الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
284- باب في تحريم مطل الغني بحقٍّ طلبه صاحبه
قَالَ الله تَعَالَى (1) : (إنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أهْلِهَا) .
وقال تَعَالَى (2) : (فَإن أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمَانَتَهُ) .
1609-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَع". متفق عَلَيْهِ.
معنى "أُتبع":
ــ
باب تحريم مطل الغني
أي: تأخيره (بحق طلبه صاحبه) أي: وكان له الطلب، أما لو كان الحق مؤجلاً، فطلبه قبل الأجل، فلا عبرة بطلبه، ولا تحريم في مطله. (قال الله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها) وإن أنزلت في خصوص رد المفتاح، لعثمان بن طلحة الحجبي، لكن الأمانات فيها عام. لذلك ولغيره. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (وقال تعالى: فإن أمن بعضكم بعضاً) من غير رهن ولا إشهاد (فليؤد الذي اؤتمن أمانته) وجوباً ومقابلة لائتمانه بأمانه.
1609-
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغني) من إضافة المصدر للفاعل، والمطل المد (3) والمراد به هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر (ظلم) قال السبكي: تسمية المطل ظلماً، يشعر بكونه كبيرة كالغصب. وقال المصنف: هو صغيرة (وإذا أتبع) بسكون المثناة مبنياً للمفعول أي: أحيل (أحدكم علي مليء) بالهمز وقد يسهل الغني (فليتبع) بالتخفيف والتشديد: فليحتل، وهو أمر ندب، وقيل إباحة وإرشاد، وقيل وجوب. "تنبيه" قال الرافعي: الأشهر في الروايات "وإذا أتبع" وأنهما جملتان، لا تعلق لإِحداهما بالأخرى. ووجه الفاء: أن الجملة الأولى: كالتوطئة، والعلة لقبول الحوالة، أي: إذا كان مطل الغني ظلماً، فليقبل من يحال بدينه عليه، فإن المؤمن من شأنه، أن يحترز عن الظلم فلا يمطل (متفق عليه) ورواه أصحاب السنن الأربعة (معنى أتبع) بضم الهمزة وسكون
(1) سورة النساء، الآية:58.
(2)
سورة البقرة، الآية:283.
(3)
في الأصل (والمدافعة) بدل (والمراد به) وهو تحريف. ع.
يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ فَيَأكُلُهُ" وفي روايةٍ:"العائِدُ في هِبَتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ"(1) .
1611-
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ في سَبيلِ اللهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِندَهُ، فَأَرَدْتُ أن أشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَا تَشْتَرِهِ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وإنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتِهِ كَالعَائِدِ في قَيْئِهِ". متفق عَلَيْهِ.
قَوْله: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبيلِ الله" مَعنَاهُ: تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى بَعْضِ
ــ
لها شأن في القبح يتحدث به، كصفة الكلب، حال كونه أو الذي (يقيء ثم يعود في قيئه) أي: ما تقايأه (2) من إطلاق المصدر على اسم المفعول (فيأكله وفي رواية) لهما، وهي عند أحمد وأبي داود والنسائي من حديثه أيضاً (العائد في هبته كالعائد في قيئه) قال المصنف: والحديث ظاهر في التحريم، وهو محمول على هبته لأجنبي. أما إذا وهب لولده وإن سفل، فله الرجوع أي بشرطه. قال ابن دقيق العيد: وقع التشديد في التشبيه من وجهين: أحدهما تشبيه الراجع بالكلب، والثاني تشبيه المرجوع فيه بالقيء.
1611-
(وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حملت على فرس) اسمه الورد، كان لتميم الداري فإهداه للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه لعمر (في سبيل الله) أي أعطى رجلاً فرساً، ليجاهد الكفار عليه، وهو يطلق على المذكر والمؤنث، بلفظ واحد كما تقدم (فأضاعه الذي كان عنده) أي: لم يكرمه بالإِطعام والعناية به (فأردت أن أشتريه) وظن أن استعادته بالشراء، لا يكون رجوعاً في الهبة، فلا يتناول ما ورد فيه (وظننت أنه يبيعه برخص) أي: في السعر لضعفه وهزاله (فسألت النبي صلى الله عليه وسلم) أي: عن ذلك (فقال لا تشتره ولا تعد) أي: ترجع (في صدقتك وإن أعطاكه) أي: بالبيع منك (بدرهم فإن العائد في صدقته) أي: ولو بشرائها من المتصدق بها عليه (كالعائد في قيئه متفق عليه) رواه البخاري في الزكاة وفي الهبة وفي الجهاد. ومسلم في الفرائض، ورواه أيضاً في صحيحه. قال المزي وتعقب بأنه رواه في الهبة، وهي بين الفرائض والوصايا، قال الحافظ: ورواه أيضاً النسائي في الأحكام ورواه ابن
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الهبة في أبواب متعددة (5/160) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الهبات، باب: تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا
…
(الحديث: 5، 6، 7) .
(2)
لعل الصواب (ما تقيأه) بتشديد الياء كما في القاموس وغيره. ع.
قَالَ اللهُ تَعَالَى (1) : (الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بأنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) - إِلَى قَوْله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) الآية.
ــ
أفتى الشهاب الرملي بخلافه، وتحريمه تعبدي، وما أبدى له إنما يصح حكمة لا علة. (قال تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون) من قبورهم (إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان) أي إلا قيام المصروع (من المس) أي الجنون وهو متعلق بيقوم. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ليلة الإِسراء، مر على قوم بطونهم كالبيوت، وأخبر أنهم أكلة الربا (ذلك) أي: العذاب (بأنهم) أي: بسبب أنهم (قالوا إنما البيع مثل الربا) اعترضوا على أحكام الله تعالى، وقالوا البيع مثل الربا، فإذا كان الربا حراماً، فلا بد أن يكون البيع كذلك (وأحل الله البيع وحرم الربا) يحتمل أن يكون تتمة المعترض (2) المشرك، ويحتمل أن يكون من كلام الله رداً عليهم، أي: اعترضوا، والحال أن الله فرق بين هذا وهذا، وهو الحكيم العليم (فمن جاءه موعظة من ربه) أي: بلغه وعظ من الله (فانتهى) أي: فاتعظ وامتثل، حال وصول الشرع إليه. (فله ما سلف) من المعاملة أي: له ما كان أكل من الربا زمن الجاهلية (وأمره إلى الله) يحكم بينهم يوم القيامة (ومن عاد) إلى تحليله وأكله (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) لكفرهم (يمحق الله الربا) أي: يذهب بركته فلا ينتفع في الدنيا والآخرة به (ويربي الصدقات) أي: يكثرها وينميها، وقد ورد كما تقدم أن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى يكون مثل أحد (والله لا يحب) أي: لا يرضى (كل كفار) أي: مصر على تحليل الحرام (أثيم) فاجر بارتكابه (إن الذين آمنوا)(3) بما جاء من الله (وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) ذكرهما بعد الأعم لشرفهما (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم) من آت (ولا هم يحزنون) على فائت (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) اتركوا ما لكم
(1) سورة البقرة، الآيات: 275-278.
(2)
لعله (كلام المعترض) .
(3)
هذه والأخيرة ليستا في نسخ المتن.
قَالَ الله تَعَالَى (1) : (وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) الآيةَ.
وقال تعالى (2) : (لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) الآيةَ.
وقال تَعَالَى (3) : (يُرَاءونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَاّ قَلِيلاً) .
1614-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَالَ الله تَعَالَى: أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي
ــ
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) أي: فلا يشرك مع ربه في عبادته أحداً، شركاً خفياً، وهو الرياء (حنفاء) مائلين عن كل ما سوى الدين الحنيفي إليه (ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيِّمة) تقدم ما يتعلق بها في باب وجوب الزكاة (وقال تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم) أي: ثوابها (بالمن) تعداد النعمة على المحسن إليه (والأذى) إبطالاً (كـ) ابطال (الذي ينفق ماله رئاء الناس) الضعفين اجتمعا في إحباط الثواب، وجعل العمل معرى منه، سوى ما صحبه في كل منهما (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) وإحسان الكافر لا يكسبه ثواباً، وإنما يتوقع بها تخفيف العقاب (فمثله) أي: صفته العجيبة الشأن، (كمثل صفوان) حجر أملس (عليه تراب) جملة في محل الصفة (فأصابه وابل) مطر غزير (تركه صلداً) أملس نقياً من التراب، كذلك عمل المرائين، يضمحل عند الله، وإن ظهر لهم أعمال، فيما يرى الناس كالتراب (لا يقدرون) الضمير للذين ينفقون، باعتبار المعنى، فأنهم كثيرون (على شيء مما كسبوا) لا ينتفعون بما فعلوا (والله لا يهدي القوم الكافرين) إلى خير، وفيه إيماء إلى أن الرياء من صفة الكفار، فعلى المؤمن أن يحذر منها وقال تعالى: في وصف المنافقين (يراءون الناس) بأعمالهم وطاعاتهم (ولا يذكرون الله إلا قليلا) أي: في قليل من الزمان، وهو حال اجتماعهم على المسلمين، أو إلا ذكراً قليلاً.
1614-
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري) بأن قصد مراءاته، أو
(1) سورة البينة، الآية:5.
(2)
سورة البقرة، الآية:264.
(3)
سورة النساء، الآية:142.