الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب القياس:
مسألة:
استعمل علماؤنا قياس العكس في مسائل شتى ولنفتتح بما يحضرنا من منصوصاتها:
منها: قال الشيخ الإمام "رحمه الله" في كتاب نور الربيع من كتاب الربيع [وهذا] 1 المصنف الذي وضعه على كتاب الأم قاس الشافعي رضي الله عنه المدبر في جواز بيعه مديونًا كان سيده أو لا على المكاتب والمستولدة في امتناع بيعها مديونًا كان سيدها أولًا.
ومنها: إذا كان في بلد الكفار أو قلعتهم مسلم ففي جواز قصدها بالمنجنيق والنار مع إمكان أنه يصيب ذلك المسلم. قولان. أصحهما الجواز؛ علله الشافعي رضي الله عنه بأن الدار دار إباحة فلا يحرم القتال بكون المسلم فيها كما أ، دارنا لا تحل بكون المشترك فيها.
مسألة:
في إثبات اللغة بالقياس خلاف مشهور. والقول به هو ما عليه كثير من الشافعية أو أكثرهم وكان أبو العباس بن سريج يناظر عليه ويكثر استعماله، وكان إذا سئل عن حد اللوطي يقول: أنا أدل على أنه زان فإذا ثبت لي ذلك ثبت أنه محدود بنص الكتاب. وإذا سئل عن مسألة النبيذ قال: أنا أدل على أنه خمر وإذا ثبت فحذ الخمر منصوص.
وكذلك يقال في النباش فإنه يقطع عندنا بسرقة الكفن من قبر ليس في مفازة فيثبت أنه سارق، ثم يقول: قطع السارق منصوص. وقد كنت لا أرى استعمال هذه
1 وفي "ب" وهو.
الطريقة زمنًا وقلت في شرح المختصر: لو كان قطع النباش بالقياس اللغوي وهو تسميته نباشًا لقطع سارق ما عدا الكفن من القبر والأصح خلافه. والآن يرتجح عندي استعمالها.
وأقول في جواب ما ذكرته في الشرح: أن سارق ما عدا الكفن لا يسمى في العرف نباشًا ولا في اللغة؛ فإنهم لم يضعوا اسم النباش إلا لما يتبادر إلى الذهن مما يفعله النباش وهو سرقة الكفن لأنه الغالب وسرقة ما عداه نادر لندرة وضع ما عدا الكفن في القبر، ولأنه ليس حرزًا بالنسبة إلى غير الكفن كما أنه ليس حرزًا لكفن في المفازة، فافهم هذا الجواب فهو حسن.
مسألة:
القياس يجري في الكفارات خلافًا لأبي حنيفة.
وعليه مسائل:
منها: إذا جامع في يومين من رمضان واحد يلزمه كفارتان لتماثل السببين.
وقال أبو حنيفة: كفارة واحدة لتعذر الإلحاق عنده هاهنا.
ومنها: تجب الكفارة على صائم أفسد صومه باللواط أو إتيان البهيمة وإن كان النص إنا ورد في مجامع امرأته كما يجب على الزاني ومن جامع امرأته إن لم يرد النص فيهما، وفي البهيمة والإتيان في الدبر وجه.
ومنها: إذا تعمد الجماع حتى طلع الفجر ولم ينزع فعليه الكفارة قياسًا لدفع الانعقاد على قطع المنعقد، وهو في الحقيقة قياس لدافع على دافع، فهو قياس الأدون، وعند أبي حنيفة لا يجب.
ومنها: قتل العمد يوجب الكفارة قياسًا على الخطأ وهو قياس أولى لأنه إذا وجب في الخطأ فالعمد أولى.
وقال أبو حنيفة: لا يجب إذ لا قياس في الكفارات.
ومنها: اليمين الغموس كذلك.
ومنها: إذا قال لامرأته: أنت علي حرام فأصح القولين وجوب الكفارة إذا لم ينو شيئًا، كما إذا قال ذلك لأمته، إذ فيه الكفارة على الأصح أيضًا.
قال الشافعي رضي الله عنه: لأنه تحريم فرجين حلين بما لم يحرمانه.
مسألة:
جهد أصحاب الرأي من حيث لا يشعرون فعمموا القول بأن صور الأسباب الشرعية هي المعتبرة في الأحكام دون معانيها وإن وضحت وضوح الشمس.
وخصص الإمام المطلبي رضي الله عنه ذلك بالصور التي تضطرب معانيها أو تخفي أو تدق عن الأفهام وتوجب مزيد الخبط رفعًا للتشاجر كيلا يتسع الخرق بزوال الضبط، وحملًا للحنفية السمحة فيما هذا شأنه واسنحابًا على المعاني وإظهارًا للحكم فيما يلوح وجهه.
ومن ثم تقول: ترخص المسافر دائر مع السفر وجودًا وعدمًا لا مع المشقة لعدم انضباطها وهذا فيما لا ينضبط أو يتعسر الاطلاع على مضمونه.
وأما المنضبط الذي يمكن ظهور معناه؛ فلا سبيل إلى طرحه بالوراء وربما يعبر عن هذا بأنه يجوز التعليل بالحكمة إذا انضبطت كما يجوز بالمظنة.
وعلى الأصل مسائل:
منها: أن المشرقي إذا تزوج بمغربية ثم أتت بولد لمدة ممكنة وهي ستة أشهر فصاعدًا قال الشافعي "رضي الله عنه"1 لا يلحق به لاطلاعنا على مضمون السبب، إذا من بالمشرق لا يحبل من بالمغرب، فلتلغ صورة السبب ويتعلق بمضمونه.
وهذا بخلاف من يراه يدخل على زوجته ويخرج فإنا نلحق به ولدها حيث يمكن كونه منه وإن لم نعلم أنه وطئها إحالة على صورة الفراش لتعذر الاطلاع على المضمون.
أما المشرقي مع المغربية فقد أمكننا الوقوف على مضمون السبب وعلمنا قطعًا أن الولد ليس منه؛ فلم تعتبر صورة للسبب.
وقال أبو حنيفة "رحمه الله": يلحق لوجود صورة السبب وهو الفراش وجعل الإلحاق أمرًا شرعيًا غير منظور فيه إلى الإمكان العقلي.
وقال بعض المتأخرين: إن مأخذه احتمال قرب المسافة بينهما على وجه الكرامة؛ فإنه لا يمتنع في مقدور الله أن يطوي الأرض لولي من أوليائه فيخطو خطوة تعم ما بين المشرقين.
وهذا زلل وحيد عن صورة المسألة فلسنا نعني بصورة المشرقي مع المغربية إلا
صورة نعلم فيها انتفاء الوطء، فلو قدر وجوده "استحالت صورة المسألة".
ونظير المسألة أن يتزوج امرأة حاضرة ثم يطلقها من ساعته في مجلس العقد وقد شاهده الحاضرون غير مختل بها ثم تجيء بولد فإنه لا يثبت نسبه منه خلافًا لهم.
ومنها: لو نكح أمه أو أخته أو محرمًا من محارمه أو المطلقة ثلاثة أو المعتدة أو المجوسية ثم وطأها بمقتضى هذا العقد؛ فإنه يحد ولا مبالاة بصورة العقد الخالية عن مضمونه، ولا يصلح شبهة دارئة للحد.
خلافًا لأبي حنيفة حيث اعتقد أن صورة العقد هي السبب المبيح في موضع الوفاق ثم تطرق بذلك إلى جعله شبهة هنا في ردء الحد وإن لم يبح.
ومنها: إذا استأجر امرأة للزنا فزنا بها حد خلافًا لهم أيضًا والمأخذ ما ذكرناه.
مسألة:
قال علماؤنا: حكم الأصل مضاف إلى العلة وعليه المالكية، وقالت الحنفية: مضاف إلى النص، واتفق الكل على أن حكم الفرع مضاف إلى العلة.
ومن ثم مسائل:
منها: التعليل بالقاصرة جائز عندنا لكونها تعرف الحكم المنصوص، ولغير ذلك.
وقالوا: لا يجوز، لأن المنصوص معروف بالنص، ولا فرع فلا فائدة.
ومنها: من شرط العلة أن لا يكون ثبوتها متأخرًا عن ثبوت حكم الأصل؛ فإنه لو تأخر كان الحكم في الأصل ثابتًا بلا مثبت لأن مثبته العلة أو يلزم أن يكون تعبدًا ثم انقلب معقول المعنى، وذلك لا يضر كما قررت في شرح المختصر.
والخصوم لا يشترطون ذلك؛ لإضافتهم الحكم إلى النص وهو موجود وإن لم توجد العلة، ومن ثم يلزمهم إيجاب النية في الوضوء بالقياس على التيمم وإن كان بعد الوضوء.
ومنها: يحرم قليل النبيذ وكثيره كالخمر.
وقالوا: لا يحرم بخلاف الخمر فإن حرمة الخمر ثابتة بالنص وهو نص عام فشمل قليله وكثيرة بعلة الإسكار وحرمة النبيذ وهو الفرع ثابتة بعلة الأصل وهو الإسكار
فلا بد من وجودها فلا يحرم مه قدر لا يسكر.
وقد ذكر ابن الانباري في أول كتاب القياس من شرح البرهان هذه الفائدة لهذا الخلاف مع أن تلميذه ابن الحاجب ذكر في المختصر أن الخلاف لفظي وتعقبناه في شرح المختصر.
مسألة:
العلة القاصرة صحيحة عند الشافعي ومالك وأحمد باطلة عند أبي حنيفة "رحمه الله".
وقد ذكرنا أنها من فروع أن الحكم في الأصل يضاف إلى العلة أو إلى النص؟ ومن فروعها مسائل:
منها: تعليل الربا في النقدين بجوهريتهما أو بتثمينهما.
ومنها: تعيين الماء لرفع الحدث وإزالة الخبث لاختصاصه بنوع لا يشاكره سائر المائعات.
ومنها: أن الخارج من غير السبيلين لا نيقض الوضوء؛ لأن العلة قاصرة على محل النص وهو الخروج من المسلك المعتاد.
واعتقد أبو حنيفة أن العلة في الأصل خروج النجاسة من بدن الآدمي فقال: ينقض بالقصد والحجامة ونحوهما.
ومنها: لا يوجب فطر في نهار رمضان كفارة إلا الفطر بالجماع الوارد في الحديث والعلة مقصورة على الوقاع.
وأعتقد أبو حنيفة عموم الإفساد فعدى الحكم إلى الإفطار بالأكل والشرب.
ومنها: علة وجوب نفقة الأقارب البعضية.
وقال أبو حنيفة: عموم الرحم.
ومنها: من ملك واحدًا من فروعه أو أصوله عتق عليه، وقال مالك: يعتق الوالدان والمولودون والإخوة والأخوات، وقال أبو حنيفة وأحمد: يعتق كل ذي رحم محرم.
فالعلة عندنا البعضية كما في النفقات، والخصوم يحتجون بحديث: من ملك
ذا رحم فهو عتيق وفي لفظ: من ملك ذا رحم فهو حر1 ولوصح الحديث لما كان عنه مخلص، ولوجب الرجوع إليه ولكنه وإن رواه أصحاب السنن الأربعة متكلم في إسناده من قبل أن راويه حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب والكلام في سماع الحسن عن سمرة شهير ومن قبل أن حماد انفرد به وشك فيه عن الحسن عن سمرة فيما يحسب حماد ثم إن غير حماد خالفه فيه وروي موقوفًا بإسناد آخر، وقال البيهقي: الحديث إذا انفرد به حماد ثم شك فيه ثم خالفه من هو أحفظ منه وجب التوقف فيه.
مسألة:
التماثل في العلة قد يمنع تأثيرها في عليتها. وهذا أصل لم أجد للأصوليين فيه كلامًا ولكن تلقفته من كلام الفقهاء.
ويتضح بأمثلة:
منها: يجوز اقتداء الأمي بمثله واللاحن لحنًا يغير المعنى بمثله.
ومنها: لو جلل الكلب والخنزير بجلد كلب أو خنزير جاز في الأصح لاستوائهما في غلظة النجاسة.
ومنها: في العيوب المثبتة للخيار إذا كان بكل واحد من الزوجين مثل ما بصاحبه ثبت لكل منهما الخيار على الأصح.
ومنها: لو تحاكم إليه أبوه وابنه فالأصح لا يحكم بينهما.
ومنها: لا يجوز اقتداء من لم يجد ماء ولا ترابًا بمثله على الأصح.
مسألة:
في القياس على الخارج من القياس لمعنى خلاف ذكرته في شرح المختصر.
والذي أراه الآن جزم القول بالقياس عليه بشرط أن يكون عليه أشبه به من غيره؛ فإنه في الحقيقة فرع اجتذبه أصلان فيلحق بأشبههما. ورأى إمام الحرمين عدم القياس عليه وصمم على ذلك في كتبه الفقهية والأصولية.
ثم قال: وقد حكى الوجهين فيمن تنفئل مضطجعًا مع العجز عن القعود ومن يجوز
1 أخرجه أحمد في المسند 5/ 20 وأبو داود 4/ 26 في العتق "3949" والترمذي 3/ 646 في الأحكام "1365" وابن ماجة 2/ 843 في العتق "2524" والحاكم 2/ 214 وصححه وأقره الذهبي.
الاضطجاع يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتحكبير وغيرهما على ذكر القلب.
قال الإمام: وهذا يضعف الوجه الثاني من أصله وإن ارتكبه من صار إليه كان طاردًا للقياس؛ لكنه يكون خارجًا عن الضبط مقتحمًا.
قلت: ووجه خروجه واقتحامه قياسه على صورة خارجة عن القواعد وهي تجويز صلاة القادر على القعود مضطجعًا لكن ذلك هو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن صل نائمًا فله نصف أجر القاعد"1.
فإن قلت: فيلزمك ما التزم به الإمام من تجويز ذكر القلب.
قلت: لا يلزمني ذلك لا على رأي ولا على رأيه أما على رأيه فلأنه قياس على صورة مستثناة، وأما على رأيي فلما قاله الرافعي من أنه لا يلزم من جواز الاقتصار على الإيماء في الأفعال جواز الاقتصار على ذكر القلب فإن الأفعال أشق من الأذكار فهي بالمسامحة أولى.
فإن قلت: الإمام قد بين أن العكس أولى فإن ذكر القلب إلى قراءة اللسان أقرب من إجراء إرسال الأفعال في ذكر مجرى صورتها فعلًا لأن من الناس من يقول إن حقيقة الكلام الفكر القائم في النفس.
قلت: كذا اعترض به ابن الرفعة على الرافعي، ولكن عندي [فيه] 2 نظر فإن ذكر اللسان مطلوب في الصلاة كالأفعال، ومن لم يذكر لسانه لم يأت بذلك المطلوب كمن لم يفعل بجوارحه ففواتهما واحد وذكر اللسان أخص فكان الفعل بالتسامح أولى، وإن كان ذكر القلب أقرب إليه.
إذا عرفت هذا فاعلم أن كثيرًا من الحنفية على هذا الرأي وهو عدم القياس على معقول المعنى الخارج عن القياس.
ومنشأ [الخلاف] 3 بيننا وبينهم من أجل ذلك في مسائل:
1 البخاري 2/ 586 في تقصير الصلاة حديث "1116".
2 سقط في "ب".
3 في "ب" النزاع.
منها: تخالف المتبايعين والسعلة هالكة فجوزناه قياسًا على القائمة مع أن فيه حديثًا.
ومنعوه زاعمين أن الحديث إنما ورد في القائمة وأن التخالف من أصله على خلاف القياس، فيقتصر على مورد النص.
ومنها: تتحمل العاقلة ما دون أرش الموضحة؛ لأن المقادير متساوية بالنسبة إلى الجناية والنسبة إلى العاقلة بالتحكم بالتخصيص محال.
وعندهم لا يضرب على العاقلة لأن الضرب على العاقلة خارج عن القياس فلا يقاس عليه.
وقد ذكرنا في شرح المختصر مسألة العرايا فلا نعيدها.
ومن المسائل المختلف فيها بين أصحابنا المبنية على هذا الأصل أن من أفطر لإنقاذ مشرف على الهلاك بالغرق ونحوه ولم يمكنه تخليصه إلا بالفطر فالأصح أنه يلحق بالمرضع؛ لأنه قطر ارتفق به اثنان فكان كالحامل والمرضع.
والثاني: لا، لأن الفدية مع القضاء خلاف القياس فيقتصر على ما ورد.
ومنها: للمالك في الجيران في الزكاة صعود درجتين وأخذ جبرانين ونزول درجتين ودفع جبرانين بشرط تعذر درجة.
وقال ابن المنذر: لا تجوز الزيادة على جبران واحد كما ثبت في الحديث؛ فلا يتعداه فإنه خارج عن القياس.
ورد عليه الأصحاب بأن هذا في معنى الخارج مع اتفاقهم على أنه لا مدخل للجبران في البقر والغنم؛ لأنه إنما ورد في الإبل [وهو] 1 على خلاف القياس.
قالوا: فيقتصر فيه على مورد النص.
ومنها: قطع نبات الحرم إلا الأذخر لا يجوز والعلة في تجويز الأذخر حاجتهم لتسقيف بيوتهم وقبورهم؛ فلو احتيج إلى قطع غير الأذخر للدواء قال الرافعي: فوجهان ورجح الجواز.
1 سقط في "أ" والمثبت من "ب".
واعلم أن الرافعي جعل محل الوجهين في جواز القطع وحكاهما عن الشيخ أبي علي في شرح التلخيص.
وقد أتبع في ذلك الإمام الغزالي والذي في شرح التلخيص للشيخ أبي علي الجزم بجواز القطع؛ وإنما حكى الوجهين في وجوب الجزاء.
مسألة: اعتبر الشافعي رضي الله عنه قياس علية الأشباه وهو أن يجتذب الفرع أصلان ويتنازعه مأخذان فينظر إلى أولاهما به وأكثرهما شبهًا فيلحق به وعليه نص في الأم، وقد حكيت نصه في شرح المنهاج وعليه فروع.
منها: لفظ الظهار دار بين أصلين القذف والطلاق فلو قال: عينك طالق طلقت كيدك وجسمك، فلو قال: زنت عينك فالمذهب أنه كناية وقيل صريح.
ولو قال: أنت على كعين أمي ولم يرد الكرامة ولا الظهار بل أطلق فالأصح يحمل على الإكرام تغليبًا.
ومنها: الخلع من جانب الزوج معاوضة فيه شوب التعليق وقد يغلب التعليق. قال القاضي الحسين: وذلك في ثلاث مسائل ومن جانب الزوجة معاوضة فيها شوب الجمعالة.
ومنها: زكاة الفطر تتردد بين المؤنة والقرابة والكفارة تتردد بين العبادة والعقوبة والحوالة بين الاستيفاء والاعتياض، واللعان بين اليمين والشهادة والجنين بين أعضاء الأم وإنسان منفرد، وقطع الطريق بين حق الله تعالى وحق الآدمي والمسابقة بين الإجارة والجعالة، والإقالة بين الفسخ والبيع و [الرجعية] 1 بين الزوجة والبائن وغير ذلك.
وعليه ينبني مسائل خلافية ومذهبية.
ومن المذهبية غير ما ذكرناه عنفقة الرجل الكثيفة تتردد بين نادر الكثافة كالشارب وغالبه كلحية الرجل، والأصح إلحاقها بالنادر.
ومها: قيام الصابون والأشنان في الغسل من الولوغ مقام التراب متردد بين
1 في "أ" الرجعة والمثبت من "ب".
إلحاقه بالتيمم فلايقوم وهو الأظهر أو بالدباغ والاستنجاء فيقوم.
ومنها: الخلاف في استيعاب الجبيرة بالماء ووجوب التيمم وتأقيت مسحها فإن منشأه أن المسح أخذ شبهًا من أصلين.
أحدهما: المسح على الخفين؛ لأن ما تحت الجبيرة صحيح يمكن غسله.
والثاني: الجرح إذا خاف من غسله التلف لوجود الخوف عند نزع الجبيرة فمنهم من غلب شبه المسح على الخفين ومنهم من غلب شبه الجرح.
ومنها: المكاتب من حيث استحقاقه للعتاقة أشبه المستولدة فيمتنع بيعه وهو الجديد ومن حيث توقف عتقه على صفة أقامها السيد المعلق عتقه فيجوز بيعه وهو القديم.
ومنها: لحوم الحيوانات من حيث الاشتراك في الاسم جنس والاختلاف يشبه اختلاف أنواع الرطب والعنب.
ومن جهة أنها فروع أصول مختلفة أجناس كما في الأدقة وهو الأظهر والفروع في هذا الباب كثيرة، ولو قال: إن غالب المسائل المقيسة منه لما كان مبعدًا.
تنبيه:
هذا الذي ذكرناه في فرع تنازعه أصلان هو بأحدهما أشبه فإن لم يترجح أحدهما على الآخر فلا طريق إلا التخيير إذ لا يمكن الجمع بينهما، وليس أحدهما بأولى من صاحبه.
وهذا مثل نذر اللجاج والغصب فإنه أخذ شبهًا من أصلين من نذر المجازاة لأنه التزم طاعة ومن اليمن لكونه منعًا للنفس من فعل أو ترك -فخير بين موجبهما وهو الوفاء بما نذر أو كفارة يمين وهذا هو الأصح.
تنبيه آخر:
هذا الذي ذكرناه في فرع يتجاذبه أصلان يتنازعانه ورب فرع سالب يصنعه أصلان يتعاضدانه، وهذا هو القياس المركب وهو أن تجتمع العلتان المتنازع فيهما في الأصل على فرع فيتفق الخصمان على القول به هذا لعلة وهذا لعلة.
كما يتفق [الإمامان] 1 على أن البكر الصغيرة لا تجبر لكن الشافعي "رضي الله
1 سقط في "ب".
عنه"2 يقول: لا تجبر لكونها بكرًا وأبو حنيفة يقول: لكونها صغيرة "وهو من أعقد أبواب القياس وأحسن أقسام الجدل".
تنبيه ثالث:
قدمنا الخلع وهو من جانب الزوجة معاوضة فيها شوب الجعالة بأي صيغة أوردته.
وأما من جانب الزوج إن جعل فسخًا فمعاوضة محضة وإن جعل طلاقًا فقال: خالعتك بألف أو كانت الصيغة "طلقتك بألف" فمعاوضة فيها شائبة التعليق؛ فله الرجوع قبل قبولها، خلافًا لأبي عاصم العبادي، وتقبل باللفظ على الفور بكل العوض.
فهذه أربع مسائل غلب فيها جانب المعاوضة.
قال القاضي الحسين: ولم يغلب جانب المعاوضة إلا فيها.
فلو قبلت به بعض العوض كواحدة من ثلاث فيقع كله به على الأصح، وقيل: لا يقع شيء، وقيل: يقع المقبول بمهر المثل.
وإن كانت متى أو أي وقت أعطيتني ألفًا فأنت طالق، فتعليق فيه شوب العوض فلا رجوع ولا قبول ولا فور.
وهذه هي الثلاث مسائل التي غلب فيها جانب التعليق وإن زاد مثل متى وأي.
غير أن صاحب التتمة قال: تعجل الحرة العوض وكذا الأمة إذا كان التعليق في التعجيل بنحو زق خمر، وأما إذا كان بنحو ألف فالأمة لا تملك فلا تعجيل.
وحكاه الرافعي ساكتًا عليه ونازع فيه ابن الرفعة وصوب الشيخ الإمام كلام صاحب التتمة.
إذا علمت هذا فقد ظهر لك أن للزوج الرجوع؛ حيث كان معاوضة لا حيث يكون تعليقًا وهو واضح.
وقضيته أن للزوجة الرجوع قبل قبول الزوج بكل صيغة يأتي بها لأنه من جهتها معاوضة بكل حال، وبذلك صرح الرافعي تبعًا للغزالي.
قال ابن الرفعة: وقد رأيت في الأم ما ينازع في جواز الرجوع إذ قال الشافعي رضي الله عنه: وإذا كانت لرجل فقالتا له: طلقنا بألف لك علينا فطلقهما في
ذلك المجلس لزمهما الطلاق وهو بائن وساق الكلام إلى أن قال: وإن أرادتا الرجوع فيما جعلتا له في وقت الخيار لم يكن لهما.
وكذلك لو قال لهما: إن أعطيتماني ألفًا فأنتما طالقتان ثم أراد أن يجرع لم يكن له ذلك في وقت الخيار.
قال الشيخ الإمام: وقد رأيت ذلك في الأم والرافعي والغزالي جزمًا بالرجوع، فلينظر ما يقتضيه كلام بقية الأصحاب، ولا أجسر أقول: الفقه ما قالاه.. لعظمة كلام الشافعي رضي الله عنه.
قلت لم يستوف الشيخ الإمام رحمه الله النظر في هذا النص؛ لأنا كنا نستحثه في آخر الوقت على تكملة شرح المنهاج خشية اخترام المنية، وكان يقتصر على ما يراد منه مما لا يوجد إلا عنده من المباحث التي تثيرها فكرته الظاهرة.
وأقول: هذا مكان مبهم ونص مشكل، والذي ذكره الغزالي والرافعي هو الذي ذكره الروياني في البحر والمتولي في التتمة وغيرهما وصرح به الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر النهاية وقال: هذا أسوأ. طلقني غدًا بألف، أو إن طلقتني غدًا فلك ألف، ولعله أوضح من أن ينبه عليه.
وهذا النص وإن كان كما نقله ابن الرفعة والوالد فيجب تأويله غير أني لست على ثقة منه؛ فإني وقفت عليه في كتاب المبسوط للبيهقي رحمه الله فوجدته قد حكاه فقال: مسألة في خلع امرأتين: قال الشافعي في كتاب الخلع والنشوز: وإذا كانت لرجل امرأتان إلى أن قال بعد أن ذكر أن له أن يطلق الواحدة في وقت الخيار دون الأخرى، قال: وله أن لا يطلقها في وقت الخيار ولا بعد إن أراد الرجوع فيما جعلنا له وقت الخاير ولم يكن لهما قال البيهقي وفي نسخة أخرى ولم يجعل لهما انتهى.
قلت فاختلاف النسخ مع عدم انتظام الكلام مما يوجب الحيد عن هذا النص ولم أره في عيون المسائل لأبي بكر الفارسي؛ فلعله تركه قصدًا للاضطراب فيه وإلا فهو يستوعب روايات الربيع، وهذا منها لأنه من الأم، وهي رواية الربيع.
ومن العجب أني رأيت المرعشي فيترتيب الأقسام قد أتى بكلام يشابه هذا النص ظاهره أنه ليس لها الرجوع ما هو ظاهر النص.
فصل:
مما دار بين أصلين الحمل أشبه بعض الأم وأشبه آدميًا مستقلًا".
ولك أن تقول: أشبه المعدوم وأشبه الموجود ومن ثم اختلف في أنه هل يعلم أولًا؟ ومما قيل: هل له حكم أم لا؟
والعبارة الأولى أكثر تحريرًا؛ فإنه يرث إجماعًا فكيف لا يكون له حكم!
ومن ثم قال أبو علي فيما نقل صاحب العدة فيما إذا أوصى للحمل بشيء هل يقبله الأب "جرت هذه المسألة بيني وبين القفال: فقال: لا يصح ويجب قبوله بعد خروجه من البطن لأنه لا حكم له ما لم يخرج فقبوله في وقت لا ندري أله حكم لا يقع كما لو أوصى لرجل بشيء والموصي له غائب فقبل الوصية ولم يعلم هل مات الموصي لم يصح، وإن كان مات فقبلت فيها قولان، كما لو باع مال أبيه ولم يعلم أنه ميت فكان ميتًا ولو جعلت المسألة على وجهين بناء على أن الحمل هل يعرف [أم لا] 1 لم يبعد.
ولو ثبتت الشفعة في شيء فأخذه الأب ثم خرج حيًا صح الأخذ على أحد الوجهين؛ فإن صحت الشفعة فالوصية أولى.
وحكي عن ابن سريج أنه لا يجوز أخذ الشفعة للحمل حتى يولد.
قلت: إن تم ما قاله أبو علي وكان طريقه قاطعة بأن قبول الأب لا يصح ولا يخرج على العلم لزم أن يقال: قد يعلم ولحكن لا حكم له؛ فتكون مسألة هل له حكم غير مسألة هل يعلم. ومن المباحث في الحمل أيضًا أنه هل يقابله قسط من الثمن إذا باع حاملًا مثلًا.
وفيها خلاف معروف ذكره الرافعي في مسائل بيع وشرط فيما إذا شرط أن تكون حاملًا وخرج على أنه هل يعلم وهل هو عيب ونقص.
وقد قالوا في الزكاة ليس بعييب، وفي الأضحية عيب؛ لأنه يهزل اللحم وقال الرافعي في البيع: إنه عيب يرد به المبيع. وفي هذه المواضع إشكالات في المنقول لسنا لها الآن وهل يتبع أمه فيما يتجدد لها من الأحكام فيتبع قطعًا في البيع والعتق، ثم هو في العتق تابع ولا يعتق بالسراية.
1 سقط في "ب".
قال الرافعي: لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص ولا يتبع قطعًا فيما إذا كان الحمل لواحد والأم لآخر.
ومن ثم مسائل اختلف فيها هل يتبع؟
منها: [لو اشترى] 1 المعيبة ثم اطلع المشتري على عيبها ولم ينقص بالحمل أو كان الحمل في يد البائع فردها المشتري؛ فإن قلنا: الحمل يعرف ويأخذ قسطًا بقي للمشتري فيأخذه إذا انفصل وإلا فهو للبائع ويكون تبعًا للأم عند الفسخ كما يكون عند الرد.
ومنها: لو وقف للحامل مملوك. قال ابن الصباغ إن قلنا: للحمل حكم كان الولد وقفًا؛ وإلا فوجهان.
ومسائل كثيرة: هل النفقة للحمل أو للحامل؟ فيه قولان. وهل يتصور للجنين ملك؟ الظاهر ذلك، ويدل عليه قولهم في باب الغرة أنها لورثة الجنين.
وهل يتصرف الحاكم في مال الأجنة؟ نقل الغزالي عن القفال أنه ليس له ذلك، قال: والصحيح أن له ذلك ذكره في ميراث الحمل.
وجزم ابن الرفعة في كتاب الزكاة بأن القضاة لا ينصبون القوام للتصرف في أموال الأجنة بل هو موقوف، ولا مخالقة بين الكلامين.
وهل على الجنين نفقة أمه؟ قال الرافعي في النفقات في الفروع المبنية على أن النفقة للحمل أو للحامل: قال ابن كج: إذا كان الحمل موسرًا وقلنا: النفقة له فيؤخر إلى أن تضع، فإذا وضعت سلمت من ماله إلى الأم كما ينفق عليه. قال: ويحتمل عندي أنها على الأب، وإن قلنا: يجب التعجيل فلا يؤخذ من مال الحمل المسألة فلينظر.
وكل هذه الأصول راجعة إلى أن الحمل هل يعلم ويعطي حكمًا؟
فصل:
في مسائل من الشبه الصوري والحكمي؛ منها في جزاء العبيد، ومنها في الأطعمة إذا لم يعلم من العرب استطابة شيء ولا استخباثه اعتبر بأقرب الأشياء شبهًا به قال الأصحاب والشبه تارة في الصورة وأخرى في طبع الحيوان وأخرى في طعم اللحم
1 في "ب" إذا حملت.
قلت: واعتبار طعم اللحم موقوف على ذوقه الموقوف على حله إلا أن يراد ذوقه وإن عرف لا بطريق حلال ومنها: وجوب رد المثل الصوري في الفرض على وجه صححه ومنها: في باب الربا المماثلة كيلًا ووزنًا فما لم تكن مكيلًا ولا موزونًا يعتبر فيه عادة الحجاز؛ فإن لم يكن فيه عادة ففي وجه يعتبر أشبه الأشياء به في الحجاز ومنها: اعتبار دواب البحر بالبر ففي وجه ما أشبه حرام البركان حرامًا ومنها أعطاء العصير أو الخل عن الخمر في الصداق والخلع ونكاح المشركات ومها على وجه فيمن قتل بخمر أو لواط أنه يسقي ماء ويخسر خشبة رعاية المماثلة ومنها إلحاق الحر بالعبد في الحكومات، ومنها أبعاض العبد التي لا تتقدر أرشها من الحر بما نقص من قيمته كنحول الجسد وكذا في الغصب إن أتلفت فكذا في القديم إلحاقًا له بالبهيمة؛ لأنه يضمن باليد ولا يحمله العاقلة وعلى الجديد يتقدر من الرقيق والقيمة فيه كالدية في الحر من حيث أنه يضمن بالقصاص وتجب فيه الكفارة ويحلف وتقام عليه الحدود وإذا دار فرع بين أصلين أجرى عليه حكم أكثرهما شبهًا به وهو الحر فيما نحن فيه فلم نقدم هنا الشبه الصوري لمجرده بل لاعتضاده بأكثر الأحكام.
قال الشافعي رضي الله عنه: يقول سعيد بن المسيب: جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من دينه.
مسألة:
الصحيح أنه يشترط كون العلة ضابطًا لحكمة وقيل: يجوز كونها نفس الحكمة، وقيل إن انضبطت كانت هي العلة أو علة العلة؛ فهذا القول خارج عن محل النزاع، إذا عرفت هذا فمن محاسن الشرع ضبط الأحكام بالأسباب الظاهرة وإقامتها عللًا يدور الحكم معها وجودًا وعدمًا، والعدول عن الأسباب الخفية وإن كانت هي الحكم ولها مناط الحكم بالأصالة لعسر انضباطها وما تؤدي إليه محاولته إليه من المنازعة.
وقد تكلم الرافعي على هذه القاعدة في أول باب العدد؛ فقال: قال الأئمة لما كانت عدة الطلاق لطلب البراءة لم يجب بالفراق عن مطلق النكاح؛ بل اعتبر جريان سبب شغل الرحم ليحتاج إلى معرفة براءته، ثم لا يعتبر تحقق الشغل ولا توهمه؛ فإن الإنزال خفي يختلف في حق الأشخاص، وفي الشخص الواحد باعتبار ما يعرف له من الأحوال فيعسر تتبعه ويقبح، فأعرض الشرع عنه واكتفى بسبب الشغل وهو الوطء ومن الوطء بتغيب قدر الحشفة وهذا صيغة في تعليق الأسباب بالمعاني الخفية ألا ترى أن
الاعتقاد الصحيح الذي هو مطلوب وبه تحصل النجاة لما كان أمرًا خفيًا لكونه في الضمير علقت الأحكام بالكلمة الظاهرة حتى لو توفرت القرائن الدالة على أن الباطن مخالف للظاهر كما إذا أكره على الإسلام بالسيف لا ينال بها وندير الحكم على الكلمة وإن مناط التكليف وهو العقل والتمييز لما كان خفيًا يحصل على التدريج ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال أعرضنا عن تتبعه وعلقنا البلوغ بالسن والاحتلام. انتهى.
ومراده بالذي يصح إسلامه وإن أكره بالسيف الحربي أما الذمي فالصحيح عنده أنه لا يصح إسلامه مكرهًا.
وإذا ظهر لك أن التعليق بالظاهر المنضبط دأب الشرع دون الخفي المضطرب.
ولك أن تقول: التعليق بالظاهر لانضباطه أولى من الخفي لاضطرابه.
ثم يختلف الظهور والخفاء؛ فقد يطلب من الظهور في حق شخصين ما لا يطلب في حق شخص واحد لكونه أخبر بنفسه، وفي حق أشخاص ما لا يطلب في حق شخصين.
ألا ترى إلى منع انعقاد النكاح بالكنايات لجريانه بين موجب وقابل وشاهدين، وثبوت الطلاق والعتاق والإبراء بالكناية لاستقالال المرء بها والتردد في البيع على وجهين لاحتياجه إلى شخصين موجب وقابل.
ومن ثم ظهر لك أن الأب إذا اشترى مال ابنه من نفسه أو بالعكس انعقد بالكناية ولا يطرقه الخلاف فيما يظهر، ولأجله قيل: تكفي فيه النية ولا يحتاج إلى لفظ مطلقًا وهو وجه حكاه الماوردي.
ومن الأمور المتعلقة بالظواهر المنضبطة كلمة الإسلام والبلوغ ومطلق تغيب الحشفة حيث يطلب الوطء كما ذكر الرافعي فكل حكم تعلق بالوطء كفى فيه تغييب الحشفة من الغسل والزنا والتحليل والعنة واستقرار المهر؛ وهكذا إلى نحو من مائة حكم ومنها: البيع مناطه الرضا، ولما كان أمرًا باطنًا لا يطلع عليه نيط بالإيجاب والقبول.
ومن ثم تبين لك ضعف القول بانعقاد البيع بالمعاطاة على أنه بيع، والقائل به يعتذر بتوفر القرائن فيه؛ وإنما بيع، لأني أميل إلى أنه مسامحة.
ومنها: رخص السفر حكمتها المشقة وهي مضطربة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فنيطت بالسفر وضبطت به إما بطويلة وقصيرة على الخلاف فيه، وأمثلته تكثر.
وإذا تقرر هذا الأصل ظهرت قوة الوجه الذي حكاه صاحب التتمة في أن استدخال المرأة ماء من تظنه زوجها لا يوجب العدة إعراضًا عن النظر في العدة1 إلى شغل الرحم وإدارة الحكم على الإيلاج، غير أنا نجيب عنه بأن استدخال الماء ظاهر في شغل الرحم فيحتاط فيه للإبضاع.
فإن قلت: فيلزمكم إقامة الخلوة مقام الدخول في تقرير الصداق كما هو القديم.
قلت: أين الخلوة من استدخال الماء!
فائدة:
ما ذكرناه من التعليق بالمنضبط هو فيما إذا أمكن؛ فإن المصالح والمفاسد التي هي حكم الأحكام -ضربان: محدد منضبط كالقتل والقطع وغير منضبط وفي هذا القسم لا يمكن أن يتعلق بمنضبط.
وذلك كالتعزيرات، والمشاق المبيحة للتيمم والانتقال من قيام الصلاة إلى قعودها إلى الاضطجاع إلى الإيماء والأعذار المبيحة لمحظورات الإحرام.
وقدر الغضب المانع من الإقدام على الأحكام، والمرض المبيح للإفطار في الصيام.
فهذه ومثلها أمور يشرق فيها نور الله على المجتهدين ولا يمكنهن ضبطها وإنما يحاولون قدرًا من التعريف.
وعندها تتبين مقادير الرجال ودرجات المتورعين وأحوال المحتاطين لدينهم.
والظاهرية في هذا الباب يتعلقون بمجرد الاسم ويكتفون بأقل ما ينطبق عليه.
قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في قواعده الصغرى: خلصت الظاهرية من هذا الإشكال.
1 في هامش "أ" ما لم يطلب في حق شخص واحد لكونه أخبر بنفسه في حق أشخاص ما لم يطلب في حق شخصين.
قلت: وفاتهم به من دقائق الفقه4 وفهم مقاصد الشريعة أمر عظيم.
مسألة: إذا قطع بانتفاء الحكمة في صورة من الصور ففي ثبوت الحكم خلاف.
قال الغزالي وتليمذه محمد بن يحيى: يثبت الحكم للمنضبطة فإن الحكم قد صار معلقًا بها ولا نظر بعدها إلى الحكمة.
وقال الجدليون: لا يثبت لانتفاء الحكمة فإنها أصل العلة وعلى هذا مسائل.
منها: قول الرجل لامرأته: أنت طالق مع آخر جزء من أجزاء حيضك فالأصح أنه سني نظرًا إلى الحكمة في تحريم طلاق الحائض وهي تطويل العدة فقد قطعنا بانتفائها في هذه الصورة إذ لا طول.
ومن نظر إلى العلة وهي الحيض جعلها بدعيًا، لوقوعه في الحيض والناظرون إلى أن العلة في هذا المحل ظاهرية أهل القياس.
وقد أشار إلى هذا البناء ظاهرية أهل القياس.
ونظير المسألة: عكسها وهي ما إذا قال: أنت طالق مع آخر طهر لم أطأك فيه.
فإن قلنا: الانتقال من الطهر إلى الحيض قرء؛ فهي سني لمصادقة الطهر والشروع في العدة.
وإن قلنا: ليس قرءًا فعلى الوجهين السابقين من نظر إلى الحكمة وجعله في الصورة السابقة سنيًا جعله هنا بدعيًا لتطويل العدة ومن عكس فهو يعكس هنا.
وحكم ابن سريج بأنه يدعي في الصورتين عملًا بالأغلظ وكأنه يجعل الحكم دائرًا مع أي الأمرين وجد من حكمة ومظنة.
ومنها: طلاق الحامل إذا كانت حائضًا جائز كما لو لم تكن حائضًا لأن تطويل العدة منتف؛ فإن عدتها بالوضع.
قال أبو إسحاق: لو كانت ترى الدم وجعلناه حيضًا فقال لها: أنت طالق للسنة لا يقع عليها طلاق حتى تطهر.
قال الرافعي: وعلى هذا فللحامل حال بدعة كما للحائل.
ومنها: منع الراهن من وطء الجارية المرهونة خشية الحبل وإن كات ممن لا
تحبل على الصحيح؛ فلو قطع بعدم الحبل كما لو كان سنها أقل من تسع سنين -قال ابن أبي عصرون تفقهًا: لا يمنع وجوزه الولد.
قلت: وفيه نظر ذكرته في ترشيح التوشيح.
مسألة:
اختلف في تعليل الحكم العديم بالوصف الوجودي. ويعبر عن ذلك بأن العلة لانتفاء الحكم هل يكون وجود مانع أو انتفاء شرط من غير نظر إلى وجود المقتضى.
وهذا هو الراجح عند الإمام الرازي وأبي عمرو بن الحاجب. واختياري في جمع الجوامع أولًا يجوز التعليل بها عند انتفاء المقتضى؛ لأن الإحالة عليه أولى وهذا هو الراجح عند الآمدي واختياري في شرح المختصر والذي أراه الآن جواز التعليل بالمانع لمن لم يدر بانتفاء المقتضى سواء أظن وجوده أو علل بالمانع على تقدير وجود المقتضي.
وعدم جوازه إن علم بانتفاء المقتضى فإن إسناد الحكم إليه أولى فإذا قتل الأب ولده قتلًا شككنا في أنه صدر عن خطأ أو عمد قلنا: لا قصاص عليه لأبوته المانعة من وجوب القصاص؛ سواء أقام المقتضى وهو قتل العمد أو لم يقم.
غير أن المانع عند قيام المقتضى قاطع لعلمه وعند انتفائه لا وقع له لاستبداد المقتضى بإثارة انتفاء الحكم.
ومن ثم نقول: الأب عند القتل العمدآت بما يقتضي قصاصًا؛ غير أن الشارع درأه عنه لحكمة رآها:
وبه يصح قول الغزالي: الأب مكافئ للابن لأنه مكافئ للعم والعم مكافئ للابن، ومكافئ المكافئ مكافئ.
وتردد الأصحاب في الشيخ الهرم هل يتوجه عليه الخطاب بالصوم ثم ينتقل إلى الفدية للعجز أم يخاطب بالفدية ابتداء؟ وبنوا عليه خلافًا في أنه لو نذر في حال العجز صومًا هل ينعقد نذره؟