الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطلاق في شيء مما ذكرناه لازم النقيضين؛ إنما الأشكال ويسببه سيقت هذه المسائل إذا قال: إن لم يقع عليك طلاقي الآن فأنت طالق الآن بهذا أقول: ينبغي أن لا يقع، وإن كان طلاقها لازم النقيضين.
وقد يعارضني معارض بما نقله الرافعي عن إسماعيل اليوشنجي أنه لو قال: أنت طالق حين لا أطلقك ولم يطلقها عقيبه. يقع الطلاق في الحال.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين قال مصنفه، سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان.
مسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية:
أعلم أنا لنا في أصول الفقه مصنفات اشتملت على قدر كبير من الفروع المخرجة على الأصول، من نظره عرف أنا لم نسبق إليه، ومن أحاط بما في كتبنا الأربعة وهي:
"شرح مختصر ابن الحاجب" و"شرح منهاج البيضاوي" و"المختصر المسمى" و"جمع الجوامع" والأجوبة على الأسئلة التي أوردت عليه المسمى "منع الموانع" من الفروع المخرجة على الأصول أحاط بسفر كامل "من ذلك" ونحن نذكر هنا مشيرًا بما ينبغي أن يدخل في الأشباه والنظائر ومما بعضه غير مذكور في كتبنا المشار إليها ونورده على ترتيب جمع الجوامع مستعينين بالله متوكلين مصلين على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
أصل:
التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة ومن ثم يختض بالواجب والمحرم، وقيل: طلبه، فيشمل معهما المندوب والمكروه وهذان القولان لأئمتنا وسكلت الحنفية طريق سبيل آخر فقالوا:
التكليف ينقسم إلى وجوب أداء وهو المطالبة بالفعل إيجادًا أو إعدامًا سواء خصصنا تلك المطالبة بالحكمين أم قلنا بدخول الأربعة، وإلى وجوب في الذمة سابق عليه، وعنوا بهذا القسم من الوجوب اشتغال الذمة بالواجب وإن لم يصلح صاحب الذمة للإلزام كالصبي إذا أتلف مال إنسان فإن ذمته تشتغل بالعوض ثم إنما يجب الأداء على الولي، وزعموا أن استدعاء التكليف الأول عقلًا وفهمًا للخطاب الأول، بخلاف الثاني.
قالوا: والأول يتلقى من الخطاب والثاني من الأسباب.
قالوا: فمستغرق الوقت بالنوم يقضي الصلاة مع ارتفاع فلم التكليف عن النيام.
قالوا: ولكن لما كان الوجوب مضافًا إلى أسباب شرعية دون الخطاب وجب القضاء، كذلك فطردوا ذلك طردًا عامًا في العبادات والعقوبات وزعموا أن سبب وجوب الصلاة الوقت والصوم الشهر، وهلم جرًا.
فليت شعري من هذه سبيله لم يمنع وجوب زكاة مال الصبي وأما علماؤنا فقالوا: لا يجب على المجنون إذا أفاق القضاء لأن الوجوب بالخطاب لا بالأسباب.
فإن قالوا لنا؛ فأنتم حينئذ أحق منا بعدم وجوب زكاة مال الصبي قلنا: لم نوجب على الصبي شيئًا وإنما أوجبنا في ماله والشارع نظر في الزكاة إلى الأموال لا إلى أصحابها، ومن أمعن نظرة في السنة وجد الأحاديث مشحونة بذلك كقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وقوله عليه الصلاة والسلام إن في المال حقًا سوى الزكاة1.
وللمسألة مآخذ غير ما ذكرناه.
فائدة:
الصحيح عندي أن الأحكام سنة الواجب والمندوب والحرام والمكروه [والمباح] 2 وخلاف الأولى.
وافترق خلاف الأولى مع المكروه اختلاف الخاصين، فالمكروه ما ورد فيه نهي مخصوص مثل:"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"3.
وخلاف الأولى ما لا نهي فيه مخصوص كترك سنة الظهر، فالنهي عنه ليس بمخصوص ورد فيه؛ بل من عموم أن الأمر بالشيء نهى عن ضده أو مستلزم للنهي عن ضده، وعند من يقول: ليسا نهيًا عن الضد ولا مستلزمًا، لعموم النهي عن ترك الطاعات. وقد فرق
1 أخرجه الترمذي 3/ 48- 49 كتاب الزكاة حديث "659- 660"، وقال هذا حديث إسناده ليس بذاك وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح وأخرجه البيهقي في السنن 4/ 84 وابن ماجه 1/ 570، كتاب الزكاة حديث "1789".
2 سقط في "ب".
3 متفق عليه من رواية أبي قتادة السملي. البخاري 1/ 537 الصلاة/ باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين "444" ومسلم 1/ 495 في صلاة المسافرين / باب استحباب تحية المسجد بركعتين "69/ 714"، وابن ماجة في السنن 1/ 323 واللفظ له.
الأصحاب بين خلاف الأولى والمكروه [في مسائل]1.
منها: [صوم يوم عرفة للحجاج خلاف الأولى] 2 وقيل مكروه.
ومنها: الخروج من صوم التطوع أو صلاته بعد التلبس "بغير عذر". مكروه، وقيل خلاف الأولى ومنها: نفض اليد في الوضوء مباح وقيل مكروه وقيل خلاف الأولى.
ومنها: حجامة الصائم إن لم نقل تفطر خلاف الأولى، وقيل مكروه3.
ومنها: تفصيل أعضاء العقيقة خلاف الأولى، وقيل: مكروه4.
ومها: عمارة [الدور] 5 ونحوها خلاف الأولى، وربما قيل: تكره.
ومنها: غسل المعتكف يده في المسجد [من] 6 غير طست قال في البحر:
مكروه وقيل خلاف الأحسن.
ومنها: يكره أن يقال لواحد غير الأنبياء: صلوات الله عليه، وقيل خلاف الأولى.
ومنها: إذا كان موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين ولم يرد تعليمهم أفعال الصلاة فخلاف الأولى، وقيل مكروه.
ومنها: لا ينظر غاسل الميت من بدن الميت إلا قدر الحاجة من غير العورة، أما العورة فحرام، وأما غيرها بلا حاجة فمكروه وقيل خلاف الأولى.
ومنها: الأصح يستحب ترت التنشيف في الوضوء، وقيل التنشيف مستحب وقيل مباح، وقيل مكروه، وقيل مطلقًا وقيل في [زمن] 7 الصيف.
ومنها: النثر الأصح خلاف الأولى، وقيل يكره، وقيل يستحب.
ومها: الشرب قائمًا بلا عذر، قال الشيخ الإمام: مكروه، وقال النووي خلاف الأولى، وأتقضى كلام الرافعي أنه مباح.
مسألة: "المعنى بصحة العقود ترتب آثارها عليها" ولا أقول: إن الصحة هي نفس
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 في "ب" مكروهة.
4 في "ب" مكروهة.
5 في "ب" الندور.
6 في "ب" في.
7 سقط في "ب".
ترتب الأثر كما قال غيري: لما قررته في منع الموانع وتكلمنا هناك على المبيع في زمن الخيار وبحثنا مع الشيخ الإمام بما لا نطيل بإعادته فرحمه الله وجزاه عنا خيرًا، فهو الذي فتح لنا باب مجادلته بفتح مغلق أذهاننا.
ونتكلم هنا على فرع عجيب: لو أقر بحرية امرأة في يد الغير ثم قبل نكاحها ممن هم في يده، وهي تدعي رقها قال الرافعي: لم يحل له وطؤها ولصاحبها المطالبة بالمهر. قلت: فهذا عقد صحيح لم يترتب عليه أثره، وهو على من جعل الصحة ترتب الآثار [أشكل منه علي لأني أنا أجلعه علة ترتب الأثر] 1 وقد يختلف المعلول عن علته لمانع، وأما من يجعله نفس الترتيب فقد لزمه إن وافق على هذا الفرع -أن يكون هذا العقد صحيحًا غير صحيح، وهو محال غير أن في الفرع [نفسه] 2 إشكالًا، ومن ثم ذهب الشيخ الإمام رحمه الله إلى أهه لا يصح، قال:[لأنه] 3 الحل، وليس فيه افتداء، والمهر غير مقصود في النكاح؛ بخلاف الأجرة في الإجارة، وفصل النووي بين أن يقر بأن التي هي في يده أعتقها ولم يكن لها عصبة فيصح تزويجه؛ لأنه إما مالك وإما مولى حرة أو لا فلا يصح.
وقال الشيخ الإمام ينبغي أن لا يصح أيضًا إلا أن يكون ممن يحل له نكاح الأمة لأن أولادها يسترقون كأمهم، وأقول قد يقال لا يصح وإن حل له نكاح الأمة لأنه لا يدري أيطؤها بعقد نكاح الحرائر أو الإماء تخريجًا من نظيره في الأمة إذا اشتراها زوجها هل تحتاج إلى استبراء؟ وقال الماوردي: في هذا الفرع: يحل له نكاح هذه الأمة وإن كان غير خائف العنت وواجد طول حرة.
فرع آخر: لو اتفق الغاصب والمغصوب منه على أن المالك يأخذ عن قيمة الحيلولة جارية وعضوها الغاصب له، جاز، وهل يجوز وطؤها؟
قال ابن أبي الدم "تفقهًا من عند نفسه" إن قلنا: لا يملك القيمة لم يجز، وإلا؛ ففيه تردد هل يكون ملكًا تامًا مسلطًا على الوطء؟
وحكى الشيخ الإمام هذا التفقه في شرح المنهاج وسكت عليه، وهذا الفرع ليس كالذي قبله؛ لأنه4 من لازم الملك حل الوطء، بخلاف عقد النكاح، فإن مقصوده
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 في "ب" لأنه ليس من....
الوطء، ثم ما ادعاه ابن أبي الدم من أنه لم يصادف هذا الفرع منقولًا لعله كلام من لم يقف على كلام الماوردي فيما إذا كان موضع المغصوب معلومًا أن المالك يملك القيمة ملكًا مستقرًا، وحكى في استقرار الملك إذا كان الموضع مجهولًا وجهين.
وقضية استقرار الملك حل الوطء؛ غير أن في قول القاضي الحسين أن المالك يملك القيمة ملك فرض، لأنه ينتفع [به] 1 على حكم رد العين ما قد ينبي على أنه لا يجوز الوطء كما في الفرض.
مسألة 2:
اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وسائر الأسماء والمشتقة "كفعيل ونحوه" حقيقة في الحال.
ونعنى بالحال حال تلبس الفاعل ونحوه واتصاله بالمعنى المشتق منه، فإذا قلت: زيد ضارب أو مضروب، فهو حقيقة في حال اتصاف زيد بالضاربية أو المضروبية سواء كان متصفًا به في وقت إطلاقك اللفظ أم لم يكن بل سواء كان يزيد موجودًا وقت إطلاقك أم لم يكن ألا ترى أن قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} 3 حقيقة في كل متصف بالزنا وإن كانت الآية قديمة موجودة من قبل أن يخلق الله الزناة، ونزولها سابق على الزناة المحكوم عليهم بحكمها.
وهذا فصل معروف بالإشكال أطال الشيخ الإمام في تقديره وتحريره في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} 4 وذكر ما شذ به أبو العباس القرافي وذهب إليه من أن المؤمن إنما هو بحسب إطلاق اللفظ وما أورده على نفسه من لزوم أن تكون الآية ونظائرها مجازًا فيمن اتصف بالصفة قبل نزولها، وما أجاب به، ولم نرفض كلامه رأسًا؛ فمن أراد من أهل الفهم والتحقيق أن يهذب نفسه ويروضها حتى تصغر عنده، فلينظر هذا الفصل من كلام ذلك الحبر ليرى النجم كيف يسير في سماء التحقيق، وحاصل اختباره ما ذكرته من أن الاعتبار بحال الاتصال، وأنه لا يعرض له الزمان البتة؛ وإنما يقع الزمان تبعًا، فلا يدل ضارب على غير شخص متصف بالمصدر
1 في "ب" بها.
2 من قوله: مسألة اسم الفاعل إلى قوله: وجزم به الماوردي في الحاوي. سقط من "ب".
3 النور "2".
4 الطور "17".
المشتق منه؛ وذلك هو مدلول الأسماء كلها، فإذا لم يدل على الزمان الأعم لم يدل على الأخص بطريق الأولى.
فإن قلت: فمن يفهم من قولنا: "زيد ضارب" أنه ضارب في الحال"؟، ولولا الدلالة على الزمان لما فهم هذا.
قلت: ليس ذلك لدلالته على الزمن؛ ألا ترى أنك تقول: هذا حجر، ففهم منه الحال أيضًا مع كون الحجر لا يدل على الزمن، بل لما سنذكره.
فإن قلت: اسم الفاعل يدل على الفعل، والفعل يدل على الزمان، والدال على الدال دال.
قلت: يكفيك أولًا قول النحاة: إن اسم الفاعل يسلب الدلالة على الزمان، ونقول: المعتبر في دلالة الالتزام اللزوم الذهني، وهو ممنوع هنا، وبتقدير تسليمه لا يضر، لأن المعنى مطلق الزمان لا خصوص زمان معين من ماض أو حال أو استقبال، والفعل يدل على خصوص الزمان؛ فليس كالاسم.
فإن قلت: أخبرتم أنه حقيقة في الحال، والحال [زمن ماض]1.
قلت: إنما مدلوله متصف بالفعل كما قدمناه حاضرًا كان أو ماضيًا أو مستقبلًا بالنسبة إلى زمن الخطاب وهذا المدلول مركب يفيد الاتصاف بالفعل؛ فمتى لم يكن لذلك الفعل وجود فلا يصح إطلاق اللفظ عليه لعدم مدلوله، ومتى اتصف بالفعل في زمان بقي ذلك الزمن المدلول حاصلًا، وإطلاق اسم الفاعل عليه حقيقة، لأنه استعمال اللفظ في مدلوله وإطلاقه قبل حصوله باعتبار توقع حصوله مجاز، لأنه في غير موضوعه، لأنه لما وضع المركب من جزأين موجودين أحدهما الفعل، وليس هنا ذكر إطلاقه بعد حصوله على المختار.
وهذا التقسمي ليس بالنسبة إلى وقت الخطاب، بل إلى وقت المعنى المقتضي للاشتقاق؛ وإنما تطرقت للحقيقة والمجاز البتة من جهة الإطلاق على الموضوع وعلى غير الموضوع، فموضعه هو المركب وقت التركيب؛ فإن أريد كان حقيقة وإن لم نتكلم به في ذلك الوقت وإلا فمجاز فإن تكلم به في ذلك الوقت قال الشيخ الإمام: "والخلاف
1 سقط في "ب".
راجع إلى أن حالة اقتران الفعل بالشخص هل هي شرط من المدلول؟ ولا صحيح اشتراطها بضرورة التركيب، فلذلك اعتبر الحال، وليس ذلك معتبرًا، لكون الزمان مأخوذًا في موضعه، ولكن لأن اللفظ موضوع للمركب، وحقيقة المركب عقلًا تستدعي وقت التركيب؛ فكان ذلك الزمان شرطًا لوجود المدلول المصحح للاستعمال الحقيقين فهذا معنى قولنا: إطلاق اسم الفاعل باعتار الحال حقيقة أي أنه مقصود به الحال التي وجد مدلوله فيها وهي حال قيام المعنى به إذا عرفت هذا فعلى الخلاف في أن اسم الفاعل حقيقة في الحال مجاز في الماضي أو مجاز فيهما مسائل منها: إذا قال القاضي المعزول امرأة القاضي طالق ففي وقوع الطلاق عليه وجهان في فروع الطلاق عن أبي العباس الورياني ومنها: لو قال أنا مقر بما يدعيه كان إقرارًا بخلاف أنا أقر لصاحبه أقر للاستقبال.
ومنها: قال العبادي: "لو وقف على سكان هراة نغاب واحد سنة ولم يبع داره ولا استبدل بها لم يسقط حقه" وسكت عليه الرافعي والنووي.
فإن قلت سكان جمع ساكنن وهو اسم فاعل وحقيقيته الحال، والغائب غير ساكن، بدليل قول الأصحاب:"لو حلف لا يسكنها فخرج في الحال لم يحنث ولو بغير نية التحول" قلت: بل هو عنده ساكن وإن غاب والمسكن يستند إليه؛ فيقال مسكن فلان، ولذلك قال: ولا باع ولا استبدل وحلف لا يسكن فخرج في الحال.
ومنها: إذا حلف لا يدخل مسكن فلان فدخل ملكًا له لا يسكنه، فأوجه؛ ثالثها. إن كان سكن في المضاي ساعة حنيث، وإلا فلا.
ومنها: في فتاوى القاضي الحسين أنا أبا عاصم العبادي سئل عن رجل له ثلاثة عبيد، ولا عبيد له وساهم -فقال: أحد عبيدي حر، ثم قال: أحد عبيدي حر ثم قال أحد عبيدي حر؛ فأفتى بعتق الكل، ولو قال أحد هؤلاء، لم يعتق إلا واحد.
فرق بأن لفظ العبيد يختص بالمملوك، بخلاف "بهؤلاء".
وأن القاضي الحسين قال في المسألتين: "لا يعتق إلا واحد، لأن قوله ثانيًا: "أحد عبيدي حر" يقتضي أن يكون له عبيد وليس له إلا عبدان.
قلت: ونظر القاضي دقيق؛ غير أن العبادي لعله نظر إلى إطلاق فعيل، وهو لفظ "عبيد" بمعنى الماضي، فيكون استعماله مجازًا، لأن أقل الجمع ثلاثة، ولا بد أن تكون
صورة المسألة أن يتراخى الزمان بين الكلامين كل جملة للتأسيس، وعلى ذلك دل لفظ "ثم" فإن تعاقبت الجمل لفظصا وقد التأكيد تعين أن لا يعتق إلا واحد.
ولو كان له أكثر من ثلاثة أعبد، فإن أطلق فيتخرج الكلام فيه فيما إذا قال:"ثلاث مرات": أنت طالق.
مسألة:
ظهر لك بما حققناه في المسألة قبلها أن الفاعل لا بد أن يكون بحيث يقوم به الفعل ثم إطلاقه حالة القيام حقيقة قبلها مجاز، وكذا بعدها على الصحيح، فلا بد في كل حال أن يكون بحيث يتصل بالفعل، ومن ثم "لا يشتق اسم الفاعل من شيء وافعل قائم بغيره". وخالفت المعتزلة في ذلك فراغمت اللسان وخالفت صريح القرآن، وأتت في مسألة الكلام بعظيمة في الأديان، والمسألة تذكر في أصول الدين وأصول الفقه، وعليها مسائل:
منها: حلف لا يبيع أو لا يحلق رأسه فأمر غيره، فالأصح لا يحنث؛ إذ ليس ببائع ولا بحالق، وقيل: يحنث فيهما، وقيل في الحلاق فقط للعادة.
تنبيه:
إذ ثبت أن اسم الفاعل حقيقي في الحال وتعذر الحمل على الحقيقية؛ فقد يدور الأمر بين الماضي والمستقبل "فيكون الحمل على الماضي أرجح ما لم يتعين المستقبل بدليل، لأن استعماله بمعنى الماضي أقوى منه بمعنى المستقبل".
فصل: وقد يدور بين ماضيين، فعلى أيهما يحمل؟ أعلى أقربهما زمانًا؟ أم على أبعدهما؟ أم يستويان، لأن كلا منهما ماض؟
لم أر لأحد "في هذا" كلامًا، والذي يترجح عندي الحمل على أقربهما إلى حال الحقيقية زمانًا.
ويظهر أثر هذا في مسألة حسنة إذا قررتها لك نظرات هنا إلى أمثالها.
فأقول: قال صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعة إذا وجد بعينه" هذا اللفظ رواية الشافعي1، والحديث عمل به في رجوع البائع إلى عين ماله عند إفلاس المشتري حيًا كان أو ميتًا، ومن بينة الحنفية عليه قولهم: "صاحب المتاع
1 متفق عليه البخاري 5/ 62 في الاستقراض / باب إذا وجد ماله عند مفلس "2405" ومسلم 3/ 1194 في المساقاة/ باب من أدرك ما باعه عند المشتري 24/ 1559.
حقيقة في الحال" فليحمل على المفلس عنده عارية أو وديعة أو غصب، فصاحبه أحق به.
قالوا: "وإلا فصاحب المتاع حقيقة هو المفلس، لأنه المالك الآن، فلا يرد إلى بائعه إلا بدليل".
وهذه شبهة ضعيفة من وجوه.
منها: في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "إذا وجده" هذه قرينة أن مراده بصاحب المتاع البائع لا المشتري، وقد شهد لهذا لفظ صحيح مسلم في الرجل يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يعرفه أنه لصاحبه الذي باعه، ووردت ألفاظ أخرى صريحة في أن المراد بصاحب المتاع الذي كان صاحبه لا المفلس.
وقد رد الشيخ أبو حامد في "التعليقة" عليهم في حملهم صاحب المتاع على المعير والمودع وصاحب العين المغصوبة بثلاثة أوجه.
أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم جعل الإفلاس شرطًا في كونه أحق، قال:"والإفلاس فيما حمل الخبر عليه ليس شرطًا في الاستحقاق، لأن "في الأحوال كلها" المغصوب منه والمودع والمعير أحق بعين ماله أفلس من في يده أو لم يفلس.
والثاني: أنه قال: "إذا وجده بعينه" وفيما ذكروه من الصور هو أحق به وجده بعينه أو متعيرًا بنقصان أو زيادة.
والثالث: لفظ "أحق" أفعل تفضيل يقتضي الاشتراك في الأصل، وليس للمفلس فيما ذكروه في الصول حق بالجملة الكافية.
ولسنا الآن للمسألة الخلافية، إنما غرضنا أنه إذا ثبت من أصولنا أن صاحب المتاع المعنى به هنا البائع، فلو أن المشتري باع العين ثم اشتراها ولم يوف واحدًا من البائعين ثمنه وأفلس فأي البائعين أحق؟
الأول لسبق حقه، أم الثاني لقربه، أم يشتركان نصفين؟
فيه وجوه لأصحابنا أرجحها عندي الثاني وهو ما ذكره الإمام في النهاية أنه القياس، وجزم به الماوردي في "الحاوي"] .
مسألة:
الفرض والواجب مترادفان خلافًا لأبي حنيفة "حيث" أنزل رتبة الواجب عن الفرض.
وهنا كلمتان:
إحداهما: لولا دعوى أبي حنيفة التغاير لمالت نفسي إلى وجوب صلاة الكسوف، لأن الأحاديث آمرة بها؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم:"إذا رأيتم ذلك فصلوا" 1 وظاهر الأمر الوجوب، وعليه دل قول الشافعي رضي الله عنه في "الأم": ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا لمقيم ولا لأحد جاز له أن يصلي بحال.
وفي مختصر المزني: "ولا يجوز تركها لمسافر ولا لمقيم" والعبارتان صريحتان في الوجوب، وإليه ذهب بعض الحنفية، وحكاه القاضي السروجي2 -منهم- عن صاحب الأسرار؛ غير أن تفرقتهم بين الوجوب والفرض منعت من موافقتهم، لأنا على قطع بأن الشافعي رضي الله عنه إن أراد حقيقة الوجوب فلا يعني به الوجوب الذي تعنيه الحنفية؛ إنما يعني به الفرض، ثم الفرض لا نعلم أحدًا قال به، فلم يمكن الإقدام عليه، واحتج إلى ركوب الشطط في تأويل عبارة الشافعي- فمن قائل:"أراد يكره تركها لتأكدها" واعتصم هذا القائل بقوله: ولا أحد جاز له أن يصلي بحال- قال لأن هذه العبارة يدخل فيها العبد والمرأة والمسافر، وهم لا تلزمهم الجمعة فكيف نوجب عليهم الكسوف؟ قلت: ولو ذهب ذاهب إلى وجوب الكسوف عليهم دون الجمعة مفرقًا بتكررها والحرج في وجوبها عليهم بخلاف الكسوف لم يكن مبعدًا، ومن ثم لا يتجه هذا التأويل.
ومن قائل: قد أوضح الشافعي في "البويطي" مراده فقال في الكسوفين ما نصه: "لأنهما ليسا نافلتين ولكنهما واجبان وجوب سنة. انتهى.
قال هذا القائل: فأراد تأكد الأمر بهما، وقوله "وجوب سنة" كقوله:"غسل الجمعة واجب على كل محتلم".
1 البخاري 1/ 569 في الكسوف / باب الصدقة في الكسوف "1044" ومسلم 2/ 618 في الكسوف / باب الصلاة الكسوف "1/ 901".
2 أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي أبو العباس شمس الدين كان حنبليًا ثم تحول إلى المذهب الحنفي وأشخص من دمشق إلى مصر فولي الحكم الشرعي فيها ونعت بقاضي القضاة، وسروج نسبته إلى سروج بنواحي حران من بلاد الجزيرة، توفي في ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة.
الطبقات الكبرى 1/ 300، الدرر الكامنة 1/ 91.
رفع الأصر 1/ 50، الأعلام 1/ 86.
قلت: وهذا أبعد من الأول. وظاهر وجوب السنة أن الوجوب ثابت بالسنة، وفي قوله "ليسا نافلتين" ما [يؤيده] 1؛ إلا أن يقال: إن [أمر] 2 الله للوجوب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم للندب، وهو مذهب في الأصول ضعيف، فلا أعلم في كلام الشافعي أشكل من هذه العبارة، وفي كلامه في الأم غير موضع يشبه الكسوف بالمكتوبات وذلك مما يؤيد الوجوب، ويؤيد الوجوب أيضًا القاعدة التي قدمناها في أوائل هذا الكتاب أن ما كان ممنوعًا لو لم يشرع دلت مشروعيته على وجوبه. وركوعان في كرعة ممنوعان لو لم يشرعا فليدل ذلك على وجوبه، فلو ذهب إليه ذاهب بحيث أكون آمنًا من خرق الإجماع لقلت به ولكني لا أعرف قائلًا به غير ما حكيته عن الحنفية، وليس "فيهم"3 معتصم؛ لأنهم يفسرون الوجوب بغير ما نفسره، ثم لا يوافقون على تغيير هيئة صلاة الكسوف عن بقية الصلوات الثابتة.
[تنبيه] 4: فرض العين لا يؤخذ عليه أجرة
ومن ثم مسائل:
منها: لو قال: صل الظهر لنفسك [ولك] 5 دينار فصلى أجزأته صلاته قاله الرافعي في كتاب الظهار وكلامه كالصريح في أنه لا يستحق الدينار، وهو الحق.
ومنها: الأصح وجوب بذل فضل الماء للماشية، وأنه لا يجوز أخذ عوض عنه، وتردد الشيخ الإمام الوالد في الآدمي، وقال:"ينغبي أن يجب العوض، لأن المعنى في الماشية تتبع الكلأ، وهو مفقود فيه" قال: "وفيه نظر".
ومنها: لا يجوز استئجار مسلم للجهاد، لأنه بحضور الصف يتعين، وعن الصيدلاني أنه يجوز ويعطي الأجرة من سهم المصالح.
ومنها: على قول [الإجبار] 6 في وضع الجذوع لو صالح على مال لم يجز، قالوا: لأن من ثبت له حق لا يجوز أخذ عوض منه عليه.
ومنها: من تعين عليه قبول الوديعة، كمن لم يكن هناك غيره وخاف إن لم يقبل
1 في "ب" يريده.
2 سقط في "ب".
3 في "ب" فيه.
4 في "ب" قلت.
5 في "ب" ولك علي.
6 في "أ" الاحتمال، والمثبت من "ب".
هلاكها، قال صاحب المرشد: لا يجوز له أخذ أجرة الحفظ، لتعينه عليه، ويجوز أخذ أجرة مكانها".
قلت: ويشهد له ما نقله الرافعي عن أبي الفرج أن الواجب أصل القبول دون إتلاف منفعة نفسه، وجوزه في الحفظ [من] 1 غير عوض؛ غير أن صاحب المرشد يصرح بأن نفس الحفظ لا تؤخذ عليه أجرة وأبو الفرج يقول: تؤخذ، وإلهي يميل بحث الرافعي.
وخرج ابن الرفعة في المسألة في أن من تعين عليه تعليم امرأة الفاتحة هل يجوز أن يجعل [ذلك] 2 صداقها؟ ومن أنقذ غريقًا مع اتساع الزمان لطلب الأجرة، هل يستحقها؟ ونظائرهما.
قلت: أما أصل القبول فليس عملًا يقابل حتى يقال: هل تؤخذ عليه أجرة؟ وإنما العمل الحفظ. والأشبه جواز الأخذ فيه، وإن تغير كما مال إليه الرافعي.
تنبيه: يستثنى من هذه القاعدة مسائل منها: الأصح جواز أخذ العوض عن تعليم الفاتحة وإن تعين.
ومنها: الأصح جاز أخذ عوض الطعام الذي يأكله المضطر.
ومنها: قال القاضي الحسين: إذا دعت الضرورة إلى إعارة الدلو والرشاء وجب بالعوض.
[قاعدة] 4:
"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
ومن [ثم] 5 مسائل:
منها: إذا خفي عليه موضع النجاسة من الثوب أو البدن غسله كله، ولو خفي عليه
1 في "ب" في.
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 سقط في "ب".
5 سقط في "ب".
موضع النجاسة من الدار فوجهان "في الروضة"1 أصحهما أنه كذلك يغسلها كلها، والثاني: أنه يتحرى ويصلي فيما يظن طهارته ولا يلزمه غسلها كما لو تيقن أن موضعًا من الصحراء نجس؛ فإنه يصلي إلى [أي] 2 موضع شاء.
ومنها: إذا نسي صلاة من الخمس لزمه أن يصليها.
ومنها: إذا اختلطت زوجته بأجنبيات محظورات وجب الكف عن الجميع.
ومنها: إذا اكترى3 دابة للركوب فقال الأكثر: على المكري4 الإكاف والبردعة والحزام وما ناسب ذلك؛ لأنه لا يتمكن من الركوب دونها.
ومنها: مؤنة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤنة إحضار المبيع الغائب، ومؤنة وزن الثمن على المشتري، وفي أجرة نقد الثمن وجهان.
ومنها: إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل أن يختار وجب على جميعهن العدة، وتعتد الحامل منهن بالوضع والصغيرة والآيسة أربعة أشهر وعشرات، وذات الأقراء بأقصى الأجلين.
مسألة:
فرض الكفاية مهم من مهمات الوجود سواء كانت دينية أو دنيوية قصد الشارع وقوعه ولم يقصد بالذات عين من يتولاه. ولكن بالفرض إذ لا بد للفعل من فاعل.
وهذا المهم منه ما لا يمكن تكرره لحصول تمام المقصود منه بالفعل الأول كإنقاذ الغريق فلا يمكن إنقاذ من أنقذ، ومنه ما يمكن تكرره ويتجدد بتكرره مصلحة كصلاة الجنازة والاشتغال بالعلم، وهو ضربان.
أحدهما: مجدد منضبط لا ينفصل بعضه عن بعض ولا يحصل الغرض منه إلا بجملته، فتكرر هذا معناه الإتيان بالشيء مرة بعد أخرى وذلك كصلاة الجنازة، فإن بعضها لا ينفصل عن بعض، ولو انفصل بطل ولم تكن صلاة.
والثاني: منتشر لا يمكن انفصال بعضه عن بعض ويحصل بكل بعض منه مقصود من مقاصد الشرع.
1 في "ب" في الروضة وغيرها.
2 سقط في "ب".
3 في "ب" أكرى.
4 في "ب" والإكاف.
فما لا يمكن تكرره لا نتكلم على الثاني منه إذ لا ثاني له، وما يمكن تكرره وهو منضبط فمريد فعله ثانيًا إن كان غير الذي فعله أولًا1 يمنع؛ بل يستحب له ذلك، ثم نصف فعله بالفرضية وهذا كمن قصد الصلاة على الجنازة بعدما صلى عليه غيره، فإن الفرض منها وإن كان هو ففيه تردد وخلاف شهير والأصح عندنا أن من صلى لا يعيد وسنذكر سره.
وأما القسم الثالث: فيطلب من كل واحد، وقد يقول المحقق: إنه لا تكرر فيه البتة؛ لأن الذي يحصله [هذا] 2 غير الذي يحصله هذا، والذي يحصله أولًا غير الذي مهمات. أحدهما: تعين هذا الفرض على من شرع فيه، وذلك في القسم الأول ظاهر، وأما القسمان الآخران: فمنهم من أطلق القول بتعينه، ومنهم من أطلق القول بعدم تعينه، والصحيح أنه لا يلزم بالشروع إلا الجهاد وصلاة الجنازة، وإذا تأملت الأقسام التي ذكرتها عرفت الفرق.
وادعى ابن الرفعة في باب الوديعة من المطلب أن المشهور أنه يلزم بالشروع، واستدرك بذلك على الرافعي قوله: متى أراد المودع أن يمتنع من القبول؛ لأنه متبرع بالحفظ فقال: هذا إذا لم يكن في وقت يخاف عليها الهلاك فيه فإن كان فيظهر أن لا يجاب إلى ذلك إن كان يجب عليه القبول في تلك الحالة ابتداء، لانفراده بالصيانة قال: بل ينبغي أن يكون كذلك وإن كان لو أخذها غيره لحفظت عن الهلاك، لأن الأخذ في هذه الحالة فرض كفاية، وهو قد أخذها فكان كما لو شرع في فرض الكفاية لا يجوز له الخروج منه على المشهور. انتهى.
وأقول: هذا صحيح إذا تعين عليه أخذها، أما إذا كان هناك غيره فهو فرض كفاية، لا يلزم بالشروع نعم قد يقال بجريان الخلاف فيه.
ومن مسائل الفصل قطع المأموم القدوة. أطلقوا فيه أقوالًا ثلاثة أصحها أن له ذلك بعذر وبغير عذر كذا أطلق الأكثرون الخلاف منهم الرافعي وهو على طريقهم واضح، لأن الجماعة سنة، ولذلك علل الرافعي الجواز بأن الجماعة سنة، والتطوعات لا تلزم
1 في "ب" لا يمنع.
2 سقط في "ب".
بالشروع، وتابعهم النووي في إطلاق الخلاف؛ فهو يرى أنها فرض كفاية فكان من حقه أن يخرج فيها الخلاف في لزوم فرض الكفاية بالشروع، ومن أجل ذلك قال الوالد رحمه الله:"إن قلنا فرض كفاية فقد يقال: إنها تلزم بالشروع" قلت: لا بد أن يطرقها الخلاف في لزوم هذا الفرض بالشروع ولعل الأرجح هنا اللزوم لفحش المفارقة، وقد يعتذر عن النووي بأنه لعله رأي عدم لزومه بالشروع فأطلق على الأصح.
الثاني: إذا طلب فرض الكفاية من واحد فهل يتعين عليه؟ فيه خلاف لا على الإطلاق بل في صور.
منها: إذا طلب أداء الشهادة من بعض المتحملين وفي القوم أكثر من اثنين.
ومنها: إذا دعي للقضاء من هناك غيره.
ومنها: إذا طلبت المرأة من أحد الإخوة تزويجها.
ومنها: إذا طلبت الفتيا ممن هناك غيره.
سؤال: القادر على حفظ الوديعة الواثق بأمانة نفسه. قال الأصحاب: يستحب له قبولها "وقد قدمنا عن ابن الرفعة أن قبولها والحالة هذه من فروض الكفايات فقد يقال: هلا جرى في تعيينه الخلاف في الصوف التي عددناها؟
والجواب: أنا لا نعرف عد هذا فرض كفاية لغير ابن الرفعة، والفرق بينه وبين ما عددناه من الصور ظاهر، أما طلب الأداء من بعض المتحملين فإنما يتعين لأنه بالتحمل ربط نفسه وعلق بها حقًا للغير؛ وإنما نظير مسألتنا أصل التحمل ولا يجب على من طلب منه التحمل وهناك غيره أن يتحمل. فإن قلت: حكى الأصحاب وجهين فيما إذا كان هناك غير المفتي هل يأثم بالرد؟
قلت: أصحهما عدم الإثم، والفرق بينه وبين الواقعة فيها شهود ما ذكرناه من توريطه نفسه [بالتحمل1.
فإن قلت فهلا جرى الوجهان وإن كان أصحهما عدم الإثم فيمن طلب منه التحمل وهناك غيره وإن جوزتم جريانهما فالمسألة نظير الوديعة وإن أبيتم فهل من فارق.
1 سقط في "أ" من قوله: بالتحمل
…
إلى قوله: في تعيين الفتيا على من.
قلت: وذكرت في باب الاجتهاد من شرح المختصر أن في الفرق عمومًا وأنا أبين الفرق الآن.
فأقول: إنما لم يجز لأن أمر الفتيا أهم في نظر الشارع من تحمل الشهادة، لتعلق الفتيا بأمر الدين وبعموم الخلق، وأما الشهادة فغالب متعلقها أمور الدنيا، وهي خاصة بالآحاد، وشأن فرض الكفاية أن يكون مهمًا من مهمات الشارع؛ وذلك في الفتيا، لأن في عدم التعيين جر إلى التواكل المفضي إلى ضياع الدين وجهل المكلفين بأحكام رب العالمين، ولا كذلك أداء الشهادة، فإن غايته ضياع حق دنيوي لبعض الآحاد، فأنى يستويان.
ونظير الشهادة قبول الوديعة؛ فليس يؤول عدم قبولها لأكثر من ضياعها، وليس ضياع مال حقير أو جليل لواحد من الآحاد في نظر الشارع بمنزلة ضياع الدين.
فإن قلت: هذا يجر إلى أن تحمل الشهادة ليس فرض كفاية، ولا قائل به.
قلت: الفروض على الكفاية أصل التحمل، وهذا لا يقدح فيه، ثم فروض الكفاية متفاوتة المراتب فلا يلزم من تعين أعلاها بالطلب تعين أدناها.
ونظير الفتيا إذا دعي للقضاء من هناك غيره فإن ولايات القضاء ضرورية في نظر الشارع، ومن حيث إنها أهم من الفتيا بل هي فتيا وزيادة كان الخلاف في تعينه على من طلب منه أقوى من الخلاف في تعين الفتيا على من] طلبت منه فيما يظهر وإن اشتركا في أن الصحيح فيها عدم التعيين ويدل على أن أقوى أن الأصح إجبار واحد على القضاء إذا أبى الصالحون جميعًا.
وأما أحد الأولياء يطلب منه تزويج المرأة [فواضح]1.
مسألة:
السنة والنافلة والتطوع والمستحب والمندوب والمرغب فيه والمرشد إليه والحسن والأدب ألفاظ مترادفة عند فقهائنا.
ومنهم من قال: السنة ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمستحب ما فعله أحيانًا، والتطوع ما ينشئه الإنسان ابتداء مما فعله أرجح من تركه مثل [الشروع] 2 في ألفاظ المعاملات، وهنا أقاويل مختلفة والحاصل: أن ما رجح جانب فعله على جانب تركه ترجحًا
1 سقط في "ب".
2 في "ب" التبرع.
ليس معه المنع من النقيض فهذه الأسامي تطلق عليه، ثم إن بعض الترجحات أكد من بعض فخص الآكد ببعض الألفاظ. وما دونه بلفظ آخر اصطلاحًا وأنزل الدرجات الأدب فإنه ما ترجح ترجحًا يسيرًا ومصلحته دنيوية وأعلاها السنة. وقد صرح الشافعي رضي الله عنه بالتفرقة بين الأدب والسنة؛ حيث قال: فيما رواه الربيع: "في الأكل أربعة أشياء فرض [وأربعة سنة] 1 وأربعة أدب.
فالفرض: غسل اليدين والقصعة والسكين والمغرفة.
والسنة: الجلوس على الرجل اليسرى، وتصغير اللقم، والمضغ الشديد، ولعق الأصابع.
والأدب: أن لا تمد يدك حتى لا يمد من هو أكبر منك، وتأكل مما يليك، وتقل النظر في وجوه الناس، وتقل الكلام.
وقد يختلف [الأصحاب] 2 في الشيء أسنة أم أدب؛ وذلك في مسائل.
منها: [مسح الرقبة في الوضوء، وفي الشيء أسنة هو أم مستحب وذلك في مسائل] 3 منها: غسل العينين في الوضوء سنةن وقبل مستحب والأصح لا يفعل.
مسألة:
الأمر بواحد من أمور معينة كأهل الشورى الذين جعل عمر الفاروق رضي الله عنه الأمر فيهم مستقيم، ومتعلق الوجوب لا تخيير فيه، ومتعلق التخيير لا وجوب فيه.
هذا هو التحقيق، ومثل له، أيضًا بخصال الكفارة، وادعى المعتزلة وجوب الجميع، وخرج الماوردي على الخلاف من مات وعليه كفارة مخيرة لم يوص بإخراجها فعدل الوارث إلى أعلى الخصال وهو العتق فأعتق فهل يجزئ؟ وزعم أنه لا يجزئ إلا على قول تعلق الوجوب بالجميع، أما إن علق بالبعض قال فلا يجزئ؛ لأنه لم يتعين في الوجوب، وهذا فيه نظر، لأنا نقول مثله [عند] 4 فعلى أدناها إذا لم يتعين أيضًا، فإن كان وجه عدم الأجزاء عدم التعيين لم يختص بالعتق، وإن كان العدول إلى الأعلى مع
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 من قوله: مسح الرقبة. إلى وذلك في مسائل. سقط في "ب".
4 في "ب" قد.
إمكان براءة الذمة بالأدنى فهذا مأخذ سوى ما نحن فيه ثم [إنه] 1 لا يتجه إذا كان المخرج هو الوارث.
وسلك الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في رجوع المعير للبناء على القول بأنه يخير بين الخصال الثلاث مسلك وجوب واحد لا بعينه [فقال] 2 في باب الصلح: الثابت للمعير حق الرجوع في العارية على وجه لا يضر، وهو حاصل في كل خصلة منها؛ فلا تتعين واحدة، كالقول في خصال الكفارة، وهل يقال: كل منها واجب أن الواجب أحدهما، فيه ما في خصال الكفارة.
قلت وإذا تم هذا فقد يقال: إن قلنا: الواجب كل واحدة أجبر المستعير على ما يعينه المعير من الخصال؛ فإن عين البيع أجر على البيع أو التبقية بأجرة فكذلك عند من يقول بهما.
وإن قلنا: الواجب أحدها لم يجبر المستعير، وله أن يقول للمعير: أنت متمكن من القلع بالأرض فلا ترهقني بيعًا ولا إجارة وهي قضية كلام البغوي وغيره ممن ذكر أن كلا من البيع والإجارة يستدعي إسعاف المستعير به، وإذا تم هذا نتجت لنا فائدة الخلاف الأصولي؛ فإن الواجب أحدها أو كلها.
مسألة:
يجوز أن يحرم واحد مبهم من أشياء معينة خلافًا للمعتزلة وهي كالواجب المخير خلافًا وحجاجًا؛ غير أن الأمر المخير يتعلق بمفهوم أحدها، والخصوصيات بمتعلق التخيير ولا يلزم من إيجاب القدر المشترك إيجاب الخصوصيات، والنهي المشترك يلزم منه تحريم الخصوصيات، إذ بحل واحد يلزم وقوع المحذور.
وهذا شيء ذكره القرافي، وقد حكيته عنه في شرح المختصر، وقد أخذه من قولهم: إن النهي عن نوع يستلزم النهي عن كل أفراده؛ إذ في كل فرد المنهي، مثل: لا تزن فلا شيء من الزنا بحلال، [وإلا] 3 لصدق أنه زنا، والأمر على هذا الوجه.
غير أن قومًا يتلقفون ذلك من كون أن النكرة في سياق النفي للعموم وآخرون يتلقفون من أن النهي عن الكلي يستلزم تتبع أفراده، وهي مسألة الخلا ف بيننا وبين الحنفية هل عموم النكرة في سياق النفي لذاتها أو لنفي المشترك بينهما.
1 سقط في "ب".
2 في "ب" قال.
3 في "ب" ولا.
وهذا بخلاف الأمر مثل: صل فإنه صادق بصورة؛ فمن ثم افترقا ومنه ذكر القرافي [في] 1 هذا الكلام.
وأقول: هذا كلام واضح إذا كان المنهي مبهمًا من أمور معينة لا واجب فيها، فإذا كان أمران [حرم] 2 أحدهما مبهمًا وأوجب الآخر مبهمًا ويفرض ذلك في مضطر وجد سمكًا ولبنًا فقال له قائل: كل السمك أو أشرب اللبن فقد منعتك عن أحدهما مبهمًا وأمرتك بالآخر مبهمًا فإن أنت جمعت بينهما تركًا أو فعلًا كنت آثمًا.
فها [هنا] 3 كيف يقال: النهي عن أحدهما نهي عن كل منهما فالصواب أن ما ذكره القرافي إنما هو في نحو: لا تزن، وما أشبه من نهي على قدر مشترك بين [الأشياء] 4 لا تعلق للخصوصيات به ذاتًا، وكلامنا في المبهم الذي يقصد شخصه من حيث إنه مبهم.
وتحرير هذا أن مورد النهي قد يكون واحدًا معينًا وهو وضاح أو مبهمًا أي مقصود الشخص يفيد الإبهام [وهو] 5 الذي نتكلم عليه أو واحدًا من آحاد قصد إلى القدر المشترك بينهما من غير غرض في خصوص الفرد المسمى مبهمًا؛ وذلك هو الذي ذكره القرافي، ولا ريب في عمومه، والفرق بينه وبين المبهم أن تحريمه يوجب تحريم كل فرد لا محالة وأما المبهم فلا يوجب تحريمه تحريم كل فرد بل قد يكون معه إيجاب فرد آخر وقد رأيت له في الفقه مثالًا: وهو جماعة لهم ثوب يصلون فيه ولا يكفي الثوب غير واجد والباقون عراة وإن صلوا فيه واحدًا بعد واحد خرج الوقت، فالمذهب أنهم يصلون كذلك. والمسألة من صور مسألة النصوص في البئر ونحوه المذكورة في باب التيمم. وذهب ابن خيران فيما حكاه وصاحب الاستذكار في باب صفة الصلاة إلى أنه إن خشوا فوات الوقت صلوا كلهم عراة قال وكذلك في الوضوء إذا لم يصل جميعهم إلى الماء إلا واحدًا بعد واحد" انتهى.
و [هذا] 6 نقل غريب لم أجده في غير الاستذكار والذي يظهر أنه إذ كان اثنان وليس هناك إلا ثوب7 وقد خشي خروج الوقت يصلي أحدهما فيه قطعًا ويصلي الآخر
1 سقط في "ب".
2 في "ب" حر.
3 سقط في "ب".
4 في "ب" أشياء.
5 في "ب" وهي.
6 في "ب" وهو.
7 في "ب" إلا ثوب واحد.
عاريًا ثم ذلك الذي يصلي فيه إما بقرعة أو بغيرها. ويمكن أن يقال يشق بينهما كما هو احتمال للإمام فيما إذا لم يجد إلا كافيًا لعورة أحدهما؛ فإن الإمام قال: يحتمل أن يشق بينهما. وأن أراد الإنصاف أقرع.
وأما قول ابن خيران فإنه في مبدئه آيل إلى صلاة العاري مع القدرة على السترة وفي منتهاه ظاهر المأخذ من جهة أن ترجيح أحدهما على الآخر لا وجه له وقد لا يسع الوقت القرعة.
ومحل غرضنا من هذا كله أن الصلاة بالسترة على [أحدهما] 1 واجبة وعلى أحدهما حرام حينئذ إذ يجب عليه تمكين صاحبه من السترة الواجبة عليه.
فروع يتعلق التحريم فيما بمبهم:
أحدهما: كلام أربعين من الحضارين لسماع الخطبة على طريقة الغزالي وهي اختيار الشيخ الإمام.
الثاني: وطء واحدة من الأختين المملوكتين على احتمال للشيخ الإمام أن التحريم مبهم، والأرجح أن الحرام الجمع.
الثالث: إذا عتق إحدى أمتيه وقلنا: الوطء تعين توضيح [ما] 2 يوضح لك الفرق بين أحدها من حيث هو أحدها، وأحدها من حيث [هو] 3 مبهم، وإن شئت قلت: بين المبهم والمطلق قول الأصحاب في باب العتق إذا قال: إذا جاء الغد فأحدكما حر فجاء [الغد] 4 [عتق أحدهما] 5 وعليه التعيين؛ فلو باع أحدهما أو مات قبل مجيء الغد والآخر في ملكه لم يتعين للعتق؛ لأنه لا يملك حينئذ إعتاقهما فلا يملك إعتاق أحدهما.
وتحرير هذا أن السبب انعقد لمبهم وقد زال الإبهام بزوال أحدهما ولم يصر بين مملوكين بل صار كأنه بين مملوك وأجنبي، فهو لو قال لمملوكه وأجنبي: أحد كما حر لم يعتق عبده.
1 سقط في "ب".
2 في "ب"مما.
3 في "ب" أنه.
4 في "ب" العتق".
5 سقط في "ب".
مسألة:
الرخصة حكم شرعي اقتطع لعذر تسهيلًا عن أصل قائم السبب: أن المقتضى بخلاف حكمها موجود ولكن لم يعمل عمله فكأنها مانع خاص.
وإذا تأملت هذا التعريف عرفت أنه لا يمتنع كون الواجب رخصة، وفي كلام الإمام في النهاية وغيره تردد في أن الواجبات هل يوصف شيء منها بالرخصة. وأنا أقول: الرخصة ما ذكرناه؛ فإن كان هناك وجوب فالقدر الزائد على الحل ليس هو مسمى الرخصة ولكنه شيء جائز مجامعته لها، وقد ذكرت هذا في شرح المختصر، جامعًا به بين كلام الفقهاء والأصوليين رادًا به على من يعتقد أن شيئًا من الرخص لا يكون واجبًا بل اعتقد بعضهم أن الرخصة لا تكون سنة، ومن ثم قال أبو الطيب بن سلمة: الصلح مندوب إليه وليس رخصة" وخالفه ابن أبي هريرة.
وأنا أقول في السنة ما أقول في الواجب من أنها قدر زائد على الرخصة تجوز تجوز مجامعته له، وقد صرح الأصحاب ومنهم الرافعي في آخر باب صلاة المسافر أن جميع الرخص يستحب ارتكابها ويكره تركها لمن وجد من نفسه كراهتها حتى تزول الكراهة.
تنبيه: علمت ما ذكرناه في الرخصة وتبين لك به أن الوجوب أو الاستحباب قد يجامعها ولا يكون داخلًا في مسماها، ولو قيل: الرخصة هي ما لا تغير شيئًا من ثواب الأصل؛ إن كان ذا ثواب لكان حسنًا، فإذا قلنا: الإبراد رخصة فمعناه أن فضيلة التقديم تحصل به وإن أخر الصلاة عن أول الوقت ثم إذا حصلت [منه] 1 كان سنة ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل الصلاة في أول الوقت بل غايته المساواة وعلى هذا دلت عبارة الرافعي، ومن تبعه فإن حاصلها أن الإبراد وأن فيه [وجها] 2 أنه رخصة فلو تحمل المشقة وصلى في أول الوقت كان أفضل. وصرح القاضي الحسين بحكاية وجهين في أنه هل الأفضل الإبراد أو التعجيل؟ بعد حكايته الاتفاق على أن الإبراد سنة.
قلت: والحاصل أن التعجيل سنة والإبراد رخصة لا تنقض ثواب السنة. هذا غاية ما يؤخذ من كونه رخصة وهل انضم إليها أنه أفضل من الإبراد فيكون مع كونه رخصة مطلوبًا لنفسه أو لا؟
1 في "ب" به.
2 في "ب" وجه.
فيه تردد فإن قلنا: لا فهل الأفضل فعله أو تحمل المشقة أو التعجيل؟ فيه تردد.
مسألة:
يصح التكليف مع علم الآمر وكذا المأمور في الأظهر انتفاء شرط وقوعه عند وقته؛ خلافًا للإمام والمعتزلة.
مسألة:
قال علماؤنا: الباطل والفاسد مترادفان وهما نقيضا الصحة، وفرقت الحنفية بينهما بما عرف في الأصول وفرق أصحابنا بين الباطل والفاسد فرقًا ليس على أصول الحنفية ومع ذلك قد حرر الشيخ الإمام رحمه الله في باب القراض من شرح المنهاج أنه لا فرق أصلًات وحكيت كلامه في شرح المختصر، وحظ هذا الكتاب أن يعد تلك المسائل التي تخيل فيها الفرق.
فمنها: الخلع والكتابة [الباطل] 1 فيهما ما كان على غير عوض مقصود كالميتة، أو رجع إلى خلل كالصغير والسفيه والفاسد خلافه. وحكم الباطل أن لا يترتب عليه شيء والفساد يترتب عليه العتق والطلاق، ويرجع الزوج بالمهر والسيد بالقيمة.
ومنها: الحج يبطل بالردة ويفسد بالجماع.
ومنها: إعارة النقود إن أبطلناها فقيل مضمونة لأنها إعارة فاسدة وقيل غير مضمونة لأنها غير قابلة للإعارة، ولك أن تقول: لأنها باطلة.
ومنها: الإجارة الفاسدة فيها أجرة المثل.
ولو استأجر [صبي] 2 بالغًا فهل لم يستحق شيئًا؛ لأنه الذي فوت على نفسه، فالإجارة باطلة.
ومنها: لو قال: بعتك ولم يذكر ثمنًا وسلم وتلفت العين في يد المشتري هل عليه قيمتها؟ فيه وجهان.
أحدهما: نعم لأنه بيع فاسد، والثاني: لا؛ لأنه ليس بيعًا أصلًا.
ومنها: لو قاال للمديون: اعزل قدر حقي فعزله ثم قارضه عليه فإذا تصرفه المأمور؛ ولكنه اشترى في الذمة و [نفذ] 3 ذلك القدر، فيه [وجهان] 4 أحدهما: الشراء للقراض والقراض فاسد، وله الأجرة والربح لبيت المال.
1 في "ب" الباطلة.
2 في "ب" صبيًا.
3 في "ب" بعد.
4 في "ب" فوجهان.
والثاني: لا يكون [قراضًا] 1 فاسدًا ولا صحيحًا بل هو باطل ورجحه الشيخ الإمام رحمه الله وهو قول ابن سريج.
ومنها: إذا فسد القراض بالنسبة إلى العوض بقي أصل الإذن ونفذ تصرف العامل؛ كذا أطلقه الرافعي والنووي والأكثرون.
وقيده الشيخ الإمام بما إذا كان الفساد الأمر خارج مع وجود حقيقة القراض محكومًا عليها بالفساد أما إذا انعدمت حقيقة القراض بالكلية كالقراض على المغصوب -قال: فيتجه عندنا أنه يبطل كله ولا يصح التصرف.
ومنها: إذا قالت المرأة: وقع العقد بلا ولي ولا شهود، وقال الزوج: بل بهما -قال القاضي مجلى: فالقول قولها؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد وصوبه الشيخ الإمام بعدما جوز تحريجه على الاختلاف في الصحة والفساد، ووجه تصويبه بأن إنكارها للولي إنكار للعقد بالكلية.
قلت: فأشبه طريقة في مسألة الفراض، وتقدم ذكر الفرع في قواعد البيع.
ومنها: إذا دفع إليه ثوبًا وقال: بع بكذا وما زدت فهو لك فهو جائز على سبيل المراضاة، لا على سبل المعاقدة.
نقله الشيخ الإمام في كتاب الإجارة عن البيهقي: ثم قال الشيخ الإمام: فهل نقول إذا باع بأزيد وامتنع المالك من دفع الثوب [فهل] 2 يجب له أجرة المثل أو لا يجب شيء؛ لأنه ليس بعقد فاسد ولا صحيح فيه نظر قال: والأقرب الثاني.
ومنها: قال الشيخ الإمام رحمه الله في جواب فتيا وردت عليه [من] 3 مدينة صفد: لو كان على المسلمين ضرر في الأمان كان الأمان باطلًا ولا يثبت به حق التبليغ إلى المأمن؛ بل يجوز الاغتيال في هذه الحالة وإن حصل التأمين لأنه تأمين باطل بخلاف التأمين الفاسد حيث يثبت له حكم التأمين الصحيح كأمان الصبي والتأمين الباطل مثل تأمين الجاسوس ونحوه. انتهى.
ونقلته من خطه، وقد جرى في [هذه المسألة] 4 كلها على مأخذ واحد، وهو أن
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 في "ب" في.
4 هذه سقط من "ب" وفي ب المسائل.
ما جرى هل هو عقد فاسد أو غير عقد البتة؟ -وهو ما قد يعبر عنه بالباطل.
ومنها: إذا عقد الإمام الجزية على وجه الفساد أخذنا في كل سنة دينارًا ولم نسامح بالتقرير مجانًا.
ولو عقد الجزية بعض الآحاد وأقام بها سنة؛ ففي أخذ الجزوية وجهان: أحدهما: تؤخذ لعقد الإمام إذا فسد.
والثاني: [لا] 1 لأن قبوله لا يؤثر إذا لم يكن هو من أهل الإيجاب.
قلت: وقد يعبر عن الوجهين بأن الأول فسادها والثاني بطلانها.
مسألة:
اختلف في وجوب القضاء هل هو بأمر جديد أو بالأمر الأول؟ وأنا أميل إلى هذا الثاني وعليه فروع.
منها: قضاء الفوائت قيل: لا يجب على الفور لأن القضاء بأمر جديد ولا دليل على الفور، وقيل يجب لأنه بالأمر الأول، والصحيح الفرق بين المتروكة بعذر فلا تجب على الفور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ناموا [عن] 2 صلاة الصبح واستيقظوا بعد طلوع الشمس لم يصلها حتى خرج من الوادي، ومن اعتذر بأنه كان في ذلك الوادي شيطان فقد أجابه الشافعي رضي الله عنه بأن ذلك لا يمنع الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو يدعت الشيطان. والمتروكة بلا عذر تجب3 على الفور أما عند القائل بأن القضاء بالأمر الأول فواضح وأما عند القائل بأمر جديد فقد أشكل على كثير من الناس وقالوا التعدي وقع في الأداء لا في القضاء.
وجوابه أن مطلق الصلاة مأمور بها وخصوص الوقت ليس بشرط بدليل الأمر بالقضاء ولا ينافي هذا قولنا: أنه بأمر جديد لأنا نعني به [أنا] 4 نتبين قصد الشارع إلى العبادة، وإن فات الوقت، فإذا ضاق الوقت صارت على الفور، فيستصحب هذا الحكم في القضاء.
ومنها: إذا تعذر على الغاصب المثل إلا بالأكثر من ثمن المثل فهل يعدل إلى القيمة أو يتعين تحصيله بالغًا ما بلغ؟ فيه وجهان:
1 سقط في "ب".
2 في "ب" بعد.
3 في "ب" على الفور.
4 في "ب" أنه.
أحدهما: أن يكلف تحصيله قياسيًا على العين؛ فإنه يجب ردها ولو غرم بسبب الرد أضعاف ثمنها وأنفاس الشيخ الإمام رحمه الله تدل على ترجيح هذا الوجه.
والثاني: وبه جزم صاحب التنبيه يعدل إلى القيمة وصححه النووي، قال الشيخ الإمام: وفي تصحيحه نظر.
وهذا الوجه يرد القياس بالفرق بأن التعدي في العين لا في المثل فلا يلزم أن يثبت له حكمها. قال الشيخ الإمام: ولك أن تقول: قد أوجبنا الفور في قضاء تارك الصلاة بغير عذر بمثل الطريقة التي تمسك بها القائل الأول والتعدي في الأداء لا في القضاء.
مسألة: الكافر مكلف بالفروع
وسيأتي من نصوص الشافعي رضي الله عنه ما يثلج به الصدر، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: غير مكلف بها [ودق حررنا موضع النزاع في أصول الفقه]1.
وعلى الأصل فروع: منها: أن قبض ثمن الخمر لا يصح ومن ثم ليس لنا أن نقبض منه ما علمنا أنه من ثمن خمر عن دين لنا أو جزية عليه. وقد ذكرنا المسألة في قواعد النكاح ووجدنا للشافعي رضي الله عنه فيها نصًا؛ فقال رضي الله عنه في باب الضحايا قبيل باب ذبائح بني إسرائيل [في] 2 كتاب الأم: إذا كان على نصراني حق من أي وجه كان ثم قضى له من ثمن خمر أو خنزير يعلمه لم يحر له أن يأخذه وكذلك لو وهبه لك أو أطعمك إياه ثم قال: فإن قال قائل: فلم لا تقول في الخمر والخنزير إنهما حلال لأهل الكتاب وأنت لا تمنعهم من اتخاذه والتبايع به قيل: قد أعلمنا الله تعالى أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله.
قال الشافعي رضي الله عنه: كيف يجوز لأحد عقل عن الله عز وجل أن يزعم أنه حلال لهم وقد أخبر الله أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله؛ فإن قال قائل: أنت تقرهم عليه، قلت: نعم، وعلى الشرك بالله - انتهى.
وإنما حكيته لما فيه من النص على تكليف الكافر بالفروع، وكذلك قال في باب ذبائح بني إسرائيل: لم يزل ما حرم الله على بني إسرائيل اليهود خاصة وغيرهم عامة -محرمًا من حين حرمه حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، ففرض الإيمان به وأتباعه وطاعة أمره،
1 سقط من "أ" والمثبت من "ب".
2 في "ب" من.
وأعلم خلقه أن طاعته [طاعته] 1، وأن دينه الإسلام الذي نسخ به كل دين وجعل من أدركه وعلم دينه؛ فلم يتبعه كافرًا إلى أن قال: فلم يبق [خلق] 2 يعقل منذ بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم كتابي ولا وثنى ولا حي ذو روح من جن ولا إنس بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت [عليه] 3 حجة الله بأتباع دينه وكان مؤمنًا بأتباعه وكافرًا بترك أتباعه ولزم كل منهم آمن به أو كفر تحريم ما حرم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم "انتهى".
وقد حكى كثيرًا منه الشيخ الإمام الوالد في [كتاب] 4 كشف الغمة وقال: [يحسن] 5 بناء الخلاف في أنا هل نقبض منه ما علمنا أنه ثمن خمر على أنه هل هو [مكلف] 6 بالفروع؟ قلت: وفي هذا النص دلالة على أن من غصب خمرًا من ذمي لم يجب ردها عليه؛ بل يكون الواجب التخلية بينه وبينها، وهو الأرجح وإياه صحح الشيخ الإمام رحمه الله خلافًا للرافعي والنووي.
ومنها هذا الفرع إذا غصب خمرًا من ذمي؛ فعلى القول بتكليفهم لا يرد عليهم لأنها حرام عليهم؛ وإنما نخلي بينهم وبينها كما نقرهم على ما نقرهم عليه من المحرمات وعلى القول بعدم تكليفهم يتجه ما [قاله] 7 الشيخان من وجوب الرد إلا أنه ليس من أصولنا أعني عدم تكليفهم فلا يتجه ما رجحاه8.
ومنها: [إذا] 9 أتلف خمرًا على ذمي لم يضمنها خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله وقد جمع المتولي مسائل الخمر وخرجها على الأصل فقال التصرف في الخمر حرام عليهم عندنا لتكليفهم بالفروع وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يحرم لعدم تكليفهم.
ومنها: إيلاؤه صحيح: قال الشافعي رضي الله عنه في الأم بعد أن نص على صحة إيلائه وعلى أن عتقه صحيح وإن لم يؤجر عليه فرض الله على العباد واحد؛ فإن قيل: وهو إن تصدق على المساكين لم يكفر عنه، قيل: وهكذا إن حد في زنا لم يكفر بالحد عنه والحدود للمسلمين كفارة للذنوب ونحن نجده إذا زنا وأتانا راضيًا بحكمنا، إذ
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 سقط في "ب".
5 سقط في "ب".
6 في "ب" مفرع.
7 في "ب" صححه.
8 في "ب" زيادة إذا.
9 سقط في "أ" والمثبت من "ب".
حكم الله على العباد واحد؛ وإنما حددناه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين1 زنيا بما أمره الله أن يحكم بينهم بما أنزل الله. "انتهى".
وفيه فائدتان: النص على تكليف الكافر بالفروع وعلى أن الذمي إذا زنى يحد ومنها: ظهاره صحيح؛ نص عليه الشافعي "رضي الله عنهط ويكفر بالعتق وإن لم يؤجر عليه.
قال الرافعي: ويتصور منه إعتاق المسلم و [لا] 2 يتصور ملكه له.
ومنها: إذا زنى حد خلافًا لمالك وأبي حنيفة "رضي الله عنهما".
ومنها: التعامل على وجه الربا، قاعدة مذهبنا أنه حرام عليهم كالمسلمين وينبغي على أصل أبي حنيفة إن يحلله لهم لكنه قال أن الربا حرام عليهم وأنهم يمنعون منه كما يمنع منه المسلم لقوله تعالى:{وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} فخص الربا من بين سائر الفروع ووافقه الوالد رحمه الله على ذلك فذهب إلى أن نمنعهم من عقود الربا ولا نقرهم عليها.
ومذهب الشافعي "رضي الله عنه أنا لا نتعرض لهم وإن كنا نحرمه عليهم وأنه كسائر المحرمات التي نقرهم عليها.
مسألة:
معروفة بالإشكال موصوفة بمغالبة الرجال، مشهورة بالفرسان مذكورة بتصحيح الأذهان اسم الجنس موضوع للماهية من حيث هي باعتبار وقوعها على الأفراد، وعلم الجنس الموضوع لها مقصود به تمييز الجنس من غيره من غير نظر إلى الأفراد.
هذا هو الذي كان الشيخ الإمام يختاره في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس وقد ذكرت ذلك مبسوطًا في منع الموانع وأنا قائل بما قاله الوالد رحمه الله غير أن لي فيه زيادة ونقصًا ومعه مباحثة. أما الزيادة: فإني لا أشترط في اسم الجنس اعتبار وقوعه على الأفراد؛ وإنما أكتفى بملاحظ الواضع عند الوضع للأفراد
1 البخاري 13/ 516 في كتاب التوحيد/ باب ما يجوز من تفسير التوراة. حديث "7543".
2 في "ب" ولأنه.
فأقول: اسم الجنس موضوع للقدر المشترك بين الصورة الذهنية والخارجية ملاحظًا فيه [الصورة] 1 الخارجية؛
فلك أن تجعل معنى قول الشيخ الإمام: باعتبار وقوعها على الأفراد ما ذكرناه فلا يكون فيما ذكرناه زيادة
ولك أن تجعل معنى اسم الجنس مشروطًا فيه الصور الخارجية؛ فلا يكون ما في الذهن موضوعًا له، وهو الظاهر من كلامه غير أنا لا نراه.
وأما النقص: [فقوله] 2 في علم الجنس: إنه الموضوع للماهية مقصودًا به التمييز إن عنى بقصد التمييز مطلق التميز فكل موضوع هكذا قصد تميزه عن غيره وإن عنى أمرًا آخر فلا بد من بيانه.
فأنا أنقض هذا القيد وأقول: علم الجنس الموضوع للماهية غير معتبر فيه الأفراد. ثم قال الشيخ الإمام تفريعًا على الفرق الذي أبداه: إذا أدخلت [أل] 3 الجنسية [على] 4 اسم الجنس ساوى علم الجنس.
وأقول ينبغي على هذا أن لا يدخل على اسم الجنس الألف واللام الجنسية إلا إذا صحبها [العموم] 5، أما إذا اقتصرت على [أصل] 6 الحقيقة فالمعنى مستفاد قبل7 دخول "أل" فلا فائدة لها.
ونظير ذلك قول الشيخ الإمام في "كل": أنها لا تدخل على [الفرد] 8 المعرف باللام إذا أريد بكل منهما العموم لعدم الفائدة.
ثم قال: ويستنتج من هذا أن علم الجنس لا يثنى ولا يجمع لأن التثنية والجمع إنما يكونان للأفراد.
قلت: وهذا صحيح، فلا ينبغي تثنيته وجمعه إلى على تأويل.
وتحصل من هذا أن الواضع يستحضر الماهية ثم قد يضع لها من حيث هي، وقد
1 في "ب" الصور.
2 في "ب" يقوله.
3 في "ب" إلى.
4 في "ب" علم.
5 سقط في "ب".
6 في "ب" أهل.
7 في "ب" قبل من.
8 في "ب" المفرد.
يضع لها بقيد يعينها في الخارج، وقد يضع منها الصورة الحاضرة في ذهنه، وقد يضع لها صورة في الذهن غير مخصص لها بالوضع وقد يضع لها [ملاحظًا] 1 الأفراد الخارجية غير مخصص لها بالوضع؛ فهذه خمسة أقسام: اسم الجنس عندي منها الخامس وعلما لجنس الرابع. وكان الخسر وشاهي2 يقول: علم الجنس الموضوع لها بدون ذلك القيد فجعل علم الجنس الصورة الثالثة مما ذكرناه واسم الجنس الصورة الأولى، وكان يتحجج بهذا الفرق.
واعترض عليه الشيخ الإمام بأنه ينبغي أن يشترط أن يكون الوضع لصورة ذهنية واحدة؛ لأن العلم إنما يكون كذلك وحينئذ لا يصدق على غيرها من الصور.
قال: وبهذا يفسد فرقه لأن أسامة ونحوه من أعلام الأجناس لا يختص بواحد. قال: فإن أخذ في وضعه للصورة الذهنية ما يشبهها من الصور أو المنتزع من بينها ساوي الوضع الخارجي فكيف يجعل أحدهما [معرفة] 3 والآخر نكرة. قال: فالحق أن العلم إنما يكون موضوعًا لشخص واحد لا تعدد فيها وإنما العرب أجرت على أسامة ونحوه حكم الأعلام ولعلهم شبهوا الصورة الذهنية وإن اختلفت بالصورة الواحدة فيتم ويصح ما قاله الخسر وشاهي.
قلت: إن تم بهذا الوجه فلا يتم من جهة [قوله] 4: بقيد الشخص الذهبي فإنه صريح في أن الوضع لصورة مشخصة في الذهن أخص من سائر الصور، وقول الشيخ الإمام: العام إنما يكون لواحد لا تعدد فيه.
أقول: ذلك العلم التحقيقي، وهو علم الشخص وهو الموضوع للماهية يفيد تعيينها وتشخصها في الخارج بالنسبة إلى واحد معين وليس الكلام فيه إنما الكلام في علم الجنس؛ فلم قال: إنما يكون لواحد؟.
1 سقط في "ب".
2 شمس الدين الخسر وشاهي عبد الحميد بن عيسى بن عمرية بن يوسف بن خليل أبو محمد التبريزي الشافعي، ولد سنة ثمانين وخمسمائة وتوفي في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وخمسين وستمائة النجوم الزاهرة 7/ 32، شذرات الذهب 5/ 225.
3 في "ب" علمًا.
4 في "ب" قبوله.
فإن قلبت: [وهل] 1 يكون العلم المتعدد؟
قلت: قال النحاة في باب غير المنصرف: العدل تحقيقي وتقديري، وفسروا التقديري بأنه الذي اضطررنا إليه حين وجدناهم يعاملونه معاملة المعدول بأن منعوه من الصرف.
وأقول على مساق هذا شيئًا رأيت معناه لنحوي عصرنا عبد الله بن هشام رحمه الله قد يقال على ذلك: العلم علمان: علم تحقيقي كزيد وعلم تقديري كأسامة فإنا إنما حكمنا بكونه علمًا حين وجدناهم عاملوه معاملة الأعلام فمنعوه من الصرف أو من دخول أل والإضافة وصححوا الابتداء في قولهم: أسامة أجرأ من ثعالة وجوزوا مجيء الحال منه في قولهم: هذا أسامة مقبلًا ونعته بالمعرفة دون النكرة ولولا ذلك لقضينا بأنه نكرة في أفراد جنس الأسد فهذا من باب الاستدلال بالأثر على المؤثر.
وكذلك مسألة العدل سوى مسألة: يقوم كل من المترادفين2 مقام صاحبه. وثالثها: إن كان من لغته وهذا في شيء لم يتعبد بلفظه فإن وقع التعبد بلفظ شيء لم يقم آخر مقامه.
وجعل الإمام رحمه الله في النهاية الألفاظ مراتب.
[الأولى] 3 قراءة القرآن فلفظه متعين.
الثاني: ما يتعبد بلفظه وإن كان العوض الأكثر معناه كالتشهد والتكبر. قلت: [فهذا] 4 لا يضر فيه أدنى تغيير مثل قول المصلي: الله أكبر؛ فإنه يجزئ على المشهور في المذهب وكذا الله العزيز أكبر على الصحيح عندهم. وإن كنت أنا أختار [أنه] 5 لا يجزئ شيء غير "الله أكبر" لقوله صلى الله عليه وسلم $"صلوا كما رأيتموني أصلي"6 ولقوله صلى الله عليه وسلم:
1 سقط في "ب".
2 في "ب" الردفين.
3 في "قب" الأول.
4 في "ب" فهذا قد.
5 في "ب" أن.
6 البخاري 2/ 111 في الأذان/ باب الأذان للمسافر حديث "631" في 10/ 438 حديث "6008".
لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه1 ويستقبل القبلة فيقول "الله أكبر".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: مفتاحها التكبير2: فاللام فيه للعهد والمعهود صيغته الله أكبر لا الأكبر، ثم أنا أعتقد أن الأكبر أبعد عن الإجزاء من الله العزيز أكبر.
والأصحاب مطبقون على العكس من هذا؛ وإنما خالفتهم لأن الله العزيز أكبر ليس فيها شيء من التغيير، وإنما هو فصل يسير قد يغتفر بخلاف الأكبر: ثم أعتقد أن الأكبر لا يؤدي معنى أكبر وإن أدى معنى آخر فهو أتم وإذا لم يؤد ذلك المعنى سواء أدى أتم منه أم لا كيف يجزئه؟
الثالثة: لفظ النكاح، وقد ترددوا في أن المرعى فيه التعبد أو إنما تعينت الألفاظ لأجل الإشهاد وعلى الخلاف ينبين تواطؤ أهل قرية على لفظ في تأدية معنى النكاح.
الرابعة: الطلاق. الخامسة: العقود سوى النكاح.
السادسة: ما لا يحتاج إلى قبول كالإبراء والفسخ.
قلت: وقد جمع الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب صفة الصلاة من شرح المنهاج كثيرًا من مسائل الترجمة لغير العربية ونحن نوردها مع زيادات فمنها: ترجمة التكبير ولا تجوز إلا للعاجز ثم اللغات سواء وقيل أولاها الفارسية وقيل: السريانية والعبرانية.
منها: التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأول إذا أوجبناها تجوز الترجمة بغير العربية فيها للعاجز دون القادر.
ومنها: القرآن لا يجوز ترجمته لقادر ولا لعاجز.
ومنها [الدعاء] 3 الذي ليس بمأثور لا يجوز أن يدعو به بغير العربية في الصلاة بلا خلاف، وتبطل به.
1 قال الحافظ في التلخيص 1/ 70 لم أجده بهذا اللفظ وذكره ابن السمعاني في الاصطلام وقال النووي إنه ضعيف غير معروف، وقال الدرامي في جمع الجوامع: ليس بمعروف ولا يصح.
2 لم أجده بهذا اللفظ وإنما قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة. مسلم 1/ 357- 358 باب ما يجمع صفة الصلاة 240/ 498، وأخرجه الشافعي والدارمي وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن علي، مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
3 سقط في "ب".
ومنها: الأدعية المأثورة الأصح جواز ترجمتها للعاجز دون القادر.
وقيل: يجوز لهما، وقيل: لا يجوز لهما فحيث قلنا لا يجوز فترجم بطلت صلاته.
ومنها: سائر الأذكار كالتشهد الأول، وغيرهما مما ليس بواجب الصحيح جوازه للعاجز، وقيل كالدعاء المأثور، وقيل: يترجم العاجز لما يجبر بالسجود.
ومنها: كلمة الإسلامن يصح إسلام العاجز بها قطعًا وكذا القادر في الأصح.
ومنها: لفظ التزويج والإنكاح، الأصح الانعقاد بالترجمة لكل من العاجز والقادر والثالث التفصيل.
ومنها: الأذان، قال الشيخ أبو حامد: لا يجوز بغير العربية وقال الماوردي: إن أذن لنفسه جاز للعاجز، أو للجماعة فلا؛ قال البغوي1 أي جماعة فيهم عربي، وقال الشيخ الإمام: إن قلنا الأذان سنة فهو كأذكار الصلاة فليجر فيه الخلاف الذي فيها أو فرض كفاية وقام به غيره فكذلك وإلا فينبغي أن يجوز للعاجز قطعًا كالتكبير.
قلت أي يتعين حينئذ على القادر فإن امتنع جاز للعاجز.
ومنها: البيع وسائر العقود تجوز بالترجمة للعاجز والقادر.
ومنها: السلام فيه أوجه. ثالثها: إن كان قادرًا على العربية لم يجز.
قال النووي: والصواب صحته بالعجمية إن فهم المخاطب ولو قدر على العربية.
قلت: وهذا متعين ولعل مراد المانع أن السنة لا تتم بالسلام بالعجمية حتى لا يجب الجواب وهذا محتمل وإن كان الأرجح خلافه.
ومنها: خطبة الجمعة الأصح اشتراط كونها بالعربية ومحل الخلاف فيما عدا القرآن المشترط فيها، أما القرآن فقد عرف أنه لا يجوز ترجمته مطلقًا.
ومنها: الصحيح صراحة الطلاق بالترجمة قال الرافعي ولم [يتعرضوا] 2 للفرق بين القادر وغيره كما في النكاح.
1 في "ب" النووي.
2 سقط في "ب".
قلت: لأن التعبد في النكاح أظهر [منه] 1 في الطلاق ومن ثم كان القول بامتناع ترجمة الطلاق في غاية الضعف.
ومنها: الخلع لم أره مسطورصا وقد يلحق بالبيع لما فيه من معنى المعاوضة أو بالطلاق فيجري فيه الخلاف.
ومنها: الرجعة، والصحيح صحتها بالترجمة، وثالثها: الفرق بين العاجز والقادر.
ومنها: اللعان جائز للعاجز بالعجمية وفي القادر وجهان.
1 سقط في "ب".