الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المضطر
…
الفصل السابع: ورد في النهي عن بيع المضطر
223 -
(1) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سيأتي على الناس زمان عضوض يعضُّ الموسر على ما في يديه، ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 1، ويبايع المضطرُّون، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تدرك.
رواه أبو داود2 وهذا لفظه، وأحمد3، وابن أبي حاتم4، والخرائطي5 - كلاهما مختصراً -، والبيهقي6، والبغوي7. كلهم من طرقٍ عن هشيم عن صالح أبي عامر عن شيخٍ من بني تميم عنه به.
وزاد أحمد بعد ذكر الآية: "وينهد الأشرار ويستذل الأخيار".
وصالح أبو عامر قال فيه البيهقي: "هو صالح بن رستم الخزاز البصري".
وتعقبه ابن التركماني بقوله: "المذكور في هذا السند هو صالح بن عامر، كذا سماه أبو داود في سننه، وكذا ذكره الذهبي في الميزان، وصالح بن
1 سورة البقرة، آية (237) .
2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/676-677) ] .
3 المسند (1/116) .
4 تفسير ابن أبي حاتم - مخطوط -[174/ب] .
5 مساوئ الأخلاق (ص165) .
6 السنن الكبرى (6/17-18) .
7 شرح السنة (8/132) .
عامر مجهول، وهو غير أبي عامر صالح بن رستم الخزاز، ذاك - أي ابن رستم - رجل معروف أخرج له مسلم ووثقه جماعة، ولينه بعضهم، والمزي في التهذيب قد فرَّق بينهما"1 انتهى.
وكلام ابن التركماني فيه نظر، وذلك لما يأتي:
1 -
احتجاجه برواية أبي داود والتي جاء فيها "صالح بن عامر"، مع أن أبا داود قد أشار إلى خطأ شيخه، حيث قال عقب ذكره لصالح بن عامر:"كذا قال محمد" يعني شيخه محمد بن عيسى.
2 – قوله "إن صالح بن عامر ذكره الذهبي في الميزان"، متعقَّب بأن الذهبي قال فيه "نكرة، بل لا وجود له"2، ثم بيّن أن الصحيح فيه "صالح عن عامر"، وهذا الذي صححه الذهبي لعله أخذه من شيخه المزي كما سيأتي إن شاء الله ذكر قوله.
3 – قوله "إن المزي قد فرَّق بينهما" متعقّب بأن المزي لم يثبت أن هناك راوياً اسمه صالح بن عامر، إنما ذكر أنه "صالح عن عامر"، قال المزي:"الصواب - إن شاء الله - عن صالح عن عامر، وهو صالح بن صالح بن حيّ أو صالح بن رستم أبو عامر الخزّاز، وعامر هو الشعبي. والله أعلم"3.
وقد تعقّب الحافظ ابن حجر المزيَّ فقال: "بل الصواب: ثنا هشيم، ثنا صالح أبو عامر - وهو الخزاز -، ثنا شيخ من بني تميم. ويؤيد هذا أن
1 الجوهر النقي - حاشية سنن البيهقي - (6/17-18) .
2 ميزان الاعتدال (3/9) .
3 تهذيب الكمال (13/61) .
أحمد بن حنبل قال في مسنده: ثنا هشيم، ثنا أبو عامر، ثنا شيخ من بني تميم1. وقال سعيد بن منصور في السنن: ثنا هشيم، ثنا صالح بن رستم عن شيخ من بني تميم2، فليس في الإسناد والحالة هذه إلا إبدال (أبو) بـ (ابن) حسب، ولا مدخل للشعبي فيه بوجهٍ من الوجوه"3 انتهى.
وقال الحافظ أيضاً: "الصواب: هشيم عن صالح أبي عامر، وهو صالح بن رستم الخزاز"4.
فمما تقدم يتبين رجحان قول البيهقي أن صالح الوارد في الإسناد هو صالح بن رستم أبو عامر.
وصالح بن رستم هذا هو المزني مولاهم الخزاز البصري، وثقه الطيالسي وأبو داود والبزار. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أيضاً: لا شيء. وقال أحمد: صالح الحديث. وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: لا بأس به5. وجعله ابن حجر في مرتبة "صدوق كثير الخطأ"6.
وفي إسناده أيضاً رجل مبهم وهو الشيخ من بني تميم.
1 المسند (1/116) .
2 روى البيهقي الحديث من طريق سعيد بن منصور، فذكر ما ذكر الحافظ. السنن الكبرى (6/17) . وبمثل رواية سعيد بن منصور رواه ابن أبي حاتم والخرائطي.
3 تهذيب التهذيب (4/395) . وانظر: تقريب التهذيب: الترجمة التي تلي ترجمة صالح بن صهيب بن سنان الرومي.
4 النكت الظراف على الأطراف (7/467) .
5 تهذيب التهذيب (4/391) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2861) .
فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف.
وله إسناد آخر، فقد رواه أبو بكر بن مردويه بإسناده عن يونس بن بكير، حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي1 عن عبد الله بن عبيد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليأتينَّ على الناس زمانٌ عضوض يعض المؤمن على ما في يديه وينسى الفضل، وقد قال الله تعالى {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} ، شرارٌ يبايعون كل مضطر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، فإن كان عندك خيرٌ فعد به على أخيك ولا تزده هلاكاً إلى هلاكه، فإن المسلم أخو المسلم لا يحزنه ولا يحرمه"2.
وعبيد الله بن الوليد الوصَّافي - بفتح الواو وتشديد المهملة - قال فيه أحمد: ليس بمحكم الحديث، يكتب حديثه للمعرفة. وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن معين أيضاً: ليس بشيء. وقال الفلاس والنسائي: متروك الحديث. وقال النسائي أيضاً: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال العقيلي: في حديثه مناكير لا يتابع على كثير من حديثه. وقال ابن عدي: ضعيف جداً، يتبيّن ضعفه على حديثه3.
وجعله ابن حجر في مرتبة "ضعيف"4. والذي يظهر لي أنه ضعيف جداً. والله أعلم.
1 في المطبوع من النسخة التي اعتمدتها من تفسير ابن كثير "عبد الله بن الوليد الرصافي"، وهو خطأ، والتصويب من التهذيب وغيره.
2 ساق إسناد ابن مروديه الحافظ ابن كثير في التفسير (1/297) عند تفسير الآية المذكورة في الحديث.
3 تهذيب التهذيب (7/55-56) .
4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4350) .
ومما يدل على ضعفه أنه قد اضطرب في هذا الحديث، فرواه مرَّةً كما سبق، ورواه مرَّةً عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه نهى عن بيع الغرر وعن بيع المضطر". رواه ابن عدي1.
فمما سبق يتبين أن هذه الطريق ضعيفة ضعفاً شديداً، فيبقى الحديث على ضعفه. والله أعلم.
1 الكامل (4/323) .
دلالة الحديث السابق:
تقدم أن ما ورد في النهي عن بيع المضطر ضعيف، ولذا أجاز الظاهرية بيع المضطر1. إلا أن عامة أهل العلم كرهوا بيع المضطر إلى الطعام أو الشراب أو نحوهما بأكثر من سعر المثل2. فإن باعه بأكثر أثم؛ فإن هذا منافٍ للمروءة ويكون صاحبها متصفاً بالجشع والأثرة واستغلال ضرورة أخيه.
وقيل في تفسير المضطر أن يكرهه ظالم على بيع ماله أو يبيع ماله لدينٍ يركبه أو مؤنة ترهقه ونحو ذلك3.
والذي يظهر أن هذا ليس من بيع المضطر، وإنما هو من باب الإكراه، وهذا له حكم آخر. والله أعلم.
1 المحلّى (9/22) .
2 انظر: المجموع (9/38-39) ، الفروع (4/5) ، إعلاء السنن (14/205) .
3 إعلاء السنن (14/205) ، بدائع الفوائد (2/375-376) .