الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
354- باب في تحريم إحداد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام
1772-
عن زينب بنتِ أبي سلمة رضي الله عنهما، قالت: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ تُوُفِّيَ أبُوهَا أبُو سُفْيَانَ بن حرب رضي الله عنه، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ أوْ غَيرِهِ، فَدَهَنَتْ مِنهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: واللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
ــ
الحديث، لما علمت من أن سياق الأحاديث المذكورة لمسلم ونحوها عند البخاري في أبواب الهبة. والحديث خرجه مالك والشافعي وأصحاب السنن الأربعة وابن حبان والطبراني والطحاوي والإِسماعيلي وأبو عوانة والدارقطني والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي والبغوي وغيرهم، ذكره القلقشندي في شرح عمدة الأحكام.
باب تحريم إحداد المرأة
قال في المصباح: حدت المرأة على زوجها تحد حداداً فهي حاد بغير هاء، وأحدت إحداداً فهي محد ومحدة إذا تركت الزينة لموته. وأنكر الأصمعي الثلاثي، واقتصر على الرباعي (على ميت فوق ثلاثة أيام) الظرف الأول لغو والثاني في محل الحال (إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام) النصب على الظرفية.
1772-
(عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها كذا في نسخة مصححه بضمير الواحدة والأولى عنهما (قالت دخلت على أم حبيبة) هي بنت أبي سفيان بن حرب أمية أخت معاوية (زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سفيان بن حرب) وكان موته سنة اثنين وثلاثين، وقيل بعدها (فدعت بطيب فيه صفرة خلوق) بفتح الخاء المعجمة وضم اللام المخففة في المصباح الخلوق ما يتخلق به في الطيب. وقال بعض الفقهاء: هو مائع فيه صفرة (أو) صفرة (غيره) وهذا شك منها في سبب الصفرة (فدهنت منه جارية) أي: ليدل ذلك على رضاها بفعل ربها وتسليمها الأمر له؛ (ثم مست بعارضيها) أي: أصابت منه فيهما. (ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة) أي نفسانية من التذاذ وغيره، (غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) الوصف بالجملة الفعلية ليس لإِخراج من لم يكن كذلك عن هذا
أنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلَاّ علَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً". قالَتْ زَيْنَبُ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها حينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: أمَا وَاللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيرَ أنِّي سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ عَلَى المِنْبَرِ:"لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فَوقَ ثَلَاثٍ، إلَاّ علَى زَوْجٍ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وَعَشْراً"
ــ
الحكم، بل لكون المؤمنة تنقاد للأحكام الشرعية وإلا فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة على الصحيح. والنفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد (أن تحد) من أحد أو من حدّ أي: تترك زينتها التي تعتادها (على ميت) أي: لأجله (فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) التقييد بهذه المدة خرج مخرج الغالب، أما إذا كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل.
والاستثناء متصل إذا جعل قوله أربعة أشهر منصوباً بمقدر بياناً لقوله فوق ثلاث أي أعني أو أذكر، فهو من باب قولك ما اخترت إلا منكم رفيقاً يكون ما بعد إلا تبيين فيقدر المفسر أي: أعني أربعة أشهر على الاستثناء، تقديره لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث أعني أربعة أشهر وعشراً إلا على زوج. أو من قولك ما ضرب أحد أحداً إلا زيد عمراً. وإذا جعل معمولاً لتحد مضمراً كان منقطعاً، والتقدير: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، لكن تحد على زوج أربعة أشهر وعشراً قاله العاقولي (قالت زينب ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها) هو عبد الله بن جحش كما في تحفة القاري لشيخ الإِسلام. وفي فتح الباري: أنه كذلك في صحيح ابن حبان. وفي بعض طرق الموطأ أن ْالمعروف عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيداً، وزينب بنت أبي سلمة، كانت يومئذ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش تلك الحالة. وأنه يجوز أن يكون عبيد الله المصغر، فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر إلى المدينة بوفاته وهي مميزة، وأن يكون أبا أحمد بن جحش واسمه عبد بلا إضافة لأنه مات في خلافة عمر، فيجوز أن يكون مات قبل زينب لكن ما ورد ما يدل أنه حضر دفنها، ويلزم على الأمرين أن يكون وقع في الاسم تغييراً، والميت كان أخاً لزينب من الرضاعة. أو لأمها اهـ. (فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: أما والله ما لي بالطيب من حاجة غير) بالنصب على الاستثناء، والفتحة فتحة إعراب. ويحتمل أنها فتحة بناء لإِضافته إلى مبني هو جملة (أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا) ويحتمل أن يكون وقت سماعها لذلك منه صلى الله عليه وسلم -
1777-
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ إلَاّ أنْ يَأذَنَ لَهُ". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم (1) .
1778-
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُؤْمِنُ أَخُو المُؤْمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أخِيهِ حَتَّى يذَرَ"
ــ
1777-
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض) النهي للتحريم، كما تقدم. إلا إن كان لزم العقد ولا خيار فيكون غير محرم لانتفاء الإِضرار المرتب على الأول (ولا يخطب على خطبة أخيه) أي: إذا أجيب لذلك بالصريح، وكانت الخطبة جائزة لا خطبة الرجعية في عدتها، وقيد النهي في كل منهما بقوله (إلا أن يأذن له) أي: البعض المباع على بيعه في الأول، والمخطوب على خطبته في الثاني. ومثل إذنه في ذلك إعراضه عن المخطوبة (متفق عليه وهذا لفظ مسلم) ولفظ البخاري "لا يبع بعضكم على بيع بعض" وعند البخاري من حديث أبي هريرة أنه مرفوع، من جملة حديث آخره "ولا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها".
1778-
(وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن أخو المؤمن) لاجتماعهما في الإيمان الذي هو أعظم مجتمع فيه (فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب) بالنصب عطفاً على يبتاع، وبالرفع على الاستئناف. والأول أقرب وأنسب (على خطبة أخيه حتى يذر) أي: يترك أو يأذن كما تقدم في الحديث قبل ذكر المؤمن، وهو لا مفهوم، له فيحرم على الكافر البيع على بيع المسلم. أو الذمي. والخطبة على خطبته.
= وأخرجه مسلم في كتاب: البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه على سومه وتحريم..، (الحديث: 11 و12) .
(1)
أخرجه البخاري في كتاب: البيوع، باب: لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة
…
، وفي أبواب متفرقة غيره وفي النكاح، باب: لا يخطب على خطبه أخيه (4/313) .
وأخرجه مسلم في كتاب: النكاح، باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، (الحديث: 50)
بِحَرَامٍ وَلَا مَكْرُوهٍ، وإنْ خِيفَ عَلَيْهِ شَيءٌ مِنْ هذِهِ الأمورِ، كُرِهَ مَدْحُهُ في وَجْهِهِ كَرَاهَةً شَديدَةً، وَعَلَى هَذا التَفصِيلِ تُنَزَّلُ الأحاديثُ المُخْتَلِفَةُ فِي ذَلكَ.
وَمِمَّا جَاءَ فِي الإبَاحَةِ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم لأبي بكْرٍ رضي الله عنه: "أرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ"(1) : أيْ مِنَ الَّذِينَ يُدْعَونَ مِنْ جَمِيعِ أبْوابِ الجَنَّةِ لِدُخُولِهَا.
وَفِي الحَدِيثِ الآخر: "لَسْتَ مِنْهُمْ"(2) : أيْ لَسْتَ مِنَ الَّذِينَ يُسْبِلُونَ أُزُرَهُمْ خُيَلَاءَ.
وَقالَ صلى الله عليه وسلم لعُمَرَ رضي الله عنه: "مَا رَآكَ
ــ
تارة، مباح أخرى على ما تقدم (وإن خيف عليه) أي: الممدوح (شيء من هذه الأمور) الفتنة والاغترار وتلعب النفس به وتحديثها له، أنه من الكمل المثنى عليهم، فيحمله على البطالات، وترك معالي الأعمال الصالحات (كره مدحه في وجهه) وكذا في غيبته إن علم وصول ذلك له، بأن كان ثمة من يبلغه (كراهة شديدة) وقد يحرم أن تحقق ذلك فيه، بأن علم من عادته وتحقق حصول ذلك له عند الممدوح (وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث) بصيغة المجهول وبالبناء للفاعل بحذف إحدى التاءين تخفيفاً، أو أنه ماض وحذفت تاء التأنيث من آخره، لأن تأنيث الجمع مجازي باعتبار معنى الجماعة، فجاز تذكيره وتأنيثه، وإن كان الثاني أرجح (المختلفة في ذلك) فيكون من باب المختلف ظاهراً المؤتلف معنى (ومما جاء في الإِباحة قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرجو أن تكون منهم) قال العلماء: كل ما ورد في الكتاب والسنة من ألفاظ الرجاء فهو مقطوع بحصوله. وبيّن المصنف مرجع الضمير بقوله: (أي: من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة) الثمانية بأن كان عاملاً بعمل أهل كل باب منها (لدخولها) متعلق بيدعون (وفي الحديث الآخر) قوله للصديق أيضاً وكان على المصنف أن يقول له وإن كان أسعد بانسجام ما قبله عليه الظاهر في الظاهر من ذلك (لست منهم أي: من الذين يسبلون إزارهم خيلاء) أي: فالوعيد الوارد في مسبل الإِزار لا يتناولك، وإن كنت تسبله لأنه خاص بمن يسبله خيلاء، وأنت لست كذلك وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه "ما رآك الشيطان سالكاً فجا") أي: طريقاً واسعاً واضحاً، هذا معنى الفج لغة، والظاهر أن المراد هنا ما يعم الواسع الواضح وغيره (إلا سلك فجاً، غير فجك) فيه الثناء عليه بالحفظ من وسوسة الشيطان، لأنه إذا باعد فجه فبالأولى أن يبعد منه
(1) أخرجه البخاري في كتاب: فضائل الصحابة في أبواب فضائل أبي بكر، (7/21، 22) .
وأخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: من جمع الصدقة وأعمال البر، (الحديث: 86) .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب أبي بكر، (7/21) .
وقال تعالى (1) : (وَلَا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ) .
1789-
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشَّامِ حَتَّى إذا كَانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ - أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأصْحَابُهُ - فَأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ. قَال ابن عباس: فقال لي عمر: ادْعُ لِي المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأصْحَابُ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاء. فقال:
ــ
الجملة، وهو النهي عن الفرار وقال تعالى:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) مصدر بمعنى الهلاك. 1789- (وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ) بفتح المهملة وسكون الراء، ووهم من فتحها، بعدها معجمة: منزل من منازل حاج الشام على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة. قال السيوطي في التوشيح: والذي حكى الفتح: القاضي عياض، وجعله المصنف في شرح مسلم: خلاف المشهور لا وهماً، ويجوز صرف سرغ ومنعه قال الدماميني في المصابيح: وسرغ قرية بتبوك قريب من الشام (لقيه أمراء الأجناد) قال المصنف: المراد بالأجناد مدن أهل الشام الخمس، وهي فلسطين والأردن ودمشق وحمص ونسرين. هكذا فسروه واتفقوا عليه (أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء) يعني الطاعون (قد وقع بالشام قال ابن عباس فقال لي عمر ادع لي المهاجرين الأولين) قال القاضي عياض: المراد بهم: من صلى إلى القبلتين، فأما من أسلم بعد تحويل القبلة فلا يعد فيهم (فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم خرجت لأمر) هو قتال العدو (ولا نرى أن نرجع عنه) معطوف على الجملة الأولى. قال المصنف: وهؤلاء بنوا كلامهم على أصل من أصول الشرع، هو التوكل والتسليم للقضاء (وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالجر عطفاً على الناس، وبالرفع عطفاً على بقية عطف خاص على عام (ولا نرى أن تقدمهم) بضم الفوقية وكسر الدال المهملة وبفتحها: على تقدير الجار أي: تقدم بهم (على هذا الوباء) قال المصنف وهذا مبني على أصل آخر من أصول الشريعة، هو الاحتياط والحذر،
(1) سورة البقرة، الآية:195.
ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبيلَ المُهَاجِرينَ، وَاخْتَلَفُوا كاخْتِلَافِهِمْ، فقال: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُريشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ رضي الله عنه في النَّاسِ: إنِّي مُصَبحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عليْهِ، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أفِراراً مِنْ قَدَرِ الله؟ فقالَ عُمرُ رضي الله عنه:
ــ
ومجانبة أسباب الإِلقاء باليد إلى التهلكة (فقال) لهم (ارتفعوا عني ثم قال) أي: لابن عباس (ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين) أي: طريقهم في اختلاف الرأي في ذلك (واختلفوا) كاختلافهم (فمن قائل بالتقدم ومن قائل بالرجوع، فقال ارتفعوا عني ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش) بفتح الميم وكسر المعجمة الأولى وسكون التحتية أو بفتح الميم والتحتية وسكون المعجمة الأولى بينهما وكلاهما جمع شيخ.
كما تقدم أول الكتاب (من مهاجرة الفتح) قيل: هم الذين أسلموا قبل الفتح فحصل لهم فضل بالهجرة قبله، إذ لا هجرة بعد الفتح. وقيل: هم مسلمة الفتح الذين هاجروا بعده، فحصل لهم اسم الهجرة دون الفضيلة. قال القاضي عياض: وهذا أظهر لأنهم الذين ينطلق عليهم اسم مشيخة قريش، ولذا اقتصر عليه الشيخ زكريا في تحفة القاري (فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم رجلان) معطوف على مقدر دل عليه ما قبله، أي: فاستشارهم فلم يختلفوا في أمر بالعود، فلذلك قال:(فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء) فاجتهد عمر فرأى الرجوع، لكثرة القائلين به، ولأنه أحوط ولم يفعله تقليداً. وقيل إشارة لحديث عبد الرحمن، كما في رواية لمسلم. قال ابن عمر: إنما انصرف بالناس عن حديث عبد الرحمن بن عوف قال: هولاً، ولم يكن ليرجع لرأي دون آخر حتى يجد علماً. ويوافق الأول قوله (فنادى عمر في الناس فقال إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه) وتأوله الآخرون بأن المراد أنه مسافر للجهة التي خرج إليها لا للرجوع إلى المدينة، قال المصنف: وهو تأويل فاسد، والصحيح الذي دل عليه الحديث، أنه إنما قصد الرجوع للمدينة بالاجتهاد حين رأى رأي الأكثرين عليه مع فضيلة المشيرين به، وما فيه من الاحتياط. ثم بلغه الحديث فحمد الله وشكره على موافقة رأيه واجتهاده واجتهاد معظم الصحابة نص النبي صلى الله عليه وسلم. ومصبح بصيغة الفاعل من الاصباح (فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه أفراراً من قدر الله) ؟ أي: أنفر فراراً أو ترجع فراراً (فقال عمر رضي الله
الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) الآية.
1791-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ". قالوا: يَا رسولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ باللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلَاّ بِالحَقِّ، وأكْلُ الرِّبَا، وأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ،
ــ
الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) إشارة إلى ما كتبوه من السحر ودفنوه تحت كرسي سليمان، فلما مات انتزعوه وقالوا لأوليائهم من الإنس: إن كان تسلط سليمان بهذا فتعلموه، فأبطله الله بذلك (وما أنزل على الملكين) عطف على السحر ما يتلى. أي: ويعلمونهم كما أنهما (ببابل) ظرف أو حال اسم موضع من الكوفة. وعطف على الملكين عطف بيان قوله ْ (هاروت وماروت) وعند بعض السلف أن ما نافية، فيكون عطفاً على "ما كفر سليمان" أي: ولا أنزل على ملكين أي: جبريل وميكائيل فإن سحرة اليهود زعموا أن السحر أنزل على لسانهما إلى داود، فردهم الله. ويسأل: متعلق بيعلمون. وهاروت وماروت اسمان لرجلين صالحين ابتلاهما الله بالسحر وقعا بدلا من الشياطين (وما يعلمان) أي: الملكان أو الرجلان (من أحد) أي أحداً (حتى يقولا إنما نحن فتنة) ابتلاء واختبار (فلا تكفر) بتعلمه وذلك لأن تعلمه للعمل كفر، وتعلم هذا النوع كفر لما فيه من الكفر فهذه نصيحة منهما.
1791-
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات) من باب قولك لبس الناس ثوبهم أي: لبس كل إنسان ثوبه، وليس من باب ترتيب المجموع على المجموع، إذ كل من السبع بانفراده موبق في الدين (قالوا يا رسول الله وما هن) سألوا عن حقائق ما كنى عنه بالعدد (قال الشرك بالله) أي: الكفر به، وخص الشرك لكونه كفراً للخاطئين (والسحر) في قرنه بالشرك إيماء إلى غلظه وفظاعة، شأنه، لا سيما وقد كنى عنه ْبالكفر في الآية، وبعض أفراده كذلك، ولذا قدم على القتل المحرم. إذ لا يكون من حيث ذاته كفراً، ففي تقديمه على القتل ذكراً إيماء إلى ذلك، وإن كانت الواو لا ترتيب (وقتل ْالنفس التي حرم الله) وهي النفس المعصومة بإسلام أو ذمة أو عهد أو أمان (إلا بالحق) كالقتل قصاصاً أو حداً أو زدة (وأكل الربا وأكل مال اليتيم) هو صغير لا أب له أي: إتلاف ماله والتصرف فيه أو غيره: وخص الأكل بالذكر لأنه المقصود الغالب من المال (والتولي) أي: الفرار من الصف (يوم الزحف) أي: ولم يزد العدد على الضعف، وخرج بالتولي
وَالدِّيبَاجِ، وَالشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وقالَ:"هُنَّ لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَهِيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ". متفق عَلَيْهِ.
وفي رواية في الصحيحين عن حُذيْفَةَ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لَا تَلْبسُوا الحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَلَا تَأكُلُوا في صِحَافِهَا"(1) .
1795-
وعن أنس بن سِيِرين
ــ
المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة تقدم الكلام عليه في اللباس، وأنه ثوب سداه ولحمته إبريسم، ويقال هو معرب. والخلاف في أن ياءه زائدة، وأنه بوزن فيعال أو أصل بدل من الموحدة وأصله دباج بالتضعيف (والشرب في آنية الذهب والفضة وقال: هن) أي: أولى النقدين (لهم) أي: الكفار (في الدنيا) بمعنى حالها لهم ديمان الصحيح أنهم مخاطبون بفروع الشريعة، بل معنى أنهم المستعملون لها في الدنيا عادة، وهو نعيمهم الذي قدره الله لهم فيها، وما لهم في الآخرة من نصيب (وهي) عبر به بعد أن عبر بضمير جمع النسوة، قيل تفنناً في التعبير (لكم) أيها المؤمنون (في الآخرة) يعني في الجنة (متفق عليه) وفيه تحريم استعمال آنية النقدين على الرجال وغيرهم، بإدراج النساء في ضمن الذكور تغليباً على قول المحققين، وحقيقة على قول غيرهم، إذ علة الحرمة عين النقدين مع الخيلاء، وهي مشتركة بين الصنفين، ويحرم اتخاذهما أيضاً لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه عندنا، كالطنبور، ْوفيه المجازاة على الصبر على الزائل الفاني بالدائم الباقي (وفي رواية في الصحيحين عن ْحذيفة رضي الله عنه الأخصر والأولى عنه قال:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير ولا الديباج) هو مقصور على الذكور لأن علة تحريمه من أن فيه خنوثة تنافي شهامتهم مقصورة عليهم (ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) أي: صحاف آنية الذهب والفضة وهي بكسر الصاد المهملة جمع صحفة وهي دون القصعة، وخص فيه الشرب والأكل بالذكر لغلبتهما في الاستعمال لا للتقييد. وخص الإِناء بالشرب، والصحاف بالأكل، لأنهما معدان لهما غالباً.
1795-
(وعن أنس ابن سيرين) الأنصاري أبو موسى، وقيل أبو ضمرة. وقيل أبو عبد الله
(1) أخرجه البخاري في كتاب: الأشربة، باب: الشرب في آنية الذهب والشرب في آنية الفضة، (10/83) .
وأخرجه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أواني الذهب والفضة
…
، (الحديث: 4) .
1796-
عن أنس رضي الله عنه قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَتَزَعْفَرَ الرجُل. متفق عَلَيْهِ (1) .
1797-
وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ:"أُمُّكَ أمَرَتْكَ بِهَذا؟! " قلتُ: أَغْسِلُهُمَا! قَالَ: "بَلْ أَحْرِقْهُمَا".
وفي رواية، فَقَالَ:"إنَّ هَذَا مِنْ ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا". رواه مسلم (2) .
ــ
عمر، وفيه قال البيهقي بعد أن نقل عن الشافعي تحريم المزعفر: على الرجل دون المعصفر، والصواب، تحريم المعصفر عليه أيضاً للأحاديث الصحيحة، التي لو بلغت الشافعي لقال بها، وقد أوصانا بالعمل بالحديث الصحيح. ذكر ذلك في الروضة، والخنثى في ذلك كالرجل احتياطاً.
1796-
(عن أنس رضي الله عنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) شامل لبعض الثوب وللاطلاء بالزعفران (متفق عليه) .
1797-
(وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم) أي: أبصر (على ثوبين معصفرين) أي: مصبوغين بالعصفر (فقال أمك) بالرفع مبتدأ (أمرتك بهذا) أي: بلبسه، قال المصنف بمعناه أن هذا من لباس النساء وزينتهن وأخلاقهن (قلت اغسلهما) أي: منه (قال: بل احرقهما) قيل هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل ونظيره، أمرتك: المرأة التي لعبت الناقة بإرسالها (وفي رواية) هي لمسلم أيضاً من حديث ابن عمرو أيضاً ورواها كذلك النسائي (فقال إن هذه) أي: الثياب المعصفرة (من ثياب أهل النار) أي: وهم غير متعبدين بأحكام الشرع في الدنيا لعدم إيمانهم وإن كانوا مخاطبين بها (فلا تلبسها رواه مسلم) باللفظين المذكورين في الباب.
(1) أخرجه البخاري في كتاب: اللباس، باب: التزعفر للرجال (10/256، 257) .
وأخرجه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب: نهى الرجل عن التزعفر، (الحديث: 77) .
(2)
أخرجه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، (الحديث: 27 و28) .