المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الولاء والبراء ‌ ‌تعريفها وحكمها … الولاء والبراء المبحث الأول: تعريفهما وحكمهما الولاء في اللغة: المحبة - [شرح] تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٢ - الكتاب

[عبد الله بن عبد العزيز الجبرين]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌ توحيد الربوبية

- ‌توحيد الألوهية

- ‌مدخل

- ‌شهادة لا إله إلا الله

- ‌معناها وفضلها

- ‌ شروطها ونواقضها

- ‌العبادة

- ‌تعريف العبادة وبيان شمولها

- ‌ شروط العبادة وأصولها

- ‌توحيد الأسماء والصفات

- ‌مدخل

- ‌ طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌ أقسام الصفات

- ‌ أمثلة لبعض الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة

- ‌ ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات

- ‌نواقض التوحيد

- ‌الشرك الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أقسام الشرك الأكبر

- ‌الكفر الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الكفر

- ‌النفاق الأكبر (الاعتقادي)

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أعمال المنافقين الكفرية

- ‌ صفات المنافقين

- ‌مقتضيات التوحيد

- ‌الوسائل التي توصل إلى الشرك الأكبر

- ‌مدخل

- ‌ الغلو في الصالحين

- ‌ التبرك الممنوع:

- ‌ رفع القبور وتجصيصها، وإسراجها، وبناء الغرف فوقها، وبناء المساجد عليها، وعبادة الله عندها

- ‌الشرك الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الشرك الأصغر:

- ‌الكفر الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أمثلته

- ‌النفاق الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ خصاله وأمثلته

- ‌ البدعة

- ‌الولاء والبراء

- ‌تعريفها وحكمها

- ‌‌‌مظاهر الولاء المشروعوالولاء المحرم

- ‌مظاهر الولاء المشروع

- ‌ مظاهر الولاء المحرم

- ‌ ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم

الفصل: ‌ ‌الولاء والبراء ‌ ‌تعريفها وحكمها … الولاء والبراء المبحث الأول: تعريفهما وحكمهما الولاء في اللغة: المحبة

‌الولاء والبراء

‌تعريفها وحكمها

الولاء والبراء

المبحث الأول: تعريفهما وحكمهما

الولاء في اللغة: المحبة والنصرة، والقرب. والوليّ: المحب والصديق والنصير، وهو ضد العدو. والموالاة والوَلاية: ضد المعاداة"1".

والولاء في الاصطلاح هو: محبة المؤمنين لأجل إيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم، وإعانتهم، ورحمتهم، وما يلحق بذلك من حقوق المؤمنين"2".

"1" الصحاح، ومعجم مقاييس اللغة، والقاموس، والكليات، ولسان العرب "مادة: ولي"، وقال في النهاية "مادة: ولي": "تكرر ذكر "المولى" في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة"ثم ذكر بعضها كالرب، والسيد، والناصر، والمحب، وابن العم، ثم قال: "وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه".

"2" ينظر: تفسيرالجصاص للآية 28 من آل عمران 2/288؛ مجموع الفتاوى 28/209، الفرقان ص4، 5 تفسير الآية 71 من التوبة في تفسير ابن كثير، شرح الطحاوية ص546، 547، مجموعة الرسائل والمسائل 3/290، تيسير العزيز الحميد باب:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً} ص422، الدرر السنية 2/325، مجموع فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز "جمع الطيار 3/1021"،

ص: 543

وهذا الولاء يكون في حق المسلم الذي لم يصر على شيء من كبائر الذنوب.

أما إذا كان المسلم مصراً على شيء من كبائر الذنوب، كالربا، أو الغيبة، أو إسبال الثياب، أو حلق شعر العارضين والذقن "اللحية" أو غير ذلك فإنه يُحبّ بقدر ما عنده من الطاعات، ويبغض بقدر ما عنده من المعاصي"1".

والمحبة للمسلم العاصي تقتضي أن يهجر إذا كان هذا الهجر يؤدي إلى إقلاعه عن هذه المعصية وإلى عدم فعل ما يشبهها من قبله أو من قبل غيره، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وأمر الصحابة أن يهجروهم، فلم يكلموهم خمسين يوماً. متفق عليه "2".

الإرشاد للدكتور صالح الفوزان ص279، الولاء والبراء ص89، 90، النواقض القولية والعملية ص360.

"1" مجموع الفتاوى 28/209، رسالة "المحبة"لشيخ الإسلام ابن تيمية ص89، 90، 133، 198، شرح الطحاوية ص547، مجموع فتاوى ورسائل شيخنا محمد بن عثيمين 3/11، الإرشاد للدكتور صالح الفوزان ص290، حقيقة الولاء والبراء ص532-557.

"2" صحيح البخاري: المغازي "4418"، وصحيح مسلم: التوبة "2769". ومن الهجر لهم: أن لا يُبدأوا بالسلام ولا يرد عليهم إذا سلموا، ويقاطعوا بالكلام

ص: 544

كما أن المحبة للمسلم العاصي تقتضي مناصحته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ليفعل الخير ويجتنب المعصية، فينجو من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، كما تقتضي المحبة للعاصي إقامة الحدود والتعزيرات عليه ليتوب ويرجع إلى الله تعالى، ولتكون تطهيراً له من ذنوبه"1".

وقريب من العاصي: المتهم بالنفاق، فيوالى بقدر ما يظهر منه من الخير، ويعادى بقدر ما يظهر منه من الخبث"2"، وإذا تبين نفاقه

وبالزيارة ونحو ذلك. وينظر: التمهيد 6/118، 127، مجموع الفتاوى 28/203-218، روضة الطالبين 7/367، 368، زاد المعاد 3/575، 578، جامع العلوم والحكم: شرح الحديث 35، ج2، ص268، 269، شرح الطحاوية ص533، الزجر بالهجر للسيوطي، فتح الباري: المغازي 8/124، والأدب باب الهجرة 10/496، الآداب الشرعية 1/229-239، تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعادة والحب والبغض والهجران للشيخ حمود التويجري ص41-64، هجر المبتدع للشيخ بكر أبوزيد، الهجر لمشهور حسن ص153-201. وينظر فتاوى شيخنا محمد بن عثيمين 3/16-18 ففيها تفصيل جيد في المسألة، وفيها قوله: "أما اليوم فإن كثيراً من أهل المعاصي لا يزيدهم الهجر إلا مكابرة وتمادياً في معصيتهم، ونفوراً وتنفيراً من أهل العلم والإيمان، فلا يكون في هجرهم فائدة لهم ولا لغيرهم". وقد حكى القاضي أبويعلى الفراء الحنبلي إجماع الصحابة والتابعين على مشروعية الهجر. ينظر: هجر المبتدع 32.

"1" الإرشاد للشيخ الدكتور صالح الفوزان ص290.

"2" ينظر: الولاء والعداء في علاقة المسلم بغير المسلم للدكتور عبد الله الطريقي

ص: 545

وحكم عليه بالنفاق فحكمه في باب الولاء والبراء حكم بقية الكفار على ما سيأتي بيانه في المبحث الآتي إن شاء الله تعالى.

أما المبتدعة كالجهمية والقدرية والرافضة والأشاعرة ونحوهم فهم ثلاثة أقسام:

القسم الأول: من كان منهم داعياً إلى بدعته أو مظهراً لها وكانت بدعته غير مكفِّرة فيجب بغضه بقدر بدعته"1"، كما يجب هجره

ص17، والتدابير الواقية من التشبه بالكفار للدكتور عثمان دوكوري 2/430. وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد 3/161:"وأما سيرته في المنافقين: فإنه أُمِرَ أن يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله، وأن يجاهدهم بالعلم والحجة، وأمر أن يعرض عنهم، ويغلظ عليهم"

"1" قال شيخ الإسلام إسماعيل الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث "مطبوع ضمن الرسائل المنيرية 1/131" عند كلامه على عقيدة السلف وأصحاب الحديث: "ويتجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات

ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرّت إليها الوساوس والخطرات الفاسدة". وقال الشيخ بكر أبوزيد في رسالة "هجر المبتدع " ص19 عند كلامه على قاعدة: الحب في الله والبغض في الله. قال: "يؤصِّل علماء

ص: 546

ومعاداته، وهذا مجمع عليه بين أهل العلم"1"، فلا تجوز مجالسته، ولا التحدث معه إلا في حال دعوته ونصحه، وهذه المجالسة إنما تجوز في حق العلماء خاصة.

الإسلام "هجر المبتدع ديانة" تحت القاعدة العقدية الكبرى "قاعدة الولاء والبراء". ومفهوم هذه القاعدة الشريفة لدى أهل السنة والجماعة هو: الحب والبغض في الله، فهم يوالون أولياء الرحمن ويعادون أولياء الشيطان، وكل بحسب ما فيه من الخير والشر، وهذه القاعدة من مسلَّمات الاعتقاد في الإسلام، لكثرة النصوص عليها، من الكتاب والسنة، والأثر، ومن أولى مقتضياتها التي يثاب فاعلها ويُعاقب تاركها – البراءة من أهل البدع والأهواء، ومعاداتهم وزجرهم بالهجر ونحوه، على التأبيد حتى يفيئوا، وهذا معقود في كتب اعتقاد أهل السنة والجماعة"، وينظر مجموع الفتاوى 28/209، 210، تفسير القرطبي وتفسير الشوكاني للآية 140 من النساء، والآية 68 من الأنعام، والآية 153 من الأنعام أيضاً، والآية 133 من هود، والآية 22 من المجادلة، موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع للرحيلي ص529-564، وينظر كلام الشيخ ابن عثيمين الذي سيأتي قريباً.

"1" قال البغوي في شرح السنة باب مجانبة أهل الأهواء 1/226، 227 بعد ذكره لحديث كعب بن مالك:"هذا حديث صحيح، وفيه دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة علىهذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم". ونقل في الآداب الشرعية 1/232 عن القاضي أبي يعلى حكايته إجماع الصحابة والتابعين على

ص: 547

.....................................................................

عدم مجالسة المبتدعة،وحكى نحوه الصابوني في عقيدته 1/132 وقال الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ كما في الدرر السنية 8/439، 440:"مواكلة الرافضي والانبساط معه وتقديمه في المجالس والسلام عليه لا يجوز؛ لأنه موالاة وموادة، والله تعالى قد قطع الموالاة بين المسلمين والمشركين.. وقال الحسن: لا تجالس صاحب بدعة، فإنه يمرض قلبك، وقال النخعي: لا تجالسوا أهل البدع، ولا تكلموهم، فإني أخاف أن ترتد قلوبكم؛ فانظر رحمك الله: إلى كلام السلف الصالح، وتحذيرهم عن مجالسة أهل البدع، والإصغاء إليهم، وتشديدهم في ذلك، ومنعهم من السلام عليهم. فكيف بالرافضة: الذين أخرجهم أهل السنة والجماعة من الثنتين والسبعين فرقة؟ مع ما هم عليه من الشرك البواح، من دعوة غيرالله في الشدة والرخاء، كما هو معلوم من حالهم، ومواكلتهم، والسلام عليهم – والحالة هذه – من أعظم المنكرات، وأقبح السيئات، فيجب هجرهم والبعد عنهم، والهجر مشروع لإقامة الدين، وقمع المبطلين، وإظهار شرائع المرسلين، وردع لمن خالف طريقتهم من المعتدين".

وقال شيخنا محمد بن عثمين في شرح لمعة الاعتقاد ص159، 160:"وهجران أهل البدع واجب.. لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك.. ومن هجر أهل البدع ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها أو ترويجها بين الناس، فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب، لقوله صلى الله عليه وسلم في الدجال: " من سمع به فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات "، لكن إن كان الغرض

ص: 548

أما من لم يكن من العلماء فلا يجوز له مجالسة المبتدع، ولا أن يسمع كلامه، ولا أن يجادله، ولا أن يقرأ ما يكتبه، لئلا يقع في قلبه شيء من بدعته، ولئلا يؤثر عليه بما يثيره من الشبهات بين الحين والآخر"1".

من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به، وكان قادراً من الرد عليهم".

"1" روى ابن بطة 2/438، والآجري ص61، 62 عن ابن عباس وأبي قلابة والملائي أنهم قالوا:"لا تجالسوا أهل الأهواء، فإنهم يمرضون القلوب". وروى الدارمي في سننه باب اجتناب أهل الأهواء، وابن وضاح في باب النهي عن الجلوس مع أهل البدع، واللالكائي في باب ما روي في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم، وابن بطة في التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب، والبيهقي في الاعتقاد باب النهي عن مجالسة أهل البدع ومكالمتهم عن جماعة من السلف التحذير من مجالسة المبتدعة وسماع كلامهم وأن ذلك من أسباب ضلال من يجالسهم أو وقوع بعض شبههم في قلبه.

وقال المروذي كما في الآداب الشرعية 1/256 لأحمد بن حنبل: أيُستعان باليهودي والنصراني وهما مشركان ولا يستعان بالجهمي؟ فقال: يا بني، يغتر بهم المسلمون، وأولئك لا يغتر بهم المسلمون. ونقل في الآداب 1/237 أيضاً عن أحمد قال:"يجب هجر من كفر أو فسق ببدعة، أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسِّقة على من عجز عن الرد عليه أو خاف الاغترار به والتأذي، دون غيره".

وقال ابن قدامة كما في الآداب 1/232: "كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم". وينظر إتحاف الإخوان ص64

ص: 549

أما السلام على المبتدع والرد عليه إذا سلم فهو جائز، لكن يستحب ترك السلام عليه، وترك إجابة سلامِه إذا كان في ذلك مصلحة، كأن يكون ذلك سبباً في تركه لها، أو ليَعْلَم من حوله قبح عمله وعقيدته، ليحذره العامة، ونحو ذلك"1".

77، هجر المبتدع، موقف أهل السنة من أهل الأهواء 2/529-563، الهجر ص162-186.

"1" روى ابن القاسم كما في المدونة 1/84 عن الإمام مالك قال: "لا ينكح أهل البدع ولا ينكح إليهم، ولا يسلم عليهم، ولا يصلى خلفهم"، وروى الخلاّل في السنة باب ذكر الروافض 1/493، 494 أن رجلاً سأل الإمام أحمد عن جار له رافضي هل يسلم عليه؟ قال: لا، وإذا سلَّم عليه لا يرد عليه. وسنده صحيح. وروى ابن هانئ في مسائله باب السنة 2/153 أن رجلاً من الشاكَّة في خلق القرآن سلَّم على الإمام أحمد فلم يرد عليه، فأعاد عليه، فدفعه الإمام أحمد، ولم يسلم عليه. وروى العقيلي في الضعفاء 1/179 عن الأوزاعي أنه لقيه ثور الكلاعي فمدّ ثورٌ يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال: يا ثور إنه لو كانت الدنيا كانت المقاربة، ولكنه الدين، يقول: لأنه كان قدرياً.

وقال الشاطبي في الاعتصام 1/229 عند ذكره لأحكام أهل البدع: "الثاني: الهجران وترك الكلام والسلام، حسبما تقدم عن جملة من السلف في هجرانهم لمن تلبس ببدعة، وما جاء عن عمر من قصة صبيغ العراقي". وقصة صبيغ رواها الدارمي "150" وابن بطة "330" بإسنادين يقوي أحدهما الآخر، فهو حسن لغيره، وكان يسأل عن المتشابهات، وفيها أن عمر نهى المسلمين عن مجالسته.

ص: 550

والقسم الثاني من المبتدعة: من كانت بدعته مكفرة، كغلاة الصوفية الذين يدعون الأموات والمشايخ، وكغلاة الرافضة"الشيعة الإمامية" الذين يزعمون أن القرآن محرف أو بعضه غير موجود أو يستغيثون بالمخلوقين، فهؤلاء إذا أُقيمت عليهم الحجة وحكم بكفرهم فحكمهم في باب الولاء والبراء حكم بقية الكفار على ما سيأتي تفصيله في المبحث الآتي – إن شاء الله تعالى -

والقسم الثالث: من كان يخفي بدعته ولا يدعو إليها ولا يحسِّن شيئاً من ضلالاتها ولا يمدح أهلها ولا يثير بعض الشبه التي تؤيدها فهو كالعاصي المخفي لمعصيته، يجالس ويسلم عليه، ولا يهجر"1".

وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح لمعة الاعتقاد ص159: "المراد بهجران أهل البدع: الابتعاد عنهم، وترك محبتهم وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك". وينظر: موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع 2/511-528.

"1" روى الفضل عن الإمام أحمد كما في الآداب الشرعية 1/229 أنه قال: إذا عرفت من أحد نفاقاً فلا تكلمه. قال الفضل: قلت: كيف يصنع بأهل الأهواء؟ قال: أما الجهمية والرافضة فلا. قيل له: فالمرجئة؟ قال: هؤلاء أسهل؛ إلا المخاصم منهم فلا تكلمه ". وينظر: مجموع الفتاوى 24/174، 175، الآداب الشرعية 1/232-234، موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع 2/554.

ص: 551

والبراء في اللغة: التباعد عن الشيء ومفارقته، والتخلص منه، يقال: تبرأت من كذا، فأنا منه براء، وبريء منه"1".

وفي الاصطلاح: بغض أعداء الله من المنافقين وعموم الكفار، وعداوتهم، والبعد عنهم، وجهاد الحربيين منهم بحسب القدرة"2".

وحكم الولاء والبراء أنهما واجبان، وهما أصل عظيم من أصول الإيمان.

فقد وردت أدلة كثيرة جداً تدل على وجوب موالاة المؤمنين ووجوب البراء من جميع الكافرين من يهود ونصارى وبوذيين وعباد أصنام ومنافقين وغيرهم، وعلى تحريم موالاتهم، حتى قال بعض أهل العلم: "أما معاداة الكفار والمشركين: فاعلم أن الله سبحانه وتعالى

"1" ينظر معجم مقاييس اللغة، وأساس البلاغة، ولسان العرب "مادة برأ"، الفائق 1/100.

"2" قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في الفتاوى السعدية: المسألة 33، ص111:"كل مؤمن موحد تارك لجميع المكفرات الشرعية فإنه تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل من كان بخلاف ذلك فإنه يجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته، وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة". وتنظر: مراجع تعريف الولاء في الاصطلاح، وينظر تفسير الآية 4 من الممتحنة في تفسير ابن كثير وتفسير السعدي، وينظر: بدائع الفوائد: الاستثناء 3/69، وسيأتي في المبحث الثالث بيان المراد بالمحاربين – إن شاء الله تعالى-.

ص: 552

قد أوجب ذلك وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده""1" ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ""2".

ومن وأوضح الأدلة على وجوب الولاء للمؤمنين قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] ومن أوضح الأدلة على وجوب البراء من الكافرين وتحريم موالاتهم قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا

"1" سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك للشيخ حمد بن علي بن عتيق "مطبوع ضمن مجموعة التوحيد 1/319".

"2" رواه الطبراني "10357" بإسناد قريب من الحسن. وله شاهد رواه أحمد "4/286 وفيه ضعف، وله شواهد أخرى تنظر في مجمع الزوائد في الإيمان 1/89، 90، وفي السلسلة الصحيحة "998"، فالحديث حسن بشواهده.

ص: 553

أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4] ، وقد أجمع أهل العلم على وجوب الولاء للمؤمنين وعلى تحريم الولاء للكافرين"1".

"1" الفتاوى السعدية ص111، القول المبين في حكم المعاملة بين الأجانب والمسلمين للشيخ محمد حسنين مخلوف شيخ الأزهر سابقاً ص110.

ص: 554