الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16- كتَاب الأمُور المَنهي عَنْهَا
254- باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
قَالَ الله تَعَالَى (1) : (وَلَا يَغْتَبْ بَعضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) .
وقال تَعَالَى (2) : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) .
ــ
كتاب الأمور
بضم أوليه جمع أمر بمعنى الحال أما الأمر بمعنى الطلب فجمعه أوامر (المنهي عنها) تحريماً أو تنزيهاً بالمعنى الشامل لخلاف الأولى. (باب تحريم الغيبة) بكسر المعجمة وسكون التحتية (والأمر بحفظ اللسان) أي: عن كل منهي عنه من الكلام ومنه المباح الذي لا يعني. (قال الله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضاً) والغيبة ذكرك أخاك بما يكره، مع أنه فيه فإن لم يكن فيه فبهتان (أيحب أحدكم أن جمل لحم أخيه) تمثيل لما ينال من عرض أخيه على أفحش وجه (ميتاً) حال من اللحم والأخ (فكرهتموه) الفاء فصيحة أي إن عرض عليكم هذا فقد كرهتموه، فهو تقرير وتحقيق للأول (واتقوا الله إن الله تواب) بليغ في قبول التوبة (رحيم) بالغ الرحمة. وقال تعالى:(ولا تقف) أي: تتبع (ما ليس لك به علم) ما لم يتعلق به علمك من قول وفعل، فيدخل فيه شهادة الزور والكذب والبهتان (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك) أي: السمع والبصر والفؤاد، وأولئك تجيء لغير العقلاء (كان عنه مسؤولاً) من جوز تقديم مفعول ما لم يسم فاعله: لأنه في المعنى مفعول سيما
(1) سورة الحجرات، الآية:12.
(2)
سورة الإسراء، الآية:36.
وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ" متفق عَلَيْهِ (1) .
1512-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ" متفق عَلَيْهِ.
ومعنى: "يَتَبَيَّنُ" يُفَكِّرُ أنَّها خَيْرٌ أم لا (2) .
ــ
وأبرزه في سورة التمثيل: ليكون التأكيد فيه بليغاً. وما بين لحييه هو اللسان فلا يتكلم إلا فيما أمر به، ويسكت في غيره (وما بين رجليه) أي: فرجه فلا يأتي به حراماً (أضمن) بالرفع على الاستئناف، وبالجزم جواب الشرط المقدر: لكونه في جواب الطلب، وقصد به الجزاء (له الجنة متفق عليه) في الجامع الصغير رمز البخاري فقط، وكذا صنع في الجامع الكبير وزاد فيه رمزاً للبيهقي في الشعب، فلعل الحديث عند مسلم كما قاله المصنف لا من حديث سهل أو لا بخصوص هذا اللفظ.
ّ1512- (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد) أي: الإِنسان المكلف حراً كان أو غيره (ليتكلم بالكلمة) ينبغي أن يراد بها كل من معنييها اللغويين أي: القول المفرد والجملة المفيدة، من استعمال المشترك في معنييه جملة، وهو جائز عند إمامنا الشافعي في آخرين، ثم رأيت العلقمي، أشار لذلك، بقوله أي: الكلام المشتمل على ما يفهم الخير والشر، سواء طال أو قصر، كما يقال كلمة الشهادة، ويقال للقصيدة كلمة (ما يتبين فيها) جملة مستأنفة أو حالية من ضمير يتكلم، وفي محل الصفة فالكلمة: لكون أل فيها جنسية (يزل) بكسر الزاي وتشديد اللام (بها) أي: بسببها (إلى النار) أي: إلى جهتها ويقرب منها (أبعد مما بين المشرق والمغرب) والجملة مضارعية مستأنفة، بيان لموجب تلك الكلمة، ومقتضاها كان قائلاً، قال ماذا يناله بها، فقيل يزل بها وأبعد، صفة مصدر محذوف أي: زللاً بعيد المبدأ أو المنتهى جزاء (متفق عليه) ورواه أحمد (ومعنى يتبين) مضارع من التبين (يفكر أنها) أي: الكلمة (خير أم لا) .
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: حفظ اللسان (1/264، 265) .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: حفظ اللسان (11/265، 266) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الزهد والرقائق، باب: التكلم بالكلمة يهوى بها في النار (وفي نسخة، باب: حفظ اللسان، (الحديث: 49 و50) .
1513-
وعنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ". رواه البخاري (1) .
1514-
وعن أَبي عبد الرحمان بِلالِ بن الحارِثِ المُزَنِيِّ رضي الله عنه: أنَّ
ــ
1513-
(وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى) بكسر الراء وضمها، ومن فيه: بيانية حال من الكلمة، وكذا قوله (ما يلقي لها بالاً) بالموحدة أي: لا يسمع إليها ولا يجعل قلبه نحوها (يرفعه الله بها درجات) جملة مستأنفة، بيان للموجب، كما تقدم نظيره، وفي نصبه أوجه أحدها أنه منصوب على الظرف، ومفعول الفعل محذوف، أي: يرفعه الله فيها، والثاني أنها تمييز محول عن المفعول المحذوف، والأصل يرفع الله درجاته، فحذف المضاف، ووقع الفعل على المضاف إليه المدلول عليه بالسياق، فحصل إجمال في النسبة فرفع بالإتيان به تمييزاً. والثالث أنها على نزع الخافض، أي: إلى درجات. كذا لخص من شرح الشاطبية، للشهاب الحلبي المعروف الشهير، ومن خطه نقلت، وهو ذكر ذلك في قوله تعالى:(نرفع درجات من نشاء)(2)(وإن العبد لا يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بألا يهوي) بكسر الواو أي: ينزل (بها في) دركات (جهنم) وفي الجملة الأولى الوعد على التكلم بالخير، من أمر بمعروف أو نهي عن منكر وفي الثانية الوعيد على ضده (رواه البخاري) ورواه أحمد.
1514-
(وعن أبي عبد الرحمن بلال) بكسر الموحدة (ابن الحارث) بن عاصم بن سعد بن قرة بن خلاوة، بفتح المعجمة ابن ثعلبة بن ثور بن هدية، بضم الهاء وإسكان الذال المعجمة ابن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار (المزني رضي الله عنه قال المصنف: ووفد عثمان، قيل لهم مزنيون نسبوا إلى أمه وبلال مزني وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد مزينة سنة خمس من الهجرة، وأقطعه صلى الله عليه وسلم المعادن القبلية، بفتح القاف والموحدة، وكان يحمل لواء مزينة يوم فتح مكة، ثم سكن البصرة، وتوفي بها سنة ستين، وهو ابن ثمانين سنة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أحاديث اهـ. من التهذيب للمصنف
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: حفظ اللسان (11/266، 267) .
(2)
سورة الأنعام، الآية:83.
وإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ القَلْبُ القَاسِي". رواه الترمذيُّ (1) .
1517-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَقَاهُ اللهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ". رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن"(2) .
1518-
وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟
قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ". رواه الترمذيُّ،
ــ
وفي تنوين الخير إيماء إلى غلظها وعظمها (وإن أبعد الناس من الله تعالى) أي: من فيضه ورحمته (القلب القاسي) فإنه لقساوته لا يأتمر بخير ولا ينزجر عن شر، فيبعد عن وصف المفلحين، وينتظم في زمرة الأشقياء المبعدين (رواه الترمذي) قال في الجامع الكبير وقال الترمذي غريب. ورواه ابن شاهين في الترغيب في الذكر، ورواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عامر.
1517-
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقاه الله شر ما بين لحييه) أي: لسانه بأن حبسه عن الشر وأجراه في الخير (وشر ما بين رجليه) أي: فرجه حفظه عن الحرام (دخل الجنة) أي: مع الفائزين أي: إن لم يأت بكبائر ولم يتب عنها، وإلا فأمره إلى الله. وظاهر أن الكلام في المؤمنين، فالعام مراد به خاص، أو يقال هو على عمومه، ولا وقاية من شرهما لغيره (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) قال في الجامع الصغير ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه.
1518-
(وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة) أي: ما سببها المحصل لها (قال أمسك عليك لسانك) أي: لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك، وكان الظاهر أن يقال حفظ اللسان، فأخرجه على سبيل الأمر المقتضي للتحقيق مزيداً للتقرير.
وقيل الحديث من أسلوب الحكيم، فإن السؤال عن حقيقة النجاة، والجواب بسببها: لأنه أهم (وليسعك بيتك) الأمر للبيت، وفي الحقيقة لصاحبه: أي اشتغل بما هو سبب لزومه، وهو طاعة الله تعالى والاعتزال عن الأغيار (وابك على خطيئتك) ضمن إبك معنى الندامة،
(1) أخرجه الترمذي في كتاب: الزهد، [باب: 61] ، (الحديث: 2411) .
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب: الزهد، باب: ما جاء في حفظ اللسان، (الحديث: 2409) .
وقال: "حديث حسن"(1) .
1519-
وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا، فَإنَّما نَحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا". رواه الترمذي.
معنى: "تَكْفُرُ اللِّسَانَ": أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ (2) .
ــ
فعداه بعلى أي: اندم على خطيئتك باكياً (رواه الترمذي وقال حديث حسن) .
1519-
(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أصبح ابن آدم) أي: دخل في الصباح (فإن الأعضاء كلها) جمع عضو بضم أوله وكسره، كل لحم وافر بعظمه، قاله في القاموس. ويطلق على القطعة من الشيء والجزء منه أي: كما في المصباح، والظاهر أن هذا مراد هنا (تكفر اللسان) بينه بمَوله (تقول اتق الله فينا) فالجملة بدل مما قبلها أو بيان له (فإنما نحن بك) أي: مجازون بما يصدر عنك، والحصر إضافي.
(فإن استقمت استقمنا) القوام بالفتح العدل والاعتدال، أي: إن اعتدلت اعتدلنا (وإن اعوججت اعوججنا) العوج بفتحتين، في الأجساد، خلاف الاعتدال وهو مصدر من باب تعب يقال عوج العود فهو أعوج والعوج بكسر ففتح في المعاني، يقال في الدين عوج وفي الأمر عوج. قال أبو زيد في الفرق وكل ما رأيته بعينك فهو مفتوح، وما لم تره بعينك فمكسور اهـ. من المصباح واستشكل الطيبي الجمع بين هذا الحديث، وحديث:"إن في الجسد مضغة" ثم أجاب بما حاصله أن اللسان خليفة القلب وترجمانه، وأن الإِنسان عبارة عن القلب واللسان، والمرء بأصغريه. لسان الفتى نصف ونصف فؤاده. (رواه الترمذي) وابن خزيمة والبيهقي في الشعب (معنى تكفر) بضم الفوقية وتشديد الفاء (أي تذل وتخشع) والتكفير هو انحناء قريب من الركوع، كذا في النهاية، ونقله الطيبي وسكت عليه. قال بعض، شراح الجامع الصغير: ولا مانع أن يكون التكفير هنا، كناية عن تنزيل الأعضاء اللسان، إذا أخطأ منزلة الكافر النعم، أو الخارج من الإِسلام إلى الكفر مبالغة، فهي تكفره بهذا الاعتبار وبلسان الحال، ولا ينافي هذا قوله تقول الخ وكأنه الحامل لصاحب النهاية لما جنح له، فإنه لولا توهمه المنافاة، ما اقتصر على ما ذكره. وقد علم مما قررته (3) بل هو أبعد عن التأويل،
(1) أخرجه الترمذي في كتاب: الزهد، باب: ما جاء في حفظ اللسان، (الحديث: 2406) .
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب: الزهد، باب: ما جاء في حفظ اللسان، (الحديث: 2407، 2409) .
(3)
كذا، ولعل الأصل "وقد علم صحة ما قررته". ع.
1521-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ " قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ:"ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ" قِيلَ: أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ؟ قَالَ: "إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فقد اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" رواه مسلم (1) .
1522-
وعن أَبي بَكْرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ في خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ: "إنَّ دِماءكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وأعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا،
ــ
كذا في نسخة، وفي أخرى بزيادة (قبل هذا) وهو باب (2) .
1521-
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة) أي: ما حقيقتها الشرعية (قالوا الله ورسوله أعلم) ردوا العلم إليهما، عملاً بالأدب، ووقوفاً عند حد العلم (قال ذكرك) خبر محذوف دل عليه ذكره في السؤال أي: هي ذكرك (أخاك بما يكره) أي: بمكروه، أو بالذي يكرهه، وبين المعنيين تفاوت لا يخفى (قيل أفرأيت) أي: أخبرني (إن كان في أخي ما أقول) حذف الجواب أي: فهو غيبة، كما يومىء إليه تعريفها السابق، فإنه يشمل ما كان فيه وما لا (قال إن كان فيه ما تقول) الظرف خبر مقدم لكان، وما اسمها، وعائدها محذوف إن قدرت موصولاً أو موصوفاً، فإن قدرت مصدرية فالاسم، المصدر المنسبك منها مع صلتها (فقد اغتبته) لصدق الحد السابق لها على ذلك (وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) بفتح أوليه أي: افتريت عليه الكذب. وأفادت هذه الجملة، اعتبار قيد، كون المكروه الذي ذكرته قائماً به (رواه مسلم) .
1522-
(وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى) هي من خطب الحج المسنونة عند إمامنا الشافعي وأصحابه، قال ابن حجر الهيتمي وقد تركت، من منذ ثلثمائة عام اهـ. قلت وقد يسر الله إحياءها، في هذه الأزمنة، يباشرها الفقراء احتساباً لله تعالى بفضل الله تعالى عليه والإِنابة (في حجة الوداع) بفتح الواو وكسرها، كما تقدم وجههما (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم) أي: يحرم التعرض لدم مسلم أو ماله أو عرضه، بما لم يأذن به الشارع، حرمة شديدة (كحرمة يومكم هذا) أي: يوم
(1) أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الغيبة، (الحديث: 70) .
(2)
لم يذكر الباب الذي قدم فيه الشرح ولم نقف عليه. ع.
وَقُبْحِهَا. وهذا الحَديثُ مِنْ أبلَغِ الزَّواجِرِ عَنِ الغِيبَةِ (1) قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (2) .
1524-
وعن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَومٍ لَهُمْ أظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ! "
ــ
النون، والفوقية مصدر نتن من باب تعب (وقبحها) وهذا على الرواية المذكورة في الحديث. قال العاقولي: وفي المصابيح لو مزج بها البحر لمزجته. وكذا هو في نسخ أبي داود، وكان حق اللفظ لو مزجت بالبحر لكن المزج يستدعي الامتزاج، فكل من الممتزجين يمتزج بالآخر، ومثله فاختلط به نبات الأرض، كان من حق اللفظ فاختلط بنبات الأرض.
ووجه مجيئه فيما قال صاحب الكشاف: أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما، بصفة صاحبه على أن هذا التركيب، أبلغ: لأنه حينئذ من باب عرض الناقة على الحوض اهـ.
وفي كون القلب مطلقاً أبلغ نظر: الذي رجحه الخطيب، أنه إن تضمن سلاسة كان مقبولاً، وإلا فيرد فضلاً عن كونه أبلغ (وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة) والمنع منها لشدة قبحها، فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات، فما بالك بغيبة أقوى منها. (قال الله تعالى) في حق نبيه صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (3) .
1524-
(وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما عرج) بالبناء للمفعول، نائب فاعله قوله (بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس) بضم النون (يخمشون) بسكون المعجمة وكسر الميم (بها وجوههم وصدورهم) أي: يجرحونها، والجملة الفعلية محتملة للحالية، والوصفية، والاستناف. (فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس)
(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في الغيبة، (الحديث: 4875) .
وأخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة، [باب: 51] ، (الحديث: 2502 و 2503) .
(2)
سورة النجم، الآيتان: 3، 4.
(3)
سورة النجم، الآيتان: 3، 4.