المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌كتاب العموم والخصوص:

‌كتاب العموم والخصوص:

القول في الصيغ للشيخ الإمام1 كتاب أحكام "كل" كاد يستوعب فيها الكلام على صيغ العموم بها [لا نزيد] 2 على نفاسة وحظ هذا الكتاب مسائل نوردها واحدة واحدة.

مسألة:

الألف واللام تكون اسمًا موصولًا بمعنى الذي وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين وهذه عامة عموم الموصولات بأسرها وليست هي المعقودة لها المسألة.

وتكون هي حرف تعريف -وإياه نعني- وللنحاة3 اختلاف في أن التعريف باللام أو مجموع الألف واللام واختلاف في أن "أل" حرف ثنائي همزته وصل؛ وذلك مذهب سيبويه أو همزته قطع وهو رأي ابن مالك، ومن أجل هذا الخلاف يقال: الألف واللام ويقال: أل وهو قول من جعله ثنائيًا همزته أصلية؛ [فإنه] 4 يقول: أل ولا يقول: الألف واللام، كما لا نقول في قد: الدال والقاف: ويقال اللام وهو قول من جعل التعريف بها. والشأن في هذا سهل.

والحاصل أن أل تكون عهدية وتكون جنسية.

القسم الأول: العهدية

وهي أنواع: الأول: العهدي الذكري.

1 نفي "ب" الوالد رحمه الله.

2 في طب" مزيد.

3 في "أب" في النحاة.

4 في "ب" فإن.

ص: 117

وهي التي يعهد مصحوبها بتقدم ذكر نحو {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ومن ثم إذا قالت: طلقني على ألف درهم فقال: أنت طالق على الألف وقع بالدراهم.

والثاني: الذهني؛ نحو {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} ، {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} .

والثالث: الحضوري كقولك لمن سدد سهمًا لغزال: الغزال حاضر1.

القسم الثاني: الجنسية

وهي نوعان: أحدهما: ما جاء لتعريف الحقيقة:

وهي التي تقصد [الحقيقة] 2 من حيث هي [هي] 3 نحو: الرجل خير من المرأة وقولك: والله لا آكل الخبز، ومن ثم يحنث بالقليل وكذلك لو حلف لا يكلم الناس ذكر ابن الصباغ وغيره فيما نقله الرافعي في كتاب الإيمان أنه يحنث إذا كلم واحدًا قال بخلاف ما إذا قال: أناسًا فإنه يحمل على نيته4.

قلت: وما ذكره في الناس المعرف يخالف ما نقله الرافعي في فروع الطلاق فيما إذا قال: إن تزوجت النساء فأنت طالق أنه لا يحنث إلا إذا تزوج ثلاث نسوة وكذا [إذا] 5 قال: لا أشتري العبيد لا يحنث إلا بشراء ثلاثة أبعد.

والذي يظهر لي أن الجنسية إن دخلت على جميع فأفراده ثلاث مثل لا أشتري العبيد؛ فلا يحنث إلا بثلاث كما ذكر، لأنه الجنس.

[فإن] 6 دخلت على مفرد مثل: الرجل خير من المرأة فأفراده كل حقيقة من حيث هي؛ بل أفراد له عند التحقيق؛ إنما هي الحقيقة فحسب تشخص في جزئياتها، وإن دخلت على اسم الجمع كالناس والنساء فهل أفراده آحاد أو جموع؟ فيه نظر واحتمال، ثم النحوي لا يسمى هذا النوع جنسية؛ بل يجعله جنسًا مستقلًا. والثاني: الاستغراقية. وهي التي يقصر عليها النحاة اسم الجنسية وهي ضربان: أحدهما حقيقي، وهي التي

1 في أمن الغزال: الغزال حاضر.

2 في "ب" الماهية.

3 سقط في "ب".

4 في "ب" ثلاثة.

5 في "ب" لو.

6 في "ب" وإن.

ص: 118

تشمل الأفراد نحو: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا} 1.

والثاني: مجازي وهي التي تشمل خصائص الجنس مبالغة، نحو: أنت الرجل علمًا، أي الكامل في هذه الصفة.

مسألة:

كل للعموم وقد يضاف لفظًا إلى نكرة نحو {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} ومعناها كل فرد لا المجموع وقد يثبت المجموع معه مثل كل مسكر حرام لكن [ليس] 2 لك من وصفها بل من خارج وقد لا يثبت مثل كل رجل يشبعه رغيف ومن ثم منع الشيخ الإمام رحمه الله "كل رجل يحمل الصخرة العظيمة" لاقتضائه أن كل فرد يشيلها وأوجب اعتبار فيما لها من ضميره وغيره إلى أن يكون على حسب المضاف إليه إن مفرد فمفرد وإن مثنى فمثنى؛ وهكذا فلا يجوز عنده كل رجل قائمون وادعى إطباق النحاة عليه وأنكر على شيخنا أبي حيان تجويزه ذلك.

وقد يضاف إلى معرفة نحو: وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا3. وحينئذ فهل معناها كل فرد- كالمضافة إلى نكرة أو المجموع؟ فيه تردد، والراجح عند الشيخ الإمام رضي الله عنه، أنها على بابها من الدلالة على كل فرد أيضًا؛

غير أنه إن كان مفردًا لزم من استغراق أجزائه المجموع، ولذلك يصدق كل رمان مأكول، ولا يصدق [كل] 4 الرمان مأكول، لدخول قشره.

وإن كان جمعًا احتمل أن يراد المجموع كما في قول القائل: كلكم بينكم درهم، وقول بعض المتكلمين: كل أعضاء البدن حيوان. وأن يراد كل فرد لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع" 5؛ ولذلك فصله بعد ذلك فقال "السلطان راع، والرجل راع، والمرأة راعية" والاحتمال [الثاني] 6 أكثر.

1 العصر "2- 3".

2 سقط في "أ" والمثبت من "ب".

3 مريم 95.

4 سقط في "ب".

5 البخاري 13/ 111 في الأحكام/ باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} "7138" ومسلم 3/ 1459 في الإمارة باب فضيلة الإمام 20/ 1829.

6 سقط في "ب".

ص: 119

وهنا بحث وهو أن "كلا" إذا دخلت على ما فيه الإلف واللام وأريد الحكم على كل فرد فهل اللام، للعموم و "كل" تأكيد لها أو لبيان الجنس وكل تأسيس؟ فيه نظر وجوز الوالد رحمه الله تعالى أن تفيد اللام العموم في مراتب ما دخلت عليه. وكل للعموم في أجزاء كل من المراتب، فإذا قلت: كل الرجال، أفادت اللام استغراق كل مرتبة من مراتب جمع الرجال، وأفادت كل استغراق الآحاد. قال: ومن هنا يظهر أنها لا تدخل المفرد المعرف إذا أريد بكل منهما العموم والله تعالى أعلم.

مسألة:

متى للعموم في الأوقات

فإذا قال: متى دخلت الدار فأنت طالق طلقت بأي دخول وقع.

فإذا قلت: لو قالت: متى طلقتني فلك ألف فالشروط وقوع التطليق في المجلس.

قلت: ذكروا أن الفور هنا مأخوذ من قرينة العوضية. وكذلك إذا صرح بخلاف القرينة عملت الصيغة عملها؛ فلو قالت: طلقني في هذا الشهر متى شئت ولا تؤخر تطليقي عنه على ألف لم يشترط الفور، بل كل جزء من أجزاء الشهر كاف، عملًا بعموم متى. قال الأصحاب: والفرق بينها وبين الصورة قبلها أن الصورة قبلها لم تعارض قرينة العوضية شيء، وهنا عارضها صريح التخيير فتقاعدت القرينة عن مقاومة الصريح. ومن الأصحاب من خرج خلافًا في كل صورة من الأخرى.

مسألة:

"أي" تكون شرطًا واستفهامًا وموصولًا فتفيد عموم كل فرد، لكن على سبيل الإحاطة. ومن هنا خالفت "كلما". ولم يكن فيها تكرار؛ فإذا قال: أي وقت دخلت الدار فأنت طالق فدخلت مرة بعد أخرى لم يتكرر الطلاق. وفي كلما "يتكرر".

وللشيخ الإمام رحمه الله في كتاب أحكام "كل" كلام نفيس على أكثر صيغ العموم فعليك به.

وحظنا من "أي" هنا أن نقول قد قرر ذلك الحبر رضي الله عنه أن عموم "أي" معناه إناطة الحكم بالأفراد [لخصوصها] 1 من حيث دخولها في المسمى لا من حيث هي، وهو العموم البدلي، ثم هو لا ينافي الشمول، وقد يصحبه الشمول باعتبار عود الضمير على

1 في "ب" بخصوصها.

ص: 120

"أي" نحو: أيما إهاب دبغ فقد طهر1؛ لأن طهارة هذا الإهاب غير طهارة الإهاب الآخر.

والحاصل أن ثبوت الحكم للأفراد قد يكون في حالتي اجتماع كل فرد مع الآخر وحالة انفراده؛ وذلك لعموم الشمول، وهو عموم كلي.

وقد يكون حالة الانفراد من غير تعرض لحالة الجمع؛ وذلك عموم "أي" وما في معناها، وهو العموم البدلي.

وقد يثبت للماهية من غير تعرض للأفراد، وهو المطلق، وقد يسمى أيضًا عمومًا بدليًا. ومما يدل على الفرق بين "كل" و"أي" أنك تقول: كل الثلاثة ضربك وضربوك. ولا تقول "أي" الثلاثة ضربوك، بل ضربك؛ فدل على أن معناها: أحد الأشياء لا جميعها ومن ثم إذا قال: أي عبيدي حج فهو حر فحجوا كلهم يعتقون خلافًا للغزالي حيث قال لا يعتق إلا واحدًا".

ومن مسائل "أي" المشهورة مسألة محمد بن الحسن رضي الله عنه قال إذا قال أي عبيد ضربك فهو حر [فضربوه عتقوا جميعًا وإن قال أي عبيدي ضربته فهو حر] 2 فضربهم لا يعتق إلا واحدًا وفي تعليق القاضي الحسين ما يقتضيه ونازع فيه الوالد رحمه الله، وأطال في المسألة في كتابه [المشهور] 3 فلينظر فيه. وقد أجاب فخر الإسلام الشاشي بالتعميم في المسألة حتى يعتق جميع الضاربين في المثال الأول. وجميع المضروبين في الثاني.

وقد يستدل بقول الأصحاب: لو قال لنسائه: أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق وقع بحيض كل واحدة منهن على البواقي طلقة -كذا ذكره الشيخ في التنبيه وغيره والرافعي لم يذكر المسألة إلا بصيغة "كلما".

وحاصل ما فرق به محمد بن الحسين رضي الله عنه أن فاعل الفعل في الكلام الأول وهو الضمير في ضربك عام لأنه ضمير أي، وحينئذ فيكون الفعل الصادر عنه عامًا.

1 مسلم 1/ 277 في الحيض/ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ "105- 366".

2 سقط في "ب".

3 في "ب" المذكور.

ص: 121

لأنه يستحيل تعدد الفاعل مع انفراد الفعل؛ لأن الفعل يختلف باختلاف فاعليه، فإن فعل زيد غير فعل عمرو فمن ثم قال: يعتق الجميع. وأما الصيغة الثانية: وهي "أي عبيدي ضربته فالفاعل فيه وهو تاء المخاطب خاص والعام فيه إنما هو ضمير المفعول أعني الهاء" واتحاد الفعل مع تعدد المفعول غير محال؛ فإن الفاعل الواحد قد يوقع في وقت واحد فعلًا واحدًا لمفعولين أو أكثر.

مسألة:

أقل الجمع ثلاثة، وقيل: اثنان وفيه مسائل:

منها: قيل يكتفي بالصلاة على الميت باثنين حكاه الرافعي عن صاحب التهذيبو قيل إنه بناء على أن أقل الجمع اثنان.

ومنها: لو أوصى لأقاربه ولم يوجد إلا قريب واحد، وستأتي المسألة وحظنا منها هنا أن الرافعي حكى فيها وجهًا عن الأستاذ أبي منصور أن له التصرف ولم يعلله. قال ابن الرفعة1: ولم أفهم له معنى، وإن تخيل أنه بناه على أن أقل الجمع اثنان لزمه جواز الاقتصار على اثنين في الوصية للفقراء، ولم نر من قال به.

ومنها: إذا اقر بدراهم لزمه ثلاثة دراهم، وفي وجه اثنان لعل توجيهه البناء على أقل الجمع؛ غير أن الشيخ الإمام الوالد رحمه الله نازع في ذلك في كتاب الحلبيات.

ومنها [إذا] 2 أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد جزم الأصحاب بأنه لا بد من الصرف إلى ثلاثة؛ حتى لو كانوا دون ثلاثة؛ حتى لو كانوا دون ثلاثة تممنا الثلاثة ممن يليهم.

ومنها: لو حلف لا يكلم بني آدم قال الرافعي في فروع الطلاق المنقولة عن إسماعيل البوشنجي القياس أنه لا يحنث بكلام الواحد والاثنين إلا أعطيناهما حكم الجمع.

قد ثبت في إطلاق اسم الجمع على الواحد تجوزًا خلاف. أما حقيقة فلا إجماعًا ومن ثم لو قال من ليس له إلا عبد واحد: عبيدي أحرار "لا يعتق" ذكره القاضي الحسين في فتاويه في أثناء مسألة.

فإن قلت: الصحيح فيمن أوصى لأقاربه ولم يوجد له إلا قريب واحد أنه يتناول

1 في "ب" في المطلب.

2 سقط في "ب".

ص: 122

جميع الموصفي به وقيل: نصفه، وقيل: ثلثه، ولا قائل: بأنه يحرم مع أن الأقارب جمع.

قلت: المرعي في الوصية الجهة؛ فصار كما لو وقف على أولاده يستحق الواحد منهم والجمع، ثم مدلول الأقارب ليس منحصرًا في واحد لاحتمال أن يكونوا وقت الإيصاء جمعًا -ولذلك قالوا [ولم] 1 يوجد إلا واحد ولاحتمال حدوثهم بعد الإيصاء؛ فليس [مما] 2 نحن فيه.

مسألة:

في دخول المخاطب بكسر الطاء -تحت عموم خطابه خلاف عليه مسائل: منها: لو قال: نساء العالمين طوالق؛ ففي وقوع الطلاق على امرأته خلاف أشار الرافعي إلى أن بعضهم بناء على هذا، وقد تكلمنا على المسألة في "شرح المختصر".

ومنها: لو وقف على الفقراء وهو فقير. قال الوالد رحمه الله: ينبغي أن يكون فيه وجهان -أصحهما الجواز- قال: والمسألة التفات على هذا الأصل" ونقل من كلام الخوارزمي3 صاحب الكافي ما يدل للجواز.

ولو لم يكن هناك فقير غيره؛ فأشار إلى ترجيح الجواز أيضًا؛ لكونه قصد الجهة بخلاف مسألة ابن يونس في حيلة الإنسان في الوقف على نفسه، حيث صورها فيما إذا وقف على أولاد أبيه الذين صفتهم كذا وذكر صفات نفسه قال الوالد رحمه الله:

لأن قصد الجهة العامة فيها بعيد.

قلت: وإن روعي اللفظ وقطع النظر عن القصد فله التفات على دخول المخاطب في الخطاب.

ومنها إذا قال: أوصيت لعبدي بثلث مالي فالأصح وبه قال ابن الحداد أن رقبته تدخل، والثاني: لا، لإشعاره بغيره.

1 في "ب" ولو لم.

2 في "ب" ما.

3 محمود بن محمد بن العباس بن رسلان ظهير الدين أبو محمد الخوارزمي العباسي تفقه على البغوي، قال ابن السمعاني: كان فقيهًا فاضلًا عارفًا بالمتفق والمختلف حسن الظاهر والباطن جامعًا بين الفقه والتصوف ولد بخوارزم في رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وتوفي في رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة ابن قاضي شهبة 2/ 419 هداية العارفين 20/ 403.

ص: 123

قال القاضي أبو الطيب في شرح الفروع: [وبهذا نقول] 1: إن الأمر لا يدخل في الأمر؛ لأن الظاهر أن المأمور غير الآمر.

قلت: والرافعي حكى الوجهين وصحح قول ابن الحداد، لكن لم يذكر هذا المأخذ وهو تردد في دخول المخاطب -بفتح الطاء.

ومنها: نقل الرافعي في فروع الطلاق عن إسماعيل البوشنجي أنه لو قال لزوجته: إن فعلت مع أحد حرامًا فأنت طالق فطلقها طلقة رجعية وجامعها في عدتها فيحتمل أن يبنى وقوع الطلاق على أن المخاطب هي يندرج تحت الخطاب ويحتمل أن يقال: لا يقع لأن الغرض منعها عن الغير لما يلحقه بذلك من الغضاضة والمعرة. كذا: في الرافعي؛ لكنه فيه بالعجمية وأنا عربته. فإن عبارته لو قال لزوجته أكذبوا وليس حرام كنى وهذا معناه.

مسألة:

خطاب الشارع بالمسلمين والمؤمنين يتناول العبيد [عند] 2 الأكثر، وقال به الرازي من الحنفية كان لحق الله دخل وإن كان لحق العباد فلا وفي المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا حكاها الماوردي في كتاب القضاء من الحاوي. أحدها: الدخول إلا أن يخرجها الدليل.

والثاني: عدمه إلا أن يدخله الدليل.

والثالث: إن كان بعيدًا أدخل وإن تضمن ملكًا أو عقدًا أو ولاية فلا. وهذا الثالث هو مذهب الرازي فيما أحسب، وهو ما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه بقوله: إن العبد يدخل في الضرورات دون غيرها. كما أشرت إليه في شرح المختصر.

ويتخرج على الأصل مسائل:

منها: أمان العبد صحيح [عندنا] 3 خلافًا لأبي حنيفة رضي الله عنه -لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ ويسعى بذمتهم أدناهم"4.

1 في "ب" ولهذا نقول.

2 سقط في "أ" والمثبت من "ب".

3 سقط في "ب".

4 أخرجه أحمد من رواية عمرو بن شعيب عن ابن حبرة 2/ 192 وكذا أبو داود 3/ 80 في الجهاد باب في السرية "2751"، ابن ماجه 2/ 895 في الديات باب المسلمون تتكافأ دماؤهم "2685" ومن رواية ابن عباس ابن ماجه في المصدر السابق حديث 2683 ومن طريق معقل بن يسار ابن ماجه في المصدر السابق حديث "2684" ومن طريق علي بن أبي طالب أحمد في المسند 1/ 119 وأبو داود 4/ 180 الديات باب إيقاد المسلم بالكافر "4530" والنسائي 8/ 19 في القسامة.

ص: 124

ومنها: إذا انتفت الموانع بأن يأذن السيد له فيما لم يوجب عليه من أجله فهل يجب؟ فيه تردد في مسائل:

منها: لو أذن له السيد في حضور الجمعة، والصحيح لا يجب عليه.

ومنها: في وجوب إحرامه بحج أو عمرة إذا أذن له السيد في دخول الحرم خلاف؛ أصله قول ابن عباس رضي الله عنه: لا يدخل أحد مكة محرمًا.

مسألة:

الصحيح دخول الصورة النادرة تحت العموم وكحذا الصورة غير المقصودة.

وفرق بين النادرة وغير المقصودة؛ فالنادرة هي التي تندر بالنسبة إلى القضية التي اشتمل عليها لفظ العموم، وغير المقصودة هيا لتي تدخل في مدلول اللفظ؛ إلا أنا نعلم أن الألفاظ لم يقصدها. وقد تكون نادرة وقد لا تكون، كما أن النادرة قد تكون مقصودة وقد لا تكون.

مثال النادرة: المسابقة على الفيل وغيرها.

ومثال غير المقصودة: ما وقع في "المحاكمات" واقف وقف على زوجاته ما دمن باقيات في عصية نكاحه؛ [فمن] 1 تزوجت منهن سقط نصيبها وعاد على ضراتها فطلق واحدة منهن طلاقًا بائنًا ثم عادت إليه بعقد جديد فقال ضارتها: إنه لا عود لك إلى النصيب الذي خرج عنك عند انقطاع العصمة؛ فقد صدق انقطاع العصمة والتزوج، وقالت هي: لم يكن قصد الواقف إلا أن أتزوج بغيره والقرائن تشهد لها وتفضي إلى القطع بما تدعيه؛ ولكن قد ينازع منازع في التصوير بهذه الصورة لقوله: ما دمن في عصمة نكاحه تعلقًا بأن الدوام انقطع ببينونتها [ألا] 2 ترى إلى ما نقله الرافعي من فروع الطلاق عن إسماعيل البوشنجي فيمن حلف إن دخلت دار فلان ما دام فيها فأنت طالق فتحول ثم عاد لا يقع لأن الإدامة انقطعت.

1 في "ب" فيمن.

2 في "ب" إلى.

ص: 125

ثم ذكره في أواخر كتاب الإيمان أيضًا فيمن حلف لا يصطاد ما دام الأمير في البلد لا سيما وقد قال الواقف باقيات فليتصور بخلو اللفظ عن قوله: ما دمن باقيات وقد وقع وكذلك وقع في "المحاكمات" أيضًا واقف وقف على الفقراء والمساكين وقال قدموا اعتقائي على غيرهم فافتقر أقرابه وطلبوا أن يقدموا على العتقاء لأن الإحسان إليهم أولى. والقرائن [تقتضي] 1 بأن الواقف لو استحضر افتقارهم لرجحهم على عتقائه، وقال العتقاء: اللفظ لا يدل إلا على تقديمنا ولستم إيانًا، والمعروف في مذهبنا عدم اعتبار المقاصد والاقتصار على مدلول الألفاظ. وللغزالي كلام أخذ منه ابن الرفعة ميله إلى أن المقصود يعتبر. وأقول المقصود بالنسبة إلى اللفظ ثلاثة أقسام:

قسم ينافي اللفظ ويعارضه: فلا وجه لاعتباره.

وقسم يعاضد اللفظ ويساعده: فلا يقول [أحد] 2 بإهداره؛ ولكنه معتبر غير أن اللفظ هو الموجب لاعتباره دون القصد.

وقد يقول من يعتبر المقاصد [أنهما] 3 "هنا" علتان على معلول واحد.

قسم لا ينبو عنه اللفظ ولا يدل له؛ فهذا يشبه الزيادة على اللفظ، فإن توفرت عليه القرائن وأفضت إلى القطع أو ظن غالب فلا بأس باعتباره، إذا [عرفت] 4 هذا فلنعد إلى الكلام في النادرة فنقول: فما دار في عبارات الأصحاب النادر لا حكم له.

ومن ثم مسائل:

قيل: خروج المني من النساء ليس ببلوغ لأنه نادر فلا حكم له ولكن الصحيح خلافه، ومنها: العدد النادر الذي لا يدوم يوجب القضاء وإن كان مع الخلل الحاصل يدل على الصحيح.

وقد يستشهد لقولهم: النادر لا حكم له؛ مما نقله الكيا الهراسي في أحكام القرآن عن الشافعي رضي الله عنه في نكاح الأمة لمن تحته حرة -أنه رضي الله عنه كان يقول: الظاهر من وجود النكاح الطول والأمن من العنت، ولا مبالاة بنكاح نادر لا يفضي إلى ذلك؛ بل نحسم الباب حسمًا.

1 في "ب" تقضي.

2 في "ب" أحدنا.

3 في "ب" أنها.

4 في "ب" عرف.

ص: 126

ويقول أصحابنا جميعًا وذكره الرافعي في أوائل الطلاق -أن الفسوخ لا تنقسم إلى سنة وبدعة؛ لأنها أسباب نادرة- بخلاف العقود. وربما قيل "النادر يحفظ ولا يقاس عليه. وهذا قولهم: الشاذ الخارج عن المنهاج يحمل على شذوذه ولا يقضي به على غيره.

وليس كلامنا في هذا إذا ذاك هو مسألة "أن الخارج عن القياس هل يقاس عليه؟ وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه في مسائل القياس؛ إنما الكلام في الصورة النادرة هل تدخل تحت العموم؟ المشهور أنها تدخل وهو المختار.

وفي كلام الإمام والغزالي والرافعي رحمهم الله ما يقتضي عدم دخولها. أشار إليه الغزالي في كتب الخلافيات وتوصل به إلى إخراج الكلب من عموم أيما إهاب دبغ فقد طهر فقال: الكلب لا يعتاد في العرف دباغ جلده؛ فتنفك الأذهان عن ذكره إذا جرى ذكر الدباغ واللفظ ينزل على الاعتياد فيما يدبغ ذكره في مآخذ الخلاف وفي شفاء العليل وذكر [في] 1 المآخذ أن هذا الفرق ينتهي إلى القطع.

ومثل كلام الغزالي قول الرافعي في الحج في صوم المتمتع ثلاثة أيام بعد التشريق لا يكون أداء لأن تأخره عن أيام التشريق مما يبعد ويندر؛ فلا يقع مرادًا من قوله تعالى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} 2 بل هو محمول على الغالب المعتاد. قال الرافعي: هكذا حكاه الإمام وغيره.

قلت: وعبارة الإمام في النهاية المفهوم من القرآن تفييد صوم الثلاثة بأيام الحج، وهو مضبوطة، وأيام التشريق ملحقة بأيام الحج على بعد؛ فأما النظر إلى البقاء في الإحرام لامتداد زمان طواف الزيارة فليس مراد الكتاب.

فإن تأخر الطواف عن أيام التشريق يبعد وقوعه.

فليفهم النظر حقيقة ذلك؛ فإني لم [أقله] 3 رأيًا واستنباطًا وإنما نقلته من فحوى كلامه الأئمة. انتهى.

ونظير كلام الرافعي هنا قوله -فيما إذا مات المكفول ببدنه: أنه يبرأ الكفيل حملًا للإحضار الملتزم على الحياة؛ فإنه الذي يخطر بالبال غالبًا. قلت: لكن هذا في تقييد

1 سقط في "ب".

2 البقرة "196".

3 في "أ" لم أقلد والمثبت من "ب".

ص: 127

المطلق، وكلامنا في تخصيص العام؛ فلا يلزم من الأول والثاني. وقد شكك الشيخ صدر الدين بن المرحل رحمه الله على قولهم النادر لا يخطر بالبال؛ فلا يدخل تحت العموم بأن هذا لا تبين له في كلام الله تعالى؛ فإنه لا يخفى عليه خافية.

وبلغني أن تلميذه قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن جملة1 رحمه الله -من أجل ذلك يقول: إن كان العموم في الكتاب فلا شك في دخول النادرة، وإن كان بالسنة وقلنا: إنها بالوحي فكذلك، وإن كانت بالاجتهاد فهو موضع الخلاف.

قلت: وكل هذا بمعزل عن مراد الأصوليين إذا مرادهم أن الصورة النادرة التي لا تخطر ببال العربي عند الإطلاق لا يردها الشارع الذي جاء بالقرآن المتلو بلسانهم وما يتخاطبون به في محاوراتهم. هذا موضع النظر، وما ذكره ابن جملة من التفصيل في النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر.

والصواب عندنا أنه صلى الله عليه وسلم لا تذهب عن خاطره النادرة كيف وهو يقول: والله لقد رأيت ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم. ويقول: ما من شيء توعدونه إلا وقد رأيته في صلاتي هذه حتى الجنة والنار2.

ولا يمكن أن يعمم لفظًا إلا وقد أتى على مدلوله استحضارًا؛ غير أنه يستحضر النادرة ويعلم أن قومه لا يعنونها بهذا اللفظ فينطق على لسان قومه، فلا تقع مرادة بحكمه ولا مشمولة بلفظه.

إذا عرفت هذا ففي القاعدة مسائل من آيات وأحاديث.

منها: قوله تعالى في المتمتع: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} 3. الآية كما عرفت -ومنها حديث: أيما إهاب دبغ فقد طهر فلا يخفي ندرة دباغ جلد الكلب وجلد الآدمي.

1 أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف المحجي الشافعي الحوراني ثم الصالحي توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.

الدرر الكامنة 5/ 219.

2 مسلم 2/ 623 في الكسوف باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف حديث "10/ 904".

3 البقرة: "196".

ص: 128

وقد قال الأصحاب: لا يطهر جلد الكلب بالدباغ اتفاقًا، وفي الآدمي وجهان بناء على أنه ينجس بالموت أصحهما أنه يظهر.

قال ابن دقيق العيد: ويدخل في العموم بعض جلود الحيوانات التي لم تطرق الأسماع أسماؤها ولا رأت العيون أشخاصها فتظهر بالدباغ مع أنها ليست مما يمكن أن تدخل تحت القصد.

قلت: إن كانت نادرة فتكون في هذا الحديث غريبة وهي نادرة دخلت قطعًا وهي هذه ونادرة لم تدخل قطعًا [وهو] 1 إهاب الكلب ونادرة فيها وجهان وهي إهاب الآدمي ولكن [ليس هذا] 2 مراد الشيخ تقي الدين فيما أعتقد فإن ما لم تره الأشخاص لا يندر بالنسبة إلى العام؛ لأنه لم يعهد دباغه ولا عدم دباغه وإنما عدم دباغه لعدم العهد به وكلامنا فيما عرف ولم يعهد دباغه كالكلب وجلد الآدمي لا فيما يعد بنفسه.

وقوله: إنما ذكره لم يدخل تحت القصد يعني مفصلًا وأما دخوله وحضوره في الذهن مجملًا فهو الواقع، ولذلك كان محكومصا فيه وإلا فكيف يحكم على ما لم يقصد.

ومنها: إخراج الخنثى من عموم الجمعة حق واجب على كل مسلم في جما عة إلا أربعة: عند مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض- إذا قلنا إنه لا جمعة على الخنثى وهو ما ادعى النووي الاتفاق عليه، وحكى صاحب الذخائر فيه وجهًا.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر"3. منع بعض أصحابنا المسابقة على الفيل لمثل ذلك.

ومنها: حديث4 البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فيدخل فيه بلا خلاف التولية والإشراك مع ندرتها جدًا.

واختلف فيمن طال مكثهما في المجلس، والصحيح ثبوت الخيار.

1 وفي "ب" وهي.

2 في "ب" هذا ليس.

3 أحمد في المسند 2/ 474 وأبو داود والنسائي 6/ 226 في الخيل / باب السبق وابن ماجه 2/ 960 في الجهاد/ باب السبق والرهان "2878".

4 البخاري 4/ 309 في البيوع/ باب إذا بين البيعان ولم يكتما وفضحا "2079"، ومسلم 3/ 1164 في البيوع/ باب الصدق في البيع والبيان حديث "47/ 1532".

ص: 129

ومنها قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء} 1 فلمس العضو الأشل والزائد كالصحيح والأصلي على الصحيح مع ندرتهما.

ومنها قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 2 فلو خلق له وجهان وجب غسلهما ولو خلق له رأسان كفى مسح أحدهما ولينظر هنا اليدين المتساويتين، والمتميز منهما الزائد، والشعور الخارجة عن العادة وغير ذلك.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في التشهد "وليتخير من المسألة ما شاء"3؛ فهل يجوز الدعاء في الصلاة بجارية حسناء؟ منعه الشيخ أبو محمد مدعيًا عدم دخول هذه الصورة في العموم لندرتها.

ومنها: حديث رفع عن أمتي الخطأ والنسيان

فلو تكلم في الصلاة ناسيًا كثيرًا ففيه وجهان أصحهما البطلان، ونظائره أكل الصائم ناسيًا كثيرًا، وكثير من مسائل الإكراه التي لا عذر فيها معه.

ومنها حديث "من مس ذكره فليتوضأ" 4 منع بعض أصحابنا انتقاض الوضوء بمس الذكر المقطوع بمثل ذلك.

ومنها: حديث "في كل موضحة خمس من الإبل" 5 قال بعض أصحابنا: "إذا زادت الموضحات على دية النفس فلا يجب أكثر من دية النفس ولا تدخل هذه الصورة في الحديث لندرتهان وقاسه على قول الشافعي رضي الله عنه في الأسنان أنه لا يجب في قلع جميعها إلا دية النفس.

1 النساء "43".

2 المائدة "6".

3 البخاري 2/ 320 في كتاب الأذان/ باب ما يتجد من الدعاء "835" ومسلم 1/ 301- 302 في الصلاة/ باب التشهد في الصلاة حديث "55/ 402".

4 مالك في الموطأ 1/42 في الطهارة/ باب الوضوء من مس الفرج، حديث "58" والشافعي في الأم 1/ 19 في الطهارة/ باب الوضوء من مس الذكر وأحمد في المسند 6/ 406 من مسند يسرة بنت صفوان والدارمي 1/ 184 في باب الوضوء باب الوضوء من مس الذكر "181" والترمذي 1/ 126 في الطهارة باب الوضوء من مس الذكر "82" وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه 1/ 161 في الطهارة باب الوضوء من مس الذكر "479".

5 أحمد في المسند 2/ 215 وأبو داود 4/ 190 في الديات باب ديات الأعضاء "4566" والترمذي 4/ 13 في الديات باب ما جاء في الموضحة "1390" والنسائي 8/ 57 في القسامة وابن ماجه 2/ 886 في الديات "2655".

ص: 130

وفرق ابن كج بضبط الأسنان بخلاف الموضحات، وعكس الإمام في النهاية صنيع ابن كج وادعى أن الأسنان بالزيادة أولى مشيرًا إلى تعميم إطلاق الشارع مع العلم بعدد الأسنان، ولا كذلك الموضحات.

ومنها: ثبت في الحديث النهي عن التصوير1؛ فلو دعت إلى ذلك ضرورة المسلمين كما روى الواقدي في فتوح الشام "أن النصارى صوروا صورة هرقل على حائط فوقف بعض المسلمين متعجبًا منها، فانقلبت قناة طويلة من أحدهم فأصابت عين الصورة فقلعتها، فعلم به الحرس من قبل لوقا عظيم الروم فجهز رسوله في مائة فارس إلى أبي عبيدة إنكم غدرتم الأمان بقلع عين هذه الصورة وهو عندنا عظيم، فسأل أبو عبيدة من فعل هذا فقيل فلان خاطئًا، فقال أبو عبيدة: إن صاحبنا إنما فعل ما فعل غير متعمد، فقالوا لا نرضى حتى نفقأ عين صاحبكم -يعنون عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان القوم يمتحنون بهذا أمان المسلمين وأنهم هل هم موفون بعهودهم فقال أبو عبيدة أنا أمير هذه الطائفة فافعلوا بي ما فعلوه بتمثالكم؛ فقالوا: لا نرضى إلا بفقء عين ملككم الأكبر، فقال أبو عبيدة ملكنا أمنع من ذلك، وغضب المسلمون وكادت تقوم ملحمة عظيمة فنهاهم أبو عبيدة وقال على رسلكم، فقال منهم قائل: لا عين أميركم ولا عين خليفتكم؛ ولكن نصنع تمثالًا فيه صورة أبي عبيدة ثم نفقأ إحدى عيني ذلك التمثال. فقال المسلمون إن صاحبنا فقأ عين ذلك التمثال غير قاصد وأنتم تتعمدون، فقال أبو عبيدة: يا معشر المسلمين إن هؤلاء ليس لهم عقول -فإنهم رضوا أن يصوروا صورتي ويفعوا بها ما أرادوا، فدعوهم وقلة عقولهم، فرضوا وسكنت الفتنة.

فلو [كانت] 2 المسألة بحالها وأبوا إلا أن يصور المسلمون تلك الصورة وعلمنا أن ذلك إن [لم] 3 يفعل كانت فتنة هائلة تؤدي إلى ضرر عظيم بالمسلمين فالذي يظهر جواز ذلك حينئذ.

1 فعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". البخاري 10/ 386 في اللباس/ باب من التصاوير/ "4954"، ومسلم 3/ 1668 في اللباس "92/ 2107".

وعن عبد الله بن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أشد الناس عذابًا عند الله المصورون" البخاري 10/ 382 "5950"، ومسلم 3/ 1670 "98/ 2109".

2 سقط في "ب".

3 سقط في "ب".

ص: 131

ومنها: قد علم أن لبس زي الكفار وذكر كلمة الكفر من غير إكراه كفر؛ فلو مصلحة المسلمين إلى ذلك واشتدت حاجتهم إلى من يفعله فالذي يظهر أنه يصير كالإكراه.

وقد اتفق مثل ذلك للسلطان صلاح الدين؛ فإنه لما صعب عليه أمر ملك صيدا وحصل للمسلمين به من الضرر الزائد ما ذكره المؤرخون ألبس السلطان صلاح الدين اثنين من المسلمين لبس النصارى وأذن لهما في التوجه إلى صيدا على أنهما راهبان وكانا في الباطن مجهزان لقتل ذلك اللعين غيلة؛ ففعلا ذلك وتوجها إليه وأقاما عنده على أنهما راهبان، ولا بد أن يتلفظا عنده بكلمة الكفر وما برحا حتى اغتالاه وأراحا المسلمين منه ولو لم يفعلا ذلك لتعب المسلمون تعبًا مفرطًا ولم يكونوا على يقين من النصرة عليه.

ومما يدل على هذا قصة محمد بن مسلمة في كعب بن الأشرف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لكعب بن الأشراف فقال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله؟ قال: [نعم. قال] 1: فأذن لي -فأذن له: فأقول: قال: قد فعلت2.

ومنها: حديث3 لا يخرج في الصدقة هرمة يقتضي أن لا تؤخذ مريضة من المراض، وإليه ذهب مالك، واعتذر أصحابنا عنه بأنه خرج مخرج الغالب فإن مرض الماشية كلها نادر، واتفقوا على جواز أخذ المريضة من المراض.

ومنها: لا يجب الاستنجاء من خروج حصاة لا رطوبة معها على الأصح.

ومنها: لو ندر الخارج كالدم والقيح فالأظهر جكزاء الحجر، والثاني: يتعين الماء؛ لأن الاقتصار على الحجر وقع فيما نعم به البلوى.

وقال القفال: إن تمحض النادر تعين الماء. وإن خالط المعتاد جاز الحجر.

ومنها: الراجح دخول الأكساب النادرة في المهايأة في العبد المشترك.

1 سقط في "ب".

2 أخرجه مسلم 3/ 1425 في الجهاد والسير/ باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود "119/ 180".

3 أخرجه البخاري 3/ 321 في الزكاة/ باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة "1455".

ص: 132

ومنها: [أنه] 1 يجب غسل ما يندر كثافته وإن [كثرت] 2 كالحاجب والعذار والشارب.

ومنها: [يجب] 3 على المرأة غسل باطن اللحية الكثيفة لندرتها فيح قها.

ومنها: أنه يجب قضاء الصلاة على المقيم المتيمم لفقد الماء وللبرد على الأظهر فيهما، وفي نحوهما من ذوي الأعذار النادرة. كالمربوط على خشبة ومن شد وثاقه بالأرض وصلى بالإيماء. والغريق يصلي على خشبة بالإيماء.

ومنها: إشراع الجناح في الطريق النافذ لا يجوز إلا إذا لم يضر. قالوا: وإن كان ضيقًا بحيث لا تمر فيه القوافل والفوارس؛ فينبغي أن يرتفع؛ بحيث يمر تحته المار منتصبًا وإن كانوا يمرون فيه فليكن ارتفاعه إلى حد يمر المحمل مع الكنيسة فوقه على البعير، قالوا لأنه وإن كان نادرًا فقد يتفق.

ومنها: الأصح أنه لا يدخل في لفظ قام على [في] 4 البيع [فداء] 5 العبد إذا جنى ففداه بخلاف مكس السلطان فإنه يدخل لعمومه.

ومنها: لو جلس من الغزاة رقيب يرقب العدو فأدركته الصلاة ولو قام لرآه العدو أو جلس الغزاة في مكمن ولو قاموا أبصرهم العدو فلهم الصلاة قعودًا وتلزمهم الإعادة، لندور ذلك.

ومنها: أصح الأوجه أنه يباح للغانمين الفانيد والسكر والأدوية التي تندر الحاجة إليها قبل قسمة الغنيمة، فإن احتاج مريض أخذ قدر حاجته:

ومنها: يجوز ترك القبلة في النوافل مما يكثر ويتكرر كالوتر وركعتي الفجر ولا يجوز فيما يندر كالعيدين والاستسقاء.

ومنها: لو علفت السائمة في الحول قدرًا يسيرًا لا يتمول في نقد الحول فلا أثر له في قطع السوم قطعًا.

ومنها: حلف لا يطأ فلانة فوطئها بعد الموت فأصح الأوجه لا يحنث لأن اسم

1 في "ب" أنها.

2 في "ب" كثفت.

3 سقط في "ب".

4 سقط في "ب".

5 سقط في "ب".

ص: 133

الوطء يطلق على ما يقع في الحياة. وثالثها: الفرق بين ما قبل الدفن وبعده. والمسألة في الرافعي في باب الإيلاء وكان من حقها أن تذكر في باب الإيمان.

ومنها: قال الإمام: لو تصور شخص لا يضره أكل السموم الطاهرة لم تحرم عليه.

فائدة: تذكر إذا انتهيت لما ذكرناه في النادر، وكلام الأصحاب في التيمم في النادر الذي لا يسقط القضاء؛ فهو محط قولهم: النادر لا حكم له. وفي دخول الأكساب النادرة في المهايأة والسلم فيما يندر وجوده، ويتحرز ذلك بما ذكرناه، أنها قواعد ثلاث:

"دخول النادرة في اللفظ العام وكون النادر لا حكم له" أي لا يعطي حكم الغالب؛ بل يسقط الاعتبار به ويصير وجوده كعدمه.

والثالثة أن النادر إذا حكم فيه بشيء لم يلحق به غيره ويدل على شذوذ، وهذه الثالثة هي مسألة الخارج عن القياس الآتية إن شاء الله تعالى في باب القياس.

خاتمة: نحن وإن قلنا بدخول النادرة في العموم فلسنا نقصر العموم عليها. ومن ثم يتميز عن غير النادرة؛ فإن النادرة تحتمل أن تكون هي تمام المراد بالعموم.

أما النادرة: فالحمل عليها بمفردها بعيد ولأجل ذلك الحنفية قولهم: أيما امرأة نكحت نفسها1 على الأمة والمكاتبة.

قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذكر الإمام أن الذي صح عنده من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن العبرة بخصوص السبب، واستدل بكلام له على قوله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية2. والإمام منازع نقلًا وحجاجًا.

أما النقل3.

تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم" في حديث البراء بن عازب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فاتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم، فتناولها علي كرم الله وجهه فأخذ بيدها

1 أبو داود 2/ 229 في النكاح/ باب في الولي "2083"، الترمذي 3/ 407 في النكاح/ باب ما جاء لا نكاح إلا بولي "1102" ابن ماجه 1/ 605 النكاح باب لا نكاح إلا بولي "1879"، الحاكم 2/ 168 وقال صحيح على شرط الشيخين.

2 الأنعام "145".

3 بياض في الأصل.

ص: 134

وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها على وزيد وجعفر فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم" 1 الحديث.

وهو عمدة باب الحضانة، وقد استدل بإطلاقه أصحاب التنزيل على تنزيلها منزلة الأم في الميراث.

وقال شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد: إنما هي بمنزلتها في الحضانة، لأن السياق طريق إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات وتنزيل الكلام على المقصود منه.

قال: وفهم ذلك قاعدة كبيرة من2 أصول الفقه لم أر من تعرض لها في الأصول إلا بعض المتأخرين ممن أدركنا أصحابهم، وهي قاعدة متعينة على النار وإن كانت ذات تشعب على المناظر. ولذلك ذكر في حديث أنس: ليس من البر الصيام في السفر3. فذكر أن الظارهية تنزله على العموم اعتبارًا بعموم اللفظ -وإن ورد في رجل كان يجهده الصوم فقال: يجب أن يتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم وبين ورود العام على سبب، ولا تجري مجرى واحد فإن مجرد ورود العام على سبب لا يخصصه، وأما السياق والقرائن [فإنها] 4 الدالة على المراد، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعين المحتملات.

قال: فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصي وانظر قوله صلى الله عليه وسلم: $ "ليس من البر الصيام في السفر من أي [من] 5 القبيلين هو منزله عليه".

قلت: ومن [نظر إلي] 6 السياق ما في فروع الطلاق من الرافعي أنه لو قال

1 البخاري مجزأ 5/ 304 الصلح/ باب الصلح مع المشركين "2700" في 7/ 499 "4251"، ومسلم 30/ 1409 في كتاب الجهاد/ باب صلح الحديبية حديث "90/ 1783".

2 في "ب" من قواعد أصول الفقه.

3 أخرجه البخاري 4/ 183 في الصوم "1946" ومسلم 2/ 786 في الصيام /92/ 1115".

4 في "ب" فإنه.

5 سقط في "ب".

6 في "ب" النظر في.

ص: 135

لزوجته: إن علمت من أختي شيئًا ولم تقوليه فأنت طالق فتنصرف إلى ما يوجب ريبة ويوهم فاحشة دون ما لا يقصد العلم به كالأكل والشراب.

فائدة: إذا عرفت أن الأرجح عندنا اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب فلا نعتقد أن يسنحب العموم في كل ما ورد وصدر؛ بل إنما نعمم حيث لا معارض وفي المعارض أمثلة:

منها: حديث النهي عن قتل النساء والصبيان1 أخذ أبو حنيفة بعمومه وقال: المرأة المرتدة لا تقتل، وخصصناه نحن بسببه؛ فإنه ورد في امرأة مقتولة مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فنهى إذا ذاك عن قتل النساء والصبيان لحديث:"من بدل دينه فاقتلوه" 2 وغيره من الأدلة.

ومنها: حديث أنس "ليس من البر الصيام في السفر" ورد في رجل قد ظلل عليه من جهد ما وجد، وقد تقدم الكلام فيه.

تنبيه: قدمنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والخلاف في ذلك إذا لم تكن هناك قرينة تعميم فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور بل لا ينبغي أن يكون في التعميم خلاف.

وهذا كان الشيخ الوالد ينبه عليه ويقول: من القرائن العدول عن صيغة الإفراد إلى الجمع ويمثل بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 3 نزلت في أمانة واحدة وهي مفتاح الكعبة فعدل عن الإفراد إلى الجمع ليعم كل أمانة، وأمثلة هذا تكثر وإليه الإشارة بقوله في جمع الجوامع؛ فإن كانت قرينة تعميم فاحذر فمتى عدل عن لفظ الإفراد إلى الجمع أو عن لفظ لا حصر فيه إلى ما فيه حصر مثل هو الطهور ماؤه4 أو ضم إلى المسؤول عنه في الجواب عنه غيره مثل {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} فذكر

1 البخاري 6/ 148 في الجهاد/ باب الصبيان "3015"، ومسلم 3/ 1364 في الجهاد والسير / باب تحريم قتل النساء "25/ 1744".

2 البخاري 12/ 267 في كتاب استتابة المرتدين/ باب حكم المرتد "6922".

3 النساء "58".

4 أخرجه مالك في الموطأ 1/ 22 في الطهارة/ باب الظهور للوضوء حديث "12"، الشافعي في الأم 1/ 3 في الطهارة وأحمد في المسند 2/ 361 في مسند أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود 1/ 21 في الطهارة/ بابا لوضوء بماء حديث "83" والترمذي 1/ 100 في الطهارة/ باب في ماء البحر أنه طهور حديث "69" وقال حسن صحيح والنسائي 1/ 50 وابن ماجه 1/ 136 "386".

ص: 136

السارقة قرينة في أنه ليس المراد بالسارق خصوص سارق رداء1 صفوان بل عموم كل سارق أو غير ذلك [مما] 2 دل على إرادة العموم، ومن فروع هذا ما ذكره الرافعي في فروع الطلاق "أنه لو اتهمته امرأته بالغلمان فحلف أنه لا يأتي حرامًا ثم قبل غلامًا أو لمسه يحنث، لعموم اللفظ، بخلاف ما لو قالت فعلت كذا حرامًا فقال إن فعلت حرامًا.

قال لأن هناك قرينة ترتب كلامه على كلامها وها هنا اختلف اللفظ فحمل كلامه على الابتداء؛ فانظر كيف جعل عدوله عن لفظ المسؤول قرينة إرادة التعميم؛ لكن في قوله: أو لمسه" نظر، فما اللثم بحرام إلا أن يكون بشهوة.

مسألة: اشتهر عن الشافعي رضي الله عنه أن ترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وهذا وإن لم أجده مسطورًا في نصوصه فقد نقله [عنه] 3 لسان مذهبه. بل لسان الشريعة على الحقيقة أبو المعالي رضي الله عنه ومعناه صحيح؛ فقد كانت من عادته صلى الله عليه وسلم أن يستفصل ويستقصي بحيث لا يدع غاية في البيان ولا إشكالًا في الإيضاح؛ ففي قصة ماعز قوله صلى الله عليه وسلم: "أبك جنون؟ " قال: لا، قال:"فهل أحصنت؟ " فقال نعم كذا في الصحيحين4. وفي صحيح البخاري "لعلك قبلت أو غمزت؟ " قال: لا، قال: "أنكتها؟ " قال: نعم5.

وفي صحيح ابن حبان: قال: "أنكتها؟ " قال: نعم، قال:"حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ " قال: نعم، قال:"كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ " قال: نعم، قال:"فهل تدري ما الزنا؟ " قال: نعم -أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل من [أهله]6.

وفي صحيح مسلم من حديث علقمة بن وائل حدثه قال: إني لقاعد عند رسول

1 مالك في الموطأ 2/ 834 في الحدود/ باب ترك الشفاعة للسارق "28" والشافعي في المسند "2/ 84 "278"، ومن طريق آخر ابن ماجه في السنن 2/ 865 "2595" ومن طريق ابن عباس النسائي في 8/ 69، والحاكم في المستدرك 4/ 380 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

2 سقط في "ب".

3 سقط في "ب".

4 البخاري 12/ 136 في الحدود/ باب سؤال الإمام المقر "2825" ومسلم 3/ 1318 في الحدود/ باب من اعترف على نفسه بالزنى "16/ 1692".

5 البخاري 12/ 135 في كتاب الحدود/ باب هل يقول الإمام للمقر "6824".

6 في "ب" امرأته.

ص: 137

الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل يقود آخر بنسعة1 فقال: يا رسول الله: هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقتلته؟ " فقال: إنه إن لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته، قال:"كيف قتلته؟ " قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني وأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من شيء تؤديه عن نفسك؟ " قال: ما لي إلا كسائي وفأسي، قال: فترى قومك يشترونك؟ قال: أنا أهون على قومي من ذلك، فرمى إليه بنسعته وقال:"دونك صاحبك" الحديث2.

فانظر كيف كان يستفصل صلى الله عليه وسلم ليتوضح الحال ويحق الحق وما ذلك منه مختًا بأبواب الاحيتاط من الحد والقصاص؛ بل عامًا في الأبواب ألا ترى إلى قصة المجامع3 وقوله صلى الله عليه وسلم هل تجد هل تجد ومثل حديث "أينقص الرطب إذا جف" 4 وغير ذلك من الاستفصال الواقع في كثير من أحاديث الأحكام دل ذلك على أن ترك الاستفصال إشارة إلى التعميم فكان منزلًا منزلة العموم وإن لم يكن حقيقة العموم ما أنبأت عنه الصيغة.

وهذا كما قال في المشترك: يحمل على معانيه كالعام وإن5 لم يقل إنه عام ونظير تعميم المطلق من الجواب ينزل الاستفصال تخصيص العام في الجواب بخصوص الأسباب. فإن قلت: فمساق هذا أن يكون حق من عمم ترك الاستفصال أن يقول العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ قلت: أجل، ومن ثم نقل [ذلك] 6 عن

1 هي جل من جلود مضفورة جعلها كالزمام له يقوده بها.

2 مسلم 3/ 1307 في القسامة/ باب حجة الإقرار بالقتل وتمكين ولي القتل من القصاص "34/ 1680".

3 البخاري 4/ 163 في كتاب الصوم/ باب إذا جامع في رمضان "1936" 10/ 503 "6087" وفي 11/ 595 "6709""6710""6711" ومسلم 2/ 781 في الصيام/ باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان "81/ 1111".

4 أبو داود 3/ 251 في البيوع: باب في التمر بالتمر "3359"، والترمذي 3/ 528 في البيوع "1225" وقال حسن صحيح والنسائي 7/ 268 في البيوع باب اشتراء التمر بالرطب وابن ماجه 2/ 761 في التجارات "2264" والحاكم 2/ 38- 39، ومالك في الموطأ 2/ 624 في البيوع "22"، والشافعي في المسند 2/ 159 "551".

5 في "ب" وإن ذلك.

6 سقط في "ب".

ص: 138

الشافعي ناقل هذه عنه وهو إمام الحرمين؛ فإن قلت: ألستم على أن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب؟ فهل أنتم على أن العبرة بمطلق الجواب دون التعميم؟

فلت: أعلم أن تخصيص العام أصعب من تعميم الخاص لأن فيه اقتطاعًا من اللفظ وليتنبه من ذلك إلى أنه لا يلزم من القول بأن الاعتبار بعموم اللفظ القول بأن ترك الاستفصال لا ينزل منزلة العموم؛ فمن هنا أنا أقول العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وينزل الاستفصال بمنزلة العموم.

فإن قلت: هذا عود بالنقض على قولكم: حق من عمم ترك الاستفصال أن يخصص بالسبب.

قلت: نعم. ولم يكن القصد فيما تقدم إلا أن الناقل عن الشافعي رضي الله عنه أن العبرة بتخصيص السبب هو الناقل عنه أن ترك الاستفصال للعلموم وإن كانا غير متلازمين ولذلك لا يثبت المتأخرون من أصحابنا أن العبرة بخصوص السبب وإن أثبتوا التعميم بترك الاستفصال. [إذا عرفت هذه فليترك الاستفصال] 1 أمثلة:

منها: وإياه ذكر إمام الحرمين: قصة غيلان لما أسلم على عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أمسك أربعًا وفارق سائرهن"2. ولم يسأله عن كيفية وقوع العقد عليهن معًا أو مرتبًا؛ فكان إطلاق الجواب دليلًا على أنه لا فرق بين أن تترتب العقود أو تقع معًا.

وقد أشبعنا الكلام على هذا في شرح المختصر والمخالف فيه أبو حنيفة رضي الله عنه.

ومنها: حديث المجامع في رمضان لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم له كان عامدًا أو ناسيًا. قال ابن دقيق العيد: فيدل على العموم في الحالتين. قلت: قوله: هلكت وأهكلت "صريح في أنه كان عامدًا، وفي أنه لم يكن مسافرًا ترخص ومن ثم لا يجب على الناسي كفارة ولا على المسافر الترخص ولكن لم يسأله [النبي] 3 صلى الله عليه وسلم: هل أنزل أو لم ينزل؛ فدل على شمول الحكم للحالتين وهو كذلك.

ومنها: طلاق ابن عمر امرأته في الحيض4.

1 سقط في "ب".

2 الترمذي 3/ 435 في النكاح "1128" وابن ماجه 1/ 628 في النكاح "1953" الشافعي في المسند 2/ 16 والحاكم 2/ 192- 193 والبيهقي 7/ 181.

3 سقط في "ب".

4 البخاري 9/ 367 في الطلاق "5262" ومسلم 2/ 1103 في الطلاق "24/ 1477".

ص: 139

ومنها: في حديث فيروز الديلمي في نكاح الأختين "اختر أيهما شئت" 1، ولم يسأل عن كيفية النكاحين، فدل على قطع النظر عن حالة الشرك وجعلهما الآن كأنهما أختان يريد العقد على إحداهما.

وهذا المثال ذكره جماعة من المحققين منهم الوالد رحمه الله، وقد يقال: إنه غير مطابق لأن فيه لفظة أي وهي من ألفاظ العموم الصريحة؛ فلا يحتاج معها إلى تنزيل اللفظ منزلة العموم إلا أن يكون بالنسبة إلى أحوال الناكحين فليتأمل فيه.

ومنها: إطلاقه صلى الله عليه وسلم الإذن لثابت بن قيس بن شماس2 في الخلع من غير استفصال عن [حالة] 3 الزوجة هل هي حائض أو طاهر طهرًا جامعها فيه أو لم يجامعها مع أن الحيض ليس بنادر في النساء ولا في الطهر الذي جامعها فيه.

ومن ثم استدل الأصحاب على جواز خلع الحائض والطاهر طهرًا جامعها فيه وهو الصحيح في المسألتين؛ لهذا الحديث.

ومنها: حديث عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم: إني استحاض فلا أطهر أفادع الصلاة؟ 4.

قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: المستحاضة إما مبتدأة أو معتادة وكل منهما إما مميزة أو غير مميزة والحديث فيه دلالة على أن هذه المرأة كانت معتادة لقوله صلى الله عليه وسلم "دعي الصلاة قدر الأيام التي كانت [تحيضين] 5 فيها" وليس في هذا دليل على أنها مميزة أو غير مميزة فإن ثبتت رواية أخرى تدل على التمييز لا معارض لها؛ وإلا فقد يستدل بهذه الرواية من يرى الرد إلى أيام العادة وإن كانت غير مميزة وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي رضي الله عنه والتمسك به ينبني على أن ترك الاستفاصل ينزل منزلة العموم،

1 أحمد في المسند 2/ 447، البيهقي في السنن 8/ 3، شكل الآثار ص176- 178.

2 البخاري 9/ 395 في الطلاق/ باب الخلع "5273".

3 في "ب" حال.

4 البخاري 1/ 331 في الوضوء/ باب غسل الدم "228"، و "306" ومسلم 1/ 262 في الحيض باب المستحاضة "12/ 333".

5 سقط في "ب" والحديث أبو داود في السنن 1/ 80 في الطهارة "297" والترمذي 1/ 220 في الطهارة "126""127" وابن ماجه 1/ 204 في الطهارة "625" والدارمي 1/ 202.

ص: 140

وما يقال1 إنه صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون علم الواقعة فيه نظر ظاهر في إنه صلى الله عليه وسلم أول علم حالها بحكمها قبل أن يسأل فإن لها حكمًا خاصًا؛ فلما لم يأمرها قبل سؤالها دل على أن علمه صلى الله عليه وسلم بها إنما كان بعد سؤالها.

قلت: إنما يأمرها بحكمها قبل السؤال عند الحاجة إلى البيان؛ ولعل علمه سابق [قيل] 2 سؤالها بزمن لا امتداد له بحيث لا يحاج إلى البيان فالدليل على عدم العلم بحالها ليس ما ذكر؛ إنها قالت: "إني أستحاض فلا أطهر" أخبرته بشأنها، ولو كان يعلمه لقالت:"إني كما علمت أفأدع الصلاة" وهذا ظاهر وليس بقاطع.

فوائد:

أحدها شكك الإمام رحمه الله في البرهان على تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم [فإنه] 3 لا يمتنع أن يكون صلى الله عليه وسلم علم الواقعة فترك جوابه على ما علم ولأجل كلام الإمام هذا قال بعض المتأخرين: حكم الشارع في واقعة سئل عنها ولم يقع بعد عام في أحوالها ولذلك إن وقعت ولم يعلم كيف وقعت وإن علم فلا عموم. وإن جهلنا نحن هل علمت [بالوقف] 4 والظاهر العموم.

قال ابن دقيق العيد: ولقائل أن يدفع الاعتراض المذكور الموجب للتوقف بأن الأصل عدم العلم بالحالة المخصوصة فيعود إلى الحالة التي لم يعلم كيفية وقوعها إلا أن يكون المراد القطع.

الثانية: إذا كان بعض صور الواقعة نادرًا؛ فهل يجعل ترك الاستفصال عامًا فيه على القول بالعموم؟ وبأن الصورة النادرة [هل] 5 تدخل في العموم؟ أو يقال: تدخل [الصورة] 6 النادرة قطعًا لاحتمال أن تكون هي الواقعة أو لا تدخل قطعًا لأن دخولها أضعف من دخول غيرها وهذا عموم حكمي فلا يقوى على الاستدخال قوة صرائح الألفاظ فيه نظر واحتمال والأرجح الأول وإن كان للرافعي [قول] 7 في اختلاع الحائض لما استدل بقضية امرأة ثابت أن الحيض ليس بأمر نادر ومن أمثلة ذلك ما في الصحيحين عن سبيعة الأسلمية أن زوجها سعد بن خولة توفي عنها وهي حامل فلم تلبث أن وضعت

1 في "ب" وما يقال من أنه.

2 في "ب" علي.

3 في "ب" بأنه.

4 سقط في "ب".

5 سقط في "ب".

6 سقط في "ب".

7 سقط من "أ" والمثبت من "ب".

ص: 141

حملها بعد وفاته؛ فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال: ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا، قالت سبعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي1.

قال ابن دقيق العيد: استدل به بعضهم على انقضاء العدة بوضع الحمل على أي وجه كان مضغة أو علقة استبان فيه الخلق أم لا من حيث أنه رتب حل النكاح على وضع الحمل من غير استفصال.

قال: وهذا ضعيف [لأن] 2 الغالب هو الحمل التام المتخلق ووضع المضغة والعلة نادر وحمل الجواب على الغالب ظاهر؛ وإنما يقوي تلك القاعدة حيث لا يترجح بعض الاحتمالات على بعض.

قلت: وفيه نظر فإن الظاهر دخول النادرة وقوله: "إنما يقوي تلك القاعدة حيث لا يترجح بعض الاحتمالات" جوابه أنه لا تعارض بين الاحتمالات حتى يطلب [مرجح]3.

الثالثة: إذا سئل صلى الله عليه وسلم عن واقعة فاستفصل عن حاله كان [عموم] 4 فيما لم يستفصل باقيًا؛ بل هو أبلغ من العموم فيها إذا لم يستفصل مطلقًا لأن استفصاله عن حالة وسكوته أدل على التعميم في السكوت ويدل استفصاله في موضع الاستفصال على أن ما استفصل به قيد في الحكم ومن ثم قال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم للنعمان بن بشير لما طلب منه أن يشهد على هبته لبعض أودلاه أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال: "إني لا أشهد على جور" 5 أنه يشترط في هبة الأولاد المساواة.

مسألة:

من حقها أن تذكر في مسائل المجمل والمبين غير أن شدة ارتباطها بالمسألة قبلها يوجب أن تذكر عقبها.

1 البخاري 9/ 470 في الطلاق "5318".

2 في "ب" لا.

3 في "ب" ترجيح.

4 في "ب" عمومه.

5 أخرجه البخاري 5/ 258 في الهبة/ باب لا يشهد على شهادة جور "2650" ومسلم 3/ 1243 في الهبات/ باب كراهة تفضيل بعض الأولاد "16/ 1623".

ص: 142

وقائع الأعيان إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال فقط بها الاستدلال.

وربما عزبت هذه العبارة إلى الشافعي رضي الله عنه وهي لائقة بفصاحته فما أحسن قوله: كساها ثوب الإجمال؛ إذ الثوب من شأنه أن يغطي ويستر فلا يكشف ما هو ضمنه. وهذا هو شأن الإجمال يستر المراد فلا يهتدي إليه طالبه.

وقد زعم بعضهم أن هذا يعارض قوله: ترك الاستفصال في حكاية الأحوال ينزل منزلة العموم من قبل أنه قضي بالعموم هناك على ذي محتملات والإجمال هنا على ذي محتملات.

والصواب أن الكلامين لم يتواردا على محل واحد؛ فذلك في صغية مطلقة ترد على ذي أحوال فيعلم أنه لولا عمومها لما أطلقها إطلاقًا فإن شأنه أجل من أن يطلق في موضع التقييد.

وهذه في واقعة حكم فيها بحكم ولم نعلم نحن على أي الوجهين وقعت؛ فكيف يقضي بأنها وقعت على كلا الوجهين، والقضاء بذلك خطأ قطعي [لأنها] 1 وإن احتملت الوجهين إلا أنا على قطع بأنها لم تقع إلا على وجه واحد والحكم صادف ذلك الوجه فإذا لم نعلمه نقف ونقضي بالإجمال.

[كما] 2 أن ذلك عموم حكمي غير مكتسب من صيغة [وهذا] 3 إجمال حكمي غير مكتسب من صيغة. فالصيغة لم تقع إلا مبينة؛ لأنها صادفت إحدى الحالتين المعروفة عند ورود الصيغة عليها فلم يقع فيها إشكال إلا في ثاني الحال بالنسبة إليها حيث لم يطلع عليها فصار الإجمال فيها لا في صيغتها.

وسمعت الوالد رحمه الله يذكر في الجمع بين العبارتين بعدما عزاها إلى الشافعي أن القاعدة الأولى [الاستدلال] 4 فيها بقول الشارع وعمومه ومثل لها بقوله صلى الله عليه وسلم لفيروز وقد قال: إني أسلمت وتحتي أختان: اختر أيتهما شئت.

قال: والثانية: سقوط الاستدلال بالواقعة نفسها لا بكلام الشارع والواقعة نفسها

1 في "ب" إليها.

2 سقط في "أ" والمثبت من "ب".

3 سقط في "ب".

4 في "ب" للاستدلال.

ص: 143

ليست بحجة وكلام الشارع حجة وكلام الشارع لا إجمال فيه. والواقعة فيها إجمال عند تطرق الاحتمال؛ انتهى.

وذكره [في] 1 باب ما يحرم من النكاح في شرح المنهاج وهو حق إلا أنه وقف على فهمي منه قوله: إن القاعدة الأولى الاستدلال فيها بعموم لفظ الشارع مع أن شرطها أن لا يكون هناك لفظ عام لكن يؤيده [استدلاله] 2 بحديث فيروز وفيه لفظ أي وكذلك استشهد به غيره ولذلك أمثلة.

منها: أنه صلى الله عليه وسلم صلى [العشاء] 3 بعد غيبوبة الشفق4، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة5 فلا يعم الشفقين ولا الفرض والنقل وهي مسألة أن الفعل لا عموم له خلافًا لقوم.

ومنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه رضي الله عنهن [في] 6 إناء واحد تختلف أيديهما فيه7؛ فيحتمل حصول رشاش ويكون حينئذ دليلًا على أن مثل هذا لا يضر ولا يقدر مخالفًا للماء ولا يستدل به على الطهارة بفضل المرأة لجواز أنها استعملت بعده.

وقوله: تختلف أيديهما فيه لا عموم له إذ لا يصدق مع تأخره عنه ولهذا جاء في الحديث أنها قالت: أبق لي أبق لي8 ولم يقل هو صلى الله عليه وسلم لها: "أبقي لي".

قال: ابن دقيق العيد: لما احتمل اللفظ اغترافهما معًا واغترافها بعده لم يكن فيه عموم فكفى العمل به من وجه.

1 في "ب" عند.

2 في "ب" استشهاده.

3 سقط في "ب".

4 الشافعي في الأم 1/ 71، وأحمد في المسند 1/ 333، وأبو داود 1/ 107 في الصلاة "393" والترمذي 1/ 278 "149" وابن خزيمة 1/ 168 "325".

البخاري 1/ 578 في الصلاة "505" ومسلم 2/ 966 في الحج/ باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره "388/ 1329".

6 في "ب" من.

7 أخرجه مسلم 1/ 256 في الحيض/ باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة "45/ 321".

8 في رواية مسلم دع لي دع لي "46/ 321".

ص: 144

ومنها: ذهبت الحنفية إلى أن القلتين ينجسان بملاقاة النجاسة، لقلتها عندهم إذا الكثير عندهم هو المستبحر، واحتجوا بأن زنجيًا وقع في بئر زمزم فمات فأمر ابن عباس رضي الله عنها بمائها أن ينزح الأثر. قالوا: وزمزم ماؤها أكثر من قلتين ولم ينقل تغييرها؛ فدل على تنجسها بمجرد الملاقاة.

وأجاب الشافعي رضي الله عنه بأجوبة.

منها: أن الدم قد يكون ظهر [فيها] 1 فنزحها ربما كان تنظيفًا لا وجوبًا.

أشار رضي الله عنه بهذا إلى أنها واقعة عين احتمل أن يكون نزحها تنظيفًا، وأن يكون احتياطًا لاحتمال التغيير، وأن يكون [لاحتمال] 2 النجاسة فيما إذا لم تتعين النجاسة.

مسألة خلافية بيننا وبين الحنفية:

ففي المساواة بين الشيئين أو الأشياء يقتضي العموم لكن بالطريقة التي قررناها في الأصول.

وقد مثل له الفريقان بما دعاهم إلى ذكره في مسألة قتل المسلم بالكافر وهو قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} 3؛ فمن حيث تعميمه لكونه نكرة في سياق النفي.

قالت الشافعية: انتفت المساواة بين المسلم والكافر فلا يقتل به. وعندي أن التمسك بهذه الآية غير متوجه؛ فإن فيها إشارة إلى تخصيص المساواة [بالقول] 4 حيث قال: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون} أشار إلى أن المعنى نفي المساواة من هذه الحيثية لا مطلقًا فالصواب التمثيل بغير هذه الآية.

ورأيت الماوردي لما نقل عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما منع الوضوء بماء البحر استدل لهما بقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} 5.

قال: وهذا يدل على أن البحر المالح لا يجوز الوضوء به؛ إذ لو جاز لا يستويان ولك أن تقول: هذا كالأول وأزيد؛ وإنما قلت إنه كالأول لقوله عقيبه وما يستوي البحران هذا

1 سقط في ب.

2 سقط في ب.

3 الحشر 20.

4 في "ب" القود.

5 فاطر 12.

ص: 145

عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج؛ وإنما قلت: إنه أزيد لقوله تعالى: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} الآية؛ فقد سوى بينهما في أكل اللحم واستخراج الحلية بعدما نفي المساواة فدل على أن المراد ليس نفيها مطلقًا بل نفيها خاصًا وهو ما سيقت له من الامتنان بما أنعم الله عليهم من البحرين كما قلنا في الآية قبلها.

إذا عرفت هذا فأقول: أوضح من الآيتين في التمثيل قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} 1؛ فإنه تعالى وإن قال عقب ذلك: {أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا} الآيتين؛ فليس قوي الدلالة في أنه إنما أراد هذه الحيثية لوقوعه في آيتين، ومن ثم لم أمثل في جمع الجوامع إلا بهذه الآية حيث قلت: وتعميم نحو: {لَا يَسْتَوُونَ} وإن كان فيها هذا الاحتمال إلا أنه ليس بظاهر فيها لأنها في قوة قولك: "لا يستوي المؤمن والكافر ومن ثم للمؤمن كذا وللكافر كذا" فتدل الآية على أن الفاسق لا يلي النكاح.

ولست أدعي الصراحة ولا الظهور الذي تطهر به القلوب؛ بل إنه في الآية أوضح منه في الآيتين السابقتين.

وكذلك في قوله تعالى في غافر2 {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ} ؛ ففيه دلالة على أن البصير أولى في إمامة الصلاة من الأعمى وهو رأي الشيخ أبي إسحاق، ورجحه الوالد رحمهما الله.

وكذلك قوله تعالى في سورة النحل3: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

وقوله تعالى في سورة الجاثية4: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً} على قراءة النصب وبها قرأ حمزة والكسائي وحفص.

وقوله في سورة آل عمران5: {لَيْسُوا سَوَاء} اي ليس أهل الكتاب مستويين أي سواء أوقفنا على سواء وقلنا: الواو ضمير لأهل الكتاب، و"ليس" اسم خبرها سواء و"من أهل الكتاب" خبر مقدم وأنه رفع بالابتداء، و"قائمة" نعت لها، والجملة مستأنفة

1 السجدة 18.

2 58.

3 76.

4 21.

5 113.

ص: 146

لبيان انتفاء التسوية أو قلنا: "أمة" مرتفعة بسواء أي ليس أهل الكتاب مستويان من أهل الكتاب أمة قائمة موصوفة بما ذكر واخمة كافرة وحذفا لعامل لدلالة المذكورعليها كقوله:

دعاني إليها القلب إني لأمرها

سميع فما أدري أرشد طلابها

أي: "أم غي".

وقوله تعالى في سورة الحديد1: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}

فرع: دفع المكاتب من الزكاة فهل له صرفه إلى غير النجوم؟ نقل الإمام أن له ذلك، وأن يؤدي النجوم من كسبه، وقطع صاحب الشامل بأنه ليس له ذلك، قال النووي، "وهو أقيس" قال الرافعي: ويجب أن يكون الغارم كالمكاتب.

قلت: ويمكن رد الخلاف إلى الخلاف فيما لو استغنى المكاتب أو الغارم بما أعطيه ويفي مال الزكاة في يده هل يسترد منه؟ والأصح أنه لا يسترد؛ فإن قلت: قد رجح تعين الصرف في جهة الكتابة والدين مع كون المدفوع واجبًا، وقد قلتم: إن مع الوجوب لا تتعين الجهة المدفوع بسببها. قلت: لا يجب في الزكاة الدفع لهذا الغارم وهذا المكاتب بعينه [وبتقدير تعينه] 2؛ فالفرق أن مال الزكاة موزع بقسمة الله تعالى بين أصناف لا بد من استيعابها لمقصد الشارع.

ومنها: الطعام والكسوة في الكفارات لا خلاف أنه لا يتعين ويجوز صرفه في غير جهة الكسوة والطعام.

الفصل الثاني:

في سرد شيء من فروع حمل المطلق على المقيد.

فمنها: ما لو قال لزوجته وأجنبية: إحداكما طالق لم تتعين الزوجة على الصحيح؛ بل له أن يقول: إني أردت الأجنبية، ولا يلزمه طلاق.

فلو قال: ما عينت واحدة بقلبي حكم بقووع الطلاق؛ وإنما ينصرف الطلاق عن الزوجة عند إرادة الأجنبية لا عند الإطلاق. ذكره الرافعي قبل الباب السادس من التعليقات.

1 10.

2 سقط في "ب".

ص: 147

مسألة:

المقيد بمتنافيين يستغنى عنهما ويرجع إلى أصل الإطلاق، وفيه صور.

فمنها: لو قال: أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو نحوه فيما يجمع فيه بين صفتي المدح والذم والمخاطبة من ذوات الأقراء وقع الطلاق في الحال، كما لو قال للسنة والبدعة وفي توجيهه خلاف الأظهر عند الرافعي أن وجهه أنه وصف الطلاق بمتضادين فيلغوان ويبقى أصل الطلاق.

فإن قلت: لو شهد اثنان أنه زنا بها مكرهة وآخر أنه زنا بها طائعة لم يجب عليها حد الزنا قطعًا، ولا عليه على الصحيح مع أن الطواعية والكراهية متقابلان فهل لا يثبت أصل الزنا.

قلت: لأن تقييده بالكراهية لا يقدح في أصله، وعلى شاهدي الطواعية حد القذف للمرأة فامتنع قبول قولهما لنفسهما.

تنبيه:

قال صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ كلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب" 1 وفي رواية: أولاهن بالتراب2، وفي رواية:"فعفروه الثامنة بالتراب"3.

فسال سائل: لم لا تتعين الولى حملصا للمطلق في إحداهن على المقيد فيها فأجبت: إن رواية "إحداهن" تعارضها "فعفروه الثامنة".

وضعف هذا الجواب بأنه لا معارضة بينهما ويمكن العمل بهما أوالتخيير بين الأولى والأخيرة، وقيل: إن الشافعي نص على هذا في مختصر البويطي.

كحل ذلك ذكرته في شرحي "المختصر"

و"المنهاج" والذي أفنده هنا أن سماعي من الوالد رحمه الله في درس الغزالية مرة وخارج الدرس غير مرة أن الشافعي رضي الله عنه روى "أولاهن أو أخراهن" قال الوالد رحمه الله: فإن ثبت هذا في الحديث فهو للتخيير فينبغي أن يجب في إحداهما لا بعينها ولا يجزئ في غيرهما ولا أعرف قائلًا به وإن لم يكن في الحديث بل كان شكًا من الراوي فيحتمل أمرين:

1 الدارقطني في السنن 1/ 65.

2 مسلم 1/ 34 في الطهارة "91/ 279".

3 مسلم في المصدر السابق "93/ 280".

ص: 148

أن يكون الحكم كذلك أيضًا؛ لأنه إذا حصل التراب في غيرهما يقطع بعدم حصول المرتين.

وإذا استعمله في إحداهما احتمل حصول المقصود، ويبقى غيرها محتملًا والأصل عدمه، وهذا كما يقول: فيمن شك "هل" الخارج من ذكره مني أو مذي [أنه يتحرى ويحتمل أن يقال: يجيئان جميعًا ولا يجزئ غيرهما "وهذا مأخذه مأخذ القول بوجوب الاحتياط في مسألة إذا شك هل الخارج من ذكره مذي أو مني] 1 ولا أعرف من قال بهذا الوجه.

ويحتمل احتمالًا ثالثًا: وهو أن الشك لما وقع من الراوي لم يثبت واحدًا منهما ولا يجب واحد منهما وهذا يشبه تساقط البيتين؛ بل هو أولى لأن كلا من البيتين جازمة بما قالت، والشاك لم يجزم بشيء؛ فلم تثبت الأولى ولا الأخيرة وعلى هذا لا يثبت من هذه الرواية وجوب التراب أصلًا لكنا نأخذه من الرواية الأخرى وهي مطلقة فنقيها على إطلاقها لعدم ثبوت المقيد أعني بالنسبة إلى هذه الرواية.

نعم وردت رواية أخرى جازمة فيها "أولاهن"؛ فإن يرجح على رواية الشك كان التساقط لأجل شك الراوي حينئذ لا يبقى بها وإن ترجحت يبقى النظر بينهما وبين المطلقة.

فإن كان اختلافًا من الرواة "فينبغي النظر والترجيح فإن ترجحت المطلقة عمل بها وإن ترجحت المقيدة تعين في الأولى.

وإن لم يكن اختلافًا من الرواة؛ بل يكون النبي صلى الله عليه وسلم نطق بهما في مرتين كان من حمل المطلق على المقيد فيتعين في الأولى إلا أن يعارض بقوله: الثامنة بالتراب "إذا لم نجعل الثامنة ثامنة العدد ويحنئذ يكون مقيدًا بقيدين فيبقى على إطلاقه" انتهى كلام الوالد رحمه الله.

وأقول: سلمنا أنه مقيد بقيدين، ولكن لم قلتم: يبقى على إطلاقه ولا تنافي بين القيدين؟

فائدة: أعرب القاضي الماوردي في كتاب "الحاوي" وفي كتاب "أدب القضاء"

1 من قول إنه يتخير إلى أو مني سقط من "أ" والمثبت من "ب".

ص: 149

أولى المذاهب عندي في المطلق والمقيد أن يعتبر أغلظهما؛ فإن كان المطلق حمل المقيد عليه وإن كان المقيد حمل المطلق عليه؛ لئلا يؤدي إلى إسقاط ما تيقنًا وجوبه بالاحتمال، وحكاه عنه صاحب البحر ساكتًا عليه. وهو كلام عجيب فإن المقيد أبدًا أغلظ من المطلق لاشتماله عليه، فأي شيء هو غير مذهب الشافعي "رضي الله عنه"، فإن قال في "أعتق رقبة" مثلًا إنه مطلق و"أعتق معينة" أنه مقيد، وإن قال: أجوز غير المعينة حملًا للفظ على إطلاقه؛ فيقال له إن كان ذلك لقياس فإن إجزاء المعينة يقتضي إجزاء غيرها بطريق الأولى. فنحن لا ننكره وليس مما نحن فيه. وإن كان لا قياس فهو إسقاط للفظ الشارع بلا موجب؛ بل متى أمكن تعين المعينة تعينت وكنا قد علمنا بالمطلق والمقيد جميعًا، لأن المطلق لا ينافيها.

مسألة:

"المختار إذا نسخ حكم الأصل لا يبقى معه حكم الفرع". ومعنى ذلك أنه إذا ثبت حكم من الأحكام في مسألة مثلًا بنص ثم استنبطنا منه علة، أو كانت منصوصة وألحقنا بالحكم المنصوص ما ليس بمنصوص قياسًا ثم نسخ الأ صل الذي استنبطنا منه القياس تداعي ذلك إلى ارتفاع القياس المستنبط عنه وخالفت الحنفية في ذلك.

وعليه مسائل: منها: قالوا: لا يجوز التوضؤ بالنبيذ المسكر النيء ويجوز بالمطبوخ وقالوا: قد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنيء1 وألحق به المطبوخ قياسًا ثم نسخ الوضوء بالنيء وبقي التوضؤ بالمطبوخ.

ومنها: ادعوا أن صوم يوم عاشورا كان واجبًا ويجوز إيقاع النية فيه نهارًا بالإجماع. قالوا: وألحق به رمضان قياسًا.

قلنا لهم: قد نسخ صوم [يوم] 2 عاشوراء إن اتفق إيجابه، قالوا: قد ينسخ الأصل ويبقى حكم القياس في الفرع.

ومنها: قال علماؤنا: يكره شرب المنصف والخليط وسببه أن الشدة والإسكار

1 روى من حديث ابن مسعود وابن عباس فحديث ابن مسعود رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وحديث ابن عباس رواه ابن ماجه في السنن.

وانظر الكلام على هذين الطريقتين مفصلًا في نصب الراية للزيلعي 137- 148.

2 سقط في "ب".

ص: 150

يتسارع إليه بسبب الخلط قبل أن يتغير الطعم فيظن الشارب أنه ليس بمسكر وهو مسكر.

قال الرافعي: وهذا كالنهي عن الظروف التي كانوا ينبذون فيها واعترضه ابن الرفعة بأنه لو صح هذا التشبيه لا نتفت الكراهة لأن النهي عن اتخاذ الظروف نسخ.

قلت: وفيه نظر لأنه -أعني- ابن الرفعة -حاول أن يكون الرافعي قد قاس على أصل منسوخ كما فعلت الحنفية فيما قدمنا وليس كذلك؛ وٍإنما شبه حكمًا بحكم من غير أن يجعل وجه الشبه أصل القياس.

وإنما يرد هذا على الرافعي لو قال: "إنما"1 كرهنا شرب الخليط2 [لأن النهي عن اتخاذ الظروف نسخ] 3 وليس ذلك في كلامه.

مسألة:

إذا تعارض القول والفعل فالقول أقوى على الأقوى. وعندي تنقيح [لهذا] 4 القول الأقوى وهو أن القول إذا دل على الحكم من تحليل وتحريم ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف والفعل أدل على الكيفية ولذلك لما أراد "الصحابي"5 أن يثبت في الأذهان كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بحضرتهم ليريهم ذلك غير قانع بوصفه باللسان ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ولولا تصريح كثير بما ظاهره خلاف ما أقول لتركيب [الخلاف] 6 في أن الفعل مقدم أو القول على هذين الحالين وإذا عرفت أن القول مقدم؛ فنحن نذكر أمثلة من تعارض الأقوال والأفعال ثم ما اخترنا فيه قضاء الفعل على القول سببه وما جرينا فيه على الأصل في تقديم القول سكتنا عنه.

فمنها: الساجد. قال الشافعي رضي الله عنه: يضع ركبتيه قبل يديه لما روى أبو داود والترمذي من حديث وائل بن حجر "رأيت رسول الله إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"7 وهذا صريح وهو على شرط مسلم، وقال الترمذي: إنه حديث حسن.

1 في "ب" إنا.

2 في "ب" بالقياس على الظروف.

3 سقط في "ب".

4 في "ب" بهذا.

5 في "أ" الفحال.

6 في "ب" الاختلاف.

7 أبو داود 1/ 222 في الصلاة/ باب كيف يضع ركبتيه "838" والترمذي 2/ 56 في أبواب الصلاة "268" والنسائي 2/ 205 في كتاب التطبيق وابن ماجه 1/ 286 في إقامة الصلاة "882" وابن خزيمة 1/ 319 "629" وابن حبان 1/ 291 "1903".

ص: 151

ويعارضه حديث رواه أبو داود أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" 1 وإسناده جيد وبه أخذ مالك رحمه الله.

قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: ويترجح بأنه قول وأمر وهو أقوى من الفعل وكاد يقدم على ترجيح مذهب مالك.

وتوقف النووي في شرح المهذب بين المذهبين [قال] 2 ولم يرجح أحدهما من حيث السنة.

قلت: وفي صحيح ابن خزيمة من حديث سعد بن أبي وقاص: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين في اليدين

" وهذا عمدة في النسخ غير أن الشيخ الإمام توقف فيه ذاكرًا أن في إسناده ضعفًا.

ومنها: سجود السهو. وروي عن الزهري: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السلام وبعد السلام3، وأخر الأمرين قبل السلام وهذا من تعارض الفعلين "لا القول والفعل"4 وقد بين فيه الأخير من الأمرين فأمره واضح.

ومنها القيام للجنازة. قال علي كرم الله وجهه: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمنا معه ثم قعد فقعدنا" رواه مسلم5 وهو كالذي قبله.

1 أبو داود 1/ 222 في الصلاة "840" والترمذي 2/ 57 أبواب الصلاة "269" والنسائي 2/ 207، وأحمد في المسند 2/ 381 الدارقطني في السنن 1/ 344 "3"، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 99.

2 سقط في "ب".

3 1/ 319 باب ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود "منسوخ "628".

4 قال الزيلعي: اختلف الناس في هذه المسألة على أربعة أقوال فطائفة رأت السجدة بعد السلام عملًا بحديث ذي اليدين وهو مذهب الحنفية، وقال به من الصحابة علي وسعد وعبد الله بن الزبير ومن التابعين الحسن وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى والحسن بن صالح وأهل الكوفة، وذهبت طائفة إلى أن السجود قبل السلام أخذًا بحديث ابن بحينة رواه البخاري وأخذ بحديث الخدري رواه مسلم.

وانظر مزيد تفصيل في نصب الراية 2/ 170.

5 2/ 262 في الجنائز/ باب نسخ القيام للجنازة "84/ 962".

ص: 152

ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر1 ثم صلاته2 الركعتين بعدها قضاء لسنة الظهر، وهو فعل خاص عارض [قولًا وفعلًا] 3 عامًا.

ومنها: النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة4. ورواه ابن عمر مستدبر الكعبة ومستقبل بيت المقدس بين البيوت5 بالمدينة فخصص الشافعي وجمهور العلماء "رضي الله عنهم" القول بهذا الفعل، وقالوا: النهي عن الصلاة بعد العصر مخصوص بما له سبب كقضاء الفائتة، وعن الاستقبال والاستدبار مخصوص بالبنيان.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة: "كل مما يليك" 6 وروى أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يتتبع الدباء من جوانب الصفحة7.

ومنها: نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب9 قائمًا وثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك10 فحمل النهي على كراهة التنزيع، وشربه صلى الله عليه وسلم على بيان الجواز، وإذا فعل لهذا الغرض لم يكن مكروهًا في حقه وقت فعله إياه.

1 البخاري 2/ 61 في كتاب مواقيت الصلاة "586"، ومسلم 4/ 567 في صلاة المسافرين "288/ 827".

2 انظر البخاري 3/ 105 حديث "1233" ومسلم 1/ 571 "297- 834".

3 سقط في "ب".

4 انظر البخاري 1/ 498 "394" ومسلم 1/ 224 في الطهارة باب الاستطابة "59/ 264".

5 انظر البخاري 1/ 250 "148" ومسلم 1/ 225 "62/ 266".

6 البخاري 9/ 521 في الأطعمة/ باب التسمية على الطعام "5376" ومسلم 3/ 1599 في الأشربة/ باب آداب الطعام "108/ 2022".

7 البخاري 4/ 318 في البيوع: باب الخياط "2092" وفي الأشربة "144/ 2041".

8 مسلم من حديث جابر رضي الله عنه في اللباس/ باب في منع الاستلقاء على الظهر "72/ 2099".

9 انظر صحيح مسلم في الأشربة/ باب كراهية الشرب قائمًا 3/ 1600 في المصدر نفسه حديث "116/ 2026".

10 انظر البخاري 3/ 492 "1637" وحديث "5617" ومسلم 3/ 162 "120/ 2027".

ص: 153

ومنها: قال صلى الله عليه وسلم: "توضؤوا مما مست النار" 1، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أكل من كتف شاة وصل ولم يتوضأ2 وقال جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ومن ثم ذهب الجمهور إلى أن القول منسوخ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"أفطر الحاجم والمحجوم"3. وقال ابن عباس: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم4

قال الشافعي والجمهور الفعل ناسخ؛ لأن شدادًا قال في حديث: كنت مع رسول الله زمان الفتح لثمان عشرة خلت من رمضان فرأى رجلًا يحتجم فقال: أفطر الحاجم والمحجوم5.

قال الشافعي رضي الله عنه: ولم يصحب ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم محرمًا قبل حجة الوداع فكان فعله سنة عشر وقوله: عام الفتح سنة ثمان؛ فالفعل ناسخ، وقيل: الفعل من خصائصه وقيل: القول مقدم.

ومنها: [حديث] 6 يعلى بن أمية7 أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة -كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك" وقالت عائشة رضي الله عنها: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم أصبح محرمًا يتضمخ طيبًا. وفي رواية عنها: لقد رأيت وبيص المسك في مفرق رسول الله بعد ثلاث وهو محرم7 فرأى الشافعي وأحمد رحمهما الله وطوائف أن هذا الفعل في حجة الوداع كما جاء

1 مسلم 1/ 273 في الحيض: باب الوضوء مما مست النار "90/ 352".

2 البخاري 1/ 310 في الوضوء "207" ومسلم 1/ 273 الحيض "91/ 354".

3 أخرجه أبو داود 2/ 308 في الصوم باب في الصائم يحتجم "2369" وابن ماجه 1/ 537 في الصيام "1681" والشافعي في المسند 1/ 255 "685" وأحمد في المسند 4/ 123 والدارمي في السنن 2/ 14 والبيع في 4/ 265 والحام 1/ 428.

4 البخاري 3/ 50 في جزاء الصيد "1835" ومسلم 2/ 862 في الحج باب جواز الحجامة للمحرم "87/ 1202" وابن ماجه 1/ 537 في الصام/ باب ما جاء في الحجامة للصائم "1682".

5 ابن ماجه المصدر السابق "1681".

6 سقط في "ب".

7 البخاري 4/ 393 في الحج "1536" وفي 9/ 9 في فضائل القرآن "4985" ومسلم 2/ 836 حديث "6/ 1180""847".

ص: 154

مصرحًا في روايات كثيرة؛ فهو ناسخ لحديث الجعرانة، ورأى مالك وأبو حنيفة تخصيص الخطاب بالأمة.

ومنها: قال صلى الله عليه وسلم في شارب الخمر: "فإن شرب الرابعة فاقتلوه" 1 مع رواية ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسكران في الرابعة فجلده ولم يقتله وكذلك روى ابن المنذر عنه صلى الله عليه وسلم، فاعتضد كل من الإرسالين بالآخر، وحكم بنسخ الأمر بالقتل.

ومنها: حديث بريدة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أوصاه بالدعاء إلى الإسلام قبل القتال2.

ذهب جمهور العلماء إلى أنه منسوخ بإقدامه صلى الله عليه وسلم على القتال قبل الدعوة غير مرة.

وذكر ابن عون أن نافعًا ذكر أن الدعاء إنما كان في أول الإسلام. وقيل الدعاء قبل القتل ندب.

وقيل: يختص بمن لم تبلغه الدعوة.

ومنها: قطعه صلى الله عليه وسلم أيدي العرنيين وأرجلهم وسمل أعينهم3

الحديث، ثم نهى عن المثلة؛ فكان النهي ناسخًا.

وهذه الصور كلها عرف فيها المتقدم. ومنها: حديث $"من أصبح جنبًا فلا صوم له"4.

1 أخرجه الترمذي معلقًا 4/ 49 في الحدود/ باب 15 عقب حديث "1444"؛ فقال روى محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله. وعزاه المزي في التحفة للنسائي 2/ 373 "3073" والحاكم في المستدرك 4/ 373 في الحدود باب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدًا.

2 مسلم 3/ 1357 في الجهاد والسير حديث "3/ 1731".

3 انظر البخاري 12/ 109 في الحدود/ باب في المحاربين من أهل الكفر "6803" ومسلم 3/ 1296 في القسامة/ باب حكم المحاربين "9/ 1671".

4 ابن ماجه 1/ 543 في باب ما جاء في الرجل يصبح جنبًا وفي البوصيري في الزوائد إسناده صحيح رواه من هذا الوجه وذكره البخاري تعليقًا في الصحيحين أن أبا هريرة سمعه في الفضل وزاد مسلم ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 155

مع حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام1.

فالذين ذهبوا إلى العمل بالقول، وقالوا: من أصبح جنبًا فلا صوم له. شذوذ من الناس والجماهير عملوا بالحديث الآخر مفنهم من ادعى النسخ في الأول كالخطابي ولعله قامت عنده الدلالة على تقدم تاريخه، ومنهم من ترجح عنده حديث الفعل لموافقة دلالة الآية وبمرجحات أخرى.

ونحن إذا قلنا بعدم القول فذلك من حيث أنه قول وقد يعضد الفعل أمور تصيره أرجح.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم" 2؛ قول عارضه أنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ولم يجلده3، وقد ذهب أحمد رضي الله عنه وإسحاق وداود وابن المنذر إلى العمل بالقول فجمعوا على الثيبت بين الجلد والرجم.

وذهب الجمهور إلى العمل بالفعل وذكروا أن الجمع بينهما منسوخ، ويمكن أن يقال: إن هذا الفعل عضده قول آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"4.

الحديث ليس فيه ذكر جلد. ولو كان لبينة فيتساقط القولان ولا يخفي أن الفعل إنما يكون مرجوحًا بالنسبة إلى القول إذا لم يعضده قول، أما إذا عضده فالفعل أرجح. وهذا واضح وبه صرح أبو الحسن السهيلي في كتاب أدب الحديث.

تنبيه: التقرير فعل غير أنه مرجوح بالنسبة إلى الفعل المستقبل. فالمراتب ثلاث قول ثم فعل غير تقرير ثم تقرير؛ وإنما لم يذكر الأصوليون التقرير في مسألة تعارض الأقوال والأفعال لدخوله في الفعل وفي باب التراجيح عند التمييز بينهما. قالوا: الفعل أرجح من التقرير ومن أمثلة تعارض التقرير مع القول قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: "إذا صلى

1 البخاري 4/ 153 في الصوم حديث "1930" ومسلم 2/ 780 في الصيام حديث "76/ 1109".

2 مسلم 3/ 1316 في الحدود "12/ 1690".

3 مسلم 3/ 13231 في الحدود حديث "23/ 1695".

4 انظر البخاري 11/ 523 في الإيمان والنذور "6633"، ومسلم 3/ 13247 في الحدود "25/ 1697- 1698".

ص: 156

جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون" 1 مع كونه صلى الله عليه وسلم جالسًا في آخر مرض موته والناس خلفه قيام2 وأقرهم على ذلك.

فذهب قوم إلى تقديم القول جريًا على الأصل وزعموا أن فرض القيام قد يسقط بالصلاة خلف الجالس وإن عذره كالعذر لهم وعلى هذا من أصحابنا ابن خزيمة وابن حبان، وقال الجمهور منهم الشافعي رضي الله عنه هذا التقرير آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم وهو ناسخ للقول المتقدم؛ فهذا مثال لتقرير رفع حكمًا سابقًا عليه ثابتًا بالقول، وقد يرفع القول حكمًا ثابتًا بالتقرير، وهذا أولى من القسم فإنه إذا ارتفع القول [بالتقرير] 3 فإن يرتفع التقرير بالقول أولى وأحرى.

ومثاله: ما في صحيح مسلم4 عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب فصنع الناس خواتيم الذهب ثم جلس على المنبر فنزعه فرمى به ثم قال: "والله لا ألبسه أبدًا" فنبذ الناس خواتيمهم. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب5.

وقضى العلماء بأن هذا التحريم ناسخ للإباحة التي استفيدت من تقريره الناس على متابعته في اتخاذ خواتيم الذهب. وهذا عندي موقوف على أن يكونوا لبسوه، وأن يكون جواز لبسهم كان مأخوذًا من التقرير لا من فعله صلى الله عليه وسلم المجرد؛ وإلا فهو قول نسخ فعلًا غير تقرير لا تقريرًا.

ومن مشكل هذا الباب أمر تحريم الخمر فسماعي من الوالد رحمه الله أنه لم يكن نسخًا لأن شربهم إياها قبل التحريم ما كان بحكم شرعي بل بالبراءة الأصلية.

وقصة حمزة تدل على وجود تقرير، وفي هذا بحث بيني وبين الشيخ الإمام ذكرته في "شرح المختصر" في مسألة التقرير وليس هو قصدي بالإشكال هنا؛ وإنما قصدي حديث رواه مسلم عن أبي سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس إن الله

1 البخاري 2/ 173 في الأذان "389" ومسلم 1/ 308 في الصلاة "77/ 411".

2 البخاري 2/ 172- 173 في الأذان "687" ومسلم 1/ 311- 312 في الصلاة "90/ 418".

3 في "بط بالتقرير بالقول.

4 أخرجه البخاري 10/ 325 في اللباس "5876"، ومسلم 3/ 1655 في اللباس "53/ 2091".

5 انظر صحيح مسلم 3/ 1648 في كتاب اللباس حديث "3366".

ص: 157

يعرض بالخمر ولعل الله سينزل فيها أمرًا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه أو لينتفع به".

قال: فما لبثنا إلا يسيرًا حتى قال: صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبيع"1.

ظاهره يدل على أنها أبيح بيعها والانتفاع بها قبل التحريم بإذن شرعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرد على من يدعي أنها لم تحل قط، ثم هذا البيع المأذون فيه لعله من كافر لا ينتهي بالنهي حال نزول التحريم وإلا فالبائع والمشتري واحد وإذا كان من كافر ففيه دليل على أن الكافر يبيع الخمر وهو حرام عليه لا سيما عند من نكلفه بالفروع، [وقد قدمنا في مسألة تكليفه بالفروع] 2 من نص الشافعي رضي الله عنه ما ينازع في ذلك؛ ففي الحديث إشكال لعل الله ييسر حله، فما إشكاله من وجه واحد، بل من وجوه متعددة.

تنبيه ثان:

"الكف فعل على المختار"، وأقول على هذا أنها مرتبة بين التقرير والسكوت، فالمراتب إذًا أربع: قول، ففعل مستقبل، فتقرير، فكف -وإليه الإشارة "بقولي" في كتاب التراجيح من جمع الجوامع والقول، فالفعل غير التقرير، فالتقرير، فالكف، فالسكوت، ولنمثل لتعارض الكف والتقرير بكفه صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الضب وتقريره إياهم على أكله لما أكلوه بين يديه وإن كان صلى الله عليه وسلم نبه على سبب امتناعه وهو العيافة لما لم يكن بأرضه قومه3.

وكذلك ما كان الناس يزيدون في تلبيتهم عام حجة الوداع على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: "لبيك ذا المعارج" ونحوه من الكلام فيسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقول لهم شيئًا؛ كذا رواه أبو داود4، وروى مسلم5 معناه فقد كف عن قول أقرهم عليه وما ذلك فيما يعتقد إلا بجوازه ومرجوحيته بالنسبة إلى ما كان هو صلى الله عليه وسلم يقول: أو لأن كلًا من الألفاظ شائع، ثم الأفضل لنا التأسي أو لا حجر أصلًا؟ كل ذلك محتمل:

تنبيه ثالث:

"قد علم أن أفعاله عليه الصلاة السلام حجة وأن التقرير فعل وكذلك

1 مسلم 3/ 1205 في المساقاة "67/ 1578".

2 سقط من "ب".

3 البخاري 9/ 662 حديث "5537" ومسلم 3/ 1542 "44/ 1946".

4 2/ 162 في كتاب المناسك/ باب كيفية التلبية "1813".

5 انظر صحيح مسلم 2/ 842- 843.

ص: 158

السكوت" وأقول ينبغي أن يكون الفعل مراتب أعلاها ما هو مستقل في نفسه كإقدامه علي1.

"والثانية: ما هو تقرير".

والثالثة: ما هو كف. والكف دون التقرير؛ فإن المفهوم من الكف الإحجام عن الفعل، وفي التقرير زيادة أفهمها على الأحجام2.

والرابعة: مجرد السكوت، وهو فيما أفهم من مدلوله دون الكف؛ فإن الكف منع النفس أن تقدم على قول أو فعل، والسكوت كأنه دون هذا القدر؛ غير أن السكوت قسمان: سكوت معه استبشار بفعل الفاعل، وسكوت لا استبشار معه وكلاهما دليل الجواز؛ فإنه لا يسكت على باطل أبدًا بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

ثم الاستبشار فوق التبسم فيما يظهر؛ فإني أفهم من الاستبشار محبة ما أبصر من الفعل ولا أفهم من التبسم هذا المبلغ. فإذا المراتب ست:

أولها: الفعل المستقل.

الثانية: التقرير.

الثالثة: الكف.

الرابعة: السكوت مع الاستبشار.

[الخامسة: السكوت مع ما أدعي من الاستبشار] 3 كالتبسم، ولنمثل له بتحريم الغلول وإيجاب [تخميس] 4 مال الكفار مع أن عبد الله بن معقل قال: أصبت جراب شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسمًا رواه مسلم5 وبه احتج أصحابنا على جواز أكل الغانمين قدر الحاجة من الطعام وإن لم يأذن الإمام.

السادسة: السكوت المجرد.

1 بياض في النسختين.

2 في "ب" الأحكام.

3 سقط في "ب".

4 في "ب" تخليس.

5 متفق عليه 6/ 255 في فرض الخمس "3153" ومسلم 30/ 1393 في الجهاد "72/ 1772" واللفظ له.

ص: 159

تنبيه رابع:

"ما ذكرناه من دلالة السكوت [عليه] 1 مخصوص بسكوت يلزم منه مفسدة لو لم يكن [السكوت] 2 عليه مخصوص بسكوت يلزم منه مفسدة لو حلالًا، أو عام في ذلك.

وفي ما لا يلزم من السكوت عليه وقوع مفسدته فيه نظر للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد.

ومثاله: طلاق الملاعن زوجته ثلاثًا بعد فراغ اللعان، وسكت عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهل يكون سكوته دليلًا على جواز إرسال الثلاث حيث يعتبر ذلك في المنكوحة -أولًا دليل فيه هنا لأن المطلق [إرسال] 3 الثلاث ظانًا بقاء النكاح والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنها بانت منه باللعان وأن هذا الكلام لغو.

تنبيه خامس:

"لا فرق بين السكوت على فعل وعلى قول" فإذا قيل بحضرته صلى الله عليه وسلم هذا حلال أو هذا حرام وسكت دل على أنه كذلك.

وليقع النظر هنا في واقعة ابن صياد وأن عمر4 كان يحلف "بحضرة" صلى الله عليه وسلم أنه الدجال5.

وقد روى مسلم في صحيحه أن محمد بن "المنكدر" قال: رأيت جابرًا يحلف أن ابن صياد هو الدجال؛ فقلت: تحلف بالله تعالى فقال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند رسول الله فلم ينكره6.

لكن هذا محمول على أنه لم ينكره إنكار من نفي كونه الدجال؛ بدليل أنه أيضًا لم يسكت على ذلك؛ بل أشار [إليه] 7 أنه متردد؛ ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قلته"؛ فردده في أمره؛ فلما صار ابن عمر يحلف على ذلك صار حالفًا على غلبة ظنه، والبيان قد تقدم من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم

1 سقط في "ب".

2 في "ب" المسكوت.

3 في "ب" أرسل.

4 في سنن أبو داود وابن عمر.

5 أبو داود 4/ 506 في الملاحم/ باب في خبر ابن صائد "4330".

6 البخاري 13/ 323 في الاعتصام حديث "7355" ومسلم 4/ 2243 في الفتن "94/ 2929".

7 في "ب" إلى.

ص: 160

هذا سكوت عن حلف على أمر غيب لا على حكم شرعي، ولعل مسألة السكوت والتقرير مختصة بالأحكام الشرعية لا الأمور الغيبة التي قد يكون طلب الجهل بها واقعًا؛ فليتأمل ذلك والله أعلم.

تنبيه [سادس] 1:

قدمنا لك ما يعرفك أن قولنا: "القول مقدم على الفعل" معناه عند التعارض في حكم ما دل على حكمه قول وفعل متعارضان مطلقًا. [ولا] 2 ينقض بقوة الفعل على القول في أمور آخر لمأخذ آخر؛ ألا ترى إلى قولنا "نقل الركن الفعلي في الصلاة مبطل، وفي القول خلاف" وما ذاك إلا لأن الفعل أفحش؛ فليس ذلك من قبيل ما نحن فيه بل الفعل هناك أشد؛ فلذلك يجعل أصلًا للقول.

ويقول الأصحاب في نظائره مسألة نقل الركن الفعلي والقولي: "هل يلحق القولي بالفعلي أو لا؟ فيه خلاف يظهر في مسائل. منها مسألة نقل الركن هذه.

ومنها: إذا قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو أو غصبتها من زيد بل من عمرو [و] 3 سلمت لزيد، وأظهر القولين أن المقر يغرم قيمتها لعمرو؛ لأنه حال بينه وبين داره بإقراره الأول والحيلولة سبب الضمان كالإتلاف إلحاقًا للحيلولة التقولية بالحيلولة الفعلية.

ويعبر بعضهم عن القولين بأن الحيلولة القولية هي كالحيلولة الفعلية.

ولقائل أن يقول: القول ما حال وإنما كان سببًا للحيولة؛ بل قد يقال: لم يكن شيء في يد عمرو حتى تصدق الحيلولة؛ فإن المقر به في يد المقر ولم يصدر منه غير إقرار ثان لعمرو يقتضي أنه كان يستحق قبض ما أقر به لغيره؛ فينزل اعترافه بهذا الاستحقاق منزلة تسمليه العين له ثم انتزاعه إياها من يده. وقد نبه على نحو هذا الوالد في "شرح المنهاج" في باب الإقرار.

ومنها: الخلاف فيما إذا رفعت صوتها في الصلاة؛ بحيث يسمعها الرجال هل تبطل صلاتها لأن صوتها عورة قولية على رأي؛ ففي إلحاقها بالعورة الفعلية الخلاف.

ومنها: شهود المال إذا رجعوا؛ فالأصح يغرمون، تنزيلًا لحالتهم القولية منزلة الغصب الذي هو حالة فعلية.

1 سقط في "ب".

2 في "ب" فلا.

3 سقط في "ب".

ص: 161

وهذا مثال صحيح فإن شهود المال إنما أحالوا بالقول لا بالفعل بخلاف هذا الدار لزيد بل لعمو، والله تعالى أعلم بالصواب.

فصل:

قدمنا أن القول أدل على الحكم والفعل أدل على الصفة، وبه علمت أنه لا ينبغي إطلاق القول بأن القول أقوى ويوضح لك هذا أيضًا أن تأثير الفعل في مفعوله أقوى من تأثير.

القول في مقبولة بدليل مسائل:

منها: سراية استيلاد أحد الشريكين قيل: [إنه] 1 أولى بأن يتعجل من سراية عتق الشريك. قال الغزالي في الوسيط: لأنه فعل، وهو أقوى من القول".

ومنها: إذا زوج الغاصب المغصوب من المالك فأولد نفذ الاستيلاد قطعًا.

ولو قال للمالك: أعتق فأعتق نفذ على الصحيح، وفي وجه لا ينفذ وإن كان الاستيلاد يثبت لأن الاستيلاد فعل وهو أقوى.

ومنها: إحبال المجنون نافذ دون إعتاقه.

ومنها: كثير الفعل في الصلاة سهوًا مبطل عند الرافعي والنووي كعمده، وفرق بينه وبين الكلام؛ حيث فرقنا في قليله بين العمد والسهو بأن الفعل أقوى من القول.

ورجع المتولي أن الفعل في الصلاة ناسيًا -وإن كان كثيرًا لا يبطل بخلاف الكلام الكثير، وفي هذا تقوية للقول على الفعل. وعليه كلام ذكرته في التوشيخ.

مسألة:

الإخبار عن أمر عام قال أبو عبيد الله المازري: إنه الرواية وأن الإخبار عن أمر خاص هو الشهادة.

قلت: والذي يظهر أن يقال: الخبر إن تضمن إثبات حق على المخبر فهو الإقرار، أو للمخبر على غيره فهو الدعوى، أو لغيره على غيره فهو الشهادة.

[و] 2 هذا كله إذا كان خاصًا؛ فإن اقتضى شرعًا عامًا فإن كان من حكم شرعي؛ فهو الفتيا وإن كان عن3 أمر محسوس، فإن كان مما لا يتخاصم فيه الناس ويترافعون

1 في "ب" بأنه.

2 سقط في "ب".

3 في "ب" غير.

ص: 162

إلى الحكام فهو الرواية، نحو:"الشفعة فيما لم يقسم 1 وركعتان قبل الصبح خير من الدنيا وما فيها" 2؛ فإن الناس لا يترافعون إلى الحكام في أن الشفعة هل هي فيما لم يقسم، ولا في أن ركعتي الصبح سنة بل يستفتون في ذلك وإن كان ترافع فيما هذا شأنه فإنما هو حسبة فيمن تخيلنا كذبه على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فما رواه. وليس الترافع حينئذ في المروي بل في الراوي.

وإن كان مما يرتافع الناس فيه ففيه تردد والأرجح أنه شهادة.

وبهذا يتبين لك أن العام ذا الترافع فيه شائبتان؛ شائبة الشهادة وشائبة الرواية، ويظهر أثره في صور:

منها: هلال رمضان ومن ثم كان شهادة واكتفى فيه بواحد على الصحيح لشائبة الرواية.

ومنها: عيب المبيع، قال صاحب التهذيب: إن قال واحد من أهل العلم: "إنه عيب" ثبت الرد به واعتبر المتولي شهادة اثنين.

ومنها: نجاسة الماء يكفي فيه إخبار مقبول الرواية ولو عبد أو امرأة.

ومنها: المرض المرخص للتيمم يكفي طبيب، وقيل لا بد من اثنين.

ومنها: دخول وقت الصلاة بكفي فيه خبر الثقة عن مشهادة لا عن اجتهاد.

ومنها الخارص يكفي واحد، وثالثها: إن خرص على محجوز فلا بد من اثنين.

منها: كون المرض مخوفًا لا بد من اثنين، وقيل: يكفي واحد.

ومنها: لو أخبر الصائم بغروب الشمس عدل واحد. قال الوالد لم أر من تعرض للمسألة إلا الروياني فقال في "البحر" إنه لا بد في الشهادة على غروب الشمس من اثنين كالشهادة على هلال شوال ثم استشكله الوالد رحمه الله في شرح المنهاج.

ومنها: إذا شهد عدل واحد بطلوع الفجر في رمضان هل يلزم الإمساك أم لا بد من اثنين؟ قال الروياني: يحتمل وجهين.

1 البخاري 4/ 407 في البيوع "2213" و 4/ 408 "2214" و 4/ 436 في الشفعة "2257".

2 مسلم 1/ 5014 في صلاة المسافرين "96/ 725".

ص: 163

قلت: ومال الوالد رحمه الله إلى ترجيح قبول الواحد كما في المسألة قبلها وهو الغروب.

مسألة:

خبر الواحد وإن خالف قياس الأصول مقدم على القياس:

وعليه مسائل:

منها: ذكاة الجنين ذكاة أمه: لحديث أبي سعيد الخدري: سألنا رسول الله عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة فقال: كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة1.

وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" أخرجه ابن حبان.

وروي الدراقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجنين: "ذكاته ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" 2 قال الدارقطني: الصواب أنه من قول ابن عمر رضي الله عنهما.

قلت: وخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن نصر الأنطاكي عن أسامة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا، ثم قال: لم يروه مرفوعًا عن عبد الله إلا أبو أسامة تفرد به عبد الله بن نصر الأنطاكي.

وقال أبو حنيفة: لا يذكي الجنين بذكاة أمه.

وأصل المسألة أن الجنين يجري مجرى جزء من أجزاء الأم، ومن ثم يمنعهم كون الخبر مخالفًا لقياس الأصول وعندهم هو شخص مستقل ومن ثم يدعونه مخالفًا لقياس الأصول فلا يقبلونه.

ومنها: إذا أعتق في مرض موته عبيدًا لا مال له سواهم ولم يجز [الورثة]3.

جميعهم [بالعتق] 4 فالعتق في الثلث بالقرعة.

1 أحمد في المسند 3/ 31 - 53 وأبو داود 3/ 103 في الأضاحي "2827" وابن ماجه 2/ 1067 في الذبائح حديث "3199" ومن حديث جابر عند الدارمي 2/ 84 وأبو داود 3/ 103 في الأضاحي حديث "2826" والحاكم 4/ 114 في الأطعمة وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهب.

2 4/ 271 "24".

3 سقط في "ب".

4 سقط في "ب".

ص: 164

وقال أبو حنيفة: يعتق من كل واحد بالحصة ويستبقي في الباقي.

ومعتمدنا ما في صحيح مسلم1 من حديث عمران بن حصين أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكنله مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولًا سديدًا.

مسألة: خبر الكافر مردود

ويستثنى مسائل:

منها: إذا أم بقوم ثم أعلمهم أنه غير مسلم يجب عليهم الإعادة كما إذا تبين من غير إعلامه، نص عليه الشافعي رضي الله عنه في باب صلاة الرجل بأقوام لا يعرفونه فقال: وإذا صلوا مع رجل صلاة كثيرة ثم أعلمهم أنه غير مسلم أو علموه من غيره أعادوا كل صلاة صلوها خلفه.

قال الوالد رحمه الله: ولولا هذا النص لكان يظهر أن.

يقال: لا يقبل قوله إلا أن يسلم بعد ذلك ويخبر بإحالة التي تقدمت.

ومنها: لو شهد جماعة ذميون بأن هذا قتل فلانًا فهو لوث على الأصح.

ومنها: قال الماوردي: إذا أخبر كافر الشفيع بالبيع ووقع في قلبه صدقه لم يغدر في تأخير الطلب وكان تأخيره مسقطًا للشفعة.

والأصحاب أطلقوا أنه يعذر إذا أخبره كافر؛ فإما أن يكونوا مخالفين لهذا وإما أن يحمل إطلاقهم على ما إذا لم يقع في نفسه صدقه.

قال الولد وعلى هذا ينبغي أن يكون القول قوله في أنه لم يقع في نفسه صدقه.

ومنها: وجه حكاه الرافعي في باب الوصية عن أبي سلميان الخطابي أنه يجوز العتدول من الوضوء إلى التيمم بقول الطبيب الكافر كما يجوز شرب الدواء من يده ولا يدري أهو دواء أم داء، ولم يستبعد الرافعي طرده فيما أخبر بأن المرض مخوف.

مسألة:

خبر الصبي وإن لم يجرب عليه الكذب مردود في الأصح إلا مع القرينة كالإذن في دخول الدار وحمل الهداية على الأصح.

1 3/ 1288 في الإيمان/ باب من أعتق شركًا له "56/ 1668".

ص: 165

هذا هو الأصل ويستثنى صور فيقبل فيها خبره وفي غير ما ذكر وهي فيما طريقه المشاهدة كما دل أعمى على القبلة، نقله النووي عن الجمهور في شرح المهذب في باب الأذان عند الكلام على أذن الصبي.

مسألة: خبر الفاسق مردود

وقد يستثنى من هذا من أخرج القذف مخرج الشهادة ولكن لم يتم العدد؛ فإنه فاسق [إن] 1 أوجبنا عليه الحد كما صرح به الماوردي والروياني في باب شهادة القاذف والرافعي في باب حد الزنا.

وصريح كلام الشيخ أبي حامد في التعليقة أنه فاسق مطلقًا أوجبنا عليه الحد أو لم نوجبه مع اتفاقهم على قبول خبره دون شهادته، وفرقهم بغلظ أمر الشهادة.

وهو مشكل كيف يحكمون بفسق من يقبلون روايته وقد صرح بقبول روايته الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب والقاضي الحسين والمارودي والروياني.

مسألة:

الصحيح عندي أن تكذيب الشيخ للراوي عنه لا يسقط المروي.

فما ظنك بما إذا لم يكذبه ولكن تردد وشك، وفيه مسائل: منها: حديث لا نكاح إلا بولي. الذي رواه سليمان بن موسى عن الزهري2.

زعم الخصوم أن الزهري ذكر له سليمان بن موسى فقال: لا أعرفه وتسلطوا بهذا على رد الحديث.

1 سقط في "ب".

2 أحمد في المسند 4/ 394، الدارمي في السنن 2/ 137، وأبو داود 2/ في النكاح "2085" والترمذي 3/ 407 "1101"، وابن ماجة 1/ 605 "1881" وابن حبان ذكره الهيثمي ص 304، الحاكم 2/ 169.

ص: 166