الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
الباب الخامس: الأحاديث الواردة في النهي عن البيوع الربوية
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الربا والتحذير منه
…
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الربا والتحذير منه1
133 -
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال:"الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
رواه البخاري2، ومسلم3، وأبو داود4، والنسائي5، كلهم من طرقٍ عن سليمان بن بلال عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عنه به.
وأبو الغيث اسمه سالم مولى ابن مطيع كما قال أبو داود عقب إخراجه للحديث.
1 نظراً لكثرة الأحاديث الواردة في هذا الفصل، فقد اقتصرت منها على ما ورد في الكتب الستة. وقد فعلت هذا لعدم صلة هذه الأحاديث بأحاديث الرسالة صلة وثيقة؛ لكونها من باب الترهيب، فتناسب موضوعات الترغيب والترهيب أكثر من مناسبتها لأحاديث الأحكام، وجعلت الدراسة الفقهية لهذا الفصل مع الدراسة للفصل الآتي نظراً لترابطهما. والله أعلم.
2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب الوصايا (5/رقم 2766) ] .
3 صحيح مسلم [كتاب الإيمان (1/92) ] .
4 سنن أبي داود [كتاب الوصايا (3/294-295) ] .
5 سنن النسائي [كتاب الوصايا (6/257) .
ورواه البزار1، وابن أبي حاتم2 كلاهما من طريق أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه به. إلا أنه ذكر الانقلاب في الأعراب بعد هجرته بدلاً من السحر.
وعمر بن أبي سلمة ضعفه شعبة، وابن معين. وقال ابن معين في رواية: ليس به بأس. وقال ابن المديني: ليس بذاك. وقال أحمد: هو صالح ثقة إن شاء الله. وقال البخاري: "صدوق إلا أنه يخالف في بعض حديثه"3. وجعله الحافظ ابن حجر في مرتبة: "صدوق يخطئ"4. فهو على هذا صالح للمتابعة. وقد جاء نحو هذا الحديث عن غير واحدٍ من الصحابة5. والله أعلم.
وقوله: (الموبقات) هي الذنوب المهلكات6.
134 -
(2) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدَّسةٍ، فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دمٍ فيه رجلٌ قائمٌ وعلى وسط النهر رجلٌ بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجرٍ في فيه فردَّه حيث كان، فجعل
1 كشف الأستار (1/72) .
2 ذكر إسناده ابن كثير في تفسيره (1/492) .
3 تهذيب التهذيب (7/456-457) .
4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4910) .
5 انظرها في: فتح الباري (12/189) .
6 النهاية في غريب الحديث (5/146) .
لما جاء ليخرج رمى في فيه بحجرٍ فيرجع كما كان. فقلت: ما هذا؟ قال: الذي رأيته في النهر آكل الربا".
رواه البخاري بهذا اللفظ1. وهو قطعة من حديثٍ طويل رواه البخاري في مواضع من صحيحه2. وقد رواه بطوله أيضاً النسائي في الكبرى3، وأحمد4، ورواه مختصراً - وليس فيه محل الشاهد - مسلم5، والترمذي6، كلهم من طرقٍ عن أبي رجاء العطاردي عنه به.
قال ابن هبيرة: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجارة، لأن أصل الربا يجري في الذهب، والذهب أحمر، وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئاً، وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه يمحقه7. والله أعلم.
135 -
(3) عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله. قال - أي مغيرة -: قلت: وكاتبه وشاهديه؟ قال - أي إبراهيم النخعي -: إنما نحدِّث ما سمعنا".
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2085) ] .
2 انظر أرقام هذه الأحاديث عند حديث رقم (845) .
3 السنن الكبرى (4/391-392)(6/358) .
4 المسند (5/8-9، 14-15) .
5 صحيح مسلم [كتاب الرؤيا (4/1781) ] .
6 جامع الترمذي [كتاب الرؤيا (4/543) ] .
7 فتح الباري (12/465) .
رواه مسلم1 واللفظ له، وأبو داود2، والترمذي3، والنسائي4، وابن ماجه5، وأحمد6، كلهم من طرقٍ عنه به.
وزاد أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه: "وكاتبه".
وزادوا أيضاً - عدا النسائي -: "وشاهديه".
وهذه الزيادة جاءت من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وقد اختلف في سماعه منه. فنفى ابن معين في رواية سماعه منه، وأثبته في رواية، وكذلك أثبته أبو حاتم والثوري وغيرهما. وتوسَّط ابن المديني، فأثبت سماعه منه في حديثين فقط - ليس منهما هذا الحديث -7، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلِّسين8 الذين يشترط تصريحهم بالسماع. فعلى هذا فلا يقبل من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه إلا ما صرح فيه بالسماع. وقد تتبع الحافظ ذلك فذكر أنها أربعة أحاديث فقط أحدها موقوف9.
وقد توبع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وذلك فيما رواه النسائي10، وابن أبي شيبة11، وأحمد12، كلهم من طرقٍ عن الحارث الأعور عن
1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1219) ] .
2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/628) ] .
3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/512) ] .
4 سنن النسائي [كتاب الطلاق (6/149) ، كتاب الزينة (8/147) ] .
5 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/764) ] .
6 المسند (1/393،394،402،409،430،448،453،462،464-465) .
7 انظر: تهذيب التهذيب (6/215-216) .
8 تعريف أهل التقديس (ص91-92) .
9 المرجع السابق.
10 سنن النسائي [كتاب الزينة (8/147) ] .
11 مصنف ابن أبي شيبة (5/234) .
12 المسند (1/409،430) .
ابن مسعود رضي الله عنه به. والحارث الأعور تقدم الكلام فيه1، وأن في حديثه ضعفًا.
فعلى هذا فهو صالح للمتابعة. فتكون هذه الزيادة من هذين الطريقين وكذلك بشاهدها وهو حديث جابر رضي الله عنه تكون حسنة.
وروى هذا الحديث ابن خزيمة2، والحاكم3 كلاهما من طريق يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه به. ويحيى بن عيسى الرملي ضعفه ابن معين. وقال أحمد: ما أقرب حديثه. وقال النسائي: ليس بالقوي4.
وقد خالفه سفيان الثوري كما عند أحمد5، ووكيع عند ابن أبي شيبة6، وشعبة عند أحمد7 والنسائي8، فإنهم كلهم رووه عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث الأعور عن ابن مسعود رضي الله عنه. وهو المحفوظ من حديث الأعمش لاتفاق هؤلاء الأئمة عليه. وسوف يأتي مزيد من الحديث عن طريق الحارث الأعور هذه عند الكلام على حديث علي رضي الله عنه9 والله أعلم.
1 تقدم الكلام فيه عند الحديث رقم (45) .
2 صحيح ابن خزيمة (4/8-9) .
3 المستدرك (1/387-388) .
4 تهذيب التهذيب (11/262-263) .
5 المسند (1/409) .
6 المصنف (5/234) .
7 المسند (1/464-465) .
8 سنن النسائي [كتاب الزينة (8/147) ] .
9 رقم الحديث (137) .
136 -
(4) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء".
رواه مسلم1 واللفظ له، وأحمد2، وأبو يعلى3، كلهم من طرقٍ عن هشيم عن أبي الزبير عنه به.
ورواه البزار4، والترمذي5 - مختصراً - من طريق مجالد بن سعيد عن عامر الشعبي عن جابر بن عبد الله وعن الحارث عن علي رضي الله عنهم – به.
ولفظ البزار: عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه لعن عشرة: آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والواشمة والموشومة ومانع الصدقة والمحل والمحلل له".
وقد أعل الترمذي هذا الإسناد بمجالد بن سعيد. ومجالد قد تكلم فيه. فقد ضعفه القطان، وابن سعد، وابن معين. وقال أحمد: ليس بشيء، يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس. وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي6.
وجعله ابن حجر في هذه المرتبة أيضاً، وزاد:"وقد تغيَّر في آخر عمره"7.
1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1219) ] .
2 المسند (3/304) .
3 مسند أبي يعلى (3/377،459) .
4 مسند البزار (3/62) .
5 جامع الترمذي [كتاب النكاح (3/427-428) ] .
6 تهذيب التهذيب (10/40-41) .
7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6478
وسوف يأتي في حديث عليّ رضي الله عنه1 أن المحفوظ في حديث الشعبي هو أنه عن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه والله أعلم.
137 -
(5) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه ومانع الصدقة، وكان ينهى عن النوح".
رواه النسائي2 واللفظ له، وعبد الرزاق3، وأحمد4، والبزار5. ورواه أبو داود6 وابن ماجه7 - مختصراً - وليس فيه محل الشاهد - كلهم من طرقٍ عن الشعبي عن الحارث الأعور عنه به.
وقد رواه عن الشعبي جماعة فذكروه عن الحارث عن علي رضي الله عنه8. وقد سبق عند ذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الفصل أن الأعمش رواه عن عبد الله بن مُرَّة عن الحارث عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً بنحوه. ولعل هذا الاضطراب ناتج من الحارث الأعور فإنه ضعيف كما تقدم. ولعل المحفوظ من حديثه هو أنه عن ابن مسعود رضي الله عنه لمتابعة غيره له في الرواية عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأما حديثه عن علي رضي الله عنه فلم يتابع عليه. والله أعلم.
1 الحديث رقم (137) .
2 سنن النسائي [كتاب الزينة (8/147) ] .
3 المصنف (6/269) .
4 المسند (1/87، 158-159) .
5 مسند البزار (3/62-63) .
6 سنن أبي داود [كتاب النكاح (2/562) ] .
7 سنن ابن ماجه [كتاب النكاح (1/622) ] .
8 انظر: علل الدارقطني (3/154) . ومسند البزار (3/62-66) .
138 -
(6) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثة وسبعون باباً".
رواه ابن ماجه1 واللفظ له، والبزار2 كلاهما من طريق عمرو بن علي الفلَاّس عن ابن أبي عدي عن شعبة عن زُبيد عن إبراهيم عن مسروق عنه به.
وزاد البزار: "والشرك مثل ذلك".
وظاهر هذا الإسناد الصحة، فإن رواته كلهم ثقات، ولذا صححه البوصيري3. إلا أنه قد اختلف على زبيد، فرواه عبد الرزاق4، وعبد الرحمن بن مهدي5 كلاهما عن الثوري عن زبيد به موقوفاً من قول ابن مسعود رضي الله عنه بنحو لفظ البزار. ورواه النضر بن شميل عن شعبة عن زبيدٍ به موقوفاً أيضاً6.
ورواه أيضاً عبد الرزاق7، وابن أبي شيبة8، كلاهما من طريق الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله. ولفظ عبد الرزاق:"الربا بضعة وسبعون باباً، أهونها كمن أتى أُمَّه في الإسلام". ولفظ ابن أبي شيبة نحو لفظ البزار. وهذا الإسناد صحيح أيضاً.
1 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/764) ] .
2 مسند البزار (5/318) .
3 مصباح الزجاجة (2/198) .
4 المصنف (8/315) .
5 السنة لمحمد بن نصر (ص59) .
6 المرجع السابق.
7 مصنف عبد الرزاق (8/314-315) .
8 مصنف ابن أبي شيبة (5/235) .
ورواه عبد الرزاق1 أيضاً عن معمر عن عطاء الخراساني عن رجلٍ عن ابن مسعود قوله بنحوه. وفي إسناده مبهم.
فعلى هذا فإن المحفوظ في هذا الحديث الوقف. وأما رواية ابن أبي عدي عن شعبة والتي فيها الرفع فشاذة.
وقد روى هذا الحديث الحاكم2 بإسناده عن محمد بن غالب تمتام عن عمرو بن علي الفلاس به بلفظ ابن ماجه، وزاد:"أيسرها مثل أن ينكح الرجل أُمَّه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم". وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وقد رواه البيهقي من طريق الحاكم ثم قال: "هذا إسناد صحيح والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلا وهماً، وكأنه دخل لبعض رواته إسنادٌ في إسناد"3.
وإسناد ومتن الحاكم فيه ملاحظتان:
الأولى: وهي ما سبق من أن المحفوظ عن ابن مسعود رضي الله عنه في هذا الحديث الوقف.
الثانية: وهي التي أشار إليها البيهقي وهي نكارة المتن. فقد خالف محمد بن غالب ابن ماجه والبزار في زيادته التي زادها وهو ليس ممن يحتمل تفرده إذا خالف.
1 مصنف عبد الرزاق (8/314) .
2 المستدرك (2/37) .
3 شعب الإيمان (4/394) .
فإن محمد بن غالب هذا وثقه الدارقطني وقال: وهم في أحاديث. وقال ابن المنادي: كتب عنه الناس ثم رغب أكثرهم عنه لخصالٍ شنيعةٍ في الحديث وغيره. ووثقه ابن حبان1.
والاحتمال الذي ذكره البيهقي وهو أن يكون دخل لبعض رواته إسنادٌ في إسناد يشهد له ما ذكره الدارقطني في شأن محمد بن غالب، فإنه ذكر له نحو ما وقع له في هذا الحديث من إدخال إسناد حديثٍ في متن حديثٍ آخر2.
ويشهد لهذا أيضاً أن البيهقي3 روى بإسناده عن محمد بن غالب تمتام حديث أبي هريرة رضي الله عنه الآتي، وهو بالمتن الذي ساقه الحاكم. فهذا يؤيد أن محمد بن غالب دخل عليه متن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في إسناد حديثه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فمما سبق يتبين أن هذا المتن الذي ساقه الحاكم منكرٌ مرفوعاً. وقد سبق أن متنه ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً كما عند عبد الرزاق وغيره، والله أعلم.
وقد جاء لحديث ابن مسعود رضي الله عنه شواهد منها:
أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
رواه ابن ماجه4، والبيهقي في الشعب5، كلاهما من طريق أبي معشر عن سعيد المقبري عنه به. ولفظ ابن ماجه:"الربا سبعون حوباً، أيسرها أن ينكح الرجل أُمّه".
1 لسان الميزان (5/339-340) .
2 انظر في هذا: تاريخ بغداد (3/145) .
3 شعب الإيمان (4/394) .
4 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/764) ] .
5 شعب الإيمان (4/395) .
وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السِّندي المدني، ضعفه يحيى بن سعيد، وابن سعد، وأبو داود، والنسائي. وقال أحمد: حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد، ولكن أكتب حديثه أعتبر به. وقال ابن معين: كان أُمِّيّاً ليس بشيء. وقال أبو حاتم: صالح لين الحديث محله الصدق. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن المديني: كان ضعيفاً ضعيفاً، وكان يحدث عن محمد بن قيس، وعن محمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن نافع، وعن المقبري بأحاديث منكرة1.
وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه "ضعيف، سنَّ واختلط"2.
وحديثه هذا عن المقبري لم يتابعه عليه أحدٌ ممن يعتبر به، وهو شاهد لقول ابن المديني السابق فيه.
فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف. وممن ضعفه البوصيري3.
وقد توبع أبو معشر متابعة قاصرةً، إلا أن هذه المتابعة ضعيفة جداً، فقد رواه ابن أبي شيبة4 بإسناده عن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عنه به. فقال:"عن جده" بدلاً "عن أبيه". وعبد الله بن سعيد المقبري تركه أحمد، والفلاس، والدارقطني. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة5.
1 تهذيب التهذيب (10/420-421) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7100) .
3 مصباح الزجاجة (2/197) .
4 مصنف ابن أبي شيبة (5/234) .
5 تهذيب التهذيب (5/237-238) .
وقد جاء الحديث من وجهٍ آخر أيضاً. فقد رواه البخاري في التاريخ الكبير1، والعقيلي2، والبيهقي3 كلهم من طريق عبد الله بن زياد عن عكرمة بن عمار عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه به بنحوه مرفوعاً.
وعبد الله بن زياد منكر الحديث كما قال البخاري. إلا أنه قد تابعه النضر بن محمد - وهو ثقة4 - كما عند ابن الجارود5 والبغوي6 بإسنادٍ صحيحٍ عنه.
وتابعهما أيضاً عفيف بن سالم الموصلي - وهو صدوق7 - كما عند ابن عدي8 والبيهقي9.
وخالفهم أحمد بن إسحاق الحضرمي، فقد رواه العقيلي10 بإسناده عنه عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه موقوفاً عليه.
وأحمد بن إسحاق الحضرمي ثقة11.
1 التاريخ الكبير (5/95) .
2 الضعفاء (2/257) .
3 شعب الإيمان (4/394) .
4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7148) .
5 المنتقى (2/218-219) .
6 تفسير البغوي - معالم التنزيل - (1/344) .
7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4627) .
8 الكامل (5/275) .
9 شعب الإيمان (4/394) .
10 الضعفاء (2/258) .
11 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7)
ورواه عبد الرزاق1 موقوفاً أيضاً على عبد الله بن سلام رضي الله عنه وذلك من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: "الربا اثنان وسبعون حوباً، أصغرها حوباً كمن أتى أُمَّه في الإسلام، ودرهم من الربا أشدُّ من بضعٍ وثلاثين زنية"2.
وعطاء الخراساني وإن لم يسمع من عبد الله بن سلام رضي الله عنه3 إلا أنه يؤيد أن الحديث من قول عبد الله بن سلام رضي الله عنه من هذا الطريق، وهذا الذي رجحه الإمام البخاري4.
ولعلّ الاضطراب الواقع في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه ناشئ من اضطراب عكرمة بن عمار في حديثه عن يحيى بن أبي كثير، فإنه كان يضطرب في حديثه5.
وقد ذكر أبو حاتم أن الأوزاعي روى هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباسٍ قوله. قال أبو حاتم: هذا أشبه6. ويحيى لم يسمع أحداً من الصحابة7 فهو منقطع.
فمما سبق يتبين أن هذا الحديث ضعيف أيضاً. والله أعلم.
1 المصنف (10/461) .
2 الجملة الثانية في الحديث، وهي قوله: "ودرهم من الربا
…
" الحديث، قد وردت مرفوعة من حديث عبد الله بن حنظلة وابن عباس رضي الله عنهما.
انظر: القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد (ص 51-52) .
3 فقد توفي عبد الله بن سلام رضي الله عنه سنة ثلاثٍ وأربعين (تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم: 1/141)، وولد عطاء الخراساني سنة خمسين من الهجرة. (تهذيب التهذيب: 7/213) .
4 انظر كتاب: الوقوف على الموقوف (ص 136) .
5 انظر: تهذيب التهذيب (7/261-263) .
6 علل الحديث (1/372) .
7 انظر: جامع التحصيل (ص369) .
ثانياً: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً:
رواه الطبراني في الأوسط1 من طريق معاوية بن هشام عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه به. ولفظه: "الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أُمَّه، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه".
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا عمر بن راشد، ولا رواه عن عمر بن راشد إلا معاوية بن هشام، ولا يروى عن البراء إلا بهذا الإسناد".
وقد تابع معاوية بن هشام عبد الرزاق2، إلا أنه رواه عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن رجلٍ من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
ورواه محمد بن يوسف الفريابي عن عمر بن راشد عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء به بمثله مرفوعاً. رواه ابن أبي حاتم3، ثم نقل عن أبيه أنه قال:"هو مرسل، ولم يدرك يحيى ولا إسحاق البراء بن عازب رضي الله عنه". وعلى قول أبي حاتم يكون هذا الإسناد معضلاً.
ويظهر لي أن هذا الاضطراب في الإسناد هو من قبل عمر بن راشد، فإنه كان ضعيفاً، ولا سيما في حديثه عن يحيى بن أبي كثير. فقد قال فيه أحمد: حدث عن يحيى ابن أبي كثير بأحاديث مناكير. وقال البخاري: حديثه عن يحيى مضطرب4.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد منكر. والله أعلم.
1 المعجم الأوسط (7/158) .
2 المصنف (8/314) .
3 المراسيل (ص189) . وانظر: علل الحديث (1/381) .
4 تهذيب التهذيب (7/446) .
ثالثاً: حديث أنس رضي الله عنه:
رواه ابن الجوزي1 بإسناده عن طلحة بن زيد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عنه به. ولفظه: "الربا سبعون باباً، أهون بابٍ منه الذي يأتي أمَّه في الإسلام وهو يعرفها، وإن من أربى الربا خرق المرء عرض أخيه، وخرق عرض أخيه أن يقول فيه ما يكره من مساويه، والبهتان أن يقول فيه ما ليس فيه".
وطلحة بن زيد هو أبو مسكين القرشي. اتهمه بالوضع ابن المديني، وأحمد، وأبو داود. وقال البخاري والنسائي: منكر الحديث. وقال النسائي أيضاً: "ثنا أبو فروة - محمد بن يزيد - عن أبيه عن طلحة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير"2.
فعلى هذا فلا يعتبر بهذا الإسناد لشدة ضعفه. والله أعلم.
رابعاً: حديث عائشة رضي الله عنها:
رواه أبو نعيم3 ومن طريقه ابن الجوزي4 من طريق سوار بن مصعب عن ليث وخلف بن حوشب عن مجاهدٍ عنها به.
وسوار بن مصعب هو الهمداني أبو عبد الله الكوفي. قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد وأبو حاتم: متروك الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو داود: ليس بثقة. وقال النسائي وغيره: متروك5.
فعلى هذا فلا يعتبر بهذا الإسناد أيضاً لشدة ضعفه. والله أعلم.
1 الموضوعات (2/246) .
2 تهذيب التهذيب (5/16) .
3 الحلية (5/74) .
4 الموضوعات (2/246-247) .
5 لسان الميزان (3/128-129) .
هذه هي الشواهد التي وقفت عليها في هذا الحديث. وتبين لي أن الحديث لا يصح مرفوعاً من جهة الإسناد، وإنما صحّ موقوفاً عن ابن مسعود رضي الله عنه. والله أعلم.
وقد أعلّه ابن الجوزي أيضاً من جهة نكارة المتن، فقال:"واعلم أن مما يرد صحة هذه الأحاديث أن المعاصي إنما يعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنا يفسد الأنساب، ويصرف الميراث إلى غير مستحقيه، ويؤثر من القبائح ما لا يؤثر أكل لقمةٍ لا تتعدى ارتكاب نهيٍ. فلا وجه لصحة هذا"1.
139 -
(7) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيّات تُرى من خارج بطونهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا".
رواه ابن ماجه2 واللفظ له، وأحمد3، وأبو القاسم الأصبهاني4، كلهم من طرقٍ عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي الصلت عنه به.
وعلي بن زيد بن جدعان تقدم5 أنه ضعيف.
وأبو الصلت قال فيه الذهبي: لا يعرف6. وقال ابن حجر: مجهول7.
1 الموضوعات (2/248) .
2 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/763) ] .
3 المسند (2/353) .
4 الترغيب والترهيب (2/189) .
5 تقدم عند حديث رقم (86) .
6 ميزان الاعتدال (6/214) .
7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (8178) .
فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف، وأيضاً فإن حديث الإسراء الطويل خرجه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس رضي الله عنه وغيره. ولم يذكر فيه ما جاء في هذا الحديث.
فمما سبق يتبين أن هذا الحديث ضعيف. وممن ضعفه البوصيري1. والله أعلم.
ومما ورد في هذا الفصل أيضاً:
(8)
حديث أبي جحيفة رضي الله عنه، وقد تقدم2.
1 مصباح الزجاجة (2/197) .
2 تقدم برقم (28) .