المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صفات المنافقين - [شرح] تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٢ - الكتاب

[عبد الله بن عبد العزيز الجبرين]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌ توحيد الربوبية

- ‌توحيد الألوهية

- ‌مدخل

- ‌شهادة لا إله إلا الله

- ‌معناها وفضلها

- ‌ شروطها ونواقضها

- ‌العبادة

- ‌تعريف العبادة وبيان شمولها

- ‌ شروط العبادة وأصولها

- ‌توحيد الأسماء والصفات

- ‌مدخل

- ‌ طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌ أقسام الصفات

- ‌ أمثلة لبعض الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة

- ‌ ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات

- ‌نواقض التوحيد

- ‌الشرك الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أقسام الشرك الأكبر

- ‌الكفر الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الكفر

- ‌النفاق الأكبر (الاعتقادي)

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أعمال المنافقين الكفرية

- ‌ صفات المنافقين

- ‌مقتضيات التوحيد

- ‌الوسائل التي توصل إلى الشرك الأكبر

- ‌مدخل

- ‌ الغلو في الصالحين

- ‌ التبرك الممنوع:

- ‌ رفع القبور وتجصيصها، وإسراجها، وبناء الغرف فوقها، وبناء المساجد عليها، وعبادة الله عندها

- ‌الشرك الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الشرك الأصغر:

- ‌الكفر الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أمثلته

- ‌النفاق الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ خصاله وأمثلته

- ‌ البدعة

- ‌الولاء والبراء

- ‌تعريفها وحكمها

- ‌‌‌مظاهر الولاء المشروعوالولاء المحرم

- ‌مظاهر الولاء المشروع

- ‌ مظاهر الولاء المحرم

- ‌ ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم

الفصل: ‌ صفات المنافقين

العلماء والمصلحين، ومن يعيب الدعاة والمجاهدين في وسائل الإعلام وغيرها.

9-

مدح أهل الكفر، ومدح مفكريهم، ونشر آرائهم المخالفة للإسلام، قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، ولهذا تجد منهم في هذا العصر من يمدح بعض الملاحدة في القديم والحديث أمثال:"أبي العلاء المعري"، و "الحلَاّج" و "فرويد" وغيرهم.

ص: 259

المبحث الثالث:‌

‌ صفات المنافقين

للمنافقين صفات كثيرة جداً، ذكرها ربنا جل وعلا في كتابه وذكر بعضها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، ومن أبرزها:

1-

قلة الطاعات، والتثاقل والكسل عند أداء العبادات الواجبة، قال الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]"1".

"1" وفي صحيح البخاري "657"، وصحيح مسلم "651" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام

" الحديث.

ص: 259

2-

الجبن وشدة الخوف والهلع، وهذه الصفة من أهم الأسباب التي جعلتهم يخفون كفرهم ويظهرون الإسلام؛ لأنهم يخافون من القتل ومن أن تسلب أموالهم لكفرهم، وليس عندهم شجاعة فيقاتلون مع الكفار، فيلجأون إلى النفاق، قال الله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4] ، فهُم لشدة خوفهم كلما سمعوا صياحاً ظنوه صياح نذير من عدو هجم عليهم، وقال جل وعلا:{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [براءة:56، 57] ، فهم يتصفون بالفرق - وهو الخوف - فلو وجد أحدهم في حال القتال حصناً أو كهفاً في جبل أو نفقاً في الأرض يدخله ليختفي فيه لذهب إليه مسرعاً"1""2".

3 -

السَّفَه، وضعف التفكير، وقلة العقل، قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ

ص: 260

السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13]، ويتضح سفههم فيما يلي:

أ- إيثارهم الدنيا الفانية على الآخرة، وحرصهم على حطام الدنيا أكثر من حرصهم على طاعة الله التي هي سبب لسعادتهم في الدنيا والآخرة، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن المنافقين الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة:" لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين"1" لشهد العشاء والفجر ""2"، فهم معرضون عمَّا فيه نجاتهم، حريصون على ما لا يستفيدون منه إلا اليسير، وسيتركونه خلف ظهورهم، ولا يغني عنهم من عذاب الله شيئاً، كما قال تعالى في شأن المنافقين:{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المجادلة:17] .

ب- أن كثيراً منهم عنده القناعة بأن دين الإسلام هو الدين الحق وأن أحكامه كلها خير وعدل، ولكن بسبب مجالسته للكفار وانبهاره

"1" أي لو يعلم أحد من المنافقين المتكاسلين عن صلاة الجماعة أنه سيجد عند ذهابه إلى المسجد لأداء صلاة العشاء عَرْقاً سميناً – أي قطعة لحم، وقيل: عظم عليه قليل من اللحم – أو يعلم أنه يجد مرماتين حسنتين – وهما سهمان يلعب بهما – لحضر لصلاة العشاء لحرصه على الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فيما يحصل به رضى الله وجنته. ينظر جامع الأصول 5/568، 569، الفتح 2/129، 130.

"2" صحيح البخاري "644، 722" وأول الحديث كما في الرواية الأخرى: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر..".

ص: 261

بحضارة الغرب المادية، أو بسبب مجالسته لمن انبهر بحضارتهم من المنافقين من علمانيين"1" وحداثيين وقوميين، ومن سماعه لكلامهم ولشبههم التي يثيرونها ضد تعاليم شرع خالقهم وقع في قلبه بغض هذا الدين، وأصبح يدعو إلى تقليد الكفار وتحكيم قوانينهم ويحارب شرع ربه ويعيبه، وهذا منتهى السفه؛ إذ كيف يعيب ويحارب ما يعلم أنه الحق؟ ! .

ج- تلاعب الشيطان بهم حتى أوقعهم فيما هو سبب لهلاكهم وعذابهم في أزمان أبدية سرمدية، قال الله تعالى في شأن المنافقين:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19] .

د- أن المنافق يخادع خالقه الذي يعلم سره وعلانيته، ويحارب شرع ربه، غير مفكر في عاقبة أمره، وأنه غداً في قبره وحشره في قبضة ملائكة القوي العزيز، وأن أمامه عذاب في القبر، وعذاب في

"1" العلمانية بفتح العين، كلمة أعجمية، ظهرت في أوروبا منذ القرن التاسع عشر، وترجمتها الصحيحة:"اللادينية". وهي اصطلاح لا صلة له بالعلم، وهي تطلق على الدعوة إلى إقامة الحياة على القوانين الوضعية وزبالة الأذهان والعقول البشرية، ومحاربة شرع الله تعالى ودينه، وفصل الدين عن الدولة والحياة. ينظر:"الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة" نشر الندوة العالمية للشباب الإسلامي "ص689-696".

ص: 262

النار إن مات على نفاقه، وغير مفكر في مصير من سبقه من المنافقين قبل عشرات أو مئات السنين، كابن أبي سلول، وأبي العلاء المعري"1"، وجمال عبد الناصر"2"

"1" هو أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري، نسبة إلى معرة النعمان التي كان يسكنها، وكان شاعراً، له دواوين ومصنفات في الشعر واللغة، وكان ذكياً، ولم يكن زكياً، وله شعر في الاعتراض على الله تعالى، وفي سبّ أنبياء الله تعالى، ونسب إليه كتاب في معارضة القرآن، وهذا كله كفر وزندقة، فإن كان مات وهو لم يتب من زندقته توبة نصوحاً، فمصيره مصير المنافقين – والعياذ بالله -. وكانت وفاته سنة 449هـ. وينظر في ترجمته وأقواله: تاريخ بغداد 4/240، 241، سير أعلام النبلاء 18/23-39، البداية والنهاية 15/745-753، شذرات الذهب 5/209-212.

"2" هو حاكم مصر من عام 1372هـ-1390هـ الموافق لعام 1952-1970م، وكان في أول أمره يظهر أنه من الدعاة إلى الله تعالى، فلما تولى الحكم لم يحكم بشرع الله تعالى، وكان يدعي أنه من المسلمين مع أنه كان يحارب شرع الله ويستهزئ به ويحارب الدعاة إلى الله، فإن كان مات على حاله فمصيره مصير المنافقين، ولكن الله أعلم بم ختم له به، وإن كان يغلب على الظن أنه مات على الكفر والنفاق؛ لأن حالته ووضعه كانا يتابعان من قبل وسائل الإعلام في بلده وغيرها إلى أن هلك، ولم يذكر عنه توبة، ولا شك أن في حاله وحال أمثاله من الطغاة والظلمة والمنافقين أعظم العظة والعبرة، فقد عاش سنوات معدودة وسيجازى على عمله في هذا الزمن القصير في قعر جهنم إن كان مات على النفاق في أزمان أبدية سرمدية، وهو الآن في قبره تحت التراب في قبضة ملائكة الجبار، مرهون بعمله {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ، والله تعالى قد يستدرج المنافق والظالم بالمال والسلطان والصحة حتى إذا أخذه لم يفلته {وَلا تَحْسَبَنَّ

ص: 263

وطه حسين"1"، وعموم الباطنية، كالإسماعيلية، والدروز، والنصيرية"2"،

اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42] . ينظر: الموسوعة الميسرة "الناصرية ص489-494، والعلمانية ص692".

"1" هو أديب مصري معاصر، وكان من العلمانيين الذين يحاربون كتاب الله، ويقدحون فيه، ومع ذلك كان ينتسب إلى الإسلام، فإن كان مات على هذه الزندقة فمصيره مصير المنافقين. ينظر: كتاب "طه حسين في ميزان العلماء والأدباء" لمحمود الاستانبولي، وكتاب "طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام" لأنور الجندي، والموسوعة الميسرة "العلمانية ص692".

"2" هذه الفرق تظهر الإسلام، ولكنهم في الباطن يؤلهون غير الله ويستحلون المحرمات المقطوع بتحريمها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 28/474، 475 عند كلامه على طوائف الشيعة: "والغالية يُقتلون باتفاق المسلمين، وهم الذين يعتقدون الإلهية والنبوة في علي وغيره، مثل النصيرية، والإسماعيلية الذين يقال لهم: بيت صاد، وبيت سين، ومن دخل في دينهم من المعطلة الذين ينكرون وجود الصانع، أو ينكرون القيامة، أو ينكرون ظواهر الشريعة، مثل الصلوات الخمس

فإن جميع هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى، فإن لم يظهر من أحدهم ذلك كان من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، ومَن أظهَرَ ذلك كان أشد من الكافرين كفراً،.... وليس هذا مختصاً بغالية الرافضة بل من غلا في أحد المشايخ، وقال: إنه يرزق أو تسقط عنه الصلاة أو أن شيخه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هؤلاء يجب قتالهم بإجماع المسلمين، وقتل المقدور عليه منهم". وقال علاّمة اليمن محمد بن إسماعيل الصنعاني في "سبل السلام" 4/357: "الرياء بالإيمان هو إظهار كلمة الشهادة وباطنه مكذب، فهو مخلد في النار في الدرك الأسفل منها، وفي هؤلاء أنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ

ص: 264

وغالب أئمة الرافضة"1"، وغيرهم من الزنادقة ممن مات منهم على الزندقة"2"، وما هم فيه الآن من العذاب الأليم الذي لا يتحمله البشر

قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1] ، وقريب منهم الباطنية الذين يظهرون الموافقة في الاعتقاد ويبطنون خلافه، ومنهم الرافضة أهل التقية، الذين يظهرون لكل فريق أنهم منهم تقية". وينظر النفاق للشيخ عبد الرحمن الدوسري ص119، 120.

"1" من عقائد الروافض المنتسبين إلى التشيع عقيدة "التقية"، حيث يظهرون لأهل السنة أنهم منهم وعلى عقيدتهم، ولكن كثيراً منهم يبطنون عقائد كفرية، كاعتقاد أن القرآن محرف وناقص، وأن ثلاثة أرباعه في السرداب سيخرج به مهديهم المنتظر، كما يزعمون، وكاعتقاد أن أكثر الصحابة كفار، وعلى رأسهم أبوبكر وعمر، كما هو مذكور في كتبهم المشهورة ككتاب "الكافي" للكليني الذي هو عندهم كصحيح البخاري عند أهل السنة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 28/483:"وقد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ، فإنه أظهر الإسلام وأبطن اليهودية، وطلب أن يفسد الإسلام كما فعل بولص النصراني الذي كان يهودياً في إفساد دين النصارى. وأيضاً فغالب أئمتهم زنادقة؛ إنما يظهرون الرفض لأنه طريق إلى هدم الإسلام"، وينظر أيضاً: المرجع السابق 27/161، 175، 176، الفصل في الملل والنحل لابن حزم 4/181-183، الملل والنحل للشهرستاني 2/5-12، النفاق للشيخ عبد الرحمن الدوسري ص119، 120، بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود للجميلي 1/386-415. وينظر التعليق السابق.

"2" من صدر منه فعل من أفعال المنافقين الكفرية أو أقوالهم الكفرية، كأن يسب الله تعالى أو يقدح في دينه حكم عليه بالنفاق والردة إذا توفرت شروط هذا الحكم وانتفت موانعه،

ص: 265

في قبورهم، وما سيلاقونه من العذاب في قعر جهنم خالدين فيها. نسأل الله السلامة والعافية.

وإذا حكم عليه بالنفاق فأظهر التوبة بعد القدرة عليه لم يصدق، لأن إظهاره للتوبة ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل ذلك، وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة، إلا إن ظهر منه من الأقوال والأفعال ما يدل على حسن الإسلام، وكان ذلك قبل رفع أمره إلى السلطان وتكرر منه ما يدل على التوبة النصوح فتقبل توبته، ولا يقتل. ينظر في هذه المسألة: الموطأ مع شرحه المنتقى: الأقضية 5/281، 282، الأم: المرتد 1/259، 260، الخراج لأبي يوسف ص179، التمهيد 10/149-173، إعلام الموقعين 3/128-133. وتنظر المراجع المذكور في حكم الكفر الأكبر. وقد وقع في حوادث إطلاق بعض الصحابة النفاق على بعض من وقع منهم بعض المخالفة كما في قصة عمر مع حاطب، وكما في قصة معاذ مع الأنصاري، وكما في قصة أُسيد مع سعد بن عبادة، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ سليمان بن عبد الله كما في مجموعة التوحيد 1/68:"إذا فعل علامات النفاق جاز تسميته منافقاً لمن أراد أن يسميه بذلك، وإن لم يكن منافقاً في نفس الأمر، لأن بعض هذه الأمور قد يفعلها الإنسان مخطئاً لا علم عنده، أو لمقصد يخرج به عن كونه منافقاً، فمن أطلق عليه النفاق لم ينكر عليه، كما لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أُسيد بن حضير تسميته سعداً منافقاً، مع أنه ليس بمنافق، ومن سكت لم ينكر عليه، بخلاف المذبذب الذي ليس مع المسلمين ولا مع المشركين، فإنه لا يكون إلا منافقاً". وينظر كذلك صحيح البخاري مع شرحه لابن بطّال 9/291، وشرحه للعيني 22/160، ومجموع الفتاوى 7/607، و18/472، 473، والفتح باب وجوب صلاة الجماعة 2/127، وباب إذا طول الإمام 2/197، وإيثار الحق ص389، ومجموعة التوحيد 1/67-69.

ص: 266

4-

التذبذب والمراوغة والتلوُّن، فهم كالحِرْباء التي يتغير لونها بحسب حرارة الشمس، فأول النهار لها لون، ووسط النهار لها لون، وآخره لها لون"1"، وكالشاة العائرة بين الغنمين، فهي متحيرة أيهما تتبع، فتتبع هذه مرة، وتتبع هذه مرة"2"، فالمنافق حائر يخشى أن يعلن الكفر فيقتله المسلمون أو تتضرر مصالحه، ويخشى أن ينتصر الكفار فيقتل أو تتضرر مصالحه من قبلهم، فيلجأ إلى إظهار الإسلام، ويسر إلى الكفار وإلى أمثاله من المنافقين بأنه منهم، قال الله تعالى:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14]، وقال جل وعلا في شأنهم:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء: 143]"3".

"1" قال في لسان العرب "مادة: حرب": "الحرباء: ذكر أم حبين، يستقبل الشمس برأسه، ويكون معها كيف دارات، ويتلون ألواناً بحر الشمس، والجمع: الحرابي، والأنثى الحرباءة، قال الأزهري: الحرباء: دويبة على شكل سام أبرص، ذات قوائم أربع، دقيقة الرأس، مخططة الظهر، تستقبل الشمس، وهي قذرة لا تأكلها العرب بتة.أهـ. ملخصاً.

"2" كما ثبت ذلك في الحديث في صحيح مسلم "2784"، قال النووي في شرح مسلم 17/128:"العائرة: المترددة الحائرة، لا تدري لأيهما تتبع".

"3" وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء: 138، 139] ، وتنظر

ص: 267

5-

الانهزامية واحتقار الذات والشعور بالنقص أمام الأعداء، فهو يشعر أن عموم الكفار أفضل منه ومن بني جنسه – وبالأخص في هذا الزمن الذي تفوق فيه الكفار في النواحي المادية – ولذلك فهو يقلدهم في جميع الأمور، حتى في الأمور التي لا فائدة منها، بل إنه يقلدهم في أمور يعلم هو ضررها، فهو كالبعير المقطور – أي المربوط – رأسه في ذنب بعير آخر، فيسير خلفه ويطأ على ما يطأ عليه، ويبول على رأسه، وهذا منتهى الضلال والضياع والخسران.

6-

قلة الحياء وسلاطة اللسان، قال الله تعالى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} [الأحزاب: 18، 19] "1.

الآيات بعدهما، وتنظر الآية "52" من المائدة.

"1" ينظر في أعمال المنافقين وصفاتهم أو في بعضها: تفسير آيات النفاق في تفاسير ابن جرير، والقرطبي، وابن كثير، والشوكاني، وابن سعدي، وعبد الرحمن الدوسري، وصحيح البخاري مع شرحه لابن حجر: كتاب التفسير، و "صفة النفاق" للفريابي، والسيرة لابن هشام، ودلائل النبوة للبيهقي، والمحلى: المسألة 2119، ج11ص201-226، وزاد المعاد "غزوة المريسيع" 3/256-269، وغزوة تبوك 3/545-550، وطريق

ص: 268

..............................................................................

الهجرتين ص524-528، وقد ذكر فيه مؤلفه ما يقرب من 120 صفة من صفات المنافقين، ومدارج السالكين 1/381-386، والدرر السنية 1/190-193، و2/72، ومجالس شهر رمضان "المجلس26"، ومرويات غزوة بني المصطلق ص60-70، والذهب المسبوك في تحقيق روايات غزوة تبوك ص242-300، والنواقض الاعتقادية 1/158-179.

ص: 269