الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهالتهم التي نقلها الرازي والألوسي للرد عليها، فكان كل ما ضعف به مناقب الصديق رضي الله عنه في الآية: ترجيح القول بأن الضمير في قوله تعالى {فأنزل الله سكينته عليه} راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحتج عليه بما احتج غيره ممن رجحوا هذا القول من اتساق مرجع الضمائر- وقد علمت ما فيه - وأشار بعده إلى ما للشيعة من الكلام في ذلك. وقال: إنه أبى أن ينقله لئلا يتهم بما لا يحب أن يتهم به. (1)
(خامسا) زعمكم أن عليا كرم الله وجهه هو المجهز لهم بشراء الإبل: لم يثبت برواية صحيحة، بل الثاب
ت ف
ي الصحيح ما تقدم في حديث الهجرة الذي سردناه آنفا من شراء الصديق للراحلتين وأخذه صلى الله عليه وسلم لأحداهما بالثمن.
ولو ثبت قولكم لم يكن دالا على ما زعمتموه كما هو ظاهر.
هذا وإنني اعتقد أن قائلي ما ذكره المفسرون من تحريف الرافضة للآية الكريمة وللأحاديث الشريفة في مناقب الصديق ليسوا من الجهلة باللغة العربية بحيث يعتقدون صحة ما قالوا وما
(1) لقد تفاوتت أنظار كثير من الناس في تقييم الطبرسي بين الغلو والاعتدال، إلا أن من أجمع وأوضح وأهم ما كتب في هذا الصدد: أطروحة بعنوان " كشف الاتجاه الرافضي في تفسير الطبرسي الموسوم بمجمع البيان لعلوم القرآن " للشيخ أحمد طاهر أويس علي.
كتبوا، وإنما هم قوم بهت، يجحدون ما يعتقدون، ويفترون الكذب وهم يعلمون، ويحرفون الكلم عن مواضعه، كاليهود الأولين الذين حرفوا البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكدعاة النصرانية في هذا العصر.
والذين وضعوا لهم قواعد الرفض وخطط التأويل والتحريف هم ملاحدة الشيعة الباطنية أعداء الإسلام الذين كانوا يتوسلون بها إلى هدم هذا الدين وإزالة ملك العرب تمهيدًا لإعادة الديانة المجوسية والسلطة الكسروية.
وقد وضعوا لهم من الأحاديث والآثار عن أئمة آل البيت في تحريف القرآن والغلو فيهم، ومن قواعد البدع ما كانوا به شر فرق المبتدعة في هذه الأمة.
وقد برعوا في تربية عوامهم على بدعهم بما فيها من الغلو في تعظيم على وآله بما هو وراء محيط الدين والعقل واللغة، والغلو في بغض الصديق والفاروق وذى النورين وأكابر المهاجرين وجمهور الصحابة والطعن فيهم بما هو وراء محيط الدين والعقل واللغة أيضا.
وإنما خصوا الخليفتين الأولين منهم بمزيد البغض والذم لأنهما هما اللذان جهزا الجيوش وسيراها إلى بلاد الفرس ففتحوها (1) وأزالوا
(1) قال ميرزا الحائري الأحقاقي في رسالة الإيمان ص 323 عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فتحوا بلاد فارس: ((أولئك العرب الأعراب الأوباش عُبَّاد الشهوات الذين يتعطشون إلى عفة نساء فارس)) .
دينها وملكها من الوجود.
وقد صارت هذه التقاليد راسخة بالتربية والوراثة حتى صار من يسمونهم العلماء المجتهدين يكتبون مثل ما نقلناه عن بعض المعاصرين منهم في الكلام على غزوة حنين، وهو أعرق في الغلو وأرسخ في الجهل مما نقله الرازي والألوسي هنا عن بعض متقدميهم. فإذا كان هذا حال من يسمونهم العلماء المجتهدين فكيف يكون حال من وطنوا أنفسهم على التقليد في طلب العلم؟
ثم كيف حال عوامهم الذين يلقنونهم هذه الأضاليل ويربونهم على بغض من أقام الله بهم هذا الدين، وصرح في كتابه العزيز بأنه رضي الله عنهم ورضوا عنه، وعلى لعن من فضله الله ورسوله عليهم كلهم؟ وناهيك بهذه الآية تفضيلا، ومن أصدق من الله قليلا؟
ألا إن هؤلاء الروافض شر مبتدعة هذه الملة وأشدهم بلاء عليها وتفريقا لكلمتها، وقد سكنت رياح التفريق التي أثارها غيرهم من الفرق في الإسلام وبقيت ريحهم عاصفة وحدها.
فهؤلاء الإباضية لا يزال فيهم كثرة وإمارة، ولا نراهم يثيرون بها
مثل هذه العداوة.
ولو كانوا يقفون عند حد تفضيل علي على أبي بكر والقول بأنه كان أحق بالخلافة منه لهان الأمر، وأمكن أن يتحدوا مع أهل السنة الذين يعذرونهم باعتقادهم هذا إذا لم يترتب عليه ضرر، ويعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا هذا التفرق ولا يتعادوا هذا التعادي اللذين أضعفا الإسلام وأهله ومزقا ملكه كل ممزق، حتى استذل الأجانب أكثر أهله، وهم لا يزالوان يشغلون المسلمين بالتعادي على ما مضي من التنازع في مسألة الخلافة، ويؤلفون الكتب والرسائل في القدح في الصحابة. وياليتهم يطلبون إعادة الخلافة لأهل البيت وتجديدها لإقامة دين الله وإعادة مجد الإسلام وسيادته، فإن أهل السنة لا يختلفون في أن آلَ البيتِ على أصحِّ بطونِ قريشٍ أنسابا، وأكرمها أحسابا وأن الخلافة في قريش، فإن وجد فيهم من تجتمع فيه سائر شروطها ويرضاه أهل الحل والعقد من الأمة فهو أولى من غيره.
كلا إنهم ينتظرون تجديد الإسلام وإقامته بظهور المهدي (1) ، وعامة المسلمين ينتظرونه معهم، فليكتفوا بهذا ويكفوا عن تأليف الكتب في
(1) تقدم في موضع سابق ذكر ما نقله القوم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد)(البحار 52/354) ، (غيبة النعماني 154)، وقال أبو عبد الله عليه السلام:(لكأني انظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد)(البحار 52/135)، (الغيبة 176) . وانظر: تاريخ ما بعد الظهور لمحمد الصدر ص637، 638.
وقد جَمَعَ الكليني خمس روايات في كتابه "الكافي" وصاغ لها بابًا مستقلا سماه بالنص: (باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود، ولا يسألون البينة عليهم السلام والرحمة. 95 - والرضوان) . الأصول / كتاب الحجة. الشافي / الحجة / رقم الباب 154، وثلاث روايات منها موثقة أو حسنة كما قال محقق الكتاب، وكل روايات الباب تفيد أن مهدي الاثنى عشرية المنتظر يحكم بحكم آل داود!
وهذا مما يثير الاستنكار الشديد؛ إذ كيف يؤمر اليهود بأمر من الله تعالى في القرآن باتباع رسول الله، ثم يأتي الكليني ويجعل الإمام الثاني عشر فيما إذا حكم وهو من أتباع رسول الله تابعًا لنبي من أنبياء اليهود؟!
الطعن في الصحابة الكرام، وبحمله السنة وحفاظها الإعلام، وإثارة الأحقاد والأضغان، التي لا فائدة لهم منها في هذا الزمان إلا التقرب إلى غلاتهم من العوام، طمعا في الجاه الباطل والحطام وإنما فائدتها الحقيقية للأجانب من أعداء الإسلام، ومن العجائب أن شيعة الأعاجم في إيران قد شعروا بضرر الغلو وبالحاجة إلى الوحدة دون شيعة العرب في العراق وسورية. فقد بلغنا عنهم ما نرجو أن يكونوا به خير قدوة لهم والله الموفق.