الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلاف في فروع بعد الاتفاق على أصولها ذلك أما بعد تعيين العلة أو قبلها:
الأول: مثاله في الأصول
رفع حكم المجمع عليه باطل، ومن يجوز إحداث ثالث يدعي أنه غير رافع، ومن يمنعه يدعي أنه رافع.
فلو اتفقوا على أنه رافع لاتفقوا على بطلانه أو على أنه غير رافع لاتفقوا على جوازه.
وفي الفقه: الغرر مجتنب في البيع، لحديث "نهي عن بيع الغرر" والإجماع والخلاف في بيع الغائب ناشئ عن أنه غرر أو لايعود ذلك إلى الخلاف في معنى الغرر.
وقد قال صاحب الحاوي: إنه ما [تردد] 1 بين جائزين "متضادين الأغلب منهما أخوفهما" وقال صاحب البحر: الغرر ما [تردد] 2 بين جائزين "لا يرجح أحدهما صاحبه، أما إذا رجحت السلامة لم يكن غررًا".
ومن الغريب وجه حكاه الفوراني في "الإبانة" أن المبيع [إن] 3 كان [منضبط] 4 الأوصاف -بخبر [التواتر] 5 -فهو كالمرئي، ولا يخرج على قول [الغائب]6.
وفي [البحر] 7 أنه لا يخبر بصري أن يرفع اسم "إن" بعد العاطف قبل مجيء ذا
1 في "ب" يردد.
2 في "ب" يردد.
3 في "ب""لو".
4 في "ب" مضبوط.
5 سقط في "ب".
6 في "ب" للغائب.
7 في "ب" النحو.
الخبر نحو: أن زيدًا وعمرًا قائمان لئلا يتوارد عاملان -وهما "أن" و"الابتداء" على معمول واحد، وهو الخبر.
ولا يمنعه كوفي؛ لأنهم يرون الخبر مرفوعًا، بما كان مرفوعًا به قبل دخول "إن" وأخواتها، ولم تعمل فيه "إن" شيئًا.
فلو اتفقوا على أنه مرفوع بأن لاتفقوا على منع المسألة، أو على أنه غير مرفوع بها لا تفقوا على تجويزها. وما من علم من العلوم إلا وفيه [نظائر] 1 هذه [الأمثلة] 2 ما لا ينحصر لكثرته.
الثاني: أن يكون قبل الاتفاق على عين العلة وهو ضربان.
أحدهما: أن يحصل التردد قبل البحث عن العلة رأسًا، ويكون منشأ التردد في قرب الفرع من الأصل [أما] 3 في أمر كلي أو شبه معنوي أو صوري كنظرنا في أن الخنزير هل يلتحق سؤره بالكلب قبل البحث عن العلة؟
وهذا الضرب صنفان.
أحدهما: ما يكون [جلبًا] 4 فيندره [الذهن] 5 ويتسارع إليه الفهم من غير تأمل كإلحاق الأمة بالعبد في السراية.
وثانيهما: أن يكون خفيًا. وهنا يضيق مجال النظر، وربما قامت في بعض الصور إشارات لا تنهض بها العبارات.
[الضرب الثاني] 6:
أن يثور الخلاف [بين] 7 تعيين العلة وضبط الوصف، كالنظر في الماء المستعمل في الحدث هل يمنع التوضؤ به؛ لأنه أديت به عبادة فيحلق به المستعمل في تجديد الوضوء، أو لأنه أدي به فرض، أو انتقل المنع إليه فلا يلتحق به المستعمل في التجديد.
وقس على هذا؛ فإنه كثير "تقدم"8 منه الكثير، وسنذكر عقيبه من مسائل الخلاف ونظيره.
1 في "ب" من نظائر.
2 سقط من "ب".
3 في "ب" إلا.
4 في "ب" كليًا.
5 سقط من "ب".
6 سقط من "ب".
7 في "ب" من.
8 يعدم في "ب".
مأخذ:
قال علماؤنا: لا رابطة بين الإمام والمأموم، وكل منهما يصلي لنفسه؛ فلا يلزم من فساد صلاته فساد صلاة صاحبه، ولا من صحة صحتها وإنما صحة كل منهما وفساده بفعله لا بفعل غيره1.
واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم $"يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم" أخرجه البخاري وفي ابن ماجه والبيهقي: "من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم من [انتقض] 2 من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم.
وقال أبو3 حنيفة: "بينهما رابطة؛ فكل خلل حصل في صلاة الإمام يسري غلى صلاة المأموم لأنه فرع عليه.
[واحتج] 4 بقوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن"، ولا حجة لهم فيه إذا لا يلزم من كونه ضامنًا أن تفسد صلاة المأموم بفساد [صلاته] 5، لا سيما وقد فسر الضامن بخلاف هذا؛ فإن في ابن ماجه "الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم وإن أساء يعني فعليه ولا عليهم"6 وقال [مالك] 7 وأحمد: يسري النقص إلي المأموم عند عدم العذر لا مع العذر [فإذا] 8 اعتقد الإمتام طهارته كان [الإمام] 9 معذورًا في الاقتداء وزعمًا أن هذا توسط بين المذهبين.
لا بد من تحرير المذهب؛ فإنه غير منصوص ولا [نعني] 10 بانتفاء الرابطة انتفاء العلاقة رأسًا؛ فإن بينهما علاقة بلا شك وإنخما نعني بالرابطة أنه لا يلزم من فساد واحدة أو كونها مؤداة فساد الأخرى ولا كونها مؤداة؛ بل قد تكون صحيحة أو مقضية، وسر الجماعة [عندنا ليس] 11 تعليق المأموم صلاة بصلاة الإمام وربطها به بل إبعاد الصلاة عن [السهر] 12، بالإجماع وشيوع أمر الدين، وبعث الهمم على إقامة هذا الفرض، فإن الهمم تنبعث بالمشاركة وتحصيل أجر الجماعة، [وما] 13 يدعو إليه الإجماع من
1 في "ب" ولا من.
2 في "ب" نقص.
3 في "ب" زيادة أبو.
4 في "ب" واحتج.
5 في "ب" صلاة.
6 في "ب" زيادة ولا عليهم.
7 في "ب" ملك.
8 في "ب" فإذا.
9 في "ب" الإمام.
10 في "ب" يعني.
11 في "ب" عندنا ليس.
12 في "ب" الرتق.
13 سقط في "ب".
حضور القلب، لارتباط فعل المأموم بفعل الإمام.
خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال:
مأخذ صلاة المأموم تابعة لصلاة الإمام. صحة وفسادًا لا [أداء] 1 وعملًا، وهي كالمندرجة في ضمن صلاة الإمام.
وقد أنشأ اختلافًا في هذا المأخذ "الخلاف" في مسائل:
ومنها: أن القدوة لا تسقط قراءة الفاتحة عن المأموم.
ومنها: أن اختلاف نية الإمام والمأموم لا تمنع القدورة مع التساوي في الأفعال حتى يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، والقاضي بالمؤدي والمتم بالقاصر، [وبالعكس]2.
ومنها: وقوف المرأة بجنب الإمام لا يفسد صلاتها، وعند أبي حنيفة تنعقد ثم تفسد صلاة الإمام ثم تفسد صلاتها وصلاة المقتدين.
ومنها: إذا أرتج على الإمام في القراءة ورد عليه المأموم قاصدًا الرد فقط بطلت صلاة المأموم دون الإمام: وقال أبو حنيفة "تبطل صلاتهما جميعًا" وقال أحمد "لا تبطل صلاة واحد منهما".
ومنها: إذا اقتدى قارئ بأمي بطلت صلاة القارئس وحده، وقال أبو حنيفة:"تبطل صلاتهما جميعًا" لأنه ألزمه تحمل القراءة وليس أهلًا فكأنه ترك ركنًا، وبالغ بعضهم فقال لو وجد الأمي قارئًا يقتدي به لم تجز صلاته منفردًا؛ لأنه وجد من يتحمل عنه.
ومنها: إذا بان بعد فراغ الصلاة كون الإمام جنبًا أو ذا نجاسة خفية لم تجب الإعادة. والحنفية أوجبوها بناء على قاعدة الاندراج وتنزيل حدث الإمام تنزيل حدث المأموم، ثم ادعوا أنا نقضنا قاعدتنا؛ حيث قلنا: إذا بان كونه كافرًا أو امرأة وجبت الإعادة.
فقالوا: إن دعواكم إن كل مصلى يصلي لنفسه ولا ارتباط بين الإمام3 وبينهم في غير.
1 في "ب" الأداء.
2 في "ب" وبالعارس.
3 في "ب" زيادة والمأموم.
الجمعة وأجاب علماؤنا: بأن الكفر والأنوثة كالنجاسة الظاهرة -لا يخفى حالها- فإنما بطلت صلاة القوم لتقصيرهم وتفريطهم، إذا الغالب1 يكون للكافر والمرأة علامة يتميزان بها؛ فإن فرض انتفاء العلامة فهو نادر لا حكم له؛ [فكان] 2 من حق المأموم [أن] 3 يعرف حال إمامه مما يغلب ظهوره؛ فإذا لم يتعرف وصلى كان التفريط من قبله؛ فكان كمن اقتدى بمن يعمله محدثًا أو امرأة.
وهذا جواب من [يلتزم] 4 أن يتبين حال الكفر إذا كان الكافر معلنًا فإن كان مستترًا لم تبطل، إذا لا تفريط -وهو ما صححه الرافعي.
وصحح النووي والوالد رحمهما الله أن مخفي الكفر كمعلنه ويجب الإعادة فيهما وهو المعزو إلى النص.
وعلى هذا فالجواب: أن الكافر ليس من أهل الصلاة بخلاف المؤمن المحدث فإنه من أهلها على الجملة.
وقال المزني: لا تجب الإعادة وإن بان معلنًا بكفره، وهذا فيه وفاء بالقاعدة فلا سؤال عليه.
واعترض الخصوم أيضًا بما إذا علم حدث الإمام قبل الاقتداء به وهذا [تناقض] 5 فبطلان الصلاة -هنا إنما هو لبطلان النية؛ فإنه علم أن الإمام لاعب وإتباع اللاعب لعب حقيقة، فبطلت نية الصلاة.
بخلاف ما إذا ظنه يصلي حقيقة. فإن نيته لا تبطل، وهو مصل لنفسه كما بيناه.
ولا ننكر أن بينه وبين الإمام علاقة لكنها لا تنتهي إلى الحد الذي قالوه ومن ثم لا يلحق المأموم سهو الإمام إذا كان محدثًا ويلحقه إذا كان غير محدث. أما ثانيًا فللعلاقة، وأما أولًا فلعدم6 الرابطة.
ومنها: لو ظن المسافر إمامه مسافرًا فبان مقيمًا عد ما لزمه الإتمام مطلقًا -على ما
1 في "ب" زيادة أن.
2 في "ب" زيادة من حق.
3 سقط من "ب".
4 في "ب" يلزم.
5 في "ب" ساقط.
6 في "ب" فانعدم.
رجحه [الإمام] 1 الوالد [رحمه الله] 2 -لكونه صلى خلف مقيم ولا مبالاة بكونه- في نفس الأمر محدثًا وبناء على أصلنا في صحة القدوة [بمحدث] 3 لا نعلم حدثه.
ورجح النووي أنه4 لم يسبق تبين الإقامة؛ بل سبق تبين الحدث أو بانا معًا لم يلزمه الإتمام، لأنه في الظاهر مسافر وفي الباطن غير إمام، لعدم صحة القدوة [لحدثه]5.
كذا علل به ولا يخفي منعه؛ لأن المحدث الذي ليس بإمام هو المعروف حدثه فمن ثم جنح الوالد إلى مخالفة النووي في هذا الترجيح.
مسألة:
"المغلب عند الشافعي رضي الله عنه -في الزكاة معنى المواساة ومعنى العبادة تبع له".
ومعنى هذا أنها مؤنة مالية وجبت للفقراء على الأغنياء فجانب الفقراء وهم المعطون هم المقصود بالذات سدًا لخلتهم، وجانب الأغنياء مغلوب.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: المغلب فيها معنى العبادة والمواساة تبع، وجانب الأغنياء غالب، وهو المقصود بالذات رياضة للنفس، لئلا تطغى بالمال وتجرها كثرته إلى ما لا ينبغي.
فإن قلت: قضية أصل الشافعي [رضي الله عنه] 6 إجزاء القيمة في الزكاة؛ لأنه إذا غلب جانب الفقير فسد خلته واقع بالقيمة.
قلت: لا يلزم من تغليب جانب الفقير إهمال جانب المالك، بل هو منظور إليه أيضًا لتطهير ماله؛ وذلك إنما يكون بإخراج العين.
واعلم أن ما ذكرناه من خلاف بين الإمامين -في هذا الأصل تبعنا فيه الخلافين.
وقد حكى الوالد رحمه الله: في المسألة أوجهًا وقال: إنها تخرج من كلام أصحابنا في أن الزكاة عبادة محضة أو مواساة أو فيها شائبة من هذا وشائبة من هذا تركبت منهما.
1 في "ب" زيادة الإمام.
2 سقط في "ب".
3 في "ب" محدث.
4 في "ب" زيادة أن.
5 في "ب" لحدثه.
6 سقط من "ب".
قال: والمشهور عن مذهبنا أنها إما مواساة وإما مركبة وعن الحنفية أنها عبادة محضة، وبنوا عليه الزكاة في مال الصبي.
ثم نص الوالد رحمه الله [على] 1 كونها عبادة وأطنب في ذلك مع تضعيفه قول من نفي زكاة الصبي وقطعه بأن الحق وجوب الزكاة. ونحن نجري مع الخلافيين على ما قرروه، ثم [نلخص] 2 كلام الوالد.
[فنقول] 3 وهذا أصل بين الإمامين يتخرج عليه مسائل.
منها: يجب عندنا الزكاة في مال الصبي والمجنون كنفقة القريب وسائر المؤن.
وعندهم: لا يجب لأنه ليس من أهل إيجاب العبادة ولا يخشى وقوعه في محذور لعدم التكليف.
ونحن ننازعه في مقامات ثلاثة:
تفلا نسلم "له" أنها عبادة ولأن الصبي ليس أهلًا لها؛ بل هو أهل وينبغي أن يمرن عليها، لئلا يدمن على خلافها فيجره -عند التكليف إلى ما لا ينبغي ومن ثم أمرناه بالصلاة والصوم.
ثم بتقدير تسليم المقامين لا نقول: وجبت عليه بل إنما تجب في ماله -والمسألة تحرر في الخلافيات.
ومنها: لا تجب الزكاة في الحلي المباح في أصح القولين -لأنه متعلق حاجة المالك، ولا مواساة مع الحاجة.
وعندهم تجب؛ لأن حاجة التحلي لا تمنع من الوقوع في الطغيان والقول الموافق له ليس مأخذه ومأخذهم بل مأخذه أن الحاجة إلى التحلي لا ينظر إلى مثلها الشارع.
ومنها: تجب الزكاة في المال المغصوب والضال والدين على مماطل على أصح القولين بعد عود المال.
وقالوا: لا تجب لأن هذا المال لا يصلح سببًا للطغيان؛ لأنه ليس في يده.
1 سقط من "ب".
2 في "ب" يلخص.
3 في "ب" يقول.
ومنها: تجب الزكاة على المديون على الأصح، لاستغنائه بما في يده وتعلق الدين بذمته.
وقالوا: لا تجب؛ لكونه مقهورًا بالدين ممتنعًا عن الطغيان.
ومنها: لا تسقط الزكاة بالموت؛ بل تخرج من التركة.
وقالوا: لا تؤخذ، لامتناع حصول الابتلاء في حقه بوقوع العقاب.
ومنها: أن الخلطة مؤثرة في الزكاة فتجعل [المسالكين كمالك واحد والمالين كمال واحد] 1 حتى لو [خلط] 2 عشرين من الغنم بعشرين وجبت عليهما شاة، لأن هذا نصاب، والنظر إلى المال دون المالك.
وعندهم: لا تجب لأنها عبادة والركن فيها الشخص المتعبؤد فلا بد أن يكون غنيًا بنصاب تام.
ومنها: أكثر مسائل الخلاف في باب الزكاة.
تنبيه: قدمنا أ، الوالد رحمه الله نازع في كون الزكاة غير عبادة وقد أطنب في ذلك، وأبى أن يسلم للخلافيين ما نقلوه عن الشافعية وقال: لقد ألجأتهم المبالغة في البحث في زكاة الصبي إلى أن أخرجوا الزكاة عن العبادة وفسروا العبادة بما يتعبد الله به [عادة] 3 من حيث كونهم عبيدًا مملوكين له وهورب لهم، لا لأمر آخر، ولا [بسبب] 4 منهم خرج من ذلك سائر الواجبات التي بالتزامهم فكالثمن والأجرة والمهر وغير ذلك، والتي بسبب منهم كالحدود والتعاذير وغير ذلك والتي لوصله بينهم وبين العباد كنفقة الأقارب، وجعلوا الزكاة من هذا القبيل لأنها وجبت للفقراء على الأغنياء لأخوة الدين، وهي قرابة عامة، كما وجبت نفقة الوالدين الفقيرين العاجزين على الولد الغني بالإجماع، للقرابة الخاصة. وإن افترقت القرابتان في أن الأول لا يثبت محرمية ولا عتقًا وأن الثانية لا توجب استقرار النفقة في الذمة، لتجدها بحسب الحاجة يومًا بيوم ولا تتقرر بنصاب ولا حول بخلاف [الأولى] 5؛ لأنها لغير معين أو على غير معين، فدعت الحاجة إلى استقرارها وتقديرها.
1 في "ب" المالكين كمال واحد والمالكين كمال واحد.
2 في "ب" خلطا.
3 في "ب" عبادة.
4 في "ب" سبب.
5 في "ب" الأول.
قال الوالد رحمه الله: وهذا كله صحيح لكنه لا يخرج الزكاة عن حيز العبادات والله تعالى يتعبد عباده بما يشاء -في قلوبهم وأبدانهم وأموالهم- كما [تعبدهم] 1 في قلوبهم بالإيمان، وفي أبدانهم بالأقوال والأعمال كذلك تعبدهم في أموالهم بالزكاة -وأطال في ذلك.
وتقرير حديث: "بني الإسلام على خمس" وغيره مما يدل على أنها عبادة، وأنها -مع ذلك حق المال وأن معناها القدر المفروض في المال لا إخراج ذلك القدر، وأن حقيقة الأمر الإيجابي موجود في حق الصبي وأن تخلفه حقيقة الوجوب لعدم قبول المحل وأن الصبي مساوٍ للبالغ في المقصود "في"2 إيجاب الزكاة.
وتوصل بذلك كله إلى تقرير الوجوب في مال الصبي وعقد بابًا كبيرًا جمع فيه الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة والقياس وأطاب ذكره في كتاب "النظر الجلي في زكاة الصبي" وهو تصنيفه الكبير في زكاة أموال الصبي.
مأخذ:
علة ربوية الأشياء الأربعة المنصوصة عندنا الطعم وحده، والجنسية محل لتحريم الربا، وعدم التساوي في معيار الشرع شرط، والمعمول فساد العقد.
قال القاضي الحسين: وكان الشارع يقول: "الطعم في الجنس الواحد -مع انعدام التساوي- بوجوب فساد العقد".
وزعم الأودني -من أصحابنا: أن الجنس هو العلة والطعم شرط.
هذا تحرير النقل عنه -صرح به القاضي الحسين وغيره فأحفظه.
مأخذ:
الأصل عندنا أن كلا من الثمن والمثمن مقصود بنفسه ومتعلق قصد البائع بالثمن كمتعلق قصد المشتري بالثمن، وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه وعلى المأخذ تتخرج مسألة النقود.
فعندنا أنها تتعين بالتعيين.
وقالوا: "لا تتعين".
[ووافقوا] 3 على التعيين في الوديعة والغصب والوصية والإرث والصداق والوكاة وأن النقد إذا كان حليًا تعين.
1 في "ب" ينعقد.
2 في "ب" من.
3 في "ب" وزعم.
وفائدة التعيين: أنه ليس له1 أن يعطي غير ما عين في العقد، ومتى تلف قبل القبض انفسخ العقد، وإذا خرج مستحقًا بأن بطلان العقد.
وحيث استحق الرجوع بمقابلة أو رد بعيب وغيرهما يجب رد تلك العين إن كانت قائمة، ولم يكن له أن يرد بدلها؛ سواء كان العيب بكل المبيع أو بعضه وسواء كان قبل التفرق أو بعده. صرح به الشيخ أبو حامد وغيره.
وفيه وجه عن صاحب التقريب وأنه يجوز قبل التفرق أخذ البدل، ويرجع في عينه عند الفلس [ويعمل] 2 به النصاب من حين ملكه، ويترتب عليها أحكام الملك.
وإذا كانت الدراهم المبذولة للحيلولة في الغضب باقية بعد وجود المغصوب تردد الشيخ أبو محمد في أنه هل يجوز للمالك إمساكها وغرامة مثلها؟ قال النووي وتبعه الوالد: والأقوى أن لا يجوز.
قلت: ولا وجه للجواز إلا أن النقود لا تتعين وليس هو مذهبنا.
وإذا كاتب عبده على نقد للغير فسدت الكتابة، كما إذا كاتبه على مال الغير غير نقد.
وفرق أبو حنيفة بناء على أصله في أن النقد لا يتعين بالتعيين -ذكره عنه الرافعي في باب الكتابة.
مأخذ: هو أم باب الربا
الأصل في بيع الربوبات -بجنسها أو بما يشاركها في علة الربا- "التحريم".
وحيث ثبت جوازه: فمستثنى من قاعدة التحريم مقتطع من أصله مقيد بشرط المساواة والحلول والتقابض عند [اتحاد الجنس وبشرط الحلول والتقابض] 3 عند اختلافها.
"فكل ربويين على التحريم إلا ما قام الدليل على إباحته" وهذا الأصل مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب" الحديث إلى قوله: "إلا وزنًا بوزن مثلًا بمثل سواء بسواء" هذا حديث أبي سعيد عند مسلم رحمه الله، وفي حديث عبادة سمعت رسول الله
1 زيادة له في "ب".
2 في "ب" يتكمل.
3 سقط من "ب".
صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب الحديث إلى قوله: "إلا سواء بسواء عينًا بعين فمن زاد فقد أربى" لفظ مسلم أيضًا.
ووجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم صدر بالنهي فانسحب على جميع [المبايعات] 1 ثم استثنى بالنهي، نعم ما لا يتحقق خروجه بالمستثنى2 فتمسك بالمستثنى منه أبدًا.
في كل مشكوك في خروجه.
وقال أبو حنيفة الأصل الحل لاندراجه في جملة البيع وزعم أن المقصود من الحديث آخره وإن صدر أوله بالنهي.
فهو يتمسك بالحل -أخذ بأصل البياعات وبآخر الكلام- ما لم يتحقق التحريم، عكس ما نعمله نحن.
ولا يخفي أنا تمسكنا بالأصل القريب -وهو تحريم الربا- وهو الأصل البعيد- وهو تحليل البيع.
وفائدة الخلاف تظهر في مسائل القول الجامع فيها ما عرفناك في أنا نحكم في مظان الاشتباه ويعارض المأخذ بالتحريم وهو يحكم بالحل؛ منها مسألة: هي قاعدة من قواعد الربا أن نقول الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة فلا يجوز بيع حفنة بحفنتين ولا جوزة "بجوزتين ولا بطيخة ببطيختين"3 ونحو ذلك.
ومنها: أنا نشترط التقايض في بيع الطعام بالطعام وسواء اتخذ الجنس أو اختلف؛ لأن الجواز إنما يثبت بشروط.
منها: التقابض المدلول عليه بقوله صلى الله عليه وسلم يدًا بيد وهو صريح فيه، والعرف يقضي بأن ذلك إنما يكون في المجلس وحمل أبو حنيفة "رحمه الله" يدًا بيد على الحلول المنافي للتساوي.
وقوله عينًا بعين على التأكيد والتكرير زاعمًا أن القياس الجلي يؤيده وهو أن أصل البيع الجواز.
1 في "ب" البياعات.
2 في "ب" زيادة فتمسك بالمستثنى.
3 في "ب" سقط.
ومنها: بيع الرطب بالتمر باطل لأن التحريم الثابت بالحديث لا يرتفع إلا عند تحقق شرط الإباحة؛ فمتى لم نعلم وجود الشرط حكمنا بالبطلان وهو غير متحقق الوجود هنا، وقال أبو حنيفة: تصح المساواة في الكيل وهو باطل بيع الحنطة بالدقيق والسويق وبيع الحنطة المقلية بالنية أو المقلية.
ومنها: إذا باع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة ونظائرها لا تصح خلافًا لهم.
ومنها: بيع اللحم بالحيوان باطل للجهالة بالمماثلة وهي كبيع السمسم بالدهن وقالوا صحيح.
مأخذ:
لا معنى لانعقاد العقود إلا بثبوت أحكامها التي وضعت لها؛ فإذا انعقد البيع بالإيجاب والقبول لم يكن معناه إلا حصول الملك لأنه سبب منصوب للملك ولا سبيل إلى قطع المسبب عن السبب ما أمكن ولا ضرورة إليه، وذهب أبو حنيفة رضي الله عنه إلى أن الإيجاب والقبول له حكمان:
أحدهما: الانعقاد، وهو مقترن بهما ومعناه لارتباط الحاصل بين الخطاب والجواب.
والثاني: زوال الملك وهو حكم منفصل عن الانعقاد محتجًا بأن الانعقاد في نفسه معقول على تجرده كالهبة قبل القبض فإنها منعقدة ولم يتأثر المحل بها ولا معنى لانعقادها إلا تعلق الإيجاب بالقبول على نهج الخطاب والجواب وانتهاض ذلك سببًا للملك إذا وجد شرطه، قال: وإذا ثبت أنهما حكمان منفصلان فلا يعتبر في الانعقاد إلا أهلية الخطاب والجواب؛ فمتى صدر الإيجاب والقبول من أصلهما وصادفًا محلًا قابلًا لحكمهما ثبت الانعقاد، وأما زوال الملك فينبغي على الولاية على المحل، والضابط عندهم أن كل عقد له مجيز حالة وقوعه ينعقد موقوفًا على إجازته ويخرج على هذا إذا طلق الولي امرأة الصبي موقوفًا على إجارته بعد بلوغه أو طلق الصبي موقوفًا على إجارته بعد البلوغ؛ فإنه لا ينعقد لعدم المجبر حالة العقد؛ إذا عرفت هذا يتبين لك أن البيع سبب إفادة الملك بالإجماع، أما عندنا فواضح وأما عندهم فلأنهم لا ينكرون سببيته بل يقولون هو سبب لملك متراخ لا لملك ناجز والناجز الانعقاد فقط ومن ثم قال الغزالي في الوسيط أجمعت الأمة على كونه يعني البيع لإفادة الملك وهو من عقد الوسيط التي ذهل عنها كثيرون وقالوا كيف قال سببًا لإفادة الملك ولم يقل مفيدًا للملك ثم أجاب منهم مجيبون بأنه احترز عن البيع في مدة الخيار؛ فإن الملك لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار
على قول فلم يكن البيع مفيدًا لملك بل سببًا للإفادة وهذا ما جرى عليه ابن الرفعة وجهان على وجه آخر فقال قوله أجمعت الأمة على كونه سببًا لإفادة الملك لا يرد عليه أحد قولي الشافعي رضي الله عنه أن الملك لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار لأنا على هذا القول نقول الانتقال سببان البيع وانقضاء الخيار، وعلى خلافه نقول ليس إلا على سبب واحد وهو البيع، انتهى.
وأقول إنما ادعى الغزالي إجماع الأمة ولم يدع وفاق المذهب حتى يحاول رد هذا القول إليه وإنما قال أجمعوا على كونه سببًا ولم يقل مفيدًا ليخرج من خلاف أبي حنيفة رضي الله عنه الذي حكاه هو وغيره في الخلافيات من أن البيع في مدة الخيار لا ينقل الملك وإن كان البيع سببًا فأراد أن ينبه على أن شبيه البيع مجمع عليها كما عرفناك ثم عندنا المسبب متصل بالسبب وعندهم لا يلزم كونه متصلًا وهو قول لنا في البيع في مدة الخيار؛ لكن ليس على منهج أصلهم بل على منهج آخر وإذا تبين لك هذا الأصل المنازع فيه بين الإمامين، فعليه مسائل:
منها: تصرفات الصبي باطلة عندنا وعندهم تصح، ويتوقف نفوذها على إجازة الولي.
ومنها: بيع الفضولي فإنه باطل على الجديد وعندهم أنه منعقد موقوفًا على إجارة المالك وهو قول قديم عندنا.
ومنها: البيع في مدة الخيار صحيح ناقل للملك على القول المنصوص في الخلاف وهو الصحيح إذا انفرد المشتري بالخيار وعندهم منعقد غير ناقل للملك كما عرفت؛ فإن قلت نزل لي مراتب هذا في الخلاف على جادة مذهبك فإنك قطعت القول ببطلان تصرفات الصبي إلا في بيع الاختيار على وجه ساقط وحكيت قولًا مرجوحًا قديمًا في بيع الفضولي.
وأما القول بأن الملك لا ينتقل في زمن الخيار فقوي وهو الصحيح إذا انفرد البائع بالخيار، قلت أما القطع ببطلان تصرف الصبي فلأنا ننازع الحنفية فيه في مقامين فلا يسلم لهم أن أهلية الخطاب معه، والجواب موجودة لا بالجملة ولا بالتفضيل ولا أن الانعقاد معنى غير حصول الملك، وأما الفضولي فإنا نسلم أن أهلية الخطاب موجودة ولكن على الجملة ولكن دون هذا المحل المنع إذ لا ولاية له عليه، وأما البيع المقيد.
بالخيار فالأهلية موجودة جملة وتفصيلًا فلا نزاع لنا معهم إلا في أنه هل الانعقاد معنى غير حصول الملك فإذا المنفرد بالترتيب والتفريع على هذا الأصل إنما هو هذه المسألة وحدها.
أما المسألتان الأولتان فلهما أصل آخر وعند هذا أقول إن هذا الأصل عندي في موضع النظر لانتفاضه بالهبة وبالقرض فإن المفترض لا يملك المال من القرض بعقد القرض بل إما بالقبض وهو الأصح أو بالتصرف والمتهب لا يملك بعقد الهبة بل بالقبض وهذا هو الأصح، وفي قول بالقعد وهو جار على وفق هذا الأصل.
مأخذ:
الأصل عندنا أن الفعل إذا طابق بظاهره الشرع حكم بصحته ولا ينظر إلى التهمة في الأحكام لعدم انضباطها والأحكام ببيع الأسباب الجلية ولا يوكل إلى المعاني الخفية فالأصل إذًا الصحة حتى يثبت مقابلها، وقال أبو حنيفة كل فعل تطرقت التهمة إليه حكم بفساده لتعارض دليل الصحة والفساد؛ فإذا الأصل الفساد حتى يثبت مقابله، وعلى هذا الأصل مسائل:
منها: إذا أقر مدين في حال الصحة وبآخر في حال المرض تساوي الغريمان وتخاصما في التركة لأن الإقرار مشروع في الحالتين، وأبطل أبو حنيفة رحمه الله تارة إقرار المريض محتجبًا بتعلق غرماء الصحة بعين المال وقدم تارة غرماء الصحة محتجًا بأنه أقوى من حيث إنه صادق حال الإطلاق.
والثاني: صادق حال الحجر فيكون فيه متهمًا من حيث أن الشرع سلبه قدرة التبرع فلا يؤمن عدوله عن التبرع إلى الإقرار.
ومنها: إقرار المريض لوارثه صحيح عندنا على الصحيح خلافًا لهم.
ومنها: إقرار المريض لوارثه صحيح عندنا على الصحيح خلافًا لهم.
ومنها: أمان العبد المحجور عليه صحيح في دار الحرب فيؤثرهم على المسلمين فإن نقض بما إذا أعتق ثم أسلم، قالوا لما زالت يد المولى عنه بالعتق واختار المقام في دار الإسلام مع قدرته على العود إلى دار الحرب زالت التهمة فيه؛ فإن نقض عليهم ما إذا أذن له مولاه في الأماه قالوا لم يأذن له مولاه إلا بعد أن يتبين منه أن العبد لا يؤثر الكفار على المسلمين.
ومنها: لو ادعت البكارة أو الثيوبة، قطع الصميري والماوردي بأن القول قولها ولا يكشف حالها لأنها أعلم ولا مبالاة بتهمة إظهار شرف البكارة في الأول ولا بتهمة دفع
الإجبار، وفي الثاني قال الماوردي ولا يسأل عن الوطء، ولا يشرط أن يكون لها زوج، وقال الشاشي في هذا انظر لأن بكارتها ربما ذهبت بأصبعها فله إن يسألها وإن اتهمها حلفها.
ومنها: وهو ما يغلب في بادئ الرأي على أصلنا عن الشافعي رضي الله عنه أن من ادعت غيبة وليها لا يزوجها السلطان حتى يشهد شاهدان أنه ليس لها ولي حاضر وأنها خالية عن الموانع ولم لا يصح أن هذا على سبيل الاستحباب لا الوجوب.
مأخذ:
حكم الرهن تعلق الدين بالعين بمعنى ضرورة المرتهن أحق بيعها واستيفاء دينه منها لابمعنى انحصار حقوقها ويعبر عن هذا بأن لحقه تعلقًا بالعين.
وقالت الحنفية حكمه إثبات يد المرتهن فتبقى العين مملوكة للراهن عينًا وللمرتهن يدًا ثم هي من حيث عينها خالصة للراهن غير مثبوتة بحق الغير ويعبرون عن هذا بأن موجبه ملك السيد على سبيل الدوام حسًا؛ لأن الرهن الحبس فهم يحملونه على الحبس الحسي وهو دوام اليد ونحن نحمله على الحبس الشرعي وهو منع المالك من التصرف وذهب مالك رحمه الله إلى مذهب أنا أراه وأناظر عليه ذلك عندهم، كالهالك حتى يتمكن الغاصب أن يعطيه قدر حقه من غير [المخلوط] 1 لا جرم قال الوالد رحه الله: القول بالهلاك باطل بعيد من الشريعة وقواعد الشافعي [رضي الله عنه]2.
قلت: ونظيره جعل جارية الابن إذا أحبلها الأب أم ولد له ولكن ذلك لقوة الإيلاد وشبهة الإعفاف والله تعالى أعلم.
مسألة:
قال علماؤنا: الغصب إثبات اليد على حق الغير عدوانًا.
وقال الحنفية: تفويت اليد المستحقة بإثبات يده عليه بعدوان أو تفويت مال الغير بتحصيله لنفسه.
وأعلم أن [لا مشاقة] 3 في التسمية غير أنا نقول لهم شرطتم في كون الغاصب غاصبًا بتفويت يد [المالك]4.
1 في "ب" المحفوظ.
2 ساقط من "ب".
3 في "ب" الأمشاقة.
4 في "ب" المالك.
فإن قالوا: لأن الضمان ضمان جبر لما فات فلا بد من التفويق "قلنا" يلزمكم [أن] 1 يكون الغاصب غاصبًا، لأنه لم يفوت يد المالك وغن أثبت يده على [مالك] 2 ولا قائل به ويلزمكم أن من سلب المالك قلنسوته واحتوت يده عليها لا يضمنها لعدم استيلائه ويلزمكم أن المودع إذا جحد الوديعة لا يضمنها؛ لأنه لم يفوت يد المالك ولم يقولوا به.
إذا عرفت هذا فمنهم من يعبر عن هذا الأصل بأن اليد الناقلة غير معتبرة في وجوب الضمان العدواني عندنا، بل يكفي إثبات اليد بصفة التعدي خلافًا لهم فإنهم قالوا:"الزائد من النقل لتحقق صورة التعدي".
وعلى الأصل مسائل:
منها: [زوائد] 3 المغصوب مضمونة لوجود حقيقة الغصب وهو إثبات اليد فإن الولد كان بصدد أن يحدث في [يد] 4 المالك فحدث في يد الغاصب بسبب غصبه السابق، فكان منع الحصول في يده كالقطع ولذلك وجب الضمان على المغرور بزوجته إذا امتنع حصول الرق في الولد كما إذا قطعه ومن ثم ضمن الولد.
قال علماؤنا: وما كان ذلك إلا لأنه تسبب إلى حصول الولد في يده حيث أثبت يده على الأم.
وقال أبو حنيفة: لا يضمن الزيادة إلا عند منع الملك منها، وهو [عند] 5 ذلك أمانة، وينقض عليه بولد صيد الحرم.
ومنها: [أن] 6 غصب العقار مقصور فإن قصر يد المالك عنه مع إثبات اليد عليه عدوانًا يوجد فيه فيوجب الضمان ومن رشيق عبارات الغزالي: المغصوب مضمون، والعقار مغصوب فكان مضمونًا.
وقال أبو حنيفة: لا يتصور لأنه لا نتقل عن مكان ولا يتحول ولا بد من النقل لتمام الغصب "واحتج بأن من جلس على [بساط7 غيره بغير إذنه لا يعد غاصبًا مع كونه مستوليًا.
1 في "ب" إلا.
2 في "ب" مال.
3 سقط من "ب".
4 سقط من "ب".
5 في "ب" قبل.
6 في "ب" إذا.
7 في "ب" فراش.
قال: وإنما ذلك لأنه لم ينتقل ولم يحول.
قال: وكذلك الداخل إلى دار غيره لينظر هل تصلح لسكناه.
قال أسعد المهيني: ومن أصحابنا من وافقهم على أن غصب العقار لا يتصور، وقال: يجب الضمان بطريق آخر قلت: وهذا ضعيف ومصادم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين" متفق على صحته والأصح عندنا أن الجالس على [بساط] 1 غيره ضامن.
وعلى الوجه الآخر فالجواب أن المنقول بنقله بخلاف ما ليس بمنقول؛ فإن غصب مثله [فإنما] 2 هو بقصد "الاستيلاء"3 وبهذا خرج [الداخل] 4 إلى دار لينظر هل تصلح له فإنه لا يكون غاصبًا لكن لو انهدمت في تلك الحال ففي الضمان وجهان -حكاهما الرافعي عن "صاحب التتمة" أصحهما: لا.
مسألة:
قال علماؤنا: المالية قائمة بمنافع الأعيان كقيامها بالأعيان وليس من قيام العرض بالعرض في شيء يعني بهذا أن منافع الأعيان أموال كالأعيان.
قالوا: بل المنافع أحق باسم الأموال من الأعيان، إذ الأعيان لا تسمى أموالًا إلا لاشتمالها على المنافع، ألا ترى أنها لا يصح بيعها بدونها.
وربما قال علماؤنا: المنافع منزلة منزلة الأعيان واستدلوا بقول الشافعي رضي الله عنه "الإجارة صنف من البيع" فأشار إلى إعطائها حكم الأعيان [بكونها] 5 تباع، وإلى أنها بمنزلة العين وليست عينًا بنفسها بقوله:"صنف من البيع" ولم يقل أنها نفس البيع.
وقالت الحنفية: لا مالية للمنافع.
وعلى الأصل مسائل:
منها: منافع المغصوب تضمن بالفوات تحت اليد العادية خلافًا لهم.
ومنها: يجوز أن تكون منفعة الحر أو الدار صداقًا، وقالوا لا يجوز محتجين بقوله
1 في "ب" فراش.
2 في "بط" إنما.
3 في "ب" الاستيلاء.
4 في "ب" بالداخل.
5 في "ب" كونها.
تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} 1 قالوا: شرط في الإباحة الانتفاع بالأموال، والمنافع غير المال.
ومنها: يؤخذ الشقص الشقص بالشفعة بقيمة البضع، [وكذلك] 2 إذا جعل بدل الخلع خلافًا لهم، قالوا: لأن منافع العضو ليست بمال.
ومنها: أن المعقود عليه في الإجارة المنفعة دون العين ثم المنافع المعقود عليها تملك مقترنة بالعقد وإن ترتب شيئًا فشيئًا [هذا هو الصحيح]4.
وقالت الحنفية والشيخ أبو حامد منا -تملك شيئًا فشيئًا.
وقالا أبو إسحاق المعقود عليه العين نفسها.
ومنها: أن الأجرة تملك بنفس العقد في الأجرة المطلقة كالثمن في بيع الأعيان وعندهم تملك ساعة فساعة بحسب وجود المنافع.
ومنها: أن إجارة المبتاع جائزة تنزيلًا لبيع المنافع منزلة بيع الأعيان.
وعندهم: لا يجوز قالوا: لأن قبض المنافع إنما تملك بالفعل وهو استيفاؤها -قالوا واستيفاء منفعة سابقة ممتنع؛ فإن السكنى فعل لا يتبعض وكذلك اللبس بخلاف بيع المنافع.
ومنها: أن الإجارة لا تنفسخ بموت المستأجر لأنه ملك المنافع بالعقد دفعة فتورث عنه.
وعندهم تنفسخ لأن ملك المنافع مرتب على الوجود وقد فات قبل الملك.
ونقض عليهم علماؤنا بمن نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته فإن وارثه يملك بالوراثة بجريان السبب من حال الحياة والسبب هنا هو العقد وقد جرى في الحياة وموت المؤجر كموت المستأجر.
1 سورة النساء "24".
2 في "ب" كذا.
3 سقط من "ب".
4 سقط من "ب".
ومنها: إيجار1 المدة المستقبلة باطل عندنا من غير المستأجر للمدة الحاضرة المتصلة بها.
وعندهم [صحيحة] 2 لأنهم لما قدروا عقودًا متجددة بحسب تجدد المنافع.
قالوا: فإيجار المدة المستقبلة لا تضر، لأنه مقتضى الإجارة.
ومنها: أن [الموصى له] 3 بالسكنى إذا مات ورث عنه -خلافًا لهم بناء على الأصل المذكور والله أعلم.
فائدة نختم بها مسائل الغصب:
"إذا تعذر مثلا ملغصوب المثلي وجبت القيمة".
وهي عند صاحب التنبيه والوالد، وعليها حمل كلام النووي: قيمة المثل لا قيمة المغصوب لأنه الواجب عند التلف وفي وجه قيمة المغصوب لأنه الذي تلف على المالك وأجدني أميل إليه وهو الذي رجحه ابن الرفعة.
أصل: وهو أن المغصوب إذا كان مثليًا ففيه ثلاثة أشياء
أحدها: شخصه والوجوب متعلق به ما دام باقيًا، ولا يضر اختلاف القيم بالنسبة إليه [كمن] 4 غصب صاعًا من البر وقيمته درهمان يوم الغصب لا تلزم [زيادة] 5 معه إذا رده بعينه وقيمته درهم؛ لأن اختلاف السعر ليس إليه.
والثاني: نوعه وهو أهم من الشخص، والوجوب يتعلق به عند التلف لأنه بعض الواجب فلذلك وجب المثل عند إمكانه.
والثالث: جنسه وهو "أعم من المالية" وهو "أعم" من النوع، ولذلك وجبت القيمة عند أعواز المثل وهي عبارة عن المالية المحفوظة في العين -أو في مثل العين- ذكره الوالد رحمه الله وقال: من ها هنا تنبيه لأن الصحيح قيمة المثل، ولأن الصحيح اعتبار أقصى القيم من الغصب إلى الإعواز والتأدية، ولوجوب قيمة الحيلولة عند بقاء
1 في "ب" زيادة أن.
2 سقط من "ب".
3 سقط من "ب".
4 في "ب" فمن.
5 في "ب" بزيادة.
المغصوب وتعذره إلى غير ذلك من المسائل المتفرعة عن هذا الأصل.
فإن قلت: قيمة المغصوب هي قيمة مثله؛ ألا ترانا نقول: "قيمة المثل" ونعني بها قيمة الشيء.
قلت: لا وصواب العبارة إذا قومنا شيئًا أن نقول "قيمته لا قيمة مثله"؛ وإنما اختلفنا ها هنا في الغصب وفائدة تظهر فيما بعد "هذا كلام الوالد رحمه الله" ثم ذكر بعد ذلك بأوراق فيما إذا فقد المثل وظفر بالغاصب في غير بلد التلف فيأخذ القيمة، أما لأن المثلى لتلفه مؤنة على ما صححه الرافعي والنووي أو لأن قيمة تلك البلد تزيد على قيمة بلد التلف على ما ذهب إليه ابن الصباغ والوالد رحمهما الله -أنهما إذا اجتمعا في بلد التلف ففي ردها وساتردادها الوجهان فيما لو غرم القيمة لإعواز المثل.
وجزم الغزالي: في الوجيز -بأن عليه المثل وأخذ القيمة مع أنه جعل الأظهر في مسألة الإعواز والمنع وأن الرافعي رحمه الله قال: هذا لا وجه له" بل الخلاف في المسألتين واحد باتفاق الناقلين فإما أن تختار فيهما النفي أو الإثبات وأن ابن الرفعة وافقه نقلًا وخالفه فيها فقال: لعل الغزالي لاحظ في إثبات الخلاف -في حال تعذر المثل بناؤه على الواجب قيمة المغصوب أو قيمة المثل، ورجع أن الواجب قيمة المغصوب فلا يكون لوجود المثل -بعد أخذها- معنى وما نحن فيه القيمة مأخوذة بدلًا عن المثل اتفاقًا فلذلك قال: إن له استرجاعها وبذل المثل.
قال ابن الرفعة: "وهذا بحث دقيق فليتأمل، فإن به يندفع اعتراضي عنه".
قال الوالد: وما يتبين لك ذلك أن الغزالي في "الوسيط" هنا قال: إن القيمة في الحيلولة، وفي الأعوازلم يذكر أنها للحيلولة.
قال: [وهي] 1 إشارة إلى ما قاله ابن الرفعة.
قلت: قوله للوجوب متعلق عند التلف بالمثل، لأن في ضمنه النوع الذي هو بعض الواجب.
مسألة:
قوله: فيلزم عند تعذره أن يكون الواجب قيمته لا قيمة المغصوب "هذا لم يظهر لي ويمكن أن يقال الواجب حينئذ قيمة المغصوب لأن الغرض الأصلي كان متعلقًا
1 في "ب" وهو.
به؛ فلما أدت الضرورة بتعذره -إلى مثله وقفنا عنده فلما تعذر المثل ينبغي أن يعود إلى [عوض] 1 ما وردت الجنابة عليه لا لى عوض مثله من هذا الأصل الذي أصله هذا الفرع الذي [فرعه] 2 واستدل ابن الرفعة -لأن الوجوب قيمة المغضوب لا قيمة مثله- يقول الجمهور فيما إذا جامع في الحج: إنه يجب عليه بدنة فإن لم يجد فبقرة- فإن لم يجد فسبعة من الغنم فإن لم يجد قوم البدنة دون ما عداها".
وما ذلك إلا لأنها الواجب المتأصل.
وكانت أولى بالاعتبار دون ما عداها؛ فكذا نقول هنا: الواجب المتأصل رد العين المغصوبة فاتفاق فإذا تعذر وجب الرجوع إلى قيمة الأصل دون المجعول بدلًا عنها.
وابن سريج يقول: تقوم البقرة لأن الحال استقر على إيجابها، وهذا نظير من اعتبر قيمة المثل فيما نحن فيه وهذا استدلال جيد إلا أن الولد رحمه الله يدعي أن المثل حينئذ نفس الواجب لاشتماله عليه -وهو تعسف وقد يقال: لو نظر ابن سريج إلى ما استقر الحال عليه لقوم السبعة من الغنم لا البقرة على أني لم أجد ما ذكره عن ابن سريج إنما طريقه المذكورة في كتاب الحج التخيير بين البدنة والبقرة والشاة والطعام والصيام.
فإن قلت: هل يناظر هذا في الأضحية - إذا عين عن الضالة واحدة ثم وجدها قبل ذبح البدل فأربعة أوجه.
أحدها: يلزم ذبحهما معًا.
والثاني: ذبح البدل فقط.
والثالث: ذبح الأول.
والرابع: يتخير.
وصحح النووي الثالث وهو يشهد لما قلته من قيمة الم غصوب لا قيمة مثله.
قلت: لا فإن للوالد رحمه الله أن يفرق [بأن الموجود هنا بعد الضلال نفس العين، فنظيره وجود نفس المغصوب لا مثله. لكنا] 3 عند هذا نقول: إذا كنا نرجع إلى نفس المغصوب فليكن عند مثله -إلى قيمته- لكونه أقرب إليه ومن فوائد الخلاف في أن الواجب قيمة المثل أو قيمة المغصوب "أنه عند تعذر المثل إن قلنا "قيمة
1 سقط من "ب".
2 في "ب" فرفعه.
3 سقط من "ب".
المثل" [اعتبرنا] 1 أقصى القيم من وقت تلف المغصوب".
وإن قلنا: "قيمة المغصوب" فمن وقت الغصب إلى وقت التلف وتصحيح الرافعي والنووي أن المعتبر الأقصى من الغصب إلى تعذر المثل -معتلين بأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب؛ لأنه واجب وجوب العين، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمة [المدتين] 2 يعرفك أن الصحيح عندهما قيمة المثل.
مسألة:
الصحيح أن علة ثبوت الشفعة دفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بدل مؤنتها والحاجة إلى أفراد الحصة الصائرة له بالمرافق الواقعة في حصة صاحبه [كالمصعد] 3 والبالوعة ونحوها.
وقال [أبو حنيفة] 4 رحمه الله: "بل دفع ضرر الشركة فيما يدوم من تضييق المداخل والتأذي [بحريم] 5 الشركة أو [خلاؤه] 6 أو كثرة الداخلين عليه وما أشبه ذلك.
وبه قال: من أصحابنا ابن سريج [وجماعة] 7- فتعلقوا بالمعنى الأعم وتعلقنا بالمعنى الأخص فنحن على ثقة من ثبوت الشفعة فيما يصير إليه [لوقوع] 8 الاتفاق عليه وليسوا [كذلك] 9 فيما ينفردون فيه، وهذا شأن كل علتين إحداهما أعم من الأخرى أبدًا المتمسك بالأخص أجدر بالسلامة.
وعلى العلتين مسائل:
منها: لا شفعة للجار عندنا؛ لإمكان دفع الضرر بالسلطان، وخالف أبو حنيفة رحمه الله10 فقال:"تثبت الشفعة للشريك والجار الملاصق دون المقابل".
ومنها: الشفعة تثبت بين الشفعاء على قدر الأنصباء على أصح القولين -لأن مناط الاستحقاق الملك المتصل بجميع الأجزاء فاتصال كل جزء من أجزاء ملكه سبب لأخذ ما يتصل به؛ فمن ازدادت أجزاء ملكه اداد ما يتصل به من الشقص. والحاصل: أن
1 في "ب" أقضي.
2 في "ب" المبتدين.
3 في "ب" كالمصفر.
4 سقط في "ب".
5 في "ب" بحركة.
6 في "ب" إخلافه.
7 سقط في "ب".
8 زويادة في "ب" من.
9 في "ب" ذلك.
10 سقط من "ب".
الاستحقاق بقدر الملك فيختلف باختلافه قلة وكثرة والقول الآخر التوزيع على عدد الرؤوس بالتسوية. وبه قال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 1؛ لأن مناط الاستحقاق عموم الملك لا خصوصه، فليس للقدر قلة ولا كثرة فيه مدخل وهكذا القولان في أجر القسام.
مسألة:
"العبد محجور عليه بحق السيد لا لنقص في ذاته"؛ فإذا أذن له تصرف بحكم الإذن نيابة عن مولاه مقيدًا تصرفه بما أذن له فيه، والتصرف لمولاه للا له كالوكيل فإن أذن له في نوع من التجارة لم يستفد غيره.
وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 2: "الإذن له في نوع يستلزم فك الحجر عنه كالمكاتب، ويكون تصرفه لنفسه بمقضتى إنسانيته ثم ينتقل إلى السيد فلا يتقيد بالمأذون فيه". وحرف المسألة: أن العبد يتصرف لغيره، فالتصرف مقيد بما أذن فيه غيره وعندهم بتصرف لنفسه بأهليته؛ وإنما احتيج إلى إذن السيد ليعرف رضاه.
وعلى هذا الأصل مسائل:
منها: المأذون له في التجارة لا يصير مأذونًا له فيما عداه خلافًا له.
ومنها: إذا استغرقت ديون التجارة أكسابه لم يتعلق بقيتها برقبته -ولا يباع- بل بذمته يتبع به إذا عتق؛ لأن تصرفه نيابة عن سيده فيتقيد بمحل إذن وهو الاكتساب دون الرقبة.
وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 3 تباع رقبته فيه لأن التصرف حق العبد والإذن يقتضي تعلق الديون بحقه، والرقبة حقه فيتعلق بها.
ومنها: إذا رأى السيد يبيع ويشتري فسكت لم يكن سكوته إذنًا له في التجارة خلافًا لأبي حنيفة.
وحرف المسألة أن السكوت عندهم دليل على الرضا، بنوع يرفع الحجر بجملته.
ومنها: المأذون في التجارة له لا يؤجر نفسه خلافًا لهم، وربما عبروا عن هذا الأصل بأن الإذن ولاية والولاية لا تتجزأ وما لا يتجزأ فإثبات بعضه إثبات لكله.
1 سقط من "ب".
2 سقط من "ب".
3 سقط من "ب".
وتطرقوا بهذا إلى قولهم: إن الموصى إليه بنوع من التصرف لا يصير وصيًا مطلقًا.
ونحن لا نسلم هذا وننازعهم في المقدمات الثلاث، فما الإذن ولاية، ولا الولاية يمتنع عليها التجزؤ، ولا إثبات بعض ما يتجزأ إثبات كله؛ بل قد يكون باطلًا.
ومنها: لا يعامل المأذون سيده ولا يبيع منه ولا يشتري لأن تصرفه لسيده بخلاف المكاتب.
وقال أبو حنيفة [رحمه الله] 1 له أن يعامله، لأن تصرفه لنفسه، وأغرب أبو حامد فحكى فيما إذا كان عليه دين يستغرق ذمته وجهًا أن له أن يشتري منه؛ لأن ما في يده حق الغرماء.
قال الوالد رحمه الله: ويحتمل أن يريد هذا القائل أن السيد يأخذه بقيمته كما يدفع قيمة العبد الجاني ولا يكون تبعًا قال: ويجب تأويله على هذا فلا يكون غلطًا.
تنبيه: لما أثبت الحنفية للمأذون استقلًا كالمكاتب [وبني] 2 عليه ما ذكر من مسائل ألزموا أصحابنا أن سيده لا يطالب بثمن ما اشتراه بخلاف الوكيل، وأن العبد إذا باع سلعة خرجت مستحقة وتلف الثمن في يده رجع عليه.
قال الإمام: وأعتقد ذلك مسلمًا لهم ثم أخذ يمانعهم وفي المسألة كلام طويل ووقع فيها للرافعي بسبب جمعه من كلام الإمام والأصحاب ما فيه مناقشة وقد بين الشيخ الإمام ذلك في شرح المنهاج فلا أطيل به.
وحاصله: أن الأرجح أن السيد لا يطالب بثمن ما اشتراه العبد ولا بالبدل إذا خرج المبيع مستحقًا، وأن الديون لا تلزم السيد.
وعلى هذا يجيء سؤال الحنفية فيقولون: إذا كان لا استقلال له وما هو إلا واسطة والتصرف في الحقيقة من السيد -فهلا طولب؟ والجواب أنه لما أذن له صار العبد هو المقصود بالمعاملة -فعلى من يعامله أن يحتاط لنفسه ويقصر الأمر عليه من غير نظر إلى سيده والله أعلم.
مسألة:
النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف بالفتيا والسلطنة، وكل من الأمرين ناشئ عن الله تعالى، فإنه عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى.
1 سقط من "ب".
2 في "ب" وبنوا.
ويظهر أثر الفرق في التصرفين من العموم والخصوص فالتصرفات بالفتيا شرع عام أبد الآبدين ودهر الداهرين، وبالسلطنة قد يختص في كل زمان بحسب المصالح1؛ فإذا قال صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعل فعلًا ظهر من أي التصرفين هو فلا إشكال وإن لم يظهر فالأغلب عند علمائنا لا يحمل على التصرف بالفتيا، وعند الحنفية بالعكس.
وفيه مسائل: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضًا ميتًا فهي له" قال الشافعي رضي الله عنه "هذا تصرف بالفتيا فلا يتوقف الإحياء على إذن الإمام.
وقال أبو حنيفة: "بالسلطنة فلا يحيى أحد بدون إذن إمام الوقت" فنحن نجري الموات مجرى سائر المباحات بإذن إمام الأئمة عليه أفضل الصلاة والسلام، وهم يجرونها مجرى مال بيت المال والغنيمة والفيء؛ ففي كل زمان يجتهد إمام الوقت فيما يراه أصلح ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت أبي عتبة: خذي لك ولودك ما يكفيك بالمعروف.
قال الشافعي [رضي الله عنه] 2 هذا تصرف بالفتيا فمن تعذر عليه أخذ حقه من غريمه فظفر بجنس حقه أو بغير جنسه إذا لم يظفر بالجنس، وقيل مطلقًا جاز له استيفاء حقه منه.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه".
قال الشافعي رضي الله عنه: "السلب للقاتل مطلقًا" وقال أبو حنيفة [رضي الله عنه] 3: لا يكون له حتى يشترط له بأن يقول الإمام في الغزاة: من قتل قتيلًا فله سلبه.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم" يحتمل قوله: "هي لكم" أن يكون ذلك تصرفًا منه صلى الله عليه وسلم بالملك، فملك الموات بمشارق الأرض ومغاربها ثم ملكها لأمته هذا ما أشار إليه الجوري من أصحابنا.
ويحتمل أن يكون تصرفًا منه صلى الله عليه وسلم [بالفتيا] 4 فشرع لنا الموات ويكون مالك الموات ملكه ملكًا ابتداء، وبدل لذلك قول من قال من أصحابنا: إن الموات ما لم يجر عليه ملك:
1 في "ب"[آخر زيادة] .
2 سقط من "ب".
3 سقط من "ب".
4 ساقط من "أ".
مسألة:
النكاح يتناول كل واحد من الزوجين تناولًا واحدًا ونسبته إليهما واحدة والحل الثابت من الجهتين بالسوية.
ولا يلزم من اختلافهما في الأحكام اختلافهما في مؤترية الأحكام؛ فقد يكون المؤثر في الشيئين واحدًا ويختلف تأثيره بحسب محاله ويعبر علماؤنا من هذا بأن الرجل محل النكاح كالمرأة مستدلين على ذلك بأن الله أضاف النكاح إلى كل من الزوجين إضافة الفعل إلى الفاعل بدليل قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} 1 وقوله [تعالى] 2 {يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُن} 3، وقال تعالى:{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِن} 4 وقال {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ؛ وبهذا سميا متناكحين. ووجهه أن النكاح عقد ازدواج وانضمام فإن التزويج من الازدواج، والنكاح من الانضمام، وحظ كل واحد من الزوجين مما يقع به الازدواج كحظ الآخر، وكذلك في الانضمام، وهما كمصراعي باب وزوجي خف، ولهذا المعنى تساويًا في الحل؛ فكان الحل في جانبها كالحل في جانبه وإذا تبين أنهما منزلان من العقد منزلة واحدة صار كل منهما محلًا للنكاح ثم اختلف علماؤنا على وجهين حكاهما الرافعي قبيل كتاب الصداق عن صاحب التتمة.
أحدهما: أنه معقود عليه في حقها كما أنها معقود عليها في حقه وعلى هذا أكثر الخلافين، ووجهه أن بقاء كل منهما شرط لبقاء العقد فينزلان منزلة العوضين [في البيع] 5 وفي هذا الوجه وفاء عظيم بكون الزوج محلًا للنكاح.
والثاني: أنه ليس معقودًا عليها في حقه وعلى هذا أكثر الخلافيين ووجه أن بقاء كل منهما شرط لبقاء العقد فينزلان منزلة العوضين [في البيع] 5 وفي هذا الوجه وفاء عظيم بكون الزوج محلًا للنكاح.
والثاني: أنه ليس معقودًا عليه لأن العوض المهر لا نفسه، ولهذا لو كان تحته ثلاث نسوة جاز له نكاح رابعة ولو كان منكوحًا لما جاز كما ان المنكوحة لا تنكح زوجًا آخر قلت: وهذا توجيه ضعيف؛ فليس معنى كونه معقودًا عليه بهذا الاعتبار ولو كان كذلك لكان الرد "نكاح ثانية أولى من الرد" بأن له نكاح رابعة غير أن هذا ليس المعنى المقصود بكونه معقودًا عليه إذا لا ريب في أن لكل من الزوجين أحكامًا تخصه وقد قدمنا أنها يلزم من الاشتراك في العلة الاشتراك في الحكم.
واقتصر الرافعي على عزو هذين الوجهين إلى نقل المتولي وهما مشهوران ولم يبين الأرجح منهما في هذا الموضع، ولكنه في كتاب الطلاق في مسألة "أنا منك
1 سورة البقرة "230".
2 سقط من "ب".
3 سورة البقرة "232".
4 سورة النساء "25".
5 سقط من "أ".
طالق" أن القول بأن معقود عليه غير مرض عند الأكثرين؛ لأنه لو كان كذلك لما احتاج إلى إضافة الطلاق إليه ولأنها لا تستحق من بدن زوجها ومنافعه شيئًا "انتهى".
ولا أدري من أين له أن الأكثرين لم يرتضوا كونه معقودًا عليه، والذي لم يرتض ذلك فيما علمت إمام الحرمين ومن تبعه.
ووجه الإمام في "الأساليب" و"النهاية" كونه غير معقود عليه لعدم استحقاقها لمنافعه، ولم يذكر سؤالًا البتة، وهو سؤال قوي1 للخصوم سنذكره ونذكر وجه الانفصال عنه في التفريع فنقول: إذا عرف من أصلنا أن الزوج محل النكاح؛ فقد خالفنا أبو حنيفة رحمه الله وأثر هذا الخلاف في التنازع في مسائل.
منها: "إذا قال أنا منك طالق" ونوى به طلاقها وقع لأنه أضاف الطلاق إلى محله "وهو الزوج- فإنه محل الطلاق، وبدليل أنه محل للنكاح ومتى أضيف إلى محله وقع" وقالت الحنفية: لا يقع لأن الزوج غير محله وساعدونا على ما إذا قال لها أنا منك بائن فقالوا: إذا نوى به الطلاق صح ووقع.
وهذا إلزام عظيم يلزمهم؛ فمتى كان الرجل محل إضافة الكنابة إليه كان محل إضافة الصريح.
ولهم علينا سؤال تلقوه من تفاريعنا حيث قلنا لا بد من النية في أنا منك طالق. ثم اختلفنا- هل تكفي نية أصل الطلاق أو يشترط مع ذلك إيقاعه عليها؟ وإضافته إليها على وجهين.
أحدهما: وهو رأي أبي إسحاق والقاضي الحسين لا يشترك مع نية أصل الطلاق نية أخرى.
وأظهرها: عند الرافعي والنووي أنه لا بد من إضافته إليها وعزاه الرافعي تبعًا للإمام -إلى الجمهور- ووجهه بأن محل الطلاق المرأة دون الرجل- فلا بد من نية صادقة تجعل الإضافة إليه إضافة إليها.
وهذا مأخوذ من كلام الغزالي تبعًا لإمامه، فإن الإمام كاد يصرح بأن الرجل ليس
1 في "ب" زيادة شذ.
محلًا للطلاق، وتبعه الغزالي ولكنهما مع ذلك لم يصرحا به، وكلامهما في الخلافيات وغيرها من كتبهما صريح في أنهما لا يحتجان إلى مسألة "أنا منك طالق" إلى تقرير كون الزوج معقودًا عليه؛ بل يصلح الغرض بدون ذلك بأسلوبين قررهما الإمام وأسلوب ثالث اقتصر عليه الغزالي في التحصين.
وأنا أقول: لا يخفي أن من يجعل الزوج معقودًا عليه ينكر كونه محلًا للطلاق وأما من لا يجعله ففيه نظر احتمال إذ لا يلزم من كونه غير معقود عليه أن لا يكون محلًا للطلاق فمن أين يصح للرافعي إنكار كون الزوج محلًا للنكاح وهي مسألة شهيرة معروفة بالخلاف بيننا وبين الحنفية إذا عرفت ذلك فتقرير سؤالهم أنكم اشترطتم النية على الأصح بنيتين -نية أصل الطلاق ونية وقوع الطلاق عليها- ولو كان الرجل محلًا للطلاق لوقوع الاستغناء عن النيتين.
ويزيد من يحيط بفروع المذهب على هذا أن يقول: بل كان ينبغي أن يقع الطلاق وإن جرد القصد إلى تطليق نفسه ولم يقتصر على أصل الطلاق، وقد قال الإمام:"الوجه عندي أنه لا يقع".
وهذا السؤال أخذه الرافعي ورضيه ورد به على من يجعل الزوج معقودًا عليه كما رأيت -وقد أجابهم الإمام أبو المظفر السمعاني في "الاصطلام"؛ فقال: "إنما احتيج إلى أصل النية لأن لفظ الطلاق محتمل أن يراد به الطلاق عن نكاح أو وثاق، بخلاف أنت طالق فإن هذا الاحتمال وإن تطرق إليه إلا أن العرف يدرؤه ويعين احتمال الفراق عن النكاح ولا اعرف فيه "أنا منك طالق" فرجعنا إلى أصل حقيقة المعنى فوجدناه محتملًا، فاعتبرنا فيه النية كما اعتبروها في "أنا منك بائن".
وهذا جواب صحيح، وفي كلام الإمام إشارة إليه فإنه قال في النهاية: شبه مشبهون هذا بما إذا قال لأمراته أنا منك طالق من حيث أن اللفظ جرى على صيغة مستبشعة حائدة عن جهة العرف في الاستعمال "انتهى".
وأنا أزيد هذا الجواب إيضاحًا: فأقول: لفظ طالق وإن كان صريحًا إلا أن الصريح إذا انضم إلى ما يخرجه عن صراحته بطل حكمه ألا ترى أنه لو ضم إلى قوله "أنت طالق طلاقًا من وثاق" لم يكن صريحًا وقوله: أنا منك طالق لفظ ضم إليه ما يستشنع فأخرجه عن الصراحة، فإن الرجل لا يخرج عن المرأة إلا على تأويل؛ وإنما
المرأة تطلق منه فالطلاق يقع منه عليها وهذا معنى كونه محلًا للطلاق وعليها منه، وهذا معنى كونها محلًا للنكاح؛ فلما خرج عن الصراحة لهذه الضميمة افتقر إلى نية.
وهذا الجواب بهذا الإيضاح الذي أوضحته يحق له أن يقال عنده: ما قاله ابن السمعاني ما ذهب إليه أبو إسحاق والقاضي الحسين من عدم اشتراطها عليه يدل نص الشافعي رضي الله عنه بل أقول: لو جرد القصد إلى تطليق نفسه فالأوجه خلاف ما قاله الإمام، وأنه يقع إذا نوى الطلاق عن نكاحها وبه صرح القاضي الحسين، وفي النص رمز إليه.
بل نقل الإمام في النهاية عن بعض الخلافيين -أن اللفظ صريح وإن قصد تطليق نفسه.
وهذا عندي قوي وإن كان الإمام لا احتفال له به وأقول: إنه ظاهر كل الظهور عند من يجعل الزوج معقودًا عليه، وقد وضح بما قررته اندفاع ما اعترض به الرافعي من النية.
وأما قوله: ولأنها لا تستحق من بدن الزوج شيئًا فقد يرد عليه الوجه المقابل بأنها تستحق عليه وطأة واحدة؛ سواء علل بتقرير طلب المهر أم بطلب التحقيق.
وأما من لا يقول بهذا الوجه أن يقول: نحن لا نعني بكون الزوج معقودًا عليه أو محلًا للنكاح أنها لا تستحق شيئًا من بدنه ولا من منافعه بل نعني أمرًا وراء ذلك.
وعجيب ذكر البدن هنا والمرأة معقود عليها قطعًا، ومن ذلك لا يقول أحد: إن الزوج لا يستحق شيئًا من بدنها؛ سواء قلنا: المعقود عليه في النكاح المنفعة وهو المقصود في الخلاف أو حل لازم، أو عين المرأة بوصف الحل، وهي وجوه حكاها ابن السمعاني.
ومنها: لو قال لها" "طلقي نفسك" فقالت: طلقت قاصدة تطليق نفسها فإنه يقع، وكذا لو قصدت أصل الطلاق خلافًا لأبي عبيد بن حربويه وبمسألة أبي عبيد صرح الرافعي.
أما إذا قصدت تطليق نفسها فمصرح بها في النهاية.
ومنها: بني المتولي كما نقله عنه الرافعي في كتاب الطلاق وابن الرفعة في مسألة
أنا منك طالق على الخلاف في كون الزوج معقودًا عليه ما لو قال الرجل لولي المرأة: "زوجت نفسي من ابنتك" فقال الولي: قبلت النكاح هل ينعقد وفيه وجهان.
ومنها: لا ينعقد النكاح إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح، وقالت الحنفية: ينعقد بلفظ الهبة والبيع والتمليك لأنهم لما جعلوا "الحل" فقط والرجل كمشتر تملك البيع جوزوه بهذه الألفاظ الناقلة للأملاك.
ومنها: الزوج يغسل زوجته إذا ماتت كما يجوز لها غسله إذا مات وكما اشتركا في حل اللمس والنظر، وقال الحنفية: لا يجوز لها غسله ويجوز له تغسيلها لانقطاع المالكية بفوات مالك المحل.
ومنها: اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية، ونسبته إليهما واحدة خلافًا لهم وستأتي المسألة في مسائل الزنا إن شاء الله تعالى.
خاتمة:
إذا تأملت هذه الفروع ورأيت اختلاف الأصحاب فيمن بناها على أن الزوج معقود عليه أو لا واتفاقهم على ما لم يبن على ذلك بل على أنه محل النكاح؛ بحيث لا يخالفهم حينئذ إلا الحنفية عرفت ما قدمناه لك من أنه يلزم من كونه غير معقود عليه -وهو ما ارتضاه الإمام الغزالي لا يكون محلًا للنكاح.
وحاصل كلام الإمام الغزوالي أنه لا يحتاج في إيقاع الطلاق في قوله: أنا منك طالق إلا أن يكون معقودًا عليه بل ولا أن يكون محلًا للنكاح بل الطلاق واقع بهذه اللفظة إذا نوى -وإن لم يكن معقودًا عليه ولا محلًا للنكاح.
وهذا صحيح نوافقهما عليه فإن في مسألة "أنا منك طالق" غنية عن هذا الأصل، وإنما ذكرها الخلافيون لأنه يلزم من إثبات هذا الأصل تصحيح المسألة وإن لم يلزم من إبتطاله إبطالها -فقرروا صحته ليثبت مرادهم فيها.
وقرر الإمام والغزالي صحتها غير متعلقين بالأصل إما لضعفه عندهما أو لأن التشكيك عليه أظهر منه -على الأسلوب الذي ذكرناه، ولا شك في ذلك.
مسألة: معتقد الشافعي رضي الله عنه أن أثر الشيء لا يتنزل منزلته في وجوده وعدمه وأن من فعل ذلك فقد قلب الحقائق وجعل التابع متبوعًا والمتبوع تابعًا وخالف الحس فإن الأحكام والآثار تبع الحقائق حسًا وحقيقة وخالف في ذلك الحنفية فذهبوا
إلى أن حكم الشيء يدور مع أثره وجودًا وعدمًا فينزل وجود أثر الشيء منزلة وجوده وعدمه منزلة عدمه كما يستدل بوجود الأثر على وجود المؤثر وبانتفائه على انتفائه.
وعلى هذا الأصل مسائل:
المصابة بالفجور والمعنى بها من زالت بكارتها بالزنا تستنطق على القول الجديد عندنا لوجود الثيوبة ويكتفي عندهم بسكوتها -قالوا: لأنه وطء لم يتعلق به حكم من أحكام الملك ولا خاصة من خواصه فأشبه من زالت بكارتها بسقطة أو أصبع أو حدة الطمث أو طول التعنيس أو بالوطء في الدير؛ فإنها بكر -قلنا لأصحابنا وجه أن التي زالت بكارتها بالسقطة ونحوها أو من وطئت في دبرها تكون ثيبًا وعلى هذا يسقط السؤال وعلى الصحيح وهو بقاء حكم البكارة في هذه الصور فالجواب أن المناط بالوطء يترتب عليه التقرير وليس ذلك فيما ذكرتم وسره أن الشارع علق الاستيدان بالثيوية والمتبادر إلى الذهن عند إطلاق الثيوبة -ثيوبة حاصلة بوطء لا يصور نادرة من ثم قال الصيمري: "لو خلقت بلا بكارة فهي بكر".
فليفهم الفاهم ذلك؛ فإنا لم نر من الخلافيين من رمز إليه، ومنه سقط أسئلة للخصوم كثيرة.
ومنها: لو وطئت مكرهة أو نائمة أو مجنونة فهي ثيب على الصحيح عندنا، وسره ما أبديناه من حصول الثيوبة من وطء.
فإن قلت: بين لي أوجه الفقه في اشتراط ثيوبة عن وطء؛ فإنك لم تتعلق بمطلق الثيوبة، بدليل الثيب عن وثبة ونحوها، ولا بخصوص الثيوبة عن وطء حلال.
قلت: وجه اشتراط زوال المجامعة بخلاف الوثبة ونحوها ووجه تعميم الحلال والحرام، أن زواله مع الحرام أبين وأوضح من زواله في الحلال ولا حقًا بذلك.
ومنها: يجوز لمن طلق الأربع أن ينكح في عدتهن خلافًا لهم.
ومنها: يجوز نكاح أخت المطلقة طلاقًا بائنًا لمن طلقها لأن المحرم هو الجمع في السبب المتعين في الوطء وقد انعدم ذلك حقيقة، فلا مبالاة ببقاء أثره وهو العدة خلافًا لهم حيث قالوا: بقاء لا عدة بمنزلة بقاء أصلها.
ومنها: المختلعة لا يلحقها صريح الطلاق لزوال حقيقة النكاح وقالوا يلحقها ما دامت العدة لبقاء الأثر.
ومنها: المبتوتة في مرض الموت لا ترث، وقالوا: إنها ترث ما دامت العدة باقية كل هذا يفعلونه تنزيلًا للأثر منزلة المؤثر واستدلالًا به عليه.
مسألة:
قال علماؤنا: الصداق محض حق المرأة ثبوتًا واستيفاء تستقل بإسقاطه وتعود فوائده إليها.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: الصداق حق الله ابتداء، وربما قال: الوجوب لله والواجب لها محتجًا بأن اتفاق الزوجين على استقاطه لا يوجب سقوطه؛ بل يجب بالعقد عند أبي حنيفة وبالدخول عند الشافعي رضي الله عنهما.
وعلى الأصل مسائل:
منها: لا يتقدر الصداق عندنا بل ما جاز أن يكون ثمنًا جائز أن يكون صداقًا قل أم كثير.
وقدره أبو حنيفة بعشرة دراهم فلا ينقص عنها حتى لو ذكر أقل منها وجبت هي محتجًا بأنه حق الله فلا يؤدي إلا بمال مقدر، ثم إنه ورد على البضع وهو محل محرتم ذو خطر وشرف شرع المال فيه إظهارًا لخطره وشرفه لأنه لو توصيل إليه بغير شيء لهان عند الناس وما لا يتوصل إليه إلا بالمال يعز عند النفوس وإذا كان المال مشروعًا لهذا المعنى فلايظهر المحل إلا بمال له خطر وشرف وأقله عشرة دراهم؛ لأنه الذي تقطع به يد السارق.
والجواب أن هذه المقدمات كلها عندنا ممنوعة فلا نسلم أنه حق الله تعالى ومستند المنع أنه لو كان لكان يصرف في مصارف حقوق الله تعالى.
وما يذكرون في الفرق بين الوجوب والواجب لا طائل فيه؛ فإن الوجوب نسبة بين المنتسبين.
وإن سلمنا أنه حق الله تعالى فلم قلتم أنه لا يؤدي إلا بمال، ولم قلتم: إنه لايكون إلا بمال له خطر، ولم قلتم: إن الناقص عن العشرة ليس كذلك، ولم قلتم: إن يد السارق لا تقطع في أقل منها.
ومنها: المفوضة لا تستحق المهر بنفس العقد بل بالوطء أو الموت على الجديد الصحيح، وعندهم تستحق.
ومنها: إذا خطبها كفء بدون مهر المثل ورضيت به وجل على الولي تزويجها.
وقالوا: لا يجب كما لو دعت إلى غير كفء.
وهذه من مسائل الخلاف المشهورة وليست في الرافعي ولكن في زيادة الروضة لو زوجها بعض الأولياء بكفء بدون مهر المثل برضاها دون رضاء بقية الأولياء قطعًا؛ إذ لا حق لهم في المهر ولا عار انتهى -وظاهر وجوب الإجابة على الولي إذ لا حق ولا عار والله أعلم.
مسألة:
قال علماؤنا: اختلاف الدارين -دار الإسلام ودار الحرب لا يقتضي اختلاف سائر الأحكام، ودعوة الحق على الكفار سواء كانوا في أملاكهم أو في غيرها.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: اختلاف الدارين يوجب تباين الأحكام وينزل منزلة الموت القاطع للأملاك لأنه لا استيلاء للمالك -وهو في دار الحرب على المملوك وهو في دار الإسلام وبالعكس.
وعلى الأصل مسائل:
منها: لا ينقطع النكاح بهجرة أحد الزوجين إلينا مسلمًا أو ذميًا خلافًا لهم.
ومنها: إذا أسلم الحربي وجاءنا وترك ماله في دار الحرب ثم ظهر المسلمون على دارهم لم يملك ماله بل هو له، وقالوا: يملك ويكون من جملة الغنائم.
ومنها: من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر معصوم الدم والمال على قاتله القصاص وعلى متلف ماله الضمان كما في دار الإسلام.
وقال أبو حنيفة: "يحرم قتله وأخذ ماله ولكن لا يجب الضمان" وزعم أن العصمة المقومة تثبت بالدار والمؤتمنة تثبت بالإسلام.
مسألة:
معتقد الشافعي رضي الله عنه أن الحل الثاتب بالنكاح في حق الأمة كالحل الثابت في حق الحرة والحقوق واحدة غير أن حق الزوج للأمة مزاحم لحق
السيد، وإذا ترك السيد حقه من الخدمة تسلط الزوج بحكم النكاح على زوجته الأمة تسلطه على زوجته الحرة؛ فهي بمثابة الحرة المحبوسة في حق إذا كانت تحت زوج ومعتقد أبي حنيفة أن حل الأمة دون حل الحرة. واختلاف الإمامين في هذا الأصل منشأ للخلاف في مسائل.
منها: قال علماؤنا: طلاق الأمة كطلاق الحرة إذا كان الزوج حرًا من حيث أن النكاح اقتضى لزوج الأمة ما اقتضاه لزوج الحرة.
وقالت الحنفية: تطليق الأمة طلقتين سواء كان الزوج حرًا أو عبدًا، لنقصان حق الزوج منها.
مسألة:
قال أبو حنيفة رحمه الله: الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح بوجه والرجعة باقية على الزوجة لم يؤثر طلاقها إلا في نقص العدد وتحريم الخلوة والمسافر.
قال الشافعي: يزيله من وجه دون وجه، وإن شئت قلت: يضعفه ويزلزله. ومن رشيق العبارات يقول: يزلزله ولا يزيله ويحله ولا يحيله.
وعلى الأصل مسائل:
منها: يحرم وطء الرجعية عندا لزوال الملك -ولو من وجه أو يزلزله، والوطء يحتاط له فلا يكون في ملك مزلزل.
وقال الحنفية: "لا يحرم لبقاء الملك عندهم".
ومنها: لا تحصل الرجعة إلا بالقول خلافًا لهم حيث قالوا تحصل بالوطء، ولو نزول المرأة على ذكر الزوج بل وكل فعل يوجب حرمة المصاهرة كاللمس.
ومنها: وطء الرجعية يوجب المهر خلافًا لهم. مسألة: قال علماؤنا: سبيل نفقات الزوجات سبيل معاوضات، وقالت الحنفية: سبيل الصلات كنفقة [القريب]1.
وعلى الأصلين مسائل:
منها: أنها معلومة وأن الإعسار بها يثبت حق الفسخ وأنها مقدرة، ولا تسقط بمضي الزمان خلافًا للحنفية في الكل.
1 في "ب" القرب.
وقد وافق الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أبا حنيفة على أنها كنفقة القريب، وخالفه في أن الإعسار لا يثبت الفسخ محتجًا بحديث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل ما يجد ما ينفق على زوجته قال:"يفرق بينهما" وهو حديث منكر لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ولم يثبت إلا أن سعيد بن المسيب قاله وقيل له: سنة؟ قال: سنة.
فإن قلت: ما دليلك على الفسخ بالإعسار؟
قلت: ما مهدناه من الأصل، وهو أن سبيلها سبيل المعاوضات التي تقتضي تراد العوضين.
ثم للشافعي رضي الله عنه -على الخصوم إلزام عظيم، قال رضي الله عنه: توافقنا على أن لها طلب الخلاص بعنة الزوج إذا انقضى أجله، ولا نص فيه؛ وإنما الوارد فيه قضاء عمر رضي الله عنه ثم إنكم زعمتم أن عليًا كرم الله وجه خالفهم فإن كان قول عمر حجة فالرواية عنه في النفقة أثبت، ثم روى الشافعي رضي الله عنه الفسخ بالإعسار عن عمر رضي الله عنه من طرق.
مسألة:
قال علماؤنا: معنى القصاص مقابلة محل الجنابة بالمحل الفائت جبرًا لما فات ودفعًا للآفات.
واحتجوا بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} 1 الآية دلت على أن النفس تقابل النفس ولذلك يسلم إلى ولي الدم وما ذاك إلا لمعنى استحقاقه.
وقالت الحنفية: "معنى القصاص مقابلة الفعل بالفعل جزاء [وزاجرًا]2.
واحتجوا بقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاة} 3 قالوا: أشار به إلى أن الزجر يحصل به.
وعلى الأصل مسائل:
منها: إذا قتل الواحد جماعة قتل بواحد وللباقين الدية حتى لا تضيع حقوقهم فإن الاتسحقاق تعدد بتعدد المحال.
وقالت الحنفية: يقتل بهم اكتفاء بمقابلة الفعل "بالفعل".
1 سورة المائدة "45".
2 في "ب" زجرًا.
3 سورة البقرة "179".
ومنها: إذا قطع رجلي رجلين قطع بالأول وللآخر الدية بدلًا من المحل الفائت، وعندهم يقطع بهما اكتفاء.
ومنها: شريك الأب يلزمه القصاص تحقيقًا لمقابلة المحل بالمحل كشريك الأجنبي، وقالوا لا قصاص عليه لأن القصاص مقابلة الفعل بالفعل، وفعل شريك الأب قاصر من حيث أنه شارك من لا قود عليه فصار كشريك الخاطئ.
ومها: إذا مات من وجب عليه القصاص أخذت الدية من تركته بدلًا عن المحل وعندهم لا تؤخذ؛ لأن المستحق له فعل القتل وقد فات.
ومنها: إذا كان في الورثة صغير ينتظر بلوغه ليقتص من الجاني لأن الورثة يستحقون المحل والصبي لا ينال هذا الاستحقاق بدليل ما لو كان الصبي هو الوارث وحده.
وعند أبي حنفية رضي الله عنه يستبد الكبير باستيفائه في المحل لأن القصاص استحقاق فعل القتل جزاء والصغير ليس أهلًا لاستحقاقه؛ فلا ينتظر.
مأخذ:
قال علماؤنا: المأذون في فعله من قبل الله فيما تمحض حقًا لله كالمأذون في فعله من قبل العبد فيما هو من حقوق العباد.
وقالت الحنفية: المفعول بإذن الشرع إما واجب الفعل أو مخبر فيه بين الفعل والترك.
فالأول: ينزل منزلة المستوفي بإذن المستحق حتى لا يشترط فيه سلامة العاقبة كالإمام إذا قطع يد السارق فسرت إلى نفسه.
والثاني: وهو ما خير المستوفي له بين فعله وتركه لا ينزل منزلة المأذون، من جهة المستحق.
قالوا: والفرق أن التكليف بالشيء ينفي اشتراط السلامة فيما يتولد منه لأن الاحتراز عنه غير ممكن، أما التخيير بين فعله وتركه فلا ينفي اشتراط السلامة لإمكان الاحتراز عنه.
وهذا الأصل خرج عليه مسألة سراية القصاص، وصورتها أنه يجب القصاص على رجل في عضو من أعضائه فيقطع قصاصًا فيموت المقتص منه بالسراية.
قال الشافعي رضي الله عنه: لا يضمن لأن الشرع أذن له في القطع فصار كأن الجاني أذن له بنفسه ولو أذن له بنفسه في القطع ثم سرى إلى النفس لم تضمن وفاقًا.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: تضمن لأن الشرع أذن له بشرط سلامة العاقبة وهو مخير فيه بخلاف الإمام إذا قطع يد السارق فسرت إلى نفسه؛ فإنه لا يضمن لكونه مكلفًا بفعله.
واعلم أن هذا الأصل الذي بنيت هذه المسألة عليه مخصص بالعقوبات المقدرة ليخرج التعزير؛ فإنه مشروط بسلامة العاقبة.
وينبغي أن يقال: المأذون شرعًا من العقوبات إما واجب الفعل أو جائره والأول إما لحق الآدمي أو لمحض حق الله تعالى والأول، إما لمصلحة المعاقب بكسر القاف أو المعاقب بفتحها أو لأعم من ذلك وهو ما كان للمصالح العامة.
مأخذ:
اسم الزنا حقيقة في الزاني والزانية، ويسمى اللفظ متحدًا والتعدد إنما هو في محاله، وتناول الزنا لكل واحد منهما على حد سواء بدليل قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 1 ولذلك استويا في العقوبة؛ بل نسبة الوطء إلى النساء أنسب من نسبته إلى الرجال فلقد عهدنا من فصاحة العرب العرباء إضافته إلى النساء -لأنه أبلغ المعاني المقصودة منهن- أكثر من إضافته إلى الرجال ومن ثم قدم الله لفظة الزانية على الزاني.
وكان تعبير الغزالي وغيره من أصحابنا -باب نكاح المشركات أحسن من أن يعبر بنكاح المشركين على خلاف ما قال الرافعي حيث زعم أن أحد اللفظين ليس أولى من الآخر.
ونظير المسألة ما قدمناه من تناول النكاح لكل من الرجل والمرأة تناولًا واحدًا.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: "الاسم يطلق على الرجل حقيقة وعلى المرأة مجازًا؛ لأن الزنا عبارة عن الفعل ولا فعل لها، بل هي محل الفعل وممكنة فيه".
ومن ثم اختلف الإمامان في البالغة العاقلة تمكن صبيًا أن ينزل على رجل مكره مضبوط فيستدخل ذكره فقال الشافعي رحمه الله: "يلزمها الحد لأنها زانية".
1 سورة النور "2".
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يلزمها؛ لأنها لا فعل لها وربما قال بعض مشايخهم: المرأة تابعة للرجل في فعل الزنا فإذا لم يكن فعل الرجل زنا لم يكن للتبعية فيه حكم.
والأولى: وهي نفي الفعل عنها طريقة أبي زيد، والثانية عندي أقوى منها فإن نفي الفعل عنها وقد فعلت مكابرة، والله تعالى أعلم.
مأخذ:
قال علماؤنا: "الغنائم تملك بمجرد الإصابة والاستيلاء".
وقالت الحنفية: لا تملك بمجرد ذلك، بل لا بد معه من الإحراز في دار الإسلام.
وذلك من آثار جعلهم اختلاف الدارين يوجب اختلاف الأحكام. فجعلوا الإحراز في دار الإسلام شرط العلة أو أحد وصفيها.
وعلى الأصل مسائل:
منها: أن المرتد إذا لحق بالغزاة بعدما استولى المسلمون على الأموال لا يشاركهم عندنا خلافًا لهم.
ومنها: إذا مات أحد الغانمين بعد الاستيلاء وقبل الإحراز في دار الإسلام انتقل حقه إلى وارثه خلافًا لهم.
ومنها: أن الغنائم تقسم عندنا في دار الحرب وهل تحب القسمة أو تستحب أو تجوز فقط؟ وكيف الحال؟
اقتصر الرافعي على أنها تجوز من غير كراهة، وقال النووي: الصواب أنها تستحب، وقال صاحب المهذب: يكره تأخيرها إلى بلاد الإسلام [من] 1 غير عذر، وقال الوالد رحمه الله: المستحب التعجيل بقدر الإمكان ويؤخر عند العذر -قال- وعليه نص الشافعي رضي الله عنه وقال الماوردي والبغوي "تجب القسمة عند الإمكان".
وأقول: أنه لا يظهر لاسيما على القول بأن الدين الحال يجب وفاؤه على الفور وإن لم يطلب صاحبه.
وقال أبو حنيفة: يجوز ما لم تحرزو بدارنا.
ومنها: أن الإمام إذا فتح مدينة لم يجز له أن يمن علهيم لأن الغانمين ملكوا بنفس الأخذ فكيف يبطل [عليهم] 1 ملكهم.
1 سقط في "ب".
وقال أبو حنيفة: له ذلك؛ إذ لم يملكوا بعد.
مسألة:
قال علماؤنا: حقيقة القضاء إظهار لحكم الله [وإخبار] 1 لإثبات حق على سبيل الابتداء.
وربما عبروا عن هذا بأن قضاء القاضي لا يغير الأحكام الشرعية عن حقائقها الموضوعة عند الله، وبأن القضاء يتبنى على الحجة؛ فإن كانت حجة حقيقة ظاهرًا وباطنًا، نفذ ظاهرًا وباطنًا، وإن كانت حجة في الظاهر فقط لم ينفذ إلا في الظاهر فقط.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن حكم القضاء إثبات الحكم المدعي وإنشاء له.
وربما عبروا عن هذا بأن قضاء القاضي يغير الحكم عند الله وقصروا ذلك على الأحكام التي للقاضي فيها مدخل كالمعقود والفسوخ والنكاح والطلاق.
وعلى الأصل مسائل:
منها: إذا ادعى زوجية امرأة، وليست في نفس الأمر زوجته وأقام شاهدي زور فحكم له الحاكم بالزوجية لم تحل له في الباطن عندنا، ويحرم عليها تمكينه من نفسها.
وقال الحنفية: قضاء القاضي بشهادة الزور تبيح المحذور، وتحلل هذه المرأة.
ومنها: إذا رد الحاكم شهادة المنفرد برؤية هلال رمضان؛ إما لكونه لا يرى قبول الواحد أو لغير ذلك فجامع في ذلك النهار لزمته الكفارة كما إذا قيل شهادته وقال أبو حنيفة: لا يلزمه.
مسألة:
[قال علماؤنا] 2 المعقود عليه في عقد الكتابة رقبة المكاتب وقالت الحنفية: بل اكتساب العبد، وفك الحجر عنه.
وعلى الأصل مسائل:
منها: إذا مات المكاتب عن وفاء انفسخت الكتابة عند الشافعي رضي الله عنه: ومات رقيقًا لأن المعقود عليه الرقبة وقد فاتت بالموت فينزل منزلة فوات المبيع قبل القبض وقال أبو حنيفة: يموت حرًا في آخر جزء من حياته.
ومنها: الكتابة الحالة الباطلة؛ لأن المعقود عليه الرقبة وعتقها غير مستحق في
1 في "ب" واختيار.
2 سقط في "ب".
الحال، بل عند أداء النجوم، وعندهم يصح؛ لأن العوض مقابله فك الحجر والقدرة على الاكتساب وقد تحقق في الحال.
ومنها: إذا زوج ابنته من مكاتب ثم مات انفسخ النكاح لانتقال الملك في الرقبة إليها، وعندهم لا ينفسخ بل يؤدي نجومه فيعتق والله أعلم.
وهذه الطريقة لم يذكرها الرافعي في فصل اختلاف الجاني ومستحق الدم، بل قبل كتاب البغاة.
ونقل النووي: في زيادة الروضة عن البغوي تعريفًا على تصديق الولي -أن الواجب الدية دون القصاص وأن المتولي قال: هو على الخلاف في استحقاق الوقد بالقسامة.
قلت: وقد حكى الرافعي في القصاص وجهين ذكرهما قبيل كتاب الإمامة.
وإذا [اطلعنا] 1 على كافر في دارنا فقال: دخلت بأمان مسلم؛ ففي مطالبته بالبينة وجهان لأن الأصل عدم الأمان، ويعضده أن الغالب على من يستأمن أن [يستوثق] 2 بإشهاد والأصل حقن الدماء، ويعضده أن الظاهر أن الحربي لا يقدم على هذا إلا بأمان.
ومنها: مما لم أجده مسطورًا -إذا ضربها الزوج وادعى نشوزها وادعت هي أن الضرب ظلم.
قال ابن الرفعة: لم أر فيها نقلًا؛ قال: والذي يقوي في ظني أن القول قوله لأن الشارع تجعله وليًا في ذلك.
قلت: قد يعارض في المسألة أصلان -عدم ظلمة وعدن نشوزها.
الحادية والعشرون بعد المائة من قواعد الربا:
أن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة.
أخرى: قال الغزالي: في الوسيط في كتاب الصداق في الباب الثاني في أحكام الصداق الفاسد: قاعدة الباب أن النكاح لا يفسد بفساد الصداق.
1 في "ب" أطلقنا.
2 في "أ" يسترق.
أخرى: الأصل في الربويات عندنا التحريم خلافًا لأبي حنيفة.
الثانية والعشرون بعد المائة:
"أصح القولين أن حجر المفلس حجر مرض لا سفه ولا رهن".
ولا نعني بقولنا: "إنه حجر مرض" أنه يثبت للأحكام حجر المرض كلها كذلك إذا غلبنا أحد الجانبين على الآخر في مثل الظهار [طلاق] 1 أو يمين.
يوضح هذا بأن المريض يسوغ له الأقدام على التصرف ويحكم بصحتها ظاهرًا ولا خلاف أن المفلس ممنوع من التصرف وإن قبل بتنفيذه فيما بعد.
فإن قلت: فإذا كان كذلك فلا فائدة في هذه القاعدة وأمثالها، إذ لا فائدة غير إجراء الأحكام على قضية قاعدتها.
قلت: قال الوالد رحمه الله في "شرح المهذب": بل فائدة معرفة حقيقة ذلك الشيء وسره المقصود به قال: والفقيه يعلم أن الشيئين المتساويين في الحقيقة وأصل المعنى قد يعرف لكل منهما عوارض تفارقه عن صاحبه وإن لم تغير حقيقته الأصلية فالفقيه الحاذق يحتاج إلى تيقن القاعدة الكلية في كل باب ثم ينظر خاصًا في كل مسألة، ولا يقطع شوقه عن تلك القاعدة حتى يعلم هل تلك المسألة يجب سحب القاعدة عليها أو تمتاز بما ثبت له تخصيص حكم من زيادة أو نقص؟
ومن هذا يتفاوت رتب الفقهاء فكم من واحد متمسك بالقواعد قليل الممارسة للفروع ومأخذها يزل في أدنى المسائل وكم من آخر مستكثر من الفروع ومداركها قد أفرغ صمام ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية فتخبطت عليه تلك المدارك صار حيران، ومن وفقه الله لمزيد العناية جمع بين الأمرين فيرى الأمر رأي عين انتهى كلامه في باب التفليس من تكملة شرح المهذب.
فهذه القواعد التي سردناها هي التي تكثر فروعها وتتشعب مواقع الأنظار إذا كان إليها نزوعها، ومن حققها صار بعلوم الشريعة حقيقًا، وبالفتيا في مصاردها ومواردها خليقًا.
1 سقط في "ب".
والمستثني منها:
إما بعيد فلا يقاس عليه، وهو خارج عن المنهاج يجري مجرى الشذوذ، والخطب فيه يسير وهو كوجوب الثمن في المصراة المستثني من قولنا "المثلى مضمون بمثله".
وإما معقول المعنى فلا بد من لحاقه بأصل آخر ويكون قد اجتذبه في الحقيقة أصلان تعلق بأقربهما شبهًا واستمسك بأقواهما وأوفقهما بالنسبة إليه؛ [لكن] 1 عزوه وفهم هذا من كل فرع [مبتدر] 2 [والتكيف به] 3 في كل ورد وصدر يدفع عن همم من ركن إلى الهوينا واجب الدعوة ولا يحيط به إلا من حوم على مخيم الاجتهاد بدأب دائم في العلم وخطى متسعة؛ فإن ترد الفروع إلى أصولها وعرضها على معانيها [وأجلاسها] 4 على منصة الجلاء للاعتبار إنما ينهض به أهل البصائر الشافية، وهو لعمري والله خلاصة لااجتهاد، وثمرة الأكباد.
والكافل به وحصر المستثنيات وعدها كتابنا الكبير في الأشباه والنظائر.
والقول الجملي [عندنا] 5 أن الضابط إما أن يطرد وينعكس وذلك الغاية وإما أن يخرج عنه صورًا طردًا وعكسًا والخارج إما معقول المعنى وإما تعبد.
وقد تجمع شيئان:
أحدهما: لمعنى.
والثاني: تعبد.
ونحن نضرب لذلك مثالًا: وهو العاقلة عند من يرى تحملها للدية تعبدًا، وتضمن الولي جزاء صيد أتلفه الصبي فإنه لمعنى وهما خارجان عن قاعدة من لم يجن لا يطالب بجناية من جنى.
ثم الخارج تعبدًا يهون الأمر فيه، وأما الخارج لمعنى فذاك المعنى هو أصله الآخر الذي اجتذبه.
فلاح بهذا أنه لا يخرج لمعنى إلا وقد حق بأصل آخر خرج من هذا فدخل في هذا ولم يكن ضائعًا
1 سقط في "أ".
2 سقط في "أ".
3 سقط في "أ" والتكليف به.
4 في "ب" وأجلائها.
5 سقط في "ب".
فالفقيه من يرده إلى أصله ويعيده إلى وكره لا من يحفظه حفظ ضائع لا يدري مالكه، ومجهول لا يعرف صاحبه.
ثم قد يتقاوم الأصلان؛ فيتجاذب الفحلان، ويتناجز الخصمان، ويقع التردد ويقف الأمر في الإلحاق.
وقد يرى أحد المجتهدين أصلًا راجحًا ويراه الآخر مرجوحًا أو مساويًا، وفي مثل هذه المداخل نزل الأقدام وتتبين فرسان الكلام، ويتنافس المتنافسون ويتراد المخلصون ثم وراء ذلك بحر عميق، ومنظر دقيق وهو أن الخارج لمعنى هل يقاس عليه وقد بينا ذلك.
فصل:
وراء هذه القواعد ضوابط يذكرها الفقهاء.
منها: المطرد والمنعكس وغيره أحاط بها تلخيص ابن القاص، و"خصال" أبي بكر الخفاف و"أعداد" أبي الحسن بن سراقة1 و"رونق" الشيخ أبي حامد و"لباب" المحاملي و"مناقضات" أبي الحسن العناني الداركي و"حيل" أبي حاتم القزويني و"مطارحات" ابن القطان وليست عندنا من القواعد الكلية بل من الضوابط الجزئية الموضوعة لتدريب المتبدئين لا لخوض المنتهين، ولتمرين الطالبين لا لتحقيق الراسخين.
والذي يكثر من التشاجر فيه ويعظم الخطب ما أوردناه وأما هذه الضوابط فالخطب فيها يسير.
وهي مثل قولنا:
العصبة: كل ذكر ليس بينه وين الميت أنثى. الولد يتبع أباه في النسب وأمه في
1 محمد بن يحيى بن سراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء أبو الحسن العامري البصري الفقيه الفرضي المحدث صاحب التصانيف في الفقه والفرائض وأسماء الضعفاء والمتروكين رحل في الحديث وأقام بآمد مدة وله مصنف حسن في الشهادات وأخذ الضعفاء عن أبي الفتح الأزدي ثم نقحه وراجع فيه الدارقطني ذكره ابن الصلاح، وذكر أنه كانت له رحلة في الحديث وعنايةبه ومعرفة بعلم الفرائض والضعفاء من الرجال، وقال: كان حيًا سنة أربعمائة وذكره الذهبي في المتوفين في حدود سنة عشر وأربعمائة. انظر ترجمته في الأعلام 8/ 5، وطبقات الشافعية لابن هداية ص 43- طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 196.
الرق والحرية وأشرفهما في الدين وأحسبهما في الريح والنكاح وأشرفهما في الحرية.
الحجر على الصبي لنقصه وعلى العبد لحق سيده وعلى السفيه يتردد.
ومن ثم يصح نكاح العبد بالإذن بخلاف الصبي وفي السفيه تردد.
وتفاريع القولين في الجمعة أظهرهما مقصورة أم صلاة على حيالها والوضوء أواجبه الترتيب أو عدم [التنكيس] 1، والمغلب في قتل قاطع الطريق حق الله أو حق الآدمي وإذا باع مال أبيه على ظن أنه حي؛ فإذا هو ميت وسبيل الاستعارة للرهن سبيل العارية أو الضمان، والخلاف في حقيقة الثمن ما هو؟ وحجر الفلس هل هو حجر مرض أو رهن أو سفه إجازة الورثة تنفيذًًا أو ابتداء عطية، تزويج السيد أمته بالملك أو بالولاية، الوديعة عقد أو إذن، المغلب في المسابقة شائبة الإجازة أو الجعالة، حرمة استعمال آنية الذهب والفضة لعينهما أو لمعنى فيهما، فطرة من يؤدي فطرة غيره ثم تجب عليه ثم يتحملها أو تجب على المؤدي ابتداء؛ القسمة بيع أو إفراز، الإقالة بيع أو فسخ، الحوالة استيفاء أو اعتياض، النذر محمول على واجب الشرع أو جائزه، موجب القتل العمد القصاص أو أحد الأمرين منه، ومن الدية الصداق مضمون ضمان عقد أو يد، الظهار طلاق أو يمين، الإبراء إسقاط أو تمليك، عمد المميز عمد أو خطأ، اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة، ارتفاع العقد من أصله أو من حينه، النفقة للحمل أو للحامل، مجلس العقد لهل له حكم ابتداء العقد؟ تعارض حق الخالق والمخلوق، ومسائل الإشارة والعبارة باللفظ أو بالمعنى ومسائل المسكن والخادم -هل يباعان في الفلس والكفارة والفطرة والحج ونظائرها؟ وفي كم تعطي الرجعية حكم الزوجية، ومفارقة الأب للجد في الأحكام وما يتعدى حكمه إلى الولد الحادث، وتعليق الإنسان فعل نفسه على فعل غيره -مثل بعت بما باع به فلان فرسه، وزوجت بما زوج به، وطلقت كما طلق، وقارضتك ولك مثل ما شترطه فلان لفلان، وأحرمت بما أحرم به فلان -ما فضل لبيت المال هل هو على سبيل الإرث أو المصلحة وفيه خلاف يظهر أثره في مسائل منها: قاتل أبيه إذا لم يخلف الأب سواه فما له لبيت المال ثم إن قلنا ميراثًا لم يدفع للقاتل منها: قاتل أبيه إذا لم يخلف الأب سواه فما له البيت المال، ثم إن قلنا ميراثًا لم يدفع للقاتل منه شيء أو مصلحة جاز الدفع ومنها: المكاتب إذا مات أبوه لم يرثه وماله لبيت المال؛ فإذا أدى النجوم وعتق فإن قلنا: ميراثًا لم يأخذ شيئًا، وإن قلنا: مصلحة أخذ.
1 سقط في "ب".
ومنها: إذا مات مسلم وخلف قريبًا له كافرًا فأسلم انبنى على الخلاف.
[وأنحاء] 1 ذلك.
وعندي أن إدخالها في القواعد خروج عن التحقيق، ولو فتح الكاتب بابها لاستوعب الفقه وكرره وردده وجاء به على غير الغالب المعهود والترتيب المقصود فحير الأذهان، وخبط الأفكار، وإذا استحسن ضم الشيء إلى نظيره فبعض مسائل الباب أشبه ببعضها من غير ذلك، والترتيب على الأبواب هو الصواب.
فصل:
ومن الناس من يدخل في القواعد تقاسيم تقع في الفروع يذكرها أصحابنا؛ حيث يتردد الذهن فهي ذات أقسام كثيرة ولا تعلق لهذ بالقواعد رأسًا فقد أكثر منه الشيخ أبو حامد في الرونق ومتابعوهن ولكن أولئك لم يكن قصدهم ذكر القواعد؛ بل هذا النوع بخصوصه، فلا لوم عليهم وإنما اللوم على من يدخل ذلك في القواعد.
وأنا أذكر لك يسيرًا من ذلك لتعرف ما أشير إليه.
فأقول: تقسيم آخر.
قال الإمام في كتاب الصلح: العقود بالنسبة إلى قبول التأييد أو التوقيت مراتب.
أحدها: البيع والتأبيد فيه غير مستحق، فإنه يتضمن التمليك واستئصال حق المتقدم بالكلية؛ فلا يعود إلا بإعادة طريق آخر.
الثاني: الإجارة: وضعها على بقاء الملك للمكري والأصل أن يضبط بالنهاية إذ لا حاجة إلى إثباتها دون الضبط.
ويظهر في هذا [القسم] 2 ما يظهر فيه قصد التأبيد كبيع حق البناء والممر وسبيل الماء -ولا يمتنع تأقيته أيضًا.
الثالث: ما يقصد منه المنفعة ولكن لا ينتظم إثباته على نعت التأقيت؛ فإن الغرض منه التواصل، والتوصل إلى النسك وهو النكاح وكان يؤقت في ابتداء الإسلام إشارة إلى اكتفاء بعض الناس بقضاء الأوطار، ثم استقر الشرع على استحقاق التأييد
1 في "أ" وإنما.
2 في "ب" التقسيم.
ليقع النكاح على وضعه، وقدره الزوج على الطلاق يفيده، التمكن من الخلاص.
تقسيم آخر:
إذا وقع في الماء شيء طاهر فإن لم يكن [مغيرًا] 1 فلا أثر له وإن كان، فإن كان التغيير لقلته فكذلك وإن كان لموافقته في صفاته فوجهان، وإن لم يفت بل غير فإن قل التغيير؛ حيث لم يزل اسم الماء المطلق ففيه خلاف، وإن فحش فإن لم يمكن الصون عنه لم يسلب، وإن أمكن؛ فإن كان ترابًا لم يؤثر على الأصح وإن كان غيره فإن كان مخالطًا لجميعه سلب أو لبعضه فوجهان وإن كان مجاورًا متصلًا به فقولان، أو غير متصل لم يؤثر.
تقسيم آخر:
قال القاضي أبو الطيب الطبري: ومن تعليقه نقلت: الطلاق واجب ومحرم ومكروه ومستحب.
فالواجب: طلاق المولي إذا انقضت المدة وطولب بالفيئة أو الطلاق وطلق فإنه يكون قد فعل واجبًا كما في خصال الكفارة أنها فعل وقع واجبًا، وإيقاع طلاق الحكمين في الشقاق واجب إذا قلنا: هما حكمان ورأيي الطلاق.
والمحرم: طلاق الحائض والموطوءة في طهرها.
والمكروه: طلاق زوجة حسنة الخلق والخلق يأمنها فيغيبته ويسر بها في حضوره.
والمستحب: طلاق زوجه قبيحة الخلق سيئة الخلق لا يأمنها غائبًا ولا تسره حاضرًا أو لا يقوم واحدًا منهما بحق صاحبه انتهى مختصر.
تقسيم آخر:
المقدرات الشرعية إما تحديد قطعًا: كطهارة الأعضاء ومسح المقيم والمسافر، وغسل ولوغ الكلب سبعًا، واشتراط أربعين لانعقاد الجمعة وتكبيرات العيدين، ونصب الزكوات وهو كثير جدًا.
وإما تقريب قطعًا: كسن الرقيق المسلم فيه والموكل في شرائه.
1 في "ب" متغيرًا.
وإما مختلف فيه: كالقلتين وسن الحيض والمسافة بين الصفين بثلاثمائة ذراع ومسافة القصر بثمانية وأربعين ميلًا وهو كثير.
فهذه أمثلة التقاسيم كل مثال منها لنوع ولا مدخل لها من القواعد ويقرب منها تعديد فرق النكاح وأقسام البياعات.
فصل:
ومنهم من يدخل المآخذ والعلل التي يشترك فيها أحكام طلبًا لجمع المشتركات في قدر مشترك وليس ذلك أيضًا من القواعد في شيء.
وقد رأيت للشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب "التنبيه" مصنفًا في ذلك مختصرًا سماه "مسائل الارتباط".
وهذا النوع كثير الفائدة للخلافيين الناظرين في المسائل التي اختلف فيها الإمامان -الشافعي وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى.
وأنا أذكر مسألة لتعرف ماذا أعني بكلامي [والله تعالى أعلم]1.
علة يتعلق بها إحدى وعشرون حكمًا.
مسألة:
يجب القطع بسرقة الثمار الرطبة والطعام الرطب وسائر ما يتمول وإن كان أصله على الإباحة وكذا إذا اشتركا في النقب فدخل أحدهما [فأخذ] 2 وناول الآخر فالقطع على الداخل.
إذا سرق ما [فيه] 3 نصاب ثم نقصت قيمته قبل القطع لم يسقط القطع.
إذا رمي المسروق إلى خارج فالقطع على الرامي.
إذا ترك المتاع بقرب النقب وأدخل الآخر يده فالقطع على الثاني، والضمان عليهما في المسائل الثلاث.
إذا سرق نصابًا ثم ملكه بحكم الإرث أو الهبة لم يسقط القطع.
إذا سرق مصحفًا يساوي نصابًا قطع.
1 سقط في "ب".
2 في "ب" فأخذ إحداهما.
3 في "ب" قيمته.
إذا سرق الآبق قطع، وكذا الضيف والنباش وسارق ثياب الكعبة.
إذا سرق العين مرة بعد مرة قطع ثانيًا فتقطع يمناه وإذا سرق ثانيًا قطعت يسراه.
إذا سرق ناقص اليمين أو مفقودها قطعت يسراه.
إذا تلف في يده المسروق فعليه الغرم والقطع.
يقطع أحد الزوجين بسرقة مال صاحبه.
يقطع المعير والمكري إذا سرق من المستعير والمكتري.
يقطع سارق العبد الصغير وكذا إذا سرق المستأمن في أحد القولين.
والعلة فيها كلها أنه أخرج نصابًا كاملًا من حرز مثله لا شبهة له فيه وهو من أهل القطع - أصل موضع الوفاق.
علة يتعلق "بها سبع مسائل".
في عبد التجارة الزكاة والفطرة.
وعلى الجد عن ولد ولده الصغير المعسر الفطرة.
وعلى الولد فطرة الأب والجد والزوج وعبد الشريكين عليهما فطرته.
والسيد عليه فطرة عبده، خلافًا "لداود بن علي"1 والعلة في الجميع شخص من أهل الطهرة يلزمه فطرته مع القدرة أصل موضع الوفاق.
فصل:
ومنهم: من يعقد فصلًا لأحكام الأعمى، وآخر لأحكام الأخرس، وآخر لأحكام المبعض، وهكذا وفصلًا للأحكام التي اختص بها حرم مكة شرفها الله تعالى، وهذا أيضًا ليس من القواعد في شيء.
فصل:
ومنهم من ذكر الفقه المختص ببعض الناس أو بعض الأماكن وسبيله سبيل من
1 داود بن علي بن خلف أبو سليمان البغدادي الأصبهاني إمام أهل الظاهر، هو أول من نفى القياس في الأحكام الشرعية وتمسك وبظواهر النصوص، وكان زاهدًا ورعًا. أخذ العلم عن إسحاق بن راهية وأبي ثور وغيرهما، وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية. نشأ بأصبهان ثم رحل إلى بغداد فأقام بها وتوفي سنة سبعين ومائتين.
انظر طبقات الشافعية الكبرى 2/ 284، شذرات الذهب 2/ 258.
يفرد بابًا من أبواب الفقه بالتصنيف فلا فرق بين إفراد باب وإفراد مكلف من المكلفين.
وذكر الإمام في آخر "النهاية" أنه عزم على جمع أحكام المبعض ثم اجتزأ بسبقها في الأبواب.
فصل:
ومنهم من يشتغل بتقرير كونه مذهب الصحابي والاستحسان مثلًا غير حجة وهذا رجل عمد إلى باب من أبواب أصول الفقه فأحب النظر فيه.
فصل:
ومنهم من يعقد فصلًا للمسائل التي يفتي فيها على التقديم وهذا أيضًا رجل أحب أن يجمع مسائل لا ارتباط لها في أنفسها.
وأغراض الناس تختلف ولكل مقصد، ولسنا ننكر على أحد مقصده؛ وإنما ننكر إدخال شيء في شيء لا يليق به [ويكبر] 1 حجم الكتب بما لا حاجة إليه.
فصل:
ومنهم من يدخل مسائل الأحاجي والألغاز، وهذا باب مليح أفرده بعضهم بالتصنيف.
كالجرجاني صاحب المعاياة وأبي حاتم القزويني قبله وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين.
"وللقاضي تقي الدين ابن رزين2 فيه مصنف حسن رأيت بعضهم ينسبه لابن الرفعة وهو خطأ وابن الرفعة أعلى مقامًا وأرسخ قدمًا من أن يشتغل بهذا النوع، ولكل فن رجال وإذا اشتغل الناس في الفقه عشواء سار ابن الرفعة في بياض المحجة وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة وإذا قنع الناس بالصدف لم يرض هو إلا بنفيس الجواهر وإذا وقفوا عند غاية لم يتطلب هو غاية يحاط لها بأول ولا آخر.
هذا وقد عرفناك أن فن الألغاز -في نفسه حسن؛ إلا أنه لا مدخل له في القواعد وقد كنت وضعت فيه مجموعًا ها أنا أتحفك منه بباب مفيد فأقول.
1 في "ب" ويكثر.
2 هو شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي، ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة وبرع في الفقه والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وأفتى وله ثمان عشرة سنة. توفي في ثالث من رجب سنة ثمانين وستمائة.
الطبقات الكبرى 8/ 46، الشذرات 5/ 368، النجوم الزاهرة 7/ 123.