الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وأن يستام الرجل على سوم أخيه
…
الفصل الثاني: ورد في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وأن يستام الرجل على سوم أخيه
185 -
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب".
رواه البخاري1 واللفظ له، ومسلم2، وأبو داود3، والترمذي4، والنسائي5، وابن ماجه6، ومالك7، وأحمد8، والدارمي9، كلهم من طرقٍ عن نافعٍ عنه به.
إلا أن في لفظ أبي داود وأحمد: "لا يبع على بيع أخيه إلا بإذنه"، وفي لفظ للنسائي:"لا يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر".
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2139،2165) ، وكتاب النكاح (9/رقم 5142) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب النكاح (2/1032) ] .
3 سنن أبي داود [كتاب النكاح (2/565) ] .
4 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/587) ] .
5 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/258) ] .
6 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/733) ] .
7 الموطأ (2/526) .
8 المسند (2/7،63،142) .
9 سنن الدارمي (2/181) .
ورواه أحمد من وجهٍ آخر عن حسن بن موسى الأشيب عن ابن لهيعة ثنا عبيد الله بن أبي جعفر عن زيد بن أسلم قال: سمعت رجلاً سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن بيع المزايدة، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث"1.
وقد تقدم الكلام2 في ابن لهيعة وأنه ضعيف. إلا أنه قد تابعه عمر بن مالك كما عند ابن الجارود3، والدارقطني4.
وعمر بن مالك هذا جعله ابن حجر في مرتبة "لا بأس به"5، وتابعهما أيضاً أسامة بن زيد الليثي كما عند الدارقطني6، إلا أن في إسناده الواقدي وهو متروك، وقد كذبه بعضهم7.
فمما تقدم يتبين أن هذا الطريق حسن.
ورواه الدارقطني من طريق كامل بن طلحة أبي يحيى عن ابن لهيعة به بلفظ: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزايدة، ولا يبع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث"8.
وكامل بن طلحة قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: مقارب الحديث. ووثقه في رواية. ووثقه الدارقطني أيضاً9.
1 مسند أحمد (2/71) .
2 تقدم عند حديث رقم (1) .
3 المنتقى - المطبوع مع تخريج غوث المكدود (2/161) .
4 سنن الدارقطني (3/11) .
5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4961) .
6 سنن الدارقطني (3/11) .
7 تهذيب التهذيب (9/363-366)، تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6175) .
8 سنن الدارقطني (3/11) .
9 تهذيب التهذيب (8/408-409) .
وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه "لا بأس به"1.
وكامل بن طلحة لم يتابع على قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المزايدة". وقد خالفه حسن بن موسى الأشيب كما سبق عند أحمد، فقد ذكر أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن بيع المزايدة فقال
…
" الحديث، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزايدة.
وحسن بن موسى الأشيب ثقة2، فيقدم على كامل بن طلحة. وتكون رواية حسن بن موسى هي المحفوظة. والله أعلم.
186 -
(2) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر".
رواه مسلم3 واللفظ له، وأحمد4، والدارمي5، كلهم من طرقٍ عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عنه به.
وعند مسلم أن عقبة بن عامر رضي الله عنه حدث بهذا الحديث وهو يخطب على المنبر.
وعند أحمد أن ذلك كان في مصر.
1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5603) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1288) .
3 صحيح مسلم [كتاب النكاح (2/1034) ] .
4 المسند (4/147) .
5 سنن الدارمي (2/326) .
187 -
(3) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزيد الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته".
رواه أبو داود الطيالسي1 واللفظ له، ومن طريقه أحمد2، عن عمران بن داور عن قتادة عن الحسن عنه به.
ولفظ أحمد: "نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو يبتاع على بيعه".
وعمران بن داور - بالراء المهملة في آخره - هو أبو العوام القطان البصري، قال فيه ابن معين: ليس بالقوي. وقال مرّةً: ليس بشيء. وقال البخاري: صدوق يهم. وقال أبو داود والنسائي: ضعيف. وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم3.
وجعله ابن حجر في مرتبة "صدوق يهم"4.
وفي الإسناد عنعنة الحسن عن سمرة، وقد تقدم الكلام في سماعه منه5.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد ضعيف، إلا أنه يرتقي بشواهده إلى الحسن. والله أعلم.
1 مسند الطيالسي (ص123) .
2 المسند (5/11) .
3 تهذيب التهذيب (8/131-132) .
4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5154) .
5 تقدم عند حديث رقم (171) .
188 -
(4) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل أن تنكح المرأة بطلاق أخرى، ولا يحل لرجلٍ أن يبيع على صاحبه حتى يذره، ولا يحل لثلاثة نفرٍ يكونون بأرضٍ فلاةٍ إلا أَّمروا عليهم أحدهم، ولا يحل لثلاثة نفرٍ يكونون بأرضٍ فلاةٍ يتناجى اثنان دون صاحبهما".
رواه أحمد1، والطبراني في الكبير2، كلاهما من طريق ابن لهيعة، ثنا عبد الله ابن هبيرة عن أبي سالم الجيشاني عنه به.
وابن لهيعة قد تقدم الكلام فيه وأنه ضعيف3. وباقي رجال الإسناد ثقات.
وأبو سالم الجيشاني هو سفيان بن هانئ، ذكره ابن حبان والعجلي في الثقات. وقد روى له مسلم. وقيل: له صحبة4.
فمما تقدم يتبين أن الشاهد من الحديث وهو بيع الرجل على بيع أخيه ضعيف بهذا الإسناد، إلا أن له شواهد صحيحة يكون بها حسناً. والله أعلم.
189 -
(5) عن سفيان بن وهب رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن المزايدة".
رواه البزار5 بإسناده عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن المغيرة بن زياد عنه به. قال البزار: "لا نعلم روى سفيان غير هذا".
1 المسند (2/176-177) .
2 المعجم الكبير (قطعة من الجزء 13/56-57) .
3 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (1) .
4 تهذيب التهذيب (4/123) .
5 كشف الأستار (2/90) .
وفي الإسناد ابن لهيعة وقد تقدم الكلام فيه1، وأنه ضعيف.
والمغيرة بن زياد لم أعرفه، وليس هو بالموصلي. فإن الموصلي متأخر عن هذه الطبقة، وقد توفي سنة اثنتين وخمسين ومائة2، بينما توفي سفيان بن وهب سنة اثنتين وثمانين3، فيبعد سماعه منه، ولا سيما أن سفيان بن وهب كان في مصر والمغيرة بن زياد كان في الموصل. وكذلك فإن يزيد بن أبي حبيب قد توفي قبل الموصلي، فقد توفي سنة ثمانٍ وعشرين ومائة4 من الهجرة.
فمما سبق يتبين أن الحديث ضعيف بهذا الإسناد.
وأما قول البزار: "لا نعلم روى سفيان غير هذا"، فقد ذكر ابن حجر له ثلاثة أحاديث أخرى5، وذكر ابن أبي عاصم حديثاً آخر له أيضاً6. والله أعلم.
190 -
(6) عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبتاعنَّ أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه".
رواه أبو يعلى7 بإسناده عن بشر بن الحسين الأصبهاني عن الزبير بن عدي عنه به.
1 تقدم الكلام عليه عند الحديث رقم (1) .
2 تهذيب التهذيب (10/260) .
3 الإصابة (2/58) .
4 تاريخ مولد العلماء ووفياتهم (1/300) .
5 الإصابة (2/58) .
6 الآحاد والمثاني (5/243) .
7 مسند أبي يعلى الموصلي (7/97) .
وبشر بن الحسين الأصبهاني قال فيه البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير. وقال أيضاً في حديثه عن الزبير عن أنس: هي أحاديث موضوعة، ليس للزبير عن أنس إلا أربعة أحاديث. وكذبه أبو داود. وقال الدارقطني: يروي عن الزبير بواطيل، والزبير ثقة، والنسخة موضوعة1.
فمما تقدم يتبين أن الحديث بهذا الإسناد موضوع. والله أعلم.
ومما ورد في هذا الفصل أيضاً:
(7)
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وقد تقدم2.
(8)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسوف يأتي3.
(9)
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وسوف يأتي4.
1 لسان الميزان (2/21-23) .
2 تقدم برقم (183) .
3 سيأتي برقم (212) .
4 سيأتي برقم (219) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد مما تقدم النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه.
وهو أن يستحسن المشتري السلعة ويهواها، ويركن إلى البائع ويميل إليه ويتذاكران الثمن، ولم يبق إلا العقد والرضي الذي يتم به البيع، فإذا كان البائع والمشتري على مثل هذه الحال، لم يجز لأحدٍ أن يعترضه فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما هما عليه من التبايع1. كأن يقول للمشتري: افسخ بيعك لأبيعك بأنقص، أو يقول للبائع: افسخ لأشتري منك بأزيد2.
والنهي عن بيع الرجل على بيع أخيه مجمعٌ عليه بين العلماء3. وقد خصّ بعض الفقهاء النهي بعد استقرار الثمن4. وهذا لا دليل عليه، بل عموم الأحاديث الواردة في هذا الفصل تفيد النهي عنه ولو كان قبل استقرار الثمن، حتى يتركا البيع أو يأذنا له في الدخول معهما في التبايع.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه" إشارة إلى أن بيع الرجل على بيع أخيه مخالفٌ لمقتضى الأخوة الإيمانية؛ لأن فيه إضرارًا بأخيه المؤمن وهو سببٌ للبغضاء والعداوة بينهما. والله أعلم.
ولا يدخل في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه نصح أحد المتبايعين إن وقع له غبنٌ فاحشٌ في الثمن5؛ لأن هذا من النصيحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
1 التمهيد (13/317) .
2 فتح الباري (4/415-416) .
3 فتح الباري (4/415) .
4 المرجع السابق.
5 انظر: المرجع السابق.
في الحديث: "الدين النصيحة". قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"1.
وأما بيع من يزيد ويسمى بيع المزايدة، ويسمى اليوم المزاد العلني، أو بيع الحراج2، فليس داخلاً في النهي عن سوم الرجل على سوم أخيه وبيعه على بيعه. وقد استدل بعضهم على جوازه بما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وذكر حديثاً طويلاً جاء فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلساً3 وقدحاً فيمن يزيد4. والحديث وإن لم يثبت، إلا أن إجماع المسلمين يبيعون في أسواقهم بالمزايدة5. وقد بوّب البخاري في صحيحه باباً في بيع المزايدة6، وذكر فيه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر، فاحتاج، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه مني"؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا، فدفعه إليه7.
1 رواه مسلم [كتاب الإيمان (1/74) ] .
2 بيع المزاد (ص10-11) .
3 الحِلْس: هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب. النهاية في غريب الحديث (1/423) .
4 رواه أبو داود [كتاب الزكاة (2/292-293) ] ، والترمذي [كتاب البيوع (3/522) ] ، والنسائي [كتاب البيوع (7/259) ] ، وابن ماجه [كتاب التجارات
(2/740-741) ] ، وأحمد (3/100) ، كلهم من طرق عن الأخضر بن عجلان أبي بكر عبد الله الحنفي عنه به.
وأبو بكر الحنفي قال فيه البخاري: لا يصح حديثه. وجهّله ابن القطان. تهذيب التهذيب (6/88) . فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف. والله أعلم.
5 المغني (4/302) .
6 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/ باب رقم 59) ] .
7 تقدم ذكر هذا الحديث (ص134-135) .
فقوله: "من يشتريه مني"؟ فيه عرضٌ له للزيادة ليستقضي فيه للمفلس الذي باعه له1.
ومما يدل على إباحة المزايدة أيضاً أنه قد تقدم في الفصل السابق النهي عن النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، فلو لم يكن بيع المزايدة جائزاً أصلاً لما كان للنهي عن النجش معنى، والله أعلم.
وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن بيع المزايدة: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أخيه إلا الغنائم والمواريث". فظاهره أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرى أن بيع المزايدة من بيع الرجل على بيع أخيه إلا بيع الغنائم والمواريث.
وقد أخذ بمذهب ابن عمر رضي الله عنهما بعض أهل العلم كما قال الترمذي2. وممن قال به الأوزاعي وإسحاق3 وغيرهما.
وقد أجاب جمهور العلماء عن هذا القول بأنه لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث، فإن الباب واحد والمعنى مشترك4. والله أعلم.
1 فتح الباري (4/416) .
2 جامع الترمذي (3/522) .
3 فتح الباري (4/415-416) .
4 المرجع السابق (4/415) .