الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الحاضر للباد وعن تلقي الركبان
…
الفصل السادس: ورد في النهي عن بيع الحاضر للباد عن تلقي الركبان
217 -
(1) عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبان، ولا يبع حاضرٌ لبادٍ". قال: فقلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما قوله: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمساراً.
رواه البخاري1، ومسلم2، وأبو داود3، والنسائي4، وابن ماجه5، وأحمد6. كلهم من طرقٍ عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه به.
والسمسار هو الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطًا لإمضاء البيع7.
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2158،2163) ، كتاب الإجارة (4/رقم 2274) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1157) ] .
3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/719-720) ] .
4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/257) ] .
5 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/734-735) ] .
6 المسند (1/368) .
7 النهاية في غريب الحديث (2/400) .
218 -
(2) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نهينا أن يبيع حاضرٌ لبادٍ".
رواه البخاري1، ومسلم2 واللفظ لهما، وأبو داود3، والنسائي4، كلهم من طرقٍ عنه به.
وعند أبي داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
…
" الحديث. قال ابن حجر: "عرف بهذه الرواية أن الناهي المبهم في الرواية الأولى هو النبي صلى الله عليه وسلم".
وزاد مسلم وأبو داود والنسائي: "وإن كان أخاه أو أباه".
وروى أبو داود بإسنادٍ حسن عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان يقال: "لا يبيع حاضرٌ لبادٍ". وهي كلمة جامعة: لا يبيع له شيئاً ولا يبتاع له شيئاً5.
ورواه أبو عوانة، وفيه أن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك رضي الله عنه فقلت: "لا يبيع حاضرٌ لبادٍ" أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نهينا أن نبيع لهم، أو نبتاع لهم. قال محمد: وصدق، إنها كلمة جامعة"6.
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2161) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1158) ] .
3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/720) ] .
4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/256) ] .
5 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/721) ] .
6 مسند أبي عوانة (1/117-118) .
219 -
(3) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضرٌ لبادٍ".
رواه البخاري1 واللفظ له، والنسائي2، وأحمد3، والطبراني في الكبير4، والبيهقي5، كلهم من طرقٍ عنه به.
وزاد النسائي بإسنادٍ صحيح، والطبراني ذكر النهي عن النجش. وعندهما وعند أحمد زيادة ذكر النهي عن تلقي البيوع.
وزاد أحمد أيضاً بإسناد صحيح: "ولا يبع بعضٌ على بيع بعض".
وزاد الطبراني من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما: "ولا تصرُّوا الإبل والغنم لبيعٍ، فمن اشترى شاةً مصرّاة فإنه بأحد النظرين، إن ردّها ردّها بصاعٍ من تمر".
وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد في فصل النهي عن التصرية6.
220 -
(4) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع حاضرٌ لبادٍ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2159) ] .
2 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/256) ] .
3 المسند (2/42،153) .
4 المعجم الكبير (12/419) .
5 السنن الكبرى (5/346-347) .
6 تقدم الكلام فيه في حاشية الدراسة الفقهية للفصل السابق.
رواه مسلم1 واللفظ له، وأبو داود2، والترمذي3، والنسائي4، وابن ماجه5، وأحمد6، كلهم من طرقٍ عن أبي الزبير عنه به.
221 -
(5) عن سالم المكي أن أعرابياً حدَّثه أنه قدم بحلوبةٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فنزل على طلحة بين عبيد الله رضي الله عنه فقال له طلحة:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك وشاورني حتى آمرك وأنهاك".
اختلف في هذا الحديث. فرواه أبو داود7 باللفظ المذكور، والبزار8، وأبو يعلى9، والبيهقي10. كلهم من طرقٍ عن حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن سالم المكي أن أعرابياً حدثه عن طلحة رضي الله عنه به.
وعند البزار: "عن رجلٍ عن طلحة".
وانفرد مؤمل بن إسماعيل من بين الرواة عن حماد بن سلمة فرواه عنه عن ابن إسحاق عن سالم المكي عن أبيه عن طلحة رضي الله عنه به كما عند البزار11.
1 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1157-1158) ] .
2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/721-722) ] .
3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/526) ] .
4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/256) ] .
5 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/734) ] .
6 المسند (3/307،312،386،392) .
7 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/721) ] .
8 مسند البزار (3/170) .
9 مسند أبي يعلى (2/15) .
10 السنن الكبرى (5/347) .
11 مسند البزار (3/169) .
ومؤمل بن إسماعيل ضعيف كما سبق1، والمحفوظ عن حماد بن سلمة ما تقدم كما قال البزار.
وروى هذا الحديث أحمد2 بإسناده عن إبراهيم بن سعد الزُّهري، وأبو يعلى3، والشاشي4 من طريق يزيد بن زريع كلاهما - إبراهيم بن سعد ويزيد بن زريع - عن محمد بن إسحاق عن سالم بن أبي أمية أبي الضر عن شيخٍ من بني تميم عن طلحة رضي الله عنه به.
وعند أحمد تصريح ابن إسحاق بالسماع. ولفظ أحمد جاء فيه أن الشيخ من بني تميم قال: "قدمت المدينة مع أبي وأنا غلامٌ شابٌ بإبلٍ لنا نبيعها، وكان أبي صديقاً لطلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه فنزلنا عليه، فقال له أبي: اخرج معي فبع لي إبلي هذه. قال: فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ولكن سأخرج معك فأجلس وتعرض إبلك، فإذا رضيت من رجلٍ وفاءً وصدقاً ممن ساومك أمرتك ببيعه. قال: فخرجنا إلى السوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحة قريباً فساومنا الرجال حتى إذا أعطانا رجلٌ ما نرضى قال له أبي: أبايعه؟ قال: نعم، رضيت لكم وفاءه فبايعوه، فبايعناه
…
". وجاء في هذه القصة أن الشيخ من بني تميم وأباه التقيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا فهما صحابيان لا تضر الجهالة بهما.
وقد خالف حماد بن سلمة إبراهيم بن سعد ويزيد بن زريع في قوله: "سالم المكي"؛ وذلك أن إبراهيم بن سعد ويزيد روياه عن ابن إسحاق عن سالم
1 تقدم عند حديث رقم (41) ، عند الطريق الثالثة منه.
2 المسند (1/163-164) .
3 مسند أبي يعلى (2/15-17) .
4 مسند الشاشي (1/81) .
أبي النضر، وهو مدني وليس مكياً. فيكون المحفوظ في هذا الإسناد أنه عن سالم أبي النضر لأنه رواية الأكثر.
وأما الإمامان المزي وابن حجر فإنهما ترجما لسالم المكي ترجمة مستقلة1، وذكرا له هذا الحديث، وقال فيه الحافظ ابن حجر: هو الخياط أو ابن شوال، وإلا فمجهول2.
وفي صنيعهما - أي المزي وابن حجر - نظر؛ لما سبق أن سالماً هذا هو أبو النضر كما في الروايات الأخرى. وهو ثقة ثبت3. وأما قول حماد بن سلمة فيه "المكي"، فهو خطأ.
ويؤيد أن سالماً هذا هو أبو النضر ما ذكره الدارقطني حيث قال عن هذا الحديث: "يرويه سالم أبو النضر واختلف عنه" 4، وقال أيضاً:"رواه عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن سالم أبي النضر عن رجلٍ من بني تميم عن أبيه عن طلحة رضي الله عنه"5، وذكر المزي هذه الرواية أيضاً6. وهذه متابعة لابن إسحاق في رواية إبراهيم ابن سعد ويزيد بن زريع.
وقد قال الدارقطني عن هذا الإسناد الأخير الذي فيه: "عن رجلٍ من بني تميم عن أبيه": "هو الصواب"7، أي: بذكر "أبيه" بين الرجل من بني تميم وطلحة. وقد تقدم في لفظ أحمد ما يبين أن الرجل من بني تميم
1 انظر: تهذيب الكمال (10/178) ، تهذيب التهذيب (3/444) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2189) .
3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2169) .
4 علل الدارقطني (4/219) .
5 المرجع السابق.
6 تحفة الأشراف (4/221) .
7 علل الدارقطني (4/220) .
كان مع أبيه حين حدثه طلحة رضي الله عنه بهذا الحديث. وأيّاً كان فإن كليهما صحابي كما سبق، ومراسيل الصحابة حجة.
فمما سبق من هذه الطرق يتبين أن المحفوظ في هذا الإسناد هو عن سالم أبي النضر عن شيخٍ من بني تميم عن طلحة رضي الله عنه.
ويرى الدارقطني أنه: عن شيخٍ من بني تميم عن أبيه عن طلحة. وهذا الإسناد صحيح لما تقدم أن هذا الشيخ من بني تميم وأبو هـ صحابيان، فلا يضر الجهل بهما.
وقد جاء هذا الحديث عن طلحة رضي الله عنه من وجهٍ آخر. فقد رواه ابن عدي1 بإسناده عن سليمان بن أيوب الطَّلحي حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه به. وقد قال ابن عدي عن هذا الإسناد: "روى هذه النسخة جماعة، وعامة هذه الأحاديث أفراد".
وقول ابن عدي هذا لا يتفق مع هذا الحديث لكونه مروياً من غير هذا الإسناد كما سبق. وقد خالف يعقوب بن شيبة ابنَ عدي، فصحّح الأحاديث المروية بهذا الإسناد - أي من طريق سليمان بن أيوب - حيث قال عن هذا الإسناد:"هو سبعة عشر حديثاً رواها عن أبيه عن جده عن موسى بن طلحة عن أبيه. وهذه الأحاديث عندي صحاح، أخبرني بها أحمد بن منصور عن سليمان بن أيوب"2.
فمما سبق يتبين أن هذا الحديث صحيح. والله أعلم
1 الكامل (3/284) .
2 تحفة الأشراف (4/216) .
222 -
(6) عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوا الناس يصب بعضهم من بعض، فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه".
رواه أحمد1، والطيالسي2، والترمذي في العلل الكبير3، والطبراني في الكبير4. كلهم من طرقٍ عن عطاء بن السائب به.
وزاد الطبراني في روايةٍ: "لا يبيع حاضرٌ لبادٍ".
وقد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافاً كثيراً5. فاختلف في حكيم هذا هل هو ابن يزيد، أم ابن أبي يزيد. وقد رجّح الطبراني أنه ابن أبي يزيد، وقال: هو الصواب6. وقال الحافظ ابن حجر: الأكثر قالوا ابن أبي يزيد7.
واختلف فيه اختلافاً آخر. فقال بعض الرواة عن عطاء عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عوانة وغيره عن عطاء عن حكيم عن أبيه عمَّن سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله8.
1 المسند (3/418-419) . ووقع في المطبوع تحريف في الإسناد، والصواب ما أثبته. ووقع في المطبوع أيضاً زيادة، وهي:"حدثني أبي" بعد قوله "عن أبيه"، وهي غير موجودة في أطراف المسند للحافظ ابن حجر (8/356) .
2 مسند الطيالسي (ص158) .
3 العلل الكبير (1/483) .
4 المعجم الكبير (22/354-355) .
5 انظر في هذا الاختلاف: الإصابة في تمييز الصحابة (4/220-221) .
6 المعجم الكبير (22/354) .
7 الإصابة (4/221) .
8 رواه أحمد (4/259) .
وقد سأل الترمذي البخاري عن هذا الاختلاف فقال: الصحيح عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه1.
وكذا رجّح ابن عبد البر ما رجحه البخاري، ووهم رواية أبي عوانة2.
والاختلاف السابق الظاهر أنه صادرٌ من عطاء بن السائب، فإنه كان قد اختلط3.
وحكيم بن أبي يزيد ذكره البخاري4، وابن أبي حاتم5 ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات6. ولم يوثقه غيره فيبقى على جهالته.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد ضعيف، إلا أنه يشهد له ما تقدم من الأحاديث الواردة في النهي عن بيع الحاضر للباد فيكون حسنًا. والله أعلم.
ومما ورد في هذا الفصل أيضاً:
(7)
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد تقدم7.
(8)
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وقد تقدم8.
1 العلل الكبير (1/484) .
2 الاستيعاب في أسماء الأصحاب (4/222) .
3 انظر: الكواكب النيرات (ص319) .
4 التاريخ الكبير (3/15) .
5 الجرح والتعديل (3/207-208) .
6 الثقات (6/215) .
7 تقدم برقم (90) .
8 تقدم برقم (183) .
(9)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تقدم1.
(10)
حديث رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه، وقد تقدم2.
(11)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم3.
(12)
حديث عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه، وقد تقدم4.
1 تقدم برقم (212) .
2 تقدم برقم (213) .
3 تقدم برقم (214) .
4 تقدم برقم (216) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد مما تقدم النهي عن بيع الحاضر للباد. وبهذا قال جمهور العلماء1.
والبادي هو من يدخل البلدة من غير أهلها سواءً أكان بدوياً أم من قريةٍ أو بلدةٍ أخرى2.
وإنما نهي أن يبيع حاضرٌ لباد؛ لأنه إذا ترك البادي يبيع سلعته اشتراها الناس برخصٍ ويوسع عليهم السعر، فإذا تولّى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى حيث قال:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"3. وكذلك أيضاً فإن أهل البوادي إذا قدموا بسلعهم يبيعونها بسوق يومهم للمؤنة عليهم في حبسها واحتباسها عليها، ولا يعرف من قلة سلعته وحاجة الناس إليها ما يعلم الحاضر، فيصيب الناس من بيوعهم رزقاً. وإذا توكّل لهم أهل القرية المقيمون تربصوا بها، لأنه لا مؤنة عليهم في المقام بها، فلم يصب الناس ما يكون في بيع أهل البادية4.
وقد قيّد بعض الفقهاء النهي بأن تكون سلعة البادي مما يحتاج الناس إليه5. والأولى حمل النهي على العموم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض"، وكذلك بقية الأحاديث الواردة في النهي.
1 البناية (7/279) ، حاشية الدسوقي (3/69) ، الحاوي الكبير (5/346) ، المغني
(4/302) .
2 المغني (4/302) .
3 انظر: المرجع السابق. والحديث تقدم تخريجه عند حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في أحاديث هذا الفصل.
4 الحاوي الكبير (5/346-347) .
5 انظر: الحاوي الكبير (5/347) ، المغني (4/303) .
وكذلك قيد بعض الفقهاء النهي بأن يكون البادي جاهلاً بالسعر1. وهذا أيضاً مخالفٌ لعموم الأحاديث الواردة في النهي عن بيع الحاضر للباد، وأيضاً فإن الحكمة في النهي عن بيع الحاضر للباد ليس لكون البادي جاهلاً بالسعر، وإلا لنهي عن إخبار البادي بسعر السوق لحصول المفسدة الكائنة في البيع له. وقد تقدم بيان الحكمة في النهي.
وكذلك قيّد بعض الفقهاء النهي بقيود أخرى، إلا أنه لا دليل عليها. والأولى الأخذ بعموم النهي عن بيع الحاضر للباد. والله أعلم.
ويستفاد مما تقدم أيضاً النهي عن تلقي الركبان والجَلَب. وهو أيضاً قول جمهور العلماء2.
ونهي عن تلقي الركبان لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر فيشتري منه المشتري بأقل من قيمته، ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق3.
قال المازري: "فإن قيل: المنع من بيع الحاضر للبادي سبب الرفق بأهل البلد، واحتمل فيه غبن البادي، والمنع من التلقي أن لا يغبن البادي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار". فالجواب أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس، والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد، لا للواحد على الواحد. فلما كان البادي إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصاً فانتفع به جميع سكان البلد، نظر الشارع
1 انظر: الحاوي الكبير (5/347) ، المغني (4/303) .
2 البناية (7/278) ، الحاوي الكبير (5/348) ، القوانين الفقهية (ص171) ، المغني (4/304) .
3 الطرق الحكمية (ص242) .
لأهل البلد على البادي، ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصةً وهو واحد في قبالة واحد، لم يكن في إباحة التلقي مصلحة، لا سيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع المواد عنهم وهم أكثر من المتلقي، فنظر الشرع لهم عليه، فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة. والله أعلم"1.
1 شرح صحيح مسلم (11/163) .