المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن المزابنة والمحاقلة - الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها - جـ ٢

[سليمان بن صالح الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الخامس: الأحاديث الواردة في النهي عن البيوع الربوية

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الربا والتحذير منه

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في الربا في الذهب والفضة والبر والشعير والملح والتمر

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن المزابنة والمحاقلة

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع اللحم بالحيوان

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع العينة

- ‌الباب السادس: الأحاديث الواردة في النهي عما يلحق الضرر والغبن بأحد المتبايعين أو كان النهي لأمر آخر مما هو خارج عقد البيع

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن النجش

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وأن يستام الرجل على سوم أخيه

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن الغش في البيع

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن اليمين الكاذبة في البيع

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن التصرية

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الحاضر للباد وعن تلقي الركبان

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المضطر

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن التفريق بين الأقارب في البيع

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن البيع في المسجد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن المزابنة والمحاقلة

‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن المزابنة والمحاقلة

162 -

(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة"، والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلاً، وبيع الكرم بالزبيب كيلاً.

رواه مالك1 بهذا اللفظ عن نافعٍ عنه به. ومن طريقه أخرجه البخاري2، ومسلم3، والنسائي4، والشافعي5، وأحمد6، والبيهقي7.

ورواه من غير طريق مالك البخاري8، ومسلم9، وأبو داود10، والنسائي11، وابن ماجه12، وأحمد13، والطحاوي14، والبيهقي15، كلهم من طرقٍ عن نافعٍ به بنحوه.

1 الموطأ (2/486) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2171،2185،2205) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1171) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/266) ] .

5 الرسالة (ص331) .

6 المسند (2/7،63) .

7 السنن الكبرى (5/307) .

8 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2172) ] .

9 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1171-1172) ] .

10 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/658) ] .

11 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/266) ] .

12 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/761-762) ] .

13 المسند (2/5،16،64،123) .

14 شرح معاني الآثار (4/34) .

15 السنن الكبرى (5/307) .

ص: 531

وعند أحمد التصريح بأن تفسير المزابنة من نافع مولى ابن عمر.

ورجح الحافظ أن التفسير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى فرض أنه من قول ابن عمر فالصحابة أعلم بذلك من غيرهم1.

وروى الترمذي الحديث بإسناده عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة "2، فزاد في الإسناد زيد بن ثابت بين النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر رضي الله عنهما.

وقد تفرّد بذلك ابن إسحاق وهو مدلِّس وقد عنعن، وقد بيَّن الترمذي أن رواية مالك وغيره عن نافع أصحّ من رواية ابن إسحاق. وأن المحفوظ في حديث زيد بن ثابت هو الرخصة في العرايا، وليس عنده ذكر النهي عن المحاقلة والمزابنة.

وروى الشافعي3، والحميدي4، وعلي بن الجعد5، والطحاوي6 - من طريق الشافعي -، والحاكم7، كلهم من طرقٍ عن سفيان ثنا عمرو بن دينار سمعت إسماعيل الشيباني يقول: بعت ما في رؤوس نخلي بمائة وسق إن زاد فلهم وإن نقص فعليهم، فسألت ابن عمر، فقال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا إلا أنه أرخص في العرايا".

وإسناد هذا الحديث صحيح.

1 انظر: فتح الباري (4/450) .

2 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/594) ] . وانظر أيضاً: مصنف ابن أبي شيبة (5/310) .

3 مسند الشافعي (ص144) .

4 مسند الحميدي (2/296) .

5 مسند علي بن الجعد (2/702-703) .

6 شرح معاني الآثار (4/29) .

7 مستدرك الحاكم (4/365) .

ص: 532

وإسماعيل الشيباني هو إسماعيل بن إبراهيم. قال عنه أبو زرعة: ثقة1.

ورواه البخاري2، ومسلم3، والنسائي مختصرًا4، والطحاوي5، والدارقطني6، كلهم من طرقٍ عن سالم عن أبيه مرفوعاً، بلفظ:"لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبيعوا الثَّمر بالتمر". وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في النهي عن بيع ما لم يبد صلاحه قد رواه أيضًا البخاري7، ومسلم8، وأبو داود9، والنسائي10، وابن ماجه11، كلهم من طرق عنه رضي الله عنهما قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع".

وعند مسلم: قيل لابن عمر رضي الله عنهما: ما صلاحه؟ قال: تذهب عاهته.

وفي لفظ لمسلم وأبي داود، وهو لفظ الترمذي12 عنه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، نهى البائع والمبتاع.

1 الجرح والتعديل (2/155) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2183) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1168) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/263،266) ] .

5 شرح معاني الآثار (4/32) .

6 سنن الدارقطني (3/49) .

7 صحيح البخاري – مع الفتح – [كتاب البيوع (4/رقم 2194) ] .

8 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1165-1166) ] .

9 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/663-665) ] .

10 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/262-263) ] .

11 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/746) ] .

12 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/529) ] .

ص: 533

فمما تقدم يتبين أن حديث ابن عمر- رضي الله عنهما – في النهي عن المزابنة، وعن بيع ما لم يبد صلاحه حديث صحيح، وقد ثبت عنه من طرقٍ. والله أعلم.

163 -

(2) عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخَّص في العريِّة أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رُطباً".

رواه البخاري1 واللفظ له، ومسلم2، وأبو داود3، والنسائي4، والشافعي5، والحميدي6، وابن أبي شيبة7، وأحمد8، والطحاوي9، والطبراني في الكبير10، والبيهقي11، كلهم من طرقٍ عن بُشير بن يسار عنه به.

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2191) ، كتاب الشرب والمساقاة (5/رقم 2383) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1170) ] .

3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/661) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/268) ] .

5 مسند الشافعي (ص144) .

6 مسند الحميدي (1/196) .

7 مصنف ابن أبي شيبة (5/309) .

8 المسند (4/2/140) ، (5/364) .

9 شرح معاني الآثار (4/29-30) .

10 المعجم الكبير (6/102) .

11 السنن الكبرى (5/309-310) .

ص: 534

ورواه البخاري1، ومسلم2، والترمذي3، والنسائي4، وابن أبي شيبة5، وأحمد6، والطبراني7 من هذا الطريق بذكر رافع بن خديج مقروناً بسهل بن أبي حثمة. وسوف يأتي - إن شاء الله - ذكر حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.

وفي روايةٍ لمسلم والطحاوي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، وقال: ذلك الربا، تلك المزابنة".

وفي روايةٍ لمسلم وأحمد والبيهقي أُبهم سهل بن أبي حثمة. ويبينه الطرق الأخرى للحديث.

وفي رواية لمسلم والبيهقي جاء "عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم منهم سهل بن أبي حثمة".

164 -

(3) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة"، والمزابنة اشتراء الثمر في رؤوس النخل، والمحاقلة كراء الأرض.

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب الشرب والمساقاة (5/رقم 2384) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1170) ] .

3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/596) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/268) ] .

5 المصنف (5/310) .

6 المسند (4/140) .

7 المعجم الكبير (4/281) ، (6/102) .

ص: 535

رواه مالك1 بهذا اللفظ عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عنه به. ومن طريق مالك أخرجه البخاري2، ومسلم3، وابن ماجه4، وأحمد5، وأبو يعلى6، والبيهقي7.

وللحديث طريق أخرى، فقد رواه النسائي8، والدارمي9، وأحمد10، وأبو يعلى11، كلهم من طرقٍ عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي سعيدٍ به.

ومحمد بن عمرو بن علقمة تقدم الكلام فيه12، وأنه صدوق له أوهام.

وقد توبع عمرو بن علقمة بالطريق الأولى للحديث متابعة قاصرة فيعتضد بها. والله أعلم.

1 الموطأ (2/486) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2186) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1179) ] .

4 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/820) ] .

5 المسند (3/6،8،60) .

6 مسند أبي يعلى (2/407) .

7 السنن الكبرى (5/307) .

8 سنن النسائي [كتاب المزارعة (7/39) ] .

9 سنن الدارمي (2/328) .

10 المسند (3/67) .

11 مسند أبي يعلى (2/456) .

12 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (129) .

ص: 536

165 -

(4) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة".

رواه البخاري1 وهذا لفظه، وأحمد2، والطبراني في الكبير3، والبيهقي4، كلهم من طرقٍ عن أبي معاوية محمد بن خازم عن سليمان بن أبي سليمان أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة مولى ابن عباس عنه به.

وزاد أحمد والطبراني والبيهقي: وكان عكرمة يكره بيع القصيل.

والقصيل هو ما قطع من الزرع وهو أخضر5.

166 -

(5) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة".

رواه مسلم6، والترمذي7، والنسائي8، وعبد الرزاق9، وأحمد10، والطحاوي11، والطبراني في المعجم الصغير12، كلهم من طرقٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه وهذا لفظهم.

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2187) ] .

2 المسند (1/224) .

3 المعجم الكبير (11/299) .

4 السنن الكبرى (5/308) .

5 انظر: لسان العرب (11/557-558) .

6 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1179) ] .

7 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/527) ] .

8 سنن النسائي [كتاب المزارعة (7/39) ] .

9 المصنف (8/104) .

10 المسند (2/391-392، 484) .

11 شرح معاني الآثار (4/33) .

12 المعجم الصغير (1/39) .

ص: 537

وزاد الطبراني: "والملامسة ونهى عن الشغار".

ورواه مسلم1، والنسائي2، والطحاوي3، والدارقطني4 بلفظ:"لا تبتاعوا الثمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبتاعوا الثمر بالتمر".

167 -

(6) عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة، وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجلٌ له أرضٌ فهو يزرعها، ورجلٌ منح أرضاً فهو يزرع ما منح، ورجلٌ استكرى أرضاً بذهب أو فضة".

رواه أبو داود5 وهذا لفظه، والنسائي6، وابن ماجه7، وابن أبي شيبة8، والطبراني9، كلهم من طرقٍ به. وإسناده صحيح.

وللحديث طرق كثيرة وألفاظ مختلفة أعرضت عنها واكتفيت بما سبق؛ لكونها - أي هذه الطرق - ليست في موضوع البيع، وإنما هي من باب

1 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1168) ] .

2 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/263) ] .

3 شرح معاني الآثار (4/32) .

4 سنن الدارقطني (3/49) .

5 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/691) ] .

6 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/267) ] .

7 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/762) ] .

8 المصنف (5/309) .

9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2703) .

ص: 538

الإجارة والمزارعة، وقد أطال النسائي1 في بيان الاختلاف في طرق وألفاظ هذا الحديث2.

وفي روايةٍ للنسائي جاء فيها بيان أن قوله "إنما يزرع ثلاثة

" الحديث، من قول سعيد بن المسيب.

وقد روى هذا الحديث مسلم3، ومالك4، وعبد الرزاق5، كلهم من طرقٍ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

" فذكر الحديث. وسعيد بن المسيب قد جاء في الطرق الأخرى للحديث أنه سمع هذا الحديث من رافع بن خديج رضي الله عنه.

وأما سبب إخراج مسلم له مع إرساله، فالجواب ما ذكره السيوطي حيث قال:"عذره فيه أنه يورده محتجاً بالمسند منه لا بالمرسل، ولم يقتصر عليه للخلاف في تقطيع الحديث على أن المرسل منه تبين اتصاله من وجهٍ آخر"6. ويعني السيوطي بقوله هذا، أن مسلماً سمع حديثاً مسنداً ومعه هذا المرسل، فذكرهما جميعاً، ومقصوده الحديث المتصل، وأورد المرسل لكونه أراد أداء الحديث كما سمعه، ولم يقتصر على المتصل للخلاف في جواز تقطيع الحديث. والله أعلم.

1 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/33-51) ] .

2 دراسة هذه الطرق وألفاظها وبيان الاختلاف والائتلاف بينها أمرٌ في غاية الدقة، وقد ذكر النسائي (المرجع السابق) طرفاً منه. وهذه الدراسة تصلح أن تفرد ببحثٍ مستقل. والله أعلم.

3 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1168) ] .

4 الموطأ (2/486) .

5 المصنف (8/104) .

6 تدريب الراوي (1/206) .

ص: 539

168 -

(7) عن زيدٍ أبي عياش أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسّلت، فقال له سعد: أيتهما أفضل؟ قال: البيضاء. فنهاه عن ذلك. وقال سعد: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عن شراء التمر بالرُّطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أينقص الرُّطب إذا يبس"؟ قالوا: نعم. فنهى عن ذلك".

رواه مالك1 وهذا لفظه عن عبد الله بن يزيد به. ومن طريقه أخرجه أبو داود2، والترمذي3، والنسائي4، وابن ماجه5، والطيالسي6، وعبد الرزاق7، وابن أبي شيبة8، وأحمد9، والبزار10، وأبو يعلى11، والطحاوي12، وابن حبان13، والدارقطني14، والبيهقي15. وقال الترمذي: حسن صحيح.

1 الموطأ (2/485) .

2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/654) ] .

3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/258) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/268-269) ] .

5 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/761) ] .

6 مسند الطيالسي (ص29) .

7 مصنف عبد الرزاق (8/32) .

8 مصنف ابن أبي شيبة (5/81) .

9 مسند أحمد (1/175،179) .

10 مسند البزار - البحر الزخار - (4/66) .

11 مسند أبي يعلى (2/68،141) .

12 شرح معاني الآثار (4/6) ، شرح مشكل الآثار (15/467-470) .

13 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/372،378) .

14 سنن الدارقطني (3/49) .

15 السنن الكبرى (5/294) .

ص: 540

ورواه النسائي، وعبد الرزاق، والحميدي1، وأحمد2، والطحاوي3، والدارقطني، والبيهقي، كلهم من طرقٍ عن إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن يزيد به بنحو لفظ مالك.

ورواه ابن الجارود4، والطحاوي5، بإسنادهما عن مالك وأسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيدٍ به.

فهؤلاء مالك، وإسماعيل بن أمية، وأسامة بن زيد كلهم اتفقوا على متن الحديث المتقدم.

ويؤيد ما رووه ما أخرجه الحاكم6 - ومن طريقه البيهقي - بإسناده عن الربيع بن سليمان المرادي عن عبد الله بن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن عمران بن أبي أنس قال سمعت أبا عياش

" الحديث بنحو لفظ مالك.

فهذه متابعة لعبد الله بن يزيد - في رواية الجماعة عنه -.

وخالفهم يحيى بن أبي كثير، وذلك فيما رواه أبو داود7، والطحاوي، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، كلهم من طرقٍ عن يحيى بن أبي كثير أخبرني عبد الله بن يزيد أنَّ أبا عيَّاش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

1 مسند الحميدي (1/41) .

2 مسند أحمد (1/179) .

3 شرح مشكل الآثار (15/482) .

4 المنتقى - المطبوع مع تخريجه غوث المكدود - (2/230-231) .

5 شرح معاني الآثار (4/6) ، شرح مشكل الآثار (15/476) .

6 المستدرك على الصحيحين (2/43) .

7 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/657-658) ] .

ص: 541

يقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة". فجعل النهي مقتصراً على بيعه نسيئة.

وقد توبع يحيى بن أبي كثير في روايته هذه، وذلك فيما رواه الطحاوي1 عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله عن عمران بن أبي أنيس أن مولى لبني مخزوم حدثه أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل؟ فقال سعد:"نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا".

فهذه متابعة لعبد الله بن يزيد - في رواية يحيى بن أبي كثير عنه -.

فاختلف العلماء في الترجيح بين الروايتين، فالطحاوي وابن التركماني2 وغيرهما من الأحناف يرجِّحون رواية يحيى بن أبي كثير ويجعلون النهي عن بيع الرطب بالتمر إذا كان نسيئة، وهذا هو مذهبهم.

وخالفهم آخرون فرجحوا رواية مالك ومن معه، فقال الدارقطني

- بعد ذكر رواية يحيى بن أبي كثير -، قال:"خالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد، رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا "نسيئة"، واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث، وفيهم إمام حافظ وهو مالك بن أنس".

وذكر البيهقي ترجيحاً آخر لرواية مالك ومن معه، فقال:"العلة المنقولة في هذا الخبر تدل على خطأ هذه اللفظة"3. ويعني البيهقي بقوله هذا أن

1 شرح معاني الآثار (4/6) ، شرح مشكل الآثار (15/475-476) .

2 الجوهر النقي - المطبوع في حاشية سنن البيهقي - (5/295) .

3 قال الخطابي نحوه أيضاً. معالم السنن (3/656) ، وكذلك ابن الهمام. شرح فتح القدير (7/29) .

ص: 542

في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أينقص الرطب إذا يبس؟ " ما يدل على أن النهي في حالة بيع الرطب بالتمر حالاً لعدم التماثل بينهما؛ لأنه وإن تساويا في الكيل إلا أن الرطب سوف ييبس فيقل كيله، وأما إذا كان النهي إنما هو مقتصر على بيعهما نسيئة لم يعد لهذا التعليل معنى؛ لأن النسيئة محرمة، حتى بين التمر بالتمر المتماثلين، فلا يخشى من نقص أحدهما.

وأما الطحاوي وابن التركماني وغيرهما فسبق أنهم يرجحون رواية يحيى بن أبي كثير، وقد أتى الطحاوي على رواية إسماعيل بن أمية وأسامة بن زيد فضعفهما لما وقع في بعض الأسانيد عنهما من خطأ. وفعل نحو ذلك ابن التركماني وزاد عليه أن ضعف حتى رواية مالك بحجة اختلاف وقع عليه في بعض الأسانيد، وقد خالفه الطحاوي فصحح رواية مالك وعارضها برواية يحيى بن أبي كثير والمتابعة التي جاءت بمعناها، ثم قال عن رواية مالك ومن معه:"فبان بحمد الله ونعمته فساد هذا الحديث في إسناده وفي متنه1 جميعاً"2.

ولكن يظهر أن ما ذكراه فيه نظر؛ لأن الخطأ في بعض الأسانيد المروية في حديثٍ ما لا يعني ضعف الحديث كله، وإلا فإن كثيراً من

1 مما جعل الحنفية لا يأخذون بمتن الحديث الذي فيه النهي عن بيع الرطب بالتمر مطلقاً، هو أنهم قالوا: إن الرطب والتمر إما أن يكونا جنساً واحداً فيشترط في بيعهما الحلول والتساوي، وإما أن يكونا جنسين مختلفين فيشترط في بيعهما الحلول، ويجوز التفاضل. ولا ينهى عن بيع ربويين إلا مع النسيئة أو التفاضل في الجنسين.

وجواب الجمهور عن قولهم هو أن الرطب والتمر جنس واحد إلا أنه لا تتحقق بينهما المساواة، فلا يجوز بيعهما مطلقاً.

2 شرح مشكل الآثار (15/476) .

ص: 543

الأحاديث الصحيحة وقع فيها نحو ذلك، فالضعيف لا يعل الصحيح. ورواية مالك لهذا الحديث جاءت عن أربعة عشر راوياً كلهم رووه عن مالك ولم يختلفوا عليه، وجاءت رواية واحدة تخالف روايتهم من طريق علي بن عبد الله بن المديني عن أبيه عن مالك عن داود بن الحصين عن عبد الله بن يزيد فذكر الحديث1. فعبد الله بن المديني والد علي بن المديني ضعيف2، وقد وجه علي بن المديني رواية والده بأنها كانت قبل أن يلقى مالكٌ عبدَ الله بن يزيد ويأخذ منه الحديث بلا واسطة. فهل هذا يعد اختلافاً على مالك ترد به روايته؟ لا شك أن هذا لا يصح.

وأما ابن التركماني فقال: "ومالك قد اختلف عليه في سند الحديث

". وهذا بعيد من الصواب والله أعلم.

فيترجح - والله أعلم - أن رواية مالك ومن تابعه هي المحفوظة، وأن رواية يحيى بن أبي كثير شاذة.

وأما المتابعة التي جاءت بمعنى ما رواه يحيى بن أبي كثير، فتقدم أنه قد عارضها بنفس إسنادها رواية تؤيد رواية مالك ومن معه، ولكن ابن التركماني رجح رواية من تابع يحيى بن أبي كثير، وأخذ يضعف الرواية الأخرى مع أن إسنادها صحيح، وأما رواية مخرمة بن بكير عن أبيه فقد قال ابن حجر:"روايته عن أبيه وجادة من كتابه"3، وروى مسلم أحاديث من هذا الطريق4. والله أعلم.

1 السنن الكبرى (5/294) .

2 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (48) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6526) .

4 انظر: جامع التحصيل (ص339) .

ص: 544

والرواية التي تؤيد رواية يحيى بن أبي كثير وقد رواها الطحاوي، إسنادها أيضاً صحيح، والمولى من بني مخزوم هو زيد أبو عياش كما في الطرق الأخرى للحديث، ولكن قال عنها البيهقي:"هذا يخالف رواية الجماعة في غير موضع، فإن كان محفوظاً فهو إذا حديث آخر"1.

وهذا الحمل الذي ذكره البيهقي متعيِّن؛ لأن في رواية مالك وغيره أنَّ أبا عياش سأل سعداً عن بيع السلت بالبيضاء، فذكر له سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر لعدم التماثل بينهما، فكذلك لا يجوز بين السلت بالبيضاء. وأما في رواية الطحاوي فجاء فيها أن أبا عياش سأل سعداً عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل. والله أعلم.

فإذا ترجّح أن المحفوظ في هذا الحديث هو رواية مالك ومن تابعه عن عبد الله بن يزيد عن زيدٍ أبي عياش عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر". ليس فيه نسيئة، فقد أُعلّ هذا الحديث أيضاً بزيدٍ أبي عياش، فقال فيه أبو حنيفة وابن حزم: مجهول2.

والجواب عن هذا ما قاله المنذري حيث قال: "كيف يكون مجهولاً وقد روى عنه اثنان ثقتان عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، وعمران بن أبي أنس، وهما ممن احتج بهما مسلم في صحيحه، وقد عرفه أئمة هذا الشأن، هذا الإمام مالك قد أخرج حديثه في موطئه مع شدة تحريه في الرجال ونقده وتتبعه لأحوالهم، والترمذي قد أخرج حديثه وصححه، وصحح حديثه أيضاً الحاكم أبو عبد الله

"3 انتهى.

1 معرفة السنن والآثار (8/63) .

2 تهذيب التهذيب (3/424) .

3 مختصر سنن أبي داود (5/34) .

ص: 545

ويضاف إلى ما ذكره المنذري أن الدارقطني قال فيه ثقة، وصحح حديثه ابن خزيمة وابن حبان، وذكره ابن حبان في الثقات1، وقال بعضهم إنه صحابي لكن هذا مردود كما قال الطحاوي2.

فمما سبق يتبين أن الحديث صحيح من رواية مالك ومن تابعه. وهو يدل على النهي عن بيع الرطب بالتمر.

وأما قوله في الحديث: "سئل عن بيع البيضاء بالسلت"، فالبيضاء نوع من البر أبيض اللون وفيه رخاوة يكون ببلاد مصر3.

وأما السُّلت فقال الخطابي: "هو نوع غير البر وهو أدق حباً منه، وقال بعضهم البيضاء هو الرطب من السلت، والأول أعرف إلا أن هذا القول أليق بمعنى الحديث، وعلته تبين موضع التشبيه من الرطب بالتمر، وإذا كان الرطب منهما جنساً واليابس جنساً آخر لم يصح التشبيه"4 انتهى كلامه.

وقال ابن عبد البر: "البيضاء هي الشعير"5.

ويظهر أنه يرى أن السُّلت نوع غير الشعير، وذكر ابن عبد البر أن سعد بن أبي وقاص كان يرى أن البر والشعير والسُّلت نوع واحد لا يجوز التفاضل بينهما. فلذلك حدث بهذا الحديث الذي فيه النهي عن بيع المتماثلين إلا مثلاً بمثل.

وقال ابن الأثير عكس ما قال ابن عبد البر، فقال:"إن البيضاء هي الحنطة، والسلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له"6. والله أعلم.

1 تهذيب التهذيب (3/423-424) .

2 المرجع السابق (3/324) .

3 معالم السنن (3/654) .

4 المرجع السابق.

5 التمهيد (19/174) .

6 النهاية (1/173) ، (2/388) .

ص: 546

169 -

(8) عن عبد الله بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رطبٍ بتمرٍ، فقال:"أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: لا يباع رطب بيابسٍ".

رواه البيهقي1 بإسناده عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عنه به.

وهو مرسل، فإن عبد الله بن أبي سلمة هو الماجشون، تابعي، وهو ثقة2.

وإسناده إلى عبد الله بن أبي سلمة صحيح.

قال البيهقي: هذا مرسل جيِّد.

وهذا المرسل يصلح للاعتبار به في الشواهد. وهو شاهد لما تقدم في النهي عن بيع الرطب بالتمر. والله أعلم.

170 -

(9) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع الرطب بالتمر الجاف".

رواه ابن عدي3، والدارقطني4، ومن طريقه ابن الجوزي5.

1 السنن الكبرى (5/295) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3366) .

3 الكامل (7/189) .

4 سنن الدارقطني (3/48) .

5 التحقيق (2/172-173) .

ص: 547

وفي إسناده يحيى بن أبي أُنيسة. تقدم الكلام فيه1، وأنه ضعيف جداً.

وللحديث طريق أخرى، أخرجها الدارقطني2 أيضاً بإسناده عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب باليابس".

وموسى بن عبيدة، هو الرّبذي، تقدم الكلام فيه وأنه ضعيف جداً3.

فمما سبق يتبين أن هذين الإسنادين ضعيفان ضعفاً شديداً، وذلك لأجل يحيى بن أبي أُنيسة، وموسى بن عبيدة الربذي، وبهما أعل ابن الجوزي4 الحديث. والله أعلم.

ومما ورد في هذا الفصل أيضاً:

(10)

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد تقدم5.

(11)

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقد تقدم6.

(12)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم7.

1 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (52) .

2 سنن الدارقطني (3/48) .

3 تقدم في حديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه، رقم (71) .

4 التحقيق (2/173) .

5 تقدم برقم (111) .

6 تقدم برقم (119) .

7 تقدم برقم (123) .

ص: 548

دلالة الأحاديث السابقة:

يستفاد مما تقدم من أحاديث هذا الفصل النهي عن المحاقلة والمزابنة.

أما المحاقلة فقد اختلف في معناها، ولكن أشهر ما فسرت به معنيان:

أحدهما: اكتراء الأرض بالحنطة وهو ما يسمى بالمزارعة.

والثاني: أنه بيع الطعام في سنبله بالبر.

وقد سبق أن سعيد بن المسيب فسَّر المحاقلة بهذين المعنيين، وفسّرها جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بالمعنى الثاني، وهو الذي يهمنا هنا؛ لأنه هو الذي يتعلق بموضوع البيع، وأما الأول فهو من باب الإجارة.

وقد أجمع العلماء على تحريم بيع الحنطة في سنبلها بحنطةٍ صافيةٍ1. وإنما نهي عنه لعدم تحقق المساواة فيهما وهي شرط في الربويات. وذلك أن الحب إذا بيع بجنسه لا يعلم مقداره بالكيل. والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل2.

وأما المزابنة فهي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر، وأصله من الزبن وهو الدفع، كأنّ كل واحدٍ من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزداد منه3.

ومن المزابنة أيضاً بيع الزبيب بالكرم، وقد ألحق الشافعي وغيره بالتمر والزبيب بيع كل مجهولٍ بمجهولٍ أو معلومٍ من جنسٍ يجري فيه الربا4.

1 شرح صحيح مسلم (10/188)، وانظر: الإجماع لابن المنذر (ص115) .

2 كشاف القناع (3/258) .

3 النهاية في غريب الحديث (2/294) .

4 انظر: الأم (3/77) ، فتح الباري (4/449) .

ص: 549

وعند مالك أن المزابنة بيع كل مجهولٍ بمعلومٍ من صنفه كائناً ما كان سواءً أكان مما يجوز فيه التفاضل أم لا؛ لأن ذلك يصير إلى باب المخاطرة والقمار.

وأجاز المالكية بيع المجهول بمثله، وبالمعلوم إن كثر أحدهما كثرة بيّنة إذا كان في غير ما يدخله ربا الفضل1، لعدم وجود المخاطرة والقمار هنا. والله أعلم.

وتحريم المزابنة مما لا خلاف فيه بين العلماء2، وإنما نهي عنها لأن المساواة بين الرطب والتمر ونحوهما شرط، وما على الشجر لا يحصر بكيل ولا وزن، وإنما يكون تقديره بالخرص وهو حدسٌ وظن لا يؤمن فيه من التفاوت3.

وقد جاء في بعض الأحاديث التي جاءت في النهي عن المزابنة الرخصة في العرايا، والعريَّة أن يبيع ثمر نخلاتٍ معلومة بعد بدو الصلاح فيها خرصاً بالتمر الموضوع على وجه الأرض كيلاً. وقد استثناها الشرع لحاجة الناس إليها، كما استثنى السلم بالجواز من بيع ما ليس عنده4.

ولا تصح العرايا إلا باعتبار المماثلة، فيخرص النخل، فيقال: ثمرها إذا جف يكون كذا وكذا، فيبيعه بقدره من التمر كيلاً، ويقبض مشتري التمرِ التمرَ، ويخلّي بين مشتري الرطب والنخلة في مجلس العقد يقطعه متى شاء، فإن تفرّقا قبل ذلك كان فاسداً5.

1 التمهيد (2/314) ، شرح الخرشي على مختصر خليل (5/75) .

2 الإجماع (ص115) .

3 شرح السنة (8/83) .

4 المرجع السابق (8/87) ، وسوف يأتي الكلام في معنى النهي عن بيع ما ليس عنده.

5 المرجع السابق (8/88) .

ص: 550

وتجوز العرايا إذا كان الرطب دون خمسة أوسق كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق"1، فيخرص الرطب كم يكون قدره إذا صار تمرًا، فإذا كان دون خمسة أوسق جاز.

وقد اشترط بعض الفقهاء شروطاً أخرى لجواز العرايا لا دليل عليها، والله أعلم.

والتفسير السابق للعرايا قال به الشافعي2، وأحمد3، وغيرهما من العلماء، وهذا التفسير هو الذي يتوافق مع الأدلة الواردة في الرخصة للعرايا.

وأما الإمام مالك فعنده أن المراد بالعرايا أن يهب الرجل لآخر ثمراً على رؤوس الشجر، ثم يبدو للواهب أن يبتاعها من الذي أُعريها، فيحل له أن يشتريها بالدنانير والدراهم، وإن كانت أكثر من خمسة أوسق، ويحل له أيضاً أن يشتريها بالطعام، ولكن لا يجوز فيما هو أكثر من خمسة أوسق4.

وعند أبي حنيفة أن العرايا هي أن يهب الرجل ثمر نخله من بستانه لرجل، ثم يشق على المُعري دخول المعرى له في بستانه كل يومٍ لكون أهله في البستان، ولا يرضى من نفسه خلف الوعد والرجوع في الهبة، فيعطيه مكان ذلك تمراً مجذوذاً بالخرص ليدفع الضرر عن نفسه ولا يكون مخلفاً للوعد، وإنما صار جائزاً لأن الموهوب لم يصر ملكاً للموهوب له ما دام

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/ رقم 2190) ، كتاب الشرب والمساقاة (5/ رقم 2382) ] ، صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1171) ] .

2 الأم (3/65-66) .

3 المغني (4/183) ، الإنصاف (5/29) .

4 انظر: المدونة (3/272) .

ص: 551

متصلاً بملك الواهب، فما يعطيه من التمر لا يكون عوضاً عنه، بل هبة مبتدأة، وإنما سمي ذلك بيعاً مجازاً1.

وقد تمسك الأحناف بحديث: "التمر بالتمر كيل بكيل"، وما على رؤوس النخل تمر فلا يجوز بيعه بالتمر إلا كيلاً بكيلٍ2. وفي هذا نظر، فإن الذي نهى عن المزابنة هو الذي أرخص في العرايا، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، والقياس لا يصار إليه مع النص3.

فإذا ترجح قول جمهور العلماء في الرخصة في العرايا، وأن الرطب على رؤوس النخل يباع بمثل خرصه من التمر، فقد قاس عليه بعض العلماء جواز بيع كل ربوي بجنسه على سبيل التحري والخرص عند الحاجة لذلك إذا تعذر الكيل أو الوزن4

ويستفاد مما تقدم أيضاً أنه لا يجوز بيع الرطب بالتمر مطلقاً، كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو قول جمهور العلماء5. ووافقهم الحنفية إذا كان البيع نسيئة، وأما إذا كان حالاً فليس بمنهي عنه عندهم6؛ وذلك أن الرطب والتمر إما أن يكونا جنسين فيجوز بيعهما ولو متفاضلين إذا كانا يداً بيد، وإما أن يكونا جنساً واحداً فيجوز بيعهما بشرط التماثل وأن يكون يداً بيدٍ، وعلى التقديرين فلا يمنع بيع

1 المبسوط (12/193) ، البناية (7/205-206) .

2 انظر: المبسوط (12/192) .

3 المغني (4/182) .

4 الفتاوى (29/454) ، والإنصاف (5/14) .

5 المعونة - في الفقه المالكي - (2/964-965) ، الحاوي الكبير (5/130-131) ، المغني (4/132) .

6 انظر: البناية (7/369-370) .

ص: 552

أحدهما بالآخر1. وفي هذا نظر؛ لأن الرطب والتمر جنس واحد أحدهما أزيد من الآخر بزيادة لا يمكن فصلها وتمييزها؛ لأنه لا يعرف التساوي بينهما إلا بعد الجفاف2. والله أعلم.

1 انظر: المرجع السابق، وأعلام الموقعين (2/352) .

2 أعلام الموقعين (2/352) .

ص: 553