المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنبيه: إنما اختلفوا في تقدم الشرط مشروطه أو مقارنته أما تقدم - الأشباه والنظائر - السبكي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي]

الفصل: تنبيه: إنما اختلفوا في تقدم الشرط مشروطه أو مقارنته أما تقدم

تنبيه:

إنما اختلفوا في تقدم الشرط مشروطه أو مقارنته أما تقدم المشروط فمحال -لا يقوله عاقل- وظن التأدية إليه أحدنا فحصلت به المسألة السريحية وهي: "إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا". وقد كثرت التصانيف فيها -واشتهر إشكالها- قبل من زمن زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقيل: بل من زمن الشافعي رضي الله عنه، وقيل المزني، وقيل ابن سريج.

وأخطأ من ظنها من مولدات ابن الحداد -وإن كانت في فروعه؛ فليس كل ما في فروعه من مولداته، ومن العجيب قول ابن عبد السلام. فيما نقله القرافي في أوائل الفروق.

ص: 64

‌أصول خمسة:

الدور، والجمع بين النقيضين، وتحصيل الحاصل محال، ونفي النفي إثبات، ولازم النقيضين واقع. من نازع في شيء من هذه القواطع فهو مصاب في عقله، ولكن الحال قد يضطر الفقيه إلى تقدير غير الواقع واقعًا وعكسه.

الدور: أفرده من أصحابنا بالتصنيف، الأستاذ أبو إسحاق وأبو علي الزجاجي، وافتتح كتابه بقوله تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} 1 قال: والآية أصل دفع الدور. وللأصحاب أعماله في قطعة يرجع حاصلها إلى قطعه من أوله، كمن زوج عبده بحرة بصداق ضمنه في ذمته، ثم باعه منها بذلك الصداق قبل الدخول، فلا يصح البيع.

ومن وسطه: كمن زوج أمته بعبد في مرض موته وقبض صداقها ثم أعتقها والصداق باق في ملكه، وهو ثلث ماله، عتقت ولا تنجيز.

ومن آخره: كمن أعتق أمته في مرض موته -وهي ثلث ماله. ونكاحها، لم يكن لها طلب المهر، ولا ميراث لها سواء أخرجت من الثلث أم لم تخرج؛ لأن عتقها حينئذ وصية، والإرث والوصية لا يجتمعان.

أصل: الصحيح - عند أئمتنا وعليه أكثر المسلمين وجمهور المتكلمين- أن المشار إليه بإنسان الهيكل المخصوص، ونعني به: هذا البدن المتقوم بالروح.

1 النحل "92".

ص: 64

وعبارة الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه في كتاب "الإيجاز" الإنسان هو هذه الجملة المصورة ذات الأبعاض والصور، وحكى عليه إجماع المسلمين وأهل اللغة.

كذا في "شرح الإيجاز" للقاضي أبي بكر، وعزاه الأستاذ أبو منصور البغدادي، في كتاب معيار الجدل -إلى أهل الحق وبدع من خالفه.

قال: وهؤلاء إذا سئلوا عن تعريف الإنسان قالوا: هو الجسد المخصوص بهذه الصورة المخصوصة فإن سئلوا عن جبريل عليه السلام -حين جاء في صورة دحية الكلبي- أجابوا بأن الظاهر منه كان على صورة ظاهر الإنسان، ولم يكن باطنة حينئذ كباطن الإنسان -فلم يكن إنسانًا.

قلت: ويمكن الجواب بأن نقول لم نعن بالإنسان -البدن بمجرده- بل البدن المقوم بهذه الروح البشرية، وبهذا خرج جبريل في صورة دحية الكلبي؛ فإن الصورة لدحية، ومقومها جبريل [حالة] 1 تشكله بها، وهذا شيء يقع، ولم أجد في كلام الأئمة ما يؤيده، بل كلهم لا يزيدون على أن الإنسان "الهيكل فقط" ويحكون القول -بأنه مجموع الهيكل مع الروح، عن حسين النجار وهشام بن الحكم- وأنهما قالا: ليس أحدهما إذا [انفرد] 2 عن صاحبه بإنسان.

كذا في شرح الإيجاز وغيره من كتب قدماء أصحابنا وهذا ظاهره أن أصحابنا لا يجعلون للروح مدخلًا في مسمى الإنسان البتة لا تفاقهم على رد هذه المقالة.

وذهب أبو حامد الغزالي إلى تضعيف القول بأن المشار إليه [بإنسان] 3 الهيكل المخصوص، وتبعه الإمام فخر الدين ومتابعوه، ثم اختلفت آراؤهم -بما لا غرض لنا في شرحه، مع اتفاقهم على أن المشار إليه "الإنسانية المقولة لهذا الهيكل، وحلولها في الهيكل كحلول الهيكل في الدار، لا يوجب دخوله في مسماها.

وهذا المذهب معزو إلى الحنفية، ولهذا أكثر أئمتنا في التغليظ على من قال به.

واعلم أن هذا ليس هو مسألة الروح، وإن ظن كثير من الناس ذلك، ولنا في تحقيق ذلك شرح لسنا له الآن،

وقد اختلف الفقهاء في مسائل تخرج على هذا الأصل.

1 في "ب" حين.

2 في "ب" أراد.

3 سقط في "ب".

ص: 65

منها: قال علماؤنا -بناء على أصل أئمتهم: الحل في النكاح يتناول هذا الهيكل بأجزائه المتصلة اتصال خلقه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى:{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أضاف النكاح إلى ذواتهن والمعنى بالذات جميع الأعضاء الموجودة لدى العقد.

فإن قلت: قدمتم أن الحل والحرمة ليسا من صفات الأعيان.

قلت: المعنى ذلك أن المحل ليس صفة قائمة بها؛ وإنما المراد به الانتفاع، والمعنى هنا أن الانتفاع مضاف إلى البدن لا إلى مقومه.

وقالت الحنفية على أصولهم: مورد الحل في النكاح، إنسانية المرأة دون الأجزاء والأعضاء واحتجوا بأن الأجزاء الموجودة عند العقد تتحلل وتتجدد، قالوا: ومن البعيد أن يقال: ورد النكاح على شعورها، ثم كل شعره نبتت بعد النكاح يتعلق بها نكاح جديد حتى يتجدد كل يوم منكوحة لم تكن حالة العقد، وهذا من منزهات الكلم، ولو اعتبرنا في قضايا الشرع هذه الحالات، لقلنا: كل يوم يتجدد نكاح جديد- وإن كان المعقود عليه الإنسانية، لأن النكاح عرض وهو لا يبقى زمانين.

فإن قلت: سيأتي في مسائل الفقه، أن أبا حنيفة رضي الله عنه -يرى أن المعقود عليه في النكاح- البضع فما باله لا يضيف الحل إليه، بل إلى الإنسانية؟

قلت: المعنى هناك أن الموضع موضع البدل العوض مع عدم قطع النظر عن الإنسانية، والمعنى هنا أن الإنسانية مورد الحل، وإن ورد العقد على جسم متقوم بها، ومنها: للزوج غسل زوجته إذا ماتت، لأنه عقد على بدنها، وبدنها باق فيمكن من غسله.

وقالت الحنفية: ليس له ذلك؛ لأن مورد العقد المعنى الزائل بالموت المفارق للبدن، وإذا تجرد البدن عن مورد العقد فلا يعطي حكمه إذا كان مورده قائمًا به وحالًا فيه.

ووافقوا على أن لها غسله إذا مات -مع قولهم أن الزوج غير معقود عليه البتة، فما أكثر مناقضتهم لأصولهم.

ومنها: إضافة الطلاق إلى جزء من المرأة صحيح من حيث إنه محل الطلاق كما أنه محل النكاح، ثم الأصح أنه يقع عليه ويسري إلى سائر البدن -لا أنه من باب التعبير بالبعض عن الكل.

ص: 66

وقالت الحنفية: فيما نقل عنهم بعض الخلافيين، لا يصح إضافة الطلاق إلى جزء المرأة لأنا لمعقود عليه إنسانيتها، والخلاف جار في العتق.

ومنها: أن مستحق القصاص في النفس إذا قطع اليد وعفا عن النفس، لم يلزمه أرش اليد سواء أوقف القطع أم سرى؛ لأنه استحق جملة البدن فصارت الأطراف مهدرة بالنسبة إليه.

ولا يقال على هذا فامنحوا له قطع أطرافه لأن القصاص لما كان مقابلة لم يجز له أن يفعل إلا ما فعل به، أو أن يزهق الروح بطريق سهل، وليس له التعذيب من غير سبب.

وقال أبو حنيفة: "مورد استحقاق القصاص الروح لا الهيكل المخصوص"؛ غير أنه يقع في بعض البدن توصلًا إلى إزهاقها؛ إذ لا يمكن إزهاقها إلا كذلك، فإن وقف هذا الجرح ضمن، لأنه لما عفا كان ظالمًا بقطع اليد، وإن سرى -لأنه تبين أن العفو وقع بعد الاستيفاء- فلا أثر له.

ومنها إذا قال: إن رأيت زيدًا فأنت طالق، فرأته حيًا أو ميتًا طلقت لأن موته لم يخرجه عن كونه زيدًا لأنه هذا الهيكل.

ومنها: لو قال روحك طالق، طلقت على المذهب، وحكى أبو الفرج الزاز، فيه خلافًا مبنيًا على أن الروح جسم أو عرض.

ومنها: إذا وجد بعض الميت صلى عليه، وهل ينوي الصلاة على جملة الميت أو على ما وجد منه؟ فيه وجهان حكاهما الماوردي والأول هو المجزوم به في الروضة، والثاني: قضية كلام أبي الطيب وجوز الجيلي -شارح التنبيه- بناء الخلاف على أصل آخر حكى فيه [خلافًا] 1 بين المتكلمين، وهو أن العضو البائن هل يحشر معه ويدخل الجنة إن كان من أهلها.

تنبيه: قد يقول قائل: كلام أصحابنا في الفقه يدل على ما ذهب إليه الغزالي والحنفية من أن الإنسان المعنى القائم بهذا البدن، ولا مدخل للبدن في مسماه؛ لأنهم ذكروا أن نقصان اليد ونحوها نقصان وصف لا جزء كما ذكروه في حكم البيع قبل

1 في "ب" حكى هو فيه اختلافًا.

ص: 67

القبض، صرح بذلك الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج" أعني بأنه ليس نقصان جزء، وكل الأصحاب مصرحون بأنه نقصان وصف.

فالجواب: أن المعنى بالوصف في كلامهم ما لا يتقسط الثمن عليهن لا ما نحن فيه.

على أني لم أجد في كلام الرافعي التصريح بأن نقصان اليد ليس نقصان جزء، بل ظاهر كلامهم أنه نقصان جزء ذلك الجزء وصف، لأنه قسم الجزء إلى وصف، وهو ما لا يفرد بالقيمة، والمالية كيد العبد. قال: وهو في معنى أن لا تباع الأوصاف، وإلى ما يفرد كأحد العبدين وأحد الصاعين

أصل:

لازم النقيضين واقع لا محالة، وهذا أمر عقلي لا يقبل المكابرة؛ غير أن الحال قد يضطر الفقيه إلى الإعراض عن هذا الواقع، فيجعله كأنه غير واقع، لما يترتب على الحكم بوقوعه من الخلل.

ونحن نذكر فروعًا من هذا النوع يتهذب بها النظر.

فنقول: إذا قال أحد الشريكين في عبد: إن لم تدخل الدار غدًا فنصيبي حر، ومضى الغد ولم يعلم حالة واتفق الشريكان على الجهل به، فيعتق النصف بتقدير واقع على التقديرين، وكذلك عتق الكل إن كانا موسرين، وقلنا السراية لا تتوقف على أداء القيمة.

وهذه مسألة كبيرة، ومع ذلك ليست في شرح الرافعي؛ وإنما الذي في الرافعي في مسألة الغراب ما قد يقالك إنه نظيرها، وليس بنظير، والمنقول في مسألتنا هذه فيما إذا كانا موسرين عن أبي العباس ابن سريج أن العبد يعتق والولاء موقوف ولا قيمة في الحال.

وعن أبي علي الثقفي أنه يعتق على الذي علق العتق بالعدم، وله الولاء، ويغرم الثاني من نصيبه؛ لأن الأصل عدم الدخول.

وإن كانا معسرين فثلاثة أقوال:

أحدها: يعتق نصيب من علق بالعدم.

والثاني: يعتق نصيب العبد على الشيوع؛ لأنه معلوم يقينًا، والنصف الثاني يبقى

ص: 68

بينهما على الرق، وهو يشبه قول القسمة في تعارض البيتين.

الثالث: لا يعتق نصيب واحد منهما بناء على الأصل، كما لو طار طائر فقال أحدهما إن كان غرابًا فنصيبي حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابًا فنصيبي حر- وهما معسران فلا يحكم بعتق نصيب واحد منهما كما جزم به الرافعي ومن بعده.

قلت: وما أحسب قوله: لا يحكم بالعتق، ولم يقل لا يعتق لأن العتق واقع لا محالة إذ هو لازم النقيضين، وبذلك صرح الإمام في النهاية؛ فقال: لا يحكم بالعتق في ظاهر الحكم، ولكن يعلم باطنًا أنه قد عتق نصيب أحدهما انتهى.

وفائدته: فيما لو اجتمعا في ملك أحدهما بعد ذلك كما صرح به الأصحاب.

ومن عين العتق في نصيب المعلق بالعدم أو قال يعتق نصف نصيب كل منهما فقد قرر المحال؛ ولكن القائل بقسمة المعتق عليهما فقد وقع في محال آخر، فإنه أعتق من لم يعتق قطعًا. ودعواه أنه يشبه القول بالقسمة، في تعارض البيتين، ممنوعة فإن القسمة هناك قد توافق الحكم في نفس الأمر، وهنا لا يمكن؛ إذ نحن على قطع بأن نصيب أحدهما غير مشمول بالعتق، وليس فرضنا الآن في ذلك؛ وإنما الكلام على القول بأنه لا يحكم بنصيب واحد منهما، فإنه قد يتخيل أن هذا مناقض للقاعدة الكلامية في أن لازم النقيضين واجب الوقوع، فنقول: هو واقع باطنًا غير أن الضرورة الجأت إلى الحكم بعدم وقوعه ما دام الشك قائمًا، ألا ترى أنه إذا زال واجتمعا في مسلك واحد يحكم عليه بعتق النصف.

إذا عرفت هذا فالكلام بعده في فائدته حسنة، وهي: أن هذه المسألة التي حكينا فيها التفصيل والخلاف هل هي مسألة ما إذا قال أحدا لشريكين إن كان هذا الطائر غرابًا فنصيبي حر، وقال الآخر، إن لم يكن غرابًا فنصيبي حر، أو غيرها.

فإن لم تكن هي، فتلك في شرح الرافعي في باب العتق وفي كتاب الطلاق، وحاصل ما ذكره فيها من المعسرين أنه لا يحكم بعتق نصيب واحد منهما؛ فلو اشترى نصيب صاحبه حكم بعتق النصفين، لأنه جمعهما مسلك واحد، ولو باعا النصفين من ثالث فكذلك، ولا رجوع له على واحد منهما، لأن كلا منهما يزعم أن نصيبه مملوك.

وحكى الشيخ أبو علي أن بعض الأصحاب [قالوا] 1 إن أقدم على الشراء عالمًا

1 في "ب" قال.

ص: 69

بالتعليقين فلا رجوع له، وإلا فله الرد بالعيب كما لو اشترى عبدًا ثم بان أن نصفه حر، وعلى هذا فيرد العبد كله.

وأطال الرافعي في تفريع هذا، وقال في الموسرين: إن قلنا بتعجيل السراية عتق العبد، لتحقيق حنث أحدهما، والسراية عليه، والولاء موقوف، وإن قلنا: بتوقف السراية على أداء القيمة لم يحكم بعتق شيء منه والحكم كما في المعسرين. انتهى ملخصًا.

وعلى تقدير كونها هي بكون الرافعي قد فاته فيها ما حكيناه من الخلاف، وإن تكن غيرها فتكون قد فاتت الرافعي بالكلية.

والجواب: أن من الأصحاب من زعم أنها هي كما ذكر القاضي ٍأبو سعد الهروي في الإشراف ومنهم من فرق بينهما، وهو الصواب.

ووجه الفرق أن احتمال كون الطائر غرابًا وكونه طائرًا آخر غير غراب سواء ليس لأحدهما على الآخر رجحان؛ فلا يصح التمسك فيه بالأصل، إذ ما من نوع من الطائر إلا ويقال فيه. الأصل أنه ليس هذا، فيكون استعمال الأصل في هذا الأصل منعكسًا في نفسه؛ لأنك إن قلت: الأصل أنه غير غراب؛ فكذلك الأصل أنه غير حمام وأنه غير باز وأنه غير هدهد، وهكذا إلى أن ينتهي عدد كل طائر، وكل شيء انعكس بنفسه لم يصح التمسك به.

فوضح أنه لا اعتماد على الأصل في مسألة الغراب، بخلاف عدم دخول الدار، فإن التمسك فيها بالأصل مستقيم، ومن ثم عينه بعض الأصحاب، وذهب إلى إلغاء العتق عليه حذرًَا من نفي النقيضين أو إثباتهما.

ووضح بهذا أن مسألة الدخول ليست في الرافعي؛ بل لم أقف عليها في شيء من تصنيف الرافعي والنووي، وابن الرفعة في المطلب، لم يذكر مسألة الدخول ولا مسألة الغراب هذه. ومن فوائد هذا الرفع أن الإمام لما حكى الوجه الذي حكاه الشيخ أبو علي -أنه يرد بالعيب- قال:

هذا هو بين لا ينبغي أن يعد مثله من المذهب؛ لأنه لو جوزنا له الرد لعاد كل واحد من الشريكين إلى نصيبه وزال العتق المحكوم به.

قلت: وقد يستضعف عدم الرد ويقال: كيف يلزم بتوفير الثمن على ما لم يسلم بسبب سابق موجود في يد البائع.

ص: 70

وعند هذا أقول: الحكم بالعتق إذا اشتراه ثالث يحتمل أن يقال: إنه مستند إلى الزمان السابق، لكونه كان الواقع [فيه] 1 باطنًا؛ غير أن معرفة [من يعتق2 عليه] أوجبت أن لا يحكم به، وهذا يشبه القول بأن الوقوع فيما إذا قال: إحداكما طالق [عند التعيين من حين قوله، إحداكما طالق] 3 لا من حين التعيين، وعلى هذا قالوا: لا موقوف بين الشريكين، لتردد العتق بينهما، وعلى هذا يتجه القول بالرد؛ لأنه تبين وجود الحرية في يد البائعين، وإن كان الشراء سببًا للحكم بها، فالشراء وقع منه بعد إيجابهما، ويحتمل أن يقال: إنه يستند إلى زمان المشتري، ويكون العتق عليه والولاء له كما قيل في الطلاق المبهم، إنه من حين التعيين، وهذا يؤيده أنه لو كان مستندًا إلى الزمان السابق لعاد الإشكال الذي بسببه لم يحكم بالعتق فيما مضى؛ فإنه يؤدي كما عرفت إلى وقت الولاء وغيره ويضعفه أنه لا مقتضى للعتق الآن فإنه لم يصدر من المشرتي ما يوجبه وإنما صدر من البائعين، فإن وقع عتق فليستند إلى سببه.

وبالجملة إذا استند إلى زمان المشتري اتجه أن لا يرد بالعيب لأنه المعتق -في ظاهر الحكم- بهذا الشراء، وقد عادت إليه فائدة الولاء.

فإن قلت: هل هذا كما إذا ارتد العبد في يد البائع وقتل عند المشتري فيتخرج على الخلاف فيه.

قلت: الردة سبب وجد عند البائع مقتضية للقتل وإن لم يصدر بيع، بخلاف ما نحن فيه؛ فإنه لو لم يصدر بيع لم يحكم بالعتق. فالقول بالرد في الردة أوضح من هذا.

فرع:

قال شيخ الإسلام أبو الفتح بن دقيق العيد في كتاب "اقتناص السوانح"، ذكر بعضهم أن المسألة السريجية إذا عكست انجلت، وطريقه أن يقول:"متى طلقت فلم يقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثًا"؛ فإنه حينئذ متى طلقها وجب أن يقع الثلاث القبلية؛ لأن الطلاق القبلي ثابت -حينئذ على النقيضين وقوع المنجز وعدم وقوعه، وما ثبت على النقيضين فهو ثابت في الواقع قطعًا؛ لأن أحدهما واقع قطعًا، فالمعلق به واقع قطعًا، وهذه مقدمة ضرورية عقلية لا تقبل المنع بوجه من الوجوه، أصل المسألة في الوكالة "انتهى".

وكتبت أنا -هذا في وقت في ورقة- وتركت بعض الأسطر بياضًا كثيرًا، وألقيت

1 في "ب" به.

2 في "ب" عين من يعتق.

3 سقط في "ب".

ص: 71

الورقة على فراش الشيخ الإمام -تغمده الله برحمته ورضوانه- ثم عدت ثاني يوم فوجدته قد كتب بخطه عقيب خطي ما نصه. ومنه نقلته "وهذا فيه نظر" وإنما يلزم وقوع الطلاق المعلق، بالنقيضين المذكورين. لو قال: إن طلقتك فوقع عليك طلاقي أو لم يقع فأنت طالق قبله ثلاثًا ثم يقول لها: أنت طالق؛ فحينئذ يحكم بأنها طلقت قبل ذلك التطليق عملًا بالشرط الثاني، وهو عدم الوقوع، لأن الطلاق المعلق مشروط بأحد أمرين: إما الوقوع، وإما عدمه في زمن واحد مستند إلى زمن واحد قبلي- ولا يمكن الحكم بالوقوع القبلي استنادًا إلى الشرط الأول، وهو الوقوع، للزم الدور.

وأما الوقوع في ذلك الزمان القبلي مستندًا إلى عدم الوقوع؛ فلا محال فيه؛ إذ لا يمكن أن يقال: لو وقع فيه لوقع قبله، لأن إنما يحمل القبيلة على القبلية المتسعة، التي أولها عقب التعليق، أو على القبلية التي تستعقب الطلاق؟

فإن كان الأول: لم يمكن وقوع الطلاق قبله؛ لأنه يكون سابقًا على التعليق، وحكم التعليق لا يسبقه وهذه فائدة فرضنا التعليق على التطليق ونفيه بكلمة واحدة.

وإن كان الثاني: لم يكن أيضًا القول بالوقوع قبله استنادًا إلى الشرط الأول؛ لأنه كما تتقيد القبلية القريبة بالنسبة إلى الشرط الثاني كذلك تتقيد بالنسبة إلى الشرط الأول، فلا يكون على تقدم الوقوع، على ذلك الزمان دليل، ولا له موجب، هذا كله إذا كان التعليق بالنقيضين، وأن ما تعلق بالنقيضين واقع كما توهمه القائل؛ بل لأن التعليق بالعدم وأنه لا مانع منه ولا استحالة فيه حتى لو انفرد التعليق بالعدم كان كذلك فلا أثر للتعليق معه على الموجود، وإن وقع في فرض المسألة، فافهم ذلك "انتهى".

وذكر بعده كلامًا طويلًا إلا أنه لم يتمه، فتركت كتابته، واقتصرت على هذا لحصول الغرض منه، وكتبته في الطبقات الوسطى في ترجمة ابن دقيق العيد.

والشيخ الإمام وقف على هذه الطبقات، وعلى ترجمة ابن دقيق العيد نفسها، وقرأ ما كتبته من خطه هنا، وسكت عليه، ثم رأيته بعد موته رحمه الله ذكر المسألة في باب الوكالة من "شرح المنهاج"، وقال هو جعله لازمًا للنقيضين وليس كل ما جعله لازمًا [للنقيضين] 1 يصير لازمًا؛ لأن المانع من وقوعه يمنع اللزوم.

1 سقط في "ب".

ص: 72

وإذا صححنا الدور فهو مانع من وقوع الطلاق معلقًا ومنجزًا؛ لأنه يؤدي إثباته إلى نفيه. ثم اندفع في نحو ما ذكره، هنا- من الفرق بين اتحاد الزمان وتعدده وتراخي أحد التعليقين عن الآخر، واتساع القبيلة.

وذكرها أيضًا -في كتاب النكاح ونسبها إلى ابن دقيق العيد نفسه، ولم يزد في تعقبه على أن قال:"وفيما قاله نظر لأنا نمنع صحة التعليق الثاني إذا صححنا الأول؛ وإنما يكون الطلاق لازمًا للنقيضين إذا علقه على كل منهما بكلمة واحدة "انتهى".

وحاصله: أن ما قاله الشيخ تقي الدين لا يندفع به الدور؛ لأنه لو وقع الطلاق بما أخذ به من التعليق لزم وقوع الثلاث قبله بالتعليق الأول، ومتى وقعت لم يقع بالثاني شيء، فالدور باق بحاله، بخلاف ما لو جمع بكلمة واحدة فقال: إن طلقتك فوقع عليك طلاقي أو لم يقع؛ فأنت طالق فإنه يقع، ولا يمكن أن يقال فيه: إنه لو وقع لوقع قبله". لما قرره، ثم قال: إن الحكم بالوقوع فيما فرضه هو، ليس لكون الطلاق معلقًا بالنقيضين؛ بل لأجل التعليق بالعدم، حتى لو تجرد التعليق بالعدم فقال: إن طلقتك فلم يقع فأنت طالق ثلاثًا وقع الثلاث.

هذا وجه كلامه ذكرته لتعقده على بعض الناس وليس بعده في النفاسة شيء.

وقد وقفت على كلام لبعض الناس حسبته هو الأمر المستسهل عند الشيخ الإمام، وما وراءه لا يستحق أن يذكر؛ فلم أحب أن أذكره، ففي كلام الوالد كفاية، ثم قلت: لا بأس بذكره ليستفاد. قال الشيخ [الإمام] 1 برهان الدين بن الفركاح -في الجواب عما ذكره ابن دقيق العيد بعد الاعتراف بأنه دار بين الفقهاء ولم يذكر فيه شيء مفيد، لا نسلم أن التعليق الأول مقتضاه وقوع القبلي، وكيف يكون ذلك مقتضاه وهو مستحيل؛ فإنه لو وقع القبلي لم يقع المنجز، وحينئذ يكون قد وقع المعلق بدون وجود المعلق عليه، فوقوع المنجز يستلزم عدم وقوع القبلي لا وقوعه.

فإن قلت: لفظ التعليق اقتضى ما ذكرناه من استدعاء [وقوع المنجز لعدم] 2 وقوع القبلي.

قلت لا وذلك لأن "هذا" العكس إنما هو كلام تقدير تصحيح الدور، ومتى قلنا

1 سقط في "ب".

2 سقط في "ب".

ص: 73

بصحته فمعناه أن لو وقع هذا المنجز للزم منه المحال وما لزم منه المحال محال.

فحينئذ التعليق الأول -على تقدير تصحيح الدور- يلزم منه امتناع وقوع المنجز والمعلق جميعًا، لا أنه يستلزم وقوع القبلي على تقدير وقوع المنجز.

وأما التعليق الثاني: فمقتضاه وقوع القبلي على تقدير وقوع المنجز، وهذا ليس بمستحيل بمجرده ولكن وقوع القبلي على تقدير عدم وقوع مستحيل للدور الصحيح المتقدم؛ فإن الكلام إنما هو على تقدير تصحيح الدور المتقدم، وحينئذ يستحيل وقوع القبلي على تقدير عدم وقوع المنجز لأنه لو وقع قبله الثلاث، ولو وقع الثلاث لم يقع.

فرع: قال: أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم فعند ابن سريج [أنه] 1 لا يقع الطلاق؛ لأنه إنما يتحقق ما جعله شرطًا للطلاق بمضي اليوم، وإذا مضى اليوم لم يبق وقت الوقوع؛ فلا يقع وقال الشيخ أبو حامد: يقع في آخر لحظة من اليوم، لأن الشرط عدم التطليق في اليوم، والتطليق لفظ يقع في زمان يحتمله، فإذا لم يبق من الزمان ما يتسع للتطليق فقد تحقق الشرط حينئذ فيقع الطلاق، والوقوع حكم الشرع ولا يستدعي زمانًا يستدعيه التطليق، [والشرط والجزاء] 2 لا يتصور اجتماعهما.

قلت: لفظ اليوم اسم زمان ممتد من الفجر إلى الغروب، وهو صادق على كل جزء من أجزاءه؛ ففي الإثبات إذا قال: أنت طالق اليوم، ولنفرض ذلك فيمن قال: أنت طالق اليوم، كذا يقع في أول جزء منه.

وفي النفي إذا قال: إن لم أطلقك يوم كذا لا يصدق -لكونه نكرة في سياق النفي، حتى تغرب شمس ذات اليوم، فلما جعل عدم الطلاق في ذلك اليوم موقعًا للطلاق فيه آل ذلك إلى التناقض؛ فإما أن يقال: هذا منه3

متدافع فلا يقع شيء [وهو] 4 رأي ابن سريج أو يقال أمكن أن يحمل قوله قوله إن لم أطلقك على العموم الذي لا يتم إلا بتمام اليوم وقوله فأنت طالق على الوقوع في جزء منه لكون اطلاق، في الإثبات -يصدق بجزء منه كما قلنا، بخلافه في النفي، فالمعلق الطلاق في جزء من أجزاء هذا اليوم إذا انقرض جميع اليوم بغير طلاق [وانقراض جميع اليوم

1 سقط في "ب".

2 في "ب" تقديم وتأخير.

3 سقط في "ب".

4 في "ب" وهذا.

ص: 74

بغير طلاق] 1 يوجب أن لا يقع طلاق، وعدم وقوع الطلاق يوجب أن يقع لوجود الصفة.

فجمع بينهما الشيخ أبو حامد وما فعله نظير ما يقال في تارك الصلاة أنه يقتل إذا خرج وقتها عن صلاحية الأداء، وقيل: دخوله في القضاء؛ لأنه في ذلك الوقت محقق أنه أخرجها عن وقتها، "إذا" لم يبق منه ما يسعها أداء كما لم يبق من هذا اليوم ما يسعها تطليقًا، فوسعها طلاقًا، فأمكن أن يحمل قوله: "إن لم أطلقك في هذا الزمان فأنت طالق فيه، ويعني بزمان الطلاق غير زمن عدمه، فلا تناقض، ويتجه الوقوع كما قال الشيخ أبو حامد.

إلا أني أقول [لكن] 2 أن يقال: يقع بعد مضي لحظة من أول اليوم فإن اللحظة الأولى صدق فيه أنه لم يطلقها اليوم.

فإن قلت: عدم الطلاق اليوم يستدعي جميعه.

قلت: لا نسلم، ألا ترى أنه لو علق الطلاق على اليوم لاكتفى بأوله.

فإن قلت: ذلك لأنه إذا وقع في أوله كان واقعًا في جميعه.

قلت: لعل الضرورة تلجئ -هنا إلى حمل اليوم على بعضه خشية على الكلام من التهافت؛ فلا يكون وقوع الطلاق، في هذا الفرع، لازم النقيضين.

ولو قال: إن تركت طلاقك [فأنت طالق] 3 ومضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق -طلقت.

ومثله: لو قال: إن سكت عن طلاقك ذكرهما الرافعي ولا إشكال فيهما -وإن تخيل أن كيف يقع الطلاق مع تركه والسكوت عنه.

فالجواب: أن زمن السكوت والترك لا طلاق فيه؛ وإنما هو صفة لطلاق يقع عقيبه فهو كما لو قال [إن] 4 لم أطلقك فأنت طالق، ومضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق "فإنا تطلق" ويكون زمان الطلاق عقب زمان عدمه.

1 سقط في "ب".

2 في "ب" يمكن.

3 سقط في "ب".

4 في "ب" إذا.

ص: 75

فإن قلت: أي فرق بين هذه الصور الثلاث.

قلت: يظهر لي أن المعلق عليه -في إن لم أطلقك- عدم الطلاق، وفي -إن سكت أخص منه وهو استحضار الطلاق، مسكوتًا عنه فكأنه أحضره في ذهنه وأعرض عنه.

وفي -إن تركت- أخص من السكوت، وهو استحضاره ثم فعل الكف عنه كذا يتبادر إلى فهمي.

ولك أن تقول: المعلق عليه، في إذا لم أطلقك وصف عدمي، وفي إن تركت وإن سكت، وصف وجودي، ويوضحه أنه إذا مضت لحظة وهو تارك أو ساكت تطلق، وإن كان قد علق بصيغة "إن".

وجاء هذا من كون الوصف وجوديًا مطلقًا، يصدق بصوره، بدليل أنه لو قال، "إن لم أطلقك" امتد مدة العمر؛ فلو قال: تركت أو سكت -وصفًا عديمًا لكان "إن لم أطلقك" وإن تركت طلاقك سواء؛ فلما افترقا حكمًا دل على الفرق معنى.

وكذلك في "إذا لم أطلقك"[تقول] 1 إن الفور مستفاد من صيغة إذا، وإذا ظهر هذا الفرق فأقول: ومما يوضح لك الفرق بين "إذا لم أطلقك وإن تكرت طلاقك" أنه لو يكن تركت، ينبغي أن يقع في الأول إذا لم يطلق. كما قالوه [فلا] 2 نظر.

وأما في السكوت والترك فينبغي أن [يتوجه] 3 منه في زمن عدم التطليق ما ذكرناه من الإعراض عن الطلاق وفعل الكف عنه لتوجد الصفة. وكأنهم إنما لم يذكروا ذلك لأنه لما نصب [تسبب] الطلاق لم يسمع منه إرادة دفعه المخالفة للظاهر لأن الظاهر أنه لو أعرض أو كف تطلق لأن الإعراض عن الطلاق قد صار سببًا للطلاق.

ولكن في هذا نظر؛ لأن الطلاق إذا كان واقعًا على التقديرين فلا فائدة في الطلاق عند الإعراض وإنما يظهر هذا لو قال: إن تركت أو سكت عن طلاقك فأنت طالق ثلاثًا أو ثنتين؛ فإنه يكون الإعراض عن أصل الطلاق موقوعًا لأكثر من طلقة، فيقال: هلا. طلقت لما عرضت لتدفع عنك الزائد عن الواحدة؟

ولكن في هذا نظر؛ ألا ترى أنه لو قال عقب هذا التعليق أنت طالق طلقت المنجز لا ذاك المعلق فدل أن المعلق عليه ما ذكرناه فليتأمل ما حررته من البحث وبه ظهر أنه ليس

1 في "ب" لقول.

2 في "ب" بلا.

3 في "ب" يوجد.

ص: 76