المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌371- باب في فضل الاستغفار - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - جـ ٨

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌16- كتَاب الأمُور المَنهي عَنْهَا

- ‌254- باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان

- ‌255- باب: في تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبةً محرمةً بردها والإِنكار علي قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه

- ‌257- باب في تحريم النميمة وهي نقل الكلام بَيْنَ الناس عَلَى جهة الإفساد

- ‌258- باب في النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إِلَى ولاة الأمور إِذَا لَمْ تَدْعُ إِلَيْهِ حاجة كخوف مفسدة ونحوها

- ‌259- باب في ذمِّ ذِي الوَجْهَيْن

- ‌260- باب: في تحريم الكذب

- ‌261- باب في بيان مَا يجوز من الكذب

- ‌264- باب في تحريم لعن إنسان بعينه أَو دابة

- ‌265- باب في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين

- ‌266- باب في تحريم سب المسلم بغير حق

- ‌267- باب في تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحةٍ شرعية

- ‌268- باب في النهي عن الإيذاء

- ‌269- باب في النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر

- ‌270- باب في تحريم الحسد وَهُوَ تمني زوالُ النعمة عن صاحبها، سواءٌ كَانَتْ نعمة دينٍ أَوْ دنيا

- ‌272- باب في النهي عن سوء الظنّ بالمسلمين من غير ضرورة

- ‌273- باب في تحريم احتقار المسلمين

- ‌274- باب في النهي عن إظهار الشماتة بِالمُسْلِم

- ‌275- باب في تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

- ‌276- باب في النهي عن الغش والخداع

- ‌279- باب في النهي عن الافتخار والبغي

- ‌283- باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حَتَّى النملة ونحوها

- ‌284- باب في تحريم مطل الغني بحقٍّ طلبه صاحبه

- ‌289- باب فيمَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء

- ‌292- باب في تحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال في لباس وحركة وغير ذَلِكَ

- ‌293- باب في النهي عن التشبه بالشيطان والكفار

- ‌294- باب في نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد

- ‌295- باب في النهي عن القَزَع وَهُوَ حلق بعض الرأس دون بعض، وإباحة حَلْقِهِ كُلّهِ للرجل دون المرأة

- ‌297- باب في النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه

- ‌299- باب في كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر وكراهة لبس النعل والخف قائماً لغير عذر

- ‌300- باب في النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء كانت في سراج أو غيره

- ‌301- باب في النهي عن التكلف وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة

- ‌302- باب في تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر وحلقه والدعاء بالويل والثبور

- ‌305- باب في تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصور في حائط وسقف وستر وعمامة وثوب ونحوها والأمر بإتلاف الصورة

- ‌306- باب في تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع

- ‌307- باب في كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر

- ‌308- باب في كراهة ركوب الجَلَاّلة وهي البعير أو الناقة التي تأكل العَذِرَة فإنْ أكلت علفاً طاهراً فطاب لَحمُهَا، زالت الكراهة

- ‌309- باب في النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار

- ‌310- باب في كراهة الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات

- ‌313- باب في نهي من دخل عَلَيْهِ عشر ذي الحجة وأراد أنْ يضحي عن أخذ شيء من شعره أَوْ أظفاره حَتَّى يضحّي

- ‌314- باب في النهي عن الحلف بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والآباء والحياة والروح والرأس وحياة السلطان ونعمة السلطان وتربة فلان والأمانة، وهي من أشدها نهياً

- ‌317- باب في العفو عن لغو اليمين وأنَّه لا كفارة فِيهِ، وَهُوَ مَا يجري عَلَى اللسان بغير قصد اليمين كقوله عَلَى العادة: لا والله، وبلى والله، ونحو ذَلِكَ

- ‌319- باب في كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله عز وجل غير الجنة، وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به

- ‌320- باب في تحريم قوله: شاهنشاه للسلطان وغيره لأن معناه ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى

- ‌321- باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بِسَيِّد ونحوه

- ‌323- باب في النهي عن سب الريح، وبيان ما يقال عند هبوبها

- ‌326- باب في تحريم قوله لمسلم: يا كافر

- ‌328- باب في كراهة التقعير في الكلام والتشدُّق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللُّغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم

- ‌329- باب في كراهة قوله: خَبُثَتْ نَفْسي

- ‌330- باب في كراهة تسمية العنب كرماً

- ‌331- باب في النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلَاّ أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه

- ‌332- باب في كراهة قول الإنسان: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ بل يجزم بالطلب

- ‌333- باب في كراهة قول: ما شاء اللهُ وشاء فلان

- ‌334- باب في كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة

- ‌338- باب في كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌339- باب في كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إِلَيْهِ أَوْ مَعَ مدافعة الأخبثين: وهما البول والغائط

- ‌340- باب في النهي عن رفع البصر إِلَى السماء في الصلاة

- ‌342- باب في النهي عن الصلاة إِلَى القبور

- ‌343- باب في تحريم المرور بَيْنَ يدي المصلِّي

- ‌345- باب في كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام أَوْ ليلته بصلاة من بين الليالي

- ‌346- باب في تحريم الوصال في الصوم وَهُوَ أنْ يصوم يَومَينِ أَوْ أكثر وَلَا يأكل وَلَا يشرب بينهما

- ‌350- باب في تحريم الشفاعة في الحدود

- ‌351- باب في النهي عن التغوط في طريق الناس وظلِّهم وموارد الماء ونحوها

- ‌354- باب في تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام

- ‌366- باب في النهي عن صمت يوم إلَى الليل

- ‌367- باب في تحريم انتساب الإنسان إِلَى غير أَبيه وَتَولِّيه إِلَى غير مَواليه

- ‌369- باب فيما يقوله ويفعله من ارتكب منهياً عنه

- ‌18- كتَاب الاستغفار

- ‌371- باب في فضل الاستغفار

الفصل: ‌371- باب في فضل الاستغفار

‌18- كتَاب الاستغفار

‌371- باب في فضل الاستغفار

قال الله تعالى (1) : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) .

وقال تعالى (2) : (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) .

وقال تعالى (3) : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) .

ــ

كتاب الاستغفار

أي: سؤال غفر الذنب، أي: بعض ما ورد في طلبه من الكتاب والسنة. وشرط قبول الاستغفار الاقلاع عن الذنب المستغفر منه وإلا فالاستغفار منه مع التلبس به كالتلاعب، كما يشير إليه قوله تعالى (ولم يصروا على ما فعلوا) (4) . وسيأتي الكلام على الآية منقولاً من الفتح ويأتي في حديث ابن مسعود مزيد في ذلك (قال الله تعالى واستغفر لذنبك) قال الا يجيء: ذكره للتوطئة والتمهيد، لقوله:(للمؤمنين والمؤمنات)(5) فالمقصود الاستغفار لهم أو أمره به أمته اهـ. (قال تعالى واستغفر الله) أي: سله غفر ذنوب المذنبين، كما يومىء إليه تعميم حذف المعمول، والدعاء كلما كان أعم كان أتم (إن الله كان غفوراً رحيماً) لمن استغفر وأناب فيغفر له ويفيض عليه منته (وقال تعالى فسبح بحمد ربك) أي: متلبساً بحمده، فلذا كان صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي في صلاته، كما تقدم في باب الحث على الازدياد من الخير أواخر العمر (واستغفره) أي: عما فرط منك من التقصير أو عن أمتك (إنه كان تواباً) استئناف بياني عن حكمة الأمر بالاستغفار، والمبالغة

(1) سورة محمد، الآية:19.

(2)

سورة النساء، الآية:106.

(3)

سورة النصر، الآية:3.

(4)

سورة آل عمران، الآية:135.

(5)

سورة نوح، الآية 28.

ص: 712

لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) . والآيات في الباب كثيرة معلومة.

1867-

وعن الأَغَرِّ المزني رضي الله عنه: أنَّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ

ــ

في القبح. وقيل الفاحشة الزنى أو الكبائر (أو ظلموا أنفسهم) بالصغائر أو ما دون الزنى (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) قال في فتح الباري: قيل هو تفسير لقوله (اذكروا الله)(1) وقيل: على حذف مضاف أي: ذكروا عقابه أي: تفكروا في أنفسهم أن الله يسألهم فاستغفروه لذنوبهم وقد ورد في حديث حسن صفة الاستغفار المشار إليه في الآية أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من حديث علي بن أبي طالب قال: حدثني أبو بكر الصديق رضي الله عنهما وصدق أبو بكر، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له ثم تلا والذين إذا فعلوا فاحشة" الآية (ومن يغفر الذنوب إلا الله) استفهام بمعنى النفي، معترض بين المعطوف والمعطوف عليه دال على سعة رحمته (ولم يصروا على ما فعلوا) أي: لم يقيموا على ذنوبهم بل أقروا واستغفروا به. وفي الحديث ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة. قال الحافظ في فتح الباري: وفي إشارة إلى أن شرط قبول الاستغفار الإِقلاع عن الذنب، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب. قال الحافظ في أثناء كتاب التوحيد من الفتح: ويشهد لهذا أي: اعتبار التوبة في نفع الاستغفار، وما أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس مرفوعاً للتائب من الذنب كما لا ذنب له والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزىء بربه". والراجح أن قوله والمستغفر إلخ موقوف وأوله عند ابن ماجة والطبراني من حديث ابن مسعود وسنده حسن قال في الفتح المبين: هو حجة، وإن فرض أنه موقوف لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وكل موقوف كذلك له حكم المرفوع (وهم يعلمون) أنها معصية أو أن الإِصرار ضار أو أن الله يملك مغفرة الذنوب أو أنهم إن استغفروا واغفر لهم (والآيات في الباب) . أي باب الاستغفار (كثيرة معلومة) وفيما ذكر كفاية.

1867-

(وعن الأغر) بفتح الهمزة والمعجمة وتشديد الراء (المزني) بضم الميم وفتح الزاي بعدها نون تقدمت ترجمته رضي الله عنه أوائل باب التوبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنه)

(1) سورة الأحزاب، الآية:41.

ص: 714

لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وإنِّي لأَسْتَغفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ" رواه مسلم (1) .

1868-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سَمعتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ:"وَاللهِ إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأتُوبُ إلَيْهِ فِي اليَومِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" رواه البخاري (2) .

ــ

أي: الشأن (ليغان) بضم التحتية وبالمعجمة آخره نون (على قلبي) هي غيون أنوار لا غيون أغيار، وتجليات ربانية وترقيات أحمدية، فإذا ارتقى للمقام الأعلى رأى ما كان فيه قبل من المقام العالي أيضاً كالنقص فاستغفر منه كما قال: مشرعاً للأمة (وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة) قال في فتح الباري قال عياض: المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه فإذا فتر عنه لأمر ما، عد ذلك ذنباً فاستغفر منه. وقيل هو شيء يعتري القلب مما يقع من حديث النفس، وقيل هو السكينة التي تغشى عليه والاستغفار لإِظهار العبودية لله تعالى والشكر لما أولاه. وقيل هي حالة خشية وإعظام، والاستغفار شكرها ومن ثم قال المحاسبي: خوف المقربين خوف إجلال وإعظام. وقال السهروردي: لا يعتقد أن الغين حالة نقص، بل هو كمال أو تتمة كمال ثم مثل ذلك بجفن العين يسيل ليدفع القذى عن العين، فإنه يمنع العين من الرؤية فهو من هذه الحيثية نقص وفي الحقيقة كمال. هذا محصل كلامه بعبارة طويلة قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للأعين السائرة. من أنفس الأغيار فدعت الحالة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك اهـ.

(رواه مسلم) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي.

1868-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) تحريضاً على التوبة والاستغفار (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه) فيه إيماء إلى ما تقدم أن الآية تشير إليه من اعتبار التوبة والاستغفار، وأنه مع التمادي في الذنب كالتلاعب (في اليوم أكثر من سبعين مرة) كناية عن الكثرة، وتقدم في الحديث قبله مائة مرة (رواه البخاري) وتقدم في باب التوبة أنه ذكره صاحب الأطراف بلفظ:"إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة". وقال: أخرجه البخاري والنسائي والترمذي، ولعل اللفظ الذي ذكره لأحد الروايتين الأخيرتين. وإلا فاللفظ الذي ذكره المصنف هنا وفي باب التوبة وعزاه للبخاري هو الموجود في باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم الذي تقدم في كتاب بيان حكمة استغفاره مع عصمته صلى الله عليه وسلم.

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة

، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، (الحديث: 41) .

(2)

أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة، (11/85) .

ص: 715

وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَرَزَقهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ". رواه أبو داود (1) .

1872-

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: أسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَاّ هُوَ الحَيُّ القَيُومُ وَأتُوبُ إلَيهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وإنْ كانَ قَدْ

ــ

به فينجو من ذلك الكرب (ومن كل هم) أي: حزن (فرجاً) أي: يفرج له ما يهتم به بأن يزيل عنه سببه وينجيه من تعبه (ورزقه من حيث لا يحتسب) ففيه أن نفع الاستغفار يعود بحوز مطلوب الدارين (رواه أبو داود) .

1872-

(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال) أي: بلسانه مع الإِذعان لمضمون ذلك، والتوبة من الذنب المستغفر منه (استغفر الله الذي لا إله) أي: مستغن عن كل ما سواه مفتقر إليه ما عداه (إلا هو) بدل من محل اسم لا قبل دخولها عليه (الحي القيوم) وفي كتاب الأجوبة المرضية عن الأسئلة النحوية للراعي أنه نفسه سئل عن إعراب الموصول والوصفين بعد أهو النصب أم الرفع، فأجاب بأنها نعوت مدح للجلالة ْمنصوبة على التعظيم، ويجوز في الموصول البدل. قلت: وعليه فلا يعرب شيء من الاثنين بعده نعتاً، لأن البدل لا يتقدم عليه والله أعلم. فإن اتبعت الموصول جاز في الاسمين بعده الرفع والنصب، فالنصب على الاتباع أو على القطع بنحو أخص أو أعني أو أمدح مما يليق بالمقام، وإن قطعت الموصول امتنع اتباع ما بعده وتعين القطع، إما بالرفع بإضمار مبتدأ، أو بالنصب بإضمار فعل وكل هذه الوجوه صحيحة فصيحة، غير أن في قطع النعت الواحد والأول من النعوت المتعددة خلافاً، الصحيح الجواز، لأن قطعه لا يخرج به عن كونه مبيناً له من جهة المعنى مع أن القطع في الجميع أبلغ من المعنى المراد بإضمار فعل لأن الجملة الإِسمية أثبت من الفعلية وأقعد وأصل منها. وإنما امتنع اتباع الحي مع قطع ما بعده، لئلا يلزم عليه الاتباع بعد القطع وهو ممتنع عند النحاة. ونقل عن بعض المتأخرين الجواز وهو خلاف لا يعتد به إن صح النقل، وإنما امتنع الاتباع بعد القطع وجاز عكسه لأن في الأول رجوعاً للشيء بعد تركه، ومن طباع العرب وعلو همتها، أنها إذا انصرفت عن الشيء لم تعد إليه، فجعلوا كذلك ألفاظهم جارية على حد معانيهم. وقال بعض نحاة قرطبة: المانع منه ما يلزم عليه من تسفل بعد تصعد، وقصور بعد كمال. بيانه أن القطع أبلغ في المعنى المراد من الاتباع كما تقدم، ولولا ذلك ما ذهب به ذلك المذهب البعيد، يعني الخروج من الرفع

(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: في الاستغفار، (الحديث: 1518) .

ص: 717

فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ". رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال: "حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم" (1) .

ــ

إلى النصب ونحوه اهـ. ملخصاً. والحي، صفة مشبهة من الحياة وهي صفة أزلية ذاتية، تقتضي صحة اتصاف موصوفها بالصفات. والقيوم: ويقال القيام والقيم بتشديد التحتية فيهن وبهما قرىء شاذاً: الدائم القائم بتدبير خلقه وحفظه (وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف) أي: من موطن الحرب أي: غفرت صغائر ذنوبه المتعلقة بحق ربه، وإن كان قد اقترف ما هو من الكبائر فلا يمنع ذلك من غفر الصغائر بالذكر المذكور أو غفرت الذنوب حتى الكبائر عنده لا به، فلا يخالف ما عليه المحققون من أن أعمال البر لا تكفر إلا الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم) عدل إليه المصنف عن قول الحاكم على شرطهما الأخصر مع نقله عنه، دفعاً لتوهم أن المراد على شرط أبي داود والترمذي المذكورين. وأخذ المصنف من هذا الحديث رد قول الربيع بن خيثم: لا تقل استغفر الله وأتوب إليه، فيكون كذباً، إن لم تفعل. بل قل: اللهم اغفر لي وتب علي. قال المصنف: وهذا أحسن. وأما كراهته استغفر الله وتسميته كذباً فلا يوافق عليه، لأن معنى استغفر الله أطلب مغفرته وليس هذا كذباً. ويكفي في رده حديث ابن مسعود بلفظ "من قال أستغفر الله" الحديث قال الحافظ في الفتح: هو في لفظ أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، أما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع أنه كذب وهو كذلك إذا قاله ولم يفعل التوبة كما قال. وفي الاستدلال للرد عليه بحديث ابن مسعود نظر، لجواز أن يكون المراد منه ما إذا قالها وفعل شروط التوبة. ويحتمل أن يكون الربيع قصد مجموع اللفظين لا خصوص "أستغفر" فيصح كلامه والله أعلم. ورأيت في الحلبيات للسبكي الكبير: الاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب، أو بهما.

فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت أو لأنه يعتاد قول الخير، والثاني نافع جداً والثالث أبلغ منه لكنهما لا يمحصان الذنوب حتى توجد التوبة. قال القاضي: فإن المصر يطلب المغفرة، ولا يستلزم ذلك وجود التوبة منه إلى أن قال: والذي ذكرته من أن معنى الاستغفار غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ لكنه غلب عند كثير من الناس أن لفظ أستغفر الله معناه التوبة

(1) أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب في الاستغفار، (الحديث: 1517) .

وأخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: في دعاء الضيف، (الحديث: 3577) .

وأخرجه الحاكم: (1/511) .

ص: 718

1873-

وعن شَدَّادِ بْنِ أَوسٍ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلهَ إلَاّ أنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ

ــ

فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محالة، ثم قال: وحكى بعض العلماء أن التوبة لا تتم إلا بالاستغفار لقوله تعالى: (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه)(1) والمشهور أنه لا يشترط اهـ. كلام الفتح في أثناء كتاب التوحيد.

1873-

(وعن شداد) بفتح المعجمة وتشديد أولى الدالين المهملتين (ابن أوس) تقدمت ترجمته رضي الله عنه في باب المراقبة قال في الفتح: وليس لشداد في البخاري إلا هذا الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيد الاستغفار) قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور (أن يقول العبد) أي: المكلف (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني) كذا في نسخ الرياض أنت واحدة، ووقع في البخاري بتكرارها. قال في فتح الباري: كذا بتكرارها في نسخة معتمدة وسقطت الثانية من معظم الروايات، قال الطيبي: يجوز أن تكون مؤكدة وأن تكون مقدرة ويؤيده عطف قوله (وأنا عبدك) أي: أنا عابد لك (2)(وأنا على عهدك ووعدك) سقطت الواو في رواية النسائي قال: الخطابي يريد أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإِيمان وإخلاص الطاعة لك (ما استطعت) أي: ومنجز وعدك في التوبة والأجر. واشتراط الاستطاعة في ذلك، معناه الاعتراف والعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى. وقال ابن بطال: قوله "وأنا على عهدك ووعدك" يريد العهد الذي أخذه على عباده في عالم (ألست بربكم قالوا بلى)(3) وبالوعد ما قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم "إن من مات لا يشرك بالله شيئاً وأدى ما افترض عليه أدخله الجنة". قال في الفتح قوله: وأدى ما افترض عليه" زيادة ليست بشرط في هذا المقام، لأنه جعل العهد الميثاق المأخوذ في عالم الذر وهو التوحيد خاصة، فالوعد هو إدخال من مات على ذلك الجنة قال أيضاً: وفي قوله "ما استطعت" إعلام لأمته أن أحداً لا يقدر على الإِتيان بجميع ما يجب عليه لله ولا الوفاء بكمال طاعة الله والشكر على النعم فرفق الله بعباده ولم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم

(1) سورة هود، الآية:3.

(2)

كان بالأصل تقديم وتأخير مخل فليتنبه. ع.

(3)

سورة الأعراف، الآية:172.

ص: 719

عَلَيَّ، وأبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَاّ أنْتَ. مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِي، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ، وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ". رواه البخاري

ــ

ْقال الطيبي: يحتمل أن يراد بالعهد والوعد ما في الآية المذكورة كذا. قال: والتفريق بين العهد والوعد واضح (أعوذ بك من شر ما صنعت) أي: صنعاً أو ما صنعته أي: من الإِثم والعذاب والبلاء المرتب على ذلك (أبوء لك) سقط لك عند النسائي (بنعمتك علي) المفرد المضاف من صيغ العموم أي: بنعمتك التي لا تحصر ولا تحصى (وأبوء بذنبي) حذف لك في نسخ الرياض وكذا هو في البخاري في الدعوات، ولعل حكمة تركها: التأدب وترك ِالخطاب في جانب الاعتراف بالذنب. قال الطيبي: اعترف أولاً بأنه أنعم عليه ولم يقيده، ليشمل جميع أنواع الإِنعام، ثم اعترف بالتقصير وهضم النفس. قال في الفتح: ويحتمل أن يكون قوله أبوء بذنبي اعترافاً بوقوع الذنب مطلقاً، ليصح الاستغفار منه لا أنه عد ما قصر فيه من أداء النعم ذنباً (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) يؤخذ منه أن من اعترف لذنبه غفر له وقد وقع ذلك صريحاً في حديث الإِفك الطويل، ففيه أن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه (من قالها في النهار موقناً) بضم الميم وسكون الواو وكسر القاف أي: مخلصاً من قلبه مصدقاً (بها) أي: بثوابها (فمات من يومه) أي: فيه (قبل أن يمسي) أي: يدخل في المساء (فهو من أهل الجنة) وفي رواية النسائي دخل الجنة. قال الداودي: يحتمل أن يكون هذا من قوله (إن الحسنات يذهبن السيئات)(1) ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء وغيره بشر بالثواب، ثم بشر بأفضل منه مع ارتفاع الأول. ويحتمل أن يكون ذلك ناسخاً وأن يكون هذا فيمن قالها ومات قبل أن يفعل ما يغفر له ذنوبه، أو يكون ما فعله من الوضوء وغيره لم يتقبل منه بوجه ما والله سبحانه وتعالى أعلم ويفعل الله ما يشاء. كذا حكاه ابن التين عنه قال الحافظ في الفتح: وبعضه يحتاج إلى تأمل (ومن قالها من الليل وهو موقن بها) خالف بين الحال فجاء بها مفردة أولاً وجملة ثانياً، تفنناً في التعبير (فمات قبل أن يصبح) أي: يدخل في الصباح (فهو من أهل الجنة، رواه البخاري) قال ابن أبي جمرة: جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى به سيد الاستغفار. ففيه الإِقرار لله وحده بالألوهية، والاعتراف بأنه الخالق، والإِقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعد به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه وإضافة النعماء إلى موجدها وإضافة

(1) سورة هود، الآية:114.

ص: 720

"أبوءُ" بباءٍ مَضمومةٍ ثم واوٍ وهمزة ممدودة ومعناه: أقِرُّ وَأعْتَرِفُ (1) .

1874-

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ، اسْتَغْفَرَ اللهَ ثَلَاثاً وَقَالَ:"اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَاذَا الجَلَالِ وَالإكْرَامِ" قيلَ لِلأوْزَاعِيِّ - وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ -: كَيفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قال: يقُولُ: أسْتَغْفِرُ اللهَ، أسْتَغْفِرُ اللهَ. رواه مسلم (2) .

ــ

الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو. وفي كل ذلك إشارة إلى الجمع بين الحقيقة والشريعة، فإن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان في ذلك عون من الله تعالى، وهذا القدر الذي يكنى عنه بالحقيقة، فلو اتفق أن العبد خالف حتى يجري عليه ما قدر عليه وقامت الحجة ببيان المخالفة، لم يبق إلا أحد أمرين: إما العقوبة بمقتضى العدل وإما العفو بمقتضى الفضل اهـ. ملخصاً. وقال المصنف: من شرط الاستغفار صحة النية والتوجه والأدب، فلو أن أحداً حصل الشروط هل يتساويان؟ فالجواب: أن الذي يظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة والله أعلم (أبوء بباء) موحدة (مضمومة ثم واو) ساكنة (وهمزة ممدودة) لسكون الواو قبلها (ومعناه أقر) بضم الهمزة وكسر القاف (وأعترف) ولذا وقع في رواية بدله واعترف بذنوبي، وأصل البوء: معناه اللزوم، ومنه بوأه الله منزلاً أي: أسكنه فكأنه ألزمه به.

1874-

(وعن ثوبان) بالمثلثة والموحدة المفتوحتين بينهما واو ساكنة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته) بالتسليم منها (استغفر الله ثلاثاً) خضوعاً لجلال ربه وتشريعاً لأمته (وقال: اللهم أنت السلام) أي: السالم من سائر النقائص والمنزه عنها، أو المسلم لمن شئت من الآفات والمضار (ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال) أي: العظمة ومنها التنزه عن النقائص (والإِكرام) أي: أوصاف الجمال من الكرم والغفر والعفو (قيل للأوزاعي وهو أحد رواته) أي: الحديث (كيف الاستغفار؟ قال: تقول أستغفر الله أستغفر الله رواه مسلم) وتقدم في كتاب الذكر.

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات، باب: أفضل الاستغفار، (11/83 و84) .

(2)

أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، الحديث: 135) .

ص: 721

1875-

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ مَوْتِهِ: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، أسْتَغفِرُ اللهَ، وأتوبُ إلَيْهِ" متفق عليه (1) .

1876-

وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ

ــ

1875-

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته) أي: في ركوعه وسجوده من صلاته كما تقدم في باب الازدياد من الخير أواخر العمر، وذلك امتثالاً لقوله تعالى:(فسبح بحمد ربك واستغفره)(2)(سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه) أتى به تأكيداً لمضمون أستغفره وإيماء إلى اعتبارها في حصول أثره (متفق عليه) .

1876-

(وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى) فهو من الأحاديث القدسية (يابن آدم إنك ما دعوتني) أي: بمغفرة ذنوبك كما يدل عليه السياق أي: مدة دعائك، فهي مصدرية ظرفية، لا شرطية (و) الحال أنك قد (رجوتني) بأن ظننت تفضلي عليك بإجابة دعائك وقبوله، إذ الرجاء تأميل الخير وقرب وقوعه (غفرت لك) ذنوبك أي: سترتها عليك بعدم العقاب عليها في الآخرة لأن الدعاء مخ العبادة، كما ورد وروى أصحاب السنن الأربعة "الدعاء هو العبادة" ثم تلا (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) (3) والرجاء يتضمن حسن الظن بالله وهو يقول:"أنا عند ظن عبدي بي" وعند ذلك تتوجه رحمة الله للعبد، وإذا توجهت لا يتعاظمها شيء لأنها وسعت كل شيء (على ما كان منك) من المعاصي وإن تكررت (ولا أبالي) أي: لا أكثرت بذنوبك، ولا أستكثرها وإن كثرت إذ لا يتعاظمني شيء كما تقدم في الحديث الصحيح إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء، وإنه لا معقب لحكمه ولا مانع لفضله وعطائه سبحانه، ومعنى قوله "لا أبالي بكذا" أي لا يشتغل بالي به. وزاد سبحانه وتعالى هذا المقام تأكيداً مبالغة في سعة رجاء خلقه فيما عنده من مزيد التفضل والإنعام فقال:(يابن آدم لو بلغت ذنوبك) أي: عند

(1) أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: تفسير (إذا جاء

) وفي أبواب أخرى (2/233، 247) و (8/564) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الصلاة، باب: ما يقول في الركوع والسجود، (الحديث: 218) .

(2)

سورة النصر، الآية:3.

(3)

سورة غافر، الآية:60.

ص: 722

وَلَا أُبَالِي، يا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لأَتَيْتُكَ بِقُرابِهَا مَغْفِرَةً". رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن". "عَنَانَ السَّمَاءِ"

ــ

فرضها أجراماً (عنان السماء) بأن ملأت ما بينها وبين الأرض كما في الرواية الأخرى لو أخطأتم حتى بلغت خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم (ثم استغفرتني) أي: تبت توبة صحيحة (غفرت لك ولا أبالي) وإن تكرر الذنب والتوبة في اليوم الواحد والذنوب، وإن تكاثرت وبلغت ما عسى تبلغ، فتلاشت عند حلمه وعفوه، فإذا استقال منها العبد بالاستغفار غفرت لأنه طلب الإِقالة من كريم والكريم محل إقالة العثرات وغفر الزلات. قال صاحب الفتح المبين: وما ذكرناه من أن المراد بالاستغفار التوبة لا مجرد لفظه هو ما ذكره بعضهم وهو الموافق للقواعد بالنسبة للكبائر إذ لا يكفرها إلا التوبة بخلاف الصغائر فإن لها مكفرات أخر كاجتناب الكبائر والوضوء والصلاة وغيرها، فلا يبعد أن يكون الاستغفار مكفراً لها أيضاً، وينبغي أن يحمل على هذا أيضاً تقييد بعضهم جميع ما جاء في نصوص الاستغفار المطلقة بما في آية آل عمران من عدم الإِصرار، فإنه تعالى وعد فيها بالمغفرة من استغفره من ذنوبه ولم يصر على ما فعله، قال: فيحمل نصوص الاستغفار المطلقة كلها على هذا القيد اهـ. نعم ضم نحو أستغفر الله اللهم اغفر لي من غير توبة دعاء فله حكمة، من أنه يجاب تارة وقد لا يجاب أخرى، لأن الإِصرار قد يمنع الإِجابة كما أفاده مفهوم آية آل عمران السابقة. فالاستغفار الكامل المسبب عنه المغفرة هو ما قارن عدم الإِصرار لأنه حينئذ توبة نصوح أما مع الإِصرار فمجرد دعاء ومن قال إنه توبة الكذابين مراده أنه ليس بتوبة حقيقية، خلافاً لما تعتقده العامة لاستحالة التوبة مع الإِصرار، على أن من قال أستغفر الله وأتوب إليه وهو مصر بقلبه على المعصية كاذب آثم لأنه أخبر أنه تائب وليس حاله كذلك، فإن قال ذلك وهو غير مصر، بأن أقلع بقلبه عن المعصية. فقالت طائفة من السلف، يكره له ذلك لأنه قد يعود إلى الذنب فيكون كاذباً في قوله وأتوب إليه. والجمهور على أن لا كراهة، وذلك لأن العزم على ألا يعود إلى المعصية واجب عليه، فهو إخبار عما عزم عليه في الحال فلا ينافي وقوعه منه في المستقبل، فلا كذب بتقدير الوقوع اهـ. ملخصاً. وفي كلامه آخراً ما سبق عن المصنف في حديث ابن مسعود من اعتراض كلام الربيع بن خيثم، وأن لا كذب أصلاً، وإن أيد الحافظ كلام الربيع، بل صرح به صاحب الفتح المبين. فقال: بعد ذكر حديث ابن مسعود وهذا أبلغ ردٍ على من كره وأتوب إليه (يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض) سيأتي أنه أبلغ مما قبله (خطايا ثم لقيتني) في حال كونك (لا تشرك بي شيئاً) لاعتقادك توحيدي والتصديق برسلي وبما جاءوا به (لأتيتك بقرابها) عبر بها للمشاكلة، وإلا

ص: 723

قال الله تعالى (1) : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) .

وَقَالَ تَعَالَى (2) : (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) .

ــ

(قال الله تعالى: إن المتقين في جنات) أي: بساتين (وعيون) أي: أنهار (أدخلوها) أي: يقال لهم أدخلوها (بسلام) أي: من الآفات وقيل: مسلماً عليكم (آمنين) من المكاره (ونزعنا ما في صدورهم من غل) حسد وحقد (إخواناً) في المودة وهو حال (على سرر متقابلين) أي: متواجهين وهما صفتان أو حالان (لا يمسهم فيها نصب) أي: تعب (وما هم منها بمخرجين) الباء مزيدة لتأكيد نفي إخراجهم منها المدلول عليه بالجملة.

(وقال تعالى يا عباد) حكاية لما ينادي به الصتحابون المتقون (لا خوف عليكم اليوم) أي: مما تقدمون عليه من أمر الآخرة (ولا أنتم تحزنون) على ما خلفتموه من أمر الدنيا (الذين) منصوب على المدح (آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) أي: المؤمنات (تحبرون) أي: تسرون (يطاف عليهم بصحاف) جمع صحفة (من ذهب وأكواب) جمع كوب وهو كوز لا عروة له (وفيها) أي: الجنة (ما تشتهيه الأنفس) قال البيضاوي في تفسير سورة الفرقان: لعله تقصر همم كل طائفة على ما يليق برتبته، إذ الظاهر أن الناقص لا يدرك شأو الكامل بالتشهي (وتلذ الأعين) بمشاهدته وكأنه لم يعتد بمستلذات السمع والشم والذوق في جنب مستلذات العين فلم يذكرها (وأنتم فيها خالدون) فهو من أتم النعيم (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) الجنة إما خبر، والتي أورثتموها صفة لها أو صفة والتي خبرها أو هما صفتان والظرف خبر ولا تنافي كما سبق بين هذه الآية وما سبق من حديث "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" الحديث لما تقدم من أن دخولها بمجرد الرحمة وتفاوت المنازل بتفاوت الأعمال، أو أن التوفيق للعمل المسبب عنه دخولها من رحمة الله ومنته (لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) يبقى بعضها أبداً لا يجد شجرة عريانة من الثمر

(1) سورة الحجر، الآيات: 45-48.

(2)

سورة الزخرف، الآيات: 68-73.

ص: 726

وَقَال تَعَالَى (1) : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .

وَقَالَ تَعَالَى (2) : (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) .

ــ

(وقال تعالى: إن المتقين في مقام) موضع إقامة (أمين) يأمن صاحبه فيه عن كل مكروه وبين مآكلهم ومشاربهم بقوله (في جنات وعيون) ولباسهم بقوله (يلبسون) خبر ثان أو حال أو استئناف (من سندس) مارق من الحرير (وإستبرق) ما غلظ منه (متقابلين) لا يجلس بعض منهم وظهره إلى غيره لأنس بينهم (كذلك) أي: الأمر كذلك أو إتيانهم مثل ذلك (وزوجناهم) قرناهم (بحور عين) الحور النساء النقيات والعين عظيمة العين (يدعون فيها بكل فاكهة) يأمرون بإحضار أنواع الفواكه (آمنين) من كل مكروه (لا يذوقون فيها الموت) بل حياتهم أبدية (إلا الموتة الأولى) أي: لكن ذاقوها في الدنيا. قيل: الاستثناء للمبالغة فإن الغرض الإِعلام بأنهم لا يذوقون الموت كأنه قال: ولو فرضنا ذوق الموت في الجنة لما ذاق إلا الموتة الأولى، وذوق تلك الموتة محال لأنها ماضية فالذوق محال (ووقاهم عذاب الجحيم فضلاً) أي: إعطاء كل ذلك (من ربك ذلك هو الفوز) الظفر (العظيم -وقال تعالى- فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. وقال تعالى: إن الأبرار) جمع بر بفتح الموحدة (لفي نعيم على الأرائك) على السرر في الحجاب (ينظرون) إلى ملكهم ونعيمهم أو إلى الله وإلى عدوهم كيف يعذبون (تعرف في وجوههم نضرة) أي: بهجة (النعيم) ورونقه (يسقون من رحيق) خمر خالص (مختوم) بختم أوانيه إكراماً لهم كعادة الملوك (ختامه مسك) أي: تختم الأواني مكان المسك مكان الطين أو مقطعة عن الفم وآخره مسك (وفي ذلك فليتنافس) فليرتقب (المتنافسون) المرتقبون، وفي الحديث المرفوع "أيما مؤمن سقى مؤمناً شربة على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم (ومزاجه) أي: ما تمزج

(1) سورة الدخان، الآيات: 51-57.

(2)

سورة المطففين، الآيات: 22-28.

ص: 727

1879-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: (1) (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ". متفق عَلَيْهِ (2) .

1880-

وعنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ

ــ

بكر بن أبي شيبة وأبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش. وأخرجه أبو داود في السنن عن عثمان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قاله في الأطراف.

1879-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: أعددت) أي: هيأت (لعبادي) المخصوصين بشرف الإِضافة إليه ولذا وصفهم بقوله (الصالحين) أي: القائمين بحقوق الله تعالى وحقوق العباد (ما لا عين رأت ولا أذرْ سمعت) الصلة لا النافية للجنس، وفي مثله الأوجه الخمسة السابقة في لا حول ولا قوة إلا بالله لتكرر لا غير أن الرواية برفعهما (ولا خطر) أي: مر (على قلب بشر واقرءوا) مصداق ذلك (إن شئتم فلا تعلم نفس) نكرة في سياق النفي فتعم كل مسمى بها (ما) أي الذي (أخفي) بصيغة المجهول كما تقدم آنفا وقرىء بسكون الياء مضارع أو ماض مبني للمجهول سكن تخفيفاً كما خفف مسكن بعض المنقوص المنصوب وقدر فيه الفتحة (لهم من قرة أعين أحد) الظرفين نائب الفاعل (3) على كون الفعل مبنياً للمجهول، والثاني حال من قرينه المجهول وكلاهما حالان على كون الفعل مضارعاً. وصاحب الحال عليه الموصول. (متفق عليه) .

1880-

(وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة) بضم الزاي أي جماعة (يدخلون الجنة على سورة القمر ليلة البدر) أي: ليلة الرابع عشر وسمي بذلك لأنه يبدر طلوعه غروب الشمس وطلوعها غروبه، والمراد تشبيههم في الإِضاءة والإِشراق (ثم الذين يلونهم على)

(1) سورة السجدة، الآية:17.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وفي كتاب التفسير، تفسير السجدة، (6/230) .

أخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: باب

، (الحديث: 2) .

(3)

الظاهر أن نائب الفاعل ضمير الموصول. ع.

ص: 729

فِي السَّمَاءِ إضَاءةً، لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ. أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ - عُودُ الطِّيبِ - أزْوَاجُهُمُ الحُورُ العيْنُ،

ــ

صورة (أشد كوكب دري) في صحيح البخاري الدري، هو النجم الشديد الإِضاءة وقال الفراء: هو النجم العظيم المقدار. قال في الفتح بضم الدال وكسر الراء المشددة بعدها تحتية ثقيلة وقد تسكن وتعقبها همزة ومد، وقد تكسر الدال على الحالين. فتلك أربع لغات ثم قيل المعنى مختلف فبالتشديد كأنه منسوب إلى الدر لبياضه وضيائه وبالهمز كأنه مأخوذ من درأ أي: دفع لاندفاعه عند طلوعه. ونقل ابن الجوزي: عن الكسائي تثليث الدال فبالضم نسبة إلى الدر وبالكسر الجاري وبالفتح اللامع (في السماء) صفة كوكب (إضاءة) تمييز لأشد (لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون) جاء في رواية عند البخاري ولا يسقمون قال في الفتح: قد اشتمل ذلك على نفي جميع صفات النقص عنهم (أمشاطهم الذهب) جمع مشط مثلث الميم والأفصح ضمها. وجاء في رواية أخرى أمشاطهم الفضة وكأنه اكتفى بذكر إحداهما عن الأخرى. ويؤيده حديث أبي موسى مرفوعاً جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه (ورشحهم المسك ومجامر هم الالوة) الجود الذي يتبخر به كما قال (عود الطيب) قيل جعلت مجامرهم نفس العود لكن في رواية البخاري وقود مجامرهم الألوة ففي هذه الرواية تجوز. والمجامر جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لوضع الجمر فيها، ليفوح به ما يوضع فيها من البخور والألوة بفتح الهمزة، ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو وحكى ابن التين كسر الهمزة وتخفيف الواو والهمزة أصلية. وقيل زائدة. قال الأصمعي: أراها فارسية معربة. وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار ولا نار في الجنة. ويجاب باحتمال أن يشعل بغير نار بقول كن. وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل. ويحتمل أن يشعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق، أو يفوح بغير إشعال. قال القرطبي وقد يقال أي: حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك. قال: ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم من جوع أو ظمأ أو عرى أو نتن، وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية. والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة. ودل الكتاب والسنة على أنه نعيم لا انقطاع له اهـ. ملخصاً من الفتح (أزواجهم الحور العين) أي: زيادة على زوجتين من

ص: 730

عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ" متفق عَلَيْهِ.

وفي رواية البخاري ومسلم: "آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ

ــ

بنات آدم كما يأتي في الرواية بعده (على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم) أي: هيئته إن كان بفتح المعجمة وإن كان بضمها فالمعنى على صفته وطريقته (ستون ذراعاً عافي السماء) هذا يؤيد فتح الخاء المعجمة أي: ذلك طول آدم وطولهم كذلك فيها (متفق عليه وفي رواية للبخاري ومسلم) الأخصر لهما (آنيتهم فيها الذهب) أي: والفضة كما تقدم لحديث أبي موسى السابق فيه، ولحديث الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعاً "إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحيفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة" الحديث (ورشحهم) أي: عرف ما يرشح من أبدانهم (المسك ولكل واحد منهم زوجتان) قال في الفتح أي: من نساء الدنيا فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً في صفة أدنى أهل الجنة منزلة، وإن له من الحور العين اثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه في الدنيا، وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال، ثم أورد أحاديث مختلفة في قدر عدد الزوجات اللاتي يمنحهن المؤمن في الجنة. ثم قال، قال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤله فيها أهلون يطوف عليهم. ثم اعترضه بأن في صحيح الضياء عن ابن عباس "إن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء" رواه الطبراني. وبأن في حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة ثم تدخل عليه زوجتاه. والذي يظهر أن المراد أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان. وقد أجاب بعضهم باحتمال كونه التثنية للتكثير والتعظيم، نحو: لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه اهـ. كلام الفتح ملخصاً. قال المصنف: كذا وقع زوجتان بتاء التأنيث وهي لغة تكررت في الأحاديث. والأشهر خلافها وبه جاء القرآن. وذكر أبو حاتم السجستاني أن الأصمعي كان ينكر زوجة ويقول إنما هي زوج فأنشدناه قول الفرزدق.

وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي

كساع إلى أسد الشرى يستتلها

قال فسكت ثم ذكر له شواهد أخرى (يرى مخ سوقهما من وراء اللحم) جاء في رواية في البخاري زيادة والعظم والمخ بضم الميم وتشديد المعجمة: ما في داخل العظم.

ص: 731

ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وأخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيقُولُ: رَضِيْتُ رَبِّ، فَيقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَيقُولُ في الخامِسَةِ. رَضِيْتُ رَبِّ، فَيقُولُ: هذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ: رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ؛ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ

ــ

ما أدنى) أي: أنزل (أهل الجنة منزلة) تمييز (قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة) الفعل في الأصول المصححة مضبوط بالماضي المبني للمجهول وأهل الجنة نائب فاعله ولو روي بالمضارع للمتكلم ونصب المفعولين لكان مستقيماً (فيقال له أدخل الجنة) يمكن المخاطب له الله تعالى كما يومىء إليه قوله (فيقول أي رب) لا أدري لهذا القرب (1)(كيف) أي: دخولي فيها المدلول عليه بالسياق (وقد نزل الناس منازلهم) أي: فيها وما أبقوا لغيرهم منزلاً (وأخذوا أخذاتهم) بفتح أوليه (فيقال له أترضى أن يكون لك مثل ملك) بضم فسكون (ملك) بفتح فكسر وبيه وبين ما قبله الجناس المحرف (من ملوك الدنيا) صفة الملك والتقييد به لكونه معروفاً للمخاطب (فيقول رضيت رب) حذف حرف النداء إيجازاً مسارعة لذكر الرب (فيقول لك ذلك) أشير إليه مع قربه بما يشار به للبعيد تفخيماً وتعظيماً وعطف على المبتدأ قوله (ومثله ومثله ومثله ومثله) أي: منضماً لما رضيت به زيادة عليه مبالغة في التفضيل (فيقول في الخامسة رضيت رب) الرضا مقول بالتشكيك فحصل بالأولى أدناه كما حصل بالخامسة أعلاه (فيقول هذا) أي: المذكور من مثل ملك الملك والمتعاطفات بعده (لك وعشرة أمثاله ولك) زيادة على ذلك (ما اشتهت نفسك ولذت عينك) وهذا شامل لكل أحد من أهل الجنة، قال تعالى (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) (2) (فيقول رضيت رب) أي: زيادة في الرضا (قال) أي: موسى (رب فأعلاهم

ــ

(1)

كذا ولعله (نادى بأي لاجل القرب) . ع.

(2)

سورة الزخرف، الآية:71.

ص: 733

يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ". رواه مسلم (1) .

ــ

منزلة قال) أي: الله تعالى (فأولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي) أي: بمحض القدرة من غير توسط ملك ولا غيره زيادة في كرامتهم (وختمت عليها) لئلا يراها غيرهم بمالغة فيما ذكر (فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر) أي ما أعددت لهم من الكرامة لعدم وجود شيء مما ذكر لأحد منهم (رواه مسلم. وعن أبي هريرة (2) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقاب قوس أحدكم) في المصباح القاب ما بين مقبض القوس والسية، ولكل قوس قابان. والسية بكسر المهملة وتخفيف التحتية طرفها المنحني، وكان رؤبة يهمزه، والعرب لا تهمزه اهـ. أي: هذا القدر (من الجنة) لنفاسته ولدوامه وبقائه (خير مما تطلع) بضم اللام (عليه الشمس وتغرب) أي: مما في الدنيا أجمع لأن ذلك وصفها (متفق عليه) رواه البخاري في أبواب الجنة. (وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة سوقاً) أتى بالمؤكد لتردد المخاطبين في ثبوت ذلك بما سمعه بعضهم من أهل الكتاب، فالتردد ناسب التوكيد والسوق مؤنث معنوي سمي به لسوق الناس بضائعهم إليها أو لقيامهم فيها على ساق، أو لتزاحم الساقات فيها (يأتونها كل جمعة) أي: في قدرها (فتهب) بضم الهاء وتشديد الموحدة (ريح الشمال) بفتح المعجمة وتخفيف الميم (فتحثو في وجوههم وثيابهم) حذف المحثو إيماء إلى تعميم جميع أنواع الكمال التي يجول في الخاطر وجودها ثمة، فلذا قال: عقبه (فيزدادون حسناً وجمالاً فيرجعون إلى أهليهم) بالياء جمع سلامة مع فقده بعض شروط الجمع الحق به في إعرابه (وقد ازدادوا حسناً وجمالاً) جملة حالية من فاعل يرجعون (فيقول لهم أهلوهم) أي: عند وقوع نظرهم عليه كما يدل عليه الفاء الدالة على التعقيب (والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً) كان التأكيد لإنكار المخاطبين، ذلك لعدم رؤياه له في أنفسهم، فيذعنون عند ذلك وينظرون إلى أهليهم فيرونهم زيدوا كذلك (فيقولون) عطف على قول أزواجهم (وأنتم) قدمه على القسم اهتماماً به (والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً) أتوا بالقسم لتردد المخاطبين به في ثبوته، وفيه إيماء إلى أن الجمال متزايد في الجنة شيئاً بعد شيء بعضه عن شبه صوري وبعضه هكذا (رواه مسلم) في أبواب الجنة من صحيحه.

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: أدق أهل الجنة منزلة فيها، (الحديث: 312) .

(2)

هذا الحديث والذي يعده مكرران مع ما يأتي في نسخ الشرح وأما في نسخ المتن فلم يذكرا إلا فيما يأتي. ع.

ص: 734

1882-

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ. رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيقُولُ اللهُ عز وجل له: اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى، فَيَرْجِعُ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ! فَيَقُولُ اللهُ عز وجل له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فيأتِيهَا، فَيُخيَّلُ إليهِ أنَّها مَلأى، فيَرْجِعُ. فَيَقولُ: يا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فيقُولُ اللهُ عز وجل لَهُ: اذهبْ فَادخُلِ الجنَّةَ. فَإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشرَةَ أَمْثَالِهَا؛ أوْ إنَّ لَكَ مِثْلَ عَشرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيقُولُ: أتَسْخَرُ بِي، أَوْ تَضْحَكُ بِي وَأنْتَ المَلِكُ"

قال: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَكَانَ يقولُ: "ذلِكَ أَدْنَى أهْلِ

ــ

1882-

(وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة رجلاً) قيل هو جهينة كما ذكره الشيخ زكريا في تحفة القاري (يخرج من النار حبواً) بفتح المهملة وسكون الموحدة. ولمسلم "زحفاً" وهو بوزنه ومعناه (فيقول الله عز وجل له) بعد إخراجه من النار (اذهب فادخل الجنة) أمر إباحة (فيأتيها فيخيل إليه) بضم التحتية وتأنيث فاعله (أنها ملأى) بفتح همزة أن، وملأى بوزن فعلي من الملء، وألف التأنيث فيها مقصودة (فيرجع) أي منها لمحل مناجاته لله تعالى (فيقول يا رب وجدتها ملأى) من لازم فائدة الخبر، لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء (فيقول الله عز وجل له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أي مضموماً إلى مثلها (أو) للشك من الراوي في أنه قال ما ذكر أو قال: (إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا) فالمشكوك فيه زيادة المثل الحادي عشر. وهذا أعلى مما ذكر في الحديث قبله، فلعل من في ذلك مع كونه أدنى يدخلها قبل من في هذا الحديث وإن أعطي أعلى (فيقول أتسخر بي أو) شك من الراوي (تضحك بي) ضمنه معنى تسخر فعداه بالباء. قال القاضي عياض: وقع منه هذا القول وهو غير ضابط لما قال: إذا وله عقله من السرور بما لم يخطر بباله. وقال القرطبي: استخفه الفرح وأدهشه فقال ذلك (وأنت الملك) جملة حالية والملك بفتح فكسر وهو أبلغ من المالك إذ كل ملك مالك ولا عكس (قال) أي: ابن مسعود (فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك) جملة حالية بتقدير قد قبلها وقوله (حتى بدت نواجذه) غاية لضحك فإن غالب ضحكه التبسم، بحيث لا يبدو منه إلا المتبسم، وإذا اقتضى المقام ضحك حتى تبدو النواجذ. وتقدم في باب الأمر بالمحافظة على السنة: أنها الأنياب. وقيل: آخر

ص: 735

الجَنَّةِ مَنْزِلَةً" متفق عليه (1) .

1883-

وعن أبي موسى رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لِلمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُها في السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً. لِلمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً" متفق عليه.

"المِيلُ": سِتة آلافِ ذِراعٍ (2) .

1884-

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: "إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَةً

ــ

الأضراس وهو ضرس الحلم. وقيل الأضراس كلها وقيل ما بين الضرس والناب، وقيل غير ذلك مما تقدم بعضه (فكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة منزلة) أي: من أدنى ولا ينافيه قوله "أدنى" لأن الأدنى متفاوت في الرتبة، أو أن هذا مقول على وجه التضعيف، وذاك مجزوم به فذاك مقدم عليه (متفق عليه) .

1883-

(وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن للمؤمن في الجنة لخيمة) بفتح المعجمة وسكون التحتية. قال المصنف: بيت مربع من بيوت الأعراب (من لؤلؤة) بهمزتين واللام مضمومة فيهما (واحدة) تأكيد لمدلول التاء من الوحدة (مجوفة) هكذا في عامة نسخ مسلم بالفاء. قال القاضي عياض: ورواه السمرقندي بالموحدة وهي المثقوبة وهى بمعنى المجوفة (طولها في السماء ستون ميلاً) وفي أخرى لمسلم عرضها ستون ميلاً.

قال: المصنف: ولا معارضة بينهما فعرضها في مساحة أرضها وطولها في السماء أي: في العلو متساويان (للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم) أي بعض لأهلين (بعضاً) إما لمزيد سعتها وكمال تباعد ما بينهم، وإما بستر ذلك عن الآخرين لحكمة تقتضيه (متفق عليه) رواه مسلم بهذا اللفظ (الميل ستة آلاف ذراع) هو ما جرى عليه بعضهم، والذي عليه الفقهاء في باب صلاة المسافر أنه ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة.

1884-

(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة شجرة

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار وفي التوحيد، (11/386) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: آخر أهل النار خروجاً، (الحديث: 308) .

(2)

أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق باب صفة الجنة وفي تفسير الرحمن وفي التوحيد (9/479) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة قيام الجنة وما للمؤمنين

، (الحديث 23) .

ص: 736

يَسِيرُ الرَّاكبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّريعَ مِئَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها" متفق عليه (1) .

وروياه في الصحيحين أيضاً من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مئةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها"(2) .

1885-

وعنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءوْنَ أَهْلَ

ــ

يسير الراكب الجواد) مفعول به للراكب وهو بفتح الجيم وتخفيف الواو الفرس يقال: جاد الفرس إذا صار فائقاً والجمع جياد وأجواد (المضمر) بضم الميم الأولى وتشديد الثانية وهو: أن يعلق الفرس حتى يسمن ويقوى، ثم يقلل العلف بقدر القوت، ويدخل بيتاً ويغشى بالجلال حتى يحمى فيعرق، فإذا جف عرقها خف لحمها، قويت على الجري قال المصنف: قال القاضي عياض: ورواه بعضهم المضمر بكسر الميم الثانية صفة للراكب المضمر لفرسه والمعروف (هو الأول السريع) وصف آخر للجواد أي: السريع المشي (مائة سنة) منصوب على الظرفية ليسير (ما يقطعها) من كمال كبرها وشدة اتساعها (متفق عليه) ورواه من حديثه أحمد والترمذي (وروياه في الصحيحين أيضاً) وكذا رواه الترمذي وابن ماجه (من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها) ورواه أحمد والبخاري والترمذي من حديث أنس، باللفظ المذكور، لكن أبدل السنة بالعام ولا النافية بما. ثم المراد بالظل النعيم والراحة والجنة كما يقال عز ظليل وأنا في ظلك أي: كنفك أي: فقوله في ظلها أن نعيمها وراحتها. وقيل: معناه ناحيتها فأشار به إلى امتدادها ومنه قولهم أنا في ظلك أي: ناحيتك. قال: القرطبي والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس وأذاها، وليس في الجنة شمس ولا أذى. وقيل: ظلها أي: ما يستر أغصانها. وقال الراغب: الظل أعم من الفيء فإنه يقال لظل الليل وظل الجنة وكل موضع لا تصل إليه الشمس ولا يقال الفيء إلا لما زالت عنه الشمس قال: ويعبر بالظل عن العز والنعمة والرفاهية والحراسة. ويقال عن نضارة العيش ظل ظليل.

1885-

(وعنه) أي: أبي سعيد وكذا رواه عنه أحمد ورواه الترمذى من حديث أبي هريرة

(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراءون) بالهمزة قبلها ألف لينة ولمسلم يرون (أهل

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، (11/366 و6/233) .

(2)

أخرجه مسلم في كتاب "الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في

، (الحديث: 6 و8) .

ص: 737

الغُرَفِ مِن فَوْقِهِمْ كَمَا تَرَاءوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُق مِنَ المَشْرِقِ أو المَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ" قالُوا: يا رسول الله؛ تِلْكَ مَنَازِلُ الأنبياء لَا يَبْلُغُها غَيْرُهُمْ قال: "بَلَى والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ"

ــ

الغرف من فوقهم) في محل الحال أو الصفة من أهل لأن أل في المضاف إليه المعرف بإضافته إلى ما دخلت عليه صاحب الحال جنسية (كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب) أي: أهل الجنة متفاوتو المنازل بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم كما قال: التفاضل ما بينهم) وتقدم ضبط الدري وما فيه من اللغات في الباب والغابر بالمعجمة والموحدة كذا للأكثر، ورواه في الموطأ بالتحتية بدل الموحدة كأنه الداخل في الغروب. وفي رواية الأصيلي العابز بالمهملة والزاي قال عياض: معناه الذي يبعد الغروب، وقيل: معناه الغائب، ولكن لا يحسن هنا لأن المراد بعده عن الأرض كبعد غرف أهل الجنة عن بعضها في رأي العين. والرواية الأولى هي المشهورة. ومعنى الغابر الذاهب وقد فسره بقوله في الحديث:"من المشرق إلى المغرب". قال القرطبي: شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء الباقي في جانب الشرق والغرب في الاستضاءة مع البعد وفائدة ذكر المشرق والمغرب بيان الرفعة وشدة البعد، والمراد بالأفق السماء. وفي رواية لمسلم من الأفق من المشرق والمغرب، قال القرطبي: الأولى لابتداء الغاية وهي الظرفية والثانية مبينة لها (قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم) يحتمل الإِخبار بحسب ما عندهم ويحتمل الاستفهام بتقدير همزته (قال: بلى والذي نفسي بيده رجال) بالرفع أي: أهلها رجال فحذف المبتدأ لدلالة الخبر عليه ثم الخبر المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقدره بعضهم، هم الرجال أي: تلك المنازل منازل رجال اهـ. ولا يخفى ما بين كلامه أولاً وآخراً (آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) ثم قوله بلى قال القرطبي: هي جواب وتصديق ومقتضى المقام أن يكون الجواب بالإضراب عن الأول وإيجاب الثاني، فلعلها كانت بلى فغيرت بل. وحكى ابن التين إن في رواية أبي ذر بل ويمكن توجيه بل بان التقدير نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى لهم ذلك ولكن قد يتفضل على غيرهم بالوصول لتلك المنازل. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون بلى جواب النفي في قوله "لا يبلغها غيرهم" فكأنه قال: بلى يبلغها رجال غيرهم. وقوله صدقوا المرسلين أي: حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسوله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك ويحتمل أن يكون تنكير رجال للإِشارة إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصيغة المذكورة،

ص: 738

متفق عليه (1) .

1886-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَقَابُ قَوْسٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أو تَغْرُبُ" متفق عليه (2) .

1887-

وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ في الجَنَّةِ سُوقاً

ــ

ولا يلزم أن يكون كل من اتصف بها كذلك، لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسرّ فيه أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص ومن لا عمل له كان بلوغه إنما هو برحمة الله تعالى. قال الدراوردي: يعني أنهم يبلغون هذه المنازل التي وصفت، وأما منازل الأنبياء فإنها فوق ذلك واعترض بأنه جاء في رواية عند أحمد والترمذي قال: بلى والذي نفسي بيده أقوام آمنوا بالله ورسوله بالواو فدل على أن المعنى كما حكاه ابن التين أنهم يبلغون درجات الأنبياء. ويحتمل أن يقال إن الغرف المذكورة لهذه الأمة وأما من دونهم فهم الموحدون من غيرهم أو أصحاب الغرف دخلوا الجنة من أول وهلة ومن دونهم دخل الجنة بالشفاعة ويؤيد الذي قبله قوله في صفتهم هم الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وتصديق جميعهم إنما يتحقق لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، بخلاف من قبلهم من الأمم وإن كان فيهم من صدق لمن سيجيء بعده فهو بطريق التوقع لا بطريق الواقع اهـ. ملخصاً من الفتح (متفق عليه) .

1886-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقاب قوس) بالقاف والموحدة أي: قدر ما بين المقبض والسية من القوس ولكل قوس قابان. (في الجنة) في محل الصفة أو الحال من قاب لتخصيصه بالإِضافة (خير مما تطلع عليه الشمس أو) شك من الراوي (تغرب) ويحتمل أن كون أو فيه بمعنى الواو فيكون الجمع بينهما إطناباً تأكيداً لبيان فضل الجنة (متفق عليه) .

1887-

(وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة سوقا) قال

(1) أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق، باب: صفة الجنة (6/233، 234) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة

، باب: ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء، (الحديث: 11) .

(2)

أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وفي تفسير سورة الواقعة (6/11) .

وهذا الحديث مما انفرد به البخاري.

ص: 739

يَأتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ. فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِم وَثِيَابِهِمْ، فَيَزدَادُونَ حُسناً وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ، وَقَد ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً، فَيقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لقدِ ازْدَدْتُمْ حُسْناً وَجَمَالاً! فَيقُولُونَ: وَأنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمالاً". رواه مسلم (1) .

1888-

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَراءونَ

ــ

المصنف: المراد بالسوق هنا مجتمع لهم يجتمعون كما يجتمع الناس في الدنيا في أسواقها أي: يعرض فيه الأشياء على أهلها فيأخذ كل منهم ما أراد (يأتونها كل جمعة) أي: في قدر ذلك: وهل المراد قدر جمعة من جمع الدنيا أو من جمع الآخرة، الأول أبلغ في الإِكرام، ثم رأيت المصنف قال أي: في مقدار كل جمعة أي: أسبوع لفقد الشمس والليل والنهار اهـ. وهو موافق لما ذكرته (فنهب) بضم الهاء أي فتهيج (ريح الشمال) بفتح الشين والميم بغير همز هكذا الرواية قال صاحب العين: الشمال والشمأل باسكان الميم مهموز أو الشأمل بهمزة قبل الميم والشمل بغير ألف والشمول بفتح الشين وضم الميم وهي التي من دبر القبلة قال القاضي: وخص ريح الجنة بالشمال لأن ريح المطر عند العرب كانت تهب من جهة الشام، وبها يأتي سحاب المطر وكانوا يرجون السحابة الشامية. وجاء في الحديث تسمية هذه الريح المثيرة أي: المحركة لأنها تثير في وجوههم ما تثيره من مسك الجنة وغيره من نعيمها اهـ. (فتحثو في وجوههم وثيابهم) أي: حذف المفعول للتعميم ولتذهب النفس في تعين ما يحثي به كل مذهب (فيزدادون حسناً وجمالاً) أي: بذلك (فيرجعون إلى أهليهم) جمع تصحيح لأهل على خلاف القياس فيه إذ مفرده ليس علماً ولا صفة ولا يجعله قياساً إلا أحدهما (وقد ازدادوا حسناً وجمالاً) مطاوع زاد المتعدي لاثنين وعطف الجمال على الحسن من عطف الخاص على العام. قال في المصباح: قال سيبويه: الجمال رقة الحسن، والأصل جماله بالهاء مثل صجح صباحة، لكنهم حذفوا الهاء تخفيفاً لكثرة الاستعمال (فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً رواه مسلم) .

1888-

(وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراءون

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة

، باب: في سوق الجنة وما ينالون فيها من النعيم والجمال، (الحديث: 13) .

ص: 740

الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءونَ الكَوكَبَ فِي السَّمَاءِ" متفق عليه (1) .

1889-

وعنه رضي الله عنه، قال: شَهِدْتُ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَجْلِساً وَصَفَ فِيهِ الجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ في آخِرِ حَدِيثِهِ:"فيهَا مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ" ثُمَّ قَرَأَ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ) إلى قوله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)(2) رواه البخاريُّ (3) .

ــ

الغرف) بضم ففتح جمع غرفة بضم فسكون (في الجنة كما تراءون) بحذف إحدى التاءين تخفيفاً (الكوكب في السماء) هو بمعنى حديث أبي هريرة (4) السابق إلا أن في ذلك أن الترائي لأهل الغرف وفي هذا نفس الغرف وهما متلازمان (متفق عليه) ورواه أحمد.

1889-

(وعنه رضي الله عنه قال: شهدت) أي: حضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ظرف للفعل قبله ويصح كونه مستقراً حالاً من قوله (مجلساً) وهو مفعول به للفعل قبله لأنه المشهود لا ما فيه (وصف فيه الجنة حتى انتهى) أي: فرغ من وصفها وهو غاية لمقدر أي واستمر يصفها إلى انتهائه (ثم) هي للترتيب في الإِخبار (قال في آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) تقدم أن لا فيهما نافية للجنس نصاً، فهي لاستغراق كل فرد من أفراد المنفي والرفع كما هو الرواية لإِهمالها لتكرارها وإلا فيجوز فيه من حيث صناعة العربية الأوجه في نحو لا حول ولا قوة إلا بالله (ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ) شاهداً لما ذكره بقوله فيها الخ ْ (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) لصلاة التهجد (يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) يحتمل الحالية والنصب على العلة والمصدر (ومما رزقناهم ينفقون) فيه إيماء للاقتصاد وترك الإِسراف (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) أي: مما تقربه أعينهم من النعيم الأبدي والفيض السرمدي، الذي يضيق عن بيانه البيان (رواه البخاري) .

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، (11/366) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة

، باب: ترأئي أهل الجنة، أهل الغرف، كما يرى الكوكب فى السماء، (الحديث: 10) .

(2)

سورة السجدة، الآيتان: 16، 17.

(3)

أخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب:

، (الحديث: 5) .

"لم نجده في البخاري من حديث سهل بن سعد وذكره الشيخ عبد الغني النابلسي في ذخائر المواريث ونسبة لمسلم فقط وهو عند مسلم في أول كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها".

وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب:

، (الحديث: 2 و3) .

وهذا عن أبو هريرة بنحوه

(4)

لعله "أبي سعيد" - كتبه علي البلاقي المرموز إليه بحرف. ع.

ص: 741

1890-

وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم

قال: "إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ: إنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا، فَلَا تَمُوتُوا أَبَداً، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا، فلا تَسْقَمُوا أبداً، وإنَّ لَكمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبداً، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا، فَلَا تَبْأسُوا أَبَداً". رواه مسلم (1) .

1891-

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِن

ــ

1890-

(وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة) أي: تكاملوا فيها ويحتمل أن ذلك مع بقاء العصاة في النار زيادة في تشريف المتقين وكرامتهم (ينادي مناد إن لكم) بكسر الهمزة بإضمار قول وبفتحها مفعول ينادي بإضمار الجار أي: بأن وحذف الجار مع أن وأن وكي المصدريات قياس مطرد (أن تحيوا ولا تموتوا) معطوف على ما قبله مصرح به زيادة مع أن ما قبله يستلزمه تأكيداً ودفعاً له مع توهم أن الموت أصل الحياة لا مع انتفاء ضدها، ولذا قيد نفي الموت بالتأبيد بقوله (أبداً) ثم العدول عن المصدر إلى أن والفعل لعله للدلالة على إمكان الفعل دون وجوبه واستحالته أو للدلالة على تحقق وقوعه. نقله بعض المتأخرين عن صاحب البسيط من النحاة. واعترضه الزركشي في البحر بأن صاحب البسيط إنما فرق بذلك بين المصدر وأن المشددة ومعمولها أورده على كلام البسيط مخالفة لفرع ذكره أصحابنا في الظهار، يدل على أن المصدر كأن ومعمولها في الوقوع. وذكر الزركشي في البحر وجوهاً يفترق فيها المصدر وما بمعناه من أن والفعل (وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تشبوا) بكسر المعجمة (فلا تهرموا أبدا) الهرم هو الحالة الحاصلة عند الكبر، وهو كالموت داء طبعي لا دواء له (وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً) وتبأسوا بفتح الهمزة من البؤس، وهو بضم الموحدة وسكون الهمزة الضر ويجوز التخفيف ويقال بئس كعلم إذا نزل به الضر كذا في المصباح ثم لعل الحكمة في عطف الأخيرات بالفاء دون الأولى بتسبب ما بعد العاطف عما قبله في الجمل الثلاث الأخيرة لا في الأولى (رواه مسلم) .

1891-

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أدنى مقعد أحدكم من

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في دوام نعيم أهل الجنة

، (الحديث: 22) .

ص: 742

الجَنَّةِ أنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيقُولُ لَهُ: هَلْ تَمَنَّيتَ؟ فيقولُ: نَعَمْ، فيقُولُ لَهُ: فَإنَّ لَكَ ما تَمَنَّيتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ". رواه مسلم (1) .

1892-

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله عز وجل يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيقولُونَ: لَبَّيكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ في يَديْكَ، فَيقُولُ: هَلْ رَضِيتُم؟ فَيقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبَّنَا وَقَدْ

ــ

الجنة أن يقول) أي: الله أو ملك يأمره (له) أي: للأحد (تمن) من التمني قال في المصباح: تمنيت كذا قيل مأخوذ من المني وهو القدر لأن صاحبه يقدر حصوله والاسم منه المنية والأمنية، وجمع الأولى: مني كغرفة وغرف، وجمع الثانية أماني اهـ. (فيتمنى ويتمنى) الإِتيان بالثاني لبيان تعدد تمنيه وكثرة متمناه فليس القصد منه الثانية فقط بل التكرار والتكثير (فيقول له) أي: الآمر بالتمني أولاً (هل تمنيت) أي: استوفيت ما تتمناه أو الاستفهام تقريري (فيقول نعم فيقول له فإن لك ما تمنيت ومثله معه) يجوز نصب مثله عطف على ما ومعه حال منه وكذا هو مضبوط في أصل مصحح، ويجوز رفعه عطفاً على موضع اسم إن أو مبتدأ والظرف بعده خبر فيكون من عطف الجملة على الخبر. ثم لا مخالفة بين ما في هذا الحديث وما تقدم من حديث المغيرة أن له مثل ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله، وما تقدم من حديث ابن مسعود أن له مثل الدنيا وعشرة أمثالها لجواز أن يلهم تمني عشرة أمثال ملك ملك من ملوكها أو لأن ما في هذا الحديث، اطلع عليه النبي صلى الله عليه وسلم أولاً، فأخبر به ثم أخبره الله تعالى بزيادة ذلك، مما سكت عنه في هذا الحديث، وهو ما في حديثي المغيرة وابن مسعود فأخبر به والله أعلم (رواه مسلم) .

1892-

(وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز) أي غلب على مراده فلا معقب له فيه (وجل) أي: تنزه عما لا يصح قيامه به (يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك) أي: إجابة بعد ومساعدة بعد مساعدة وهما مثنيان للتكثير والتعدد لا أن المراد بهما معنى المثنى فقط فهما كقوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين)(2) ولعل التعبير بالرب في هذا المقام دون لفظ الجلالة، لما تضمنه معناه من التربية والإيصال إلى أوج الكمال، وذلك مدلوله فأوثر لمناسبته لكمالهم الذي وصلوا إليه (والخير

(1) أخرجه مسلم في كتاب: الإِيمان، باب: معرفة طريق الرؤية، (الحديث: 301) .

(2)

سورة الملك، الآية:4.

ص: 743

أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أحداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيقُولُ: ألَا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ؟ فَيقُولُونَ: وَأيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِنْ ذلِكَ؟ فَيقُولُ: أُحِلُّ عَلَيكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً". متفق عليه (1) .

ــ

في يديك) سكت عن الشر مع أن الكل بيده تنبيهاً على الأدب في خطابه تعالى، إذ لا يضاف إليه إلا الجميل كما أرشد إليه بقوله تعليماً للعباد (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) (2) (فيقول هل رضيتم) أي: بما أعطيتم من الكمال في الجنة، الذي لا يعبر عنه لعظمه كما تقدم "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"(فيقولون وما لنا) مبتدأ وخبر ظرفي، وجملة (لا نرضى) في محل الحال من الضمير في الظرف قبله (يا ربنا) أعادوه ثانياً تلذذاً بالخطاب، ولعل الإِتيان بحرف النداء هنا وحذفه أولاً للتفنن في التعبير المؤذن بكمال الراحة التي تنشأ عنها عادة التوجه لمثل ذلك بضد حال أهل النار. فلذا أنكر ابن عباس قراءة يا مال بحذف الكاف ترخيماً وقال: ما أشغل أهل النار عن الترخيم. أي: أنه إنما يكون لتحسين اللفظ وتزيينه وذلك إنما ينشأ عن الفراغ والسرور، وهم بخلافه، لكن هذا لكونه بناه على ذلك. وقال غيره: إنه ترخيم من شدة العذاب وإنها منعتهم من إتمام حروف الكلمة (وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك) جملة حالية يحتمل أن تكون مما منه الجملة قبلها فيكونا مترادفين وأن تكون من ضمير ترضى فيكونا متداخلين، والمراد من الضمير المفعول: جميع أهل الجنة من نبي مرسل، وأتباعهم من سائر الموحدين، ولا شبهة في أنهم أعطوا ما لم يعط غيرهم من الخلق. (فيقول ألا) بتخفيف اللام أداة عرض. وفي الإِتيان بها كمال الإِكرام لهم وإنهم وصلوا لرتبة حتى صار يعرض عليهم درج الكمال (أعطيكم أفضل من ذلك) أي: أنفس وأشرف وأعلى مما أعطيتموه (فيقولون) لما استبعدوا وجود ذلك، كما يومىء إليه قولهم ما لم تعط أحداً من خلقك (وأي شيء أفضل من ذلك) أتوا بالظاهر موضع المضمر تأكيداً للتصريح بأفضليته (فيقول أحل) بضم الهمزة وكسر المهملة وتشديد اللام أي: أنزل (عليكم رضواني) بكسر الراء (فلا أسخط عليكم بعده أبداً) الفاء فيه للسببية

(1) أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: صفة الجنة والنار وفي كتاب التوحيد، باب: كلام الرب مع أهل الجنة، (11/363 و364) .

وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: إحلال الرضوان على أهل الجنة

، (الحديث:9) .

(2)

سورة الفاتحة، الآية:7.

ص: 744

دَعْوَاهُمْ فيها سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) .

الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبيِّ الأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كما صَلَّيْتَ

ــ

بتجري أي يهدي (دعواهم) أي دعاءهم حال كونهم (فيها) ودعواهم مبتدأ خبره (سبحانك اللهم) أي: إنا نسبحك تسبيحاً وإنما لم يؤت بالرابط لأن الخبر عين المبتدأ في المعنى أو لأن سبحان علم جنس للتسبيح وإن كان أصل نصبه بتقدير الفعل (وتحيتهم) أي ما يحيي به بعضهم بعضاً أو تحية الملائكة إياهم (فيها سلام) من الله تعالى أو منهم قال الله تعالى سلام قولاً من رب رحيم. وقال تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) (1)(وآخر دعواهم) أي: آخر دعائهم (أن الحمد لله رب العالمين) أي أن يقولوا ذلك ولعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجمال ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله فمجدوه وأثنوا عليه بصفات الاكرام وأن هي المخففة من الثقيلة وقد قرىء بهما وقرىء بنصب الحمد أي على إعلامه فيه مع تحقيقه ثم ختم المصنف رحمه الله تعالى كتابه بما بدأ به من حمد الله سبحانه وتعالى والصلاة والسلام على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال معقباً للأول لما فيه من الحمد على نعمه وتقدم أنه يثاب عليها ثواب الفرض (الحمد لله الذي هدانا) أي: أرشدنا وأوصلنا (لهذا) المشار إليه ما هم فيه من النعيم المقيم هذا بالنسبة للآية القرآنية وبالنسبة لما نحن فيه المشار إليه تأليف رياض الصالحين (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) حذف خبر لولا اكتفاء بدلالة ما قبله عليه وفيه نص على أن لا مهتدي إلا من هداه مولاه (اللهم (أي يا الله) صل) أي: ارحم الرحمة المقرونة بالتعظيم واجعلها متراسلة (على محمد عبدك) بدأ به لأنه أشرف أوصافه وأسنى نعوته صلى الله عليه وسلم (ورسولك) إلى الخلق كافة كما يؤذن به حذف المعمول (النبي) أتى به توطئة إلى الوصف بقوله (الأمي) هو الذي لا يقرأ الكتاب ولا يكتب (وعلى آل محمد) فصل بينه وبين آله بعلي رداً على الشيعة فإنهم يمنعون ذلك وينقلون فيه حديثاً موضوعاً لفظه من فرق بيني وبين آله بعلي لم تنله شفاعتي. وأظهر المضاف إليه اتياناً بالأفصح المتفق

(1) سورة الرعد، الآيتان: 23، 24.

ص: 747

عَلَى إبْرَاهِيمَ وعلى آلِ إبْراهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كما بَاركْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إبراهيم في العالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

ــ

عليه وإلا فالصحيح جواز إضافته للضمير كما تقدم وهم بنو هاشم والمطلب أو كل مؤمن تقي والخلاف المتقدم فيه (وأزواجه) جمع زوجة والأفصح حذف التاء في الزوجة وإثباتها لغة ضعيفة كما تقدم التنبيه عليه مراراً وآخره في الباب الأخير وعدة أزواجه المدخول بهن إحدى عشرة توفي منهم اثنتان في حياته والتسع الباقيات توفي عنهن. وقد أفرد لهن المحب الطبري مؤلفاً سماه السمط الثمين في فضائل أمهات المؤمنين (وذريته) تخصيص بعد تعميم فإنهم أولاده ذكوراً وإناثاً وأولاد فاطمة والكل داخلون في الأول دخولاً أولياً فذكرهم كذكر جبريل وميكائيل في قوله تعالى وملائكته ورسله وجبريل وميكال (كما صليت) أي: تجل لنبيك المصطفى المختار بالجمال كما تجليت لإِبراهيم بذلك لأن التجلي بالخلة والمحبة من آثار التجلي بالجمال. فلذا أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصلوا عليه كما صلى على إبراهيم ليسألوا له التجلي بالجمال، وهذا لا يقتضي التسوية فيما بينه وبين الخليل عليه الصلاة والسلام لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل فالذي يقتضيه الحديث المشاركة في الوصف الذي هو التجلي بالجمال ولا يقتضي التسوية في المقامين ولا في الرتبتين فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين بحسب مقامهما وإن اشتركا في وصف التجلي فيتجلى لكل واحد منهما بحسب مقامه عنده وأقربيته منه ومكانته فيتجلى للخليل بالجمال بحسب مقامه ويتجلى لسيدنا محمد بالجمال بحسب مقامه نقله القسطلاني في المواهب عن العارف الرباني أبي محمد المرجاني قال: وهذا هو السر في قوله كما صليت على إبراهيم دون كما صليت على موسى لأن التجلي لموسى كان بالجلال فخرَّ صعقاً بخلافه لإِبراهيم فكان بالجمال (على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) أولاد إسماعيل وإسحاق (وبارك) من البركة وصيغة المبالغة للمبالغة (على محمد النبي الأمي) حذف قوله عبدك ورسولك اكتفاء بذكره في قرينه ايجازاً (وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) ما الأقرب أنها مصدرية فيهما ويجوز كونها موصولاً اسمياً والعائد فيهما محذوف (في العالمين إنك) بكسر الهمزة على الاستئناف ويجوز فتحها بتقدير اللام قبلها (حميد) أي: حامد لأفعال خلقه بإثابتهم عليها جميعاً أو محمود بأقوالهم وأفعالهم (مجيد) أي ماجد وهو الكامل شرفاً وكرماً وهما واجبان لك ولا يسأل هذا المطلب السامي إلا من العظيم

ص: 748