المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌279- باب في النهي عن الافتخار والبغي - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - جـ ٨

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌16- كتَاب الأمُور المَنهي عَنْهَا

- ‌254- باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

- ‌255- باب: في تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبةً محرمةً بردها والإِنكار علي قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه

- ‌257- باب في تحريم النميمة وهي نقل الكلام بَيْنَ الناس عَلَى جهة الإفساد

- ‌258- باب في النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إِلَى ولاة الأمور إِذَا لَمْ تَدْعُ إِلَيْهِ حاجة كخوف مفسدة ونحوها

- ‌259- باب في ذمِّ ذِي الوَجْهَيْن

- ‌260- باب: في تحريم الكذب

- ‌261- باب في بيان مَا يجوز من الكذب

- ‌264- باب في تحريم لعن إنسان بعينه أَو دابة

- ‌265- باب في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين

- ‌266- باب في تحريم سب المسلم بغير حق

- ‌267- باب في تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحةٍ شرعية

- ‌268- باب في النهي عن الإيذاء

- ‌269- باب في النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر

- ‌270- باب في تحريم الحسد وَهُوَ تمني زوالُ النعمة عن صاحبها، سواءٌ كَانَتْ نعمة دينٍ أَوْ دنيا

- ‌272- باب في النهي عن سوء الظنّ بالمسلمين من غير ضرورة

- ‌273- باب في تحريم احتقار المسلمين

- ‌274- باب في النهي عن إظهار الشماتة بِالمُسْلِم

- ‌275- باب في تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌276- باب في النهي عن الغش والخداع

- ‌279- باب في النهي عن الافتخار والبغي

- ‌283- باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حَتَّى النملة ونحوها

- ‌284- باب في تحريم مطل الغني بحقٍّ طلبه صاحبه

- ‌289- باب فيمَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء

- ‌292- باب في تحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال في لباس وحركة وغير ذَلِكَ

- ‌293- باب في النهي عن التشبه بالشيطان والكفار

- ‌294- باب في نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد

- ‌295- باب في النهي عن القَزَع وَهُوَ حلق بعض الرأس دون بعض، وإباحة حَلْقِهِ كُلّهِ للرجل دون المرأة

- ‌297- باب في النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه

- ‌299- باب في كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر وكراهة لبس النعل والخف قائماً لغير عذر

- ‌300- باب في النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء كانت في سراج أو غيره

- ‌301- باب في النهي عن التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة

- ‌302- باب في تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر وحلقه والدعاء بالويل والثبور

- ‌305- باب في تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصور في حائط وسقف وستر وعمامة وثوب ونحوها والأمر بإتلاف الصورة

- ‌306- باب في تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع

- ‌307- باب في كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر

- ‌308- باب في كراهة ركوب الجَلَاّلة وهي البعير أو الناقة التي تأكل العَذِرَة فإنْ أكلت علفاً طاهراً فطاب لَحمُهَا، زالت الكراهة

- ‌309- باب في النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار

- ‌310- باب في كراهة الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات

- ‌313- باب في نهي من دخل عَلَيْهِ عشر ذي الحجة وأراد أنْ يضحي عن أخذ شيء من شعره أَوْ أظفاره حَتَّى يضحّي

- ‌314- باب في النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والآباء والحياة والروح والرأس وحياة السلطان ونعمة السلطان وتربة فلان والأمانة، وهي من أشدها نهياً

- ‌317- باب في العفو عن لغو اليمين وأنَّه لا كفارة فِيهِ، وَهُوَ مَا يجري عَلَى اللسان بغير قصد اليمين كقوله عَلَى العادة: لا والله، وبلى والله، ونحو ذَلِكَ

- ‌319- باب في كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة، وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به

- ‌320- باب في تحريم قوله: شاهنشاه للسلطان وغيره لأن معناه ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى

- ‌321- باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بِسَيِّد ونحوه

- ‌323- باب في النهي عن سب الريح، وبيان ما يقال عند هبوبها

- ‌326- باب في تحريم قوله لمسلم: يا كافر

- ‌328- باب في كراهة التقعير في الكلام والتشدُّق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللُّغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم

- ‌329- باب في كراهة قوله: خَبُثَتْ نَفْسي

- ‌330- باب في كراهة تسمية العنب كرماً

- ‌331- باب في النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلَاّ أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه

- ‌332- باب في كراهة قول الإنسان: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ بل يجزم بالطلب

- ‌333- باب في كراهة قول: ما شاء اللهُ وشاء فلان

- ‌334- باب في كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة

- ‌338- باب في كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌339- باب في كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إِلَيْهِ أَوْ مَعَ مدافعة الأخبثين: وهما البول والغائط

- ‌340- باب في النهي عن رفع البصر إِلَى السماء في الصلاة

- ‌342- باب في النهي عن الصلاة إِلَى القبور

- ‌343- باب في تحريم المرور بَيْنَ يدي المصلِّي

- ‌345- باب في كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أَوْ ليلته بصلاة من بين الليالي

- ‌346- باب في تحريم الوصال في الصوم وَهُوَ أنْ يصوم يَومَينِ أَوْ أكثر وَلَا يأكل وَلَا يشرب بينهما

- ‌350- باب في تحريم الشفاعة في الحدود

- ‌351- باب في النهي عن التغوط في طريق الناس وظلِّهم وموارد الماء ونحوها

- ‌354- باب في تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام

- ‌366- باب في النهي عن صمت يوم إلَى الليل

- ‌367- باب في تحريم انتساب الإنسان إِلَى غير أَبيه وَتَولِّيه إِلَى غير مَواليه

- ‌369- باب فيما يقوله ويفعله من ارتكب منهياً عنه

- ‌18- كتَاب الاستغفار

- ‌371- باب في فضل الاستغفار

الفصل: ‌279- باب في النهي عن الافتخار والبغي

والمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِبِ". رواه مسلم.

وفي روايةٍ لَهُ: "المُسْبِلُ إزَارَهُ" يَعْنِي: المُسْبِلَ إزَارَهُ وَثَوْبَهُ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ لِلخُيَلَاءِ (1) .

‌279- باب في النهي عن الافتخار والبغي

قَالَ الله تَعَالَى (2) : (فَلَا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)

وقال تَعَالَى (3) : (إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ) .

ــ

بتشديد النون الأولى والعدول إليه عن المانّ، إيماء إلى عدم دخول، من صدر منه المن مرة مثلاً في ذلك الوعيد، وإن كان مطلقه منهياً عنه محرماً. (والمنفق) بصيغة الفاعل من الإِنفاق (سلعته) بكسر المهملة الأولى أي: متاعه (بالحلف الكاذب) وجاء في الحديث عند البخاري الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة (رواه مسلم) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة (وفي رواية له المسبل إزاره) وذكر الإِزار لا للتخصيص به، بل لكون إسباله هو الغالب، فإسبال غيره مثله، كما قال المصنف (يعني المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء) أما إسبال ذلك، لا على وجه الخيلاء، فمكروه تنزيهاً.

باب النهي عن الافتخار والبغي

(قال الله تعالى: فلا تزكوا أنفسكم) أي: لا تمدحوها، ولا تنسبوها إلى الطهارة (هو أعلم بمن اتقى) فربما تنسبون أحداً إلى التقوى، والله يعلم إنه ليس كذلك. ولذا ورد في الحديث الصحيح:"إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة، فليقل حسب فلاناً والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً أحسبه كذا وكذا" إن كان يعلم ذلك. (وقال تعالى: إنما السبيل) أي: بالمعاقبة (على الذين يظلمون الناس) لا على من انتصر بعد ظلامته (ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك) أي: الظالمون الباغون (لهم عذاب أليم) لظلمهم وبغيهم.

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: بيان غلظ تحريم إسبال الأزار

(الحديث: 171) .

(2)

سورة النجم، الآية:32.

(3)

سورة الشورى، الآية:42.

ص: 429

1587-

وعن عياضِ بن حمارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تَعَالَى أوْحَى إلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أحَدٍ". رواه مسلم. قَالَ أهلُ اللغةِ: البغيُ: التَّعَدِّي والاستطالَةُ (1) .

1588-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا قَالَ الرجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ". رواه مسلم. والرواية المشهورة: "أهْلَكُهُمْ" بِرَفعِ الكاف وروي بنصبها.

وذلكَ النْهيُ لِمنْ قَالَ ذَلِكَ عُجْباً بِنَفْسِهِ، وتَصَاغُراً للنَّاسِ، وارْتِفاعاً عَلَيْهِمْ، فَهَذَا

ــ

1587-

(وعن عياض) بكسر العين المهملة وتخفيف التحتية آخره ضاد معجمة (ابن حمار) بكسر المهملة تقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب التواضع (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا)"أن" مفسرة أو مصدرية، بتقدير الجار، قبلها، أي: أمرني وإياكم بالتواضع، والمبالغة فيه (حتى) غائية أو تعليلية (لا يبغي) بالنصب أي يستطيل (أحد) لفضل فيه من علم أو جاه أو مال (على أحد) خلا عن ذلك (ولا يفخر) بضم الخاء المعجمة، وبالنصب على ما قبله (أحد على أحد رواه مسلم) وأبو داود وابن ماجه كلهم من حديث عياض (قال أهل اللغة البغي التعدي والاستطالة) قال في المصباح: بغى على الناس بغياً، ظلم واعتدى، فهو باغ اهـ. وفي القاموس: بغى عليه يبغي بغياً علا وظلم وعدل عن الحق، واستطال وكذب.

1588-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الرجل) أي: إعجاباً بنفسه، وازدراء بغيره (هلك الناس) وفي معناه فسدوا وفسقوا ونجو ذلك (فهو أهلكهم) أي: أشدهم هلاكاً، لرضاه عن نفسه وبغيه على سائر الناس، (رواه مسلم، والرواية المشهورة أهلكهم برفع الكاف) أفعل تفضيل كما شرحت عليه، ثم الأولى بضم الكاف أو برفع أهلك (وروي بنصبها) أي: بفتحها لأن هذه فتحة بناء لقب الرفع، والنصب من ألقاب الإِعراب (وهذا النهي) المتصيد عن الكلام المدلول عليه، بنسبة قائل ذلك إلى الهلاك (لمن قال ذلك عجباً) بفتحتين أو بضم فسكون (بنفسه وتصاغراً للناس) أي: ازدراء بهم، مصدران

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (الحديث: 64) .

ص: 430

هُوَ الحَرامُ، وَأمَّا مَنْ قَالَهُ لِما يَرَى في النَّاسِ مِنْ نَقْصٍ في أمرِ دِينِهم، وقَالَهُ تَحَزُّناً عَلَيْهِمْ، وعَلَى الدِّينِ، فَلَا بَأسَ بِهِ. هكَذَا فَسَّرَهُ العُلَماءُ وفَصَّلُوهُ، وَمِمَّنْ قَالَهُ مِنَ الأئِمَّةِ الأعْلامِ: مالِكُ بن أنس، وَالخَطَّابِيُّ، والحُميدِي وآخرونَ، وَقَدْ أوْضَحْتُهُ في كتاب الأذْكار (1) .

ــ

منصوبان حالاً، وهما بمعنى الفاعل أو على بابهما، والنصب على أنه مفعول له (فهذا هو الحرام) أي: فالقول بما ذكر، الصادر على ذلك هو الحرام المنهي عنه، بالجملة الخبرية، لأنه أبلغ (وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزناً عليهم وعلى الدين فلا بأس به) بل إذا رجى أنه يحصل بقوله ذلك، إقبال على أمر الدين، وإعراض عن الاخلال به (هكذا فسره العلماء وفصلوه وممن قاله من الأئمة الأعلام) جمع علم بفتحتين، وهو في الأصل الجبل، وأريد به من هو في غاية الظهور، ففيه استعارة تصريحية، وعطف على الأئمة عطف بيان. قوله بعد العطف (مالك بن أنس) إمام دار الهجرة (والخطابي) واسمه حمد بصيغة المصدر نسبة إلى جده خطاب (والحميدي) بضم المهملة وفتح الميم وسكون التحتية ثم دال مهملة، وهو ابن عبد الله الحميدي الأندلسي (وآخرون وقد أوضحته في كتاب الأذكار) المسمى بحلية البررة. قال فيه: ويؤيد الرفع أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء، في ترجمة سفيان الثوري، هو من أهلكهم. قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الرواية الأولى: قال بعض رواته: لا أدري أهو بالرفع أم بالنصب؟ قال الحميدي: الأظهر الرفع أي: هو الأشد هلاكاً للازدراء عليهم والاحتقار لهم؛ وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدري سر الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعض علمائنا يقول، هذا كلام الحميدي والخطابي، معناه: لا يزال الرجل يعيب الناس، ويذكر مساويهم، ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا قاله كذلك، فهو أهلكهم أي: أسوأ حالاً، فيما يلحقه من الإِثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه، ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خير منهم فيهلك. هذا كلام الخطابي، فيما روينا عنه في معالم السنن ورويناه في سنن أبي داود ومن طريق مالك، ثم قال: قال مالك إذا قال ذلك تحزناً عليهم، لما يرى في الناس، يعني في أمر دينهم، فلا أرى به بأساً. وإذا قال ذلك عجباً بنفسه، وتصاغراً للناس، فهو المكروه الذي نهي عنه. قلت فهذا تفسير بإسنادٍ، في

(1) أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب النهي عن قول: هلك الناس (الحديث: 139) .

ص: 431

رواه مسلم. "التَّحْرِيشُ": الإفْسَادُ وتَغييرُ قُلُوبِهِمْ وتَقَاطُعُهُم (1) .

1593-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ، دَخَلَ النَّارَ". رواه أَبُو داود بإسناد عَلَى شرط البخاري ومسلم (2) .

1594-

وعن أَبي خِراشٍ حَدْرَدِ بنِ أَبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ. ويقالُ: السُّلمِيّ الصحابي رضي الله عنه: أنَّه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقولُ: "مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً

ــ

والترمذي (التحريش) بالحاء المهملة وبالشين المعجمة (الإِفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم) وذلك مما يوسوس به، مما يؤدي لذلك ويفضي إليه.

1593-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) بأن يتلاقيا يسلم أحدهما على صاحبه ولا يكلم، تقدم تفسيره بذلك في الحديث المتفق عليه (فمن هجر فوق ثلاث فمات) مصراً على الهجر والقطيعة (دخل النار) إن شاء الله تعذيبه مع عصاة الموحدين، أو دخل النار خالداً مؤبداً، إن استحل ذلك، مع علمه بحرمته والإِجماع عليها (رواه أبو داود بإسناد، على شرط البخاري ومسلم) فرواه عن رجال، رويا عنهم في الصحيح، على وجه مخصوص، أي: في الأوصول عن محمد بن الصباح البزار، عن يزيد بن هارون، عن سفيان عن منصور، عن أبي مزاحم.

1594-

(وعن أبي خراش) بكسر الخاء المعجمة، بعدها راء وإعجام الشين (حدرد) بفتح المهملة الأولى وسكون الثانية وفتح الراء، آخره دال مهملة (ابن أبي حدرد) بالوزن المذكور، واسمه سلامة بن عمير بن أبي سلامة بن سعد بن سارب بن الحارث بن عيسى بن هوازن بن أسلم بن أقصى بن حارثة (الأسلمي ويقال السلميمي) منسوب إلى سليم، مصغر أسلم، تصغير ترخيم. وفي نسخة "السلمي" بضم ففتح نسبة إلى ما ذكر، بحذف الياء كالجهني نسبة إلى جهينة. وقال الحافظ في الإِصابة: كذا وقع في هذه الرواية السلمي وإنما هو الأسلمي (الصحابي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة) بفتح

(1) أخرجه مسلم في كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس

(الحديث: 65) .

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: فيمن يهجر أخاه المسلم، (الحديث: 4914) .

ص: 435

قَالَ: لا يَضُرُّكَ. ورواه مالك في "الموطأ": عن عبد الله بن دينارٍ، قَالَ: كُنْتُ أنَا وابْنُ عُمَرَ عِنْدَ دَارِ خَالِدِ بنُ عُقْبَةَ الَّتي في السُّوقِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يُنَاجِيَهُ، وَلَيْسَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ أَحَدٌ غَيْرِي، فَدَعَا ابْنُ عُمَرَ رَجُلاً آخَرَ حَتَّى كُنَّا أَرْبَعَةً، فَقَالَ لِي وَللرَّجُلِ الثَّالِثِ الَّذِي دَعَا: اسْتَأْخِرَا شَيْئاً، فَإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ:"لا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ"(1) .

1597-

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أجْلِ أنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ"

ــ

بالنصب أي: فإن كانوا أربعة ما حكم تناجي اثنين منهم (قال لا يضرك) أي: لا إثم فيه، ولا حرمة، ولا ضرر فيه (ورواه) الإِمام المجتهد (مالك في الموطأ) بصيغة المفعول، من التوطئة التمهيد والتدليل. (وعن عبد الله بن دينار) التابعي الجليل مولى ابن عمر، ثقة من طبقة تلي أوساط التابعين. مات سنة سبع وعشرين ومائة، قاله الحافظ في التقريب (قال كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق فجاء رجل يريد أن يناجيه) أي: ْيساره (وليس مع ابن عمر أحد غيري) جملة حالية من مفعول يناجيه (فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنا) أي: صرنا (أربعة فقال لي وللرجل الثالث) أي: بالنسبة إليه وإلى ابن عمر (الذي دعا) بحدف العائد المنصوب (استأخرا شيئاً) أي: من التأخر، وذلك ليبلغ المناجي مراده، وعلل نداءه الآخر، ثم ناجاه بعد مجيئه بقوله:(فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد) فيه التناجي دون ما زاد على الواحد.

1597-

(وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث حتى يختلطوا) أي: الثلاثة بالناس، والنهي على سبيل التحريم، بدليل تعليله بقوله (من أجل أن ذلك يحزنه) بفتح أوله وثالثه، وبضم أوله، وكسر ثالثه. ومن المعلوم أن ذلك إيذاء له، والله تعالى يقول: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الاستئذان، باب: لا يتناجى اثنان دون الثالث (11/68، 69) .

وأخرجه مسلم في كتاب: السلام، باب: تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث، بغير رضاه (الحديث: 36) .

وأخرجه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: في التناجي، (الحديث: 4852) .

ص: 438

1601-

وعن أَبي عليٍّ سويدِ بن مُقَرِّنٍ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ بَنِي مُقَرِّنٍ مَا لَنَا خَادِمٌ إِلَاّ وَاحِدَةٌ لَطَمَهَا أصْغَرُنَا فَأَمَرَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُعْتِقَهَا. رواه مسلم. وفي روايةٍ: "سَابعَ إخْوَةٍ لِي"(1) .

1602-

وعن أَبي مسعودٍ البدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أضْرِبُ غُلامَاً لِي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً مِنْ خَلْفِي:"اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ" فَلَمْ أفْهَمِ الصَّوْتِ مِنَ

ــ

1601-

(وعن أبي علي سويد) بضم المهملة وفتح الواو وسكون التحتية بعدها مهملة (ابن مقرن) بصيغة الفاعل من القرين بالقاف والراء والنون ابن عائذ بن منجا بن هجير بن نضر بن حشية بن كعب بن نور بن هدمة بن الأطم بن عثمان بن عمر بن اد المزني، يقال لولد عثمان بن عمرو وأخيه، أوس مزينة نسبوا إلى أمهم مزينة، بنت كلب بن وبرة يكنى أبا عدي، وقيل أبو عمرو سكن الكوفة. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث، أخرج عنه مسلم حديثاً واحداً، ولم يذكر ابن الأثير عام وفاته ولا محلها رضي الله عنه قال لقد رأيتني) ْبضم التاء، ومن خصائص أفعال القلوب، جواز اتحاد فاعلها ومفعولها، أي: علمتني (سابع سبعة) ويصح كون رأى: بصرية، وسابع منصوب على أنه حال (من بني مقرن) وهم سبع إخوة كلهم صحابة مهاجرون، لم يشاركهم أحد في مجموع ذلك، كما قاله ابن عبد البر، وغيره النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وعبد الرحمن. قال ابن الصلاح: وسابع لم يسم لنا، قال الحافظ زين الدين العراقي، في شرح ألفية الحديث: قد سماه ابن فتحون في ذيل الاستيعاب، عبد الله بن مقرن. وذكر أنه كان على سيرة أبي بكر، في قتال أهل الردة، وأن الطبري ذكر ذلك، وحكى ابن فتحون، أن بني مقرن عشرة فالله أعلم. وذكر الطبري في الصحابة أيضاً: ضرار بن مقرن، خلف أخاه لما قتل بنهاوند اهـ. (ما لنا خادم إلا واحدة) جملة في محل المفعول الثاني لرأى، إن كانت علمية. وسابع حال من المفعول الأول. وإن كانت بصرية فهي محل الحال من الياء، فتكون مع ما قبلها حالاً مترادفة. (لطمها أصغرنا) لم يعينه المحدثون فيما رأيته، أي: ضربها ببطن كفه (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها) ليكون اعتاقها كفارة لضربها؛ ففيه غلظ تعذيب المملوك، والاعتداء عليه (رواه مسلم. وفي رواية) له (سابع إخوة لي) بدل قوله سابع: سبعة.

1602-

(وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاماً لي بالسوط

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده، (الحديث: 32) .

ص: 442

الغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هُوَ يَقُولُ:"اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أنَّ اللهَ أقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الغُلامِ". فَقُلتُ: لا أضْرِبُ مَمْلُوكاً بَعْدَهُ أَبَداً. وَفِي روايةٍ: فَسَقَطَ السَّوْطُ مِنْ يَدِي مِنْ هَيْبَتِهِ. وفي روايةٍ: فَقُلتُ: يَا رسولَ الله، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ:"أمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ". رواه مسلم بهذه الروايات (1) .

1603-

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ ضَرَبَ غُلَامَاً لَهُ حَدّاً لَمْ يَأتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فإنَّ كَفَارَتَهُ أنْ يُعْتِقَهُ" رواه

ــ

فسمعت صوتاً من خلفي اعلم أبا مسعود) أتى به للتنبيه على ما بعده (فلم أفهم الصوت) أي: ما اشتمل عليه من الكلام ومن في قوله (من الغضب) تعليلية، كهي في قوله تعالى (مما خطيئاتهم أغرقوا) (فلما دنا) أي: قرب (مني إذا) فجائية (هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: إعلم) بصيغة الأمر (أبا مسعود) بحذف حرف النداء، اختصاراً (أن الله تعالى أقدر عليك منك على هذا الغلام) أي: فاحذر انتقامه، ولا يحملك قدرتك على ذلك المملوك، أن تتعدى فيما منع الله منه، من ضربه عدواناً. (فقلت لا أضرب مملوكاً بعده) أي: بعد هذا القول الذي سمعته (أبدأ وفي رواية) هي لمسلم كما ستأتي (فسقط السوط من يدي من هيبته) من تعليلية (وفي رواية فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله تعالى) أي: لذاته طلباً لمرضاته (فقال أما) بتخفيف الميم (إنه لو لم تفعل) فيه إطلاق الفعل على الفاعل (للفحتك النار) بتخفيف الفاء، وبالحاء المهملة، أي: أحرقتك (أو) شك من الراوي (لمستك النار) ويلزم من مسها الإِحراق (رواه مسلم بهذه الروايات) .

1603-

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ضرب غلاماً له حداً) مفعول له (لم يأته) أو لم يفعل ما يقتضي ذلك الحد الذي حد به (أو لطمه) أي: ضربه ببطن كفه، من غير سبب (فإن كفارته) أي: مكفر إثم ذلك عنه (أن يعتقه) أي: محو ذلك الإِثم عنه، بإعتاقه. قال القاضي عياض: أجمعوا على أن الإعتاق غير واجب، وإنما هو مندوب. لكن أجر هذا الإِعتاق، لا يبلغ أجر الإِعتاق شرعاً. وفي الحديث الرفق بالمماليك، إذا لم يذنبوا أما إذا أذنبوا فقد رخص صلى الله عليه وسلم بتأديبهم بقدر إثمهم، ومتى زادوا يأخذ بقدر الزيادة (رواه

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده، (الحديث: 35) .

ص: 443

مسلم (1) .

1604-

وعن هِشام بن حكيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنهما: أنَّه مَرَّ بالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ، وَقَدْ أُقيِمُوا في الشَّمْسِ، وَصُبَّ عَلَى رُؤُوسِهِمُ الزَّيْتُ! فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قيل: يُعَذَّبُونَ في الخَرَاجِ - وفي رواية: حُبِسُوا في الجِزْيَةِ - فَقَالَ هِشَامٌ: أشهدُ لَسَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقولُ:"إنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاس في الدُّنْيَا"

ــ

مسلم)

1604-

(وعن هشام بن حكيم بن حزام) بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي، صحابي ابن صحابي، فلذا قال المصنف رضي الله عنهما قال في التقريب: له ذكر في الصحيحين، في حديث عمر، حيث سمعه يقرأ سورة الفرقان. مات قبل أبيه، ووهم من زعم أنه استشهد بأجنادين، خرّج عنه مسلم وأبو داود والنسائي. وفي التهذيب أسلم يوم الفتح، توفي قبل حكيم أبيه، قاله ابن عبد البدر وغيره. وقيل: استشهد باجنادين، قاله إبراهيم الأصبهاني وغيره، وغلطهم فيه ابن الأثير وقال: إنه وهم. والذي قتل باجنادين، هو هشام بن العاص، سنة ثلاث عشر وقصة هشام بن حكيم، مع عياض بن غنم. وهو حديث الباب، يدل على أنه عاش بعد اجنادين، فإنه مر على عياض وهو وال على حمص وإنما فتحت بعد اجنادين بزمان طويل، روى عنه جماعة من التابعين. قال محمد بن سعد: وكان هشام بن حكيم رجلاً صليباً (2) مهيباً. وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف في رجال معه، وكان عمر بن الخطاب يقول: إذا بلغه أنه ينكر أمراً ما، بقيت أنا وهشام فلا يكون هذا.

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث شتى، روى مسلم واحداً منها (أنه مر بالشام على أناس من الأنباط) ويقال فيهم النبط بفتح أوليه، هم قوم من العرب، دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، سموا بذلك لمعرفتهم بأنباط الماء واستخراجه، لكثرة معالجتهم الفلاحة. قاله في التوشيح. وقال قوم: هم فلاحو العجم وجملة (وقد أقيموا في الشمس) حالية، وعطف عليها قوله (وصب على رؤوسهم الزيت) والفعل فيهما مبني للمجهول (فقال ما هذا قيل يعذبون في الخراج) أي: من أجله وبسببه (وفي رواية حبسوا في الجزية فقال هشام أشهد لسمعت) جواب قسم مقدر، أو جواب أشهد، لتنزيله، لتحققه منزلة القسم؛ (رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) أي: بغير

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده، (الحديث:29) .

(2)

الصليب الشديد وكذا الصلب بضم الصاد. ع.

ص: 444