الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في أحكام تقارن في الزمان أسبابها:
منها: الأسباب الفعلية بأسرها كالاحتطاب والاختشاش والاصطياد لحياة المباح وكالشرب والزنا والسرقة للحدود، كذا قال بعض المتأخرين.
قال: وكذلك التعاليق اللغوية؛ فإنها أسباب وهذا في التعاليق يقابل دعوى القفال، والشيخ أبي علي أن المعلق يتأخر قطعًا، والذي يظهر التوسط بين هذين المتقابلين والقول بأن التعاليق من محل الخلاف -أتقارن أو تسبق العلة فيه المعلول، وكذلك الذي يظهر في الأسباب الفعلية.
غير أن هذا شيئًا وجدته في كلام الذي كان يقال: إنه شافعي زماننا، الشيخ شمس الدين بن عدلان، رحمه الله، ولعله من كلام [القرافي] 1 أخذه، وأنا لا أسلم ذلك، ووجدت في كتاب "البحر" للروياني قبل باب الرجعة بنحو ورقة ما نصه.
فرع: اختلف أصحابنا في الطلاق الواقع بالقول، هل هو واقع معه أو عقيبه؛ فقال بعضهم: يقع مع القول، وقال بعضهم: يقع عقيبه، لأن تعلق الطلاق به [كتعلق] 2 الملك بالبيع، فكما يقع الملك عقيب3 كذلك الطلاق "انتهى".
وفي هذا دلالة على أن الملك يقع عقيب البيع لا معه وفاقًا، وكذلك [يقاس] 4 عليه، ولا يظهر عند التحقيق فرق بين البيع والطلاق.
وقد يقال: لما تركب البيع من إيجاب وقبول توقف تحققه على تمام الصيغتين بخلاف الطلاق. ولا تحقيق في هذا؛ فإن حقيقة البيع متى تحققت كان الخلاف فيها، أقاربها الملك أم تعقبها.
1 في "ب" العراق.
2 في ب لتعليق.
3 في "ب" عقيب البيع.
4 في "ب" قاس.
ثم قال صاحب البحر عقيب هذا: وعلى هذا فلو قال: أنت طالق في حال لفظي بهذه اللفظة هل يقع الطلاق؟
على الوجه الأول يقع: ولا تأثير لهذا القيد لثبوت مقتضاه دونه، وعلى الثاني: لا يقع حال اللفظ، وهل يقع عقيبه؟ يحتمل اعتبارًا بقوله لامرأته: أنت طالق في الشهر الماضي، وفيه خلاف.
- القول في أحكام يضطر الفقيه إلى الحكم بتقدمها على أسبابها وإن كان ذلك، عند اللمتكلم -مستنكرًا في بادئ الرأي.
منها: إتلاف البيع قبل القبض؛ فإنك تقدر الانفساخ قبل تلفه ليقبل المحل الفسخ، إذ [المعدوم] 1 لا يقبل انقلابه لملك البائع.
ومنها: قتل الخطأ فإن له حكمين:
أحدهما: يتقدم عليه وهو وجوب الدية؛ فإنها موروثة، والإرث لا يعقل إلا ما تقدم فيه ملك الميت، وقدر ملكه لها قبل الزهوق- وعلى هذا قول من لا يقول بأن الدية تجب للورثة ابتداء، وهو الصحيح الظاهر.
وثانيهما: يقترن به، وهو وجوب الكفارة إذ لا ضرورة لتقدمها على القتل، بخلاف تقدم الدية.
ومنها: إذ قال لغيره أعتق عبدك عني.
القول في المختلف [ففيه] 2 أيقارن العلة أم يتعقبها؟
وهو الأسباب القولية: كالبيع والعتق والإبراء والطلاق والأمر والنهي، وأمثلته تكثر. وإذا نظرت ما قلناه عرفت أن محل الخلاف إما مقصور على هذا أو مستتبع قليلًا من غيره.
ومن الفوائد هنا -شيء قيمه ابن الرفعة وفيه نظر؛ وذلك أن الأصحاب قالوا: إذا قال طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفًا، فقالت: طلقت وضمنت، أو ضمنت وطلقت، بانت بالألف، وتكون البينونة ولزوم الألف مقترنين في زمان واحد سواء قدمت لفظ الطلاق على الضمان أو عكست، ولا يضر تعاقب اللفظين.
1 في "ب" المعدم.
2 في "ب" فيه.
قال ابن الرفعة: ولا فرق بين أن يقول: المشروط ترتب على الشرط، والمعلول على العلة أو لا.
فكِأنه فهم أن الخلاف في تقارن المعلول لا يطرق هذه الصورة من مجرد قولهم "زمان البينونية والضمان واحد".
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله -وفيما قاله نظر: وإنما أراد الأصحاب أنه لا يتأخر أحدهما، ثم زمانهما مبني على الخلاف في العلة مع المعلول والشرط مع المشروط؛ فعلى قول الترتيب يكون عقب الثاني منهما، وعلى قول العية يكون مع آخر الثاني، قال: ولعل هذا مراد ابن الرفعة.
قلت: وهذا هو الصواب، وقد ذهب الماوردي إلى أنها لا بد أن تقدم الضمان على الطلاق لكونه جعله شرطًا فيه، والشرط متقدم على المشروط، وفي هذا وفاء بالقاعدة.
غير أنا نقول: تقدم الشرط رتبة وزمانًا لا يقتضي ما ذكر من تقديمها إياه في اللفظ لما عرفت.
فرع: نكح الكافر، لابنه الصغير، بالغة وأسلم أبو الطفل والمرأة معًا، قال البغوي: يبطل النكاح لأن إسلام الولد حصل عقب إسلام الأب؛ فتقدم إسلامها إسلام الزوج.
قال الرافعي: لكن ترتب إسلام الولد على الأب، لا يقتضي تقدمًا ولا تأخرًا بالزمان؛ فلا يظهر تقدم إسلامها على إسلام الزوج.
قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله: وينبغي بناؤه على أن العلة الشرعية متقدمة أو مقارنة.
قال: والصحيح عندهم المقارنة، وعليه يتجه قول البغوي. انتهى.
فرع: قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها أنت طالق، وهي مدخول بها وقع الثلاث، قاله الأصحاب وقال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله كل هذا إن قلنا: العلة تتأخر عن المعلول، وإن قلنا معه فإن جعلنا "ما" مصدرية غير ظرفية، فكذلك. وإن جعلناها ظرفية لم يقع إلا طلقتان؛ لأنها إذا كانت ظرفية فالمعنى كل
وقت؛ فإذا قال: أنت طالق، وقع الطلاق المنجز، وواحدة من المعلق كلاهما في وقت واحد ثم لا يقع في ذلك الوقت ثالثة، لأنه لم يجعل في كل وقت غير طلقة واحدة، وبعد انقضاء الوقت الأول لم يقع الطلاق؛ إذ لا تكرار في كل، وإنما لها عموم فقط، فافهمه؛ فلقد اختلفت فيه نسخ "أحكام كل" وقد أوضحته.
هذا إن قلنا: "المعلول مع العلة" وإن قلنا "متأخر" لم يقع إلا طلقتان إذ جعلنا "ما" في "كلما" ظرفية -وسيعود للمسألة ذكر في قسم أصول الفقه في باب العموم والخصوص.
فرع: قال: إن أعتقت غانمًا فسالم حر، ثم أعتق غانمًا في مرض موته، ولم يخرج من الثلث إلا أحدهما فالمذهب المجزوم به في المحرر والمنهاج في باب الوصية تعين [غانم] 1 للعتق ولا فرعه؛ لأنها لو خرجت على سالم ورق غانم لم يحصل شرط [عتق سالم]2.
وبعضهم يقول في التوجيه: عتق سالم مرتب على عتق غانم والأسبق أولى بالنفود.
قال الرافعي في [باب] 3 الوصية: ولكن سيأتي في الطلاق أن مثل هذا الترتيب لا يقتضي سبقًا زمانيًا4؛ وإنما ثبتت الأولوية لما هو الأسبق في الزمان.
فالتوجيه الأول أصح، وذكر أن الحكم فيما [قال] 5 فسالم حر في حال إعتاق غانم كالحكم في المسألة، قال ابن الرفعة وسنعرف في الطلاق وفي العتق في الفرع المذكور، خلافه، قال: وعجيب ذلك منه، وفي الشامل أن القاضي أبا الطيب قال في تعليقه: إذا قال: إذا أعتقت سالمًا فغانم حر في حال إعتاقي سالمًا، أن هذا لا يصح لأن إعتاق سالم جعله شرطًا والمشروط لا يصح وجوده مع الشرط ولا قبله.
وعن الشيخ أبي حامد نحوه إذا قال: ليس هذا بصحيح؛ لأن الإعتاق هو الإيقاع، ولا بد من ترتيب الوقوع عليه، فيؤادي ذلك إلى أن يسبق عتق غانم عتق سالم.
1 سقط في "ب".
2 سقط في "ب".
3 سقط في "ب".
4 في "ب" بزماننا.
5 في "ب" فيما لو قال.
وقال الشيخ الإمام رحمه الله في باب الوصية من شرح المنهاج: اعتراض الرافعي إنما هو على لفظ الأسبق؛ ولكن تأويله [يرجع] 1 إلى معنى التعليل الأول، قال وأيضًا فكثيرًا وأكثر الأصحاب على الترتيب الزماني على خلاف ما قال.
قلت الذي يظهر في مسألة إذا أعتقت غانمًا فسالم حر -التخريج على أن العلة مع المعلول أو سابقة؟ فإن قلنا سابقة فقد يقال: يتعين عتق غانم، وقد يقال -وهو الأظهر: لا يتعين لأن علة عتق سالم ليس عتق غانم؛ بل إعتاقه، وفرق بين الإعتاق والعتق، فإن الإعتاق إيقاع والعتق وقوع، والإعتاق سابق، وزمن عتق سالم وغانم واحد، وإن قلنا بالمعية فلا يخفي أنها سابقة بالتربة، وقد يقال: إنه كاف في تعيين غانم، وأما مسألة التقييد بحال إعتاق غانم فيظهر أن يقال: إن قلنا: يسبق العلة المعلول؛ فهذا اللفظ متدافع إذ شرط عتق هذا هو سبق عتق هذا، فكيف يكون مع؟ [فيفسد] 2 اللفظ ويخرج عن كونه علة، أو يخرج على ما إذا قال "أنت طالق أمس" كما قدمناه عن صاحب البحر.
وإن قلنا: بالمعية؛ فقد يقال بالتدافع أيضًا، لأنه عتق سالم معلل بعتق غانم لا بعتق بعضه، وعتقه جميعًا لا يمكن؛ لأن فيه دفعًا لعتق غانم، والتبعيض يؤدي إلى أن لا توجد الصفة في سالم.
وإذا لم توجد لم يسبق لعتق غانم معارض؛ فيؤدي عتقه إلى عتقه، وهو دور كما ترى، ولعل القاضي والشيخ إلى هذا التقرير أشارا.
وقد يقال: بتعيين عتق غانم لكونه علة وهي وإن لم تسبق المعلول زمانًا سبقته رتبة فكانت أجدر، وقد توجد العلة بدون المعلول لمانع، أما معلول بلا علة فمحال.
وبهذا يتبين لك أن المسألتين ليسا سواء؛ إذ لا يحتمل في الأول بطلان اللفظ البتة. وهذا الاحتمال، في المسألة الثانية، يعضده أن القاضي أبا الطيب نفسه قال هو وغيره كما نقل الرافعي في كتاب العتق: إذا قال أحد الشريكين لشريكه الموسر: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر حال إعتاق نصيبك، وقلنا: السراية تحصل بالإعتاق. أنه يعتق على الشريكين معًا.
قلت: ولا تدافع هنا، لأن هذا النصف يعتق بكل تقدير.
1 في "ب" فيرجع.
2 في "ب" فليغسل.
وذهب القفال والشيخ أبو علي إلى أنه يعتق على المقول له. قالا: لأن المعلق لا يقارن المعلق عليه؛ بل يتأخر بلا شك.
وهذا غير مسلم لهما، ولا فرق بين المعلول وغيره، ولو قال: إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر، فأعتق، سرى، لأن السراية قهرية ولا مدفع لها وموجب التعليق قابل للدفع بالبيع ونحوه، وقد بان لك بهذا أن المسألتين ليسا سواء، وإن تعجب ان الرفعة من الرافعي، لأجل المنقول عن القاضي يوجب تعجبًا منه لأجل المنقول ثانيًا عن القاضي.
فرع:
قال لعبده: إن تزوجت فأنت حر ثم تزوج في مرض الموت بأكثر من مهر المثل، ولم يمكن أن [ينفذ] 1 من الثلث كل من الزيادة على المهر وقيمة العبد -بل أحدهما- فيقدم المهر؛ كذا قاله الأصحاب وحاول الرافعي تخريجه على ترتيب المعلول على العلة، فإن قلنا "بالمعية" وزع على الزيادة وقيمة العبد، وذكر أن الأصحاب صرحوا بالتوزيع فيما لو قال: فأنت حر في حال تزويجي.
قلت: فأما تصريح بالفرق عن الأصحاب فهو شاهد للفرق في المسألة قبلها على خلاف ما ادعاه هو، وأما ما حول تخريجه ففيه نظر؛ لأن المعلق على التزويج لا المهر، والمهر معلول [التزويج] 2 كما أن العتق معلوله، فزمانهما واحد، فإن كان المعلول مع علته فهما مع [التزويج] 3 وإلا فهما بعده إلا أن نجعل نسبة المهر إلى التزويج نسبة السراية إلى العتق لأنه قهري فيسبق العتق؛ لأن معلق قابل للدفع كما تقدم في الفرع قبله.
[فرع4:
قال للمدخول بها؛ كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال: أنت طالق، وقع الثلاث. كذا قالوه وقال الشيخ الإمام: هذا على قول الترتيب وكذا على المعية إن جعلنا ما مصدرية غير ظرفية وإن جعلناها ظرفية لم يقع إلا طلقتان لأنل المعنى "كل وقت" فإذا قال: أنت طالق وقع المنجز وواحدة من المعلق كلاهما في وقت واحد، به لا يقع في ذلك الوقت بالبينة لأنه لم يجعل في كل وقت غير طلقة واحدة، وبعد انقضاء الوقت الأول لم يقع طلاق إذا لا تكرار في كل وإنما لها عموم فقط] .
1 في "أ" يتقدر والمثبت من "ب".
2 في ب التزوج.
3 في ب التزوج.
4 هذا الفرع سقط في "أ".