الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
264- باب في تحريم لعن إنسان بعينه أَو دابة
1549-
عن أَبي زيدٍ ثابت بن الضَّحَّاك الأنصاريِّ رضي الله عنه، وَهُوَ من أهلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإسْلَامِ كاذِباً مُتَعَمِّداً، فَهُوَ كَما قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فيما لا يَمْلِكُهُ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ". متفق عَلَيْهِ (1) .
ــ
باب تحريم لعن إنسان بعينه
أي: إن لم يتيقن موته على الكفر، أما من تيقن موته عليه فلا، سواء مات، كأبي جهل وأمثاله، أولا كإبليس وأجناده. وإنما حرمت اللعنة فيما عداه، لأنها طرد عن رحمة الله؛ ولا يعلم ذلك إلا بتوقيف. والحي الكافر إيمانه مرجو، فيدخل في أهلها (أو دابة) أي مثلاً وكذا كل مخلوق من النبات والجماد.
1549-
(وعن أبي زيد ثابت) بالمثلثة وبعد الألف موحدة (ابن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه وهو من أهل بيعة الرضوان) أي: البيعة التي نزل فيها قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)(2) وكانت بالحديبية، سنة ست من الهجرة، سببها، أنه أشيع، أن قريشاً قتلوا عثمان بن عفان، فبايع صلى الله عليه وسلم أصحابه على قتالهم إن صح ذلك الخبر. (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين بملة غير الإِسلام كاذباً متعمداً) كأن قال والله إن فعلت كذا، فهو يهودي أو نصراني (فهو كما قال) أي: إذا أراد التدين بذلك، والعزم عليه إن فعل ذلك، فيصير كافراً حالاً، لأن العزم على الكفر كفر. أما إذا أراد المبالغة في منع نفسه من ذلك، وألا يفعله ألبتة من غير عزم على ذلك المحلوف به ألبتة، فمعصية يستغفر الله منها. وأتى بعلى التي للاستعلاء إيماء إلى عقد قلبه على تلك اليمين، وأنه لو جرى ذلك على لفظه، من غير قصدٍ لم يكن كما ذكر في الحديث (ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) ليكون الجزاء من جنس العمل؛ (وليس على رجل نذر فيما
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز واللعن، والإِيمان باب: من حلف بملة سوى الإِسلام مع اختلاف في بعض الألفاظ، باب: ما جاء في قاتل النفس وفي الأدب، باب ما ينهى عنه من السباب، (الحديث: 10/389) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: غلظ تحريم قتل النفس
…
(الحديث 176) .
(2)
سورة الفتح، الآية:18.
وَلَا بِغَضَبِهِ، وَلَا بِالنَّارِ" رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح" (1) .
1553-
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الفَاحِشِ، وَلَا البَذِيِّ" رواه الترمذي، وقال:"حديث حسن"(2) .
1554-
وعن أَبي الدرداء رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئاً، صَعدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّماءِ، فَتُغْلَقُ أبْوابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى
ــ
ولا بغضبه ولا بالنار) يحتمل أن تكون المفاعلة على بابها، ويحتمل أنها للمبالغة، لا للمغالبة. وقوله ولا بغضبه ولا بالنار، أي: ولا يدعو أحدكم على أحد بكل منهما، وذلك لعظم شأنهما؛ (رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح) ورواه الطيالسي والطبراني والحاكم في المستدرك، وأبو يعلى، وسعيد بن منصور، كما في الجامع الكبير.
1553-
(وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس المؤمن) أي: الكامل الإِيمان (بالطعان) أي: الوقاع في أعراض الناس، بالذم والغيبة ونحوهما، وهو فعال من طعن فيه وعليه بالقول، يطعن بالفتح والضم إذا عابه: ومنه الطعن في النسب. قاله في النهاية (ولا اللعان) قال السيوطي في الدرر: اللعن من الله: الطرد والإِبعاد. ومن الخلق السب والدعاء (ولا الفحاش) هو: ذو الفحش في كلامه وفعاله (ولا البذاء) قال في النهاية: البذاء المباذاة، وهي المفاحشة، وقد بذأ يبذو بذاءة. وقال في المصباح: بذا على القوم يبذو بالفتح والمد سفه وأفحش في منطقه، وإن كان كلامه صدقاً فهو بذي على فعيل، وامرأة بذية كذلك، وأبذى بالألف وبذى وبذو، من بابي تعب وقرب، لغات فيه وبذأ يبذأ مهموز بفتحهما، بذاء وبذاءة بفتح الأول وبالمد (رواه الترمذي وقال حديث حسن) ورواه أحمد، والبخاري في الأدب، وابن حبان، والحاكم في المستدرك.
1554-
(وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا لعن شيئاً) أدمياً كان، أو غيره، كما يؤذن به التعميم، المستفاد من ذكرها في سياق النكرة (صعدت) بكسر المهملة الثانية (اللعنة إلى السماء فتغلق) بالفوقية مبني للمجهول، للعلم بالفاعل ونائبه
(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في اللعن، (الحديث: 4906) .
وأخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في اللعنة، (الحديث: 1976) .
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في اللعنة، (الحديث: 1977) .
1556-
وعن أَبي بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ القَوْمِ. إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَضَايَقَ بِهِمُ الجَبَلُ فَقَالَتْ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ". رواه مسلم.
قَوْله: "حَلْ" بفتح الحاء المهملة وَإسكانِ اللَاّم: وَهِيَ كَلِمَةٌ لِزَجْرِ الإبِلِ.
وَاعْلَمْ أنَّ هَذَا الحَدِيثَ قَدْ يُسْتَشكَلُ مَعْنَاهُ، وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، بَلِ المُرَادُ النَّهْيُ أنْ تُصَاحِبَهُمْ تِلْكَ النَّاقَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهَا وَذَبْحِهَا وَرُكُوبِهَا فِي غَيْرِ صُحْبَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ جائِزٌ لا مَنْعَ مِنْهُ، إِلَاّ مِنْ مُصَاحَبَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَا؛ لأنَّ هذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كُلَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فَمُنِعَ بَعْض مِنْهَا، فَبَقِيَ البَاقِي عَلَى مَا كَانَ، واللهُ أَعلم (1) .
ــ
1556-
(وعن أبي برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء والزاي (نضلة) بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة (ابن عبيد) بصيغة التصغير (الأسلمي) تقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب الخوف (قال بينما جارية) امرأة شابة (على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت) بضم المهملة (بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم) أي: بالقوم الذين فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (الجبل فقالت حل) لتسرع في السير؛ (اللهم العنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصاحبنا) لم يضبطه المصنف، أهو بسكون الباء، أو بفتحها وتشديد النون للتوكيد. وحذفت نون الضمير، فيكون نهياً أو بالفعل المرفوع فيكون خبراً لفظا نهياً معنى (ناقة عليها لعنة، رواه مسلم قوله حل بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام وهي كلمة لزجر الإِبل) كما أن عدس بالمهملتين المفتوحتين، فالساكنة لزجر البغل (واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل) بالبناء للمجهول (معناه) وذلك لما فيه من تسيب تلك الناقة؛ ولا سائبة في الإِسلام (ولا إشكال فيه) أي: عند التأمل والإمعان، وذلك أنه لم يأمر بتسييبها، ومنع التصرف فيها رأساً (بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة) في سفر فيه النبي صلى الله عليه وسلم (وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها، في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم. بل كل ذلك وما سواه من التصرفات، جائز لا منع منه، إلا من مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم بها) أي: استثناء منقطع. (لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة فمنع بعضها) وهو صحبة النبي صلى الله عليه وسلم بها (فبقي الباقي على ما كان) عليه وقوفاً مع الوارد (والله) تعالى (أعلم) .
(1) أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: النهي عن لعب الدواب وغيرها (الحديث: 82) .