الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع اللحم بالحيوان
176 -
(1) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم".
رواه الحاكم1 وهذا لفظه، والبيهقي2، كلاهما من طريق إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج الباهلي، عن قتادة عن الحسن عنه به.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، رواته عن آخرهم حفاظ ثقات، ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة.
وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري عن سمرة بن جندب عدّه موصولاً، ومن لم يثبته فهو مرسل جيِّد.
وقد سبق الكلام في سماع الحسن من سمرة3 رضي الله عنه، وأن الراجح فيه ثبوت سماعه منه في الجملة، ولكن يشترط تصريحه بالسماع منه؛ لأن الحسن مدلِّس. وهو في هذا الحديث لم يصرِّح بالسماع، فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف.
وقد تقدم في الفصل السابق أن قتادة يروي هذا الحديث عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة".
وقد روى هذا الحديث عن قتادة جماعة؛ منهم شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، فهل الحديثان محفوظان عن قتادة؟ الله أعلم.
1 المستدرك (2/35) .
2 السنن الكبرى (5/296) .
3 سبق عند حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه رقم (171) .
177 -
(2) عن القاسم بن أبي بزة قال: قدمت المدينة فوجدت جزوراً قد جزرت، فجزئت أربعة أجزاء كل جزءٍ منها بعناقٍ، فأردت أن أبتاع منها جزءاً، فقال لي رجل من أهل المدينة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يُباع حيٌّ بميِّتٍ" قال: فسألت عن ذلك الرجل، فأُخبرت عنه خيراً".
رواه الشافعي1 - ومن طريقه البيهقي2 - بإسناده عن مسلم بن خالد الزِّنجي عن ابن جريج به.
ومسلم بن خالد الزِّنحي تقدم الكلام فيه وأنه صدوق كثير الأوهام3.
وابن جريج إمام مشهور إلا أنه يدلِّس4، ولم يصرِّح بالسماع في هذا الحديث.
وفيه أيضاً راو مبهم، وهو الذي حدث القاسم بن أبي بزة، وهو ليس بصحابي؛ لأن القاسم لم يلق أحداً من الصحابة5. ولذا ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الخامسة6. فهو على ذلك مرسل أيضاً.
فعلى هذا فإن الحديث ضعيف لضعف مسلم الزِّنجي، وتدليس ابن جريج، والإبهام في أحد رواته، والإرسال. والله أعلم.
1 مسند الشافعي (ص250) .
2 السنن الكبرى (5/296-297) .
3 تقدم الكلام عليه عند حديث أبي هريرة رقم (33) .
4 تعريف أهل التقديس (ص95) ، وقد ذكره في المرتبة الثالثة من مراتب المدلِّسين.
5 تهذيب التهذيب (8/310) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5452) .
178 -
(3) عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الحيوان باللحم".
رواه مالك1، وعبد الرزاق2، وأبو داود في المراسيل3، والدارقطني4، والحاكم5، والبيهقي6. كلهم من طرقٍ عن سعيد بن المسيب به مرسلاً.
ولفظ أبي داود: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحي بالميت".
ورواه مسدد7 بإسناده عن يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم به مرسلاً، ولفظه "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان". والمحفوظ في متنه عن مالك ما تقدم، وأما لفظ مسدد فخطأ.
قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجهٍ ثابت من الوجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب هذا، ولا خلاف عن مالك في إرساله8.
ثم ذكر ابن عبد البر بإسناده عن يزيد بن مروان عن مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان ". "قال ابن عبد البر: وهذا حديث إسناده موضوع لا يصح عن مالك ولا أصل له من حديثه".
1 الموطأ (2/507) .
2 المصنف (8/27) .
3 المراسيل (ص166-167) .
4 سنن الدارقطني (3/71) .
5 مستدرك الحاكم (2/35) .
6 السنن الكبرى (5/296) .
7 إتحاف الخيرة المهرة (ص213) .
8 التمهيد (4/322) .
والحديث الذي ذكره ابن عبد البر عن سهل بن سعد رضي الله عنه أخرجه أيضاً الدارقطني1، وأبو نعيم في الحلية2.
قال الدارقطني: "تفرد به يزيد بن مروان عن مالك بهذا الإسناد ولم يتابع عليه، وصوابه في الموطأ عن ابن المسيب مرسلاً".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث مالك عن الزهري عن سهل، تفرد به يزيد بن عمرو عن يزيد".
وقال البيهقي في رواية يزيد بن مروان: "غلط فيه"3.
ويزيد بن مروان قال فيه ابن معين: كذاب. قال الدارمي: قد أدركته وهو ضعيف قريب مما قال يحيى. وقال الدارقطني: ضعيف جداً. وقال ابن عدي: ليس بذاك المعروف4.
فعلى هذا فإن رواية يزيد بن مروان منكرة. والمحفوظ عن سعيد بن المسيب الإرسال. والله أعلم.
179 -
(4) عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان".
رواه البزار5 بإسناده عن ثابت بن زهير عن نافعٍ عنه به. وقال: "لا نعلم رواه عن نافع إلا ثابت وهو بصري".
1 سنن الدارقطني (3/70-71) .
2 الحلية (6/334) .
3 السنن الكبرى (5/296) .
4 لسان الميزان (6/293) .
5 كشف الأستار (2/86) .
وثابت بن زهير قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث لا يشتغل به. وذكره ابن المديني في المتروكين من أصحاب نافع. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني وغيره: منكر الحديث1.
فعلى هذا فإن هذا الإسناد لا يعتبر به لشدة ضعف ثابت بن زهير. والله أعلم.
1 لسان الميزان (2/76) .
دلالة الأحاديث السابقة:
أحاديث هذا الفصل تدل على النهي عن بيع اللحم بالحيوان مطلقاً سواءً أكان من جنسٍ واحد أم لا. وبهذا قال مالك1، والشافعي2، وأحمد3.
والشافعي من أكثر القائلين بالنهي؛ سواء أكان اللحم والحيوان من جنس واحد أم لا4، ويروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه القول بالنهي عن بيع اللحم بالحيوان، ولا يصح5.
وقال أبو حنيفة: بيع اللحم بالحيوان جائز بكل حال6. ووافقه محمد بن الحسن إذا كان اللحم أكثر من الحيوان7.
وإنما أجاز أبو حنيفة بيع اللحم بالحيوان بناءً على قوله في علة الربا أنها الكيل أو الوزن، والحيوان ليس بمكيل ولا موزون8.
وقد تقدم أن الأحاديث الواردة في النهي عن بيع اللحم بالحيوان، وإن كان في أسانيدها ضعف، إلا أنها تصلح بمجموعها للاحتجاج، ما عدا الحديث الأخير فهو ضعيف جدًا.
1 شرح الخرشي على مختصر خليل (5/68) .
2 الحاوي الكبير (5/157-158) .
3 الإنصاف (5/23) .
4 المجموع (10/475) .
5 انظر: المحلى (8/517) .
6 البناية (7/368) .
7 المرجع السابق.
8 انظر: المرجع السابق.
وقد علل الإمام مالك وغيره النهي عن بيع اللحم بالحيوان بالغرر والقمار؛ لأنه لا يدري هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر1.
وقد تقدم أن الإمام مال يرى أن ذلك من المزابنة2.
وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية3 وابن القيم4 إلى أن المراد بالنهي الوارد عن بيع اللحم بالحيوان هو ما إذا كان الحيوان مقصودًا للحم؛ كشاة يقصد لحمها، فتباع بلحم، فيكون قد باع لحمًا بلحم أكثر منه من جنس واحد، واللحم قوت موزون، فيدخله ربا الفضل.
1 أعلام الموقعين (2/150) .
2 انظر: الدراسة الفقهية لفصل: ما ورد في النهي عن المزابنة.
3 تفسير آيات أشكلت (2/634-635) ، والإنصاف (5/23) .
4أعلام الموقعين (2/150) .