المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الغلو في الصالحين - [شرح] تسهيل العقيدة الإسلامية - ط ٢ - الكتاب

[عبد الله بن عبد العزيز الجبرين]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد

- ‌التوحيد

- ‌مدخل

- ‌ توحيد الربوبية

- ‌توحيد الألوهية

- ‌مدخل

- ‌شهادة لا إله إلا الله

- ‌معناها وفضلها

- ‌ شروطها ونواقضها

- ‌العبادة

- ‌تعريف العبادة وبيان شمولها

- ‌ شروط العبادة وأصولها

- ‌توحيد الأسماء والصفات

- ‌مدخل

- ‌ طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌ أقسام الصفات

- ‌ أمثلة لبعض الصفات الإلهية الثابتة في الكتاب والسنة

- ‌ ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات

- ‌نواقض التوحيد

- ‌الشرك الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أقسام الشرك الأكبر

- ‌الكفر الأكبر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الكفر

- ‌النفاق الأكبر (الاعتقادي)

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أعمال المنافقين الكفرية

- ‌ صفات المنافقين

- ‌مقتضيات التوحيد

- ‌الوسائل التي توصل إلى الشرك الأكبر

- ‌مدخل

- ‌ الغلو في الصالحين

- ‌ التبرك الممنوع:

- ‌ رفع القبور وتجصيصها، وإسراجها، وبناء الغرف فوقها، وبناء المساجد عليها، وعبادة الله عندها

- ‌الشرك الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أنواع الشرك الأصغر:

- ‌الكفر الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ أمثلته

- ‌النفاق الأصغر

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌ خصاله وأمثلته

- ‌ البدعة

- ‌الولاء والبراء

- ‌تعريفها وحكمها

- ‌‌‌مظاهر الولاء المشروعوالولاء المحرم

- ‌مظاهر الولاء المشروع

- ‌ مظاهر الولاء المحرم

- ‌ ما يجوز أو يجب التعامل به مع الكفار مما لا يدخل في الولاء المحرم

الفصل: ‌ الغلو في الصالحين

وتوقع المسلم فيه، والتي حذر منها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في المباحث الآتية:

ص: 275

المبحث الأول:‌

‌ الغلو في الصالحين

لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو على وجه العموم، فقال صلى الله عليه وسلم:" إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ""1".

وثبت أن الغلو في الصالحين كان هو أول وأعظم سبب أوقع بني آدم في الشرك الأكبر، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما – أنه أخبر عن أصنام قوم نوح أنها صارت في العرب، ثم قال:"أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً"2" وسموها

"1" رواه الإمام أحمد 1/215، والنسائي 5/268، وابن ماجه "3029"، وابن حبان في صحيحه "3871" من حديث ابن عباس بإسناد صحيح. وقال النووي في المجموع 8/127:"صحيح على شرط مسلم". ورواه الطبراني 18/289، والبيهقي 5/127 بإسناد حسن عن ابن عباس عن أخيه الفضل، وحسنه النووي في المجموع، ورواه الإمام أحمد 1/347 عن ابن عباس أو أخيه الفضل.

"2" الأنصاب: جمع نصب، وهو كل ما ينصب من عصا أو حجر أو غيرهما لغرض ما، وكانت للعرب في الجاهلية أنصاب – وهي أحجار – كانوا ينصبونها ويذبحون عليها، فتحمر بالدم، وقيل: إنها أحجار كانوا ينصبونها ويتخذونها صنماً يعبدونه. ينظر: عمدة القاري 19/263، النهاية، مادة "نصب"، القول المفيد 1/368.

ص: 275

بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم"1"، عُبدت""2".

ولذلك ينبغي للمسلم أن يحذر من التساهل في هذا الباب؛ لئلا يؤدي به أو يؤدي بمن يراه أو يقلده أو يأتي بعده إلى الوقوع في الشرك الأكبر.

ومن أنواع الغلو المحرم في حق الصالحين والذي يوصل إلى الشرك:

أولاً: المبالغة في مدحهم، كما يفعل كثير من الرافضة، وقلدهم في ذلك كثير من الصوفية، وقد أدت هذه المبالغة بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في الشرك الأكبر في الربوبية"3"، وذلك باعتقاد أن بعض الأولياء

"1" النسخ: تبديل الشيء بغيره. والمراد هنا: تبديل علم سبب نصب هذه الصور من تذكر أحوالهم إلى أنه من أجل عبادتهم. ينظر: تهذيب اللغة 7/182، الفتح 8/669.

"2" صحيح البخاري: التفسير "4920".

"3" قال العلامة شكري الألوسي الحنفي:"وقد علمت أن الذي أوقع المشركين السابقين في شبكة الشرك هو غلوهم في المخلوق، وإثبات خصائص الألوهية لغير الله، كما هو ديدن غلاة زماننا"، وقال أيضاً:"الغلو في الأنبياء والرسل عليهم السلام، والغلو في المخلوق أعظم سبب لعبادة الأصنام والصالحين، كما كان في قوم نوح من عبادة لنسر وسواع ويغوث ونحوهم، وكما كان من عبادة النصارى للمسيح عليه السلام"، ينظر: كتابا الألوسي: فتح المنان ص477، ومسائل الجاهلية ص71 نقلاً عن جهود علماء الحنفية ص824،826، وينظر: التيسير والقول المفيد، باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين.

ص: 276

يتصرفون في الكون، وأنهم يسمعون كلام من دعاهم ولو من بعد، وأنهم يجيبون دعاءه، وأنهم ينفعون ويضرون، وأنهم يعلمون الغيب"1"، مع أنه ليس لديهم دليل واحد يتمسكون به في هذا الغلو، سوى أحاديث مكذوبة أو واهية ومنامات، وما يزعمونه من الكشف إما كذباً، وإما من أثر تلاعب الشيطان بهم، وقد أدى بهم هذا الغلو إلى الشرك في الألوهية أيضاً، فدعوا الأموات من دون الله، واستغاثوا بهم، وهذا والعياذ بالله من أعظم الشرك"2".

"1" ومن هذا الغلو قول البوصيري في بردته يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم

وهذا المدح لا مستند له من كتاب ولا سنة ولا قول صحابي، وإنما هو كذب محض ومعصية للنبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن إطرائه بالغلو في مدحه كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى. والبوصيري ليس من أهل العلم أصلاً، وإنما هو شاعر برع في النظم، ومع ذلك تجد كثيراً من الصوفية يرددون قصيدته هذه مع ما فيها من الغلو والشرك الصريح، فهم إن استمروا على ذلك ولم يتوبوا منه قد شاركوه في معاندة النبي صلى الله عليه وسلم والاستهانة بسنته، وارتكاب نهيه. ينظر: شذرات الذهب 7/753،754، الاستغاثة 1/308، كشف الظنون 2/1031-1036، جهود الحنفية ص696،802.

"2" قال الشيخ شمس الدين الأفغاني في جهود علماء الحنفية ص823،824:"قال الإمام محمود الألوسي "1170هـ"، وتبعه ابنه نعمان الألوسي "1317هـ" وحفيده شكري الألوسي "1342هـ"، والشيخ غلام الله الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن، والعلامة

ص: 277

وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الغلو في مدحه عليه الصلاة والسلام، فقال:" لا تطروني كما أطرت"1" النصارى المسيح بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا:

الرباطي، والعلامة الرستمي: وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً} [الحج: 73] إلخ، إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله، حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى، وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون: إنهم وسائلنا إلى الله.. ورأيت كثيراً منهم يسجد على أعتاب حجر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعاً في قبورهم، وإذا طولبوا بالدليل قالوا: ثبت ذلك بالكشف، قاتلهم الله ما أجهلهم وأكثر افتراءهم!! ومنهم من يزعم أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة. وعلماؤهم يقولون: إنما تظهر أرواحهم متشكلة، وتطوف حيث شاءت، وربما تشكلت بصورة أسد، أو غزال، أو نحوه، وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة، وكلام سلف الأمة، وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم، وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة من اليهود والنصارى، وكذا لأهل النحل والدهرية، نسأل الله تعالى العفو والعافية". انتهى، وهذا النص موجود بحروفه في روح المعاني لمحمود الألوسي، تفسير الآية 78 من سورة الحج 17/202، وسيأتي مزيد بيان لتلاعب الشيطان بغلاة القبور ونحوهم في المبحث الثالث عند بيان حال من دعا الناس إلى الغلو في القبور - إن شاء الله تعالى -.

"1" قال في لسان العرب، مادة"طرا":"أطرى فلان فلاناً إذا مدحه بما ليس فيه، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح. ."، وأطرى: إذا زاد في الثناء، والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه".

ص: 278

عبد الله ورسوله " رواه البخاري"1"، وإذا كان هذا في حقه صلى الله عليه وسلم فغيره من البشر أولى أن لا يزاد في مدحهم، فمن زاد في مدحه صلى الله عليه وسلم أو في مدح غيره من البشر فقد عصى الله تعالى، ومن دعا إلى هذا الغلو وأصر عليه بعد علمه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم فقد ردَّ سنته صلى الله عليه وسلم، ودعا الناس إلى عدم اتباعه عليه الصلاة والسلام، وإلى اتباع وتقليد اليهود والنصارى في ضلالهم وغلوهم في أنبيائهم، والذي نهاهم الله تعالى عنه"2".

والنبيُّ صلى الله عليه وسلم له فضائل كثيرة ثابتة في كتاب الله تعالى وفي صحيح سنته عليه الصلاة والسلام"3"، فهو عليه الصلاة والسلام ليس في حاجة إلى أن يكذِب ويزوِّر الناسُ له فضائل صلوات ربي وسلامه عليه.

"1" في أحاديث الأنبياء، باب "واذكر في الكتاب مريم""3445".

"2" وذلك في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]، وفي قوله تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء:171] .

"3" ومن فضائله صلى الله عليه وسلم الثابتة في الكتاب والسنة أنه أفضل الخلق على الإطلاق، ورسول رب العالمين إلى جميع الثقلين، وعبد الله وخليله، وأفضل رسله وخاتمهم، أكرمه الله تعالى بعروجه إليه وتكليمه له بلا واسطة، وبالإسراء، والصلاة بالأنبياء، وكان أشجع الناس، وأجودهم صدراً، وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، وأتقاهم لله،

ص: 279

..................................................................................

وأكثرهم له محبة، وأكثرهم منه خوفاً، وأحسن الناس خلقاً، فما من خلق كريم فاضل إلا وقد اتصف به وفاق الناس فيه، وكان أشرف الناس نسباً، وأفصحهم لساناً، وأحسنهم بياناً، أوتي جوامع الكلم، قد شرح الله صدره، ورفع منزلته وذكره، وأوجب على من ذكره أو ذكر عنده أن يصلي عليه، ووعده إذا صلى عليه أن يصلي عليه جل وعلا عشراً، وأوجب على جميع الثقلين طاعة أمره واجتناب نهيه، ووعد من أطاعه بالسعادة في الدارين، ومن عصاه بالشقاء فيهما، وأوجب عليهم محبته أكثر مما يحبون أنفسهم وأموالهم وأولادهم والناس أجمعين، وهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول شافع، وأول مشفع، وصاحب المقام المحمود - مقام الشفاعة يوم القيامة -، والحوض المورود، وصاحب الوسيلة - وهي أعلى منزلة في الجنة- وصاحب الكوثر - وهو نهر عظيم في الجنة -، وهو صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية أفضل من حياة الشهداء إذ هو أفضل منهم بلا ريب، ومن قضى أكثر أوقاته في الصلاة عليه فاز بسعادة الدارين وكُفي همه وغمه، وغير ذلك كثير من فضائله الثابتة في الكتاب والسنة. ينظر: جامع الأصول، كتاب الفضائل ج8، ومجمع الزوائد، كتاب علامات النبوة ج8، والشفا لعياض، والدرر السنية 1/230.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 27/220:"والنبي صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نحبه حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وأهلنا وأموالنا، ونعظمه ونوقره ونطيعه باطناً وظاهراً، ونوالي من يواليه، ونعادي من يعاديه، ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته صلى الله عليه وسلم، ولا يكون ولياً لله بل ولا مؤمناً ولا سعيداً ناجياً من العذاب إلا من آمن به واتبعه باطناً وظاهراً. ولا وسيلة يتوسل إلى الله عز وجل بها إلا الإيمان به

ص: 280

ثانياً: تصوير الأولياء والصالحين

من المعلوم أن أول شرك حدث في بني آدم سببه الغلو في الصالحين بتصويرهم، كما حصل من قوم نوح عليه السلام، وقد سبق ذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك في مقدمة هذا المبحث"1".

وطاعته. وهو أفضل الأولين والآخرين، وخاتم النبيين، والمخصوص يوم القيامة بالشفاعة العظمى التي ميزه الله بها على سائر النبيين، صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، لواء الحمد، آدم فمن دونه تحت لوائه، وهو أول من يستفتح باب الجنة، فيقول الخازن: من أنت؟ فيقول: أنا محمد. فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك.

"1" يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إن أولئك كانوا إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور "رواه البخاري "427" ومسلم "528" من حديث عائشة رضي الله عنها قال الحافظ ابن القيم الحنبلي في إغاثة اللهفان ص 188، 189 بعد ذكره لأثر ابن عباس السابق:"وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوماً صالحين في قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته" ثم ذكر حديث عائشة السابق، ثم قال:"فقد رأيت أن سبب عبادة ود ويغوث ويعوق ونسرا واللات، إنما كانت من تعظيم قبورهم، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال الإمام القرطبي المالكي في المفهم في شرح حديث عائشة السابق 2/931،932:"إنما فعل ذلك أوائلهم ليأتنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا بها أحوالهم

ص: 281

ولخطر التصوير وعظم جرم فاعله وردت نصوص شرعية فيها تغليظ على المصورين، وتدل على تحريم التصوير لذوات الأرواح بجميع صوره وأشكاله"1".

الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله تعالى عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم إنه خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك، وشدد النكير والوعيد على فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك، فقال: اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد - أي أنهاكم عن ذلك –". وينظر: تفسيره، تفسير الآية 104 من البقرة2/58.

وقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح 1/525 قول القرطبي السابق إلى قوله:"فعبدوها"مقراً له دون أن يعزوه إلى القرطبي. وينظر الجواب المفيد ص27، المجموع الثمين 2/249، الشرح الممتع: شروط الصلاة 2/201.

"1" وقد اختلف علماء هذا العصر في حكم التصوير الفوتوغرافي، وهو التصوير بالآلة "الكمرة"، وكثير من العلماء المعاصرين يرون تحريمه، ويرون أنه لا يجوز منه إلا ما له ضرورة أو حاجة، كالتصوير من أجل الحفيظة ونحو ذلك، وعلى رأسهم شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة الأسبق، وأعضاء اللجنة الدائمة بهيئة كبار العلماء بالمملكة، وفي مقدمتهم شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا النوع ليس من التصوير المحرم.

وإليك قول أفضل من وقفت على قوله ممن فصَّل في هذه المسألة من أصحاب هذا القول – وهو شيخنا محمد بن صالح بن عثيمين – فقد قال في القول المفيد: باب ما جاء في

ص: 282

..............................................................................

المصورين 2/439،440، عند ذكره الخلاف في هذه المسألة:"القول الثاني: أنها ليست بتصوير، ولكن يبقى النظر هل يحل هذا الفعل أو لا؟ والجواب: إذا كان الغرض محرماً كان حراماً، وإذا كان الغرض مباحاً صار مباحاً؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وعلى هذا فلو أن شخصاً صور إنساناً لما يسمونه بالذكرى فإن ذلك محرم ولا يجوز؛ لما فيه من اقتناء الصور؛ لأنه لا شك أن هذه صورة، ولا أحد ينكر ذلك، وإذا كان لغرض مباح كما يوجد في التابعية والرخصة والجواز وما أشبهه فهذا يكون مباحاً"، وقال أيضاً كما في فتاواه جمع أشرف بن عبد المقصود 1/149:"إذا كان الغرض من هذا الالتقاط هو أن يقتنيها الإنسان ولو للذكرى صار ذلك الالتقاط حراماً، وذلك لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، واقتناء الصور للذكرى محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وهذا يدل على تحريم اقتناء الصور في البيوت، وأما تعليق الصور على الجدران فإنه محرم ولا يجوز، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة".

وذهب بعض أهل العلم إلى أن التصوير السينمائي – وهو التصوير الفلمي – والتصوير التلفزيوني ليسا من التصوير المحرم أيضاً، وذهب بعض العلماء إلى القول بتحريمهما لعموم النصوص، واستثنى بعضهم ما كان لمصلحة شرعية كبعض مسائل التعليم والدعوة ونحو ذلك.

ولذلك كله فإنه ينبغي لأهل التوحيد الحريصين على محاربة الشرك ومحاربة كل ما هو وسيلة إليه أن يحذروا من التساهل في أمر التصوير، وبالأخص تصوير كبار أهل العلم ومن لهم منزلة كبيرة في قلوب الناس من أهل الخير والصلاح، فالتساهل في هذا الأمر خطير، والزلل فيه كبير.

ص: 283

ومن النصوص الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إنّ أشدَّ الناس عذاباً يوم القيامة المصورون " رواه البخاري ومسلم"1"، وروى البخاري ومسلم أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما – أنه أتاه رجل فقال: إني رجلٌ

وكثير من المسلمين يتساهل في أمر التصوير الفوتوغرافي والسينمائي مع أنهم لم يبذلوا الجهد في معرفة القول الصحيح في ذلك، وكثير منهم ليس من أهل العلم الذين بلغوا رتبة الاجتهاد، وإنما يقلد غيره من أقرانه، أو يتمسك بقول بعض المفتين، ومن المعلوم أنه لا يجوز للمسلم أن يختار من أقوال أهل العلم ما تهواه نفسه، فإن هذا من اتباع الهوى، ومن تتبع رخص الفقهاء، وليس من اتباع الشرع، وقد نصَّ أهل العلم على تحريم تتبُّع رخص الفقهاء، وغلظوا القول في حق من يستكثر من ذلك، والذي يجب على المقلد أن يتبع أقوال أفضل العلماء ديناً وعلماً في جميع المسائل، كما نص على ذلك أهل العلم. ينظر: إعلام الموقعين "الفتوى: الفائدة 66" 4/261، الأصول من علم الأصول: الاجتهاد: مواضع التقليد ص100.

وينظر في بيان حكم التصوير فتح الباري، باب التصاوير، والأبواب التسعة التي بعده، فتاوى شيخ مشايخنا محمد بن إبراهيم مفتي المملكة في وقته 1/178-195، فتاوى شيخنا عبد العزيز بن باز "جمع د. عبد الله الطيار: التصوير 2/797-83"، فتاوى اللجنة الدائمة لهيئة كبار العلماء بالمملكة 1/458-464، الشرح الممتع: باب شروط الصلاة 2/195-205، رسالة"التنوير فيما ورد في حكم =التصوير"للشيخ محمد الغفيلي، وينظر: رسالة"أحكام التصوير"للشيخ محمد بن أحمد الواصل، فهي شاملة لجل مسائل التصوير والأحكام المتعلقة به.

"1" صحيح البخاري: اللباس "5950"، وصحيح مسلم: اللباس "2109".

ص: 284

أصوّر هذه الصور، فأفتني فيها، فقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم ". وقال: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له"1".

وثبت عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج الأسدي:"ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته". رواه مسلم"2".

ولذلك فإنه ينبغي للمسلم ألا يتساهل في أمر التصوير بجميع أنواعه، سواء منه ما كان مجسماً، كالتماثيل وغيرها مما له ظل – وهو أشد حرمة وأعظم إثماً"3" – أم ما كان على ورق أو جدار أو خرقة أو غيرها،

"1" صحيح البخاري: البيوع "2225"، وصحيح مسلم "2110"، واللفظ له، ولفظ البخاري: سمعته يقول:" من صور صورة فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً "، فربا الرجل ربوة شديدة واصفَّر وجهه، فقال ابن عباس: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح. أ. هـ. ومعنى قوله: ربا ربوة: ذعر وامتلأ خوفاً.

"2" صحيح مسلم "969".

"3" وقد حكى ابن العربي المالكي الأندلسي في عارضة الأحوذي في اللباس 7/253 وغيره الإجماع على تحريم الصور المجسمة.

واستثنى بعضهم من ذلك لعب الأطفال إذا كانت الصورة إجمالية لا تفصيلية.

ص: 285

ويعظم خطر التصوير إذا كان المصوَّر من كبار أهل العلم، أو ممن لهم منزلة كبيرة في قلوب الناس.

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان:"التصوير معناه نقل شكل الشيء وهيئته بواسطة الرسم أو الالتقاط بالآلة أو النحت، وإثبات هذا الشكل على لوحة أو ورقة أو تمثال، وكان العلماء يتعرضون للتصوير في مواضيع العقيدة؛ لأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك، وادعاء المشاركة لله بالخلق أو المحاولة لذلك، وأول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير

فالتصوير هو منشأ الوثنية؛ لأن تصوير المخلوق تعظيم له، وتعلق به في الغالب، خصوصاً إذا كان المصوّر له شأن من سلطة أو علم أو صلاح، وخصوصاً إذا عُظمت الصورة بنصبها على حائط أو إقامتها

والعبرة في تحريم الصورة بوجود الرأس، لحديث:"الصورة الرأس"الذي، رواه الإسماعيلي في معجمه كما في الجامع الصغير، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة "1921"، ولقول جبريل للنبي عليهما الصلاة والسلام:" مُرْ برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة "رواه أبو داود "4158" بإسناد حسن.

والتحريم يشمل في قول الجمهور: الصور الخيالية التي لا يوجد لها مثيل في الواقع، كإنسان له منقار، وفرس له جناحان، ونحو ذلك، ويشبه ذلك ما يعرف بأفلام الكرتون، وألحق بعض أهل العلم بالصور المحرمة تحنيط الحيوان؛ لأنه يؤدي إلى تعليق الصور، ولأن ذلك يكون وسيلة إلى تعلق بعض الجهال بها، ظناً منهم أنها تدفع البلاء عن البيت وأهله. ينظر: رسالة"أحكام التصوير"لمحمد الواصل.

ص: 286