الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أقسام المحبة:
أ- أقسام المحبة من حيث العموم:
تنقسم المحبة من حيث العموم إلى قسمين:
1-
مشتركة، 2- خاصة.
القسم الأول: المحبة المشتركة.
وهي ثلاثة أنواع:
أحدها: محبة طبيعية كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء ونحو ذلك، وهذه لا تستلزم التعظيم.
الثاني: محبة رحمة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، وهذه أيضا لا تستلزم التعظيم.
الثالث: محبة أنس وألف، وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر، لبعضهم بعضا، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضا. فهذه الأنواع الثلاثة، التي تصلح للخلق، بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركا في محبة الله، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل، وكان يحب نساءه، وعائشة أحبهن إليه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق رضي الله عنه.
القسم الثاني: المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله.
ومتى أحب العبد بها غيره، كان شركا لا يغفره الله، وهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره.
فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلا1 بل يجب إفراد الله بهذه المحبة الخاصة التي هي توحيد الإلهية، بل الخلق والأمر والثواب والعقاب، إنما نشأ عن المحبة ولأجلها، فهي الحق الذي خلقت به السموات والأرض، وهي الحق الذي تضمنه الأمر والنهي وهي سر التأله، وتوحيدها هو شهادة أن لا إله إلا الله، وليس كما يزعم المنكرون، أن الإله هو الرب الخالق، فإن الشضركين كانوا مقرين بأنه لا رب إلا الله ولا خالق سواه، ولم يكونوا مقرين بتوحيد الإلهية الذي هو حقيقة لا إله إلا الله، فإن الإله الذي تألهه القلوب حبا وذلا وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة.
وإله بمعنى مألوه، أي: محبوب معبود، وأصله من التأله وهو التعبد الذي هو آخر مراتب المحبة، فالمحبة حقيقة العبودية2 وسيأتي مزيد تفصيل لهذا القسم.
ب- أقسام المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها:
تنقسم المحبة باعتبار متعلقها ومحبوبها إلى قسمين:
1-
نافعة محمودة، 2- مذمومة ضارة.
القسم الأول: المحبة النافعة
وهي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه وهو السعادة وهي ثلاثة أنواع:
أ- محبة الله.
ب- محبة في الله.
ج- محبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معصيته.
1 تيسير العزيز الحميد (ص 411) .
2 تيسير العزيز الحميد (ص 412) .
فيحب الله تعالى حبا لا يشاركه فيه أحد، ويكون الله عز وجل هو المحبوب المراد الذي لا يحب لذاته ولا يراد لذاته إلا هو، وهو المحبوب الأعلى الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو محبوبه ومراده وغاية مطلوبه. وتكون هذه المحبة مستلزمة لما يتبعها من عبادته تعالى وخضوعه له، وتعظيمه عز وجل.
والمحبة في الله: بأن يحب المؤمنين لا يحبهم إلا لله ويكون هواه تبعا لحب الله تعالى ورضاه، فلا يحب إلا ما يحب الله تعالى.
ومحبة ما يعين على طاعة الله أنواع كثيرة تندرج فيها جميع العبادات.
القسم الثاني: المحبة الضارة
وهي المحبة المذمومة التي تجلب لصاحبها ما يضره وهو الشقاء. وهي ثلاثة أنواع أيضا:
1-
المحبة مع الله.
2-
محبة ما يبغضه الله.
3-
محبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها.
فمن النوع الأول: محبة المشركين آلهتهم كحب الله.
ومن النوع الثاني: محبة الفواحش والمنكرات التي يبغضها الله.
ومن النوع الثالث: عشق النساء الذي يزيد عن حده حتى يضيع الأوامر ويدخل في النواهي، وفي مقدمة ذلك عشق الفاسقات والعاهرات والولدان. فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق.
فأصل المحاب المحمودة محبة الله تعالى بل وأصل الإيمان والتوحيد والنوعان الآخران تبع لها.
كما أن المحبة مع الله أصل الشرك والمحاب المذمومة، والنوعان الآخران تبع لها1.
فأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة، فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب سبحانه في خلق السموات والأرض وإنما كان شركهم بها من جهة محبتها مع الله فوالوا عليها وعادوا عليها وتألهوها وقالوا: هذه آلهة صغار تقربنا إلى الإله الأعظم، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه} 2.
ففرق بين محبة الله أصلا، والمحبة له تبعا، والمحبة معه شركا، وعليك بتحقيق هذا الموضع فإنه مفرق الطرق بين أهل التوحيد وأهل الشرك3.
1 إغاثة اللهفان (2/ 140، 141) ، وجامع الرسائل (2/ 202) .
2 الآية (165) من سورة البقرة.
3 روضة المحبين (293) .