المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الاستدلال: تقدم الكلام في الاستصحاب أول الكتاب مسألة: قول الصحابي غير حجة - الأشباه والنظائر - السبكي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي]

الفصل: ‌ ‌كتاب الاستدلال: تقدم الكلام في الاستصحاب أول الكتاب مسألة: قول الصحابي غير حجة

‌كتاب الاستدلال:

تقدم الكلام في الاستصحاب أول الكتاب

مسألة:

قول الصحابي غير حجة على القول المنصور، وقال أبو حنيفة: حجة وعليه مالك وأحمد على أصح الروايتين.

وفيه مسائل:

منها: مسألة العينة وهي السلف وصورتها: أن يشتري ما باعه بأقل مما باعه قبل نقد الثمن قال الشافعي رضي الله عنه: يصح طردًا للقياس.

وقالوا: لا يصح تمسكًا بإنكار عائشة رضي الله عنها وذلك في قضية زيد بن أرقم وقولها: إنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب رواه أحمد والدارقطني.

واعلم أن القوم لا تنتهض لهم حجة بهذا الحديث، ولم يسلم لهم الاحتجاج بقول الصحابي فإن الشافعي رضي الله عنه ذكر أنه لا يثبت مثله عن عائشة رضي الله عنها.

قلت: وفيه ما ينبه على عدم ثبوته وهو قولها: إنه أبطل جهاده ولم يقل أحد إن من يعمل بالعينة يحبط عمله فلم يقولوا بمقتضى ما رووا.

مسألة: دلالة الاقتران غير حجة خلافًا لأبي يوسف والمزني وفيه فروع

منها: قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} فمن جمع بين إيجاب الكتابة والإيتاء إثباتًا. كما هو قول مجلي عن صاحب التقريب فيما إذا طلب العبد الكتابة ونفيًا كما هو مذهب بعضهم، لم يرد عليه دلالة الاقتران.

ص: 193

ومن قال: لا تجب الكتابة ويجب الإيتاء وهو جادة مذهب الشافعي رضي الله عنه لم يبال بدلالة الاقتران وقال: لا حجة فيها.

وقال إمام الحرمين: لم أر على مذهب الشافعي رضي الله عنه مسألة أصعب مسلكًا من مسألة الإيتاء.

ومنها: قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} مشهور المذهب أنه لا يجب الإطعام ولا يجب الأكل.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: [حتيه] 1 ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء.

قال الشافعي رضي الله عنه: الماء متعين لإزالة النجاسة ولم يبال باقترانه بما ليس بواجب -وهو الحث والقرص.

مسألة:

الاستحسان قال به أبو حنيفة رضي الله عنه، واشتد النكير عليه سلفًا وخلفًا حتى قال الشافعي [رضي الله عنه] فيما نقل عنه الثقات: من استحسن فقد شرع.

وأنا لم أجد إلى الآن هذا في كلامه نصًا ولكن وجد في الأم في الإقرار والاجتهاد ما يدل على أنه يطلق على القائل به أبلغ من الاستحسان فلقد قال في هذا الباب: إن من قال بالاستحسان فقد قال قولًا عظيمًا ووضع نفسه في رأيه واجتهاده واستحسانه على غير كتاب ولا سنة موضعها في أن يتبع رأيه كما ابتغاه، وفي أن رأيه أصل ثالث أمر الناس باتباعه.

وهذا خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله تعالى إنما أمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال رضي الله عنه ما حاصله: أن المستحن لا يتمسك بخلاف القايس، وإن القايس كان لا يأمن الخطأ إلا أنه برجوعه إلى أصل من كتاب وسنة مؤد لفرضه بخلاف المستحسن. وأطال في ذلك بحق من القول.

ثم قال: فإن قال قائل: هذا ممن يعقل ما تكلم فتكلم به بعد معرفة هذا، فأرى للإمام أن يمنعه، وإن كان غبيًا علم حتى يرجع. واعلم أن القوم لما اشتد عليهم النكير في الاستحسان أخذوا في تفسيره بأمور لا خلاف فيها، وقد عرفت في كتب الأصول.

1 سقط في "ب".

ص: 194

والذي اعتقده في تفسيره أن المعنى به. ما تشتهيه نفس العالم وتميل إليه من غير تعلق بأصل موجود يجده.

وهو قريب من تفسير من فسره بأنه دليل ينقدح في نفسه المجتهد تقصر عنه عبارته.

غير أن صواب العبارة عن هذا أن يقال: مظنون لأنه لا يتحقق كونه دليلًا إلا بعد المعرفة بعينه، فهذا هو الذي اعتقد أن القائل بالاستحسان من القدماء عناه، وإياه أنكر الشافعي رضي الله عنه وألزمه أن يستحسن كل أحد بعقله وأن يستوي العالم والجاهل إلى غير ذلك من إلزامات ذكرها في الأم في مواضع عديدة.

وما تفسيره بخلاف هذا الذي أنكره الشافعي رضي الله عنه فعادتهم التفسير كما قال إمام الحرمين في باب أدب القضاء.

إن التعبير حينئذ عما قامت دلالته بالاستحسان على نهاية السخافة والعباثة؛ فإن قبول الدليل حتم ولا محيد عنه.

قال: والاستحسان يشعر بتردد وميل خفي إلى جانب.

قال: ومعظم قواعد الاستحسان استصلاح جلي أو خفي لا أصل له في الشريعة، ومعنى قول صاحب مقالة "الاستحسان مقدم على القياس" أن القياس الجاري على وفق قواعد الشريعة يؤخر عن استصلاح لا أصل له في الشريعة.

قال: وقد عبر الشافعي عن غور هذا الفصل بكلمات وجيزة إذا قال: من استحسن فئقد شرع. انتهى.

ص: 195