستة التي أشار إليها ابن القيم، وذلك لكون هذه الأمور هي العناصر التي يمكن أن يعبر عن المحبة من طريقها.
ولذلك فلا داعي لذكر تعريفات العلماء لها فحدها وجودها، والحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى