الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: صفات فعلية
وهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله وقدرته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالمجيء، والنزول، والغضب، والفرح، والضحك، ونحو ذلك، وتُسمى "الصفات الاختيارية" أو "الأفعال الاختيارية""1".
"1" ينظر مجموع الفتاوى 6/217، 233، شرح الطحاوية ص 96، التنبيهات السنية ص20، صفات الله عز وجل للسقاف ص27-29.
المبحث الثالث:
أمثلة لبعض الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة
صفات الله تعالى لا يستطيع العباد حصرها، لأن كل اسم لله تعالى يتضمن صفة له جل وعلا، وأسماء الله تعالى لا يستطيع العباد حصرها، لأن منها ما استأثر الله به في علم الغيب عنده"2"، وقد ورد
"2" ويدل لذلك ما رواه الإمام أحمد " 3712 " بإسناد حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه ". وقد صححه أحمد شاكر، والألباني في صحيح الكلم الطيب.
وينظر الأسماء والصفات للبيهقي، باب بيان أن لله تعالى أسماء أخر ص17- 19، وتفسير ابن كثير: تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ، بدائع الفوائد 1/162.
في الكتاب والسنة ذكر صفات كثيرة لله تعالى، وأجمع أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على إثباتها له تعالى على الوجه اللائق بجلاله.
ومن هذه الصفات:
1-
علو الله تعالى. وينقسم إلى قسمين: علو ذات، وعلو صفات.
فأما علو الصفات فمعناه: أنه ما من صفة كمال إلا ولله تعالى أعلاها وأكملها.
وأما علو الذات فمعناه: أن الله بذاته فوق جميع خلقه، وقد دل على ذلك: الكتاب، والسنة، والإجماع، والفطرة.
فأما الكتاب والسنة فهما مملوءان بما هو نص، أو ظاهر في إثبات علو الله تعالى بذاته فوق خلقه، وقد تنوعت دلالتهما على ذلك إلى أنواع كثيرة، منها:
1-
التصريح بفوقيته سبحانه على خلقه، مقرونا بأداة "مِنْ"المعيِّنة للفوقية بالذات، كقوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] .
2-
التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو: ذاتاً وقدراً وشرفاً، كقوله تعالى:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ، وثبت في الحديث أنه يشرع للعبد أن يقول في حال سجوده - وهو
أكثر ما يكون سفولاً بوضعه أشرف أعضائه - وهو الوجه - على الأرض -: "سبحان ربي الأعلى""1"، فيصف ربه بصفة العلو وهو - أي الساجد - على هذه الحال من السفول وتنكيس الجوارح تذللا للعلي العظيم"2".
3-
التصريح بكونه تعالى في "السماء""3"، كقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [تبارك: 16]، وكقوله صلى الله عليه وسلم:" ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء " رواه البخاري ومسلم"4".
"1" عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث، وفيه: ثم سجد فقال: " سبحان ربي الأعلى ". رواه مسلم في الصلاة باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، رقم " 772 ".
"2" للعلامة ابن القيم رحمه الله كلام نفيس عن هذه الحكمة وغيرها من حكم وأسرار الصلاة في كتابه القيم: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: الوجه الثاني والعشرون من أوجه الجواب عن شبه نفاة الحكمة والتعليل 2/166-170.
"3" قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ص383: "وهذا عند المفسرين من أهل السنة على أحد وجهين: إما أن تكون "في"بمعنى "على". وإما أن يراد ب "السماء" العلو، لا يختلفون في ذلك، ولا يجوز الحمل على غيره".
"4" صحيح البخاري كتاب المغازي رقم " 4351 "، وصحيح مسلم كتاب الزكاة رقم " 1064 ".
4-
التصريح بأنه تعالى على العرش مستو عليه، كما في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر شفاعته يوم القيامة:"فآتي باب الجنة فيفتح لي، فآتي ربي تبارك وتعالى وهو على كرسيه أو سريره فأخر له ساجد اً""1"
"1" رواه أبو أحمد العسال في كتاب "المعرفة"بإسناد قوي عن ثابت عن أنس كما قال الإمام الذهبي الشافعي في "العلو"ص36.
ورواه الإمام أحمد 1/281، 295، والدارمي في رده على المريسي ص371، وعثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 72، 73، رقم " 46 " من طرق عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن ابن عباس، ورجاله ثقات، رجال مسلم، عدا علي بن زيد وهو ابن جدعان فهو "ضعيف"، وقال الدارمي:"رواه هؤلاء المشهورون عن ابن عباس على رغم بشر".
ورواه الذهبي في العلو "64" من طريق زائدة عن زياد عن أنس. وقال: "زائدة ضعيف".
ولهذا الحديث شواهد كثيرة، منها: حديث عمران مرفوعا عند أبي الشيخ في العظمة " 207 " بلفظ "كان الله عز وجل على العرش". ورجاله ثقات، وإسناده متصل، وقال الذهبي في العرش 2/105 "حديث صحيح"، ومنها قول ابن عباس: " إن الله كان على عرشه
…
" رواه الدارمي في الرد على المريسي ص445. وإسناده صحيح، وقد صححه الألباني في مختصر العلو ص95.
وبالجملة فهذا الحديث صحيح بطرقه وشواهده السابقة، وله أيضاً شواهد كثيرة، يأتي بعضها عند الكلام على صفة الاستواء.=
5-
التصريح بصعود الأشياء وعروجها إليه، كما في قوله تعالى:{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]، وكما في قوله عز وجل:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، وكما في أحاديث المعراج، وهي أحاديث متواترة، وفيها أنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء الدنيا، ثم إلى السماء الثانية، وهكذا حتى وصل إلى سدرة المنتهى فوق السماء السابعة، ثم كلمه ربه وفرض عليه خمسين صلاة، فنزل إلى موسى في السماء السادسة، فأشار إليه أن يرجع إلى ربه، فيسأله التخفيف، فصعد إلى ربه تعالى يطلب منه التخفيف، فخففها تعالى إلى أربعين صلاة، ثم لم يزل هكذا يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه تعالى، حتى خففها الباري وجعلها خمس صلوات"1".
=وقد ثبت أن العرش أعلى المخلوقات، كما في قوله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن" رواه البخاري في الجهاد "2790" وفي التوحيد "7423". وقال شيخنا عبد العزيز ابن باز في بعض دروسه: "العرش بعضه فوق الجنة وبعضه فوق الماء".
"1" تنظر أحاديث المعراج في جامع الأصول في النبوة، ومجمع الزوائد كتاب الإيمان باب الإسراء، وغيرهما.
ومما ورد في صعود الأشياء إليه تعالى حديث أبي هريرة رضي الله عنه في عروج روح المؤمن بعد قبض ملك الموت لها، وفيه:"أنها تعرج حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الرب تبارك وتعالى ". وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد 2/364، وابن خزيمة في=
6-
التصريح بتنزيل الكتاب منه، ونزول جبريل عليه السلام منه جل وعلا بالقرآن، والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى سفل، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة:4]، وكما في قوله تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل:102] .
7-
التصريح بنزوله جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر " وهو حديث متواتر عنه صلى الله عليه وسلم "1"، وفي بعض
التوحيد باب السنن المثبتة أن الله تعالى فوق كل شيء
…
رقم "176". وإسناده صحيح، وصححه الحافظ الذهبي في الأربعين "24". وله شاهد من حديث البراء الذي رواه الإمام أحمد 4/287، 295، وابن خزيمة "175، 176" والطيالسي "753"، والحاكم في الإيمان 1/37 40 بإسناد حسن. وصححه الحاكم والبيهقي والمنذري. ينظر الترغيب فصل في عذاب القبر "5221"، وقال ابن القيم في تهذيب السنن 4/337:"صححه أبو نعيم وغيره"، وقال الذهبي في العلو "117":"إسناده صالح".
"1" ينظر صحيح البخاري: التوحيد باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} "7494"، وصحيح مسلم: الصلاة باب الترغيب في الدعاء، "758"، وهو عندهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعند مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً،
ألفاظه في آخره زيادة: " ثم يصعد ""1".
8-
التصريح بلفظ "الأين"كقول أعلم الخلق بربِّه وأنصحهم لأمته وأفصحهم بياناً عن المعنى الصحيح للجارية: "أين الله?" قالت: في السماء. قال صلى الله عليه وسلم لسيدها معاوية بن الحكم: " أعتقها،
"1" هذه الزيادة أخرجها أبوعوانة في مسنده باب الترغيب في قيام الليل 2/288، 289 والدارقطني في رسالة "النزول"133، رقم "55" من طرق عن أبي إسحاق، حدثني الأغر أبو مسلم، عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده صحيح. وقال الدارقطني:"زاد فيه يونس بن إسحاق - وهو الراوي عنده عن أبي إسحاق - زيادة حسنة". ولهذه الرواية شاهد من حديث ابن مسعود عند الدارقطني "12". ورجال إسناده حديثهم لا ينزل عن درجة الحسن، لكن فيه انقطاع. وذكر الحافظ ابن حجر لهذه الرواية شواهد كثيرة في كل منها ضعف يسير، ينظر الفتح كتاب التوحيد باب قوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} .
وقال الحافظ بعد ذكره لتأويل النزول: "والتسليم أسلم "، قلت: وماذا يريد العاقل غير السلامة، فيجب على كل مسلم أن يسلِّم لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألا يقدم عليه آراء البشر وأهل الكلام، فيضل عن الطريق المستقيم.
فإنها مؤمنة"رواه مسلم"1".
9-
الإشارة إليه حسّاً إلى العلو، فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال في آخر خطبته يوم عرفة مخاطبا لجموع المسلمين:" أنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم اشهد " ثلاث مرات"2".
10-
التصريح بأنه تعالى فوق السموات السبع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ رضي الله عنه لما حكم في بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم وأن تقسم أموالهم وذراريهم: " لقد حكمتَ فيهم بحكم الله الذي حكم به من
"1 " صحيح مسلم كتاب المساجد باب تحريم الكلام في الصلاة، رقم "537".
"2" صحيح مسلم كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم " 1218 ". وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ص348: "أشار إليه من هو أعلم به وبما يجب له ويمتنع عليه من جميع البشر، لما كان بالمجمع الأعظم الذي لم يجتمع لأحد مثله، في اليوم الأعظم في المكان الأعظم
…
فكأنّا نشاهد تلك الأصبع الكريمة وهي مرفوعة إلى الله، وذلك اللسان الكريم وهو يقول لمن رفع أصبعه إليه: اللهم اشهد ".
وروى البخاري في صحيحه في الحج " 1739 " عن ابن عباس رضي الله عنهما خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، وفيه: ثم رفع رأسه، فقال:" اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت ".
فوق سبع سماوات " "1".
وقد ذكر بعض كبار أصحاب الإمام الشافعي أن أدلة علو الله تعالى بذاته على خلقه في كتاب الله تعالى تزيد على ألف دليل"2".
ومع ورود كل هذه الأدلة الشرعية المتواترة المتنوعة والصريحة في دلالتها في إثبات علو الله تعالى بذاته على جميع مخلوقاته لم يقبل المعطلة
"1" رواه ابن سعد في ترجمة سعد بن معاذ 3/426، والنسائي في الكبرى كما في التحفة، حديث " 3881 "، والذهبي في "العلو"، رقم "62" من حديث سعد بن أبي وقاص. وإسناده حسن. وقد صححه الذهبي، وابن أبي العز في شرح الطحاوية ص378. وحسنه الألباني في مختصر العلو. وله شاهد من مرسل محمد بن كعب عند الذهبي "61"، وشاهد آخر من مرسل علقمة بن وقاص عند ابن إسحاق وغيره. وإسناده صحيح إلى مرسله. وقد توسعت في تخريج هذا الحديث في رسالة "اليهود"تحت رقم " 34 ".
"2" وقد جمع هذه الأدلة الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب "العرش"، والموفق ابن قدامة في كتاب "إثبات علو الله تعالى على عرشه"، والحافظ الذهبي في كتاب "العلو"، وأبو محمد الجويني في رسالة "إثبات الاستواء والفوقية"، والحافظ ابن القيم في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية"، وغيرهم، وقال ابن أبي العز الحنفي بعد ذكره ثمانية عشر نوعاً من أدلة إثبات علو الله بذاته على خلقه:"وهذه الأنواع من الأدلة لو بسطت أفرادها لبلغت نحو ألف دليل، فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله! وهيهات له بجواب صحيح عن بعض ذلك". وينظر مجموع الفتاوى 5/226.
كالمعتزلة وكثير من الأشاعرة"1" إثبات هذه الصفة لله تعالى، وقدموا على هذه النصوص الشبهات العقلية التي أخذوها من علم الكلام الذي ورثوه عن فلاسفة اليونان، فجعلوا العقول البشرية حاكمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الميل البيِّنِ عن الصراط المستقيم، وصدق الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال:"ما أحد ارتدى بالكلام فأفلح""2".
وأما دليل الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة أهل السنة على أن الله تعالى عال على خلقه بذاته، مستو على عرشه، وكلامهم في ذلك مشهور ومتواتر، وقد حكى أبوعبد الله
"1" غالب الأشاعرة ينكرون صفة العلو لله تعالى، فبعضهم يقول: إنه في كل مكان بذاته، وعامة متأخريهم يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه، وذهب بعض متقدميهم إلى إثبات هذه الصفة لله تعالى، وإثبات أنه تعالى فوق عرشه. ينظر مجموع الفتاوى 2/298، و5/272، العلو ترجمة حماد بن زيد "352".
"2" رواه أبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام وأهله"4/285، وقال الحافظ الذهبي في "العلو"ص166 بعد ذكره لبعض أقوال الإمام الشافعي في ذم الكلام وأهله، والتحذير منه قال:"تواتر عن الشافعي ذم الكلام وأهله، وكان شديد الاتباع للآثار في الأصول والفروع"وينظر في ذم كثير من السلف لعلم الكلام كتاب "ذم الكلام وأهله".
القرطبي المالكي إجماع السلف على أن الله تعالى في جهة العلو"1".
وقال الإمام الأوزاعي التابعي الجليل: "كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من صفاته عز وجل ""2".
"1" ينظر تفسير القرطبي "تفسير الآية 54 من سورة الأعراف" 7/219. ونص كلامه: "قد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة، ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة"أ. هـ. ولفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة، ولكن إذا أريد بها أنه تعالى فوق العالم مباين للمخلوقات، ليس داخلاً فيها، فهذا صحيح، ويكون المراد بالجهة حينئذ أمراً عدمياً وذلك بتسمية ما وراء العالم جهة. وإن كان الأولى استعمال اللفظ الشرعي "العلو". وينظر التدمرية مع شرحها التحفة ص153- 157، مجموع الفتاوي 6/39، 40، صفات الله عز وجل للسقاف ص85 - 87.
"2" رواه البيهقي في الأسماء والصفات باب ما جاء في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ص515. وإسناده حسن إن شاء الله. وقد صحح إسناده ابن تيمية كما في مجموع الفتاوي 5/39، وجوده الحافظ ابن حجر في الفتح في التوحيد باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِْ} 13/406، وينظر أيضاً في حكاية الإجماع على أنه تعالى بذاته فوق جميع مخلوقاته عال على عرشه ما يأتي عند الكلام على صفة "الاستواء على العرش".
ولم يقل أحد من السلف قط: إن الله ليس في السماء، ولا أنه بذاته في كل مكان، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء.
وأما دليل الفطرة: فإن جميع العباد بطباعهم إذا أرادوا دعاء الله تعالى والتضرع إليه رفعوا أيدهم، واتجهت قلوبهم جهة العلو، فالله تعالى قد فطر قلوب عباده على التوجه في دعائه إلى الجهة العلوية، وهذا يدل على أنه تعالى بذاته فوق جميع مخلوقاته"1".
"1" ينظر شرح الطحاوية ص390-392، وينظر الإبانة لأبي الحسن الأشعري 2/107، الحجة للأصبهاني2/117.
وقد روى الحافظ أبو منصور بن الوليد بإسناده عن أبي جعفر بن أبي علي الهمداني الحافظ، قال: سمعت أبا المعالي الجويني وقد سُئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ? فقال: كان الله ولا عرش وجعل يتخبط في الكلام. فقلت: قد علمنا ما أشرت إليه، فهل عندك للضرورات من حيلة ?. فقال: ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارة?، فقلت: ما قال عارف قط: " يا رباه " إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق، فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة? فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت. وبكيت، وبكى الخلق، فضرب الأستاذ بكمه على السرير وصاح: يا للحيرة، ونزل، ولم يجبني إلا:"يا حبيبي الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة". فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: "حيرني الهمداني". ذكره الحافظ الذهبي في "العلو"ص259، وقال الألباني في "مختصر العلو"ص277:"إسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ".
2-
صفة الكلام:
فالله تعالى لم يزل متكلماً بمشيئته وإرادته بما شاء وكيف شاء بكلام حقيقي، حرف وصوت، ويسمعه من يشاء من خلقه، وكلامه عز وجل قول حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته. ومن الأدلة على ذلك: قول الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164]، وقوله جل وعلا:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} وقوله جل وعلا: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف:109] .
ومن الأدلة على ذلك من السنة: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول الله عز وجل يوم القيامة: "يا آدم" فيقول: لبيك ربنا وسعديك. فينادِي"1" بصوت: "إنَّ الله يأمرك أنْ
"1" قال الحافظ العيني في "عمدة القاري"19/68: "على صيغة المعلوم"أي أن الله تعالى ينادي آدم عليه السلام بصوت يسمع. وفي حديث عمران عند الترمذي في التفسير "3169": "ذاك يوم ينادي الله فيه آدم، فيناديه ربه، فيقول: يا آدم ابعث بعث النار
…
"، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وقال عبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على جامع الأصول 9/186: "وهو كما قال"، وقال الألباني في صحيح الترمذي: "صحيح".
تخرج من ذريتك بعثا إلى النار" قال: يا رب وما بعث النار? قال: "من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين" فحينئد تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد ". فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، وقالوا: أينا ذلك الواحد
…
الحديث. رواه البخاري في صحيحه"1".
وما رواه جابر عن عبد الله بن أنيس مرفوعاً: "يحشر الله العباد عُرَاةً غُرْلاً بُهْمَاً - أي ليس معهم شيء - فيناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان ""2".
"1" صحيح البخاري كتاب التفسير باب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} رقم "4741"، وكتاب التوحيد باب قول الله:{وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ولم يقل ماذا خلق ربكم، رقم "7483".
"2" رواه البخاري في صحيحه في العلم باب الخروج في طلب العلم، وفي التوحيد في الباب السابق تعليقاً.
ورواه موصولاً الإمام أحمد في 3/495، والبخاري في الأدب المفرد باب المعانقة
"970"، وابن أبي عاصم في السنة: الكلام والصوت "514"، والحاكم في التفسير 2/437، وفي الأهوال 4/574، والخطيب في الرحلة في طلب الحديث رقم "1" من طرق عن همام عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد ابن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله.. فذكره. ورجاله حديثهم لا ينزل عن درجة الحسن، عدا القاسم، وهو "مقبول"، وقد صحح هذا الإسناد الحاكم، ووافقه=
ومن كلام الله تعالى: "القرآن" فهو صفة من صفات الله تعالى، تكلم به ربنا جل وعلا، وسمعه منه جبريل عليه السلام، ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم، فهو منزل، غير مخلوق. وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، وقوله تعالى:{الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:1،2] .
الذهبي، وحسنه المنذري في الترغيب: فصل في الحساب "5283"، والحافظ في الفتح 1/174، وقال الألباني في التعليق على السنة:"إسناده حسن أو قريب منه".
ورواه الطبراني في مسند الشاميين، رقم "156"، وتمام في فوائده، رقم "928" من طريق محمد بن المنكدر عن جابر. وقال الحافظ في الفتح 1/174:"إسناده صحيح".
ورواه الخطيب "33" من طريق أبي جارود، عن جابر. وقال الحافظ 1/174:"في إسناده ضعف".
وبالجملة هذه الطرق يشد بعضها بعضاً، فهو حديث صحيح بمجموع طرقه، وقد صححه الألباني بمجموع هذه الطرق في التعليق على السنة لابن أبي عاصم.
وقال علامة العراق محمود شكري الألوسي في تفسيره "روح المعاني"ج1: "الذي انتهى إليه كلام أئمة الدين.. أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بحرف وصوت كما تدل عليه النصوص التي بلغت في الكثرة مبلغا لا ينبغي معه تأويل، ولا يناسب في مقابلته قال وقيل، بل قد ورد في إثبات الصوت لله تعالى أحاديث لا تحصى". ينظر شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري 2/221.
ومن أدلة السنة: ما رواه جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: " هل من رجلٍ يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلّغ كلام ربي ""1".
أما الإجماع فقد قال التابعي الجليل عمرو بن دينار: "أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم منذ سبعين سنة، يقولون: القرآن كلام الله، منه خرج وإليه يعود""2".
"1" رواه الإمام أحمد 3/390، وأبو داود في السنة باب في القرآن "4734"، والترمذي في فضائل القرآن "2925"، والبخاري في "خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل"ص18، واللالكائي "554، 555" وغيرهم من طرق عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن ابن أبي الجعد، عن جابر. وإسناده صحيح، رجاله رجال البخاري.
"2"روى هذا القول عنه الدارمي في الرد على المريسي: القول في كلام الله ص474، والبيهقي في الشهادات 9/205 عن ابن راهويه عن ابن عينيه عن عمرو بن دينار. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ومعنى "منه خرج": أن الله تعالى تكلم به، ومعنى "إليه يعود"أن القرآن يرفع في آخر الزمان من المصاحف والصدور، كما روى ابن ماجه " 4049 "، والحاكم في الفتن 4/473 من طريقين أحدهما صحيح عن أبي معاوية عن الأشجعي عن ربعي عن حذيفة مرفوعاً: " يُدرس الإسلام كما يُدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسري على كتاب الله عز وجل =
.......................................................................
=في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: "لا إله إلا الله" فنحن نقولها "وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم. وصححه البوصيري، والألباني في الصحيحة "87". ووشي الثوب: نقشه. وينظر مجموع الفتاوى 6/529 و12/164.
وقال الإمام أبوعثمان الصابوني في مقدمة رسالة: عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص107: "ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه ووحيه وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم". وقد حكى الحافظان أبو حاتم الرازي المتوفى سنة "277هـ"، وأبوزرعة الرازي المتوفى سنة "264هـ" إجماع العلماء الذين أدركاهم في جميع الأمصار على أن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق. روى حكاية هذا الإجماع عنهما اللالكائي 1/176، وابن أبي حاتم كما في العلو للذهبي ص188، وصححه الألباني في مختصر العلو ص204، 205.
وحكى الإمام أحمد كما في اختصاص القرآن رقم "9" نقلا عن العقيدة السلفية ص17 إجماع الفقهاء الذين لقيهم على ذلك، وعلى أنه منه بدأ وإليه يعود. وحكى نحو هذا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 6/528، 529، وينظر ج 12 ص 164.
وذكر إسحاق بن راهويه المتوفى سنة 233هـ أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق. روى ذلك عنه ابن أبي حاتم كما في العلو للذهبي ص 179. وصحح إسناده الألباني في مختصره ص194.
وحكى الحافظ أبونعيم الأصبهاني المولود سنة 336هـ إجماع السلف على=
وأيضاً حكى الحافظ أبونصر السجزي المتوفى سنة "444هـ" إجماع السلف على أن القرآن كلام الله حرف وصوت"1".
=أن القرآن كلام الله حقيقة، وأنه غير مخلوق. حكى هذا الإجماع في كتابه "الاعتقاد" ونقله عنه الذهبي في العلو ص241
وقال الحافظ الذهبي في كتاب العرش 2/96 بعد ذكره لحديث جابر السابق والذي فيه ذكر "الصوت". قال: "وقد ورد في ذلك بضعة عشر حديثاً مرفوعة من سوى أقوال الصحابة والتابعين، وقد تتبعتها وجمعتها في جزء".
"1 " ينظر كتابه "الرد على من أنكر الحرف والصوت"ص169.
وقال في هذا الكتاب أيضاً ص80، 81:"لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري. فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفا وصوتا، فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت، فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة، وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر. وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما يسمى ذلك كلاماً على المجاز، لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم ". اهـ ملخصاً.
وقال في ص 106 "واتفق المنتمون إلى السنة أجمعهم على أنه غير مخلوق، وأن القائل بخلقه كافر. فأكثرهم قال: إنه كافر كفراً ينقل عن الملة، ومنهم من قال: هو كافر بقول غير الحق في هذه المسألة، والصحيح الأول".
وحكى أبوالحسن الأشعري إجماع أهل الحديث والسنة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق"1"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وليس في الأئمة والسلف من قال: إن الله لا يتكلم بصوت ""2".
فالقرآن كلام الله تعالى حقيقة حروفه ومعانيه، وإذا قرأ الإنسان كلام الله تعالى فصوت القارئ مخلوق، ولكن المقروء - وهو كلام الله تعالى - غير مخلوق، وكذلك سماعنا لصوت القارئ مخلوق، ولكن المسموع غير مخلوق.
وأيضاً إذا كتب الإنسان كلام الله تعالى، فالكتابة مخلوقة، ولكن المكتوب - وهو كلام الله - غير مخلوق"3".
"1" ينظر كتابه "مقالات الإسلاميين "1/345 ثم قال بعد ذكره لمذهب أهل الحديث والسنة في القرآن وغيره من مسائل العقيدة: "وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب". وينظر كتابه الإبانة ص16.
"2" مجموع الفتاوى 6/527.
وقال أبوحامد الاسفراييني فيما رواه عنه أبوالحسن الكرجي الشافعي، بإسناد صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 2/95،96:"مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: "مخلوق" فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعاً من الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا..".
"3" ينظر في صفة الكلام لله تعالى المراجع المذكورة عند بيان طريقة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته. وينظر أيضاً: الرد على من أنكر الحرف=
3-
صفة الاستواء على العرش:
إذا جاء لفظ "الاستواء"مقيداً بـ "على" فمعناه في لغة العرب: العلو على الشيء والاستقرار عليه، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف:13] ، والمعنى لتعلوا على ظهورها، وتستقروا عليها، وكما في قوله تعالى عن سفينة نوح عليه السلام:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44] أي استقرت على جبل الجودي، وكما في قوله تعالى:{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 28] أي استقررت عليه، ويقال: استوى فلان على سطح المنزل إذا صعد عليه وعلاه واستقر عليه.
أما العرش فهو في اللغة: السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس:{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]"1".
=والصوت للسجزي، والرد على من يقول القرآن مخلوق للنجاد، وحكاية المناظرة في القرآن لابن قدامة، والتسعينية لشيخ الإسلام، والرسالة السلفية في كلام رب البرية لعبد الله الجديع.
"1" ينظر تأويل مختلف الحديث "شرح حديث النزول "ص182 للإمام اللغوي أبي محمد بن قتيبة المتوفى سنة 276هـ، والصحاح للإمام اللغوي إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى سنة 393هـ، مادة "سوي "، ومادة "عرش "، وشرح اعتقاد أهل السنة لللالكائي "668" نقلاً عن إمام العربية: أبي العباس ثعلب المتوفى=
فاستواء الله تعالى على عرشه معناه: علوه عليه"1"، واستقراره عليه"2"، علواً واستقراراً حقيقياً يليق بجلاله.
= سنة 291هـ، ومختصر الصواعق للحافظ ابن القيم ص360-368، والمصباح المنير للفيومي، مادة "سوي "، وفتح رب البرية 4/35-45. وينظر ما يأتي في التعليقين الآتيين.
"1" روى البخاري في صحيحه في التوحيد باب "وكان عرشه على الماء" تعليقاً عن التابعي الجليل مجاهد بن جبر أنه قال: "استوى: علا على العرش "، ووصله الفريابي، وصحح إسناده الألباني في مختصر العلو ص101. وقال الحافظ أبوعمر الطلمنكي المالكي المولود سنة 339هـ:"قال أبوعبيدة معمر بن المثنى: استوى: علا. وتقول العرب استويت على ظهر الفرس بمعنى: علوتُ عليه "ينظر مجموع الفتاوى 5/520. وروى الدارقطني عن الإمام اللغوي أبي العباس ثعلب المتوفى سنة 291هـ أنه قال في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : علا. ينظر شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي "668".
وروى اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة "662" عن بشر بن عمر وهو من أئمة السلف، توفي سنة 207هـ أنه قال:"سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : ارتفع ". وإسناده صحيح. وروى البخاري في صحيحه في الموضع السابق تعليقاً عن التابعي الجليل أبي العالية الرياحي أنه قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} : ارتفع. ووصله ابن أبي حاتم في تفسير سورة يونس وفي تفسير سورة الرعد بإسناد حسن.
"2" قال الحافظ أبوعمر الطلمنكي المالكي المولود سنة 339هـ: "قال عبد الله بن المبارك ومن تابعه من أهل العلم وهم كثير: إن معنى استوى على العرش: استقر".=
............................................................................
= ينظر مجموع الفتاوى "شرح حديث النزول "5/519. وقال الإمام اللغوي أبومحمد بن قتيبة المتوفى سنة 276هـ في كتابه "تأويل مختلف الحديث "في شرح حديث النزول ص182: "قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي استقر، كما قال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ} أي استقررت ".
وقال الإمام الحافظ أبوعمر بن عبد البر المالكي الأندلسي المولود سنة 368هـ في كتابه "التمهيد "في شرح حديث النزول 7/131 بعد ذكره للآيات الدالة على استواء الله على عرشه: "أما ادّعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل "استوى": استولى. فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة. والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد. وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع، ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه".
وقال الحافظ الذهبي في العلو "520" في ترجمة أبي أحمد الكرجي القصاب المتوفى في حدود سنة 360هـ: "قال العلَاّمة أبوأحمد الكرجي في عقيدته التي ألفها فكتبها الخليفة القادر بالله وجمع الناس عليها، وذلك في صدر المائة الخامسة، وفي آخر أيام الإمام أبي حامد الاسفراييني شيخ الشافعية ببغداد، وأمر باستتابة من =
.......................................................................................
=خرج عنها من معتزلي، ورافضي، وخارجي، فمما قال فيها: كان ربنا عز وجل وحده لا شيء معه ولا مكان يحويه، فخلق كل شيء بقدرته، وخلق العرش لا لحاجة إليه، فاستوى عليه استواء استقرار كيف شاء وأراد، لا استقرار راحة كما يستريح الخلق ".
وقال أبوعبد الله القرطبي المالكي المتوفى سنة "671هـ" في تفسيره "تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 54 من الأعراف" قال: "الاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار ".
وينظر مجموع الفتاوى 5/404، النونية مع شرحها لمحمد خليل هراس 2/242-244، تفسير الإمام الشوكاني: تفسير الآية "54" من الأعراف.
وهذا هو التفسير الصحيح لاستواء الله تعالى على عرشه، أما تفسير المعتزلة والجهمية ومن تبعهم الاستواء بالاستيلاء فهو تفسير خاطئ، وتأباه اللغة العربية التي نزل بها القرآن كما ذكر ذلك الإمام اللغوي أبوعبد الله بن الأعرابي المولود سنة 151هـ كما روى ذلك عنه البيهقي في الصفات "879" واللالكائي "666" وصححه الألباني في مختصر العلو ص194-196، وأقر نفطويه إمام العربية المتوفى سنة 243هـ ابن الأعرابي على ذلك. ينظر العلو "496". كما أن هذا التفسير تفسير ينزه الله تعالىعنه، وهذا شأن من حكَّم عقله في صفات الله تعالى التي لا يحيط بها علماً، فهو يريد أن ينزه الله، فيؤوِّل خوفاً من التشبيه، فيقع في شر مما فرَّ منه، وقد سبق ذكر ما قاله ابن عبد البر في ذلك في أول هذا التعليق.
وقال أبوالحسن الأشعري في كتاب الإبانة ص86، 87: "وقد قال قائلون من =
وهذا الاستواء لا يماثل استواء المخلوقين"1".
= المعتزلة والجهمية والحرورية: إن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إنه استولى وملك وقهر، وإن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض، فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش وعلى كل ما في العالم، فلو كان الله مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء وهو عز وجل مستول على الأشياء كلها لكان مستوياً على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والأفراد، لأنه قادر على الأشياء مستول عليها، وإذا كان قادراً على الأشياء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: إن الله عز وجل مستو على الحشوش والأخلية لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معناه: استواء يختص العرش دون الأشياء كلها ".
وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية تفسير الاستواء بالاستيلاء من اثني عشر وجهاً كما في مجموع الفتاوى 5/144-149، وأبطله الحافظ ابن القيم من إحدى وأربعين وجهاً. ينظر مختصر الصواعق ص352-368، وينظر شرح النونية لابن عيسى 1/440، 441.
"1" قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 5/199: ولله تعالى استواء على عرشه حقيقة، وللعبد استواء على الفلك حقيقة، وليس استواء الخالق كاستواء المخلوقين، فإن الله لا يفتقر إلى شيء ولا يحتاج إلى شيء بل هو الغني عن كل شيء. والله تعالى يحمل العرش وحملته بقدرته، ويمسك السموات والأرض أن تزولا. فمن ظن أن قول الأئمة:"إن الله مستوٍ على عرشه حقيقة "=
وعرش الله تعالى سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، كما ورد في النصوص الشرعية"1".
والكرسي: هو موضع قدمي الرب جل وعلا، كما ثبت عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"2".
يقتضي أن يكون استواؤه مثل استواء العبد على الفلك والأنعام، لزمه أن يكون قولهم:"إن الله له علم حقيقة، وبصر حقيقة، وكلام حقيقة"يقتضي أن يكون علمه وسمعه وبصره وكلامه مثل علم المخلوقين وسمعهم وبصرهم وكلامهم. انتهى كلامه رحمه الله.
"1" كما في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] . وروى البخاري "2412، 7427" ومسلم "2374" عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش".
وقال الحافظ إسماعيل بن كثير الشافعي في أوائل البداية والنهاية 1/20: "العرش
في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى:{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23]
…
فهو أي عرش الرحمن جل وعلا سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات". وينظر مجموع الفتاوى 5/151، 152.
"2" روى وكيع كما في تفسير ابن كثير، ومن طريقه الدارمي في الرد على المريسي ص425، 429، وابن أبي حاتم في تفسيره "2601"، والطبراني في الكبير "12404"، والحاكم 2/282، والبيهقي في الأسماء والصفات "758"،
فاستواء الله تعالى على عرشه من صفاته الفعلية التي دل عليها الكتاب والسنة وإجماع السلف.
فمن أدلة القرآن قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، وقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .
ومن أدلة السنة:
1-
ما رواه ابن عباس رضي الله عنه ما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما ذكر الشفاعة يوم القيامة: "فآتي باب الجنة فيفتح لي، فآتي ربي تبارك وتعالى وهو على كرسيه أو سريره، فأخر له ساجداً ""1".
والمقدسي في المختارة 10/310، 311 وغيرهم عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:"الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله". وإسناده حسن، رجاله ثقات، رجال الصحيحين، عدا عمار الدهني، فهو من رجال مسلم وحده، وهو "صدوق". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي 6/323:"رجاله رجال الصحيح"، وصحح إسناده الألباني في مختصر العلو ص102.
وروى ابن أبي شيبة في العرش "60"، وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه قال:"الكرسي موضع القدمين"وصححه الألباني في مختصر العلو ص124.
"1" سبق تخريجه عند ذكر النوع الرابع من أدلة العلو. وله شواهد ذكرتها عند تخريجه.
2-
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى خلق السموات والأرضين وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش ""1".
"1" رواه النسائي في تفسيره في تفسير سورة السجدة 2/153، 154 ورجاله حديثهم لا ينزل عن درجة الحسن. وقال الألباني في مختصر العلو ص112:"جيد الإسناد"، وحسنه محققا تفسير النسائي.
وله شواهد كثيرة، منها حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه ". رواه الخلال في السنة كما في اجتماع الجيوش الإسلامية ص107، 108، وكما في العلو للذهبي ص"110". وقال الحافظ ابن القيم في الموضع السابق:"إسناد صحيح، على شرط البخاري"، وقال الحافظ الذهبي في الموضع السابق:"رواته ثقات". ومنها حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه مرفوعاً، وفيه: "
…
ثم خلق العرش، ثم استوى عليه تبارك وتعالى "رواه البيهقي في الأسماء والصفات "846"، والذهبي في العلو "13". ورجال البيهقي ثقات، عدا وكيع بن حدس، وهو "مقبول"كما في التقريب. وقال الحافظ الذهبي في العلو ص13، وفي العرش ص"15": "إسناده حسن". ومنها حديث أنس وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة: " وهو اليوم الذي استوى فيه ربك على العرش "رواه الإمام الشافعي في الأم 1/208، وغيره من طرق. وقال الذهبي في العلو ص"44": "هذه طرق يعضد بعضها بعضاً". ومنها قول ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة: "لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش"رواه الطبري في تفسيره تفسير الآية 29 من البقرة، وابن خزيمة في آخر كتاب التوحيد 2/886-888. وقال الألباني في مختصر العلو ص105: "إسناده جيد".
3 -
حديث جبير بن مطعم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا:" إنه لفوق عرشه على سماواته ""1".
"1" رواه أبوداود في السنة باب الرد على الجهمية "4726"، وابن خزيمة في التوحيد "147"، والبيهقي في الأسماء والصفات "883، 884"، وابن مندة في التوحيد "643، 644" ورجاله حديثهم لا ينزل عن درجة الحسن، سوى جبير بن محمد، وهو "مقبول"، وقد صححه ابن منده، وحسنه الذهبي في العرش 2/28، وابن القيم في تهذيب السنن 7/98، وقوّاه الحافظ السجزي في "الرد على من أنكر الحرف" ص124، 125، وشيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 16/435.
وله شاهد من حديث العباس رضي الله عنه رواه الإمام أحمد 1/206، 207، وأبوداود في الموضع السابق "4723"، وابن خزيمة في التوحيد "144"، وقد صححه الجوزجاني في الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير 1/79، وقال الذهبي في العرش 2/33:"إسناده حسن، وفوق الحسن"، ومال إلى تقويته شيخ الإسلام كما في الفتاوى 3/192، وابن القيم في تهذيب السنن 7/92، 93.
وله شاهد آخر من حديث جابر بن سليم رضي الله عنه مرفوعاً، ولفظه " أن رجلاً ممن كان قبلكم لبس بردين، فتبختر فيهما، فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته، فأمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل في الأرض، فاحذروا وقائع الله عز وج ل". وقد رواه الطبراني في الكبير "6384" وغيره. وحسّنه محقق كتاب العلو للذهبي 2/396 بمجموع طرقه.
وله شاهد ثالث من حديث عامر الشعبي أن أم المؤمنين زينب بنت جحش قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "زوجنيك الرحمن من فوق عرشه"رواه الحاكم بإسناد حسن مرسل.
وله شاهد رابع من قول عائشة عن عثمان رضي الله عنهما ولفظه: " علم الله من فوق عرشه أني لم أحب قتله "رواه الدارمي في الرد على الجهمية ص275 بإسناد
وقال الحافظ عثمان بن أبي شيبة المتوفى سنة "297هـ": "تواترت الأخبار أن الله تعالى خلق العرش فاستوى عليه بذاته""1".
وقد أجمع سلف هذه الأمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن الله تعالى فوق عرشه مستو عليه، ولم يقل أحد من السلف: إن الله تعالى ليس على العرش. وقد نقل إجماعهم وإجماع جميع أهل السنة على ذلك جمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين"2"
صحيح. وصححه الألباني في مختصر العلو ص104.
وله شاهد خامس من قول ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه: "الله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه". رواه الدارمي في الموضع السابق، وابن خزيمة 1/242، والذهبي في العلو "67" وإسناده حسن، وصحح إسناده الذهبي، وقال الألباني في مختصر العلو:"سندهم جيد".
وبالجملة فهذا الحديث صحيح بشواهده.
"1" ينظر كتابه "العرش"ص51.
"2" سبق في ختام الكلام على صفة العلو ذكر حكاية الإمام الأوزاعي وهو من أئمة التابعين إجماع الصحابة والتابعين الذين لقيَهم على أن الله تعالى فوق عرشه.
وقد حكى الإمام قتيبة بن سعيد المولود سنة "150هـ" إجماع أئمة الإسلام والسنة والجماعة على أن الله تعالى في السماء السابعة على عرشه. ينظر العلو للذهبي ص174، وحكى إمام المحدثين الحافظ علي بن المديني المتوفى سنة "234هـ" إجماع أهل الجماعة على أنه تعالى فوق السموات على عرشه استوى، ينظر العلو ص178، ونقل الحافظ إسحاق بن راهويه المولود سنة 166هـ إجماع أهل العلم على
......................................................................
أن الله تعالى فوق العرش استوى. ينظر العلو ص174. وقال أبوالحسن الأشعري المتوفى سنة 330هـ في مقالات الإسلاميين 1/285: "قال أهل السنة وأصحاب الحديث: إنه على العرش، كما قال عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ولا نقدم بين يدي الله في القول، بل نقول استوى بلا كيف"، وينظر نفس الكتاب 1/345، ثم قال الأشعري بعد ذكره لمجمل عقائد أهل السنة: "وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب".
وكذلك نقل الحافظ زكريا الساجي الشافعي المتوفى سنة 307هـ إجماع أهل الحديث الذين لقيهم على أن الله تعالى عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء. ينظر العلو للذهبي "482". وذكر الحافظ أبوإسماعيل الصابوني المولود سنة 372هـ في كتاب السنة له 1/109، 110 أن أهل الحديث يشهدون أن الله تعالى فوق سبع سماوات، على عرشه.
ونقل الحافظ ابن عبد البر المالكي المولود سنة 368هـ إجماع علماء الصحابة والتابعين الذين حُمِلَ عنهم التأويل أي التفسير على أن الله تعالى على العرش وعلمه في كل مكان. قال: "وما خالفهم في ذلك أحد يُحتج به". ينظر التمهيد: شرح حديث النزول 7/137، 138، وينظر العلو للذهبي ص249.
وقال الحافظ أبوعمر الطلمنكي المالكي المتوفى سنة 429هـ: "أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله تعالى فوق السماوات بذاته مستوٍ على عرشه كيف شاء، وأن الاستواء من الله تعالى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز". ينظر العلو "526"، ومجموع الفتاوى 5/189.
وقد ثبت عن الإمام مالك إمام دار الهجرة - وهو من تابعي التابعين - أن سأله رجل فقال: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى? فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء " العرق " ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً" ثم أمر به أن يخرج"1".
وقال الحافظ الذهبي الشافعي: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم
وقال أبوعبد الله القرطبي المالكي المتوفى سنة 671هـ في تفسيره 7/219: "لم ينكر أحدٌ من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة". وقال الحافظ الذهبي الشافعي في آخر كتاب العلو ص267: "والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول ونقله عنهم الأئمة". وينظر مجموع الفتاوى 3/260. وكذلك نقل إجماع أهل السنة على استواء الله تعالى على عرشه بذاته جمع كثير من أهل العلم غير من ذكر. ينظر مجموع الفتاوى 5/189-193.
"1" رواه الدارمي في الرد على الجهمية ص280، والصابوني 1/110، 111، والبيهقي في الصفات "867"، وابن عبد البر في التمهيد 7/151 وغيرهم من طرق عن مالك. وهو بهذه الطرق صحيح إلى مالك. وقد جزم الحافظ الذهبي بثبوته في العلو 2/954. ورواه البيهقي "866" بنحوه أخصر منه. وصحح إسناده الذهبي في العلو "344"، وجوّد إسناده الحافظ في الفتح 13/407.
نحوه عن ربيعة شيخ مالك"1"، وهو قول أهل السنة قاطبة ""2".
ومعنى قوله: "الاستواء غير مجهول"أي غير مجهول المعنى في اللغة، فإن معناه العلو والاستقرار"3".
"1" روى هذا القول عنه اللالكائي "665"، والبيهقي "868"، وابن قدامة في صفة العلو "74"، والذهبي في العلو "322"، وإسناد الذهبي حسن. وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 1/365:"ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك"، وقال في الحموية "مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى 5/40": "روى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان، قال: سُئل ربيعة
…
فذكره". وصحح إسناده الذهبي في العلو، والألباني في مختصره ص132.
"2" ينظر العلو ص954.
"3" قال أبوعبد الله القرطبي المالكي المتوفى سنة 671هـ في تفسيره الآية 54 من الأعراف 7/219، 220 عند كلامه على مذهب السلف:"وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته، قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم يعني في اللغة، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار". وينظر مجموع الفتاوى 3/167.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحموية "مطبوع ضمن مجموع الفتاوى 5/41": "قول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب. موافق لقول الباقين: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه علىما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول. ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف. فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل
وقوله: "والكيف غير معقول"معناه أنا لا ندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا، فلا يمكن معرفتها إلا بطريق السمع، ولم يرد السمع بذكر الكيفية، فيجب الكف عن ذكرها.
وقوله: "الإيمان به واجب"، معناه: أن الإيمان باستواء الله على عرشه على الوجه اللائق به تعالى واجب، لأن الله أخبر به عن نفسه، فوجب تصديقه والإيمان به.
وقوله: "والسؤال عنه بدعة"معناه أن السؤال عن كيفية الاستواء بدعة، لأنه لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه.
وهذا الذي ذكره الإمام مالك وشيخه ربيعة ميزان عام لجميع الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإن معناها معلوم لنا، وأما كيفيتها فمجهولة لنا، لأن الله أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، ولأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فإذا كنا نثبت ذات الله تعالى من غير تكييف لها فكذلك يكون إثبات صفاته من غير تكييف"1".
مجهولاً بمنزلة حروف المعجم. وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات". انتهى كلامه.
"1" فتح رب البرية بتلخيص الحموية لشيخنا محمد بن عثيمين "مطبوع ضمن فتاويه 4/40، 41".
4-
صفة الوجه:
"الوجه"من صفات الله تعالى الذاتية، الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} "1"[الرحمن:26،27]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل:" حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " رواه مسلم"2"، وفي حديث الحارث الأشعري
"1" أما قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] فالمراد بالوجه هنا: القبلة، أي قبلة الله. لدلالة السياق على ذلك، فإن "أين"ظرف مكان، و "تولوا" معناه: تستقبلوا. فهذه الآية ليست من آيات الصفات، وهذا من المواضع التي قد يقع فيها الغلط، فيستدل بالآية على الصفة وهي لا تدل عليها، فالدلالة في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف من به من القرائن اللفظية والحالية، ولذلك لا يصح أن يستدل بمثل هذه الآية على صحة التأويل؛ لأن المعنى هنا دلّ السياق عليه، وليست هذه الآية من آيات الصفات أصلاً حتى يستدل بها على صحة التأويل. ينظر مجموع الفتاوى 6/14-17.
"2" صحيح مسلم: الإيمان، باب في قول صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا ينام
…
" حديث "293". ومعنى:"سبحات وجهه": نور وجهه وجلاله وبهاؤه. وبصره تعالى يدرك المخلوقات كلها. فالسبحات محجوبة بالنور وفي رواية: النار فهي حجب تحجب الخلق عن الإدراك. ينظر الرد على المريسي ص527، 528،=
مرفوعاً: " وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ""1".
وأجمع السلف على إثبات صفة الوجه لله تعالى، وعلى أنها صفة حقيقية، تليق بجلاله وعظمته، ولا تماثل صفات المخلوقين.
قال الإمام أبوحنيفة رحمه الله: "له يد ووجه ونفس، كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس، فهو له صفات بلا كيف""2".
5-
صفة اليدين:
مذهب أهل السنة والجماعة أن لله تعالى يدين اثنتين، ويعتقدون أنهما يدان حقيقيتان تليقان بجلال الله تعالى، ولا تماثلان أيدي المخلوقين، وهما من صفات الله تعالى الذاتية، الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى مخاطباً الشيطان الرجيم: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75] .
الصحاح مادة "سبح"، مجموع الفتاوى 6/10.
"1" سبق تخريجه في آخر الكلام على توحيد الربوبية، وهو حديث صحيح.
"2" الفقه الأكبر ص37، وينظر شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص264.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أو يا أبا القاسم! إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر، تصديقا له، ثم قرأ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] . رواه البخاري ومسلم"1".
وعن عبد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله " ويقبض أصابعه ويبسطها"2"؛" أنا الملك " حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني
"1" صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} "7414، 7415"، وصحيح مسلم، أول كتاب صفة القيامة والجنة والنار "2786".
"2" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض أصابعه وبسطها. وهذا منه صلى الله عليه وسلم بيان لقبض الله تعالى السماوات والأرضين بيديه. وأنه قبضٌ حقيقي، وأن لله تعالى يدين حقيقة. ذكر نحو هذا شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في بعض دروسه عند شرحه لكتاب التوحيد لابن خزيمة، وينظر مختصر الصواعق ص371.
لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم"1".
وأجمع سلف هذه الأمة على أن لله تعالى يدين حقيقيتين لا تماثلان أيدي المخلوقين"2".
"1" صحيح مسلم: الموضع السابق "2788". والأحاديث الدالة على إثبات اليدين لله تعالى غير هذا الحديث كثيرة، منها: حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ". رواه مسلم في الإمارة "1827". ومنها حديث أنس في ذكر الشفاعة، وفيه: أن المؤمنين يقولون لآدم: " خلقك الله بيده "رواه البخاري في الموضع السابق "7410"، ومسلم في الإيمان "194". ومنها قول ابن عمر رضي الله عنهما:"خلق الله تعالى أربعة أشياء بيده: العرش، وجنات عدن، والقلم، وآدم، ثم قال لسائر الخلق: " كن فكان ". رواه الدارمي في الرد على المريسي ص393، واللالكائي "730"، والبيهقي "693". وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وله حكم الرفع. وقال الذهبي في العلو: "إسناده جيد". وقال الألباني في مختصره ص105: "سنده صحيح على شرط مسلم".
"2" ولا يصح تحريف معنى اليدين إلى القوة، أو النعمة، أو نحو ذلك كما فعل الأشاعرة، لوجوه منها:
أولاً: أنه صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه بلا دليل.
ثانياً: أنه معنى تأباه اللغة في مثل السياق الذي جاءت به مضافة إلى الله تعالى، فإن الله قال:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ولا يصح أن يكون المعنى لما خلقت بنعمتيَّ، أو قوتيَّ.
6-
المحبة:
المحبة من صفات الله تعالى الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أحب اللهُ العبدَ نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا
ثالثاً: أنه ورد إضافة اليد إلى الله بصيغة التثنية، ولم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا في موضع واحد إضافة النعمة أو القوة إلى الله تعالى بصيغة التثنية، فكيف يفسر هذا بهذا؟.
رابعاً: أنه لو كان المراد بهما القوة أو القدرة لاحتج بذلك إبليس على ربه حين قال له: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقال: وأنا أيضاً خلقتني بقوتك وقدرتك.
خامساً: أن صفة اليد تصرفت تصرفاً يمنع أن يكون المراد بها النعمة أو القوة، فجاءت بلفظ اليد، والكف، وجاء إثبات الأصابع والقبضة، واليمين، والهز لله تعالى، وهذه التصرفات تمنع أن يكون المراد باليد النعمة أو القوة.
قال الإمام أبوحنيفة في الفقه الأكبر ص37: "وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن
…
ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف". وينظر الرد على المريسي ص390، شرح الطحاوية ص265، فتح رب البرية 4/56، 57.
أبغض الله عبداً...." رواه البخاري ومسلم"1"، وفي الصحيحين أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: " لأُعطيَنَّ الراية غداً لرجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ""2".
وأجمع السلف على ثبوت صفة المحبة لله تعالى، وعلى أنها صفة حقيقية، لا تماثل صفات المخلوقين، فهو تعالى يحب من يشاء من خلقه.
هذا وهناك صفات كثيرة غير ما ذكر ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة، أو بأحدهما، وبإجماع السلف، يطول الكلام بذكرها وذكر أدلتها، ومنها: الخلق، والرزق، والرضى، والضحك، والغضب، والعزة، والعلم، والعدل، والحياء، والجمال، والانتقام من المجرمين، والنزول، والكيد لأعدائه، والخداع لمن خادعه، والعين، والأصابع، والقدم، وأنه يراه المؤمنون يوم القيامة، وغير ذلك"3".
"1" صحيح البخاري: التوحيد، باب كلام الرب تعالى مع جبريل ونداء الله الملائكة "7485"، وصحيح مسلم: البر والصلة "2637".
"2" صحيح البخاري: الجهاد "3009"، وصحيح مسلم: فضائل الصحابة "2406".
"3" ينظر في جميع الصفات السابقة المراجع المذكورة عند بيان طريقة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته في نهاية المبحث الأول من هذا الفصل. وقد أطال الحافظ النسائي صاحب السنن في كتابه "النعوت"، والشيخ علوي السقاف في كتاب "صفات الله تعالى"في ذكر صفات الله تعالى والاستدلال لكل صفة.