الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول فيما ازدحمت عليه علتان إحداهما أنسب وأخيل فأعملناها:
ولنبتدئ في ذلك بحديث "الخراج بالضمان" فأقول: قد علل سيد الأولين والآخرين وأعلم الخلق أجمعين -محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بأنسب العلتين عند ازدحامهما. وفي ذلك دلالة على أنه لا يعلل بهما حينئذ؛
وإنما قلت: إنه علل بالأخيل، لأنه لما قال له الرجل المردود عليه بعده بعيب، بعد ما شاء الله أن يقيم عند المشتري. يا رسول الله: قد استعمل غلامي، قال صلى الله عليه وسلم:
الخراج بالضمان1، يعني. ما خرج من الشيء من عين ومنفعة وغلة؛ فهو للمشتري عوض ما كان عليه من ضمان الملك؛ فإنه لو تلف المبيع كان بضمانه؛ فالغلة له لتكون الغنم له في مقابلة الغرم.
فإن قيل: لو كان الخراج في مقابلة الضمان لكانت الزوائد قبل القبض للبائع، ثم العقد أو الفسخ؛ إذ لا ضمان حينئذ، ولم يقل بذلك أحد؛ وإنما يكون له إذا تم العقد.
فالجواب: أن الشيخ الإمام رحمه الله ذكر في شرح المنهاج أن الحكم قد يعلل بعلتين، فالخراج يعلل قبل القبض بالملك وبعده بالضمان والملك جميعًا.
قال: واقتصر صلى الله عليه وسلم على التعليل بالضمان لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه واستبعاده أن الخراج للمشتري؛ فقيل له: إن الغنم في مقابلة الغرم.
قلت: ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة بعد القبض الضمان وإن كانت قبل القبض الملك، لأنه لما ازدحم بعد القبض علتان -وهما الملك والغرم علل بأنسبهما وهو الغرم بخلاف ما قبل القبض فإنه لم يكن إلا واحدة فاحتيج إلى أعمالها. وهذا ما أوردناه للتنبيه عليه.
فإن قيل: لو كانت العلة الضمان لزم أن تكون الزوائد للغاصب، لأن ضمانه أشد من ضمان غيره، وما كانت العلة أنسب وأشد إلا وكان الحكم فيها أولى، وهذا بحر إلى مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
قلنا: المعنى بالضمان ها هنا ضمان الملك لا مطلق الضمان؛ وذلك مقرر في مكانه، وهذا وضع المذهب وعلى أرباب الخلاف تقريره، وكان الغرض منه التطرف إلى أنه لا ينبغي -عند اجتماع وصفين أحدهما أنسب- أن يقال هما علتان؛ بل العلة الأنسب فإن طلب منا دليل شرعي؛ فحسبنا صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا عمل الفقهاء وإليه أشار الرافعي في كتاب الطهار في الكلام على تكفير الكافر بالإعتاق لما تكلم على قول
1 الشافعي في المسند 2/ 144 في البيوع باب فيما نهى عنه من البيوع "481" وأحمد في المسند 6/ 49- 80- 116 وأبو داود في البيوع/ باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا "3508/ 3510" والترمذي 3/ 581- 852 في البيوع باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا "1285/ 1286" وقال حسن صحيح، النسائي 7/ 254 في البيوت/ باب الخراج بالضمان "2243"، الحاكم 2/ 15 وصححه وأقره الذهبي.
الغزالي: "يصح الإعتاق والإطعام من الذمي تغليبًا لجهة الغرامات؛ فقال: قوله تغليبًا لجهة الغرامات -أشار به إلى ما ذكره الإمام: إن الكفارة فيها معنى العبادات لما يتعلق بها من الإرفاق، وفيها معنى المؤاخذات والعقوبات، وغرضها الأظهر الإرفاق، وما يناط بسببين الأظهر منهما يستقل، كالحد فإنه ممحص وزاجر ويجب على الكافر زاجرًا، وإن لم يكن ممحصًا انتهى.
وما نقله عن الإمام كذلك -رأيته في النهاية، وعزاه إلى الأصحاب [فقال] 1:
قال الأصحاب: العبادات المالية يتعلق بها غرض الإرفاق وسد الحاجات والتقرب إلى الله تعالى والغرض الأظهر منها الإرفاق، وما نيط بسببين قد يستقل بأظهرهما، كالحد يمحص ويزجر ثم يثبت على الكافر زاجرًا وإن لم يكن ممحصًا. انتهى.
ولك أن تقول هذا- من الإمام [يحسن] 2 لكونه يمنع شرط اجتماع علتين؛ فإذا اجتمع وصفان أحدهما أظهر تعلق به لا محالة.
أما الغزالي والرافعي فيما يظهر فلا يمنعان ذلك؛ فقد جرى الإمام على أصله، وجرهما استباعه فاقتفيا أثره وغفلا عن أصلهما، وكثيرًا ما يقع مثل ذلك للمقتفين آثار مشايخهم يخالفونهم في أصل ثم يغلبهم الألف على ما تلقفوه منه فيجرون معه في التفريع.
فإذا قلت: فحينئذ لا متعلق لك، إذ هذا الصنيع صنيع الإمام [وحده] 3 فمن أين يثبت لك أنه إذا اجتمع وصفان تعلق بأظهرهما.
قلت: قد نقله عن الأصحاب وعزوه إلى الأصحاب.
فائدة: لم يذكرها الرافعي، وأقول: إن نص الشافعي يؤيد ذلك؛ إذ قال رضي الله عنه في الأم بعدما ذكر أن الذي إذا زنى يحد ما نصه: والحدود كفارة للمسلمين، ونحن نحده إذا زنى انتهت. وسيأتي مبسوطًا في أصول الفقه، فانظر كيف جعل العلة في حد المسلم. التكفير، ولا كذلك حق الكافر. [فإن قلت إذا نقله] 4 عن الأصحاب
1 في ب فقد قال.
2 سقط في ب.
3 في ب معه.
4 سقط في ب.
فما جر الغزالي والرافعي على استتباعه بل تبعًا للأصحاب.
قلت: الأصحاب لما ظهر من صنيعهم التعليق بأنسب الوصفين دلنا ذلك منهم على أن العلتين لا يعملان جملة، وإن ذلك مركوز في طباعهم السليمة كما قدمناه؛ فمن منع اجتماع علتين نفعة ذلك ولم يحتج إلى اعتذار عنه بخلاف المجوز كالغزالي.
فصل:
ثم ما ادعيته من التعليل بأخيل الوصفين هو صنيع أصحابنا قاطبة، عراقيين وخراسانيين؛ وذلك في مسائل:
منها: القاتل المرتد ازدحم على قتله علتان: القتل فنأخذ قصاصًا، والردة فنأخذه تطهير للأرض من المفسدين -ولا يمكن إعمالهما لضيق المحل عنهما، ولو ارتفع أحدهما بأن يتوب عن ردته أو يعفو عنه ولي الدم- لعملت الأخرى عملها.
غير أن الغرض ازدحام العلتين، فنعمل علة القصاص ونسلمه إلى ولي الدم، والسر في ذلك أن غرض الشارع من تطهير الأرض من المفسدين حاصل بإزهاق روحه بأي طريق فرض، وغرض ولي الدم من التشفي لا يحصل إلا بمباشرة القتل، فيسلم إليه.
ولم يقل أحد بأعمال العلتين وأن القتل يقع عن الأمرين.
ونظيره لو قطعت يمناه ووجب فيها القصاص ثم سرق سرقة توجب القطع، قال الإمام في النهاية قبيل كتاب الأشربة؛ فقد ازدحم على يمناه الحد والقصاص، ولكن القصاص يقدم وهذا متفق عليه. انتهى.
ومنها لو اجتمع عليه قطع السرقة وقطع المحاربة، فقد ازدحم عليه علتان، وهما حقان لله تعالى. فقد يقول القائل فيمن قدمناه -من القاتل المرتد والسارق الذي وجب عليه القصاص في اليد- إنما قدم القصاص لتغليب حق الآدمي، فإن حق الله في العقوبات يتعرض للسقوط بالشبهات.
فنقول:
أولًا: هذا لا يضرنا، فإن غرضنا أن لا يعمل العلتان ولنقدم أحدهما بأي طريق اتجه.
ثانيًا: قد أتيناك بصورة ألحقنا فيها من جنس واحد، وقد قال الأصحاب: تقطع يده اليمنى للسرقة. وربما قالوا: للمحاربة.
وهذا برهان واضح لدرء العلتين وتبين أثره في قطع الرجل مع اليد فاختلفوا فيه على وجهين.
أحدهما: يؤخر إلى أن تندمل اليد، لأنها مقطوعة للسرقة والرجل للمحاربة، ولا موالاة بين حدين، قال إمام الحرمين: وكان لا يستحق في الحد إلا الرجل.
وأصحهما -وهو المنصوص- يقطع ولا مبالاة بالموالاة كما لو لم يوجد إلا المحاربة، قال الرافعي: والقطعان قد نجعلهما عن المحاربة إدارجًا لقطع السرقة في قطع المحاربة.
وقد نقول: هذا عن السرقة، وهذا عن المحاربة، لكن العضوين مقطوعان كما لو لم يوجد إلا المحاربة، فزيادة الجناية لا تمنع من الموالاة. انتهى.
فانظر كيف كان كلامه بين احتمالات ليس منها إعمال العلتين، ولم أجد لأحد من أصحابنا تشبثًا بإعمال العلتين غير صاحب التنبيه؛ فإن عبارته:"قطعت يده اليمنى للسرقة والمحاربة" وهي محمولة على ما ذكره في المهذب حيث قال: وهل تجوز الموالاة؟ فيه وجهان.
أحدهما: الجواز، لأن قطع الرجل مع قطع اليد حد واحد فجاز الموالاة بينهما.
الثاني: لا يجوز قطع الرجل حتى تندمل اليد فإن قطع الرجل لقطع الطريق وقطع اليد للسرقة وهما سببان مختلفان؛ فلا توالي بين حديهما.
فانظر كلامه رحمه الله ما أحسنه قد بين فيه أنه لم تعمل العلتان، وتحصلنا منه على اختلاف بين أصحابنا في أن اليد تقطع للسرقة أو المحاربة وعليه ينبني قطع الرجل معها- قبل الاندمال، فمن قال: تقطع للمحاربة لم يرتب في قطع الرجل معها.
وأما من قال: "تقطع للسرقة" فيحتمل أن تؤخر لئلا يقع توالي بين حدين، ويحتمل أن يقال: لا تؤخر؛ لأنه لو لم يقطع للسرقة لقطع للمحاربة وقطعت الرجل، وزيادة الجناية لا تمنع الموالاة.
ومنها: إذا اشترط المتبايعان الخيار ثلاثًا فقد يتخيل -ما لم يفترقا- اجتماع خيار المجلس وخيار الشرط وفي المسألة وجهان.
أحدهما: قال الإمام في آخر باب الشرط: الذي يفسد البيع وإليه ميل النص أكثر وقال الماوردي: إنه ظاهر المذهب أن ابتداء خيار الشرط في حين التفرق.
وعلى هذا فقد قدم خيار المجلس عند الازدحام، وما ذلك إلا لأنه أنسب، لأنه ثابت بالشرع، وما يثبت بالشرع أولى مما يثبت بالشرط وهذه قاعدة [سنذكرها إن شاء الله تعالى]1.
ومنها: إذا اشترى المستأجر العين المستأجرة ففي انفساخ إجارته وجهان: قال ابن الحداد: تنفسخ -قال الرافعي: ويعبر عن هذا بأن الإجارة والملك لا يجتمعان.
قلت: وليس كذلك. فإن هذا التعبير يستدعي أن يمتنع طريان الإجارة على الملك كما امتنع عكسه عند ابن الحداد، وابن الحداد لا يقول به كما بينته في كتاب [لي] 2 في هذه المسألة سميته "رفع المشاجرة في بيع العين المستأجرة" وبينت أن المحذور عند ابن الحداد أن اجتماعهما على وجه خاص وهو أن يملك ثم يكتري، ولا عكسه.
وفيه مباحث تتعلق بما نحن فيه لا بأس بالوقوف عليها، فلتقع الإحالة عليها، والاكتفاء بالإشارة هنا إليه.
ومنها: لو استولد مدبرته، فالذي أورده أكطثر سلف الأصحاب وخلفهم أنه يبطل التدبير، لأن الاستيلاء أقوى، فيرتفع به الأضعف كما يرتفع النكاح بملك اليمين.
ومنها تدبير المستولدة، فإنهلا يصح، لأن الاستيلاد أقوى من التدبير، وقد ذكرنا هذا في أوائل الكتاب في قاعدة "أن الثاتب بالشرع أولى من الثابت بالشرط" وشبهناه [من نذر] 3 أن يأتي بالفرائض. وقد قال الأصحاب قاطبة لا يصح.
ومنها: إذا قالت المرأة لزوجها طلقني بكذا، وارتدت عقب سؤالها فأجابها على الاتصال بحيث تقارن زمان الردة وزمان الجواب، فقد وجد سببان للبينونة في زمان واحد.
1 سقط في "أ" والمثبت من "ب"، وبعد ذلك بياض في ب.
2 في كتاب لي صنفته.
3 في ب شبهناه بالمرتد وأن يأتي بالفرائض.
قال الوالد رحمه الله تعالى في باب الخلع: "الذي يظهر ثبوتها بالانفساخ في زمن الردة واندفاع الطلاق والمال".
قال: ولم أر للأصحاب كلامًا في ذلك؛ وإنما أطلقوا أنه إذا أجابها على الاتصال وكان قبل الدخول، تعجلت الفرقة بالردة، ولا يقع الطلاق، ولا يلزم المال.
وقيد الشيخ الإمام الوالد رحمه الله هذا بما إذا سبقت الردة الجواب.
قال: وإن سبقها الجواب فلا شك في وقوع الطلاق ولزوم المال، ولا أثر للردة لتأخرها، ولو تقارنا فقد ذكرناه.
ومنها: شرط مقتضى العقد لا ينفع ولا يضر، وذكر المحاملي أنه صحيح؛ فإن عنى أن ذكره لا يفسد العقد فحق، وإن عنى أنه يؤثر شيئًا فغير مسلم. وقد تكلمنا عليه في شرح المختصر.
ومنها: عبد مشترك بين مالكين وكل أحدهما صاحبه في عتق نصيبه؛ فقال نصفك حر، ولم يرد نصيبه ولا نصيب شركيه، بل أطلق؛ فقد ازدحم على [عتق] 1 نصف مبهم علتان متى عملت إحداهما بطلت الأخرى فعلى أي النصفين يحمل؟
فيه وجهان: قال النووي لعل أقواهما الحمل على النصف المملوك لا الموكل فيه.
قلت: وقد يوجه بأن تصرفه فيما هو ملكه أتم؛ فكانت علته أنسب وأخيل، ولا يتصور في هذه المسألة، جعلهما جزء علة، ولا أن العلة أحدهما.
ونظير المسألة -وكل المرأة في الخلع إذا أطلق ولم يضف إليها ولا إلى نفسه ولا نوى شيئًا، قال الغزالي: يحمل على الوكالة، وللرافعي فيه بحث.
وأقول: الحمل على الوكالة هنا أرجح منه في مسألة العتق، لأن خلع الأجنبي نادر بخلاف الوكيل، ولا كذلك عتق المالك، لأن عتق المالك أسرع إلى النفوذ، إذ لا مدفع له، بخلاف الوكيل، لاحتمال أن يكون عزل، والعتق منسوب إيه شرعًا فيحمل على المالك.
ومنها: إذا كان للوارث دين على الميت وليفرض في حائز ليتضح ولا يتوقف معه الفهم.
1 في ب غير.
فنقول: من له دين من الحائزين في ذمة موروثه قد يتخيل ازدحام ملكه لما ورثه الميت بسببين الإرث والدين -والحق أنه إنما يرثه بالإرث لا بالدين؛ لأنه جهة الإرث أقوى، ولا تتوقف على شيء، وجهة الدين تتوقف على إقباض وتعويض، وهما متعذران لأن التركة ملكه. وهنا واقعة: وهي أنه يسقط من دين الوارث أبدًا ما يلزمه أداؤه من ذلك الدين ولو كان لأجنبي وهو نسبة إرثه من الدين إن لم تزد على التركة، وما يلزم الورثة أداؤه منه [إذا] 1 زاد ويستقر له نظيره من الميراث، ويقدر أنه أخذه ثم أعيد إليه عن الدين، ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه منه على قدر حصصهم، وقد يفضي الأمر إلى [التفاضل] 2 إذا كان الدين لوارثين؛ فإذا كان الوارث حائزًا ولا يدين لغيره ودينه مساو للتركة أو أقل سقط، وإن زاد سقط مقداره وبقي الزائد.
هكذا حققه الشيخ الإمام رحمه الله في تصينف له في الواقعة سماه "منية الباحث عن دين الوارث".
قال: ويأخذ التركة في الأحوال إرثًا [وقيل] 3 يقدر أنه أخذها دينًا، لأن الدين مقدم، ويسقط لدخول التركة في ملكه، فإن الدين لا يمنع الإرث -ويستحيل ثبوت الشخص على نفسه، فأحوجنا ملكه لها- ومن جملتها الدين، لأنه يرث الدين كما يرث العين، إلى تقدير الانتقال، وهو تقدير محض لا حقيقة له.
هكذا قرره الشيخ الإمام وغلط فيه فقفهاء زمانه قاطبة واستشهد عليه بقول ابن الحداد وغيره.
تنبيه:
فيما يظن فيه ازدحام علتين أعمل أضعفهما.
قال الأصحاب: من ختن الصبي -من ولي أو أجنبي- في سن لا يحتمله لزمه القصاص إلا الأب والجد، قال الرافعي: للبعضية، ولك أن تقول: لو كان انتفاء القصاص هنا للبعضية للزمك استثناء الحر يختن العبد للحرية والمسلم يختن الكافر، وإن كان الكافر لا يطلب ختانه -للإسلام فكان ينبغي إما أن يستنثي الثلاث أو يترك ذكرها اكتفاء بما علم- في أوائل الجراح- من انتفاء القصاص عند هذه الأمور.
فإن قلت: فما العلة الموجبة لتخصيص ذكر الأب والجد؟
1 في ب إن.
2 في بب التقاص.
3 سقط في ب.
قلت: قوة الولاية أو مطلق الولاية على ما سنحرره.
فإن قلت: لم عدلتم عن التعليل بالبعضية؟
قلت: لوجهين -أصولي وفقهي.
أما الأصولي: فلأن الأبوة مانع من [ثبوت] 1 القصاص ولا ينبغي أن يعلل بالمانع ما أمكن التعليل بالمقتضى فإن قلت: لم قلت: أن الأبوة مانع من ثبوت القصاص. وهلا قلت أنها مقتضى لعدمه.
قلت لوجهين. تحقيقي وجدلي.
أما التحقيقي: فلأن الأبوة لو كانت مقتضيًا عدم القصاص لعارضها القتل المحض العمد العدوان المقتضى للقصاص ولتكافأ، أو احتيج انتفاء القصاص، إلى مرجح -وهذا بخلاف ما إذا جعلته مانعًا، فإن لا تحتاج إلى مرجح من خارج.
فافهم هذا السر، فهو دقيق يظهر [لك] 2 به جعل الأصوليين الأبوة مانعًا للثبوت لا مقتضيًا للانتفاء، وربما زلت أقدم أقوام في هذا المقام لذهولهم عن هذا السر، وحاولوا جعل الابن مكافئ، ليتوصلوا إلى انتفاء القصاص.
والتحقيق وبه صرح الغزالي -أن الأب مكافئ للولد- لأنه مكافئ لأخيه الذي هو عم الولد. وكافئ المكافئ مكافئ. فلا احتياج إلى دعوى عدم المكافأة؛ فإنه لم يتعارض هنا علتان، وليس إلا علة قام معها مامع من أن تعمل عمله.
ومن فوائد ذلك أن لا نحتاج في إثبات الضمان على الوالد إلى دليل يتجدد؛ بل نقول: وجوب الدية ثابت ثبوت القصاص، فإن منع مانع من ثبوت القصاص لم يمنع من ثبوت الدية، وتكون مستفادة، من المقتضى للقصاص الذي لم يعارضه فيها مانع.
وهذا بخلاف ما إذا جعلنا الأبوة علة لانتفاء القصاص، فإنها لا تدل على ثبوت الدية، ولا على نفيها، ولا يمكن أخذ ثبوتها حينئذ من علة ثبوت القصاص، لأنه قد عارضها معارض أبطل عملها.
لا يقال: إنما أبطل عملها في القصاص، لأنا نقول: إن قلنا: الدية متأصلة فيحتاج إلى دليل يخصها. وإن قلنا بدل عن القصاص، فالقصاص ها هنا لم يجب
1 سقط في "ب".
2 في "ب" ولكن.
أصلًا، فلا يطلب له بدل. وفي الكتاب مباحث كثيرة أضربت عنها طلبًا للاختصار.
وأما الجدل: فلأنا لو جعلناها مقتضية للعدم، لعللنا الحكم العدمي بالوصف الوجودي، ولئن جاز ذلك، على خلاف فيه فإنما يحسن حيث لا يمكن سواه، أما إذا أمكن تعليل الوجودي بالوجودي فهو أولى.
فهذا إتمام الكلام على الوجه الأصولي من الوجهين المقتضيين لعدولنا عن التعليل بالبغضية. وأما الفقهي: فلأنا لو عللنا بالبعضية لما فرقنا في الضمان - إذا كان ختان الصبي في سن [لا يحتمله] 1 بين أن يكون الخاتن أصلًا من أصوله أو وليًا غيره، لكنا فرقنا قطعًا، فإن القول بأن الأصل لا يضمن -في السن المحتمل- هو الصحيح.
وأما غير الأصل: فإن كان سلطانًا ففيه وجهان، رجح الإمام منهما عدم الضمان أيضًا، ولم يرجح الرافعي في الشرح شيئًا- لكن في المحرر تبع الإمام.
ولا يخفى أن تضمين الإمام أقرب من تضمين الأب والجد، وبذلك صرح الإمام في النهاية، وإن كان فيه غير ما ذكرناه فهي مسألة لم أجدها مصرحًا بها في غير الحاوي للماوردي، وهو وإن قال فيها بعدم الضمان فلا ينكر أن تضمينه أقرب من تضمين الإمام.
فاختلاف هذه المراتب، مع اتفاقها في الحكم على الأصح. دليل على أن التعليل بالولاية أولى.
فإن قلت: أبو لاية الأبوبة تقللون أم بمطلق الولاية؟
قلت: إن ألحقنا غير الأب به فبمطلق الولاية وإلا فبولاية الأبوة لقوتها.
وقد نظرنا إليها في باب الحجر، حيث فرقنا بين دعوى الصبي بعد بلوغه على الأصل ودعواه على الوصي. وقد يقال: يعلل في الأب بولاية الأبوة ثم يلحق به غيره لمطلق الولاية.
ولكن يلزم على هذا أن يقال: إلحاق غير الأب به قياس أدون كإلحاق التفاح بالبر في الربا ولا محظور في ذلك.
وإذا وضح لك ما أبديت من التقرير علمت أنه ليس لقائل أن يقول: إذا كانت
1 في ب يحتمله.
الأبوة علة والولاية علة فالتعليل بالولاية عند الازدحام -إعمال للأضعف. لأنا قد بينا أن الأبوة ليست بعلة، فضلأا عن أن تكون أولى من الولاية.
وبتقدير أن تكون علة فقد ازدحم على الأب الولي ثلاثة أوصاف، أعمها كونه وليًا، وأخص منه كونه وليًا بالأبوة، وأخص من هذا الأخص منه كونه أبًا، فيلتحق ذلك بما ازدحم عليه علتان -عامة وخاصة- وتظهر فائدة ذلك بما إذا كان الأب غير ولي -بأن كان فاسقًا- فأقدم على الختان، فلا قصاص عليه حينئذ لكونه أبا، لا لكونه وليًا، إذ لا ولاية حينئذ، بل لمانع الأبوة، وهنا يحتاج إلى التعليل بالبعضية ولا في الأب الولي.
فصل:
فيما ازدحم عليه علتان لا يترجح إحداهما على الأخرى وظهر الحكم بعدهما، فحكمنا بأنهما جزءًا علة واحدة، والعلة حينئذ المجموع، أو أن العلة إحداهما لا بعينها، أو نقول: بأن كلا منهما علة مستقلة؛ غير أن الواقع حكمان لا حكم واحد، فلا اجتماع لعلتين على معلول واحد أبد الآباد وغوص الغائصين ودهر الداهرين. ومن أمثلة هذا الفصل:
من مس ذكره وأجنبية في وقت واحد، ولا أقول: من مس وبال؛ فإنه يختلج في الذهن تقديم علة البول.
ومنها: عتق الراهن والموسر واقع، لكونه مالكًا موسرًا وبهذه خرج المعسر، والذي يظهر أن العلة في هذه الصروة مجموع المالكية مع اليسار.
فإن قلت: يعارض وصف المالكية تعلق حق المرتهن.
قلت: معارضة جزء العلة لا ينهض بدفع العلة عن عملها؛ فإن المالكية في الأصل علة مستقلة وإنما صارت جزءًا بانضمام وصف اليسار إليها، فنشأ عنه أن عتق المعسر عنه لا يجوز، فإذا عورض هذا الجزء لم يتدفع.
وفقه المسألة: أن حق المرتهن وإن تعلق بالعين فغرضه الأعظم التوصل إلى ماله، وعو عند ذي اليسار حاصله فاضمحلت معارضته.
وليس هذا منا نظرًا إلى معنى المالكية كما يقوله مالك. وإن كنا نختاره -ولكنه أمر وراء ذلك وهو جرار لم أذكره في شرح المختصر بل اقتصرت أنا حينئذ بقسط وصف المالكية.
والمختار عندنا في الجواب الآن ما ذكرناه في شرح المختصر من الفقه، وتحققنا به ما تطول إعادته هنا، فعلى من أراد البسط في هذه المسألة أن ينظر فيه.
ومنها: لو قال لنسائه الأربع من حملت منكن هذه الخشبة فهي طالق فحملها ثلاث منهن، وهي خفيفة تستقل كل منهم بحملها- في فروع الطلاق من الرافعي لم تطلق واحدة منهن، وقيل: يطلقن.
قلت: فأما القول بأنه لا تطلق واحدة منهن ففيه دمار للعلتين عند ازدحامهما، وهو يؤيد منع اجتماع العلتين.
وأما القول بأنهن يطلقن. جميعًا فلا وجه له إلا أن كل واحدة [منهن] 1 حملت، وهو مكابرة في المحسوس، لأن [المجموع] 2 حاصل بقوى كلهن، وإن كانت كل واحدة لو انفردت لأثرت، فالوجه بعدم الطلاق البتة، وإن كانت ثقيلة لا تستقل كل واحدة بحملها، كذا في الرافعي، وينبغي أن يقول: ولا اثنين، قال: طلقن.
وأقول: وينبغي أن لا تطلق واحدة منهن لأن الحامل مجموعهن لا كل واحدة منهن، والمحلوف عليه كل واحدة لا المجموع.
فصل:
فيما ازدحم عليه علتان - عامة وخاصة.
وقد يقال فيما هذا شأنه: إن العلة العامة لعمومها، وتسقط الخاصة عن درجة الاعتبار مطلقًا وقد يقال: العلة في موضع الخصوص الخاصة، وفيما عداه العامة. وفي هذا إجحاف وإخراج لوصف العموم عن صلاحية العلة في موضع الخصوص بلا داع. ومن يجمع بين العلتين لم يبال بهذا، ويقول كلا الوصفين علة، ولهذا أمثلة:
منها: عتق الراهن عند من ينفذ إذا كان موسرًا أو عند من لا ينفذ إذا كان معسرًا، وقد تكلمنا على هذا في شرح المختصر؛ فلينظر.
ومنها: منفعة الدار والعبد ونحوهما تضمن بالتفويت والفوات تحت يد عادية، كذا قالوا. وأنا أرى أن العلة الفوات لا التفويت، وأن خصوص التفويت [يلغى] 3 وإلى
1 سقط في "ب".
2 في ب المحمول.
3 في ب ملغي.
هذا أشار الشيخ الإمام الوالد رحمه الله في باب الغضب من "شرح المنهاج" ويدل له قول الأصحاب: "لو نقص المغضوب بغير استعمال وجب الأرض مع الأجرة، ولو نقص بالاستعمال كما لو بلي الثوب باللبس؛ فكذلك على الصحيح لأن الأجرة للفوات، والأرض للنقص، وهما سببان مختلفان فيثبت موجبهما.
والثاني: لا يجب إلا أكثر الأمرين -من الأجرة والأرض لأن الأرض بسبب الاستعمال فيتداخلان فهذا الوجه يشهد لأن العلة الفوات دون التفويت؛ وإلا فكيف يكون التفويت غير مضمن والفوات مضمنًا، لترددهم في التفويت، وجزمهم في الفوات شاهد لما قلته، ثم علة الفوات مضطردة سالمة من النقص بخلاف التفويت؛ ألا ترى أنه لو غصب عبدًا مرتدًا فقتله لم يجب عليه ضمانه، لو مات في يده ضمنه، والفرق أن يقيم في الأول حد الله، وإن كان مفتاتًا على نائب المسلمين -بخلاف الثاني.
ومثله لو لم يكن مرتدًا بل قال مولاه للغاصب أقتله فلو قتله لم يضمنه، لو تلف في يده ضمنه صرح به الإمام في النهاية في باب الأسير يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب قبل باب إظهار دين الله.
ومنها: علة وجوب نفقة القريب على قريبه يتحصل من كلام الأصحاب فيه وجهان:
أحدهما: أنه منزل منزلة نفسه للبغضية.
والثاني: يسار القريب المنفق.
واليسار أخص من الأول، والأرجح التعليل بالأعم، ويتخرج عليها أنه هل يجب على القادر على الكسب الاكتساب لنفقة القريب؟ والأصح الوجوب لذلك.
واتفاق الأصحاب أو أكثرهم، على وجوب نفقة القريب على المفلس المحجور، يدل على أن العلة ليست اليسار؛ بل مطلق الملك، وبه صرح القاضي الحسين قال: ولا شك أن المفلس معسر، وإن أنفق على قريبه فذلك لعلة المالكية.
فصل:
فيما ازدحم عليه علتان بينهما عموم وخصوص من وجه، العمل منهما لما هو الأقوى في كل صورة بخصوصها. وله نظائر منها:
منها: إذا كان القاضي وصيًا على يتيم فهو يتصرف له من حيث أنه قاض، وتلك صفة تعم هذا اليتيم وغيره من اليتامى، ومن حيث أنه وصي، وتلك صفة تبقى وإن زالت صفة القضاء؛ فهي أعم من القضاء من هذا الوجه، لأنه إذا زال خصوص كونه قاضيًا، بالنسبة إلى هذا اليتيم، بقي عموم كونه وصيًا لا يختص تصرفه بزمن القضاء، والأقوى ما دام قاضيًا تصرفه بالوصية فإنه تصرف بالخصوص.
فإن قلت: ماذا ينبني على هذا؟
قلت: إذا كان لليتيم حق ورثه من أبيه فهل له الحكم به؟
فيما ذكرناه يظهر أنه لا يحكم؛ لأنه إنما يتصرف بالوصاية ولا قضاء فيها، ولو تصرف بالقضاء لكان حاكمًا والخصم هو الوصي "وهو الوصي" فيكون خصم نفسه وهذا لا يضر.
فمن ثم رجح قول ابن الحداد في وصي على يتيم ولي الحكم فشهد عند بمال لأبي الطفل على منكر أنه ليس له أن يحكم عليه؛ لأن من كان خصمًا في حكومة لم يجز أن يكون حاكمًا فيها. كما لا يحكم على غيره لنفسه، ولأنه لو شهد للصبي، الذي هو قيمه -بمال [لم يقبل] 1 ومن لا يشهد لشخص لا يحكم له.
وصحح الرافعي أن له الحكم، وذكر أن قول القفال، والقفال لم يفصح به في شرح الفروع؛ وإنما الشيخ أبو علي نقله عنه في شرح الفروع سماعًا، واحتج بأن القاضي يلي أمر الأيتام كلهم وإن لم يكن وصيًا فلا تهمة.
قال ابن الرفعة: والصواب قول ابن لحداد.
قلت: والأمر كذلك، وقد بينته في الطبقات الكبرى في ترجمة ابن الحداد.
فصل:
نختم به الكلام على التعليل بعلتين، قد يتعقب المحل علتان مقتضى كل واحدة منهما مقتضى أختها، ونعلم أنهما غير مجتمعتين، ونعلم أن إحداهما واقعة، والأخرى زائلة؛ غير أنا لا ندري عين الذاهبة، ولا نميز بين الحاضرة والغائبة.
وهذا قد يقول من ينتهي إليه: هو من باب التعليل بأحدهما لا بعينه. وليس
1 سقط في ب.
كذلك لأن التعليل بالمبهمة فيما قدماه، هو في مبهمة بين شيئين. قال قائل باجتماعهما وتأثيرهما، وقائل بتأثير المجموع منهما، إلى غير ذلك مما قدمناه، وليس كلامنا هنا فيه، بل في وصفين أجمع على انتفاء أحدهما ولم يعلم عينه؛ فهل يضر ذلك ويبطل الحكم للجهل بالمأخذ. أو لا؛ لأن مثل هذا الجهل لا يضر، إذ كل منهما كافية في إقامة الحكم؟
هذا موضع تردد، وهذا يشهب القياس المركب، فإن المختلفين من الأئمة من مأخذ إذا اجتمعت في صورة أجمعوا على حكمها -وإن أسند كل الحكم إلى ما يعتقده، كما نقول: أجمع الإمامان على أن البكر الصغيرة تجبر؛ فالشافعي لبكارتها، وأبو حنيفة لصغرها، ولكن القياس المركب لا خلاف فيه بين الفقهاء، وهذا فيه تردد تلقفناه من مسائل.
منها: لو اشترى زوجته بشرط الخيار فهل له وطؤها في مدة الخيار لأنها لا تخرج عن كونها منكوحة أو مملوكة أولًا: لأنه لا يدري بأي الأمرين يطأ؟ فيه وجهان: المنصوص منهما الثاني.
ومنها: لو أقر بحرية بعده في يد غيره زاعمًا أن ذلك الغير أعتقه ثم اشتراه ومات العبد، وقد ترك مالًا وأولادًا ولا وارث له بغير الولاء والمشتري مصمم على إقراره، فظاهر النص أن المال يوقف فإن ولاءه لا يكون للمشتري لاعترافه بأنه لم يعتقه ولا للبائع لزعمه أنه رقيق، وعليه جماعة من الأصحاب.
واعترض المزني فقال: للمشتري أخذ قدر الثمن. مما تركه، فإن فضل شيء كان الموقوف هو الفاضل فقط؛ وإنما يأخذ قدر الثمن لأنه مستحق له بكل حال، لأن المشتري إما كاذب، فالميت رقيق وما يتركه فهو ملك مولاه أو صادق فللبائع إرثًا بالولاء وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذر استرداده فإذا ظهر بماله كان له أن يأخذ قدر حقه.
وافترق الأصحاب فرقتين:
فرقة خطأت المزني، ومن توجيهاتها أنه لا يردي بأي جهة يأخذ، بجهة الملك أو بجهة الظفر، فمن ثم يمنع من الأخذ إلى ظهور جهته، وفرقة: منها ابن سريج وأكثر مشايخ المذهب قالوا: الأمر كما ذكره المزني.
وقد نص عليه الشافعي في موضع آخر، والفتيا على هذا، فإن اختلاف الجهة لا ينبغي أن تمنع الأخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق.
ومنها: قال لي عليك ألف ضمنته، فقال: ما ضمنت شيئًا، ولكن لك على ألف من ثمن متلف ففيه خلاف، قال الرافعي في باب الإقرار الأصح الثبوت وقطع النظر عن الجهة.
ومنها: قال: زوجتنيها [وقال] 1 بل بعتكها، قال الغزالي: إن كان صادقًا حلت له باطنًا، وفي الظاهره وجهان لاختلاف الجهة.
قلت: قوله: إن كان صادقًا قيد لم يذكره الرافعي، ولقد أجاد، فما لكونه صادقًا مدخل، هب أنه كاذب، فهي ملكه فتحل.
ومنها: قطع رجل ذكر خنثى وشفريه ولم يعف عن القصاص، بل قال: سلموا إلي المستيقن منه؛ ففي وجه لا يسمل إليه شيء، قال الغزالي في البسط: إذ لا تعرف جهته -أهو من دية أو حكومة، وهو ظاهر كلام المزني. قال: وهو يلتفت على ما لو أدعى عليه.
تنبيه: ما قدمناه هو فيما إذا ما تعاقب على المحل وصفان عرفنا أن أحدهما زائل، وقد يتعاقب وصفان لا يعرف زوال واحد منهما ولكن يتردد فيه -وبيانه بصور.
منها: لو لم يكن له إلا وارث واحد وأوصى له بماله؛ [فوجهان] 2 أصحهما أنه يأخذ التركة إرثًا، والثاني يأخذه وصية.
وذكر صاحب التتمة: إن فائدة الخلاف تظهر فيما إذا ظهر دين.
فإن قلنا، يأخذها إرثًا فله إمساكها وقضاء الدين في موضع آخر، وإن قلنا: وصية قضاء منها ولصاحب الدين الامتناع لو قضى من غيرها، ووافقه الرافعي والنووي، وأطال ابن الرفعة والوالد رحمهما الله الكلام على ذلك بما لا غرض لي الآن في حكايته.
قال النووي "ومن فوائده لو حدث في عين التركة، زوائد إن قلنا: وصية لم يملكها، وإن قلنا: إرث ملكها على الصحيح.
1 في ب فقال.
2 في ب وجهان.
واعترضه الوالد رحمه الله تعالى بأنا وإن قلنا وصية فهو إذا قبل يتبين أنه ملك بالموت [على الصحيح] 1 الأصح فيستوي هو والوارث، وحيث قلنا: لا يملك الموصي له الزوائد، فهي للوارث على الأصح، وعلى وجه تركه، والتركة للوارث، فأيا ما كان فهي له. ثم قال [فلعل] 2 مراد الشيخ محيي الدين رضي الله عنه أنه إذا قلنا: بالإرث، فالزوائد محكوم بملكه لها من حين الموت، وإن قلنا: وصية، فلا يحكم بملكها حتى يقبل، فإن قبل انبنى على الخلاف في وقت الملك.
[قال] 3 لكن يرد عليه ما أشرنا إليه من أنه إذا لم يملك بالوصية ملك بالإرث.
فلعل مراده إن قلنا: وصية. لم يملكها بالوصية حتى يقبل فيتبين قلت وجرت بيني وبين الوالد رحمه الله مباحثه في هذه المسألة عند كتابته لها في باب الوصية وقرأتها عليه في درس الغزالية، وقلت قد تظهر فائدة الخلاف فيما لو كانت جارية وانقضت مدة الاستبراء، قبل قبوله الوصية، فإن قلنا تملكها "إرثًا" جاز له الوطء -وإن قلنا:"وصية" فهو ما لم يقبل غير مالك بالوصية؛ فينبغي أن لا يجوز له الوطء حتى يرد، فيعلم أنه حينئذ يطأ يملك الإرث، وإلا فما لم يرد لا ندري بأن الملكين يطأ فيمتنع وطؤه على الوجه القائل بنظيره فيمن اشترى زوجته بشرط الخيار.
ثم ذكر الوالد رحمه الله ما إذا أوصى لكل وارث بقدر حصته على الإشاعة وأن الوصية تلغو وأن الرافعي قال: يجيء فيه، قال: وفقه الرافعي صحيح، والحق في المسألتين أن الوصية لاغية لمخالفة أمر الشرع.
قال: ومن يقول بالصحة لعله يقول: إن ذلك موافق لحكم الشرع في الوارث، الواحد الجميع، فهو بالوصية مقرر لحكم الشرع [لا مخالف]4.
[قال] 5 ويجتمع على ملك الوارث سببان، الميراث بأمر الله، والوصية بأمر الموصى الذي لم يقم دليل على منع الشرع له في هذه الصورة لعدم اختلاف الأحكام، فيستند الحكم إليهما أو إلى أحدهما على الخلاف في اجتماع علتين. قال: وعلى هذا [ينزل] 6 الوجهان.
1 سقط في ب.
2 في ب لعل.
3 سقط في أوالمثبت من ب.
4 في ب مخالفًا.
5 سقط في ب.
6 في ب يقول.
قلت: وهذا فقه صحيح، وهو مقصودي بذكر هذا الفرع، فإن هذه حينئذ صورة يتعاقب عليها وصفان لا يعلم هل هما مجتمعان فيعمل فيهما ما يعمل في اجتماع علتين أو إنما الموجود أحدهما؟
ووددت لو قال قائل: يملك الوارث الثلث بالوصية والثلثين بالإرث، لأنه ليس للميت سلطان في الوصية إلا بالثلث، ثم هذا الثلث إذا رده يحتمل أن يقال: إنه يرد إلى الوارث فيعمل فيه ما تقدم.
ووددت لو قيل: إنه لا يعود إليه لأن الميت حجزه عن أن يرثه بإيصائه به إليه ويكون كمن أوصى بالثلث ولم يبين الجهة مع إخراجه الوارث.
فليتأمل فيها حركت من البحث؛ فإني لا أذكر أن مثله وقع بين يدي الشيخ الإمام رحمه الله.
أصل: العلة تسبق المعلول زمانًا عند أقوام من الفقهاء، وعليه الشيخ الإمام الوالد رحمه الله، وتقاربه عند آخرين، ولعلهم الأكثر، وهو المنقول عن الشيخ أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه وسمعت الشيخ الإمام يستدل له بقوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} 1.
وهو استنباط حسن.
وفصل قوم فقالوا: [العقلية لا تسبق الوضعية والوضعية تسبق]2.
وربما قال بعضهم: الوضعية تسبق إجماعًا.
وإنما الخلاف في العقلية وعليه يدل كلام القفال والشيخ أبي علي حيث قالا: فيما حكاه عنهما الرافعي في باب العتق "المعلق لا يقارب المعلق عليه، بل يتأخر بلا شك"، وسنحكي ذلك في مسألة، إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر معه -ولكن هذا فيه نظر، والخلاف واقع.
وقد صرح به ابن الرفعة في كتاب الطلاق، ثم ألحق استواء العقلية والوضعية، وإليه أشار الغزالي في الوسيط، في الطلاق. فإن الوضعية أبدًا تحاكي العقل، لا فرق إلا أن تلك مؤثرة بذاتها، ولذلك لا نقول بها، إذ لا مؤثر عندنا إلا الله تعالى.
وقال الغزالي في الوسيط في فصل التعليق بالتطليق ونفيه، وقد تكلم على مسائل3 من العلة والمعلول سيأتي بعضها:"هذا كلام دقيق عقلي، وربما يقصر نظر الفقيه عنه".
قلت ورأيت في كلام بعضهم أن أزمنة الأحكام المضافة إلى الأسباب أربعة أقسام: مقارن ومتقدم ومتأخر ومختلف فيه، وهأنا أذكر ما ذكره ثم أتكلم عليه.
1 الزمر "42".
2 في أالعقلية لا تسبق الوضعية وقيل تسبق والمثبت من "ب".
3 ما بين القوسين سقط من "آ" والمثبت من "ب".