المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: ما ورد في الربا في الذهب والفضة والبر والشعير والملح والتمر - الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها - جـ ٢

[سليمان بن صالح الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الخامس: الأحاديث الواردة في النهي عن البيوع الربوية

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الربا والتحذير منه

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في الربا في الذهب والفضة والبر والشعير والملح والتمر

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن المزابنة والمحاقلة

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع اللحم بالحيوان

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع العينة

- ‌الباب السادس: الأحاديث الواردة في النهي عما يلحق الضرر والغبن بأحد المتبايعين أو كان النهي لأمر آخر مما هو خارج عقد البيع

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن النجش

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وأن يستام الرجل على سوم أخيه

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن الغش في البيع

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن اليمين الكاذبة في البيع

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن التصرية

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الحاضر للباد وعن تلقي الركبان

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المضطر

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن التفريق بين الأقارب في البيع

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن البيع في المسجد

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الفصل الثاني: ما ورد في الربا في الذهب والفضة والبر والشعير والملح والتمر

‌الفصل الثاني: ما ورد في الربا في الذهب والفضة والبر والشعير والملح والتمر

140 -

(1) عن مالك بن أوسٍ: أنه التمس صرفاً بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا، حتى اصطرف منِّي، فأخذ الذهب يقلِّبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذهب بالورِق1 رباً إلاّ هاء وهاء، والبُرُّ بالبرِّ رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء".

أخرجه مالك2 عن ابن شهاب به وهذا لفظه، ومن طريقه أخرجه البخاري3، وأبو داود4، والشافعي5، وعبد الرزاق6، وأحمد7، وابن حبان8، والبغوي9.

1 وقع في المطبوع من صحيح البخاري [ط المكتبة السلفية](4/442)"الذهب بالذهب" وهو خطأ.

2 موطأ مالك [كتاب البيوع (2/636) ] .

3 صحيح البخاري [كتاب البيوع (4/رقم 2170-2174) ] .

4 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/643) ] .

5 مسند الشافعي (ص138) .

6 مصنف عبد الرزاق (8/116) .

7 مسند أحمد (1/45) .

8 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/386-387) .

9 شرح السنة (4/245) .

ص: 425

وأخرجه أيضاً البخاري1، ومسلم2، والترمذي3، والنسائي4، وابن ماجه5، والشافعي6، وعبد الرزاق7، والحميدي8، وابن أبي شيبة9، وأحمد10، والدارمي11، والبزار12، وابن الجارود13، وابن حبان14، والبيهقي15، كلهم من طرقٍ عن ابن شهاب الزهري به.

وقال الحميدي: قال سفيان: وهذا أصحُّ حديثٍ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا - يعني في الصرف -.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

قوله: "التمس صرفاً" الصَّرف: هو بيع الذهب بالفضة، والفضة بالذهب. وفي تسميته صرفاً قولان:

1 صحيح البخاري [كتاب البيوع (4/رقم 2134) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1209) ] .

3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/545) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/273) ] .

5 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/757،759،760) ] .

6 مسند الشافعي (ص138) .

7 مصنف عبد الرزاق (8/116) .

8 مسند الحميدي (1/8،9) .

9 مصنف ابن أبي شيبة (5/297) .

10 مسند أحمد (1/24) .

11 سنن الدارمي (2/335) .

12 مسند البزار - البحر الزخار - (1/377) .

13 المنتقى - المطبوع مع غوث المكدود - (2/227) رقم (651) .

14 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/394) .

15 السنن الكبرى (5/283) .

ص: 426

أحدهما: لصرفه عن مقتضى البياعات من عدم جواز التفرق قبل القبض والبيع نساءً.

والثاني: من صريفهما وهو تصريفهما في الميزان، فإن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة سمي مراطلةً1.

قوله: "فتراوضنا" أي تجاذبنا في البيع والشراء، وهو ما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان، كأن كل واحدٍ منهما يروض صاحبه من رياضة الدابة، وقيل: هي المواصفة بالسلعة، وهو أن تصفها وتمدحها عنده2.

قوله: "فأخذ الذهب يقلبها" قال الحافظ ابن حجر: أي الذهبة، والذهب يذكر ويؤنث، فيقال ذهب وذهبة، أو يحمل على أنه ضمن الذهب معنى العدد المذكور وهو المائة فأنثه لذلك3.

قوله: "حتى يأتي خازني" جاء في رواية مسلم "ثم ائتنا إذا جاء خادمنا".

قوله: "الغابة" هي موضع قرب المدينة من ناحية الشام فيه أموال لأهل المدينة4.

قوله: "إلا هاء وهاء" قال البغوي: أراد يداً بيد، وقال: معناه: هاك وهات، أي: خذ وأعطِ5.

وهذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء أيضاً من غير طريق مالك بن أوس الحدثاني، وبذلك يعلم أن حديث عمر بن الخطاب لا يمكن

1 المطلع على أبواب المقنع (ص239) .

2 النهاية في غريب الحديث (2/276-277) .

3 فتح الباري (4/442) .

4 معجم البلدان (4/182) .

5 شرح السنة (4/245) .

ص: 427

تعليله بأنه لا يعرف عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام مرفوعاً من غير حديث مالك بن أوس عن عمر عنه. وقد ذكر ابن جرير الطبري أن قوماً ربما ضعفوا الحديث بسبب هذا1، ولكن لم يجب ابن جرير عن هذا التعليل، ونحن نجيب عنه بأمرين:

الأول: أن الحديث على احتمال أنه فَرْد، فهو صحيح الإسناد احتج به مالك، وأصحاب الصحيح.

الثاني: أن الحديث لم ينفرد به مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل تابعه غيره عن عمر رضي الله عنه، ووقفت من ذلك على طريقين أحدهما صحيح، والآخر مُعَل، وهما:

الطريق الثانية2: ضمرة بن سعيد المازني عن أبي سعيد الخدري عنه به:

رواه الحميدي3 قال ثنا سفيان به. قال سفيان بن عيينة: إني لا أحفظ شيئاً فيه - أي من لفظه - إلا أنه نحو مما يحدث الناس عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الذهب بالذهب مثلاً بمثلٍ، والورق بالورق مثلاً بمثل".

وهذا إسناد صحيح متصل. وضمرة بن سعيد المازني هو ابن أبي حَنَّة الأنصاري المدني، ثقة4.

وقد سمع أبو سعيد الخدري هذا الحديث أيضاً من النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة كما سيأتي بيان حديثه - إن شاء الله -.

1 تهذيب الآثار (2/73) .

2 أي: لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سبق ذكر الطريق الأولى.

3 مسند الحميدي (2/329) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2989) .

ص: 428

الطريق الثالثة: عبد الله بن حنين عن عبد الله بن عمر عن أبيه به:

رواه الطحاوي1 بإسناده عن ابن لهيعة عن أبي النضر به. ولفظه: أن رجلاً من أهل العراق قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال وهو علينا أمير: "من أُعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها"، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، وزناً بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد فهو ربا". وقال ابن عمر: إن كنت في شك فسل أبا سعيد الخدري عن ذلك. فسأله فأخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وهذا الإسناد فيه علتان:

الأولى: ابن لهيعة، وقد سبق2 أنه ضعيف.

الثانية: أن المحفوظ عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه النهي عن الصرف - موقوفاً -، وذلك من طرقٍ كثيرة ليس فيها الرفع3. وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما لم يكن بلغه النهي عن الصرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يفتي بإباحته كمذهب ابن عباس حتى حدثه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصرف إلا مثلاً بمثل، فرجع عبد الله بن عمر

1 شرح معاني الآثار (4/68) .

2 عند الكلام على الحديث الأول من هذه الرسالة.

3 انظر: في هذه الطرق: تهذيب الآثار (2/73-74-75) ، شرح معاني الآثار (4/ 69-70)

ص: 429

عن قوله، ولو كان بلغه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك لما ذهب إلى إباحته. وقد روى البيهقي1 بإسنادٍ عن نافع قال:"كان ابن عمر يحدث عن عمر في الصرف، ولم يسمع فيه من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً".

وقوله: يحدث عن عمر: أي "موقوفاً" كما تقدّم.

وعلى هذا فالمعروف في هذه الطريق الوقف، وأما الرفع فمنكر. والله أعلم.

141 -

(2) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز".

ورد هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه من طرق:

الطريق الأولى: نافع عنه به.

رواه البخاري2، ومسلم3 واللفظ المذكور لهما، والترمذي4، والنسائي5، ومالك6، والشافعي7، وعبد الرزاق8، وابن أبي

1 السنن الكبرى (5/279) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2177) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1208-1209) ] .

4 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/542-543) ] .

5 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/278-279) ] .

6 موطأ مالك [كتاب البيوع (2/632-633) ] .

7 مسند الشافعي (ص139-140) ، الرسالة (ص276-277) من طريق مالك.

8 مصنف عبد الرزاق (8/121-122) .

ص: 430

شيبة1، وأحمد2، وأبو يعلى3، وابن الجارود4، وابن حبان5، كلهم من طرقٍ عن نافع به.

قال الترمذي: حسن صحيح.

ورواه الطحاوي6 بإسناده عن ابن أبي روّاد7 عن نافعٍ عن ابن عمر عن أبي سعيد

" الحديث بنحوه. فذكر عبد الله بن عمر بين نافع وأبي سعيد.

وقد تابع ابنَ أبي روّاد خصيف بن عبد الرحمن كما عند الطبراني8.

وخالفهما مالك9، وعبيد الله بن عمر10، وأيوب11، وابن عون12، ويحيى الأنصاري13، وغيرهم14، كلهم يروونه عن نافع عن أبي سعيد به، وهو المعروف.

1 مصنف ابن أبي شيبة (5/297) .

2 مسند أحمد (3/4، 51،53،61) .

3 مسند أبي يعلى (2/422) .

4 المنتقى - المطبوع مع تخريجه غوث المكدود - (2/226) .

5 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/391) .

6 شرح معاني الآثار (4/67) ، شرح مشكل الآثار (15/385) .

7 وقع في المطبوع من شرح معاني الآثار "ابن أبي داود" وهو خطأ.

8 المعجم الأوسط (3/17-18) .

9 في الموطأ.

10 في مسند أحمد.

11 المرجع السابق.

12 في صحيح مسلم.

13 المرجع السابق.

14 ذكر الخطيب البغدادي في وصل المدرج (1/76) ، ح رقم 13) سبعة عشر راوياً كلهم يروون الحديث عن نافع عن أبي سعيد، وذكر رواياتهم.

ص: 431

ورواية ابن أبي روّاد وخصيف منكرة، وقد كان ابن أبي روّاد يحدث عن نافعٍ بالمناكير1. ورواية خصيف من طريق عتاب بن بشير الجزري عنه. وقد قال أحمد في عتاب هذا: أحاديث عتاب عن خصيف منكرة. وقال ابن عدي: روى عن خصيف نسخة فيها أحاديث أنكرتها2.

وقد كان نافع مع ابن عمر رضي الله عنهما حين حدثه أبو سعيد رضي الله عنه بهذا الحديث، فلعله اشتبه على من رواه عن نافع عن ابن عمر عن أبي سعيد فظنّ أن نافعاً يرويه عن ابن عمر - والله أعلم -.

وأمّا سالم بن عبد الله بن عمر فلم يسمع من أبي سعيد هذا الحديث، وإنما سمعه من أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم كما رواه البخاري3، وقد تفرّد به.

وروى الطحاوي4 هذا الحديث بإسنادٍ صحيح عن نافع قال: مشى عبد الله بن عمر إلى رافع بن خديج في حديث بلغه عنه في شأن الصرف

" الحديث بنحو حديث نافع عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مقلوب. فإن الحديث عن أبي سعيد الخدري كما في الطرق الأخرى عن نافع وابن عمر، وليس عن رافع بن خديج رضي الله عنه، والله أعلم.

1 انظر: المجروحين لابن حبان (2/136-137) .

2 تهذيب التهذيب (7/91) .

3 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2176) ] .

4 شرح معاني الآثار (4/66-67) .

ص: 432

وقوله: "لا تشفوا" أي لا تفضِّلوا، والشف أيضاً من النقصان، فهو من الأضداد1، وقد جاء في روايةٍ لأحمد2:"لا تفضِّلوا".

وقوله: "بناجز" أي حاضراً، يقال نجز ينجز نجزاً إذا حصل وحضر، وأنجز وعده إذا أحضره3.

الطريق الثانية: أبو سلمة بن عبد الرحمن عنه به:

أخرجه البخاري4، ومسلم5، والنسائي6، وابن ماجه7، والطيالسي8، وابن أبي شيبة9، وأحمد10، والطحاوي11، والبيهقي12، كلهم من طرقٍ به.

وفي رواية لأحمد13 جاء ذكر محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مقروناً بأبي سلمة.

1 انظر: النهاية في غريب الحديث (2/486) .

2 مسند أحمد (3/53) .

3 انظر: النهاية في غريب الحديث (5/21) .

4 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2080) ] .

5 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1216) ] .

6 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/272) ] .

7 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/758) ] .

8 مسند الطيالسي (ص291) .

9 المصنف (5/297) .

10 مسند أحمد (3/49،50-51) .

11 شرح معاني الآثار (4/68) ، شرح مشكل الآثار (15/391) .

12 السنن الكبرى (5/291) .

13 مسند أحمد (3/81) .

ص: 433

ولفظ البخاري: عن أبي سعيد قال: كنا نرزق تمر الجمع - وهو الخِلط من التمر -، وكنّا نبيع صاعين بصاعٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صاعين بصاعٍ، ولا درهمين بدرهم".

وتمر الجَمْع: هو كلُّ لونٍ من النخيل لا يعرف اسمه فهو جمع، وقيل: الجَمْع تمر مختلط من أنواعٍ متفرِّقة، وليس مرغوباً فيه، وما يخلط إلا لرداءته1.

الطريق الثالثة: يحيى بن أبي كثير عن عقبة بن عبد الغفار عنه به.

رواه البخاري2، ومسلم3، والنسائي4، وأحمد5، كلهم من طرقٍ به.

ولفظ البخاري: عن أبي سعيد قال: جاء بلالٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمرٍ برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أين هذا؟ قال بلال: كان عندي تمرٌ رديء، فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"أوَّه، أوَّه، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيعٍ آخر ثم اشتر به".

وقوله "أَوَّه" هي كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجُّع6.

الطريق الرابعة: أبو نضرة عنه به:

عن أبي نضرة قال: "سألت ابن عباسٍ عن الصرف، فقال: أَيداً بيدٍ؟ قلت: نعم. قال: فلا بأس به. فأخبرت أبا سعيدٍ،

1 النهاية في غريب الحديث (1/296) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب الوكالة (4/رقم 2312) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1215) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/273) ] .

5 مسند أحمد (3/62) .

6 النهاية في غريب الحديث (1/82) .

ص: 434

فقلت: إني سألت ابن عباسٍ عن الصرف، فقال: أيداً بيد؟ قلت: نعم. قال فلا بأس به. قال: أَوَ قال ذلك! إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه. قال: فوالله لقد جاء بعض فتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرٍ فأنكره، فقال: كأنّ هذا ليس من تمر أرضنا؟ قال: كان في تمر أرضنا - أو في تمرنا - العام بعض الشيء، فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة. فقال: أَضعفت، أَربيت، لا تقربنّ هذا، إذا رابك من تمرك شيءٌ فبعه ثم اشتر الذي تريد من التمر".

رواه مسلم1 وهذا لفظه، وأحمد2، وأبو يعلى3، والطحاوي4 - مختصراً -. كلهم من طرقٍ به.

وفي لفظ لمسلم: "هذا الربا فردوه، ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذه".

ورواه مسلم والبيهقي5 عن أبي نضرة قال: "سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأساً

" الحديث بنحوه. وفي آخره يقول أبو نضرة: فأتيت ابن عمر بعدُ فنهاني، ولم آت ابن عباسٍ، قال: فحدَّثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه".

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1216-1217) .

2 مسند أحمد (3/3،10،58،60) .

3 مسند أبي يعلى الموصلي (2/426) .

4 شرح معاني الآثار (4/68) .

5 السنن الكبرى (5/281) .

ص: 435

الطريق الخامسة: سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة به.

رواه مالك1 عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيدٍ به، ومن طريق مالك أخرجه البخاري2، ومسلم3، والنسائي4.

ولفظ مالك: عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتمرٍ جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكلُّ تمر خيبر هكذا"؟ قال: لا، والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً". وزاد البخاري ومسلم: "وكذلك الميزان".

والجنيب، نوع جيِّد من أنواع التمر5.

ومن غير طريق مالك أخرجه أيضاً البخاري6، ومسلم7، والدارمي8، والدارقطني9، والبيهقي10، كلهم من طرقٍ عن

1 الموطأ (2/485) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2201) ، كتاب الوكالة (4/رقم 2302) ، كتاب المغازي (7/رقم 4244) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1215) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/271) ] .

5 النهاية في غريب الحديث (1/304) .

6 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب الاعتصام (13/رقم 7350) ] .

7 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1215) ] .

8 سنن الدارمي (2/335) .

9 سنن الدارقطني (3/17) .

10 السنن الكبرى (5/285) .

ص: 436

عبد المجيد بن سهيل به. ولفظهم نحو لفظ مالك، وقد وقع عندهم تسمية الرجل الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر بأنه أخو بني عدي الأنصاري، وعند الدارقطني:"سواد بن غزية أخو بني عدي الأنصاري".

وقيل إن الرجل هو مالك بن صعصعة، وذلك لما رواه الخطيب بإسناده عن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعثه إلى تمر خيبر يستوفيه، فأتاه مالك بتمرٍ طيب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذا التمر يا مالك"؟ قال: استطبته لك، الصاع بالصاعين، قال:"لا تعودنَّ لذلك، الصاع بالصاع، والدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم"1. وفي إسناد الخطيب فليح بن سليمان، وقد تقدم الكلام فيه وأنه: صدوق كثير الخطأ2.

قال الحافظ ابن حجر: لعلها قصة أخرى3.

وروى الحديث من هذه الطريق أيضاً، النسائي4، وأبو داود الطيالسي5، وأحمد6، وأبو يعلى7، والطحاوي8، وابن حبان9، كلهم من طرقٍ عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن

1 الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (ص375) .

2 تقدم عند حديث رقم (9) .

3 الفتح (7/568) .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/272) ] .

5 مسند الطيالسي (ص294) .

6 مسند أحمد (3/45،67) .

7 مسند أبي يعلى (2/438-439) .

8 شرح معاني الآثار (4/68) .

9 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/394-395) .

ص: 437

أبي سعيد الخدري وحده. ولفظ أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بتمرٍ ريَّان وكان تمر نبي الله صلى الله عليه وسلم تمراً بعلاً فيه يبس، فقال: أنّى لكم هذا التمر؟ فقالوا هذا تمرٌ ابتعنا صاعاً بصاعين من تمرنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلح ذلك، ولكن بع تمرك ثم ابتع حاجتك".

والبَعْل: هو ما شرب من النخيل بعروقه من الأرض من غير سقي سماءٍ ولا غيرها1.

ورواه الدارقطني2 أيضاً بإسناده عن محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة3 بن أسلم عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة به. ولم يذكر لفظه.

وهذا الإسناد لا يعتبر به؛ فإن محمد بن إسماعيل الجعفري قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث يتكلمون فيه. وقال أبو نعيم: متروك4.

وأما عبد الله بن سلمة بن أسلم فقد ضعفه الدارقطني وغيره، وقال أبو نعيم: متروك5. وأما سلمة بن أسلم فلم أعرفه. والله أعلم.

ومما تقدم من الروايات تبين أن جميعها تلتقي في سعيد بن المسيب، وذلك من رواية عبد المجيد بن سهيل وقتادة عنه.

1 انظر: النهاية في غريب الحديث (1/141) .

2 سنن الدارقطني (3/17) .

3 وقع في سنن الدارقطني المطبوع "مسلمة" وهو خطأ.

4 لسان الميزان (5/78) .

5 لسان الميزان (3/292) .

ص: 438

ورواه البخاري تعليقاً1 عن الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة به. ووصله الدارقطني2 وابن عبد البر3.

قال ابن عبد البر: لا نعرفه بهذا الإسناد هكذا إلا من حديث الدراوردي4.

والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد، وَثَّقه مالك وابن معين، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث يغلط. وقال أحمد: كان معروفاً بالطلب وإذا حدث من كتابه فهو صحيح، وإذا حدّث من كتب الناس وهم. وكان يقرأ من كتبهم فيخطئ، وربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر.

وقال أبو زرعة: سيء الحفظ، فربما حدث من حفظه الشيء فيخطئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يخطئ5.

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ6.

ويظهر لي أنه أخطأ في هذا الحديث، وذلك أن غيره من الرواة ومنهم مالك رووه عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب المغازي (7/رقم 4246) ] .

2 سنن الدارقطني (3/17) .

3 التمهيد (5/132) .

4 التمهيد (20/57) .

5 تهذيب التهذيب (6/254-255) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4119) .

ص: 439

المسيب، فمخالفة الدراوردي تعتبر شذوذاً لما سبق من حاله، فلعله انقلب عليه سعيد بن المسيب إلى أبي صالح كما ينقلب عليه عبد الله بن عمر إلى عبيد الله بن عمر، وعبد المجيد بن سهيل لم يكن بالواسع في الرواية حتى يقال حدث عن كليهما1. والله أعلم.

الطريق السادسة: أبو المتوكل الناجي عنه به:

رواه مسلم2، والنسائي3، والطيالسي4، وأحمد5، وعبد بن حميد6، وأبو يعلى7، وابن الجارود8، كلهم من هذه الطريق.

ولفظ مسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء".

وأبو المتوكل هو علي بن داود، ويقال: ابن دؤاد البصري9.

1 انظر قول يحيى بن معين فيه في: تهذيب الكمال (18/270) .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1211) ] .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/277) ] .

4 مسند الطيالسي (ص295) .

5 مسند أحمد (3/49-50، 66-67، 97) .

6 المنتخب (2/57، رقم: 860) .

7 مسند أبي يعلى (2/422) مختصراً.

8 المنتقى - المطبوع مع تخريجه غوث المكدود - (2/226) .

9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4731) .

ص: 440

الطريق السابعة: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه به:

رواه مسلم1، والطيالسي2، وأحمد3، والطحاوي4، كلهم من هذه الطريق.

ولفظ مسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، إلا وزناً بوزن مثلاً بمثل سواءً بسواءٍ".

وقد تابع سهيل بن أبي صالح على هذا الحديث عبد العزيز بن رُفيع. رواه الطبراني5.

الطريق الثامنة: عمرو بن دينار عن أبي صالح عنه به6:

رواه البخاري7 بإسناده عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار به موقوفاً، ولفظه: عن أبي سعيد قال: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم" وفيه محاورة أبي سعيد لابن عباس، واحتجاج ابن عباس بحديث أسامة:"لا ربا إلا في النسيئة".

ورواه مسلم8 عن محمد بن حاتم بن ميمون ومحمد بن عبَّاد المكي، وابن أبي عمر كلهم عن سفيان عن عمرو بن دينار به

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1209) ] .

2 مسند الطيالسي (ص290) .

3 المسند (3/9،47) .

4 شرح مشكل الآثار (15/390) ، شرح معاني الآثار (4/67) .

5 المعجم الكبير (1/174) .

6 أفردت هذا الطريق عن سابقه لبيان الاختلاف الواقع في إسناده.

7 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2178) ] .

8 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1217) ] .

ص: 441

موقوفاً، ورواه ابن ماجه1 عن محمد بن الصبّاح الجَرْجرائي عن سفيان به موقوفاً أيضاً، ورواه أحمد2 عن سفيان به موقوفاً أيضاً.

بينما رواه الحميدي3 عن سفيان به مرفوعاً، ولفظه:"الدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار، مثلاً بمثل، ليس بينهما فضل"، وذكر محاورة أبي سعيد لابن عباس في ذلك.

وتابع الحميدي على رفع الحديث عبد الرزاق4 ومحمد بن مسلم الطائفي5، ورواه أيضاً عبد الرزاق6 عن معمر عن عمرو بن دينار به مرفوعاً.

وهناك من الرواة عن عمرو بن دينار من روى الحديث من غير ذكرٍ لأبي سعيد الخدري فيه7، وإنما ذكر قول ابن عباس

1 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/758-759) ] . ووقع في المطبوع منه: "عن أبي صالح عن أبي هريرة عن أبي سعيد" وهو خطأ، والصواب:"عن أبي صالح عن أبي سعيد" بدون ذكر أبي هريرة. وانظر في ذلك: تحفة الأشراف (1/47) ، (3/352) .

2 المسند (5/200) .

3 مسند الحميدي (2/328-329) .

4 المصنف (8/117) .

5 رواه عنه علي بن الجعد (المسند: 2/703) ، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (ص382) ، وابن عبد البر في التمهيد (2/244) .

6 المصنف (8/117) .

7 من هؤلاء الرواة: شعبة. انظر: المعجم الكبير (1/174)، وانظر أيضاً: مسند البزار (7/9-10) .

ص: 442

عن أسامة مرفوعاً: "لا ربا إلا في النسيئة". وهذا يؤكد أن الحديث وقع فيه اختصار من بعض الرواة، فإنّ أصل الحديث أن أبا صالح السَّمَّان سأل أبا سعيد الخدري عن الصرف، فنهاه عنه وقال:"الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم "، ثم ذكر أبو صالح قول ابن عباس، فقال له أبو سعيد إنه لقيه فاحتج ابن عباس بحديث أسامة:"لا ربا إلا في النسيئة"، فاحتج عليه أبو سعيد بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فبعض الرواة ذكر الحديث تاماً، ومنهم من ذكر الجزء الموقوف منه على أبي سعيد وحديث أسامة، ومنهم من اقتصر على حديث أسامة. فعلى هذا لا تعارض بين هذه الروايات ولا اضطراب. والله أعلم.

الطريق التاسعة: عن أبي الجوزاء عن ابن عباس عن أبي سعيدٍ به:

رواه ابن ماجه1، وأحمد2، والطبراني3، وابن شاهين4، والبيهقي5، وابن عبد البر6. كلهم من طرقٍ عن أبي الجوزاء به.

ولفظ ابن ماجه: عن أبي الجوزاء قال: سمعته يأمر بالصرف - يعني ابن عباس - ويحدث ذلك عنه، ثم بلغني أنه رجع عن ذلك، فلقيته بمكة فقلت: إنه بلغني أنك رجعت؟ قال: نعم،

1 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (3/759) ] .

2 مسند أحمد (3/51) .

3 المعجم الكبير (1/177) .

4 الناسخ والمنسوخ (ص384-385) .

5 السنن الكبرى (5/282) .

6 التمهيد (2/245) ، (4/75) .

ص: 443

إنما كان ذلك رأياً مني، وهذا أبو سعيد يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن الصرف".

وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الرَّبَعي البصري، وهو ثقة1.

وإسناد هذا الحديث صحيح، وفيه التصريح برجوع ابن عباس عن قوله بإباحة ربا الفضل.

الطريق العاشرة: عبد الرحمن بن أبي نُعم عن أبي سعيد به:

رواه أبو يعلى2، والطبراني في الكبير3، وابن عبد البر4. كلهم من طرقٍ عن مغيرة بن مِقسم به، ولفظ أبي يعلى: "جاء أبو سعيد الخدري إلى رجلٍ فقال له: أقرأت ما لم نقرأ؟ وصحبت ما لم نصحب؟ فقال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب مثلاً بمثل، فما زاد فهو ربا، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، فما زاد فهو ربا". قال سمعته بعد يقول: اللهم إني أتوب إليك مما كنت أفتي به الناس في الصرف. وعند الطبراني أن الرجل الذي كلّمه أبو سعيد هو ابن عباس رضي الله عنه.

وإسناد هذه الطريق حسن، فإن عبد الرحمن بن أبي نُعم ضعفه ابن معين، ووثقه ابن سعد، والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات5، وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق6.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (577) .

2 مسند أبي يعلى (2/489) .

3 المعجم الكبير (1/176-177) .

4 التمهيد (2/243-244) .

5 تهذيب التهذيب (6/286) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4028) .

ص: 444

والمغيرة بن مقسم ثقة، ولكنه يدلس1، ولكن لم يذكر أنه يدلّس إلا عن إبراهيم النخعي2، ومنهم من ينفي ذلك عنه.

الطريق الحادية عشرة: مجاهد عنه به:

رواه أحمد3، والطبراني4، والخطيب البغدادي5، كلهم من طرقٍ عن خُصيف به، ولفظ أحمد: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين على المنبر يقول: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة وزناً بوزنٍ".

وخُصيف هو ابن عبد الرحمن الجزري، ضعَّفه يحيى القطان، وأحمد، والنسائي، وابن خزيمة، ووثقه ابن معين والفسوي6.

وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق سيء الحفظ خلط بآخرة7.

وفي الإسناد علة أخرى وهي الانقطاع، ذلك أن مجاهداً لم يسمع من أبي سعيد رضي الله عنه8.

فعلى هذا فإن هذه الطريق ضعيفة لما سبق من حال خصيف بن عبد الرحمن، وأيضاً لانقطاعه، إلا أنها مع ضعفها فهي صالحة للاعتبار. والله أعلم.

1 انظر: تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6851) ، وتعريف أهل التقديس (ص112) .

2 انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب (10/269-271) .

3 المسند (3/93) .

4 المعجم الأوسط (3/18) .

5 تاريخ بغداد (13/147) .

6 تهذيب التهذيب (3/143-144) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1718) .

8 تهذيب التهذيب (10/44) .

ص: 445

الطريق الثانية عشرة: عطاء بن يسار عنه به:

رواه مالك1 مرسلاً ووصله الطحاوي2، ورواه ابن أبي شيبة3، وأبو يعلى4. كلهم من هذا الطريق.

وفي رواية أبي يعلى جاء ذكر أبي سلمة بن عبد الرحمن مقروناً بعطاء بن يسار.

ولفظ مالك: "التمر بالتمر مثلاً بمثل" فقيل له: إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوه لي" فدُعي له، فقال صلى الله عليه وسلم:"أتأخذ الصاع بالصاعين"؟ فقال: يا رسول الله، لا يبيعوني الجنيب بالجمع صاعاً بصاع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً".

الطريق الثالثة عشرة: عبد الملك بن ميسرة عن أبي صالح عنه به:

رواه الطبراني5 بإسناده عن أبي خالد الدَّالاني عن عبد الملك به، ولفظه:"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى" فقيل: يا رسول الله، فإن صاحب تمرك يشتري صاعاً بصاعين، فأرسل إليه فقال:

1 الموطأ (2/484) .

2 شرح معاني الآثار (4/64) ، شرح مشكل الآثار (15/396) .

3 المصنف (5/297) .

4 مسند أبي يعلى (2/283) .

5 المعجم الكبير (6/38) ، المعجم الأوسط (4/262) .

ص: 446

يا رسول الله، تمري كذا وكذا، فلا يأخذوه إلا أن أزيدهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل".

وفي إسناد الطبراني أبو خالد الدَّالاني. قال فيه ابن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال أحمد: لا بأس به. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. وقال ابن سعد: منكر الحديث، وقال ابن حبان: كان كثير الخطأ فاحش الوهم1.

ولذا جعله ابن حجر في مرتبة: صدوق يخطئ كثيراً2.

وهذه الطريق مع ضعفها فهي صالحة للاعتبار.

الطريق الرابعة عشرة: عطية العوفي عنه به:

رواه محمد بن الحسن3، وعلي بن الجعد4، والطبراني5، كلهم من هذا الطريق، ولفظ محمد بن الحسن نحو لفظ أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وقد سبق في الطريق السادسة من هذا الحديث.

وعطية العوفي تقدم الكلام فيه6، وأنه صدوق يخطئ كثيراً.

وهذه الطريق مع ضعفها فهي صالحة للاعتبار.

1 تهذيب التهذيب (12/82-83) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (8072) .

3 الآثار (ص169) .

4 مسند علي بن الجعد (2/795) .

5 المعجم الكبير (1/177) .

6 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (124) .

ص: 447

الطريق الخامسة عشرة: حيان بن عبيد الله عن أبي مجلز عن أبي سعيد رضي الله عنه:

رواه محمد بن نصر المروزي1، وابن عدي2، والحاكم3، والبيهقي4، وابن حزم5. كلهم من هذا الطريق.

ولفظ ابن عدي: عن حيّان بن عبيد الله أبو زهير قال: سئل أبو مجلز لاحق بن حميد عن الصرف وأنا أشاهد، فقال:"كان ابن عباس يقول زماناً من عمره لا بأس بما كان منه يداً بيدٍ، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، حتى لقيه أبو سعيد الخدري فقال له: يا ابن عباس، ألا تتقي الله حتى متى تؤكِّل الناس الربا، أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يومٍ وهو عند زوجته أم سلمة: "إني أشتهي تمر عجوةٍ"، وأنها بعثت بصاعين من تمرٍ إلى رجلٍ من الأنصار فأتاها بصاعٍ واحدٍ بدل الصاعين، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا رآه أعجبه، تناول تمرةً ثم أمسك، فقال: من أين لكم هذا"؟ قالت: بعثنا من تمرنا بصاعين إلى منزل فلان فأتينا بدل الصاعين بهذا الصاع الواحد، فألقى التمر من يده ثم قال: "ردّوه فلا حاجة لي فيه، التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والفضة بالفضة، عين بعين، مثل بمثلٍ،

1 السنة (ص55) .

2 الكامل (2/425) .

3 المستدرك (2/42-43) .

4 السنن الكبرى (5/286) .

5 المحلّى (8/479) .

ص: 448

فمن زاد فهو رباً" - ثم قال - "كل ما يكال أو يوزن فكذلك أيضاً"، قال: فقال ابن عباس: جزاك الله يا أبا سعيد عني الجنة، فإنك ذكرتني أمراً كنت نسيته، أستغفر الله وأتوب إليه. فكان ينهى عنه بعد ذلك أشد النهي".

قال ابن عدي: وهذا الحديث من حديث أبي مجلز عن ابن عباس تفرَّد به حيّان.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وتعقّبه الذهبي فقال: حيَّان فيه ضعف وليس بالحجة1.

وحيَّان بن عبيد الله قال فيه البخاري: ذكر الصلت منه الاختلاط. وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال البيهقي: تكلموا فيه. وقال ابن حزم: مجهول2. وقال البزار: مشهور ليس به بأس3. وتقدم قول الذهبي فيه: فيه ضعف ليس بالحجة.

وأما قول ابن حزم: "مجهول" فقد قال ابن حجر: "لم يصب"4، وذلك لما تقدم من كلام الأئمة فيه، فليس بمجهول.

1 تلخيص المستدرك - المطبوع في حاشية المستدرك - (2/43) .

2 لسان الميزان (2/370) .

3 حكاه عنه ابن التركماني في الجوهر النقي - المطبوع في حاشية سنن البيهقي - (5/ 286) .

4 لسان الميزان (2/370) .

ص: 449

ومما يؤيد أن حيّان لم يضبط هذا الحديث أنه لم يتابع عليه كما قال ابن عدي، وأيضاً فقد روى نحو هذا الحديث عن عبد الله بن بريدة بن حصيب عن أبيه1، ولم يتابع عليه أيضاً2. ولعلّ هذا من اختلاطه الذي حكاه عنه الصَّلت كما سبق.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف، وأما أصل الحديث فهو محفوظ من طرقٍ أخرى سبق ذكرها.

وأعله ابن حزم بالانقطاع بين أبي مجلز ومن فوقه، حيث قال:"لم يسمعه لا من أبي سعيد ولا من ابن عباس"3. ولم يذكر دليلاً على ذلك.

وأعله أيضاً بأن ما ذكر فيه من رجوع ابن عباس مخالف لما حكاه عنه سعيد بن جبير في أنه لم يرجع عن قوله في الصرف حتى مات4.

والجواب عن هذا أن رجوع ابن عباس رضي الله عنه ثابت عن غير واحدٍ، وقد سبق قول أبي الصهباء أن ابن عباس كان يكره الصرف بعد أن حدثه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه إلا مثلاً بمثل.

وسبق أيضاً ذكر خبر أبي الجوزاء عنه - وهو خبر صحيح كما سبق - وفيه التصريح برجوع ابن عباس رضي الله عنه.

1 رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/66) ، والطبراني في الأوسط (1/227) . ووقع في المطبوع منه "حيان بن عبد الله" وهو خطأ.

2 قاله الطبراني في الأوسط.

3 المحلى (8/482) .

4 المحلى (8/482-483) .

ص: 450

وروى أيضاً إسحاق بن راهويه بإسناده عن ابن أبي مليكة أنه قال: "سمعت ابن عباس قبل موته بثلاثٍ يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من الصرف"1. ورجاله ثقات ما عدا سالم بن أبي حفصة وهو صدوق2.

الطريق السادسة عشرة: بكر بن عبد الله المزني عنه به:

رواه الطبراني3 بإسناده عن سالم بن عبد الله أبي غياث العتكي به. وذكر محاورة أبي سعيد لابن عباس رضي الله عنه في الصَّرف، واحتجاج أبي سعيد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل، تبره وعينه، فمن زاد أو استزاد فقد أربى

". وفي آخره ذكر رجوع ابن عباس حيث قال: "إني أستغفر الله وأتوب إليه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب وزناً بوزن

" الحديث.

وفي إسناد الطبراني سالم بن عبد الله أبو غياث العتكي البصري، قال عنه أحمد: لا شيء. وقال مرّةً: ضعيف4. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ5.

1 إتحاف الخيرة المهرة (ص223) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2171) .

3 المعجم الكبير (1/177-178) .

4 تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين، لابن شاهين (ص106) . وقول أحمد:"لا شيء" وقع في ميزان الاعتدال (2/303) ، والمغني في الضعفاء (1/365) نسبة هذا القول إلى يحيى بن معين، ولم أقف على هذا القول عن ابن معين في الروايات المطبوعة عنه، ولا في كتب الجرح والتعديل. فالله أعلم.

5 الثقات (4/309) .

ص: 451

فعلى هذا فإن هذه الطريق ضعيفة، لضعف سالم أبو غياث العتكي، إلا أن الجزء المرفوع من الحديث له من المتابعات والشواهد ما يؤيده، وقد سبقت. والله أعلم.

هذه هي الطرق التي وقفت عليها في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، والخلاصة فيه أنه حديث صحيح مشهور عنه، ولا يقدح فيه الضعف في بعض الطرق. والله أعلم.

142 -

(3) عن بلال بن رباح رضي الله عنه قال: كان عندي تمرٌ فبعته في السوق بأجود منه بنصف كيله، فقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ما رأيت اليوم تمراً أجود منه، من أين هذا يا بلال"؟ فحدثته بما صنعت، فقال:"انطلق فردّه على صاحبه وخذ تمرك بعه بحنطة أو شعير ثم اشتر به من هذا التمر"، ففعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"التمر بالتمر مثلاً بمثل، والحنطة بالحنطة مثلاً بمثل، والشعير بالشعير، مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن، فما كان من فضلٍ فهو ربا"1.

جاء هذا الحديث عن بلال رضي الله عنه من طرق:

1 قدمت هذا الحديث لارتباطه بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه السابق، كما سيتبين في آخر تخريج هذا الحديث.

ص: 452

الطريق الأولى: سعيد بن المسيب عنه به:

رواه إسحاق بن راهويه1، والبزار2 باللفظ المذكور، وأبو يعلى3، والشاشي4، والطبراني5. كلهم من طرقٍ عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي حمزة به.

وفي هذا الإسناد أبو حمزة وهو ميمون القصَّاب. قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: متروك الحديث. وقال البخاري: ضعيف ذاهب الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه. وقال الدارقطني: ضعيف جداً6. وجعله ابن حجر في مرتبة: ضعيف7.

ويظهر لي حسب ما تقدم من أقوال أئمة الجرح والتعديل أن أكثر الأئمة على أن حديثه في مرتبة الضعيف ضعفاً شديداً، فلا يعتبر به. والله أعلم.

وسعيد بن المسيب لم يسمع من بلال، فهو منقطع8.

ومما يبيّن ضعف أبي حمزة القصَّاب، أنه قد اضطرب في هذا الحديث، فرواه مرَّة عن سعيد بن المسيب عن بلال، ورواه مرَّة

1 إتحاف الخيرة المهرة (ص230-231) .

2 مسند البزار - البخر الزخار - (4/200) .

3 إتحاف الخيرة المهرة (ص232) .

4 مسند الشاشي (2/375) .

5 المعجم الكبير (1/339) .

6 تهذيب التهذيب (10/395-396) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7057) .

8 انظر: مجمع الزوائد (4/116) ، تهذيب التهذيب (4/88) .

ص: 453

عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن بلال1، فذكر عمر بن الخطاب بين سعيد وبلال.

قال الدارقطني: أبو حمزة مضطرب الحديث، والاضطراب في الإسناد من قبله2.

فعلى هذا فإن هذه الطريق لا يعتبر بها لحال أبي حمزة القصّاب. والله أعلم.

والمحفوظ في هذه الطريق هو عن سعيد بن المسيب قال: "كان عند بلال تمر فتغيَّر

"3 الحديث مرسلاً.

الطريق الثانية: مسروق عنه به:

رواه الدارمي4، والترمذي في العلل الكبير5، والبزار6، وأبو يعلى7، والطحاوي8، والطبراني9، وابن عبد البر10. ولفظه نحو اللفظ السابق. كلهم من طرقٍ عن إسرائيل عن أبي إسحاق به.

وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا إسحاق وهو السبيعي مدلِّس11، ولم يصرِّح بالسماع في شيء من طرق الحديث،

1 رواه الطبراني في الكبير (1/339) ، والبزار في مسنده (4/201) ، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (3/55) .

2 علل الدارقطني (2/158-159) .

3 مصنف عبد الرزاق (8/33) .

4 سنن الدارمي (1/335) .

5 العلل الكبير (1/493) .

6 مسند البزار (4/204-205) .

7 إتحاف الخيرة المهرة (ص233) .

8 شرح معاني الآثار (4/68) .

9 المعجم الكبير (1/359) .

10 التمهيد (5/134) .

11 تعريف أهل التقديس (ص101) .=

ص: 454

ومسروق هو ابن الأجدع، وقد ذكر ابن المديني الصحابة الذين لقيهم مسروق1، ولم يذكر منهم بلالاً رضي الله عنه فيكون الإسناد منقطعاً بين مسروق وبلال - والله أعلم -.

وله علّة أُخرى وهي أن المحفوظ في هذه الطريق الإرسال، فقد قال الترمذي: سألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث، فقال: إنما يُروى هذا عن مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً2.

الطريق الثالثة: أبو دهقانة عن ابن عمر رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه به:

رواه الطبراني في الكبير3، وأبو نعيم الأصبهاني4 بإسنادهما عن فضيل به.

رواه هكذا عن فضيل الوليدُ بن القاسم الهمداني5، ويزيد بن عبد العزيز بن سياه6. بنحو اللفظ السابق.

وخالفهما ابن نمير7، ووكيع8، ويعلى بن عبيد9، فرووه عن فضيل بن غزوان عن أبي دهقانة عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فقال لبلال

" الحديث. فجعلوه

1 تهذيب الكمال (27/456) .

2 العلل الكبير (1/394) .

3 المعجم الكبير (1/342) .

4 معرفة الصحابة (3/56) .

5 المعجم الكبير (1/342) .

6 معرفة الصحابة (3/56) .

7 مصنف ابن أبي شيبة (5/298) ، مسند أحمد (2/21)، أبو يعلى (إتحاف الخيرة المهرة: ص249) .

8 مصنف ابن أبي شيبة (5/298) .

9 مسند أحمد (2/144) .

ص: 455

من مسند ابن عمر رضي الله عنهما، ورواية هؤلاء أرجح لكثرتهم وضبطهم.

ويشهد لهذا الترجيح أن ابن عمر لم يكن يرى ربا الفضل حتى حدثه أبو سعيد الخدري بنحوٍ مما وقع لبلال في هذا الحديث، فرجع ابن عمر عن قوله. وقد تقدم ذكر هذا في الطريق الرابعة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

فعلى هذا فإن المحفوظ في هذه الطريق أنه عن أبي دهقانة عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال

" الحديث.

وأبو دهقانة قد ذكره البخاري1، وابن أبي حاتم2، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال العجلي: ثقة3. وذكره ابن حبان في الثقات4. ومعلوم من منهجهما - رحمهما الله - التساهل في توثيق المجاهيل5. إلا أن هذه القصة عن بلال صحيحة من طرقٍ أخرى من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقد سبق ذلك، وابن عمر رضي الله عنهما وإن لم يكن شهد هذه القصة فقد سمعها من أبي سعيد رضي الله عنه كما سبق، ومرسل الصحابي حجة. والله أعلم.

فمما سبق يتبين أن هذا الحديث لا يصح عن بلال رضي الله عنه من روايته، وأما قصة الحديث فهي ثابتة صحيحة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كما سبق ذكرها.

1 التاريخ الكبير (8/كنى: 29) .

2 الجرح والتعديل (9/368) .

3 معرفة الثقات (2/400) .

4 الثقات (5/580) .

5 انظر: التنكيل، للمعلمي (1/66) .

ص: 456

143 -

(4) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين".

جاء هذا الحديث من طريقين:

الطريق الأولى: عبد الله بن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن مالك بن أبي عامرٍ عنه به:

أخرجه مسلم1 باللفظ المذكور، والبزار2، والبيهقي3، وابن عبد البر4. كلهم من هذا الطريق. وهو المعروف.

قال البزار: لا نعلم يروى عن عثمان إلا من حديث مالك بن أبي عامرٍ به.

الطريق الثانية: عاصم بن عبد العزيز الأشجعي عن أبي سهيل بن مالك بن أبي عامرٍ عن أبيه عنه به:

أخرجه العقيلي5، وابن عبد البر6 بإسنادهما عن عاصم بن عبد العزيز به.

ولفظ العقيلي: "لا تبيعوا الذهب إلا مثلاً بمثل".

وعاصم بن عبد العزيز الأشجعي، تقدّم7 أنه ضعيف.

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1209) ] .

2 مسند البزار - البحر الزخار - (2/37) .

3 السنن الكبرى (5/278) ، معرفة السنن والآثار (8/37) .

4 التمهيد (24/210) .

5 الضعفاء (3/338) .

6 التمهيد (24/211) .

7 تقدم عند حديث رقم (102) .

ص: 457

وقد انفرد هنا بالرواية عن أبي سهيل ولم يتابع عليه، ولذا قال العقيلي: ليس له من حديث أبي سهيلٍ أصل1.

فهذا الإسناد يعتبر منكراً. والله أعلم.

144 -

(5) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما".

جاء هذا الحديث من خمسة طرقٍ هي:

الطريق الأولى: موسى بن أبي تميم عن سعيد بن يسار عنه به:

رواه مالك2، ومن طريقه أخرجه مسلم3، والنسائي4، والشافعي5، وأحمد6، والطحاوي7.

وأخرجه مسلم8، وأحمد9، والطحاوي10 بنحو هذا اللفظ من هذا الطريق عن غير مالك.

1 الضعفاء (3/338) .

2 موطأ مالك [كتاب البيوع (2/632) ] .

3 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1212) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/278) ] .

5 الرسالة (ص277) ، رقم الفقرة (759) .

6 مسند أحمد (2/379،485) .

7 شرح معاني الآثار (4/69) .

8 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1212) ] .

9 مسند أحمد (2/485) .

10 شرح معاني الآثار (4/69) .

ص: 458

الطريق الثانية: فضيل بن غزوان عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عنه به:

أخرجه مسلم1، والنسائي2، وابن ماجه3، وأحمد4. ولفظ مسلم:"الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو رباً". ونحوه لفظ النسائي.

وزاد أحمد: "ولا تباع ثمرة حتى يبدو صلاحها". ولفظ ابن ماجه: "الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، والشعير بالشعير، والحنطة بالحنطة، مثلاً بمثل".

وهذه الزيادات صحيحة الإسناد.

الطريق الثالثة: فضيل بن غزوان عن أبي زرعة عنه به:

رواه مسلم5، والنسائي6، كلاهما من هذا الطريق، ولفظه عندهم:"التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه".

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1212) ] .

2 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/278) ] .

3 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/758) .

4 مسند أحمد (2/261-262، 437) .

5 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1212) ] .

6 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/273-274) ] .

ص: 459

الطريق الرابعة: فضيل بن غزوان عن أبي حازم الأشجعي عنه به:

رواه ابن أبي شيبة1، ولفظه:"الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، يداً بيدٍ، كيلاً بكيلٍ، وزناً بوزنٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه".

وإسناد هذه الطريق صحيح، فأبو حازم الأشجعي، واسمه سلمان؛ ثقة2.

الطريق الخامسة: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه به:

رواه الطبراني في الأوسط3 بإسناده عن سعيد بن منصور عن فليح بن سليمان به. ولفظه: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، لا تستفضلوا بعضها على بعض ". وقال الطبراني عقبه: "لم يرو هذا الحديث عن فليح إلا سعيد".

وقد أعلّ أبو حاتم هذه الطريق بأن المحفوظ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي سعيد الخدري4، وكذلك رواه أيضاً عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي سعيد. قال أبو حاتم: وهذا الصحيح "عن أبي سعيد"، وقال مرّة: هذا أشبه وأصح5.

وقد سبق ذكر هذه الطريق في الكلام على حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولعلّ الخطأ في هذا الإسناد من فليح بن سليمان، فإنه كثير الخطأ6.

1 المصنف (5/70) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2479) .

3 المعجم الأوسط (3/279) .

4 علل الحديث (1/372-373) .

5 علل الحديث (1/379) .

6 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (9) .

ص: 460

فعلى هذا فإن هذا الإسناد لا يصح عن أبي هريرة، والمحفوظ في هذا الإسناد أنه عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي سعيد. والله أعلم.

فمما سبق من الطرق يتبين أن هذا الحديث عن أبي هريرة صحيح، وذلك بأكثر من طريق. والضعف في بعض الطرق لا يقدح في صحته. والله أعلم.

ولأبي هريرة رضي الله عنه في هذا الباب حديث آخر سبق ذكره في الطريق الخامسة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

145 -

(6) عن أبي المنهال قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم عن الصَّرف، فكلُّ واحدٍ منهما يقول: هذا خيرٌ مني، فكلاهما يقول:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق ديناً".

رواه البخاري1 وهذا لفظه، ومسلم2، والنسائي3، وعبد الرزاق4، وأحمد5، والطحاوي6، والدارقطني7، والبيهقي8، كلهم من طرقٍ عن أبي المنهال به.

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2060،2180) ، كتاب الشركة (5/رقم 2497) ، كتاب مناقب الأنصار (7/رقم 3939) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1212-1213) ] .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/280) ] .

4 المصنف (8/118) .

5 مسند أحمد (4/289،368،371،372،373،374) .

6 مشكل الآثار (15/329،331،333،334) .

7 سنن الدارقطني (3/16-17) .

8 السنن الكبرى (5/280-281) .

ص: 461

وأبو المنهال، هو عبد الرحمن بن مطعم البُناني البصري، نزيل مكة1.

والحديث يدل على النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة، وقد سبق أن الصرف هو بيع الذهب بالفضة أو العكس، ويدل على هذا رواية عبد الرزاق فإن فيها:"باع رجلٌ ذهباً بورق"، ويدل على هذا أيضاً قوله في آخر الحديث:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق ديناً "، مما يبين أن الواقعة التي سُئل عنها البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما هي بيع الذهب بالورق. ولذلك بوّب البخاري على الحديث بقوله: باب بيع الورق بالذهب نسيئة. وبوّب النسائي عليه بقوله: بيع الفضة بالذهب نسيئة.

ولكن روى الحميدي هذا الحديث على غير هذا المعنى. فقد روى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال: "باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل، فقلت: ما أرى هذا يصلح، فقال: لقد بعتها في السوق فما عاب ذلك عليّ أحد، فأتيت البراء بن عازب فسألته، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتجارتنا هكذا، فقال: "ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئةً فلا خير فيه". وأت ابن أرقم فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته فذكرت ذلك له فقال: صدق البراء "2. قال الحميدي: هذا منسوخ ولا يؤخذ به.

والذي حمل الحميدي على الحكم على الحديث بالنسخ هو روايته الحديث بلفظ: "باع شريك بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل" ثم إن

1 تهذيب التهذيب (6/270) .

2 مسند الحميدي (2/317-318) .

ص: 462

البراء بن عازب وزيد بن أرقم رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن ذلك ما كان نسيئة دون ما كان يداً بيدٍ. وذلك صريح في إباحة ربا الفضل، ولذلك حكم الحميدي على الحديث بالنسخ.

وتابع الحميدي على هذه الرواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي1 وهو ثقة2. إلا أن هذه المتابعة من طريق القاسم بن عبد الله بن مهدي عنه، والقاسم بن عبد الله بن مهدي قال فيه ابن عدي: لا بأس به. وقال: كان بعض شيوخ مصر يضعِّفه، وقال الدارقطني: متّهم بوضع الحديث. وذكر الذهبي له حديثاً فقال عقبه: هذا موضوع باطل3.

فعلى هذا فإن متابعة سعيد بن عبد الرحمن المخزومي غير معتبرة لضعف الرواي عنه وهو القاسم بن عبد الله بن مهدي ضعفاً شديداً.

قال البيهقي عن رواية الحميدي: عندي أن هذا خطأ، والصحيح ما رواه علي ابن المديني4، ومحمد بن حاتم5، وهو المراد بما أُطلق في رواية ابن جريج6، فيكون الخبر وارداً في بيع الجنسين أحدهما بالآخر، فقال: ما كان منه يداً بيد فلا بأس، وما كان منه نسيئة فلا7.

1 أخرجها الطحاوي في شرح مشكل الآثار (15/333) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2348) .

3 ميزان الاعتدال (4/292-293) .

4 أخرجها البخاري (7/رقم 3939) .

5 أخرجها مسلم [كتاب المساقاة (3/1212-1213) ] .

6 أخرجها البخاري (4/رقم 2060) ، والنسائي وأحمد (4/368،372) ، والطحاوي (15/331) ، والدارقطني.

7 السنن الكبرى (5/281) . وانظر: معرفة السنن والآثار (8/42) .

ص: 463

وتعقَّب ابن التركماني البيهقي بأن رواية علي بن المديني ومحمد بن حاتم، والتي جاء فيها "باع ورقاً بنسيئة" موافقة لرواية الحميدي عن سفيان؛ لأن قوله "بنسيئة" صفة لموصوف محذوف دل عليه قوله أولاً ورقاً، فيكون التقدير: بورق نسيئة1.

وفيما قاله ابن التركماني نظر؛ وذلك أن رواية الحميدي: "باع دراهم بدراهم بينهما فضل"، فكيف تكون موافقة لرواية:"باع ورقاً بنسيئة"، على فرض صحة المعنى الذي ذكره ابن التركماني وهو أنه باع ورقاً بورقٍ نسيئة، فرواية الحميدي فيها ربا الفضل، والرواية الأخرى ربا النسيئة.

فالصحيح هو ما قاله البيهقي وهو أن رواية الحميدي خطأ لمخالفتها لسائر الروايات التي ليس فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لهم بيع الورق بالورق ما كان يداً بيدٍ، ولو كان متفاضلاً. بل بعض الروايات صريح في أن الواقعة التي كان الحديث فيها هي في بيع الذهب بالورق ديناً.

وقد نسب بعض الفقهاء القول بإباحة ربا الفضل إلى البراء بن عازب وزيد بن أرقم2، ولعل مستندهم في ذلك رواية الحميدي. وقد تبين أن رواية الحميدي شاذة.

ولكن قد يقال: إن ابن عباس قد احتج على أبي سعيد الخدري بأنه سمع البراء ابن عازب وزيد بن أرقم يحدثان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الربا في النسيئة" فهذا يدل على أن حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم

1 الجوهر النقي - المطبوع في حاشية السنن الكبرى - (5/281) .

2 انظر على سبيل المثال: المغني لابن قدامة (4/134) .

ص: 464

فيه إباحة ربا الفضل، وهي رواية الحميدي، مما يعني ثبوت الحديث عنهما بذلك. وذلك فيما رواه أسلم بن سهل الرزَّاز المعروف ببحشل في تاريخ واسط1، والطبراني في الكبير2 كلاهما من طريق القاسم بن عيسى الطائي ثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم الأسدي عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح

" فذكر محاورة أبي سعيد لابن عباس في الصرف، ثم قول الأخير: سمعت زيد بن أرقم والبراء بن عازب يقولان: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الربا في النسيئة" هذا لفظ بحشل.

فالجواب: أن هذا الحديث منكر، وذلك أن الروايات المستفيضة عن ابن عباس هي أنه كان يحتج بحديث أسامة لا حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم، ولعلّ هذه النكارة من القاسم بن عيسى الطائي، فإنه قد قال فيه أبو داود: تغير عقله. ولم يوثقه غير ابن حبان3.

وأيضاً فإن في الإسناد تدليس هشيم وحبيب بن أبي ثابت، وهما في الطبقة الثالثة من المدلسين عند ابن حجر4.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف لا يعتبر لنكارته. والله أعلم وأحكم.

1 تاريخ واسط (ص93) .

2 المعجم الكبير (1/173) . وفي لفظه نكارة.

3 تهذيب التهذيب (8/327) .

4 تعريف أهل التقديس (ص84،115) .

ص: 465

146 -

(7) عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادةٍ فيها خَرَزٌ وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذهب بالذهب وزناً بوزن".

رواه مسلم1، وأبو داود2، والترمذي3، والنسائي4، وابن أبي شيبة5، وأحمد6، وابن الجارود7، والطحاوي8 - واللفظ لهم - والطبراني9، والدارقطني10، والبيهقي11، كلهم من هذا الطريق.

وفي لفظ لمسلم وأبي داود: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الوقية الذهب الدينارين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن".

وفي لفظ لمسلم: عن فضالة رضي الله عنه قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تباع حتى تفصل".

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1213-1214) ] .

2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/647،649،650) ] .

3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/556) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/279) ] .

5 مصنف ابن أبي شيبة (8/421) .

6 مسند أحمد (6/19،22) .

7 المنتقى - المطبوع مع تخريجه غوث المكدود - (2/229) .

8 شرح معاني الآثار (4/69-71،72،73-74) .

9 المعجم الكبير (18/302،314-315) .

10 سنن الدارقطني (3/3) .

11 السنن الكبرى (5/592-593) ، معرفة السنن والآثار (8/56-57،58) .

ص: 466

قال النووي عن هذا اللفظ: "يحتمل أن مراده كانوا يبتاعون الأوقية من ذهبٍ وخرزٍ وغيره بدينارين أو ثلاثة، وإلا فالأوقية وزن أربعين درهماً، ومعلوم أن أحداً لا يبتاع هذا القدر من ذهبٍ خالص بدينارين أو ثلاثة، وهذا سبب مبايعة الصحابة على هذا الوجه ظنوا جوازه لاختلاط الذهب بغيره، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرام حتى يميز ويباع الذهب بوزنه ذهباً"1. انتهى.

ويشهد لقول النووي الروايات الأخرى للحديث. والله أعلم.

ويشهد له أيضاً ما أخرجه أبو عوانة2، وابن بشكوال3 بإسنادهما عن مخرمة بن بكير عن أبيه سمعت الجلاح سمعت حنشاً السبّائي يقول: أردت أن أبيع من فضالة بن عبيد قلادةً من السُّهمان فيها فصوص ولؤلؤ، وفيها ذهب، وهي ثمن ألف دينار، فقال: إن شئت سمتك، وإن شئت حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما كان يوم حنين جعل على الغنائم سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة، فأرادوا أن يبيعوا الدينارين بالثلاثة، والثلاثة بخمسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثقال بمثقال". هذا لفظ ابن بشكوال.

وذكر يوم حنين في الحديث غير محفوظ، وإنما هو يوم خيبر كما في لفظ أبي عوانة والطرق الأخرى، كطريق مسلم التي سبق الإشارة إليه، وقد رواها بإسناده عن الجلاح عن حنشٍ به.

1 شرح صحيح مسلم (11/19) .

2 مسند أبي عوانة (2/327) .

3 غوامض الأسماء المبهمة (1/242-243) . وانظر: المعجم الكبير (18/302-303) .

ص: 467

وقد روى نحو هذا المتن الإمام مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السَّعدين أن يبيعا آنيةً من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثةٍ بأربعةٍ عيناً، أو كل أربعة بثلاثةٍ عيناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أربيتما فرُدَّا "1.

والسَّعدان هما سعد بن أبي وقاص، وسعد بن عبادة، كما سبق في رواية ابن بشكوال. وقيل: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، ولكن قال ابن عبد البر:"هذا غلط لا يجوز أن يكون سعد بن معاذ أحد السَّعدين المذكورين في هذا الباب، لأن سعد بن معاذ توفي بعد الخندق بيسيرٍ من سهم أصابه يوم الخندق ولم يدرك خيبر، والقول الأول أولى وأصح"2. يعني أنهما سعد بن أبي وقاص وسعد بن عبادة رضي الله عنهما وقد رجّح ابن بشكوال3 ما رجحه ابن عبد البر. والله أعلم.

وقد اختلفت الروايات في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه في تعيين جنس المبيع الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك في ثمنه.

وقد أجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بقوله: "سياق هذه الأحاديث مع عدالة رواتها تدل على أنها كانت بيوعاً شهدها فضالة رضي الله عنه كلها والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، فأداها كلها، وحنش الصنعاني أداها متفرقاً، والله أعلم"4.

1 الموطأ (2/491) .

2 التمهيد (24/106) .

3 غوامض الأسماء المبهمة (1/241) .

4 السنن الكبرى (5/293) .

ص: 468

واعترض الحافظ ابن حجر على هذا الجواب فقال: "الجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفاً، بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه، وهو النهي عن بيع ما لم يفصل، وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به في هذه الحالة ما يوجب الحكم بالاضطراب، وحينئذٍ فينبغي الترجيح بين رواتها، وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم، ويكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة، وهذا الجواب هو الذي يجاب به في حديث جابر وقصة جمله ومقدار ثمنه"1.

وحديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه رواه عنه حنش الصنعاني وعلي بن رباح2، وقد اختلف على حنش الصنعاني: فرواه عنه خالد بن أبي عمران3، والجلاح أبو كثير4، وعامر بن يحيى5، كلهم رووه عن حنش عن فضالة به.

وخالفهم ربيعة بن سليم، ويقال: ابن أبي سليم أو ابن سليمان التُّجيبي أبو مرزوق، فرواه عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت رضي الله عنه

1 التلخيص الحبير (3/9) .

2 انظر: المصادر التي سبقت الإشارة إليها عند تخريج الحديث.

3 قال عنه ابن حجر: صدوق. تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1662) . وهذه الرواية رواها عنه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والطحاوي، والطبراني، والدارقطني، والبيهقي.

4 قال عنه ابن حجر: صدوق. تقريب التهذيب: رقم الترجمة (990) . وهذه الرواية رواها عنه مسلم، وأبو داود، وأحمد، والبيهقي.

5 قال عنه ابن حجر: ثقة. تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3112) . وهذه الرواية رواها عنه مسلم، والطحاوي، والطبراني، والبيهقي.

ص: 469

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر: "بلغني أنكم تتبايعون المثقال بالنصف والثلثين، وأنه لا يصلح إلا المثقال بالمثقال، والوزن بالوزن". رواه الطحاوي1 واللفظ له، والطبراني في الكبير2.

ورواه أحمد بإسناده عن عبيد الله بن أبي جعفر المصري قال: حدثني من سمع حنشاً الصنعاني يقول: سمعت رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبتاعنَّ ذهباً بذهبٍ إلا وزناً بوزن، ولا ينكح ثيباً من السبي حتى تحيض"3. والرجل المبهم هنا هو أبو مرزوق التجيبي كما جزم بذلك الحسيني4، وابن حجر5. ويؤيد ذلك أن أحمد روى بإسناده عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت

"6 الحديث. وفيه النهي عن نكاح الثيب من السبي حتى تحيض، وليس فيه ذكر النهي عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل.

وأبو مرزوق هو ربيعة بن سليم، وقد تقدم الكلام فيه7، وأن ابن حجر قال فيه:"مقبول".

1 شرح معاني الآثار (4/69) .

2 المعجم الكبير (5/25) .

3 مسند أحمد (4/109) . وقد روى الطبراني [المعجم الكبير (18/302-303) ]، والبيهقي [السنن الكبرى (5/392-393) ] الحديث عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه ولفظه:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ إلا مثلاً بمثل". وهذا يؤيد أن هذا المتن إنما هو محفوظ عن فضالة بن عبيد كما سيأتي.

4 الإكمال (2/410) .

5 تعجيل المنفعة (ص543-544) .

6 المسند (4/108) .

7 تقدم عند حديث رقم (88) .

ص: 470

وقد سبق أنه قد خالفه غيره في هذا الحديث وهم أكثر منه وأوثق. فرواية ربيعة ابن سليم عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت شاذة، والمحفوظ عن حنش الصنعاني في حديث النهي عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، أنه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وقد تابع حنش الصنعاني في رواية الجماعة عنه علي بن رباح اللخمي كما تقدم.

ومما يؤيد أن الحديث الذي رواه أبو مرزوق التجيبي عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت في النهي عن الصرف مقلوب، وأن المحفوظ فيه أنه عن فضالة بن عبيد ما جاء في الحديث من أن النهي كان يوم خيبر، وحديث حنش الصنعاني في النهي عن الصرف يوم خيبر إنما هو عن فضالة بن عبيد، وأما حديثه عن رويفع بن ثابت فإنما كان في غزوة حنين كما تقدم1.

فإذا تقرر بما سبق أن الحديث إنما هو محفوظ عن فضالة بين عبيد رضي الله عنه فإنه قد أَعلَّ الطحاوي الحديث بالاضطراب وجعله مانعاً من الاحتجاج به فقال: "قد اضطرب هذا الحديث، فلم يوقف على ما أُريد منه، فليس لأحدٍ أن يحتجَّ بمعنى من المعاني التي روي عليها إلا احتج مخالفه عليه بالمعنى الآخر"2.

وهذا التعليل بناءً على اختلاف ألفاظ الحديث باختلاف مخارجه.

وهذا التعليل من الطحاوي ضعيف، وقد تكلّف رحمه الله ردَّ الاحتجاج بهذا الحديث بتأويلاتٍ بعيدة، كقوله: "يجوز أن يكون رسول الله

1 حديث رقم (92) .

2 شرح معاني الآثار (4/75) . وانظر: شرح مشكل الآثار (15/382) .

ص: 471

صلى الله عليه وسلم فصّل الذهب لأن صلاح المسلمين كان في ذلك، ففعل ما فيه صلاحهم، لا لأن بيع الذهب قبل أن ينزع مع غيره في صفقة واحدةٍ غير جائز"1.

وأمّا اختلاف ألفاظ الحديث فليس دليلاً على الاضطراب فيه؛ لأن هذه الألفاظ لا معارضة بينها، بل هي تدل على معنى واحد متفق بينها. وقد سبق كلام الحافظ ابن حجر في رد الاضطراب عن هذا الحديث.

والذي يظهر أن الذي نحى بالطحاوي هذا المنحى هو التبرير لمذهب أبي حنيفة لكونه خالف معنى ما يدل عليه الحديث. وقد ذكر ابن أبي شيبة هذا الحديث في كتاب (الرد على أبي حنيفة)2.

فالحديث صحيح لا إشكال فيه. وهو يدل على النهي عن بيع الذهب بالذهب مع أحدهما شيءٌ غير الذهب3. والله أعلم.

147 -

(8) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواء بسواء، يداً بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ".

جاء هذا الحديث من طرق:

1 شرح معاني الآثار (4/74) .

2 مصنف ابن أبي شيبة (8/421) .

3 معالم السنن (3/647) . وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة في الدراسة الفقهية - إن شاء الله -.

ص: 472

الطريق الأولى: خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عنه به:

رواه مسلم1 واللفظ له، وأبو داود2 - وساق إسناده ولم يسق تمام لفظه -، والترمذي3، وابن أبي شيبة4، وأحمد5، والدارمي6، والبزار7، والنسائي في الكبرى8، والبيهقي9. كلهم من هذا الطريق. وقال الترمذي حسن صحيح.

وزاد الترمذي: "فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم، يداً بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد".

وذكر الترمذي أن بعضهم روى قوله: "بيعوا الذهب بالفضة

" الحديث؛ من قول أبي قلابة وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

وأبو الأشعث الصنعاني اسمه شراحيل بن آده - وقيل: غير ذلك - ثقة شهد فتح دمشق10.

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1211) ] .

2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/647) ] .

3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (4/541) ] .

4 مصنف ابن أبي شيبة (6/298) .

5 مسند أحمد (5/314،320) .

6 سنن الدارمي (2/336) .

7 مسند البزار (7/165) .

8 السنن الكبرى (4/28) .

9 السنن الكبرى (5/277-278،282) .

10 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2761) .

ص: 473

ورواه معتمر بن سليمان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم1. قال ابن عبد البر: قول المعتمر عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء خطأ، وقد خالفه الثوري وغيره عن خالد2.

الطريق الثانية: أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عنه به:

رواه مسلم3، وابن أبي شيبة4، والبيهقي5، وابن عبد البر6، كلهم من هذا الطريق. ولفظ مسلم: عن أيوب عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقةٍ فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس، فقلت له: حدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: نعم: غزونا غزاةً وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنيةٌ من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أُعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك. فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبرّ بالبرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح،

1 التمهيد (4/77) .

2 المصدر السابق.

3 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1210) ] .

4 مصنف ابن أبي شيبة (5/297) .

5 السنن الكبرى (5/277) .

6 التمهيد (4/78-79) .

ص: 474

إلا سواءً بسواءٍ عيناً بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى. فردَّ الناس ما أخذوا. فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً، فقال: ألا ما بال رجالٍ يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه. فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال: لنحدِّثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية - أو قال: وإن رغم - ما أُبالي ألاّ أصحبه في جنده ليلةً سوداء.

وحمل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - رحمهما الله - إنكار عبادة على معاوية رضي الله عنهما على مقابلة الصياغة المحرمة - وهي الآنية من الذهب - بالأثمان، وهذا لا يجوز؛ كآلات الملاهي1 انتهى.

وبالنظر إلى قصة الحديث التي سبق ذكرها لا يظهر ما قالاه، ومعاوية قد روى النهي عن استعمال آنية الذهب والفضة2، والذي أنكره عليه عبادة هو ربا الفضل.

الطريق الثالثة: قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة رضي الله عنه موقوفاً ومرفوعاً:

رواه النسائي3، وابن جرير4، والبيهقي5، وابن عبد البر6، كلهم من طرقٍ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به موقوفاً.

1 تفسير آيات أشكلت (2/622) ، وأعلام الموقعين (2/143) .

2 رواه أحمد (4/95) .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/276) ] .

4 تهذيب الآثار (2/83-84) .

5 السنن الكبرى (5/276-277) .

6 التمهيد (4/82) .

ص: 475

ولفظ النسائي: عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت، وكان بدرياً وكان بايع النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخاف في الله لومة لائم؛ أن عبادة قام خطيباً فقال:"أيها الناس، إنكم أحدثتم بيوعاً لا أدري ما هي، ألا إن الذهب بالذهب وزناً بوزن، تبرها وعينها، وإن الفضة بالفضة وزناً بوزن تبرها وعينها، ولا بأس ببيع الفضة بالذهب يداً بيد، والفضة أكثرهما، ولا تصلح النسيئة، ألا إن البُرَّ بالبر، والشعير بالشعير مُدْياً بمديٍ، ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يداً بيد، والشعير أكثرهما، ولا يصلح النسيئة، ألا وإن التمر بالتمر مدياً بمديٍ، حتى ذكر الملح مدّاً بمدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى".

والتِّبْر: هو الذهب والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم1.

وقوله "مدياً بمديٍ" أي: مكيال بمكيال. والمدي مكيال لأهل الشام2.

هكذا روى الحديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة موقوفاً على عبادة، وذكر أبو داود أن هشاماً الدستوائي تابع سعيداً على هذا3. وقتادة لم يسمع من مسلم بن يسار4. ولكن ذكر أحمد أنه كان يقال إن بينهما أبا الخليل5، وهو ثقة6.

1 النهاية في غريب الحديث (1/179) .

2 المرجع السابق (4/310) .

3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/646) ] .

4 المراسيل لابن أبي حاتم (ص140-141) .

5 المرجع السابق (ص140) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2887) . وانظر: تهذيب التهذيب (4/402-403) .

ص: 476

ويدل على قوله رواية همام كما سيأتي.

وأما همام بن يحيى العوذي فاختلف الرواة عنه. فرواه عنه عبد الصمد بن عبد الوارث مثل رواية هشام وسعيد بن أبي عروبة1، ورواه بشر بن عمر2، وعمرو ابن عاصم3، وهشام بن علي بن رجاء4، وعفان بن مسلم5، كلهم عن همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم

الحديث.

ورواه هدبة بن خالد عن همام عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي الأشعث عن عبادة6.

والمحفوظ عن همام رواية بشر بن عمرو ومن معه لكثرتهم.

فإذا تقرر أن المحفوظ في رواية همام هو عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث عن عبادة مرفوعاً فقد سبق أنه خالفه هشامٌ وسعيدٌ في الرواية عن قتادة، وذلك أنهما روياه موقوفاً على عبادة، ورفعه همام.

وقد رجّح البيهقي7 رواية همام، ورجّح ابن عبد البر8 رواية سعيد وهشام.

1 مسند البزار (7/165) .

2 رواه عنه: أبو داود [كتاب البيوع (3/643) ] ، البيهقي (5/291) .

3 رواه عنه: النسائي [كتاب البيوع (7/277) ] .

4 رواه عنه البيهقي في سننه (5/277) .

5 رواه عنه: الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/66) ، والشاشي (3/164-167) ، والبيهقي (5/282-283،291) .

6 سنن الدارقطني (3/18) .

7 السنن الكبرى (5/277) .

8 التمهيد (4/83) .

ص: 477

وعند الرجوع إلى كلام الأئمة في الرواة عن قتادة نجدهم يقدمون سعيداً وهشاماً على همام إذا انفردا1، فكيف إذا اجتمعا على مخالفة همام.

وهذا الطريق وإن كان المحفوظ فيه الوقف، فإنه قد ثبت في الطرق الأخرى أنّ عبادة كان يحدّث به عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

الطريق الرابعة: محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد2 عن عبادة بن الصامت مرفوعاً:

رواه النسائي3، وابن ماجه4، والحميدي5، وأحمد6، والبزار7، والشاشي8، والبيهقي9. كلهم من هذا الطريق. وليس في رواية الحميدي والبزار ذكر "عبد الله بن عبيد". ولفظ النسائي: عن عبادة: "نهانا رسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر - قال أحدهما: والملح بالملح ولم يقله الآخر - إلا مثلاً بمثل

1 انظر: شرح علل الترمذي (2/694-699) .

2 وقع عند النسائي (7/274) : عبد الله بن عتيك. وهو وَهْم كما قال المزي في تحفة الأشراف (4/258) .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/274-275) ] .

4 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/757-758) ] .

5 مسند الحميدي (1/192-193) .

6 مسند أحمد (5/320) .

7 مسند البزار - البحر الزخار - (7/166) .

8 مسند الشاشي (3/165-166-167) .

9 السنن الكبرى (5/276)

ص: 478

يداً بيدٍ، وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر يداً بيدٍ كيف شئنا. قال أحدهما: فمن زاد أو ازداد فقد أربى".

وأُعلّ هذا الطريق بأن مسلم بن يسار لم يسمعه من عبادة بن الصامت. فقد قال أبو حاتم في مسلم بن يسار: روى عن عبادة بن الصامت مرسلاً1.

وقال البيهقي: هذا الحديث لم يسمعه مسلم بن يسار من عبادة بن الصامت، إنما سمعه من أبي الأشعث عن عبادة2.

وقد سبق في الطريق السابقة ذكر رواية مسلم بن يسار عن أبي الأشعث.

ويفهم من كلام النسائي أن المخالفة واقعة من محمد بن سيرين؛ فإنه ذكر طريق محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار عن عبادة، قال عقبه: خالفه قتادة رواه عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث عن عبادة.

ولكن قد تابع محمد بن سيرين على روايته بكر بن عبد الله المزني3، وهو ثقة ثبت4، مما يرجح أن الاختلاف واقعٌ من مسلم بن يسار وليس في الرواة عنه، فإنه تارة يرويه عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت، وتارة يسقط أبا الأشعث، فيرويه عن عبادة بن الصامت.

1 الجرح والتعديل (8/198) .

2 السنن الكبرى (5/276) .

3 رواه عنه الشاشي في مسنده (3/169) ، وابن عبد البر في التمهيد (4/81) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (743)

ص: 479

الطريق الخامسة: إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عنه به:

رواه النسائي1، وابن أبي شيبة2، وأحمد3، والطحاوي4، والشاشي5، والبيهقي6، وابن عبد البر7. كلهم من هذا الطريق.

ولفظ النسائي: عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب الكفة بالكفة". فقال معاوية: إنّ هذا لا يقول شيئاً. قال عبادة: إني والله ما أُبالي ألا أكون بأرضٍ يكون بها معاوية. إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك". وزاد ابن عبد البر ذكر الأصناف الستة الباقية في هذا الحديث، وهي الفضة والبر والشعير والتمر والملح.

وقد أُعلَّ الحديث بالانقطاع بين حكيم بن جابر وعبادة بن الصامت رضي الله عنه. فقد قال البخاري في ترجمة حكيم: "وقال حكيم: أخبرت عن عبادة - في الصرف -"8.

قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على قول البخاري هذا: "يعلل بذلك الحديث الذي أخرجه النسائي له عن عبادة بالعنعنة"9، يعني به هذا الحديث.

1 سنن النسائي (7/277) .

2 مصنف ابن أبي شيبة (5/298) .

3 مسند أحمد (5/319) .

4 شرح معاني الآثار (4/67) .

5 مسند الشاشي (3/170-171) .

6 السنن الكبرى (5/278) .

7 التمهيد (4/79) .

8 التاريخ الكبير (3/12) .

9 تهذيب التهذيب (2/445)

ص: 480

وممن أعلّ الحديث أيضاً بالانقطاع الذهبي، فقال:"له علة، جاء عن حكيم قال: أُخبرت عن عبادة"1.

ولعلّ الذهبي قد تابع في ذلك البخاري رحمه الله.

ويفهم من كلام المزي أنه لا يرى الانقطاع، وذلك أنه بعد أن ذكر قول البخاري عقبه بأنّ حكيماً قد سمع من عمر بن الخطاب رضي الله عنه2 أي أن سماعه ممكن؛ لأن عبادة قد توفي بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

الطريق السادسة: قبيصة بن ذؤيب عنه به:

رواه ابن ماجه3 - وفيه قصة -، والبزار4، والطبراني في مسند الشاميين5، وتمام الرازي6، وابن عساكر7، وابن عبد البر8. كلهم من طرقٍ عن يحيى بن حمزة عن برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة عنه به. وليس في إسناد البزار ذكر برد بن سنان.

ويحيى بن حمزة هو ابن واقد الحضرمي، ثقة9.

1 سير أعلام النبلاء (6/178) .

2 تحفة الأشراف (4/248) .

3 سنن ابن ماجه [المقدمة (1/8-9) ] .

4 مسند البزار (7/167) .

5 مسند الشاميين (1/218) .

6 الفوائد (2/296) .

7 تاريخ دمشق (8/864) .

8 التمهيد (4/85-86) .

9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7536)

ص: 481

وبرد بن سنان هو أبو العلاء الشامي الدمشقي، وثقه ابن معين، ودحيم، والنسائي، وغيرهم. وقال أحمد: صالح الحديث. وضعفه علي بن المديني1.

وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق2.

وإسحاق بن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي الشامي. ذكره ابن حبان في الثقات3. وقال ابن حجر: صدوق4. ولم يذكر الحافظ ابن حجر من وثقه سوى ما ذكره عن ابن حبان. ومعلوم أن توثيق ابن حبان لا يكفي في رفع الجهالة عن الراوي، فيبقى إسحاق بن قبيصة مجهولاً، إلا أنها جهالة حال؛ لأنه روى عنه أكثر من واحد، ويكون على اصطلاح الحافظ في التقريب:"مقبولاً" فيحتاج إلى متابع.

وأما قبيصة بن ذؤيب فهو ممّن ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ولد عام الفتح. وروى عن جمع من الصحابة منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه. ونزل الشام حيث كان عبادة بن الصامت رضي الله عنه5، وقد توفي عبادة بن الصامت رضي الله عنه سنة أربعٍ وثلاثين من الهجرة6. فيكون عُمْرُ قبيصة حين وفاة عبادة أكثر من خمسٍ وعشرين

1 تهذيب التهذيب (1/428-429) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (653) .

3 الثقات (6/46) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (379) .

5 تهذيب التهذيب (8/346) ، والإصابة في تمييز الصحابة (3/266) .

6 تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم (1/123) .

ص: 482

سنة، وهو ظاهر في إمكان سماعه منه. ولم أقف على من نفى سماع قبيصة من عبادة بن الصامت رضي الله عنه من الأئمة المتقدمين، إلا أن المزي قال في قبيصة:"لم يلق عبادة بن الصامت"1. ولم يذكر دليلاً على ذلك، فيبقى أن الإسناد متصل وليس فيه انقطاع.

وأما قول البوصيري: "صورته مرسل؛ لأن قبيصة لم يدرك القصة"2. فالجواب أن يقال: إن قبيصة وإن لم يدرك القصة فقد أدرك عبادة وهو صاحب القصة، فيكون أخذها منه.

ومما سبق يتبين أن هذا الإسناد متصل إلا أن فيه إسحاق بن قبيصة لم يوثقه غير ابن حبان. ومع ذلك فإن هذا الطريق يصلح للمتابعات، وقد توبع كما في الطرق الأخرى للحديث. والله أعلم.

وقد روي حديث قبيصة بن ذؤيب عن عبادة من طريقٍ آخر. فقد رواه الشاشي3 بإسناده عن بقية بن الوليد عن عمر بن المغيرة عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عنه به. ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا بأس بالقمح بالشعير اثنين بواحد يداً بيدٍ". ولكن في إسناده عمر بن المغيرة، وقد قال فيه البخاري:"منكر الحديث مجهول". وأيضاً فيه تدليس بقية بن الوليد.

1 تحفة الأشراف (4/256) .

2 مصباح الزجاجة (ص6) .

3 مسند الشاشي (3/171-172) .

ص: 483

وقد سئل أبو حاتم عن هذا الحديث بهذا الإسناد فقال: "هذا حديث منكر، وإنما هو قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم"1.

وقد سبق ذكر حديث أبي الأشعث عن عبادة رضي الله عنه.

الطريق السابعة: الحسن البصري عنه به:

رواه أحمد بن منيع2، والطبراني3. كلاهما عن أسباط بن محمد عن الشيباني عن رجلٍ من أهل البصرة عنه به، ولفظ ابن منيع: عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان، ولم يصم رمضاناً بعده يقول: "الفضة بالفضة مثلاً بمثل يداً بيدٍ، وما زاد فهو ربا، والشعير قفيزاً بقفيزٍ يداً بيدٍ، وما زاد فهو رباً، والتمر قفيزاً بقفيزٍ يداً بيدٍ، وما زاد فهو ربا".

والشيباني هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني الكوفي، وهو ثقة4.

وفي الإسناد رجلٌ لم يسمَّ.

وأيضاً فإن في الإسناد انقطاعاً وهو أن الحسن لم يسمع من عبادة بن الصامت رضي الله عنه. قاله البزار5.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف.

1 علل الحديث، لابن أبي حاتم (384-385) .

2 إتحاف الخيرة المهرة (ص241) .

3 جامع المسانيد والسنن لابن كثير (7/107) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2568) .

5 تهذيب التهذيب (2/269) .

ص: 484

الطريق الثامنة: محمد بن سيرين عن عبادة1 وأنس بن مالك:

رواه أبو داود الطيالسي2، والبزار3. كلاهما عن الربيع بين صَبيح عن محمد بن سيرين به. ولفظ أبي داود الطيالسي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الورق بالورق، والذهب بالذهب، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، عيناً بعين، أو قال: وزناً بوزن"، قال: وقال أحدهما ولم يقله الآخر: "ولا بأس بالدينار بالورق اثنين بواحد يداً بيدٍ، ولا بأس بالبر بالشعير اثنين بواحدٍ يداً بيدٍ، ولا بأس بالملح بالشعير اثنين بواحدٍ يداً بيدٍ".

قال الطيالسي: "هكذا رواه الربيع". يشير إلى مخالفة الربيع لغيره في هذا الإسناد. ثم ساق بإسناده ما يبين أن محمد بن سيرين لم يسمعه من عبادة وإنما رواه عنه بواسطة كما سيأتي.

وقال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا الربيع، وإنما يعرف عن محمد عن مسلم بن يسار عن عبادة.

وقال البوصيري: "إسناده حسن، الربيع بن صبيح مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات"4.

والمحفوظ في هذا الحديث أنه عن الربيع بن صبيح عن محمد بن سيرين عن عبادة وأنس به. ولكن رواه أبو بكر بن عياش عن

1 وقع عند الطيالسي: "عبد الله" وهو خطأ.

2 مسند الطيالسي (ص79،285) .

3 كشف الأستار (2/109) .

4 إتحاف الخيرة المهرة (ص199)

ص: 485

الربيع بن صبيح عن الحسن عن عبادة وأنس به1. وهو شاذ والمحفوظ الأول.

والربيع بن صبيح مختلفٌ فيه. ضعفه ابن سعد، ويعقوب بن شيبة، وابن المديني، وابن معين في رواية، والنسائي وغيرهم. وقال شعبة: لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد. وقال أحمد: لا بأس به، رجل صالح. وقال ابن معين في رواية: ليس به بأس2. وقال ابن حجر: صدوق سيء الحفظ3.

ويظهر لي حسب ما تقدم من أقوال أئمة الجرح والتعديل أنه ضعيف الحديث، ولكن ضعفه ليس شديداً، بل هو صالحٌ للاعتبار ولا يحتج به إذا انفرد.

وحديثه هذا عن أنس ليس له متابع، فقد قال البزار:"لا نعلم رواه عن أنسٍ إلا الربيع"، فيكون على هذا ضعيفاً.

وأما حديثه عن عبادة فله ما يؤيده من الطرق السابقة، إلا أنه بهذا الإسناد منقطع، لأن محمد بن سيرين لم يسمعه من عبادة4، وإنما سمعه من مسلم بن يسار عن عبادة، كما سبق في الطريق الرابعة لهذا الحديث.

هذه هي الطرق التي وقفت عليها في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وهو حديث صحيح لا شك فيه، والضعف اليسير الحاصل في بعض الطرق ينجبر بالطرق الأخرى للحديث. والله أعلم.

1 سنن الدارقطني (3/18) .

2 تهذيب التهذيب (3/247-248) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1895) .

4 جامع التحصيل (ص324) .

ص: 486

148 -

(9) عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا سواءً بسواءٍ، وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضة كيف شئنا، والفضة بالذهب كيف شئنا".

رواه البخاري1 واللفظ له، ومسلم2، والنسائي3، وأحمد4، والطحاوي5، وابن حبان6، والبيهقي7. كلهم من طرقٍ عن يحيى بن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به.

وزاد مسلم: "فسأله رجلٌ فقال: يداً بيدٍ؟ فقال: هكذا سمعت". وذكر هذه الزيادة أحمد، وعنده أن الرجل الذي سأل أبا بكرة هو ثابت بن عبيد، وفي رواية له ثابت بن عبد الله.

إلا أن النسائي رواه من وجهٍ آخر أيضاً عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة بمثله، إلا أن يحيى ين أبي كثير مدلِّس8 وقد عنعن، وهو إنما سمع هذا الحديث من يحيى بن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، فإنه هكذا رواه مسلم.

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2175،2182) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1313) ] .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/280) ] .

4 مسند أحمد (5/38،49) .

5 شرح معاني الآثار (4/69) ، شرح مشكل الآثار (15/391) .

6 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/389) .

7 السنن الكبرى (5/282) .

8 تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس (ص76) .

ص: 487

ورواه أيضاً البزار1، وابن عدي2، والحازمي3 من طريق بحر بن كنيز أبي الفضل عن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصرف قبل موته بشهرين".

قال البزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن أبي بكرة، وبحر بن كنيز لين الحديث".

وقال الحازمي: "هذا الحديث واهي الإسناد، وبحر السقاء لا تقوم به حجة".

وقال الهيثمي: "في الصحيح أنه نهى عن الذهب بالذهب من غير ذكر تاريخ" ثم قال عن هذا الإسناد: "فيه بحر بن كنيز السقاء وهو ضعيف"4. وقد تقدم الكلام في بحر بن كنيز5 وأنه ضعيف جداً.

فعلى هذا فإن حديث "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصرف قبل موته بشهرين" ضعيف لضعف بحر بن كنيز. والله أعلم.

149 -

(10) عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه أنه أرسل غلامه بصاع قمحٍ، فقال: بعه ثم اشتر به شعيراً، فذهب الغلام، فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمراً أخبره بذلك. فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فردّه ولا تأخذنّ إلا مثلاً بمثل،

1 كشف الأستار (2/110) .

2 الكامل في ضعفاء الرجال (2/52-53) .

3 الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (ص167) .

4 مجمع الزوائد (4/119) .

5 تقدم عند حديث عمران بن حصين رقم (36) .

ص: 488

فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعام بالطعام مثلاً بمثل". قال: وكان طعامنا يومئذ الشعير. قيل له: فإنه ليس بمثله. قال: إني أخاف أن يضارع".

رواه مسلم1 وهذا لفظه، وأحمد2، وابن حبان3، والطبراني في الكبير4، والدارقطني5، والبيهقي6. كلهم من طرقٍ عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عنه به، وأبو النضر اسمه سالم بن أبي أمية المدني.

وقوله: "إني أخاف أن يضارع"، المضارعة: هي المشابهة والمقاربة7.

قال البيهقي: هذا الذي كرهه معمر بن عبد الله خوف الوقوع في الربا احتياطاً من جهته لا روايةً، والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم عامة تحتمل الأمرين جميعاً، أن يكون أراد الجنس الواحد دون الجنسين، أوهما معاً، فلما جاء عبادة بن الصامت بقطع أحد الاحتمالين نصاً، وجب المصير إليه. وبالله التوفيق8.

وقال النووي: "احتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحداً لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنهما صنفان يجوز التفاضل بينهما

"، إلى أن قال: "وأما

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1214) ] .

2 مسند أحمد (6/400-401) .

3 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/385) .

4 المعجم الكبير (20/447) .

5 سنن الدارقطني (3/24) .

6 السنن الكبرى (5/283-285) .

7 النهاية في غريب الحديث (3/85) .

8 السنن الكبرى (5/283) .

ص: 489

حديث معمر هذا فلا حجة فيه؛ لأنه لم يصرح بأنهما جنس واحد، وإنما خاف من ذلك فتورع احتياطاً"1.

150 -

(11) عن مجاهدٍ قال: "كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فجاءه صائغ، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي، فنهاه عبد الله عن ذلك، فجعل الصائغ يردّد عليه المسألة، وعبد الله ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابةٍ يريد أن يركبها، ثم قال عبد الله بن عمر: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم".

جاء هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما من طرق:

الطريق الأولى: مجاهد عنه به:

رواه مالك2 باللفظ المذكور عن حميد بن قيس المكي به، ومن طريق مالك رواه النسائي3، والشافعي4، وعبد الرزاق5، والطحاوي6، والبيهقي7، والبغوي8.

1 شرح صحيح مسلم (11/20) .

2 الموطأ (2/492) .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/278) ] . ووقع في المطبوع: "مجاهد: قال عمر" وهو خطأ، وإنما هو "ابن عمر". وانظر: حاشية السِّندي.

4 السنن المأثورة (ص265-266) ، الرسالة (ص277) .

5 المصنف (8/125) .

6 شرح معاني الآثار (4/66) ، شرح مشكل الآثار (15/383) .

7 السنن الكبرى (5/279،292) .

8 شرح السنة (8/63)

ص: 490

وحميد بن قيس المكي الأعرج أبو صفوان القارئ، وثقه ابن سعد وابن معين وأحمد في رواية والبخاري وأبو داود وغيرهم1. قال الذهبي: ثقة2.

قال الشافعي عن لفظ مالك: "هذا عهد نبينا إلينا" - قال -: هذا خطأ3.

ويعني الشافعي بذلك أن ابن عمر لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الصرف شيئاً، وما جاء في رواية مالك فهو خطأ. ولذلك روى الشافعي عقب قوله هذا عن سفيان بن عيينة عن وردان الرَّومي أنه سأل ابن عمر فقال: إني رجل أصوغ الحلي ثم أبيعه، فأستفضل قدر أجرتي - أو عمل يدي - فقال ابن عمر رضي الله عنهما "الذهب بالذهب لا فضل بينهما، هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم".

قال الشافعي: يعني "صاحبنا": عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال البيهقي: "هو كما قال - أي الشافعي - فالأخبار دالة على أن ابن عمر لم يسمع في ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً"4.

ولكن ذكر البيهقي احتمالاً وهو أن تكون رواية مالك صحيحة من وجه، فقال: "قد يجوز أن يقول هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وهو

1 انظر: تهذيب التهذيب (3/46-47) .

2 الكاشف (1/193) .

3 السنن المأثورة (ص266) .

4 معرفة السنن والآثار (8/38) .

ص: 491

يريد إلى أصحابه بعدما ثبت له ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره"1.

وقال ابن عبد البر: "قول الشافعي عندي غَلَطٌ على أصله، لأن حديث ابن عيينة في قوله "صاحبنا" مجمل يحتمل أن يكون أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون أراد عمر، فلما قال مجاهد عن ابن عمر: "هذا عهد نبينا" فسَّر ما أجمل وردان الرومي، وهذا أصل ما يعتمد عليه الشافعي في الآثار، ولكن الناس لا يسلم منهم أحدٌ من الغلط، وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد؛ لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيءٍ كتبه وجعله ديناً يردّ به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل، وبالله التوفيق"2 انتهى.

وحكم ابن عبد البر على قول الشافعي بأنه غلط: إن كان يعني به أن قول ابن عمر "هذا عهد نبينا إلينا" صحيح وأن معناه أن ابن عمر سمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم. فالجواب عنه أن ابن عمر قد ثبت عنه القول بما كان يقول به ابن عباس في الصرف حتى حدثه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم "ينهى عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل"، ولو أن ابن عمر سمع فيه من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعدل عنه كما هو معلوم. وقد سبق الكلام في هذا بأطول مما هنا3.

1 معرفة السنن والآثار (8/38) .

2 التمهيد (2/248) .

3 تقدم عند الطريق الثالثة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه رقم (140) .

ص: 492

وإن كان ابن عبد البر يعني بقوله هذا تصحيح رواية: "هذا عهد نبينا إلينا" ولكن بالتوجيه الذي ذكره البيهقي، فَنَعَم. ولعلّ هذا هو مقصود ابن عبد البر رحمه الله، وبه وجّه ابن التركماني قول ابن عبد البر1. والله أعلم.

فمما سبق يتبين أن هذه الطريق صحيحة، وأما قول ابن عمر "هذا عهد نبينا إلينا" فهو مرسل صحابي؛ لأن ابن عمر لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً، ومرسل الصحابي حجة.

قال ابن بشكوال: "الصائغ هو وردان الرومي"2، ثم روى بإسناده عن الشافعي ثنا سفيان بن عيينة عن وردان الرومي به. وقد تقدّم ذكره.

ورواه البيهقي3، وابن عبد البر4 أيضاً من طريق الشافعي.

وأغرب ابن القيم رحمه الله فقال: "لا يعرف عن أحد من الصحابة أنه نهى أن يباع الحلي إلا بغير جنسه، أو بوزنه، والمنقول عنهم إنما هو في الصرف"5 انتهى.

وفيما قاله نظر؛ فهذا ابن عمر رضي الله عنهما كما سبق في هذا الحديث نهى عن بيع الذهب المصوغ بأكثر من وزنه، وتقدم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه نحو هذا. والله أعلم.

1 الجوهر النقي - حاشية السنن الكبرى - (5/280) .

2 غوامض الأسماء المبهمة (1/298) .

3 السنن الكبرى (5/279) .

4 التمهيد (2/247) .

5 أعلام الموقعين (2/145) .

ص: 493

الطريق الثانية: أبو جناب الكلبي عن أبيه عنه به:

رواه أحمد1 من هذا الطريق، ولفظه:"لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرما، والرما هو الربا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل، قال: لا بأس إذا كان يداً بيد".

وإسناد أحمد فيه علتان:

الأولى: أبو جناب الكلبي، واسمه يحيى بن أبي حية، ضعّفه ابن سعد، والقطان، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم. وتكلم في حديثه أيضاً لتدليسه عن الضعفاء2. قال ابن حجر:: "ضعفوه لكثرة تدليسه"3. وهو هنا لم يصرِّح بالسماع.

العلة الثانية: المخالفة في الرفع والوقف، فإن الأسانيد الصحيحة فيها أن ابن عمر كان يقول بمتن هذا الحديث من قوله لا يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد4، وابن أبي شيبة5، وغيرهما. وابن عمر أخذ هذا أولاً من أبيه6، حتى لقيه أبو سعيد فحدَّثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم7.

1 المسند (2/109) .

2 تهذيب التهذيب (11/201-202-203) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7537) .

4 المسند (3/4) .

5 المصنف (5/299) .

6 انظر: تهذيب الآثار (2/73-74-75) .

7 قد سبق في الطريق الأولى من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رقم (141)

ص: 494

فعلى هذا فإن المحفوظ في هذا الحديث أنه موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما، ولكن يمكن أن يجاب عن هذه العلة بأن ابن عمر وإن لم يكن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سمعه من أبي سعيد عنه، فيكون مرسل صحابي وهو حجة. والله أعلم.

فيبقى أن علة الإسناد هو أبو جناب الكلبي، وقد تقدم أنه ضعيف مدلّس.

وأما قوله "يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس

" الحديث، فهي بهذا الإسناد ضعيفة، إلا أن معناه جاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الطريق أيضاً كما سيأتي - إن شاء الله - في (فصل: النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) . والله أعلم.

الطريق الثالثة: عبد المؤمن عنه به:

رواه أبو يعلى1 بإسناده عن سكين به. ولفظه: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، كيلاً بكيل، فمن زاد أو استزاد فقد أربى".

وعبد المؤمن لم يقع منسوباً في هذه الرواية، ولكن لعله ابن أبي شراعة الجلَاّب، فقد قال البخاري2 وأبو حاتم3: سمع من ابن عمر رضي الله عنهما.

1 مسند أبي يعلى (2/278) .

2 التاريخ الكبير (6/116) .

3 الجرح والتعديل (6/65) .

ص: 495

وقال البخاري: حديثه في البصريين1، وسكين بصري.

وعبد المؤمن بن أبي شراعة قال فيه يحيى القطان: لم يكن به بأس إذا جاءك بشيء تعرفه. وقال يحيى بن معين: ثقة2.

وأما سُكين، فهو ابن عبد العزيز العبدي العطّار البصري، وثقه وكيع، وابن معين، والعجلي. وقال أبو حاتم: لا بأس به.

وضعفه أبو داود والنسائي3.

وخلص فيه ابن حجر إلى أنه: صدوق، يروي عن ضعفاء4.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد حسن، إلا أنه كما سبق - غير مرّة - أن ابن عمر لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه من أبي سعيد الخدري عنه، فهو مرسل صحابي، وهو حجة. والله أعلم.

الطريق الرابعة: عطية العوفي عنه به:

رواه الحارث بن أبي أسامة5 عن يحيى بن هاشم السِّمسار ثنا ابن أبي ليلى به. ولفظه: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، فمن زاد فقد أربى، وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تدعه".

ويحيى بن هاشم السِّمسار تقدم الكلام فيه6، وأنه متروك متّهم.

1 التاريخ الكبير (6/116) .

2 الجرح والتعديل (6/65) .

3 تهذيب التهذيب (4/127) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2461) .

5 بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (1/502) .

6 تقدم الكلام عليه عند حديث عبد الله بن عمر، رقم (9) ، عند الطريق الثامنة منه.

ص: 496

وأما ابن أبي ليلى، فهو محمد بن عبد الرحمن، تقدم الكلام فيه وأنه صدوق سيئ الحفظ جداً1.

وعطية العوفي، تقدم أنه صدوق يخطئ كثيراً2.

وقد روى عبد الرزاق3، وابن جرير4، والبيهقي5 وغيرهم هذا المتن من طرقٍ عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب موقوفاً، وهو الصواب والله أعلم.

فعلى هذا فإن هذه الطريق عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ضعيفة جداً لا يعتبر بها. والله أعلم.

الطريق الخامسة: بشر بن حرب عنه به:

رواه الطيالسي6، والطبراني7 بإسنادهما عن حماد بن زيد به. ولفظ الطيالسي: عن بشر بن حرب قال: سألت ابن عمر عن الصرف: الدرهم بالدرهمين فقال: عين الربا، عين الربا، فلا تقربه، هل سمعت8 ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذوا المثل بالمثل".

1 تقدم الكلام عليه عند حديث رقم (44) .

2 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (124) .

3 المصنف (8/121) .

4 تهذيب الآثار (2/73) .

5 السنن الكبرى (5/284) .

6 مسند الطيالسي (ص254) .

7 انظر: جامع المسانيد والسنن، لابن كثير (28/49) .

8 عند الطبراني: "أما شعرت" وهو أولى من اللفظ المذكور في مسند الطيالسي المطبوع "سمعت". واللفظ الأخير يمكن أن يخرَّج بأن يكون المعنى: هل سمعت ما يحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 497

وبشر بن حرب مختلفٌ فيه، فضعَّفه ابن سعد، وابن المديني، وابن معين، وأحمد، والعجلي، وغيرهم. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال ابن عدي: لا أعرف في رواياته حديثاً منكراً وهو عندي لا بأس به1.

وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق فيه لين2.

ويظهر لي من الأقوال السابقة لأئمة الجرح والتعديل أنه ضعيف الحديث يصلح للاعتبار. وقد توبع في الطرق السابقة. والله أعلم.

هذه هي الطرق التي وقفت عليها في حديث ابن عمر هذا، وهو حديث صحيح. والضعف في بعض الطرق لا يمنع الاحتجاج به، وإن كان يسيراً فهو ينجبر بغيره. والله أعلم.

151 -

(12) عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقايةً من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأساً. فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويخبرني عن رأيه. لا أُساكنك بأرضٍ أنت فيها. ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن".

1 تهذيب التهذيب (1/446) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (681) .

ص: 498

رواه مالك1 عن زيد بن أسلم به، ومن هذا الطريق أخرجه الشافعي2، وأحمد3، والنسائي4، والبيهقي5.

وقد أُعلَّ هذا الحديث بعلتين:

1 -

الانقطاع.

2 -

أن هذه القصة إنما عرضت لمعاوية مع عبادة بن الصامت لا مع أبي الدرداء.

أما العلة الأولى، فقد قال ابن عبد البر: ظاهر هذا الحديث الانقطاع، لأن عطاء لا أحفظ له سماعاً من أبي الدرداء، وما أظنه سمع منه شيئاً؛ لأن أبا الدرداء توفي بالشام في خلافة عثمان لسنتين بقيتا من خلافته، ذكر ذلك أبو زرعة عن أبي مسعر عن سعيد بن عبد العزيز. وقال الواقدي:"توفي أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين، ومولد عطاء بن يسار إحدى وعشرين، وقيل: سنة عشرين". قال ابن عبد البر: وقد روى عطاء بن يسار عن رجلٍ من أهل مصر عن أبي الدرداء حديث لهم البشرى، وممكن أن يكون سمع عطاء بن يسار من معاوية، لأن معاوية توفي سنة ستين، وقد سمع عطاء بن يسار من أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة هم أقدم

1 الموطأ (2/492) .

2 الرسالة (ص446) ، فقرة (1228) .

3 المسند (6/448) .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/279) ] .

5 السنن الكبرى (5/280) ، معرفة السنن والآثار (8/38-39) .

ص: 499

موتاً من معاوية، ولكنه لم يشهد هذه القصة؛ لأنها كانت في زمن عمر، وتوفي عمر سنة ثلاث وعشرين، أو أربع وعشرين من الهجرة"1 انتهى كلامه.

وقد سبق البخاريُّ ابنَ عبد البر في الحكم على رواية عطاء بن يسار عن أبي الدرداء بالانقطاع. فقال: مرسل لا يصح2.

ولما ذكر الذهبي هذا القول عن البخاري عقبه بحديث في إسناده تصريح عطاء بالتحديث عن أبي الدرداء3. والذهبي صاحب استقراء وإمامة في الرجال، ولكن بالنظر إلى سن عطاء بن يسار المدني عند وفاة أبي الدرداء الذي توفي بالشام فإنه يبعد سماعه منه، ولا سيما أن البخاري قد صرَّح بالانقطاع بينهما.

وأما الحديث الذي ذكره الذهبي والذي فيه تصريح عطاء بن يسار بالتحديث عن أبي الدرداء فقد رواه النسائي في الكبرى4 بإسنادٍ صحيح وليس فيه التصريح بالتحديث، فلعلّ من ذكر صيغة التحديث بين عطاء بن يسار وأبي الدرداء أخطأ في ذلك. والله أعلم.

1 التمهيد (4/71-72) . وما ذكر أن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر توفيا قبل معاوية فغير صحيح. فقد توفي عبد الله بن عمرو بن العاص بالطائف ليالي الحرة - سنة ثلاث وستين - على ما رجّح ابن حجر في تقريب التهذيب (رقم3499) . وعبد الله بن عمر بن الخطاب توفي سنة ثلاثٍ وسبعين على ما قرره الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (رقم 3490) .

2 صحيح البخاري مع الفتح (11/ عقب حديث رقم 6443) . وانظر ميزان الاعتدال (3/474) .

3 ميزان الاعتدال (3/474) . ورواه بنحوه ابن جرير الطبري في تفسيره (27/146) ، تفسير سورة الرحمن عند قوله تعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} .

4 السنن الكبرى (6/478) .

ص: 500

وأما الاحتمال الذي ذكره ابن عبد البر وهو أن يكون عطاء سمع هذا الحديث من معاوية فضعيف؛ لأن سياق الحديث يبعد فيه هذا الاحتمال.

وأما العلة الثانية في الحديث فقد قال ابن عبد البر: "لا أعلم هذ القصة روي أنها عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، ولم يروَ من وجهٍ آخر فيما علمت، وليست محفوظةً إلا لمعاوية مع عبادة بن الصامت"1.

ولكن ابن عبد البر في موضعٍ آخر أشار إلى إمكان ثبوتها عن أبي الدرداء كما أنها مشهورة عن عبادة بن الصامت، فقد قال ابن عبد البر:"وممكن أن يكون له مع أبي الدرداء - أي معاوية - مثل هذه القصة أو نحوها"2.

ورجّح الزرقاني هذا الاحتمال حيث قال: "الإسناد الصحيح وإن لم يرد من وجهٍ آخر، فهو من الأفراد الصحيحة، والجمع ممكن، لأنه عرض له ذلك مع عبادة وأبي الدرداء"3.

والذي يظهر لي هو ما ذكره ابن عبد البر أولاً وهو أن المحفوظ في هذه القصة أنها عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ورواية عطاء بن يسار عن أبي الدرداء شاذة، وذلك لورود الطرق الكثيرة التي تثبت أن الواقعة إنما كانت بين عبادة بن الصامت

1 التمهيد (4/72) .

2 التمهيد (4/83) .

3 شرح الزرقاني (4/226) .

ص: 501

ومعاوية رضي الله عنهما، وفي بعض الطرق ذكر فيها قدوم عبادة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه1، وأن عمر أمر معاوية بما حدثه به عبادة بن الصامت رضي الله عنه نظير ما ذكر في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، مما يؤيد أن ذكر أبي الدرداء غير محفوظ.

وأما قول الزرقاني: "الإسناد الصحيح

" الخ. فالجواب عنه بما سبق أنه منقطع بين عطاء وأبي الدرداء رضي الله عنه. والله أعلم.

وقوله: "باع سقايةً من ذهب"، السقاية إناء يشرب فيه2.

152 -

(13) عن أبي الزبير المكي قال: سمعنا أبا أُسيد3 الساعدي وابن عباس يفتي الدينار بالدينارين، قال: فقال أبو أُسيد الساعدي وأغلظ له، فقال له ابن عباس: ما كنت أظنُّ أنّ أحداً يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي مثل هذا يا أبا أُسيد، فقال أبو أُسيد: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، وصاع حنطة بصاع حنطة، وصاع شعير بصاع شعير، وصاع ملح بصاع ملح، لا فضل بين شيء من ذلك"، فقال عبد الله بن عباس: إن هذا شيءٌ إنما كنت أقوله برأي ولم أسمع فيه شيئاً.

1 هي الطريق السادسة من طرق حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

2 النهاية في غريب الحديث (2/382) .

3 بضم الهمزة - مصغّراً -، وقيل: بفتح همزة فمكسورة - أًسِيد -، والصواب التصغير. انظر: المغني في ضبط أسماء الرجال (ص22) .

ص: 502

رواه الشاشي1 وهذا لفظه، والطبراني2، والحاكم3، وابن عبد البر4. كلهم من طرقٍ عن عتيق بن يعقوب الزبيري حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن إبراهيم بن طهمان به.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وعتيق بن يعقوب شيخ قرشي من أهل المدينة.

وفي قول الحاكم نظر، ذلك أن عتيق بن يعقوب لم يرو له مسلم شيئاً، بل لم يرو له أصحاب الكتب الستة. وعتيق بن يعقوب وثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات5.

وأما عبد العزيز بن محمد الدراوردي فقد سبق الكلام فيه6، وأنه صدوق يخطئ.

وإبراهيم بن طهمان هو أبو سعيد الخراساني، وثّقه جمهور أئمة الجرح والتعديل إلا من شذَّ7. قال ابن حجر: ثقة يغرب8.

قال الهيثمي عن هذا الحديث: "إسناده حسن"9. وهو كما قال

رحمه الله إلا أن له شواهد تؤيده فيكون بها صحيحاً لغيره. والله أعلم.

1 مسند الشاشي (3/397) .

2 المعجم الكبير (19/268-269) .

3 المستدرك (2/19-20) . ووقع في المطبوع منه: "أبا سعيد الساعدي" وهو خطأ. وفي تلخيص المستدرك للذهبي: "أبا أسيد" وهو الصواب.

4 التمهيد (2/244-245) .

5 لسان الميزان (4/129-130) .

6 تقدم عند حديث أبي سعيد الخدري في الطريق الخامسة منه.

7 انظر: تهذيب التهذيب (1/129-130-131) .

8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (189) .

9 مجمع الزوائد (4/117) .

ص: 503

وروى الطبراني1 الحديث بإسناده عن طاهر بن خالد بن نزار عن أبيه حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مطر الورَّاق عن عطاء بن أبي رباح فذكر نحو حديث أبي الزبير المكي، إلا أنه ذكر أبا سعيد الخدري بدل أبا أُسيد الساعدي.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مطر الورَّاق إلا إبراهيم بن طهمان".

وإسناد الطبراني فيه طاهر بن خالد بن نزار، وثقه الخطيب، وقال الدارقطني: هو وأبوه ثقتان. وقال ابن أبي حاتم: صدوق. وقال ابن عدي: له عن أبيه إفرادات وغرائب2. وخلص فيه الحافظ الذهبي إلى أنه: صدوق وله مناكير3.

وأيضاً ففي إسناد الطبراني مطر الورّاق وحديثه عن عطاء ضعيف4. وهو هنا يروي عن عطاء بن أبي رباح.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد عن أبي سعيد الخدري ضعيف، والمعروف أنه عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه كما تقدم. والله أعلم.

1 المعجم الأوسط (2/338) .

2 ميزان الاعتدال (3/48) . وقول الدارقطني نقله عنه ابن حجر في لسان الميزان (3/206) .

3 ميزان الاعتدال (3/48) .

4 انظر: تهذيب التهذيب (10/168)، تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6699) . وسيأتي الكلام فيه بأطول مما هنا، عند حديث رقم (183) .

ص: 504

153 -

(14) عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبيع الذهب بالورق نسيئة، وأنبأنا - أو قال: وأخبرنا - أن ذلك هو الربا".

رواه أحمد1 واللفظ له، وعلي بن الجعد2، وأبو بكر بن أبي شيبة3، وأحمد بن منيع4، وأبو يعلى5، وابن جرير6، والطبراني7، كلهم من طرقٍ عن أيوب عن أبي قلابة عنه به، وعندهم أن هشام بن عامر رضي الله عنه لمّا قدم البصرة وجدهم يتبايعون الذهب في أعطياتهم فحدَّث بهذا الحديث.

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح8.

والإسناد وإن كان رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي إلا أن فيه علةً، وهي الانقطاع، وذلك أن أبا قلابة لم يسمع من هشام بن عامر، قاله ابن المديني9.

فعلى هذا فإن الإسناد ضعيف لانقطاعه، إلا أن الحديث له شواهد كثيرة تؤيده فيها النهي عن بيع الذهب بالورق نسيئة، فيكون الحديث بهذا الإسناد حسناً لشواهده. والله أعلم.

1 المسند (4/19،20-21) .

2 مسند علي بن الجعد (1/557-558) .

3 إتحاف الخيرة المهرة (ص243-244) .

4 إتحاف الخيرة المهرة (ص242-243) .

5 إتحاف الخيرة المهرة (ص244) .

6 تهذيب الآثار (2/81) .

7 المعجم الكبير (22/176) .

8 مجمع الزوائد (4/117،118) .

9 المراسيل لابن أبي حاتم (ص95) .

ص: 505

154 -

(15) عن أبي رافعٍ قال: كنت أصوغ لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثنني أنهن لسمعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وزناً بوزن، فمن زاد أو استزاد فقد أربى".

أخرجه أحمد1، وأبو سعيد بن الأعرابي2، بإسنادهما عن أبي جعفر عن يحيى البكاء به.

قال الهيثمي: رواه أحمد، وفيه يحيى البكاء وهو ضعيف3.

وأبو جعفر هو الرازي، واسمه عيسى بن أبي عيسى. مختلفٌ فيه. فوثقه ابن سعد، وابن معين في بعض الروايات عنه، وعلي بن المديني في رواية، وأبو حاتم، والحاكم وغيرهم.

وضعفه ابن معين، وابن المديني، وأحمد في روايةٍ عنهم، وضعفه أيضاً أبو زرعة، والنسائي، وابن حبان وغيرهم4.

وخلص فيه ابن حجر إلى أنه: صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة5.

ويحيى البكاء هو يحيى بن مسلم، ويقال: ابن سليم، ويقال: ابن أبي خليد الأزدي. وثقه ابن سعد فقط، وضعفه أحمد، وابن معين، وأبو داود، وأبو زرعة، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم6.

وجعله ابن حجر في مرتبة: ضعيف7.

وأبو رافع هو نُفيع الصائغ المدني، نزيل البصرة، ثقة ثبت8.

1 مسند أحمد (5/271) .

2 معجم ابن الأعرابي (1/422) ، رقم (423) .

3 مجمع الزوائد (4/118) .

4 تهذيب التهذيب (12/56-57) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (8019) .

6 تهذيب التهذيب (11/279) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7645) .

8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7182) .

ص: 506

فمما سبق يتبين أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف يحيى البكاء، إلا أنه يرتقي بشواهده فيكون حسنًا لغيره. والله أعلم.

155 -

(16) عن شرحبيل بن سعد أن أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر حدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، عيناً بعين، من زاد أو ازداد فقد أربى".

رواه مسدّد1، وأحمد2، وأبو يعلى3. كلهم من هذا الطريق. وعندهم أن شرحبيل قال: إن لم أكن سمعته منهم فأدخلني الله النار.

وشرحبيل بن سعد تقدم الكلام عليه وأنه ضعيف4.

ولكن أحاديث هؤلاء الصحابة ثابتة عنهم قد سبق ذكرها، فيكون الحديث الذي رواه شرحبيل حسناً لغيره، لأنه قد توبع على حديثه. والله أعلم.

156 -

(17) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر الرَّيَّان، فقال: أَنَّى لكم هذا التمر؟ قالوا: كان عندنا تمر بعلاً، فبعناه صاعين بصاعٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُدُّوه على صاحبه".

رواه البزار5 وهذا لفظه، والطبراني في الأوسط6. كلاهما بإسنادهما عن روح بن عبادة حدثنا كثير بن يسار عن ثابت البناني به.

1 إتحاف الخيرة المهرة (ص201-202) .

2 المسند (3/58) .

3 مسند أبي يعلى (2/294) .

4 تقدم الكلام عليه عند حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (33) .

5 كشف الأستار (2/108) .

6 المعجم الأوسط (2/103) .

ص: 507

ولفظ الطبراني في آخره قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ردُّوه على صاحبه، فبيعوه بعين، ثم ابتاعوا التمر".

قال البزار: لا نعلم رواه عن ثابت إلا كثير.

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا كثير أبو الفضل، تفرد به رَوْح.

قال الهيثمي: إسناده حسن1.

وكثير بن يسار لم يوثقه غير ابن حبان. وأثنى عليه سعيد بن عامر خيراً. وذكره البخاري في تاريخه وأشار إلى حديثه هذا عن أنس، ولكن لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً2. وكذلك ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً3.

وقال ابن القطان: حاله غير معروفة4.

وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن حاله معروفة، ثم ساق عدداً ممن روى عنه، ولكنه لم يذكر أحداً ممن وثقه غير ابن حبان.

والذي يظهر لي هو ما قاله ابن القطان؛ لأن الرواية عن الراوي لا ترفع من جهالة حاله، وإنما إذا روى عن الرواي أكثر من واحد فإنها ترفع جهالة عينه فقط.

وهذا الحديث عن أنس لا يعلم رواه عنه غير كثير بن يسار عن ثابت البناني عنه كما سبق في قول البزار والطبراني.

1 مجمع الزوائد (4/116) .

2 التاريخ الكبير (7/213-214)، وانظر: لسان الميزان (4/485) .

3 الجرح والتعديل (7/158) .

4 لسان الميزان (4/485) .

ص: 508

وكثير بن يسار ليس في درجة من يُقبل حديثه إذا انفرد.

والذي يظهر أن إسناد هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه كثير بن يسار، وهو مجهول كما سبق، إلا أن متن الحديث صحيح ثابت بأحاديث كثيرة مرَّ ذكرها فيما سبق. والله أعلم.

157 -

(18) عن أبي الزبير المكِّي قال: سألت جابر بن عبد الله عن الحنطة بالتمر وفضل، يداً بيدٍ، فقال:"قد كنّا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نشتري الصاع الحنطة بستة آصع من تمرٍ يداً بيدٍ، فإن كان نوعاً واحداً، فلا خير فيه إلا مثلاً بمثل".

أخرجه أبو يعلى1 بإسناده عن عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث بن سوار به.

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح2.

وفي قوله نظر، فإن أشعث بن سوار ليس من رجال الصحيح، فالبخاري لم يخرج له في الصحيح، إنما خرج له في الأدب المفرد، ومسلم إنما خرج له في المتابعات3. وقد تقدّم أن أشعث بن سوار ضعيف4.

وعلى هذا فإن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف لضعف أشعث بن سوَّار، إلا أنه لا يمنع من الاستشهاد به لكون المعنى الذي يدل عليه صحيح، فقد جاء في أحاديث كثيرة ذكرت في هذا الفصل تدل على إباحة بيع الجنسين المختلفين ولو مع التفاضل إذا كان يداً بيدٍ.

1 مسند أبي يعلى الموصلي (4/145-146) .

2 مجمع الزوائد (4/117)

3 انظر: تهذيب الكمال (3/270) .

4 تقدم عند حديث رقم (13) .

ص: 509

158 -

(19) عن أبي رافع قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، مثلاً بمثلٍ، الزائد والمستزيد في النار".

جاء هذا الحديث من طريقين:

الطريق الأولى: موسى بن أبي عائشة عن حفص بن أبي حفص عن أبي رافعٍ عنه به:

أخرجه البزار1 واللفظ له، والترمذي في العلل الكبير2.

وفي إسنادهما حفص بن أبي حفص، قال فيه البخاري: فيه نظر3. وقال البزار: روى عنه السُّدِّي وموسى بن أبي عائشة، فقد ارتفعت جهالته4. وقال الدارقطني: مجهول5. وذكره ابن حبان في الثقات6. انتهى.

فأما قول البزار في ارتفاع جهالته فالمقصود بها جهالة العين، وأما جهالة الحال فلا، حتى يوثقه معتبر، على أن ابن حبان فرق بين الذي يروى عنه السدي والذي يروي عنه موسى7.

وأما قول الهيثمي: "في إسناد البزار حفص بن أبي حفص، قال الذهبي ليس بالقوي"8، فغير صحيح؛ لأن قول الذهبي

1 مسند البزار - البحر الزخار - (1/109) .

2 العلل الكبير (1/495) .

3 التاريخ الكبير (2/361) .

4 مسند البزار (1/111) .

5 علل الدارقطني (1/242) .

6 الثقات (6/197) .

7 الثقات (4/152) ، (6/197) .

8 مجمع الزوائد (4/118) .

ص: 510

الذي نقله عنه الهيثمي إنما هو في حفص ابن أبي حفص التميمي السراج الذي يروي عن الحسن البصري1، وأما هذا الذي في إسناد البزار فقد ترجم له الذهبي ترجمة مستقلة، وذكر فيه قول البخاري السابق2.

ووقع للحافظ ابن حجر نحو ما وقع للهيثمي3، وذلك أنه لمَّا ترجح لحفص بن أبي حفص التميمي، وذكر فيه قول الذهبي، ثم ذكر قول ابن حبان، ذكر بعد ذلك قول الدارقطني السابق. ومعلوم أن الدارقطني إنما قال قوله هذا في غير من ترجم له الحافظ ابن حجر.

وأما قول الحافظ ابن حجر بعد أن نقل قول الدارقطني: فما أدري أهو التميمي أو غيره4. فالجواب عنه أن الدارقطني إنما قال: مجهول بعد أن ذكر حديث موسى بن أبي عائشة عن حفص بن أبي حفص عن أبي رافع عن أبي بكر رضي الله عنه

"5 الحديث.

ويظهر أن الحافظ ابن حجر ذهب أخيراً إلى أن حفص بن أبي حفص الذي يروي عن أبي رافع ليس هو التميمي، وذلك أنه قال في موضع آخر: "ثم وجدت الخطيب فرق بينهما في المتفق والمفترق

"6. والله أعلم.

1 ميزان الاعتدال (2/80) .

2 ميزان الاعتدال (2/92) .

3 انظر: لسان الميزان (2/322) .

4 المرجع السابق.

5 علل الدارقطني (1/241-242) .

6 تعجيل المنفعة (ص98) .

ص: 511

وممن فرّق أيضاً بين حفص بن أبي حفص التميمي، وحفص بن أبي حفص الذي يروي عنه موسى بن أبي عائشة ويروي عن أبي رافع: البخاري1 وابن أبي حاتم2.

فمما سبق يترجح أن حفص بن أبي حفص الذي يروي عن أبي رافع ليس هو التميمي وإنما هو غيره.

وعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف لحال حفص بن أبي حفص، وقال أبو حاتم عن هذا الحديث: حديث منكر3.

وقال الدارقطني: "الحديث غير ثابتٍ عن أبي رافع"4.

الطريق الثانية: محمد بن السائب الكلبي عن أخيه سلمة5 بن السائب عن أبي رافعٍ به:

أخرجه عبد الرزاق6، وابن أبي شيبة7، وعبد بن حميد8، وأبو بكر الأموي المروزي9، وأبو يعلى الموصلي10. كلهم من طرقٍ عن محمد بن السائب الكلبي به. ورواه إسحاق بن

1 التاريخ الكبير (1/361،368) .

2 الجرح والتعديل (3/174،189) .

3 المرجع السابق (3/189) .

4 علل الدارقطني (1/242) .

5 وقع في المطبوع من مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة: "أبو سلمة"، وهو خطأ.

6 مصنف عبد الرزاق (8/124) .

7 مصنف ابن أبي شيبة (5/299) .

8 المنتخب (1/34) .

9 مسند أبي بكر الصديق (ص124،125،128) .

10 مسند أبي يعلى الموصلي (1/55،56) .

ص: 512

راهويه1 بإسناده عن محمد بن السائب عن أخيه سلمة عن أسامة بن زيد عن أبي رافع به.

ومحمد بن السائب الكلبي لا يعتبر به. قال البزار: أجمع أهل العلم بالنقل على ترك حديثه2. انتهى. وهو متهم بالكذب ورمي بالرفض3.

فمما سبق يتبين أن هذا الحديث لا يصح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن رواه إسحاق بن راهويه4، والطحاوي5 بإسنادهما عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، قال: كتب أبو بكر الصديق إلى أمراء الأجناد حين قدم الشام: أما بعد، فإنكم قد هبطتم أرض الربا، فلا تتبايعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن، ولا الورق بالورق، إلا وزناً بوزن، ولا الطعام بالطعام، إلا كيلاً بكيل". قال أبو قيس: قرأت كتابه. انتهى. هذا لفظ الطحاوي. قال البوصيري: إسناده صحيح6.

وهذا موقوف على أبي بكر الصديق، وفي إسناده موسى بن عُلَيّ بن رباح، قال فيه ابن سعد، وابن معين، وأحمد7،

1 إتحاف الخيرة المهرة (ص236-237) . وانظر: المطالب العالية (1/387-388) .

2 مسند البزار (1/111) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5901) .

4 إتحاف الخيرة المهرة (ص239-240) . وانظر: المطالب العالية (1/388) .

5 شرح معاني الآثار (4/70) .

6 إتحاف الخيرة المهرة (ص240) .

7 تهذيب التهذيب (10/363) .

ص: 513

والبخاري1، والعجلي، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.

ونقل الساجي أن ابن معين قال فيه: ليس بالقوي2. وهذا النقل عن ابن معين معارض برواياتٍ أخرى عن ابن معين في توثيقه وهي أكثر.

وأما قول ابن عبد البر: ما انفرد به فليس بالقوي3، فهو معارض بأقوال الأئمة السابقين، وقولهم مقدم.

ولذلك فإن قول ابن حجر في موسى بن علي: "صدوق ربما أخطأ"4، لا يتوافق مع نقله عن أئمة الجرح والتعديل فيه. وحقُّه أن يكون ثقةً. ولذلك فإن قول الذهبي فيه:"ثبت صالح"5 أولى من قول الحافظ ابن حجر. والله أعلم.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد إسناد صحيح موقوف على أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ورواه موقوفاً أيضاً ابن عبد البر. فقد روى بإسناده6 عن أبي صالح قال: كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عماله: "ألا يشتروا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا الفضة بالفضة إلا مثلاً

1 علل الترمذي الكبير (2/972) .

2 تهذيب التهذيب (10/364) .

3 المرجع السابق.

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6994) .

5 الكاشف (3/187) .

6 التمهيد (4/84) .

ص: 514

بمثل، ولا الحنطة بالحنطة إلا مثلاً بمثل، ولا الشعير بالشعير إلا مثلاً بمثل، ولا التمر بالتمر إلا مثلاً بمثل". وإسناد ابن عبد البر رجاله ثقات، إلا أن أبا صالح السَّمّان لم يسمع من أبي بكر الصديق.

قال أبو زرعة: "أبو صالح ذكوان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرسل"1.

ورواه موقوفاً أيضاً مسدد2، فرواه بإسناده عن ابن سيرين "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر نهوا عن الصرف". وإسناد مسدد رجاله ثقات، إلا أنه مرسل باعتبار روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم3، ومنقطع باعتبار روايته عن أبي بكر الصديق، فإن محمد بن سيرين لم يدرك أبا بكر رضي الله عنه4. إلا أنه يشهد له ما تقدم عن أبي بكر.

ومما سبق يتبين أن الحديث المروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت، وإنما الثابت عن أبي بكر الصديق هو الحديث الموقوف عليه، وأما الرفع فقد صح من غير طريق أبي بكر الصديق رضي الله عنه كما جاء في هذا الفصل. والله أعلم.

1 المراسيل، لابن أبي حاتم (ص53) .

2 إتحاف الخيرة المهرة (ص203) .

3 تقدم أن محمد بن سيرين سمع هذا من مسلم بن يسار عن عبادة رضي الله عنه، وذلك في الطريق الرابعة من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، رقم (148) .

4 المراسيل، لابن أبي حاتم (ص151) .

ص: 515

159 -

(20) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، فمن كانت له حاجة بورق فليصطرفها بذهب، ومن كانت له حاجة بذهب، فليصطرفها بالورق، والصرف هاءَ وهاءَ".

رواه ابن ماجه1 واللفظ له، وابن جرير2، والطبراني3، والدارقطني4، والحاكم5، وأبو بكر بن المقريء6. كلهم من طرقٍ عن إبراهيم بن محمد بن العباس أبو إسحاق الشافعي عن أبيه محمد بن العباس الشافعي، ثم اختلفوا عليه.

فرواه ابن ماجه والطبراني وأبو بكر بن المقرئ عنه عن أبيه عباس بن عثمان بن شافع عن عمر بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده به.

ورواه ابن جرير عنه - أي عن محمد بن العباس الشافعي - عن عمر بن محمد بن علي به - بدون ذكر عباس بن عثمان بن شافع -.

ورواه الدارقطني والحاكم عنه عن عمر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به.

وعند الحاكم "عمر بن محمد بن زيد" وهو ابن عبد الله بن عمر العدوي. وذكر الحافظ ابن حجر7 أن عمر بن محمد الوارد في إسناد الدارقطني هو عمر بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب.

1 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/760) ] .

2 تهذيب الآثار (2/76،81) .

3 المعجم الأوسط (6/259) .

4 سنن الدارقطني (3/25) .

5 المستدرك (2/49) .

6 معجم شيوخ أبي بكر بن المقرئ (3/822) .

7 إتحاف المهرة (ج4/ القسم الثاني، ص10) . ولم أجد للنقّاد كلاماً في عمر بن محمد بن عمر هذا حسب ما اطلعت عليه. والله أعلم.

ص: 516

وهذا الاضطراب في الإسناد لعل سببه محمد بن العباس الشافعي، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان1، وتسامح فيه الحافظ ابن حجر فقال فيه:"صدوق"2، وكان على اصطلاحه ينبغي أن يكون مقبولاً.

وإسناد ابن ماجه فيه عباس بن عثمان بن شافع لا يعرف حاله3. وعمر بن محمد بن علي بن أبي طالب مجهول الحال4. ولذلك حكم عليه البوصيري بالضعف، فقال:"هذا إسناد ضعيف"5.

وأما قول الحاكم عنه: حديث غريب صحيح، ففيه نظر؛ لجهالة محمد بن العباس الشافعي، واضطراب إسناده.

ومما سبق يتبين أن الحديث ضعيف بهذا الإسناد لجهالة محمد بن العباس الشافعي، وللاضطراب الواقع في إسناده. ومعنى الحديث ثابت في أحاديث أخرى. والله أعلم.

إلا أنه قد ثبت موقوفاً عن علي رضي الله عنه أنه نهى عن الصرف، فقد روى مسدَّد6 بإسنادٍ صحيح رواته أئمة ثقات عن سعيد بن المسيب "أن علياً وعثمان نهيا عن الصرف".

وروى عبد الرزاق7، والطحاوي8 أيضاً عن علي رضي الله عنه ما يدل على أنه كان ينهى عن الصرف إلا مثلاً بمثل. والله أعلم.

1 الثقات (9/54)، وانظر: تهذيب التهذيب (9/247) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5998) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3179) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4967) .

5 مصباح الزجاجة (2/195) .

6 إتحاف الخيرة المهرة (ص202-203) .

7 المصنف (8/124) .

8 شرح معاني الآثار (4/70) .

ص: 517

160 -

(21) عن سعيد بن المسيب قال: "لا ربا إلا في ذهبٍ أو فضة، أو مما يكال أو يوزن، بما يؤكل أو يشرب".

رواه مالك1، والبيهقي2 بإسنادهما عن سعيد بن المسيب.

ورواه الدارقطني3 بإسناده عن المبارك بن مجاهد عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الدارقطني: "هذا مرسل، وهم المبارك على مالك برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من قول سعيد بن المسيب، مرسل".

وقال عبد الحق الإشبيلي4 نحو ما قال الدارقطني.

قال ابن القطان: "ليست هذه علته، وإنما علته أن المبارك بن مجاهد ضعيف، ومع ضعفه انفرد عن مالك برفعه، والناس رووه عنه موقوفاً"5.

ويظهر أن نتيجة قول ابن القطان هي نتيجة قول الدارقطني وعبد الحق، وذلك أن ترجيحهما كون الحديث من قول سعيد بن المسيب، والحكم على رواية المبارك بالوهم يغني عن بيان حال المبارك.

وقد سبق أن الحديث في الموطأ من قول سعيد بن المسيب.

وأما المبارك بن مجاهد، فهو أبو الأزهر الخراساني المروزي، ضعفه قتيبة، وأبو أحمد الحاكم، وابن حبان، وذكره ابن الجارود، والدولابي، والعقيلي في الضعفاء، وقال أبو حاتم الرازي: ما أرى بحديثه بأساً6.

1 الموطأ (2/493) .

2 السنن الكبرى (5/286) .

3 سنن الدارقطني (3/14) .

4 نصب الراية (4/37) .

5 المرجع السابق.

6 لسان الميزان (5/12) .

ص: 518

فمما سبق يتبين أن الصواب في هذا الحديث أنه من قول سعيد بن المسيب، وأما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمُنْكَر.

161 -

(22) عن عطاء بن أبي رباح قال: جاء بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عباس فقالوا: نحن أقدم سناً منك وأعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منك، أرأيت حين تحل الصرف وقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه

" فذكر الحديث1 عن أسامة رضي الله عنه.

رواه إسحاق بن راهويه2 عن محمد بن بكر أنبا إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصُّفيرا3 به.

ومحمد بن بكر هو ابن عثمان البرساني البصري، قال عنه أحمد: صالح الحديث. وقال ابن معين وأبو داود والعجلي: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ محلّه الصدق. وقال النسائي: ليس بالقوي4.

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه: صدوق قد يخطئ5.

وأما إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيرا، فقد قال عنه ابن مهدي: اضرب على حديثه. وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال مرّة: ليس بالقوي. وكذا قال النسائي. وقال أحمد: منكر الحديث، وذكر له أحمد حديثاً منكراً عن عطاء بن أبي رباح. وقال البخاري: يكتب حديثه.

1 يعني حديث: "لا ربا إلا في النسيئة".

2 إتحاف الخيرة المهرة (ص224) .

3 قال ابن حجر: بالمهملة والفاء، مصغراً. التقريب: رقم الترجمة (465) .

4 تهذيب التهذيب (9/77-78) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5760) .

ص: 519

وقال أبو حاتم: ليس بقويٍ في الحديث وليس حده الترك. وقال ابن حبان: سيء الحفظ رديء الفهم1.

وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق كثير الوهم2.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف لضعف إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصُّفيرا، ولم يتابع على ذكر هؤلاء العدة من الصحابة. قال ابن حجر:"لم يخرجوا هذا السياق عن هذه العدة من الصحابة، وإسماعيل فيه كلام"3 انتهى.

وقال البوصيري4 نحو قول الحافظ ابن حجر.

1 تهذيب التهذيب (1/316-317) .

2 تقري التهذيب: رقم الترجمة (465) .

3 المطالب العالية (1/390) .

4 إتحاف الخيرة المهرة (ص224) .

ص: 520

دلالة الأحاديث السابقة:

يستفاد مما تقدم النهي عن الربا.

والربا لغةً: الزيادة. يقال: ربا الشيء يربو ربواً ورباءً، زاد ونما، وأربيته: نمّيته، وفي التنزيل:{وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} 1.

أما في الشرع، فيختلف باختلاف نوعه. ويمكن تقسيم أنواعه إلى قسمين:

1 -

ربا الدَّين: وهو أن يقول صاحب الدين للمدين: إما أن تقضي الدين وإما أن تربي، أي تزيد فيه، فيزيد في الدين ويؤخر الأجل. وهذا هو ربا الجاهلية2. ويدخل فيه ربا القرض3، ويقصد به اشتراط نفعٍ للمقرض؛ لأنه جعل الزيادة - وهو النفع - في مقابل الدَّين.

وإذا كان ما حصل به القرض من الأموال الربوية، فيدخل أيضاً في ربا البيع الذي سوف يأتي؛ لأن القرض من باب الإرفاق والإحسان، فإذا اشترط فيه نفع للمقرض أصبح من باب المعاوضات والبيع.

2 -

ربا البيع: وهو مختص بالأصناف التي يجري فيها الربا، وهو على قسمين:

1 لسان العرب (14/304 - مادة: ربو) . والآية في سورة البقرة (276) .

2 انظر: بداية المجتهد (2/153) ، الموافقات (4/22) .

3 للشيخ ظفر أحمد العثماني رسالة بعنوان: "كشف الدجى عن وجه الربا"، مطبوعة في آخر المجلد الرابع عشر من كتابه "إعلاء السنن"، بيّن فيها أن الزيادة المشروطة في القرض من الربا المنهي عنه. وهي رسالة قيّمة في بابها.

ص: 521

أ - ربا نسيئة: وهو أن يُشترط أجل في أحد العوضين1. وهذا يكون في بيع كل ربويين سواءً اتفقا في الجنس أو اختلفا.

ب - ربا فضل: وهو بيع ما يجري فيه الربا بمثله مع زيادةٍ في أحدهما. ومن التعريف يعلم أن ربا الفضل لا يكون إلا في بيع الجنسين المتفقين من الأموال الربوية.

ويزيد بعض العلماء نوعاً آخر من أنواع الربا وهو ربا اليد، ويعنون به تأخير القبض في أحد العوضين، أي أن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض2. لكن يمكن إرجاع هذا النوع إلى ربا النسيئة، فالمنع من التفرق قبل القبض في الأموال الربوية لئلا يكون سبباً لربا النسيئة، وأيضاً فإن المتعاقدين قد يتعاقدان على الحلول والعادة جارية بصبر أحدهما على الآخر كما يفعل أرباب الحيل، يطلقون العقد وقد تواطئوا على أمرٍ آخر.

والربا محرّم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.

أما في الكتاب فيقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3، ويقول سبحانه: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ

1 نهاية المحتاج (3/409) .

2 المرجع السابق.

3 سورة آل عمران، آية (130) .

ص: 522

أَثِيمٍ} 1، إلى أن يقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} 2.

وهذا الربا الوارد في هذه الآيات هو ربا الدَّين الذي سبق التعريف به وأنه هو ربا الجاهلية. قال ذلك مجاهد وقتادة وغيرهما3.

وقد قال أبو بكر الجصّاص: "والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادةٍ على مقدار ما استُقرض على ما يتراضون به"4.

وقال نحو ذلك ابن عبد البر5.

وأما ربا البيع فقد بيّنت السنة تحريمه - كما سيأتي -.

وأما الأدلة الواردة من السنة على تحريم الربا، فقد سبق ذكر بعضها في هذا الفصل، وفيها التصريح بتحريمه، وأنه من الموبقات المتوعد صاحبها باللعن والعقوبة في الآخرة.

وقد قال الإمام مالك: "إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئاً أشرّ من الربا؛ لأن الله أذن فيه بالحرب"6.

وللربا مضار كثيرة في عدة نواحي، فمن الناحية الأخلاقية فإن المرابي يكون منطبعاً بتأثير الأثرة والبخل والعبودية للمال والتكالب عليه.

1 سورة البقرة، آية (275، 276) .

2 سورة البقرة، آية (278، 279) .

3 تفسير ابن جرير (6/8) .

4 أحكام القرآن (1/465) .

5 التمهيد (4/91) .

6 الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي - (3/364) ، مغني المحتاج (2/22) .

ص: 523

وأما من الناحية الاجتماعية فإن المجتمع الذي يتعامل أفراده فيما بينهم بالأثرة ولا يساعد فيه أحدٌ غيره إلا أن يرجو منه فائدة راجعة على نفسه، ويستغل الغني الفقير في ضائقته وفقره، فهذا مجتمع لا يمكن أن يقوم ويظل قائماً على قواعد محكمة، بل يكون متفككاً مشتتاً.

ومن أضراره الاقتصادية الكثيرة، أن أصحاب الأموال لا يتجهون إلى استثمار الأموال في المشاريع النافعة التي يستفيد منها أهل البلد؛ لأنه بالربا الحاصل له من القرض الربوي لا يحتاج إلى هذه الاستثمارات، ولأن هؤلاء يبقون أموالهم في موضعٍ واحدٍ يرجون ارتفاع سعر الربا، وهذا يؤثر في وفرة الأعمال واستهلاك البضائع1.

إلى غير ذلك من مضاره الكثيرة التي لا ينكرها إلا مكابرٌ مادّي.

وقد أجمع العلماء على تحريم ربا الدَّين2 وربا النسيئة3.

وأما ربا الفضل فقد صحّ الحديث في تحريمه عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق تسعةٍ من الصحابة فيما وقفت عليه، وهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وفضالة بن عبيد، وعبادة بن الصامت، وأبو بكرة، ومعمر، وأبو أسيد الساعدي رضي الله عنهم أجمعين -.

وصحّ موقوفاً عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقد سبق ذكر ألفاظهم فيما تقدم من أحاديث هذا الفصل.

1 انظر: الربا، للمودودي (ص50-62) .

2 بداية المجتهد (2/153) ، أضواء البيان (1/230) .

3 الإجماع (ص117-118) ، بداية المجتهد (2/153) .

ص: 524

وخالف في هذا عبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهما فكانا لا يريان بربا الفضل بأساً، إلا أنه قد صح - كما سبق - عن ابن عمر رضي الله عنهما رجوعه عن قوله هذا إلى القول بتحريمه. وأما ابن عباس رضي الله عنهما فاختلفت الرواية عنه، وقد سبق أن الراجح عنه هو رجوعه عن قوله بإباحة ربا الفضل أيضاً - والله أعلم -.

وعلى كلٍ فإنه كما قال ابن عبد البر: رجع ابن عباس – رضي الله عنهما أو لم يرجع فالسنة كافية عن قول كل أحدٍ، ومن خالفها جهلاً بها ردَّ إليها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ردُّوا الجهالات إلى السنة1.

وذكر بعض العلماء عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهما إباحة ربا الفضل أيضاً، وقد سبق أن هذا النقل لا يصح عنهما2. والله أعلم.

وقد جاء في روايةٍ عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يرى إباحة ربا الفضل ثم رجع عن ذلك. رواه البيهقي3. إلا أن هذه الرواية في إسنادها أبو إسحاق السبيعي وهو مدلّس4، ولم يصرّح بالسماع. والله أعلم.

وأما حديث أسامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الربا في النسيئة"5، فظاهره أنه لا بأس بربا الفضل، إلا أن العلماء أجابوا عن حديث أسامة رضي الله عنه هذا بعدة أجوبة منها:

1 الاستذكار (19/212) .

2 عند حديث رقم (145) .

3 السنن الكبرى (5/282) .

4 تعريف أهل التقديس (ص101) . وقد ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة من المدلسين.

5 سبق ذكره عند الطريق الثامنة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 525

1 -

لعل الحديث وارد في جنسين مختلفين لا جنس واحد، وأن أسامة رضي الله عنه لم يدرك أول الحادثة التي ورد فيها الحديث1.

2 -

أنه رواية صحابي واحد، وروايات منع ربا الفضل عن جماعةٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية الجماعة أقوى وأثبت وأبعد من الخطأ من رواية الواحد.

3 -

أن حديث أسامة مجمل، وحديث غيره مبيَّن. فوجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه.

4 -

أن حديث أسامة المقصود به حصر الكمال.

5 -

أن حديث أسامة فيه نفي تحريم ربا الفضل بالمفهوم، فيقدم عليه أحاديث الجماعة والتي فيها التحريم؛ لأن دلالتها بالمنطوق.

6 -

ذهب بعضهم إلى أن حديث أسامة في إباحة ربا الفضل منسوخ بأحاديث التحريم، ولذا ذكره بعض من ألف في ناسخ الحديث ومنسوخه، كالحازمي2 والجعبري3.

وغيرها من الأجوبة4.

هذا فيما يتعلق في حكم الربا.

أما ما يجري فيه الربا فالأحاديث التي سبق ذكرها في هذا الفصل لم تعين إلا ستة أصناف مما يجري فيه الربا وهي: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح. فهل هناك ما يلحق بهذه المذكورة أم لا؟ فإن كان هناك ما يلحق بها ويقاس عليها فما هي العلة الجامعة بينها؟

1 ذكره نحو هذا الجواب الإمام الشافعي. انظر: الحاوي الكبير (5/76-77) .

2 الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار (ص164-165) .

3 رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار (ص414) .

4 انظر في الأجوبة عن هذا الحديث: شرح صحيح مسلم (11/35) ، فتح الباري (4/447) .

ص: 526

ذهب طاوس وقتادة وابن عقيل من الحنابلة1 والظاهرية2 إلى القول بأن الربا مقصور على الأصناف الستة الواردة في الحديث، وخالفهم جمهور العلماء، فقالوا بأن هناك غير هذه الأصناف الستة مما يحرم فيه الربا. واختلفوا في العلة الموجودة في هذه الأصناف الستة والتي من أجلها حرم الربا فيها حتى يقاس عليها غيرها مما فيه نفس العلة.

فعند الحنفية أن علة الربا في الأشياء الأربعة المنصوص عليها من غير الذهب والفضة هي الكيل مع الجنس. وفي الذهب والفضة الوزن مع الجنس. فلا تتحقق العلة إلا باجتماع الوصفين، وهما: القدر والجنس3. وهذا القول هو المشهور من مذهب الحنابلة4.

وأما عند المالكية فعلّة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية، وفي الأصناف الأربعة الأخرى كونها مطعومة مدخرة مقتاتة. ولم يشترط بعضهم الاقتيات5.

وأما عند الشافعية فعلّة الربا في الذهب والفضة هي الثمنية أيضاً. وأما الأصناف الأربعة فالقديم من قول الشافعي أن العلة فيها هي كونها مطعوم جنسٍ مكيلاً أو موزوناً. وفي الجديد أن على الربا فيها هي الطعم مطلقاً6.

وأما عند الحنابلة فسبق أن المشهور من المذهب هو كقول أبي حنيفة. وفي رواية كمذهب الشافعي في الجديد7. وفي رواية أخرى كمذهب الشافعي في القديم8، وهي اختيار ابن قدامة9.

1 شرح الزركشي (3/413) .

2 المحلى (4/468) .

3 بدائع الصنائع (5/183) ، البناية في شرح الهداية (7/338-339) .

4 شرح الزركشي (3/414) ، منتهى الإرادات (1/375) .

5 الخرشي على مختصر خليل (3/57) ، بداية المجتهد (2/155) .

6 المجموع (9/499-502) .

7 شرح الزركشي (3/416) .

8 شرح الزركشي (3/417) .

9 المغني (4/139) .

ص: 527

ويظهر لي والله أعلم أن الأحاديث قد جاء في بعضها ذكر الذهب والفضة، وجاء في بعضها الآخر ذكر الدينار والدرهم، فإذا كان ذهبًا مصوغًا، أو تبرًا، فهو من جنس الذهب، وكذلك الفضة المصوغة حليًا، أو تبرًا، فإنها من جنس الفضة فالعلة فيها كونها ذهبًا أو فضة1، وأما الدينار والدرهم فالعلة فيهما كونهما أثمانًا؛ لأن هذا المعنى هو الذي يجري التعامل فيهما لأجله؛ فعلى هذا فالعلة فيهما متعدية في كل ما تعارف الناس عليه في أنه

1 يرى شيخ الإسلام ابن تيمية جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من الأثمان، [كالدنانير وهي من الذهب، والدراهم وهي من الفضة] من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة. (تفسير آيات أشكلت 2/622-631) .

قال المرداوي: وعمل الناس عليه. (الإنصاف 5/14) .

بل جوز شيخ الإسلام بيع المصوغ بجنسه نسيئة ما لم يقصد كون المصوغ ثمنًا. (تفسير آيات أشكلت 2/632) .

والذي حمل شيخ الإسلام على هذا القول قوله إن العلة في الذهب والفضة هي الثمنية فقط، فلو كان ذهبًا وفضة ولم يكن ثمنًا؛ كالذهب المصوغ فإنه لا يدخل في باب الربا، بل ينتقل إلى كونه سلعة من السلع؛ كالثياب وغيرها.

وقد تقدم أن الأحاديث قد جاءت في النهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، إلا مثلاً بمثل، يدًا بيد، كما جاءت كذلك في الدينار والدرهم.

وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت، وابن عمر وفضالة بن عبيد أن الذهب المصوغ يجري فيه الربا، فإن في حديث فضالة أن الذهب المصوغ؛ وهو ما كان في القلادة أجرى فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحكام الربا.

ويمكن تخريج مسألة بيع الذهب المصوغ بجنسه على مسألة (مد عجوة ودرهم) ، وسوف يأتي بيانها، وذلك على القول بأن الذهب إذا كان معه غيره فإنه لا يجوز بيعه بالذهب؛ إلا إذا كان الذهب المفرد أكثر من الذهب المخلوط.

فإذا كان هذا فيما إذا كان مع الذهب عين، فكذلك إذا كان فيه صفة، وهي الصياغة هنا، والله أعلم.

ص: 528

ثمن للأشياء؛ كالأوراق النقدية في هذا الزمان. أما الأصناف الأربعة الباقية، فكون العلة فيها الكيل أو الوزن مع كونه مطعوماً هو الأقرب من هذه الأقوال وبه تجتمع الأدلة. واشترط ابن القيم أيضًا أن يكون مقتاتًا؛ كما هو قول المالكية1.

وقد قال سعيد بن المسيب: "لا ربا إلا في ذهب أو فضة، أو مما يكال أو يوزن، مما يؤكل أو يشرب"2. والله أعلم.

ويستفاد أيضًا من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه المتقدم النهي عن بيع الذهب بالذهب مع أحدهما، أو معهما شيء غير الذهب؛ سدًا لذريعة الربا، فإن اتخاذ ذلك حيلة على الربا الصريح واقع؛ كبيع مائة درهم في كيس بمائتين؛ جعلاً للمائة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي درهما3.

ويقاس عليه بيع كل ربوي بجنسه، معهما أو مع أحدهما من غير جنسهما، وهي المسألة المشهورة عند الفقهاء بمسألة (مد عجوة ودرهم) .

وقد ذهب الشافعية4 والحنابلة5 في المشهور عندهم إلى تحريم هذه الصورة، وذهب الحنفية6 إلى الجواز إذا كان الربوي المفرد أكثر من الربوي الذي معه غيره، وهذا القول رواية عن أحمد7.

1 أعلام الموقعين (2/141) . وانظر تفسير آيات أشكلت (2/614،681) .

2 انظر حديث رقم (160) .

3 الإنصاف (5/35) .

4 مغني المحتاج (2/28) .

5 الفروع (4/159) .

6 المبسوط (12/189-190) .

7 الفروع (4/160) . وقد ذكر فيه ترجيح شيخ الإسلام هذا القول في بعض فتاويه.

ص: 529

وذهب مالك1، وأحمد2 في رواية عنه إلى أن الربوي المخلوط إذا كان غير مقصود، وإنما دخل الربوي ضمنًا جاز؛ كبيع شاة ذات لبن، بشاة ذات لبن، أو سيف محلى بالذهب بذهب، وقد حدد مالك ذلك بأن لا يكون الربوي أكثر من ثلث ما معه. وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول3.

1 الكافي لابن عبد البر (2/640-641) .

2 الفتاوى (29/458) .

3 الفتاوى (29/461-462) .

ص: 530