الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع العينة
180 -
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
جاء هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما من طرقٍ:
الطريق الأولى: نافع عنه به:
رواه أبو داود1 باللفظ المذكور، والدولابي2، وابن عدي3 - ومن طريقه البيهقي4 - وأبو نعيم الأصبهاني5، كلهم من طرقٍ عن حيوة بن شريح عن إسحاق أبي عبد الرحمن، أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعاً حدثه به.
وحيوة بن شريح هو التجيبي أبو زرعة المصري، ثقة ثبت6.
1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/740-741) ] .
2 الكنى والأسماء (2/65) .
3 الكامل (5/361) .
4 السنن الكبرى (5/316) .
5 حلية الأولياء (5/208-209) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1600) .
وأما إسحاق أبو عبد الرحمن، فهو إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الأنصاري. قال فيه أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور ولا يشتغل به. وقال ابن عدي: مجهول. وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ. وقال أبو أحمد الحاكم: مجهول1.
ولذا قال ابن حجر: "فيه ضعف"2.
وعطاء الخراساني، هو عطاء بن أبي مسلم. قال فيه ابن سعد: كان ثقة، روى عنه مالك. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال الدارقطني: ثقة في نفسه. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يخطئ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به3.
ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال: ما أعرف لمالكٍ رجلاً يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني. - قال الترمذي -: قلت: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة. قال الترمذي: وعطاء الخراساني رجل ثقة روى عنه مثل مالك ومعمر ولم نسمع أن أحداً من المتقدمين تكلم فيه بشيء".
ووثق عطاء الخراساني أيضاً الأوزاعي، وأحمد، ويعقوب بن شيبة، والطبراني. وأما الحكاية عن سعيد بن المسيب أنه كذبه فلا تثبت4.
1 تهذيب التهذيب (1/227) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (342) .
3 تهذيب التهذيب (7/213-214-215) .
4 شرح علل الترمذي (2/877) .
قال الذهبي: "صدوق مشهور"1. وهذا أولى من قول ابن حجر: "صدوق يهم كثيراً"2.
فالراجح - والله أعلم - أنه لا ينزل عن رتبة الصدوق. وقد رجّح ابن رجب أن يكون ثقة3. والله أعلم.
فمما سبق يتبين أن هذه الطريق ضعيفة لحال إسحاق بن أسيد الأنصاري، إلا أنها تصلح للاعتبار.
وقد توبع إسحاق بن أسيد متابعة قاصرة، وذلك فيما رواه العسكري في تصحيفات المحدثين4 بإسناده عن فضالة بن حصين5 عن أيوب عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ولفظه "لقد أتى علينا زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم. ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة
…
" الحديث. - ولم يسق تمام متنه -.
إلا أن هذه المتابعة لا تصلح للاعتبار، وذلك أن فضالة بن حصين وهو الضبي قال فيه البخاري وأبو حاتم: مضطرب الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن محمد بن عمرو ما لا يتابع عليه، وعن غيره ما ليس من حديثهم. وقال أبو نعيم: روى المناكير، لا شيء. وقد ذكر له الحافظ ابن حجر حديثاً اتهم بوضعه6.
فعلى هذا فإن هذه المتابعة ضعيفة جداً. والله أعلم.
1 المغني (1/614) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4600) .
3 شرح علل الترمذي (2/877) .
4 تصحيفات المحدثين (القسم الأول/191) .
5 وقع في المطبوع ((حسين)) وهو خطأ.
6 لسان الميزان (4/434-435) .
الطريق الثانية: عطاء بن أبي رباح عنه به:
رواه أحمد1، وأبو أمية الطرسوسي2، وأبو يعلى3، والطبراني في الكبير4، والبيهقي في شعب الإيمان5، وأبو نعيم الأصبهاني6. كلهم من هذا الطريق.
ولفظ أحمد: "إذا ضنّ الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعين، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاءً فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم".
ومعنى قوله "إذا ضن الناس" أي: بخل7.
قال ابن القطان عن هذا الإسناد: حديث صحيح رجاله ثقات8.
وقال ابن حجر: رجاله ثقات9.
وقال في موضع آخر: "عندي أن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان10 معلول، لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحاً؛ لأن الأعمش مدلِّس ولم يذكر سماعه من عطاء.
1 مسند أحمد (2/28) .
2 مسند عبد الله بن عمر - للطرسوسي (ص26) .
3 مسند أبي يعلى (10/29) .
4 المعجم الكبير (12/432-433) .
5 شعب الإيمان (4/13) ، (7/434) .
6 حلية الأولياء (1/313-314) ، (3/319) .
7 انظر: النهاية في غريب الحديث (3/104) .
8 نصب الراية (4/17) .
9 بلوغ المرام (172) .
10 وهو إسناد الإمام أحمد: الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر به.
وعطاء يحتمل أن يكون هو الخراساني فيكون فيه تدليس تسوية بإسقاط نافع بين عطاء وابن عمر فرجع الحديث إلى الإسناد الأول وهو المشهور"1. يعني أنه عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر - وقد سبق ذكره في الطريق السابقة -.
ولكن الجواب عما ذكره الحافظ ابن حجر أن في رواية أحمد والطبراني التصريح بأن عطاء هو ابن أبي رباح.
وأما تدليس الأعمش فقد ذكره الحافظ في المرتبة الثانية من مراتب المدلِّسين2 الذين يحتمل تدليسهم. ولم يُذكر عن الأعمش تدليس التسوية. والله أعلم.
فمما سبق يتبين أن هذه الطريق صحيحة، كما قال ابن القطان وابن حجر في أحد قوليه. والله أعلم.
وقد روى ابن عدي3 بإسناده عن بشير بن زياد عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنه هذا الحديث بنحو حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وبشير بن زياد قال فيه ابن عدي:"في حديثه بعض النكرة"، وذكر هذا الحديث عنه. وموضع النكارة منه أن الحديث إنما هو عن ابن عمر رضي الله عنهما وقد جعله من حديث جابر ولم يتابع على ذلك. فرجع الحديث إلى ابن عمر رضي الله عنهما. وأما رواية بشير بن زياد فلا تصح. والله أعلم.
1 التلخيص الحبير (3/19) .
2 تعريف أهل التقديس (ص67) .
3 الكامل (2/22) .
الطريق الثالثة: عن شهر بن حوشب عنه به:
رواه أحمد1، والخطيب البغدادي2. كلاهما من طريق أبي جناب3 يحيى بن أبي حية عن شهرٍ به.
وقد تقدم الكلام في أبي جناب4 وأنه ضعيف مدلِّس. ولم يصرح بالسماع في هذا الحديث.
وقد تقدم الكلام في شهر بن حوشب5، وأنه صدوق.
فمما تقدم يتبين أن هذه الطريق ضعيفة لحال أبي جناب الكلبي، ولكنها مع ذلك صالحة للاعتبار.
فالحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما يترجح أنه حديث صحيح. والله أعلم.
1 مسند أحمد (2/42، 84) .
2 تاريخ بغداد (4/307) .
3 وقع في المسند ((أبي حباب)) وهو خطأ.
4 عند حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رقم (150) .
5 عند حديث عبد الرحمن بن غنم عن الداري، رقم (13) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد مما تقدم النهي عن بيع العينة.
والعينة أن يبيع رجل من رجلٍ سلعةً بثمنٍ معلومٍ إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به.
وسميت العينة بذلك لاستعانة البائع بالمشتري على تحصيل مقصده من دفع قليلٍ ليأخذ عنه كثيراً، أو لحصول العين وهو النقد لبائعها1، أو لأنه يعود إلى البائع عين ماله2.
وبهذا القول - وهو النهي عن بيع العينة - قال أبو حنيفة3، ومالك4، وأحمد5.
وأما الشافعي فقال: من باع سلعةً من السلع إلى أجلٍ من الآجال وقبضها المشتري فلا بأس أن يبيعها الذي اشتراها بأقل من الثمن أو أكثر، ودين أو نقد؛ لأنها بيعة غير البيعة الأولى6.
إلا أنه تقدم أنه قد صحّ النهي عن بيع العينة، وإضافةً إلى ذلك فالعينة ذريعة إلى الربا7، وقرض دراهم بأكثر منها8، لأن غرض المتبايعين بالعينة
1 انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (5/108) .
2 سبل السلام (3/80) .
3 شرح فتح القدير (6/68) .
4 المعونة (2/1004) ، القوانين الفقهية (ص179) .
5 المغني (4/256-257) ، شرح الزركشي (3/601) .
6 الأم (3/47) .
7 المغني (4/257) .
8 المعونة (2/1004) .
ومقصودهما الأول مائة بمائة وعشرين، وإدخال تلك السلعة في الوسط تلبيس وعبث، حتى لو كانت تلك السلعة تساوي أضعاف ذلك الثمن أو تساوي أقل جزءٍ من أجزائه لم يبالوا جعلها مورداً للعقد؛ لأنهم لا غرض لهم فيها1.
لذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: "اتقوا هذه العينة، لا تبيعوا دراهم بدراهم بينهما حريرة ".
وروي عن ابن عباس وأنس رضي الله عنهما أنهما سُئلا عن بيع العينة فقالا: "إن الله لا يخدع، هذا مما حرم الله ورسوله"2.
وأما ما ذكره الشافعي من كون البيعة الثانية غير البيعة الأولى، فهذا في الظاهر، وإلا فهي في الحقيقة - كما تقدم - أنها بيعة واحدة، وإنما يجعلها المتعاقدان في عقدين من باب الاحتيال على المحرم، والاحتيال على المحرم لا يحله3.
1 تهذيب السنن (9/243) .
2 المرجع السابق (9/242) .
3 المرجع السابق.