المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في المفردات من الأسماء والحروف وبعض الأفعال: - الأشباه والنظائر - السبكي - جـ ٢

[تاج الدين ابن السبكي]

الفصل: ‌في المفردات من الأسماء والحروف وبعض الأفعال:

"‌

‌كلمات نحوية يترتب عليها مسائل فقهية

":

‌في المفردات من الأسماء والحروف وبعض الأفعال:

أعلم أن الأصوليين ذكروا حروفًا تتداول بين الفقهاء تمس حاجتهم إلى معرفتها -كالواو، والفاء، وفي زدنا عليهم في "جمع الجوامع فذكرنا من الكلمات المفردة من الأسماء والظروف والحروف قدرًا يكثر تداوله في الفقهيات.

ونحن نأتي بنحو من ذلك هنا، ونرتب ما نوده من فن النحو فصولًا فصل في المفردات وهو كلمات نحوية، وآخر في المركبات والتصرفات العربية وثالث في إعراب آيات يترتب على تخريجها أحكام شرعية.

"القول في المفردات من الأسماء والحروف -ونذكر فيه بعض الأفعال".

مسألة:

"إن" المكسورة الخفيفة ترد للشرط فيوقف الحكم على وجوده مثل إن دخلت الدار فأنت طالق؛ غير أن شرط ما يتوقئف الحكم على وجوده أن يكون شرطًا في اللفظ والمعنى.

أما في اللفظ: فأردنا به أن يكون الحكم موقوفًا على لفظ المعلق عليه مثل: إن شئت فأنت طالق، فلا بد من لفظ المشيئة ثم لا يشترط معه مشيئة القلب، فلو قال:"شئت كارهًا" وقع، وقيل: لا يقع باطنًا".

وأما في المعنى: فأردنا به أن يكون المعلق عليه ممكنًا، وإلا فالموجود صورة تعليق لا نفسه، مثل: إن طرت أو صعدت السماء فأنت طالق، وإلا فلا تطلق على المذهب، وفي قول: تطلق في الحال.

ولا قائل بتوقف الطلاق على ما ذكر لاستحالته؛ بل إما أن يلغي ذلك المستحيل ويبقي قوله: "أنت طالق" بمفرده فيعمل عمله، وإما أن يهمل الكلام بالكلية فلا تطلق.

فرع: إذا قال: إن أعطيتني ألفًا فأنت طالق اشترط الإعطاء على الفوز لا لدلالة إن عليه؛ فإنه دلالة لها على الزمان وما هي إلا حرف تربط الشرط بالجزاء فقط ولكن لقرينة العوضية.

ص: 202

تنبيه: "لا دلالة لإن على الفور ولا تراخ؛ سواء أدخلت على إثبات أو على نفي".

فإذا قال: "إن دخلت" طلقت أي وقت دخلت، وإن قال "إن لم تدخلي" فالمذهب أنها لا تطلق حتى يقع اليأس من الدخول.

بخلاف التعليق بغيرها من الصيغ -كإذا ومتى، فإن المذهب فيهما اعتبار الفور، وهذه قاعدة عند الأصحاب- متى علق بأن نفي فعل لم يلزم الفوز وإن علق بغيرها لزم على المنصوص فيهما وهو الصحيح.

والفرق أن كلمة "إن" شرط يتعلق بمطلق الفعل لا دلالة على الزمان فيعتبر في طرف النفي انتفاؤه لكونه نكرة في سياقه ولا يمكن معرفة انتفائه إلا بانتفاء جميع الأزمنة، والتوقف على مضي الأزمنة لتحقق انتفائه لا لكونها جزءًا من مدلوله، ومن ثم لو حلف ليكلمنه بر بمرة وإن حلف لا يكلمه لم يبر إلا بترك الكلام إلى اليأس.

وأما إذا وما أشبهها فمعناه أي وقت ففي طرف الإثبات أي وقت فعلت؟ صدقت الصفة، وهنا تساوي إن. وفي النفس معناه أي وقت فعلت فإذا مضى زمن يمكن الفعل فيه فلم تعل صدقت الصفة وهنا تفارق إن.

مسألة: "أن" -بفتح الهمزة- ترد حرفًا مصدريًا ناصبًا للمضارع فتفيد معنى التعليل

ومن ثم قيل: "قد تكون بمعنى لئلا" في قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} والصواب أنها مصدرية، والأصل كراهة أن تضلوا.

وفيه معنى التعليل، "وقضية"1 التعليل فيها أنه إذا قال: أنت طالق إن دخلت الدار تطلق في الحال إذا كان يعرف النحو، وهو الصحيح [إلا أن يريد وقتًا معينًا وإن بعد على ما نقله الرافعي عن البوشنجي على توقف فيه. ذكره المصنف في ترشيح التوشيح عن محمد بن يوسف]2.

وينبغي أن يجري -[على] 3 هذا -الفرق بين عارف النحو وجاهله فيما إذا قال: أنت طالق إن أعطيتني ألفًا غير أن الماوردي أطلق أنها تطلق في الحال. قال: وإن طالبته بالألف عند إنكارها الخلع لزمه ردها وسنحكي عنه في إذ مثل ذلك.

1 في "ب" أو قضية.

2 سقط في "ب".

3 سقط في "ب".

ص: 203

مسألة: "إلى" حرف جر لانتهاء الغاية ولمعان آخر

ومن مباحث الغاية أنها إن كانت من الجنس دخل، ومعنى هذا أنها إذا كانت جزءًا من المغيا تدخل.

وقد يعبر عن هذا بأنها إذا كانت بيانًا لما قبلها دخل طرفاها كما تقول: قرأت القرآن من فاتحته إلى خاتمته، ومن ثم يفرق بين بعتك من هذه النخلة إلى هذه فندخلها في البيع، ومن درهم إلى عشرة ففيه الخلاف الآتي.

وإذا لم يكن قرينة تدل على دخول ما بعدها ولا على خروجه فقيل تدخل مطلقًا، وقيل: لا مطلقًا، وقيل: إن اقترنت بمن لم تدخل؛ وإلا فيحتمل.

وفيها مسائل: منها. لو قال: ضمنت مالك على فلان من درهم إلى عشرة فالصحيح عند الشيخ الإمام الوالد أنه ضامن للعشرة، ورجحه الرافعي في المحرر وعند النووي [لتسعة] 1، وفي وجه ثالث لثمانية، وإليه ميل الرافعي في الشرح.

ومنها إذا قال أبرأتك من درهم إلى ألف فوجهان المنصوص في البويطي الصحة وصححه الشيخ الإمام في باب الضمان من شرح المنهاج، وحكى من نصه في البويطي أيضًا ما يقتضي البراءة من الألف بتمامها، إذا حكى في نصه في البويطي.

ولو أن رجلًا حلل رجلًا من كل شيء [وجب عليه] 2 فإن لم يعرف قدره حلله من كذا إلى كذا.

وحكي عن النص في البويطي أيضًا فيمن قال الرجل ما عاملت غلامي من دينار إلى مائة فهو جائز أنه إن زاد على ذلك لم يجز وقضية هذا صحة ما لم يزد.

ومنها لو قال أنت طالق إلى شهر. قال في التنبيه لم تطلق إلابعد شهر وهو منقول الرافعي من التتمة وغيرها، وعزي إلى النص في البويطي، وروي عن ابن عباس قيل ولا مخالف له في الصحابة ووجه بأن اللفظة كما تحتمل تأجيل الواقع تحتمل تأجيل الإيقاع، ألا ترى أن القائل إني مسافر إلى شهر يريد، بعد شهر وإذا ثبت الاحتمالان وجب الأخذ باليقين.

قلت وفي هذا التوجيه نظر، وليس من معاني إلى أن تكون بمعنى بعد، وما

1 في "ب" تسعة.

2 سقط في "أ" والمثبت من "ب".

ص: 204

استشهد به في المسافر غير مسلم له لغة ولا عرفًا لا جرم نقل الرافعي عن البوشنجي أنه ذكر وجهًا آخر احتمالًا أنه يقع في الحال.

قلت: ولم أجد للأول مخرجًا إلا أن يحمل [على] 1 معنى عند كما قيل به في قول الشاعر:

أم لا سبيل إلى الشباب وذكره

أحلى إلي من الرحيق السلسل2

لكن أين الدليل على هذا النادر في قولك أنت طالق [إلى] 3 شهر، وقد يقال لما أقت، بالشهر كان قضيته أنها طالق في هذا الشهر غير طالق بعده، وهذا لا يضر؛ لأنها إذا طلقت في هذا الشهر طلقت دائمًا، فاحتمل أن يحذف هذا الجار والمجرور جملة ويعمل قوله أنت طالق عمله وهو وجه البوشنجي.

واحتمل أن لا يقع، ويقال لما تعذر طلاق الآن دون غد لم يتعذر عكسه فحملناه عليه ولعل هذا مراد من قاله إنه تأجيل الإيقاع إلا أن القول على العكس يحتاج إلى دليل.

ويشهد لوجه البوشنجي قول الأصحاب في الخلع لو قالت طلقني بألف طلاقًا يمتد تحريمه إلى شهر ثم أكون في نكاحك حلالًا لك فطلقها لذلك، أنه يقع الطلاق في الحال مؤبدًا، والصحيح وجوب مهر المثل.

فإن صح ما نقل عن ابن عباس وأنه لا مخالف فهو إجماع سكوتي، فالأولى الاقصتار في الاحتجاج عليه، وإلا فللنزاع في المسألة مجال.

ومنها حلف أنه بعث فلانًا إلى بيت فلان وعلم أن المبعوث لم يمض إليه لم يقع؛ لأن المحلوف عليه البعث لا الامتثال وقد وجد وقيل يقع، لأنه يقتضي حصوله هناك.

1 في "ب" إلى.

2 والبيت من الكامل وهو لامرئ القيس انظر ديوانه 309 شرح المفصل 3/ 25 خزانة الأدب 2/ 236، همع الهوامع 2/ 51، الدر اللوامع 2/ 64، شرح الأشموني 2/ 272، مغني اللبيب 1/ 57.

والشاهد فيه قوله: أحلى إلي؛ حيث جاءت إلى بمعنى عند.

3 سقط في "ب".

ص: 205

والمسألة في آخر تعليق [الطلاق] 1 من الرافعي عن الروياني أبي العباس.

ومنها حلف لا تخرج امرأته إلى العرس فخرجت من أجله ولم تصل فلا [حنث] 2 لأن الغاية لم توجد، وكذا لو انعكس الحال فخرجت لغير العرس ثم دخلت إليه بخلاف ما إذا أتى باللام؛ فقال للعرس فإنه لا يشترط وصولها متى خرجت له إما وحده وإما مع غيره طلقت؛ لأن حرف الغاية وهوإلى لم يوجد، قال القاضي أبو الطيب في كتاب الإيمان من تعليقته في فرعين متصلين.

ووجه التفرقة أن أصل إلى الغاية، وأصل اللام للملك؛ فإن تعذر حمل ما يقتضيه السياق من التعليق والانتهاء.

مسألة:

"أو" موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء هذا موضوعها وتأتي للشك والإبهام والتخيير والإباحة والتقسيم ومطلق الجمع وغيرها وهذه المعاني ليست في الحقيقة معانيها؛ وإنما هي معاني الكلام. وفيها فروع.

منها لو قال بع هذا أو هذا لم يصح عزاه في الروضة إلى أصحابنا.

قال الشيخ الإمام وهو ظاهر إن حمل على التردد في التوكيل كأنه قال وكلتك إما في هذا وإما هذا إذا أراد بع أحدهما فينبغي أن يصح على الأصح، كبع من شئت منهما.

قلت وهذا حق، والحمل على الترديد فيه بعد، فإن الشك والترديد إنما يظهر في شيء وقع.

تنبيه:

نقل الرافعي في آخر الإيمان عن كتب الحنفية أن دخول أو بين يقينين يقتضي انتفاءهما كما في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} ، وبين إثباتين فيقتضي ثبوت أحدهما فإذا قال لا أدخل هذا الدار أو لا أدخل هذه فأيتهما دخل بها حنث.

ولو قال لأدخلن هذا الدار أو هذه الدار الأخرى يبر بدخول واحدة.

ثم قال الرافعي ويشبه أن يقال إذا دخلت بين نفيين كفى للبر أن لا يدخل واحدة ولا يضر دخول الأخرى كما تكفي الواحدة في طرف الإثبات.

1 سقط في "ب".

2 في "ب" يحنث.

ص: 206

قلت: وإلى مقالة الحنفية أشار المازري في شرح البرهان في مسألة تحريم واحد لا بعينه [قيل] 1 إنه قيل إنه لم ترد به اللغة وقد حكيناه في جمع الجوامع، وإليه الإشارة بقول شيخنا أبي حيان في الارتشاف وإذا نهيت عن المباح استوعب ما كان مباحًا باتفاق من النحاة، ومنه {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} 2 وإذا نهيت عن المخير فيه فذهب السرافي3 إلى أنه يستوعب الجميع كالنهي، وذهب ابن كيسان4 إلى جواز أن يكون النهي عن واحد وعن الجميع.

تنبيه:

مثال الشك قام زيد أو عمرو، والإبهام قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} 5 والتخيير خذ من مالي دينارًا أو درهمًا، والإباحة جالس الحسن أو ابن سيرين.

والفرق بين الشك والإبهام أن الشك يكون المتكلم به مترددًا في الذي أخبر به ومن ثم يمتنع ورودها للشك في كلام الله تعالى إلا أن يصرف إلى تردد المخاطب كما قيل في {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} 6 أنه باعتبار المخاطب.

وأما الإبهام فإن المخبر يكون عالمًا بما أخبر به قاصدًا الإبهام على السامع.

1 سقط في "ب".

2 سورة الإنسان آية "24".

3 هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان القاضي أبو سعيد السيرافي النحوي كان يدرس ببغداد علوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض قرأ القرآن على أبي بكر بن مجاهد واللغة على ابن دريد وقرآ هما عليه النحو.

قال أبو حيان التوحيدي: أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ وإمام الأئمة معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والفرائض والحديث والكلام والحساب والهندسة وله تصانيف منها شرح كتاب سيبويه شرح الدريدية الإقناع في النحو لم يتم فأتمه ولده يوسف وغير ذلك.

بغية الوعاة 1/ 507، البداية والنهاية 11/ 294.

4 محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان أبو الحسن النحوي قال الخطيب: يحفظ المذهب البصري والكوفي في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر عن مجاهد يقول: إنه أنحى منهما، من تصانيفه المهذب في النحو، البرهان، غريب الحديث، معاني القرآن وغير ذلك، مات لثمان خلون من ذي القعدة سنة تسع وتسعين ومائتين بغية الوعاة 1/ 18- 19.

5 سورة سبأ آية: "24".

6 سورة الصافات آية: "147".

ص: 207

والفرق بين التخيير والإباحة أن التخيير لا يكون إلا بين ممنوعين في الأصل كالدينار والدرهم في المثال وقيل فيه تخيير؛ لأن المخير لا يأخذ غالبًا إلا خيرهما ومن ثم لا يجوز الجمع بين الشيئين المخير بينهما.

والتي للإباحة لا تكون إلا بين مباحين في الأصل، ومن ثم يجوز الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه.

فائدة: قدمنا أن موضوع "أو" أحد الشيئين أو الأشياء، وأن المعاني المذكورة مستفادة من مورد الكلام لا من موضع أو فلا يزيد [مدلولها] 1 على ما ذكرناه؛ فعلى هذا إنما جاز قولك جالس الحسن أو ابن سيرين وأنت تريد جالسهما باعتبار الوقت الذي يجالس فيه أحدهما غير الآخر وتقع الواو مكانها باعتبار أنك أمرته بمجالستهما، أو أنهما جميعًا أهل للمجالسة، فإن أردت هذا وجالس أحدهما لم يكن عاصيًا.

وعلى هذا المعنى الأخير أخذ مالك رضي الله عنه قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 2 وأخذها الشافعي على معنى التشريك وهو الأصح أو الصواب، وتقول اشتر هذا بعشرة أو تسعة باعتبار أن الواقع الشراء بأحدهما، ويجوز وضع الواو مكانها باعتبارها أنك جعلتهما معًا ثمنًا، وكذا تقول خذه بما عز أو بما هان أو بما عز وهان بالاعتبارين، وإيقاع "أو" إنما يكون حيث يمكن فيه تلك الملاحظة كما ذكرنا فلا يجوز استعمالها في نحو جلست بين يدي زيد وعمرو، ولا في اختصم زيد وعمرو واشترك زيد وعمرو؛ لأن هذا كله لا يمكن فيه تلك الملاحظة.

قال شيخنا أبو حيان فيما إذا لم تأت "بأو" في نحو جالس الحسن أو ابن سيرين؛ بل أثبت بالواو المعاقبة لها قال أصحابنا إنه بالواو لا يجوز له مجالسة أحدهما دون الآخر وبأو يجوز.

قلت: وعليه إذا قال: مع هذا.

مسألة:

"إذا" ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه؛ فإذا قال: إذا أعطيتني ألفًا فأنت طالق بإعطائها لكن يشترط الإعطاء على الفور كما قلنا في إن لقرينة العوضية [ولا دلالة له] 3 على مطلق الزمان، فالفور في إذا أوضح منه في إن

1 في "ب" مدلولنا.

2 سورة التوبة "60".

3 في "ب" ولا ذا دلالة.

ص: 208

قال الشيخ الإمام رحمه الله وقد يخطر للفطن أن إذا مضافة لما بعدها؛ فقوله إذا أعطيتني في قوة قوله: "وقت إعطائك إياي" ولو صرح بذلك لاقتضى العموم؛ لأنه مضاف إلى معرفة فكذلك صفة إذا.

قال: وهذا يلتفت لي خط من النحو وهو أن العامل في إذا جوابها أو فعل الشرط وعلى كل من التقديرين لنا أن نمنع تقدير الإضافة فيها ونقدره وقتًا منونًا منكرًا في قوله وقتًا تعطيني فيه فلا يلزم العموم، وعلى تقدير الإضافة فتعميم الإضافة مختلف فيه وبتقدير ثبوته فليس في مرتبة العموم الصريح الذي هو موضوع متى.

قلت الحق هو الجواب الأول؛ فإذا دلت على مطلق الزمان كان أخص الأزمنة بها الفور لقرينة العوضية، على أن أصحابنا حملوها على الفور وإذا لم يكن قرينة عوض بدليل أن الصحيح فيمن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق أنه إذا مضى زمان يمكنه أن يطلقها فيه فلم يطلقها مع عدم العوض، وكان يمكن أن يقال إذا لم يكن قرينة عوض فلا يتعين الفور، كما لو قال إن لم أطلقك واقتضى كلام الغزالي في الوسيط في هذه المسألة أن إذا مثل أي إذا قال

1.

فرع: إذا الشرطية لا تدل على التكرار خلافًا لابن عصفور؛ فإذا قال: "إذا قمت فأنت طالق" طلقت بالقيام الأول، ثم لا تطلق بالثاني كما جزم به الرافعي في أوائل تعليق الطلاق.

ولا تدل على العموم أيضًا خلافًا لبعضهم كما حكاه شيخنا في باب الجوازم في الارتشاف؛ فإذا قال إذا طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر فطلق أكثر من واحدة لم يعتق إلا واحد وينحل اليمين؛ قاله الرافعي في الكلام على التعليق بالتطليق.

فرع: ولا يلزم اتفاق شرطها وجزائها في الزمان.

قال أبو حيان بخلاف متى فإن ذلك شرط فيها؛ تقول إذا زرتني اليوم زرتك غدًا، ولا يصح ذلك في متى.

وما قاله ظاهر، وبه صرح الأصحاب في إذا جاء اليوم فأنت طالق غدًا أو عكسه ولم يذكروا متى.

1 بياض في "ب".

ص: 209

مسألة:

"إذا" أغلب معانيها أن تكون ظرفًا للزمن الماضي نحو: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} 1. واختلف هل يكون اسمًا للمستقبل فتقع موقع إذا؟ فمن قائل به استشهد بقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} 2 {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} 3 وفي حديث ورقة "ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك"4.

ومن منكر، وهم الجمهور، وجعلوا ما ذكر من باب ما نزل فيه المستقبل منزلة الحاضر إذ كان واقعًا لا محالة، ومن ثم إذا قال لها: أنت طالق إن أعطتني ألفًا تطلق في الحال طلاقًا بائنًا، لاعترافه بصدور خلع مقبوض فيه العوض، ولها مطالبته بالألف إذا أنكرت ذلك صرح بالمسألة الماوردي.

ولك أن تقول إن استفاد الماضي من إذ فينبغي أن تجريه فيما إذا كانت الصيغة [وقت إعطائك] 4 لي ألف فإن التزمه فقد وفي بمقتضى الصيغة وإلا فما الماضي مستفاد إلا من فعل الماضي، وهو [قول] 5 أعطيت. واعلم أن إذ ترد حرف تعليل على ما قال ابن مالك ونسبه بعضهم لسيبويه وجعل منه قوله تعالى:{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فلو حمل هنا على ذلك أو ادعى إرادته لم يقع الطلاق فيما يظهر إلا جرعيًا، والمعنى أنت طالق لكونك أعطيتني ألفًا، وليس بلازم أن يكون هذا في مقابلة الطلاق حى يكون بائنًا، وقد حملها الأصحاب على التعليل في نحو أنت طالق إذ قام زيد أو إذا فعلت كذا فقالوا يقع لأجل القيام والفعل.

قال الرافعي ويمكن أن يكون الحكم فيه على التفصيل بين أن المفتوحة بين العارف بالنحو وغيره.

ونقل ابن الرفعة عن صاحب الذخائر أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي قال بهذا الذي حاوله الرافعي.

فائدة: "أول" الصحيح أن وزنه [أو أل] 6 على وزن أفعل فقلبت الهمزة الثانية واوًا ثم أدغمت، ومن ثم يقال هذا أولى منك وتجمع على أوائل وأوالي، وقال قوم: أصله وول فقلبت الواو الأولى همزة ووزنه فوعل وله استعمالان.

1 سورة التوبة آية: "40".

2 سورة الزلزلة آية: "4".

3 سورة المائدة آية: "116".

4 في "ب" البيت عطاؤك.

5 في "ب" قوله.

6 في "ب" أو أن.

ص: 210

أحدهما: أن يكون اسمًا فينصرف، ومنه قولهم:"ماله أول ولا آخر" قال شيخنا أبو حيان: وفي محفوظي أن هذا يؤنث بالتاء ويصرف؛ فتقول أوله وآخره بالتنوين.

والثاني: أن يكون صفة أي أفعل تفضيل بمعنى الأسبق، فيعطى حكم غيره من صيغ أفعل التفضيل من دخول من عليه ومنع الصرف وعدم تأنيثه بالتاء فتقول هذا أول من هذين، وما رأيته منذ أول من أمس.

وقالوا ابدأ بهذا أول -مبنيًا [على] 1 الضم اتفاقًا.

وهذا حظ النحاة، وفيه كلامان هل من شرط الأول أن يكون فردًا؟

والثاني هل من شرطه أن يكون له ثان؟

فيه وجهان أرجحهما عند الوالد رحمه الله وبه قال: نعم، وأرجحهما عند الرافعي والنووي لا.

فإذا قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرًا فأنت طالق فإن ولدت ذكرًا ولم تلد غيره لم تطلق على الأول، وطلقت على الثاني.

تنبيه: ليس من شرط "الأول" الفردية، وحكى الوالد رحمه الله في تفسيره في سورة الحشر فيه خلافًا؛ فإن كان نقل ذلك عن تحرير فسمعًا له وطاعة ومن ثقة ثبت، وإلا فلعله أخذه من قول المزني في أول من حج عني فله مائة فحج اثنان، ثم ثالث إنه لا يستحق واحد منهم قال العبادي لأن الأول اسم لمفرد،

والثاني ليس بأول أو من قول الأصحاب في باب العتق إذا قال أول من دخل من عبيدي دخل أولًا فهو حر فدخل اثنان معًا ثم ثالث لم يعتق واحد أو من قول الرافعي في كتاب الطلاق قبيل التعليق بالحيض لو أخرج درهمًا للمتسابقين وقال: من جاء منكما أولًا فله كذا فجاءا معًا، لم يستحقا شيئًا وليسلهم معصم في شيء من هذا.

أما مسألة المزني فلعله إنما قال لا يستحق الأولان، لامتناع حج اثنين عن واحد في عام واحد وهو وجه حكاه الماوردي في باب جزاء الصيد، أو لأن لفظ من منفرد

1 في "ب" علم.

ص: 211

فروعي، ومن ثم يتطرق إلى منازعة العبادي في فهمه عن المزني أن ذلك [لأجل] 1 اشتراط الفردية.

وأما العتق فلما ذكرناه.

وأما مسألة المسابقة فلأنه ليس أحدهما بالنسبة إلى الآخر [أول]2.

ثم يستدل على عدم اشتراط الفردية بقوله تعالى: {والسابقون الأولون} 3 ولو كان الأول الفرد لم يكن أولون، وقال صلى الله عليه وسلم "أول شيء خلق الله القلم" 4 مع قوله عليه السلام "أول ما خلق الله العقل" 5، وقال صلى الله عليه وسلم:"أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة"6.

وفي مسند أحمد "أول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع".

مسألة:

"إلا" ترد للاستثناء، وبمعنى غير فيوصف بها ويناد بها جمع منكر أو شبهه وعاطفة، وزائدة.

أما التي للاستثناء [فقد يستثني ما هو من الجنس نحو جاء القوم إلا زيدًا، فهو الاستثناء] 7 المتصل، وهو حقيقة.

وفيه مسائل:

منها:8

فصل:

وقد يستثنى بإلا ما ليس من الجنس وهو الاستثناء المنقطع والصحيح أنه مجاز،

1 سقط في "ب".

2 في "ب" بأول.

3 سورة التوبة آية: "100".

4 أخرجه البيهقي 9/ 3 كتاب السير/ باب مبتدأ الخلق.

5 قال العراقي في تخريجه للإحياء أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي أمامة وأبو نعيم من حديث عائشة بإسناد من ضعيفين. وانظر إتحاف السادة 1/ 479.

6 عزاه السيوطي للقضاعي في مسند الشهاب، قال المناوي: وفيه كما قال الهيثمي أشعث بن نزار وهو متروك فقول العامزي حسن غير حسن، فيض القدير 3/ 89- 90.

7 سقط في "ب".

8 بياض.

ص: 212

ومذهبنا أنه صحيح، ومنعه أحمد مطلقًا، وأبو حنيفة في غير المكيل والموزون.

وفيه مسائل:

منها قد كثر وروده في الكتاب والسنة نحو: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس} 1 {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} 2.

{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 3.

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} 4.

{لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} 5.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} 6.

{مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} 7.

{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} 8.

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 9.

{إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} 10.

{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} 11.

{مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} 12.

{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا، إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} 13.

{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} 14.

وآيات كثيرة على خلاف في كثير مما أوردناه ومما لم نورده هل هو فيه متصل أو منقطع أو عاطف أو زائد وكذلك في السنة، ومنها إذا قال له علي ألف درهم إلا ثوبًا صح الاستثناء؛ فإن بين بما يستغرق قيمة الألف لغًا البيان، والصحيح بطلان والاستثناء حينئذ فيلزمه الألف، وقيل يطالب بيان صحيح.

1 سورة البقرة آية 34.

2 سورة البقرة آية 150.

3 سورة النساء آية: 22.

4 سورة الدخان آية: 56.

5 سورة النساء آية: 29.

6 سورة النساء آية: 92.

7 سورة النساء آية: 157.

8 سورة الأنعام آية: 80.

9 سورة الشعراء آية: 89.

10 سورة النمل آية: 10.

11 سورة النمل آية: 65.

12 سورة يوسف آية: 68.

13 سورة الواقعة آية: 25/ 26.

14 سورة الليل آية: 19/ 20.

ص: 213

فائدة: ذكرها ابن سراقة

وهي: أنه قد يكون عليه ألف درهم لمن له عنده عبد أو ثوب مثلًا ويخاف أن أقر له بالألف جحده المقر له الثوب أو العبد فطريقه أن يستثنى العبد أو الثوب من الألف، وإن الغاصب استهلك العبد1 فللمقر أن يسقط قيمته من الألف ويقر بما بقي ويحلف صادقًا.

والاستثناء من غير الجنس في الإقرار، قال الماوردي: لا يختلف أصحابنا في حصته.

قال واختلفوا في غير الإقرار على وجهين.

فائدة: قد يجيء لفظ يدل على معنى الاستثناء وليس هو إياه، ففي جعله مساويًا له نظر في مسائل.

منها لو قال هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي قيل.

قال الرافعي لأنه إخراج بعض ما تناوله اللفظ فكان كالاستثناء.

قلت قد يخرج فيه وجه من الوجهين في المسألة بعده، وقد ألحق الرافعي بهذه الصورة ما إذا قال: الخاتم له وفصه لي. وفيه نظر. فقد يقال ليس الفص داخلًا في مسمى الخاتم وإن دخل معه حالة الإطلاق بخلاف بيت من دار.

ومنها لو قال: له علي ألف أحط منها مائة أو استثنى مائة، ففيه وجهان حكاهما الماوردي.

مسألة:

الباء ترد لمعان أعمها الإلصاق فقد قي إنه معنى لا يفارقها أبدًا، ومن ثم اقتصر عليه سيبويه.

وتأتي للمقابلة وهي الداخلة على الأعواض كاشتريته بألف، وأحسن مثال له قوله صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان"؛ غير أن الفقهاء لم يجعوا ما دخلت عليه الباء ثمنًا إلا إذا كان العوضان نقدين أو دخلت على النقد، فإن دخلت على غير النقد، ومقابلة نقد قالثمن النقد، هذا ما صححه الرافعي والنووي والوالد رحمهم الله وقيل الثمن مدخول، الباء مطلقًا وقيل النقد مطلقًا.

1 في "ب" زيادة أو الثوب من الألف.

ص: 214

واختلف في مجيئها للتبعيض، فأثبته ابن مالك، ونفاه غيره. وعلى الإثبات يتوجه قول من أخذ الاجتزاء بأقل ما ينطق عليه الاسم من مسح الرأس من قوله تعالى:{برؤوسكم} 1 ومن ثم قيل إنه قول الشافعي رضي الله عنه، والصواب أن الشافعي لم يأخذ من حرف الباء ولكن من غيره كما قرر في مكانه.

وترد الباء للسببية ومنه {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} 2 ومثل به ابن مالك لباء التعليل، وجعل باء العلة غير باء السببية. وقدمنا الكلام عليه في مباحث العلل من أصول الديانات ولا يخفي أنه أنه إذا اختلفت محاملها حملت عند القرينة على ما دلت عليه القرينة، فإن لم تدل على شيء فليس إلا الإلصاق؛ فإنه القدر المشترك ومن ثم يضرب النظر إذا تعاوضت القرائن؛ وذلك فيما إذا قال طلقتك بدينار على أن لي عليك الرجعة، فقوله بدينار قرينة أنه خلع، وأن الباء [للعوضية] 3 لكن يدرأ هذه القرينة اشتراطه الرجعة ولا رجعة في البينونة؛ فاحتمل أن يجعل آخر الكلام دافعًا لأوله ويتساقطان، ويبقى قوله طلقتك فيقع الطلاق وتثبت الرجعة لا لكونه اشترطها؛ بل لأن الواقع طلاق غير بائن، وهو الصحيح في المسألة ومنقول المزني والربيع عن النص. أعني وقوعه رجعيًا ولا مال، ويمكن أن يقال حذف قوله بدينار عن درجة الاعتبار، أو حذفت الباء عن معنى العوضية وحملت على السببية.

واعلم أن معنى السببية أعم من معنى العوضية، فبعتك بدرهم معناه بسبب درهم أخذته مقابله، ومن ثم قال بعض النحويين باء العوض هي باء السبب وهو الصحيح؛ فإذا انتفى خصوص العوض لم يبعد بقاء عموم السبب فيحمل على عموم السببقية أو غيرها. والحاصل انتفاء باء العوض هنا لما دلت القرينة اللفظية عليه وهي اشتراط الرجعة واحتمل أن لا تحذف الباء عن درجة الاعتبار، ولا اشتراط الرجعة، ولا يخفي أن المصير إلى هذا لو تم أوجه؛ لأن الأعمال خير من الإهمال. وكيف السبيل إلى ذلك.

ويحتمل أن يقال دلت الباء على أن الطلاق ليس مجانًا، ولكنه بعوض.

غير أن خصوص الدينار منفي، لكونه أوقفه على شرط لا يحصل معه، ودل الشرط على أنه لايكون إلا عند حصول الدينار فإذا انتفى الدينار ولم يكن شرطًا، وبقي أصل العوض، فيرجع إلى مهر المثل ويقع بيانه، وكان هذا خلع بشرط فاسد، فألغي

1 سورة المائدة آية: 6.

2 سورة البقرة آية: 54.

3 في "ب" للعوض.

ص: 215

الشرط، كما إذا خالعها بشرط أن لا عدة عليها وألغي تعيين العوض إذا لم يسلم له الشرط وحصلت البينونة بالعوض الشرعي وهنا دقيقة وهي أن ما ثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط ومهر المثل ثبت في الخلع بالشرع فهو أولى من العوض الذي يعينه المختلع، وكذلك الرجعة تثبت في الطلاق الرجعي بالشرع؛ فهي أولى من إثباتها بالشرط.

فمن ثم قال بعض الأصحاب الاحتمال الأول يثبت في الرجعة لا بقوله، بل بالشرع، ويسقط العوض مطلقًا وقال الأصحاب هذا الاحتمال يثبت مطلق لعوض لا بقوله بل الشرع الذي أثبت في كل خلع عوضًا ويسقط شرط الرجعة، وهذا هو اختيار المزني وطائفة من الأصحاب منهم الإمام والغزالي.

ويحتمل أن يصح الخلع ويثبت المسمى وتثبت الرجعة، ويكون المال عوضًا عما نقص من عدد الطلاق، وهذا مروي عن مالك رحمه الله، ولا يمكن القول به عندنا.

ويحتمل أن يسقط شرطه للرجعة ويثبت المال المعين، وهو منقول عن أبي حنيفة رحمه الله وأحمد رضي الله عنه ورواية عن مالك رضي الله عنه؛ فانظر تصرف الأئمة رحمهم الله في مدلولات الألفاظ وحرصهم على أعمال الكلام ما وجدوا إليه سبيلًا.

فرع: إذا قال أنت طالق برضا فلان أو بقدومه فهو تعليق؛ كقوله إذا رضي أو قدم. قاله صاحب التهذيب وحكاه عند الرافعي في فصل التعليق والسنة والبدعة.

ورأيت أنا في التهذيب مع جزمه مع أكثر الأصحاب بأنه لو كان موضع الباء اللام كان للتعليل، واقتضى الوقوع وإن لم يكن فلان راضيًا، وليس لنا باء للتعليق.

ولعل مراده بالعوض ونفي عنها السبب كما قدمناه.

مسألة:

بعد ظرف [زمان] 1 دل على تأخر سابقه عن لاحقه عكس قبل؛ فإذا قال وقفت على أولادي وأولاد أولادي بطنًا بعد بطن ترتب، وهو الصحيح، وفاقًا للشيخ الإمام، وخلافًا للرافعي والنووي.

مسألة:

بل حرف إضراب يتلوه جملة ومفرد؛ فإن تلاه جملة كان الإضراب بمعنى الانتقال من غرض إلى آخر وإما بمعنى الإبطال ومن ثم لم يسمع قوله هذا الدار لزيد بل لعمرو في إبطال إقراره لزيد؛ إذ ليس له أن يبطل ما أقر به فليسلم لزيد ويلزمه غرم قيمتها لعمرو على الصحيح وإن تلاها مفرد فهي عاطفة، ثم إن تقدمها إثبات نحو

1 في "ب" الزمان.

ص: 216

أضرب زيدًا بل عمرًا، وقام زيد بل عمرو فقال النحاة هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشيء ويثبت ما بعدها.

وأقول هذا في الخبر واضح، أما في الأمر نحو اضرب زيدًا بل عمرًا لو فرض وروده في كلام الشارع فالظاهر أنه نسخ قبل الفعل.

وإن تقدمها نفي ولو نهيًا فهي لتقدير ما قبلها على حاله وجعل ضده لما بعدها، نحو ما قام زيد بل عمرو، ووافق المبرد على ما ذكرناه، غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة معنى النفي والنهي إلى ما بعدها.

ويتخرج على الخلاف ما الذي لك عندي دينارًا بل درهمًا، [أو] 1 بل درهم ويختلف المعنى فإن نصبت الدراهم اتجه أن لا يجب شيء، وجاز النصيب بعد بل لأن المعطوف على خير ما ليس موجبًا فلم يتعين رفعه بل وجب النصب؛ لأن التقدير:"بل ما الذي لك عندي درهمًا" وحينئذ لا يجب الدرهم لكونه نفاه ولم يتقدم منه إثباته ولا الدينار لنفيه إياه أولًا.

فإن قلت: لكن مفهوم "بل" إثباته.

قلت: إن سلم أن مفهوم فالأقارير لا تثبت بالمفاهيم.

وإن رفعت الدرهم كنت مقرًا به؛ إذ التقرير "بل الذي عندي درهم".

مسألة: بلى: حرف جواب مختص بالنفي مفيد لإبطاله سواء كان جوابًا لاسفتهام أو لخبر منفي

فالأول: مثل أليس لي عليك ألف؟ فيقول: بلى.

والثاني: مثل أليس لي عليك ألف؟ فيقول: بلى؛ غير أنه في هذه الثانية يكون مقرًا لمنكر؛ وإنما كانت2 كذلك لكونها ردًا للنفي الذي في كلام المستفهم أو المخبر ونفي النفي إثبات، وعلى ذلك ورد في الاستفهام التقريري قوله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} 3 معناه أنت ربنا ولذلك قال ابن عباس لو قالوا نعم لكفروا ووجه ذلك بأن نعم تصديق لما وقع الإخبار عنه بنفي أو إثبات هذا مقتضى اللغة ولذلك يلزم من قال "بلى" في جواب من قال: أليس لي عليك كذا.

1 سقط في "ب".

2 في "ب" زيادة بلى.

3 سورة الأعراف آية: 172.

ص: 217

فإن قلت: وهو الصحيح فيما لو قال: "نعم" مع أن "نعم" تقرير للمسؤول عنه فإن كان نفيًا فمقتضاها النفي، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما لو قالوا نعم لكفروا.

وحينئذ فيكون الجواب بنعم معناه نفي أن له عنده فكيف حكمتم بأنه إقرار.

قلت: إنما حكمنا بذلك للعرف. وإلا فموضوعه اللغوي ما ذكرت.

فإن قلت: ما تقولون فيما إذا أجاب في الإثبات ببلى فإنه على خلاف وضع اللغة إذا وضعها تحقيق ما سأل عن نفيه لا ما سأل عن ثبوته.

قلت: قال أصحابنا إنه إقرار لما اشتهر في العرف من استعمالها في تحقيق الجواب وإن كان إثباتًا، وهو نظير ما قلناه في "نعم" وخالفهم الشيخ الإمام وقال: لا يكون إقرارًا ومنع اطراد العرف، وبتقديره قال: ينبغي أن يطرقه الخلاف فيما تقدم.

مسألة:

تاء التأنيث: تدخل على اسم العدد من ثلاثة إلى عشرة إذا كان المعدود مذكرًا وتخرج إذا كان مؤنثًا؛ فعلى هذا إذا قال عشرة من الإبل كان للذكور وإن قال عشرًا كان للإناث.

وهو الصحيح عند الوالد رحمه الله في باب الوصية إلا أن يكون القائل جاهلًا، ورجح الرافعي والنووي أنه لا فرق.

[قلت] 1 تجيء التاء المذكورة للمبالغة كراوية لكثير الرواية، [ولتأكد] 2 المبالغة كعلامة، فإنا استفدنا المبالغة من صيغة فعال المشدد العين.

ووقع كلام الإمام في النهاية في باب القذف في المسألة التي سنذكرها عن بعضهم أن علامة ونسابة كراوية، وليس كذلك إذا علمت هذا فإذا قال الرجل: يا زانية فمذهبنا أنه قاذف خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله؛ غير أن مأخذ مذهبنا في ذلك قيل فيه إن اللحن فيما نحن فيه لا يمنع وهذا هو الذي ارتضاه الإمام وغيره وقيل لأن التاء للمبالغة؛ فقد قذف وزاد.

وقال الرافعي: ولم يرتض الإمام وآخرون هذا النبأ، وقالوا: ليس هذا مما يجري فيه القياس، ولا يصح أن يقال لمن يكثر القتل قاتلة وقتالة، كذا قال الإمام في النهاية وعبارته

1 في "ب" مسألة.

2 في "ب" لتأكيد.

ص: 218

أن هذا باطل قال: "لأنه لم يتمهد قياسًا مطردًا، فلا يقال لمن كثر منه القتل "فلان قاتله".

ولسان العرب ينقسم إلى ما لا قياس فيه أصلًا؛ وإنما المتبع فيه السماع المحض وإلى ما يطرد فيه القياس، وإلى ما يجري فيه قياس مقرون بالسماع، ولا حاجة إلى [التعليل1 بمثل هذه انتهى.

قلت: الحاصل أنه موقوف على السماع، ويؤيد هذا أن شيخنا أبا حيان جزم في باب الحال في كلامه على صيغة "كأنه" أن -رواية شاذ وأن مثل هذا موقوف على السماع لكن في كلام أبي علي الفارسي ما نصه. [وإلحاق هذه التاء بعد ما تزيد فيه المبالغة جائز]2.

مسألة: "ثم" حرف عطف للتشريك والترتيب والمهلة

خالف قوم في اقتضائها الترتيب، وآخرون في اقتضائها المهلة وذهب إليه من الفقهاء القاضي أبو عاصم؛ فقال: إذا قال وقفت على أولادي ثم أولاد أولادي لا يقتضي الترتيب مع قوله إن الواو للترتيب.

ولعل الجمع بين هاتين المقالتين خرق للإجماع، ولكن مأخذ أبي عاصم أن الوقف إنشاء فلا يعقل فيه ترتيب، وليس ذلك من ثم؛ كذا نبه عليه الوالد رحمه الله تعالى في كتاب الطوالع المشرقة.

ونظيره ما قاله الرافعي في آخر باب القسم والنشوز لو قال: طلقها ثم خذ مالي منها جاز تقديم أخذ المال على الطلاق فإنه زيادة خبر انتهى.

فذلك لأنه زيادة خبر كما تقدم، لا لعدم اقتضاء ثم الترتيب ولأنه أيضًا ترتيب في الإنشاء، لأن خذ إنشاء فاجتمع في هذه الصورة شيئان الإنشاء وزيادة الخبر وكان الترتيب منهما لا من ثم.

مسألة:

"حتى" البحث فيها كما في إلى، وقد تقدم3

1 في "ب" التعلق.

2 سقط من "أ" والمثبت من "ب".

3 في "ب" زيادة دون، زها، سلخ، سنة، شطر.

ص: 219

مسألة:

"على" ذكرا لنحاة مجيئها حرفًا بمعنى الاستعلاء والمصاحبة والمجاوزة والتعليل والظرفية والاستدراك وموافقة من والباء وقد كثر استعمال الفقهاء لها في التعليل وشاهده في التنزيل {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم} 1 وقوله: {اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} 2.

وفي الاستدراك والإضراب: كقولهم فلان لا يدخل الجنة على أنه لا ييأس من روح الله، ومنه:

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا

على أن قرب الدار خير من البعد 3

وكثر استعمالهم لها أيضًا عوضًا، مثل أنت طالق على ألف، ونحو بعتك على أن تعطيني عشرة جزم الرافعي في الصداق بأنه يصح، وحكاه الشيخ الإمام عنه في أوائل كتاب البيع وسكت عليه فليحمل على معنى الباء التي بمعنى العوض لا الباء من حيث هي ولم أجد له شاهدًا.

[وكثر استعمالهم لها أيضًا شرطًا] 4، ولم أجد من ذكره من النحاة في معانيها، وأذكر أن الوالد رحمه الله بحث عن ذلك وأطال كلامه "فيه معنا لما"5 انتهى في شرح المنهاج إلى نكاح الشغار، ولا أعرف ما الذي تحصل عليه من ذلك.

وقد قال الغزالي صورة الشغار [أن يقول] 5 زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يضع كل واحد منهما صداق الأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك.

وقال القفال: إنه يبطل للتعليق.

فانظر كيف فهم التعليق من على؟

1 سورة الحج آية: 37.

2 سورة الحج آية: 28.

3 البيت من الطويل لابن الدمينة انظر ديوانه 82، مغني اللبيب 1/ 145، شرح الأشموني 2/ 223،

والشاهد في البيت استعمال

....................

على أن قرب الدار خير من البعد

فأبطل بعلى عموم قوله "لم يشف ما بنا".

4 في "أ" وكثر استعماله أيضًا شرط والمثبت من "ب".

5 سقط في "ب".

ص: 220

وقال بعض الأصحاب أظنه القاضي الحسين إنما يبطل إذا قصد توقيف الانعقاد فليبحث عن ذلك.

ويشهد لمجيئها شرطًا قوله تعالى: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَج} 1 وقول بعض الصحابة لعثمان أبايعك على كتاب الله، وقد استعملها الفقهاء شرطًا في نكاح الشغار كما [عرفت] 2 وفي الخلع، وفي خالعتك على هذا الثوب على أنه هروي، وفيما لو نكحها على أن لا يطأها [إلا مرة، أو أن لا يطأها] 3 إلا نهارًا، وفي باب الصداق فيما لو نكحها على أن لأبيها ألفًا.

تنبيه: تستعمل "على" بمعنى الوجوب وهو راجع إلى الاستعلاء نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس على كل

" ونحو قول الشافعي رضي الله عنه على الآباء [والأولاد] 4 أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة وبمعنى الاستحباب.

فائدة: صح قوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه5 الحديث، وليس فيه من الإثم.

وفي المسألة وجهان رجح القاضي والإمام والغزالي أن كراهة المرور كراهة تنزيه، والصحيح أنه للتحريم، وعلى كافية في الدلالة عليه وإن لم يصرح بلفظ الإثم ووقع في الرافعي التصريح بلفظ الإثم، ولكن ليس هو في لفظ الحديث ولا يحتاج إليه أيضًا بلب التحريم يحصل بلفظ على.

مسألة:

"عند" اسم للحضور.

"غير" أصل وضعه الصفة، والاستثناء به عارض، عكس إلا.

وشرط غير أن يكون ما قبلها [يصدق] 6 على ما بعدها نقول مررت برجل غير

1 سورة القصص آية: 27.

2 سقط في "ب".

3 سقط في "ب".

4 في "ب" الأبناء.

5 أخرجه البخاري 1/ 584 كتاب الصلاة حديث "510" ومسلم 1/ 363- 364 كتاب الصلاة حديث "261- 507".

6 في "ب" يكون.

ص: 221

فقيه ولا يجوز غير امرأة، بخلاف لا النافية؛ فإنها بالعكس وهذا في غير العلمين، أما العلمان فيجوز العطف بـ "لا" وبـ "غير" وفي غير مسائل.

منها كل امرأة لي غيرك طالق، ولا امرأة [له] 1 سواها، قال القفال والقاضي الحسين: إن قصد الاستثناء وقع لكونه مستغرقًا وقال الشيخ الإمام لا يقع مطلقًا، وهو قضية كلام الخوارزمي في الكافي إذ قاله في سوى، ولا فرق بينها وبين غير هنا، وقد ذكرت المسألة فيترشيح التوشيح في باب العجائب والغرائب.

فرع: قال الرافعي: لو قال له عليّ درهم غير دانق فقضية النحو وبه قال بعض الأصحاب أنه إن نصب غير؛ فعليه خمسة دوانق لأنه استثناء وإلا فعليه درهم تام؛ إذ المعنى فعلي درهم لا دانق.

وقال الأكثرون السابق إلى فهم أهل العرف منه الاستثناء فيحمل عليه وإن أخطأ في الإعراب انتهى وأقره الوالد.

فأما قوله قضية النحو في النصب خمسة دوانق فليس على إطلاقه. بل لهم حال النصب إعرابان.

قال أبو علي الفارسي هو منصوب على الحال واختاره ابن مالك، وعزي إلى ظاهر كلام سيبويه؛ فعلى هذا يلزم درهم تام، وقال آخرون وهو المشهور أنه نصب على الاستثناء وعلى هذا يخرج كلام الرافعي.

وأما قوله: "وإلا فعليه درهم" يعني إذا رفع غيرًا، وهو واضح؛ فإنها حينئذ صفة، والمعنى "درهم موصوف بأنه غير دانق"؛ ولكن يبقى ما إذا جر "غيرًا" ولا يخفى أنه لحن؛ غير أنه هل هو عدول عن النصب فيعطى حكمه أو عن الرفع؟ فيه نظر واحتمال.

مسألة: "الفاء" للتعقيب في كل بحسبه

[ومن ثم إذا مت فشئت فأنت حر اشترط لحصول العتق إيصال المشيئة بالموت، وهو الصحيح.

مسألة: إذا دخلت الفاء على الخبر نحو الذي يأتيني فله درهم أو كل رجل يأتيني

1 سقط في "ب".

ص: 222

أو من يأتيني سواء كانت من شرطية أو موصولة كان الدرهم في مقابلة الإتيان، وإن كان لم تدخل فالكلام إخبار محض، والقضية لا معارضة فيها، ومن ثم كل من عبارة الأصحاب في الجعالة] 1.

مسألة: "في" للظرفية الزمانية والمكانية

فلو قال أنت طالق في مكة يوقف طلاقها على الحلول بمكة كذا نقله العبادي عن البويطي، ونقل الرافعي عنه أنها تطلق في الحال؛ لأن المطلقة في بلد مطلقة في باقي البلاد ولك أن تقول حتى يصدق قبل الحلول بمكة أنها مطلقة في بلد.

مسألة:

قد [حرف تحقيق تدخل على الماضي المنصرف لتقريب زمانه في الحال، وعلى المضارع ولا يفيد تعليلًا فيه؛ بل التوقع فإذا قال لعبد غيره قد اعتقتك]2.

مسألة:

قبل [الذي هو ضد بعد مدلوله التقديم ولا يستدعي وجود مسبوقيه المقطوع بأن سيوجد.

وفي المحتمل تردد ألا ترى قول إسماعيل البوشنجي فيمن قال أنت طالق قبل أن تدخلي الدار أنه يحتمل وجهين أحدهما كقوله قبل موتي وأصحهما لا يقع حتى يوجد؛ فحينئذ يقع مستندًا إلى ذلك الشيء؛ لأنه الصفة تقتضي وجوده ذكره الرافعي في تعليق الطلاق] 3.

مسألة:

كاد من أفعال المقاربة، وأمرها في الإثبات واضح، وأما إذا نفيت فذهب الزجاجي4 أنها نفت المقاربة، قالوا ويلزم منها نفي الفعل، ومن ثم جعلوا مذهبه أنها تبقي إذا بقيت كغيرها من الأفعال، وقالوا في قوله تعالى:{لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} 5 معناه: لم

1 سقط في "ب".

2 سقط في "ب".

3 سقط في "ب".

4 هو الحسن بن محمد بن العباس القاضي أبو علي الطبري الزجاجي أخذ عن ابن القاص.

له كتاب زيادات المفتاح وله كتاب في الدور.

طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 139- 140، معجم المؤلفين 3/ 284.

5 سورة النور آية: 40.

ص: 223

يرها ولا قارب رؤيتها، وفي قوله:{وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} 1 [أنه لا يسيغه] ولا يقارب إساغته وهذا رأي شيخنا أبي حيان.

ومذهب أبي الفتح أن نفيها يدل على وقوع الفعل بعد بطء بدليل {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} 3 ومن ثم قيل إذا دخل عليها نفي أثبتت، وأنشد عليه.

أنجوي هذا العصر ما هي لفظة

جرت بلساني جرهم وثمود4

وجرى على هذا الشيخ الفراء فقال في فتاويه: إذا قال لامرأته: ما كدت أطلقك يكون هذا إقرارًا بالطلاق فيحكم عليه بالوقوع. وهذا فيه نظر؛ إذ لم يصدر لعارف مدلول هذه اللفظة معتقد فيها هذا الاعتقاد.

وجمع ابن مالك بين المذهبين فقال في التسهيل وتبقى كاد إعلامًا بوقوع الفعل غدًا ولعدمه وعدم مقارنته ولقد أجاد؛ فإن لهما هذين الاستعمالين.

أما إعلامها بوقوع الفعل غدًا. وهو مذهب أبي الفتح فبدليل الآية ولإمكان ذلك رجع ذو الرمة في قوله:

إذا غير النأي المحبين لم يكد

رسيس الهوى من حب مية يبرح5

أما إعلامها بعدم الفعل وعدم مقارنته وهو الاستعمال الثاني؛ فهو مذهب الزجاجي، وقد ذكرنا من شواهده وإذا ثبتت الاستعمالان في لغة العرب تعين مذهب ابن مالك؛ غير أن الأول منهما فيما [أحسب] 6 أكثر.

والحاصل أن كاد معناها قارب؛ فإذا قلت ما كاد فقد نفيت المقاربة ولا يلزم من نفيها نفي الفعل؛ فإنك تقول خلص فلان وما كاد يخلص وتقول نجا وما قارب النجاة

1 سورة إبراهيم آية: 17.

2 سقط في "ب".

3 سورة البقرة آية: 71.

4 البيت من الطويل لأبي العلاء المعري انظر جمع الهوامع 1/ 132، الأشموني 1/ 132، الأشموني 1/ 268، والشاهد كما ذكر المصنف رحمه الله.

5 والبيت من الطويل لذو الرمة والبيت في شرح المفصل 7/ 124.

إذا غير الهجر المحبين لم يكد

رسيس الهوى من حب مية يبرح

6 في "ب" يحسب.

ص: 224

كما تقول: ما نجا ولا قارب النجاة فنفيها نفي أخص، فتحته ضربان.

هذا الذي أفهمه منها، وبه يظهر سداد مذاهب ابن مالك، وحمله اختلاف الزجاجي وأبي الفتح على أن لها استعمالين، ولا أرى لخلاف ذلك وجهًا، وقولهم يلزم من نفي المقاربة نفي الفعل فيه نظر؛ فقد تبقى مقاربته مع وقوعهن لكن ذلك قليل، ولا يقال كل من فعل قد سبق فعله مقاربته للفعل؛ لأنه قد يفعل ولا يكون عند فعله بحيث يفعل، بل يهجم هجمًا فيقال فعل، وما كان يفعل.

مسألة:

"كم" خبرية بمعنى كثير، واستفهامية بمعنى أي عدد.

وليست الاستفهامية أصلًا لها؛ خلافًا للزمخشري حيث ادعى ذلك من سورة يس عند الكلام على {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا} 1 وهو مقتضى كلام ابن مالك في التسهيل.

وهما مشتركان في الافتقار إلى التمييز؛ إلا أن تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب، وفي جره مذاهب؛ ثالثها الصواب جوازه بشرط أن تجر كم بحرف جر وحينئذ فالجر أقل من النصب.

وفيه مسائل: منها إذا قال بع بكم شئت قال الأصحاب له البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد، ولك أن تقول إن كان هذا العرف فيه هذا اللفظ فجيد؛ غير أنا لا نجد فيه عرفًا؛ وإلا فهذا اللفظ أولًا غير عربي، لأن كم لها الصدر فلا يتقدم عليها قوله "بعه".

ومن ثم غلط شيخنا أبو حيان بن عطية2؛ إذ قال في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} 3 أبدلت "أن" وصلتها من "أل".

وقال عامل البدل هو عامل المبدل منه يروا فكم لها الصدر؛ فلا يعمل فيها ما قبلها، وإن قدره أهلكنا فلا تسلط له في المعنى على البدل.

1 سورة يس آية: 31.

2 عبد الحق بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي، قال ابن الزبير: كان فقيهًا جليلًا عارفًا بالأحكام والحديث والتفسير نحويًا لغويًا أدبيًا بارعًا شاعرًا توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، بغية الوعاة "2/ 73".

3 سورة يس آية: 31.

ص: 225

وثانيًا: كم فيه لا يصلح أن تكون خبرية؛ لأن هذا الكلام لإنشاء التوكيل بالبيع بما يراه، ولو جعلت خبرية أمكن أن يتحمل لها أن لا تكون للصدر على لغة حكاها الأخفش1 وذكر أنهم يقولون ملكت كم غلام أي ملكت كثيرًا ولكن لا يمكن؛ إذ لا تصح الخبرية هنا ولا الاستفهامية، إذ المتكلم لم يقصد الاستفهام، بل عقد التوكيل على هذه الصورة.

وبلغني أن أبا علي ذكر أن كم قد تشرب معنى أي. فإن أراد معنى أي مطلقًا فيتجه أن يقال هنا معنى قوله بكم شئت بأي شيء شئت.

وإن أراد معنى أي في العموم مع بقاء الاستفهام كما ذلك في أي الاستفهامية فلا يتخرج هنا؛ إذ لا استفهام في التوكيل وما يتنبه له أن مدلول كم تقتضي أن لا يبيع إلا بعدد أي عدد شاء فلو باع بواحد فلا يصح؛ إذ الواحد ليس بعدد كما هو الحق الصواب.

هذا موضوع كم وإطلاق الأصحاب يأباه، ونظير المسألة إذا قال الولي للوكيل زوجها بكم شئت فله تزويجها بأقل من مهر المثل برضاها ذكر الرافعي في الصداق.

مسألة:

"كيف" اسم يستعمل على وجهين للشرطية، وكيف استفهامًا وخبرًا للحال.

فإذا قال أنت طالق كيف شئت قال أبو زيد والقفال تطلق شاءت أو لم تشأ، وقال الشيخ أبو علي يتوقف طلاقها على صدر مشيئة منها في المجلس إما مشيئة أن تطلق أو مشيئة أن لا تطلق.

مسألة:

كان فعل يدل على إتصاف اسمه بخبره في الماضي.

واختلف الأصوليون في دلالتها على التكرار، وهي مسألة لم يذكرها النحاة، والنحاة قالوا في دلالتها على الانقطاع، وهي مسألة لم يذكرها الأصوليون.

قال بعض النحاة لا تدل على الانقطاع؛ بل هي ساكنة عنه.

وقال أكثرهم كما ذكر شيخنا أبو حيان تدل عليه ويتجه على هذا عدم قبول شهادة

1 سعيد بن مسعدة أبو الحسن المعروف بالأخفش الأوسط قرأ النحو على سيبويه وكان معتزليًا دخل بغداد وأقام بها مدة درس وصنف فيها من تصانيفه معاني القرآن، المقياس في النحو، إنباه الرواة 2/ 36، شذرات الذهب 2/ 36.

ص: 226

[شاهد] 1 بأن هذه العين كانت ملك زيد، وهو الأصح.

وأما قول المدعي عليه "كان ملكك أمس"؛ فإنه وإن كان إقرارًا يؤاخذ به على الأصح فلأن الإقرار لا يكون؛ إلا عن تحقيق حتى لو استندت الشهادة إلى اليقين قبلت؛ وذلك بأن يقول "هو ملكه اشتراه"؛ كذا قال الرافعي.

ولك أن تفرق بين الشهادة والإقرار بأوضح من هذا فتقول: الإقرار لو قال كان له على الف فإقرار عند الشيخ الإمام، خلافًا للنووي.

مسألة:

كذا ترد على أنها كلمتان باقيتان على أصلهما كاف التشبيه، وذا اسم الإشارة ولا كلام فيهما، وعلى أنها أخرج جزءاها عن أصلهما واستعملا كناية.

بوهي ضربان: أحدهما أن تكون كناية] 2 من غير عدد، ومنه ما في الحديث عن يوم الحساب "أتذكر يوم كذا فعلت فيه كذا وكذا" ولاك كلام في هذه أيضًا.

والثاني وهو المراد، وهو غالب مواردها أن يكنى بها عن عدد مجهول الجنس والمقدار.

واختلف في كذا في هذين الضربين فقيل هي حرف التشبيه ركب مع اسم الإشارة، وأزال التركيب معنى المفردين، وأحدث للمجموع معنى لم يكن.

وقيل: لا تركيب، وهي كلمتان على أصلهما، والكاف للتشبيه ومعناه باق وهذا يعزي إلى سيبويه والخليل3

وقيل: الكاف اسم بمنزلة مثل.

وقيل: اسم ولا تشبيه فيه.

ثم قال النحاة في كيفية اللفظ بها ويميزها المكني بها عن غير عدد لفظها الإفراد والعطف؛ نحو مررت بمكان كذا، وبمكان كذا وكذا.

1 سقط من "ب" والمثبت من "أ".

2 سقط في "ب".

3 الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض، أستاد سيبويه.

توفي سنة خمس وسبعين ومائة.

بغية الوعاة 1/ 560.

ص: 227

وأما في المكنى بها عن عدد؛ فليس إلا العطف ونصيب التمييز أبدًا؛ هذا قول سيبويه، وشذ سواه، ثم قال سيبويه هي للعدد مطلقًا قليلًا كان أو كثيرًا، وقال ابن مالك للتكثير مثل كم الخبرية.

ولا أدي هل يقول لا يكنى بها عما نقص عن أحد عشر لأنه عدد قليل أو لا يلزم ذلك.

إذا عرفت هذا؛ فلو قال له علي كذا وكذا درهمًا بالنصب وجب درهمان على المذاهب، وهو جار على مذهب سيبويه، وقال المزني1 والوالد رحمهما الله تعالى يلزمه درهم واحد.

مسألة:

اللام ترد لمعان كثيرة من أشهرها الملك والاختصاص والتعليل ويكثر في كلام الفقهاء ورودها للتوقيت؛ حتى قالوا في كتاب الطلاق اللام فيما ينتظر للتوقيت فإذا قال لها أنت طالق للسنة إذا لم يكن الحال حال سنة أو للبدعة إذا لم يكن الحال حال بدعة، يحمل على التأقيت؛ لأنهما حالتان منتظرتان يتعاقبان على المرأة تعاقب الأيام والليالي، ويتكرران تكرار الأسابيع والشهور، فأشبه ما إذا قال لرمضان معناه إذا جاء رمضان.

قالوا واللام فيما لا ينتظر مجيئه وذهابه للتعليل؛ وذلك مثل أن يقول أنت طالق لفلان أو لرضا فلان فيقع فيا حلال رضي أو سخط والمعنى أفعل هذا ليرضى.

فعن ابن خيران أنه إنما يقع في الحال إذا نوع التعليل، أما إذا أطلق فإنما يقع إذا رضى كقوله أنت طالق للسنة والمشهور المنصوص الأول؛ حتى لو قال أردت التعليق والتأقيت لم يقبل على الأصح؛ ولكن يدين هذا كلام الأصحاب، وفرقوا بين أن يأتي بالام كما ذكرنا، أو بالباء فيقول برضاء فلان كما قدمنا في حرف الباء عن صاحب التهذيب.

وأقول لم يتضح لي هذا كل الوضوح، وما قاله ابن خيران عندي قوي بل أقول ولو

1 إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق أبو إبراهيم المزني المصري الفقيه ومن تصانيفه الجامع الكبير والمختصر.

- طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 58، وفيات الأعيان 1/ 196.

ص: 228

نووا التعليل؛ فكيف يقع في الحال إذا لم يكن قصده ليرضى، وما معنى التعليل إلا لوقوع رضاه، وليس معناه ليقع رضاه، وكأنهم أهملوا جانب الرضا واستعملوا أنت طالق معرضين عن سبب الطلاق، وهذا [مكان] 1 مشكل.

مسألة:

لو قال في التهذيب ما نصه ولو قال لولا لطلقتك لا يقع الطلاق؛ لأنه لم يرد الإيقاع بل أخبر أنه لولا حرمة الأب لطلقها، كما لو قال لولا أبوك لطلقتك انتهى ذكره في باب طلاق المريض.

[مسألة:

لعل أشهر معانيها التوقع، ومن ثم2] لو قال لي عليك ألف فقال لعل لم يكن إقرارًا.

مسألة:

ن لابتداء الغاية غالبًا، ولبيان الجنس وللتبعيض، وللتعليل، والبدل وغيرها.

وفيها فروع:

منها: لو قال: بع ما شئت من [مالي] 3 أو ما تراه من عبيدي أو طلق من نسائي من شئت؛ ففيها أربعة أوجه جمعها الوالد رحمه الله في "شرح المنهاج".

أحدها: بطلان الوكالة.

والثاني: الصحة في العبيد والنساء دون الأموال؛ لكونها أعم وأقرب إلى الجهالة.

والثالث: الصحة في الكل ولكن لا يستوعب بل يبقى بعضًا.

والرابع: الصحة، وله استيعاب الكل، وهو الأقرب عند الشيخ الإمام الوالد رحمه الله. قال: ولم أجد من صرح به إلا القاضي الحسين فإنه حكاه وجهًا في صورة الطلاق.

والنووي قال: في صورة بع ما شئت من [مالي] 4:

"الصحيح المعروف أنه يجوز وهو ما ذكره صاحب المهذب والتهذيب".

1 سقط في "ب".

2 سقط في "ب".

3 في "ب" مال.

4 في "ب" مال.

ص: 229

فاحتمل أن يريد جواز الوكالة في الجملة -فلا يكون هو ما رجحه الوالد وأن يريد الجواز مع استيعاب الكل، فكون هو إياه.

ومأخذ من أوجب إبقاء بعض أن من للتبعيض -كذا ذكره الإمام والروياني وغيرهما وفيه نظر؛ فإنه لا يصح أن يحل مكانها -هنا- بعض والذي يظهر أنها لبيان الجنس، وفيه يظهر أن له استيعاب الكل كما رجحه الوالد [ولو] 1 كانت للتبعيض للزم بطلان الوكالة كما ذكروه في "بع طائفة من مالي"؛ إذ لا فارق إلا التفويض إلى المشيئة، ولا يظهر له أثر ظاهر.

1 في "ب" ولمن.

ص: 230