المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شروط العبادة وأصولها - [شرح] تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٢ - الكتاب

[عبد الله بن عبد العزيز الجبرين]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌ توحيد الربوبية

- ‌توحيد الألوهية

- ‌مدخل

- ‌شهادة لا إله إلا الله

- ‌معناها وفضلها

- ‌ شروطها ونواقضها

- ‌العبادة

- ‌تعريف العبادة وبيان شمولها

- ‌ شروط العبادة وأصولها

- ‌توحيد الأسماء والصفات

- ‌مدخل

- ‌ طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌ أقسام الصفات

- ‌ أمثلة لبعض الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة

- ‌ ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات

- ‌نواقض التوحيد

- ‌الشرك الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أقسام الشرك الأكبر

- ‌الكفر الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الكفر

- ‌النفاق الأكبر (الاعتقادي)

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أعمال المنافقين الكفرية

- ‌ صفات المنافقين

- ‌مقتضيات التوحيد

- ‌الوسائل التي توصل إلى الشرك الأكبر

- ‌مدخل

- ‌ الغلو في الصالحين

- ‌ التبرك الممنوع:

- ‌ رفع القبور وتجصيصها، وإسراجها، وبناء الغرف فوقها، وبناء المساجد عليها، وعبادة الله عندها

- ‌الشرك الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الشرك الأصغر:

- ‌الكفر الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أمثلته

- ‌النفاق الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ خصاله وأمثلته

- ‌ البدعة

- ‌الولاء والبراء

- ‌تعريفها وحكمها

- ‌‌‌مظاهر الولاء المشروعوالولاء المحرم

- ‌مظاهر الولاء المشروع

- ‌ مظاهر الولاء المحرم

- ‌ ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم

الفصل: ‌ شروط العبادة وأصولها

وهذا يدل على أن العبادة تشمل حياة الإنسان كلها، وتشمل الدين كله (1) ، ويدل كذلك على أهمية العبادة، ولهذا كانت هي الغايه التي خلق الله الجن والإنس من أجلها، كما قال سبحانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ، فالله تعالى خلقهم ليختبرهم في عبادته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه (2)، كما قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [تبارك:2] فكل عاقل من الثقلين منذ أن يبلغ إلى أن يموت فهو في حال امتحان واختبار.

(1) الدرر السنية 2/290، الإرشاد ص20.

(2)

مجموع فتاوى ابن تيمية 8/40-57، تفسير ابن كثير (تفسير الآية الثانية من سورة تبارك، وتفسير الآية الثانية من سورة الإنسان) .

ص: 72

المطلب الثاني:‌

‌ شروط العبادة وأصولها

حقيقة عبادة الله تعالى وأصلها: كمال المحبة له مع كمال الذل والخضوع (3) .

فمن يحب من لا يخضع له، فليس عابداً له، وكذلك من يخضع

(3) قاعدة في المحبة ص10، 68، 98، الإمام: الفصل السابع ص169، النونية مع شرحها لهراس 2/135، روضة المحبين ص52، مدارج السالكين 3/31، الجواب الكافي ص265، 271، طريق الهجرتين ص453، تفسير ابن كثير - تفسير الآية الرابعة من سورة الفاتحة -، الدرر السنية 2/290، 291.

ص: 72

ويذل لمن لا يحبه فليس عابداً له (1) .

وعبادة الله تعالى لا تكون مقبولة ولا مرضية له جل وعلا حتى تستكمل شروطها وأركانها.

شروط العبادة: للعبادة شرطان هما:

الشرط الأول: الإخلاص. وهو: أن يقصد العبد بعبادته وجه الله تعالى دون سواه (2) .

قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] .

قال علامة الهند الإمام المحدث صديق حسن الحسيني:"لا خلاف في أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله"(3) .

وبناء على هذا الشرط فمن أدى العبادة ونوى بها غير وجه الله، كأن يريد مدح الناس، أو يريد مصلحة دنيوية، أو فعلها تقليداً لغيره

(1) قاعدة في المحبه ص98، الدرر السنية 2/291.

(2)

تفسير البغوي (تفسير الآية الثانية من سورة الملك) 4/469، قواعد الأحكام

1/124، التدمرية مع شرحها التحفة ص418، مجموع الفتاوى 1/333، النونية مع شرحها لهراس 2/129، مدارج السالكين 2/95، أعلام السنه المنشورة ص33، 34.

(3)

الدين الخالص 2/385.

ص: 73

دون أن يقصد بعمله وجه الله، أو أراد بعبادته التقرب إلى أحد من الخلق، أو فعلها خوفاً من السلطان أو من غيره، فلا تقبل منه، ولا يثاب عليها، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم (1) .

وإن قصد بالعبادة وجه الله وخالط نيته رياء حبط عمله أيضاً، ولا يعرف عن السلف في هذا خلافاً (2) .

الشرط الثاني: موافقة شرع الله تعالى (3) . وذلك بأن تكون العبادة في وقتها وصفتها موافقة لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يزيد في عبادته عملاً أو قولاً لم يرد فيهما، ولا يفعلها في غير وقتها، وكذلك لا يتعبد لله بعبادة لم ترد فيهما، وهذا مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرعه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (4) .

(1) مجموع فتاوى ابن تيميه 26/22- 32، الأشباه والنظائر لابن نجيم مع شرحه غمر عيون البصائر 1/54، 58، 76- 78، 98، 99، حاشية السندي على النسائي 1/59، وينظر الإحكام لابن حزم الباب (32) ج5 ص 141- 160.

(2)

كما قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم 1/81، وسيأتي تفصيل هذه المسألة في الباب الثالث، عند الكلام على الشرك الأصغر – إن شاء الله تعالى -.

(3)

الرسالة للشافعي ص79- 85، تفسير البغوي 4/469، التدمرية مع شرحها التحفة ص418، 419، مجموع الفتاوى 1/70، 333، أعلام السنة المنشورة ص34.

(4)

تحقيق كلمة الاخلاص لابن رجب ص23، الشفا للقاضي عياض (مطبوع مع شرحه للقاري 2/14-17) .

ص: 74

قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد "متفق عليه (1)، وفي رواية لمسلم:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "، فالآية صريحة في وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث بروايتيه صريح في تحريم إحداث عبادة لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ترد في سنته، وتحريم إحداث صفة لعبادة مشروعة، لأن ذلك ليس عليه أمره صلى الله عليه وسلم، وليس من سنته.

أصول العبادة:

عبادة الله تبارك وتعالى يجب أن ترتكز على أصول ثلاثة، وهي المحبة، والخوف، والرجاء، فيعبد المسلم ربه محبة له، وخوفاً من عقابه، ورجاء لثوابه، ولذلك قال بعض السلف:"من عَبَدَ اللهَ بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن"(2) ، وقد أسمى بعض العلماء هذه الأصول"أركاناً"(3)، وسأتكلم عليها بشيء من الاختصار فيما يلي:

(1) البخاري: الصلح (2697)، ومسلم: الأقضية (1718) .

(2)

مجموع فتاوى ابن تيميه 1/95، و15/21، 26.

(3)

تفسير سورة الفاتحة ص18، الإرشاد للشيخ صالح الفوزان ص20.

ص: 75

الأصل الأول: المحبة لله تعالى.

هذا الأصل هو أهم أصول العبادة، فالمحبة هي أصل العبادة (1) ، فيجب على العبد أن يحب الله تعالى، وأن يحب جميع ما يحبه تعالى من الطاعات، وأن يكره جميع ما يكرهه من المعاصي وأن يحب جميع أوليائه المؤمنين، وفي مقدمتهم رسله عليهم السلام، وأن يبغض جميع أعدائه من الكفار والمنافقين. وكل هذا واجب على المسلم لاخيار له فيه.

كما أنه يجب على المسلم أن يحب الله تعالى وأن يحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحب نفسه وأولاده وماله وكل شيء (2) . قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] .

وقال الحافظ ابن القيم في طريق الهجرتين "المثال السابع: الخوف"ص399: "الخوف أحد أركان الايمان والإحسان الثلاثة التي عليها مدار مقامات السالكين جميعها، وهي: الخوف والرجاء والمحبة

". وينظر مدارج السالكين"منزلة الرجاء"2/36.

(1)

قاعدة في المحبة لابن تيمية ص49، 68، 69، 87، مدارج السالكين 3/27، الجواب الكافي ص28، طريق الهجرتين ص455، تجريد التوحيد للمقريزي ص80.

(2)

قاعدة في المحبة ص92، مجموع الفتاوى 7/15، 37، مدارج السالكين 3/43، الجواب الكافي ص274، 287، تفسير السعدي (تفسير الآية 24 من التوبه) .

ص: 76

ومحبة الله تعالى إذا قويت في قلب العبد انبعثت جوارحه بطاعة الله تعالى، وابتعد عن معصيته، بل إنه يجد اللذة والراحة النفسية عند فعله لعبادة الله تعالى، كما قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [سورة الرعد: 28] .

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" قم يا بلال فأرحنا بالصلاة "(1)، وكان أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم:" جُعلت قرة عيني في الصلاة "(2) .

ولهذا فإن من يطيع الله، ويجتنب معاصيه، ويكثر من ذكره، ومن نوافل العبادات محبة لله وخوفاً منه ورجاء لثوابه يعيش في سعادة وانشراح صدر (3)، كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل:97] .

(1) رواه الامام أحمد 5/371، وأبو داود في الأدب باب في صلاة العتمة (4976) وإسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال البخاري.

(2)

رواه الإمام أحمد 3/285، والنسائي 7/61 وإسنادهما حسن. وقد صحح هذا الحديث الحاكم 2/160، والحافظ في الفتح 13/345. وقد توسعت في تخريجه وتخريج الحديث قبله في كتاب أوقات النهي ص61، 62.

(3)

منازل السائرين للهروي مع شرحه مدارج السالكين لابن القيم 3/38، قاعدة في المحبة ص61، 153، 155، 175، 177، الجواب الكافي ص181- 183، الوابل الصيب (الفائده 34 ص102- 107) طريق الهجرتين ص78، 79، 456- 458، تحقيق

ص: 77

وإذا عصى العبد ربه نقصت محبته لله بقدر معصيته (1) ، فمن علامة ضعف محبة الله في القلب إصرار العبد على المعاصي وعدم توبته منها، وكلما أكثر العبد من معصية الله تعالى ضعفت محبته في قلبه أكثر مما كانت قبل ذلك، وهكذا، ولذلك فإنه يخشى على من أسرف على نفسه بالمعاصي أن تذهب محبته لله كلية فيقع في الكفر، ومن ادعى محبة الله مع استكثاره من معصيته فهي دعوى كاذبة، ولذلك لما ادعى قوم محبة الله تعالى أنزل هذه الآية (2) :{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [سورة آل عمران:31] ، وهذه الآيه تسمى آية"المحنة"أو آية"الاختبار"فالذي يحب الله حقيقة يتبع ما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وينتهي عما نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، قال بعض العلماء:"من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب".

وقال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه

هذا محال في القياس شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع (3)

كلمة الاخلاص لابن رجب ص35- 37، وينظر تفسير ابن جرير وابن كثير والشوكاني والسعدي للآية (97) من سورة النحل، وللآية (28) من سورة (الرعد) .

(1)

قاعدة في المحبة ص72، 73، وينظر مختصر منهاج القاصدين ص441.

(2)

تفسير الطبري 6/322- 324، مجموع الفتاوى 7/93، مدارج السالكين 3/22.

(3)

قاعدة في المحبة لابن تيمية ص72، 73، طريق الهجرتين ص422، الشفا لعياض (مطبوع مع شرحه للقاري 2/16) ، فتح الباري لابن رجب 1/47، جامع العلوم والحكم 2/346، 347، شرح الحديث 38، تحقيق كلمة الإخلاص ص32- 37.

ص: 78

وإذا ضعفت محبة الله تعالى في قلب العبد بسبب كثرة معصيته له فقد لذة العبادة، وربما استولى عليه الشيطان في عباداته بكثرة الوساوس، فتجده ربما صلى أو ذكر الله أو دعاه وقلبه لاه غافل، فتصبح عباداته أقرب إلى العادة منها إلى العباده.

ولهذا يجد العاصي قسوة وخشونة في قلبه، ويشعر بعدم الطمأنينة والراحة النفسية، بل إنه يحس بضيق في الصدر، وقلق مستمر (1)، كما قال الله تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] أي: أن من أعرض عن ذكر الله - وهو القرآن - فلم يمتثل أوامره ولم يجتنب نواهيه يعاقبه الله بالشقاء في هذه الحياة، ولذلك تجد كثيراً من العصاة يلجؤون إلى ما يظنون أنه يزيل عنهم الضيق، فيلجأ أحدهم إلى المسكرات، أو المخدرات، أو شرب الدخان أو النظر إلى الصور المحرمة أو سماع الغناء والمحرمات يظن أنه سيجد السعادة فيزيد الطين بلة، فيزيده ضيقاً إلى ضيق، نسأل الله السلامة والعافية.

ولذلك ينبغي للعبد أن يحرص على الأمور التي تجلب وتقوي محبة الله في قلبه، لتحصل له السعاده في الدنيا والآخرة، ومن هذه الأمور:

1-

أداء الواجبات، والبعد عن المحرمات.

(1) تنظر أكثر المراجع المذكورة قريباً عند ذكر انشراح صدر المؤمن بالطاعات، وينظر تفسير ابن كثير وتفسير الشوكاني وتفسير السعدي للآية (124) من سورة (طه) .

ص: 79

2-

الإكثار من نوافل العبادات، ومن أهمها: سماع أو قراءة كلام الله تعالى بتدبر، والإكثار من ذكره، ومن صلاة النافلة، وبالأخص صلاة الليل، والإكثار من دعائه ومناجاته.

3-

معرفة أسماء الله تعالى وصفاته.

4 -

التفكر في نعم الله الكثيرة عليه (1) .

الأصل الثاني: الخوف من الله تعالى.

الخوف هو: تألم القلب بسبب توقع مكروه (2) .

فيجب على المسلم أن يعبد الله تعالى خوفاً من عقوبته، كما قال تعالى:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] ، وقال

(1) مجموع الفتاوى 1/95، 96، مختصر منهاج القاصدين ص436، مدارج السالكين 1/465، و3/17، 18، طريق الهجرتين ص447- 452، فتح الباري لابن رجب 10/46.

(2)

مختصر منهاج القاصدين كتاب الخوف والرجاء ص383، شرح القسطلاني كتاب الرقاق 9/269، وقال الحافظ ابن القيم في المدارج "منزلة الخوف"1/549:"والوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة، غير مترادفة"، وقال في طريق الهجرتين ص402:"الخوف يوجب هروباً إلى الله، وجمعية عليه، وسكوناً إليه، فهي مخافة مقرونة بحلاوة وطمأنينة وسكينة ومحبة، بخلاف خوف المسيء الهارب من الله، فإنه خوف مقرون بوحشة ونفرة". وينظر مدارج السالكين "منزلة الرجاء"2/44.

ص: 80

سبحانه: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال:{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40] .

والخوف من الله تعالى ينشأ ويعظم عند العبد من عدة أمور، أهمها:

1-

معرفته بالله تعالى وبصفاته، فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف.

2-

تصديقه بأن الله تعالى توعد من عصاه بترك الواجبات أو بفعل المحرمات بالعقوبة.

3-

معرفته لشدة عقوبة الله تعالى لمن عصاه، وأن العبد لا يستطيع تحمل عقوبته تعالى، وهذا يحصل بمطالعة الآيات والأحاديث الواردة في الوعيد والزجر، والعرض والحساب، وعذاب القبر وعذاب النار.

4-

تذكر العبد لمعصيته لله تعالى فيما سبق من عمره.

5-

خوفه أن يُحال بينه وبين التوبة، بسبب ارتكابه للذنب، أو أن يختم له بخاتمة سيئة بسبب إصراره على معصية الله تعالى.

وكلما قوي إيمان العبد وتصديقه بعذاب الله تعالى ومعرفته بشدة عذابه تعالى لمن عصاه اشتد خوفه من عذاب الله، ولذلك قال بعض العلماء:"من كان بالله أعرف كان منه أخوف"، والخوف المحمود

ص: 81

الصادق هو ما حال بين العبد وبين معصية الله تعالى (1) .

الأصل الثالث: الرجاء.

الرجاء هو: الطمع في ثواب الله ومغفرته، وانتظار رحمته (2) .

فيجب على المسلم أن يعبد الله رغبة في ثوابه، وأن يتوب إليه عند الوقوع في الذنب رجاء لمغفرته، كما قال تعالى:{وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} [الأعراف: 56](3)، وقال سبحانه:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، وقال تعالى عن أنبيائه:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] .

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية 1/96، مختصر منهاج القاصدين ص384، طريق الهجرتين ص400، 401، المدارج 1/551- 553، فتح الباري كتاب الرقاق باب الخوف 11/313، شرح القسطلاني 9/269.

(2)

مختصر منهاج القاصدين ص376، مجموع الفتاوى 15/21، مدارج السالكين 2/52، 53، فتح الباري كتاب الرقاق باب الرجاء مع الخوف 11/301، تفسير الشوكاني للآيه (218) من البقرة، وقد ذكر الحافظ ابن القيم فوائد الرجاء في طريق الهجرتين ص491، وذكر الإمام ابن تيمية في الفتاوى 1/96 ما يحرك الرجاء، فقال:"وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو وما ورد في الرجاء".

(3)

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه، فقال: {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} أي خوفاً مما عنده من وبيل العقاب وطمعاً فيما عنده من جزيل الثواب".

ص: 82

والرجاء ثلاثة أنواع: (اثنان محمودان (1) ، والثالث مذموم) ، وهي:

1 -

رجاء من أطاع الله في أن يتقبل الله عمله، وأن يثيبه عليه بالفوز بالجنة والنجاة من النار.

2-

رجاء من أذنب ذنوباً ثم تاب منها في أن يغفر الله ذنوبه وأن يعفو عنها.

3 -

رجاء من هو متماد في التفريط في الواجبات واقع في المحرمات، مصر عليها، ومع ذلك يرجو رحمة الله، فهذا هو"الغرور"و"التمني" و"الرجاء الكاذب".

قال أبوعثمان الجيزي:"من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشقاوة أن تعصي وترجو أن تنجو"، وحال صاحب هذا الرجاء المذموم يشبه حال من يتمنى الأولاد من غير أن يتزوج، فهو من أسفه السفهاء، ولذلك قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] والمعنى: أولئك الذين يستحقون أن

(1) قال ابن أبي العز في شرح الطحاويه ص449، 450: "وينبغي أن يعلم أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه أموراً:

1-

محبة ما يرجوه. 2- خوفه من فواته. 3- سعيه في تحصيله بحسب الإمكان".

وقال المقدسي في مختصر منهاج القاصدين ص377: "اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس إلى اختياره، وهو فضل الله سبحانه".

ص: 83

يرجو (1)، وقال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123](2) .

وبالجملة فإنه يجب على المسلم أن يعبد الله محبة له، وخوفاً من عقابه، ورجاء لثوابه كما أنه ينبغي له أن لا يفْرِط في الخوف حتى يصل إلى درجة القنوط واليأس من رحمة الله، وأن لا يفرط في الرجاء فيتعلق بسعة رحمة الله مع إصراره على معصيته، بل يجب أن يجمع بينهما، وإن كان ينبغي له في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف ليحمله على طاعة الله وعلى البعد عن معصيته، وعند الموت يغلب جانب الرجاء على جانب الخوف حتى يموت وهو يحسن الظن بالله، فيفرح بلقائه تعالى، فلابد من الجمع بينهما كما في الآيات الثلاث السابقة (3) .

(1) ينظر مختصر منهاج القاصدين ص376- 378، مدارج السالكين "منزلة الرجاء"

2/37، شرح الطحاوية ص448 - 450، عمدة القاري 23/66، فتح الباري 11/301، شرح القسطلاني 9/269، 270.

(2)

وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف: 169] أي أن هؤلاء الخلوف الذين لا خير فيهم يتمنون على الله غفران ذنوبهم التي لايزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها، وقال تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 5]، فدلت هذه الآية بمفهومها على أن رحمة الله بعيده من غير المحسنين. ينظر بدائع الفوائد لابن القيم 3/17. وقال الله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية [الأعراف: 156] .

(3)

ينظر المراجع المذكورة في التعليق المذكور قبل التعليق السابق، وينظر تفسير ابن كثير للآيه (9) من الزمر، وينظر المدارج"منزلة الخوف 1/551، 554".

ص: 84