الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن التفريق بين الأقارب في البيع
…
الفصل الثامن: ورد في النهي عن التفريق بين الأقارب في البيع
224 -
(1) عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرَّق بين الوالدة وولدها، فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة".
رواه الترمذي1، وأحمد2، والدارقطني3، والحاكم4، والبيهقي5، كلهم من طرقٍ عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عنه به.
وفي سياق أحمد عنه قصة فيها سبب تحديث أبي أيوب رضي الله عنه بهذا الحديث.
قال الترمذي: "حسنٌ غريب".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وفيما قاله الحاكم نظر؛ لأن حيي بن عبد الله المعافري ليس من رجال مسلم. وقد قال فيه أحمد: أحاديثه مناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي6.
وجعله ابن حجر في مرتبة "صدوق يهم"7.
1 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/580) ، كتاب السير (4/114) ] .
2 المسند (5/413،414) .
3 سنن الدارقطني (3/67) .
4 المستدرك (2/55) .
5 السنن الكبرى (9/126) .
6 تهذيب التهذيب (3/72) .
7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1605) .
إلا أنه لم ينفرد به. فقد تابعه عبد الرحمن بن جنادة كما عند الدارمي1.
إلا أن عبد الرحمن بن جنادة لم أقف له على ذكر في كتب الجرح والتعديل.
وقد جاء الحديث من وجهٍ آخر. فقد رواه البيهقي2 بإسناده عن بقية بن الوليد ثنا خالد بن حميد عن العلاء بن كثير عنه به بنحوه.
وفي هذا الإسناد علتان:
الأولى: أن بقية يدلس تدليس التسوية، فيشترط ذكر السماع في كل من فوقه من رجال الإسناد، ولم يقع التصريح بالسماع بين خالد بن حميد والعلاء بن كثير.
الثانية: أن العلاء بن كثير الإسكندراني لم يسمع من أبي أيوب رضي الله عنه كما قال ابن عبد الهادي3 وابن حجر4.
فمما سبق يتبين أن هذه الأسانيد وإن كان في بعضها مقال، إلا أنها بمجموعها وشواهد الحديث ترتقي إلى درجة الحسن. والله أعلم.
225 -
(2) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فرَّق بين جاريةً وولدها، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وردّ البيع.
جاء هذا الحديث من طرقٍ عن الحكم بن عتيبة، واختلف عليه على ثلاثة أوجه:
1 سنن الدارمي (2/299) .
2 السنن الكبرى (9/126) .
3 نصب الراية (4/24) .
4 التلخيص الحبير (3/16) .
الوجه الأول: عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عنه به.
رواه أبو داود1 باللفظ المذكور، والترمذي2، وابن ماجه3، والطيالسي4، وأحمد5، والدارقطني6، والحاكم7، والبيهقي8. كلهم من هذا الطريق.
وفي لفظ الترمذي وغيره: أن علياً رضي الله عنه فرَّق بين غلامين أخوين. وهو المحفوظ في حديث علي رضي الله عنه كما سيأتي.
قال الترمذي: "حديث حسنٌ غريب".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
وفيما قاله نظر؛ وذلك أن ميمون لم يخرج له البخاري في صحيحه شيئاً، ومسلم إنما خرّج له في المقدمة كما قال المزي9.
وميمون هذا قال فيه ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات10.
وجعله ابن حجر في مرتبة "صدوق كثير الإرسال"11. ويظهر لي أن درجته دون ذلك. والله أعلم.
1 سنن أبي داود [كتاب الجهاد (3/144-145) ] .
2 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/580-581) ] .
3 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/755-756) ] .
4 مسند الطيالسي (ص26) .
5 المسند (1/102) .
6 سنن الدارقطني (3/66) ، (4/136) .
7 المستدرك (2/55،125) .
8 السنن الكبرى (9/126) .
9 تهذيب الكمال (29/208) .
10 تهذيب التهذيب (10/389) .
11 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7046) .
وفي هذا الإسناد علة أخرى، وهي الانقطاع بين ميمون بن أبي شبيب وعلي رضي الله عنه، حيث قال أبو داود بعد روايته للحديث:"ميمون لم يدرك علياً رضي الله عنه، قتل بالجماجم، والجماجم سنة ثلاثٍ وثمانين".
وقال عمرو بن علي الفلاس: "ولم أخبر أن أحداً يزعم أنه سمع من الصحابة"1.
فمما سبق يتبين أن هذه الطريق ضعيفة لانقطاعها.
الوجه الثاني: الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه به.
وجاء هذا الوجه من طرق:
الطريق الأول: عن سعيد بن أبي عروبة به:
رواه أحمد2، والبزار3، والبيهقي4. كلهم من طرقٍ به. ولفظه:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أدركهما فأرجعهما ولا تبعهما إلا جميعاً".
وهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع بين سعيد بن أبي عروبة والحكم كما ذكر البزار. وممن صرّح بعدم سماعه منه أيضاً أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم5.
1 تهذيب التهذيب (10/389) .
2 المسند (1/97-98) .
3 مسند البزار (2/227) .
4 السنن الكبرى (9/127) .
5 جامع التحصيل (ص221-222) .
وقد رواه أحمد1، وإسحاق بن راهويه2، والبيهقي3. كلهم من طرقٍ عن سعيد بن أبي عروبة عن صاحبٍ له عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به. فهذا يؤيد أنه لم يسمع منه.
الطريق الثانية: عن شعبة به:
رواه الدارقطني4، والحاكم5، والبيهقي6. كلهم من طرقٍ عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن شعبة به بنحو اللفظ السابق.
قال الحاكم: "هذا حديث غريب صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وظاهر الإسناد هو كما قال الحاكم أنه صحيح على شرط الشيخين إلا أن فيه علّة خفية. وبيان ذلك أن هذا الحديث لم يروه عن شعبة غير عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، وقد اختلف عليه. فرواه إسماعيل بن أبي الحارث7، ومحمد بن الوليد الفحَّام8،
1 المسند (1/126-127) .
2 نقل إسناده الزيلعي في نصب الراية (4/26) .
3 السنن الكبرى (9/127) .
4 سنن الدارقطني (3/65-66) ، العلل (3/275) .
5 المستدرك (2/54-55،125) .
6 السنن الكبرى (9/127) .
7 عند الدارقطني في السنن والعلل.
8 عند الدارقطني في العلل.
ومحمد بن الجهم السِّمَّري1، ويحيى بن أبي طالب2. كلهم عن عبد الوهاب بن عطاء عن شعبة به.
وإسماعيل ومحمد بن الوليد كلاهما صدوق3. ومحمد بن الجهم السِّمَّري قال فيه ابن حجر: ما علمت فيه جرحاً4. وأما يحيى بن أبي طالب فوثقه الدارقطني وغيره. وخطَّ أبو داود على حديثه5.
وقد خالف هؤلاء الأربعة أربعة أيضاً، وهم أحمد بن حنبل6، ومحمد بن سوّاء7، وعبد الأعلى8، والحسن بن محمد الزعفراني9. كلهم عن عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة به.
وهؤلاء الأربعة لا شك أنهم أوثق ممن خالفهم. ولذا رجح الدارقطني رواية أحمد بن حنبل ومن معه، فقال:"هو المحفوظ"10، وقال مثل هذا عبد الحق11.
وقال البيهقي أيضاً: "هذا أشبه - يعني رواية أحمد -، وسائر أصحاب شعبة لم يذكروه عن شعبة، وسائر أصحاب سعيد
1 عند البيهقي.
2 عند الحاكم.
3 تقريب التهذيب: رقم الترجمتين (424) ، (6375) .
4 لسان الميزان (5/110) .
5 ميزان الاعتدال (6/60-61) .
6 المسند (1/126-127) .
7 عند إسحاق والبيهقي (9/127) .
8 ذكره الدارقطني في العلل، ولعله عبد الأعلى بن عبد الأعلى.
9 عند المحاملي في أماليه (ص193) ، والبزار والبيهقي.
10 العلل (3/275) .
11 الأحكام الوسطى (3/262) .
قد ذكروه عن سعيدٍ هكذا"1. وقال أيضاً: "قيل عن شعبة عن الحكم وهو وهم"2.
فمما سبق يتبين أن هذا الحديث لا يحفظ من طريق شعبة، وأنه عن سعيد بن أبي عروبة، وليس شعبة، فعاد هذا الطريق إلى الطريق السابقة.
وأما قول ابن القطان: "رواية شعبة لا عيب فيها، وهي أولى ما اعتمد في هذا الباب"3 ففيه نظر لما تقدم.
الطريق الثالثة: عن زيد بن أبي أنيسة به:
رواه ابن الجارود4 بإسناده عن سليمان بن عبيد الله الأنصاري عن عبيد الله بن عمرو عن زيدٍ به بنحو اللفظ السابق.
وسليمان بن عبيد الله الأنصاري قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: صدوق، ما رأيت إلا خيراً. وقال النسائي: ليس بالقوي5.
وجعله ابن حجر في مرتبة: "صدوق ليس بالقوي"6.
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الإسناد، فقال:"إنما هو الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم"7.
1 السنن الكبرى (9/127) .
2 معرفة السنن والآثار (13/317) .
3 نصب الراية (4/26) .
4 المنتقى - المطبوع مع تخريجه غوث المكدود - (2/162-163-164) .
5 تهذيب التهذيب (4/209-210) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2591) .
7 علل الحديث (1/386) .
الطريق الرابعة: عن محمد بن عبيد الله العرزمي به:
رواه البزار1، والطبراني في الأوسط2، كلاهما من هذا الطريق.
ومحمد بن عبيد الله العرزمي تركه ابن المبارك والقطان. وقال أحمد: ترك الناس حديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال الفلاس وغيره: متروك الحديث3. ولذا جعله ابن حجر في مرتبة "متروك"4.
فعلى هذا، فلا يعتبر بهذه الطريق.
فهذه هي الطرق التي وقفت عليها في هذا الوجه. وأصحها طريق سعيد بن أبي عروبة عن الحكم. وهو منقطع كما تقدم.
الوجه الثالث: الحكم بن عتيبة عنه به.
رواه سعيد بن منصور5، وابن أبي شيبة6. كلاهما من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم به.
وهذا الإسناد إضافة إلى كونه منقطعًا بين الحكم وعلي رضي الله عنه فهو منكر، وذلك أن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قد تفرد بهذا الوجه
1 مسند البزار (2/227) .
2 المعجم الأوسط (3/83) .
3 تهذيب التهذيب (9/323) .
4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6108) .
5 سنن سعيد بن منصور - القسم الثاني - (3/289) .
6 المصنف (5/335) .
وهو ضعيف كما تقدم1. وقد خالفه غيره من الرواة عن الحكم بن عتيبة كما تقدم في الوجهين السابقين.
فظهر مما سبق أن الحكم بن عتيبة قد اختلف عليه: فمن الرواة من يرويه عنه عن ميمون بن أبي شبيب عن علي رضي الله عنه، ومن الرواة من يرويه عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه.
وقد تقدم أن أبا حاتم يرجِّح الوجه الأول، بينما يرى الدارقطني أنه "لا يمتنع أن يكون الحكم سمع منهما جميعاً، فرواه مرةً عن هذا، ومرةً عن هذا"2.
ويظهر لي قوة ما قاله الدارقطني لقوة الاحتمال الذي ذكره.
فعلى هذا فإن الحديث بمجموع طرقه يكون حسناً. والله أعلم.
226 -
(3) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بالسبي أعطى أهل البيت جميعاً كراهية أن يفرِّق بينهم".
رواه ابن ماجه3 واللفظ له، والطيالسي4، وأحمد5، والبزار6، والشاشي7، والطبراني في الكبير8، والدارقطني9، والبيهقي10. كلهم
1 تقدم عند حديث رقم (44) .
2 العلل (3/274) .
3 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/755) ] .
4 مسند الطيالسي (ص53) .
5 المسند (1/389) .
6 مسند البزار (5/376) .
7 مسند الشاشي (1/326-327) .
8 المعجم الكبير (10/172) .
9 سنن الدارقطني (3/66) .
10 السنن الكبرى (9/128) .
من طرقٍ عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عنه به.
ولفظ الطيالسي والبزار والبيهقي: "وكره أن يُفرِّق بينهم".
قال البزار: "لا نعلم روى هذا الحديث عن القاسم إلا جابر، ورواه غير واحدٍ عن جابر". وجابر الجعفي تقدم الكلام فيه1، وأنه ضعيف.
وأيضًا فهو منقطع؛ لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه إلا أحاديث يسيرة، لم يذكر منها هذا الحديث2.
وقد جاء الحديث من وجه آخر. فقد رواه الطيالسي3، ومن طريقه البيهقي4 بإسناده عن شيبان عن جابر الجعفي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عنه به. ولم يروه بهذا الإسناد عن جابر الجعفي غير شيبان. وغيره يرويه عنه عن القاسم كما تقدم وهو المحفوظ.
ويظهر لي أن الخطأ ليس من قِبَل شيبان؛ لأنه قد روى هذا الحديث عن جابر عن القاسم به كما عند الطيالسي5 وغيره. فيكون الخطأ من جابر الجعفي. وهذا من أدلة ضعفه وعدم ضبطه. والله أعلم.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد ضعيف. والله أعلم.
227 -
(4) عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرَّق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ وبين أخيه".
1 تقدم عند الحديث رقم (215) .
2 انظر: تعريف أهل التقديس (ص91-92) .
3 مسند الطيالسي (ص37) .
4 السنن الكبرى (9/128) .
5 مسند الطيالسي (ص53) .
رواه ابن ماجه1 واللفظ له، وابن أبي شيبة2، وأبو يعلى3 - من طريقه -، والبزار4، والدارقطني5، والبيهقي6. كلهم من طرقٍ عن عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن طليق بن عمران عن أبي بردة عنه به.
قال البزار: "هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وقد رواه غير إبراهيم بن إسماعيل عن طليق بن عمران بن حصين مرسلاً".
وقد تكلّم في إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري. فقال فيه ابن معين: ضعيف، ليس بشيء. وقال البخاري وأبو حاتم: كثير الوهم. وقال أبو داود: ضعيف متروك الحديث. وقال النسائي: ضعيف7. وجعله ابن حجر في مرتبة "ضعيف"8.
وقد روى هذا الحديث الدارقطني9، والحاكم10 - ومن طريقه - البيهقي11. كلاهما من طرقٍ عن أبي بكر بن عيَّاش عن سليمان التيمي عن طليق عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به بنحوه.
1 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/756) ] .
2 المصنف (5/337) .
3 مسند أبي يعلى (13/226) .
4 مسند البزار (8/132) .
5 سنن الدارقطني (3/67) .
6 السنن الكبرى (9/128) .
7 تهذيب التهذيب (1/105-106) .
8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (148) .
9 سنن الدارقطني (3/67) .
10 المستدرك (2/55) .
11 السنن الكبرى (9/128) .
228 -
(5) عن سُليم العُذَري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّن فرَّق بين السَّبي بين الوالد والولد، قال:"من فرَّق بينهم فرق الله تعالى بينه وبين الأحبّة يوم القيامة".
رواه الدارقطني1 بإسناده عن الواقدي عن يحيى بن ميمون عن أبي سعيد البلوي عن حريث بن سليم العذري عنه به. والواقدي متروك، وكذبه بعضهم2.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد ضعيفٌ جداً. والله أعلم.
229 -
(6) عن ضميرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بأمّ ضميرة وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ أجائعةٌ أنت؟ أعاريةٌ أنت؟ قالت: يا رسول الله، فُرِّق بيني وبين ابني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يُفرَّق بين الوالدة وولدها"، ثم أرسل إلى الذي عنده فردَّها على الذي اشتراها منه، ثم ابتاعها منه".
رواه البزار3 واللفظ له - وعنده تتمة للقصة -، والبيهقي4. كلاهما من طريق ابن أبي ذئب عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده ضميرة به5.
1 سنن الدارقطني (3/68) .
2 تهذيب التهذيب (9/363-366)، تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6175) .
3 كشف الأستار (2/87-88) .
4 السنن الكبرى (9/126) .
5 ساق له الحافظ ابن حجر طرقًا أخرى إلا أنها كلها تلتقي في حسين بن عبد الله بن ضميرة. - انظر: الإصابة (2/214) .
قال البزار: "لا نعلمه إلا بهذا الإسناد".
وحسين بن عبد الله بن ضميرة تقدم1 أنه متروك متّهم.
فمما سبق يتبين أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف جداً، وقد يكون موضوعاً. ومما يشهد لضعف حسين هذا أنه قد روى الحديث أيضاً عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه بنحوه، رواه ابن عدي2.
فجعل الحديث من مسند علي رضي الله عنه. وحديث علي رضي الله عنه محفوظ من غير هذه الطريق كما تقدم ذكر حديثه3. والله أعلم.
230 -
(7) عن معقل بن يسار رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فرَّق فليس منّا".
رواه الطبراني في الكبير4 بإسناده عن أسد بن موسى عن نصر بن طريف عن سليمان التيمي حدثني طليق عن أبيه عنه به.
قال أسد: يفرق بين الولد وأمه وبين الأخوة.
ونصر بن طريف قال فيه يحيى بن معين: من المعروفين بوضع الحديث. ونسبه الفلاس إلى الكذب. وقال أحمد: لا يكتب حديثه. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال أبو حاتم والنسائي وغيرهما: متروك5.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد ضعيفٌ جداً وقد يكون موضوعاً، والله أعلم.
1 تقدم عند حديث رقم (203) .
2 الكامل (2/357-358) .
3 تقدم الحديث برقم (225) .
4 المعجم الكبير (20/228) .
5 لسان الميزان (6/153-155) .
231 -
(8) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرَّق بين الأم وولدها. فقيل: يا رسول الله، إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية".
رواه الدارقطني1، والحاكم2. كلاهما من طريق عبد الله بن عمرو بن حسَّان عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن مكحول عن نافع بن مكحول بن الربيع عن أبيه عنه به.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وفي حكم الحاكم على هذا الإسناد بالصحة وهمٌ فاحش، ولذا تعقبه الذهبي فقال:"موضوع، وابن حسان كذاب"3.
وعبد الله بن عمرو بن حسان هو الواقعي كما قال الدارقطني بعد تخريجه لهذا الحديث، وذكر الدارقطني أنه لم يروه عن سعيد التنوخي غيره. وعبد الله بن عمرو هذا قال فيه ابن المديني: كان يضع الحديث. وكذبه الدارقطني. وقال أبو زرعة: ليس بشيء، كان لا يصدق45.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد موضوع كما قال الذهبي. والله أعلم.
1 سنن الدارقطني (3/68) .
2 المستدرك (2/55) .
3 حاشية المستدرك (2/55) .
4 في الجرح والتعديل (5/119) جاءت هذه العبارة منسوبة إلى أبي حاتم.
5 لسان الميزان (3/320) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد مما تقدم النهي عن التفريق بين الأم وولدها، وأن من فعل ذلك فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، وهذا محل إجماع بين أهل العلم إذا كان الولد صغيراً1. إلا أنهم اختلفوا في الحد بين الصغر الذي لا يجوز معه التفريق وبين الكبر الذي يجوز فيه ذلك.
فعند مالك حد الصغر ما قبل الإثغار، وهو إنبات الأسنان، وفي رواية: إلى البلوغ2. وبهذا قال أبو حنيفة3، وأحمد في رواية4.
وعند الشافعي أن حد الصغر إذا لم يبلغ سبع سنين أو ثمان5.
وذهب أحمد في رواية إلا أنه لا يجوز التفريق بين الأم وولدها ولو كبر6؛ وذلك لعموم الخبر، ولأن الوالدة تتضرر بمفارقة ولدها الكبير، ولهذا حرم عليه الجهاد بدون إذنها7.
وحجة الجمهور في إباحة التفريق بين الأم وولدها الكبير حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه8 في بعث النبي صلى الله عليه وسلم سريةً قِبَلَ نجد بقيادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفيه أنه كان في السبي امرأةٌ معها ابنةٌ لها من أحسن العرب،
1 المغني (10/459) ، معالم السنن (3/144-145) .
2 المعونة (2/1071) .
3 بدائع الصنائع (5/229) .
4 الإنصاف (4/137) .
5 المجموع (9/354-355) .
6 المغني (10/460) ، الإنصاف (4/137) .
7 المغني (10/460) .
8 شرح فتح القدير (6/484) ، المغني (10/460) ، شرح الزركشي (6/504) .
وأن أبا بكر رضي الله عنه نفل هذه البنت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه فاستوهبها منه النبي صلى الله عليه وسلم فوهبها له، فبعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة وفي أيديهم أسرى ففاداهم بها1.
وأما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه والذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: إلى متى ينهى عن التفريق بيني الأم وولدها فقال: "حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية"، فقد تقدم أنه موضوع.
ويستفاد مما تقدم أيضاً النهي عن التفريق بين الأخ وأخيه سواءً أكانوا ذكوراً أم إناثاً. وبهذا قال أبو حنفية2، وأحمد3، وألحقا بهما في النهي عن التفريق كل ذي رحمٍ محرم.
إلا أن أحاديث هذا الفصل في النهي عن التفريق في البيع لم يثبت منها إلا ما ورد في النهي عن التفريق بين الأم وولدها، وبين الأخ وأخيه. ولا شك أنه إذا كان ينهى عن التفريق بين الأخ وأخيه، فمن باب أولى بين الأب وولده، فهو يتضرر بمفارقة ابنه والعكس، أكثر من ضرر مفارقة الأخ لأخيه. والله أعلم.
وما سبق في النهي عن التفريق يكون بالبيع والهبة ونحوهما. وأما العتق فلا خلاف بين أهل العلم أنه ليس داخلاً في النهي4. والله أعلم.
1 صحيح مسلم [كتاب الجهاد والسير (3/1375-1376) ] ، سنن أبي داود [كتاب الجهاد (3/146-147) ] ، سنن ابن ماجه [كتاب الجهاد (2/949) ] .
2 بدائع الصنائع (5/228) .
3 المغني (4/333) ، الإنصاف (4/137) .
4 انظر: الإنصاف (4/138) .