الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
الكلمة الثانية مناقب الصديق في قصة الهجرة:
قد دلت هذه الآية الكريمة وما يفسرها ويشرحها من الأحاديث الصحيحة وما في معناها من الأخبار والآثار مما دونها في الرواية على مناقب وفضائل لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه امتاز بها على جميع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر منها ما يتبادر إلى الفهم بغير تكلف لبداهته ومن غير مراعاة ترتيب:
(الأولى) :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمن على سره وعلى نفسه في هذه الحادثة التي كانت أهم حوادث رسالته وأشدها خطرا وخيرها عاقبة غير صاحبه الأول أبي بكر الصديق، وإن شئت قلت إنه لم يختر لصحبته وإيناسه فيها غيره.
ويؤيده ما رواه ابن عدي [2 / 160 - 161 ط: الفكر]، وابن عساكر [3 / 90 - 92 ط: الفكر] من طريق الزهري عن أنس (رض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: ((هل قلت في أبي بكر شيئا؟)) قال: نعم، قال:((قل وأنا أسمع)) فقال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد
…
. . . طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا. . . من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال:((صدقت يا حسان، هو كما قلتَ)) . (1)
(الثانية) : أنه صلى الله عليه وسلم رضي أن تكون نفقة هذه الرحلة من مال أبي بكر الذي أنفق جميع ماله في خدمته صلى الله عليه وسلم، إلا أنه أحب أن تكون الراحلة التي ركبها بالثمن يدفعه بعد ذلك.
وتقدم ما قاله بعض العلماء في تعليل ذلك، وفي صحيح البخاري [3661] أن عمر بن الخطاب غضب من أبي بكر رضي الله عنه في محاورة بينهما، فطلب منه أبو بكر أن يغفر له فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((يغفر الله لك يا أبا بكر)) ثلاثا.
قال الراوي - وهو أبو الدرداء رضي الله عنه: ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال: أَثَمَّ أبو بكر؟
فقالوا: لا.
فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمعر (2) حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبته فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم -
(1) وأخرجه ابن سعد في الطبقات (2 / 174) ، واين النجار في الذيل على تاريخ بغداد (2 / 88 - 89) ، ديوان حسان بن ثابت (1/17) من طريق الزهري.
وذكره ابن الضياء في تاريخ مكة المشرفة معلَّقاً عن غالب بن عبد الله عن أبيه عن جده أنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان بن ثابت:
…
)) . وذكر الحديث مع البيتين.
(2)
مَعَرَ الوجه وتَمَعَّر بالتشديد للتكثير أو التدريج: تغير من الغيظ حتى خاف أبو بكر أن يكلم عمر كلاماً شديدًا. (ر)