المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة الأولى: للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين - رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌الحق أن علياً كرم الله وجهه كان مكلفا بتليغ أمر خاص

- ‌ قو

- ‌الكلمة الأولى في الهجرة المحمدية

- ‌الكلمة الثانية مناقب الصديق في قصة الهجرة:

- ‌(الأولى) :

- ‌(الرابعة) :

- ‌(السابعة) :

- ‌(الثامنة) :

- ‌المعية الإلهية معنى إضافي يختلف باختلاف موضوعه ومتعلقه

- ‌(الثانية عشرة) :

- ‌(الثالثة عشرة) :

- ‌الكلمة الثالثة(تفنيد مراء الروافض

- ‌تفنيد شبهتهم على منقبة {ثاني اثنين} :

- ‌ من أكبر جنايات الروافض على الإسلام والمسلمين أنهم جعلوا أبا بكر وعليا رضي الله عنهما خصمين

- ‌تفنيد شبهتهم على نهيه عن الحزن

- ‌تفنيد تحريفهم لقوله {إن الله معنا}

- ‌ت ف

- ‌السنة والشيعة وضرورة اتفاقهما

- ‌ الزواج من رجل شيعي أو امرأة شيعية

- ‌جواب صاحب المنار

- ‌المناظرة بين أهل السنة والشيعة

- ‌الرسالة الأولى: للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين

- ‌ مشاربه

- ‌مطالبة علماء الشيعة برأيهم في دعوى المناظرة:

- ‌كتاب ورسالة من سائح شيعي أديب

- ‌س ال

- ‌السنة والشيعةالاتفاق بينهما والوسيلة إليهورأينا ورأي علامة الشيعة فيه

- ‌جواب العلامة آل كاشف الغطاء

- ‌تعليقنا الوجيز على هذه الدعوى وأدلته

الفصل: ‌الرسالة الأولى: للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين

‌الرسالة الأولى: للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد جرت مناظرة بيننا وبين الأستاذ العلامة الإمام حضرة صاحب مجلة المنار الغراء، ونال كل منا صاحبه بما جرحه، فرأينا أن ذلك يحول دون الغرض الذي يؤمه أهل الدين والعقل من إحقاق الحق وجعله الضالة المنشودة لهم، فكتبت إليه راجيًا منه فتح باب في المجلة تذكر فيه المسائل الهامة بين الطائفتين ورأي كل منهما ودليله.

فحقق رجائي وكان عند حسن ظني وأتحفني بكتاب ملأه حنانًا وغيرة على الدين وأهله، ولا عجب إذا جاء الشيء على أصله وخرج الجوهر من معدنه.

وأرجو ببركة هذه المجلة ونية صاحبها أن نقف على فوائد جمة ونهتدي إلى كثير مما خفي علينا علمه ومعرفته، فنحن بلسان أهل الحق والفضل نشكره شكرًا جزيلاً.

ص: 137

ودع عنك قول بعضهم: دعوا البحث فيما يتعلق بالدين والمذهب وهلم إلى التعاون على توحيد الكلمة وجمع الأمر قبالة المستعمرين.

فإن ذلك لغو من القول، وخطل من الرأي، وكأنها مقالة من لا يرى الإسلام دينًا، ولا يرى أن هناك حياة أخرى خالدة غير هذه الحياة؛ وإنما يرى الإسلام رابطة قومية وجامعة سياسية، فهو يدعو إليها ويحض عليها.

وهذه الدعوى لا تجدي نفعًا عند من يرى الإسلام دينًا ويتقرب إلى الله سبحانه بنصرته ومعاداة من يمسه بسوء.

فالدواء الناجع إذًا لتوحيد كلمة المسلمين وضمهم تحت راية لواء واحد هو سعي عقلاء العلماء - أي علماء الدين - من كلتا الطائفتين إلى محل الخلاف وفحصه وإزالته بالبرهان، وإصغاء كل منهما لحجة الآخر، وتحكيم أهل الفضل والإنصاف، ولا ينبغي وضع هذا العبء على كاهل العلماء فحسب.

بل على العقلاء ممن يهمهم أمر المسلمين القيام مع العلماء مراقبين سيرهم في المناظرة؛ فإن الحق لا يخفى على طالبه، وإنني

ص: 138

لا أنكر أن يكون في علماء الطائفتين من تهمه نفسه، ولا يميل إلى الاتفاق لما اعتاده من التعصب الأعمى، فعلى العقلاء من كلتا الطائفتين رفض أولئك والتنبه لهم.

وليت شعري كيف يمكن الاتفاق بين هاتين الطائفتين قبل دفع سبب الخلاف.

إن الشيعة من المسلمين يرون أن من أرسى قواعد الإسلام وأقوى دعائمه موالاة أهل البيت والاهتداء بهديهم والعمل برأيهم وحديثهم، وأن المنحرف عنهم، النابذ لحديثهم، المهتدي بخلاف هديهم غير متبع سبيل المؤمنين، ويرون أن أبناء السنة من المسلمين منحرفون عنهم بنبذهم علمهم وحديثهم وإعراضهم عن مذهبهم فهم على غير سبيل المؤمنين. (1)

وإن المسلمين من أهل السنة يرون أن أرسى قواعد الإسلام وأوثق عراه موالاة أصحاب رسول الله جميعهم والعمل بكل ما حدَّثوا به؛ لأنهم حملة الدين وحفظة الوحي ومبلغوه إلى الأمم، فالمنحرف عنهم التارك لحديثهم غير متبع سبيل المؤمنين، ويرون أن الشيعة

(1) وهذه خلاصة بحث في كتب الأحاديث عند الشيعة والسنة لمعرفة عدد الروايات المروية عن طريق العترة، فعند الشيعة أول أربع كتب معتبرة هي:((الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار)) ، ومقارنة عند أهل السنة:((صحيحا البخاري وسلم، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه وأحمد بن حنبل)) :

1 -

مجموع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ644 رواية فقط من أصل44ألف رواية موجودة في الكتب الأربعة عند الاثنا عشرية، فتأمل!

وكتاب الكافي لوحده - بأجزائه الثمانية - يحتوى على أكثر من16الف رواية، وللنبي صلى الله عليه وسلم منها 92 حديثا فقط!

وكلها فى اسانيدها اشكال بعتراف علمائهم، في حين أن جعفر الصادق رحمه الله يبلغ عدد رواياته في كتاب الكافي9219.

2 -

أما فاطمة رضي الله عنها فلا يوجد لها رواية في جميع الكتب الاربعة بتاتاً، أما كتب أهل السنة فيوجد لديها 11 رواية، وعند أحمد بن حنبل 7 روايات.

3 -

أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرواياته في الكتب الأربعة الشيعية فتبلغ690 رواية فقط، أما عند أهل السنة بالمصادر التي ذكرناها سابقا فعددها 1583، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل لوحده يوجد 818 رواية، أي أنه يغطي لوحده على مجموع ما ترويه أربع كتب شيعية معتبرة مجتمعة، فتأمل!

4 -

الحسن بن علي رضي الله عنهما روى عنه الشيعة في الكتب الأربعة 21رواية، أما في كتب أهل السنة فعددها 35 رواية، وعند أحمد بن حنبل لوحده في مسنده بلغت18رواية.

5 -

الحسين بن علي رضي الله عنهما روي عنه في كتبهم الأربعة مجتمعة 7 أحاديث فقط، في حين أنها بلغت عند أهل السنة 43 وفي مسند احمد بن حنبل لوحده بلغت18يعني أكثر من ضعفي ما لدى الكتب الشيعية الأربعة مجتمعة تقريباً، وهؤلاء صحابة من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

ولو جئنا لبعض ذرية الحسين رضي الله عنهم في بعض كتب أهل السنة فسنجد الآتي وهو بحث أتممت نقصه دون استقراء تام وإنما بحسب ما تيسر لي:

1 -

أحاديث زين العابدين في صحيح البخاري: (25حديثا، وفي مسلم 15 حديثاً، وفي سنن أبي داود 11 حديثاً، النسائي (الصغرى) 8) .

2 -

أحاديث محمد الباقر رحمه الله: (في صحيح البخاري 12 حديثا، وفي مسلم 19، وفي الترمذي 23، وفي النسائي 56، وفي سنن أبي داود 17، وفي سنن ابن ماجه 24، وفي مسند أحمد 65) .

3 -

أحاديث جعفر الصادق رحمه الله: (في صحيح مسلم 17 حديثاً، وفي سنن أبي داود 11 حديثاً، وسنن النسائي (الصغرى) 43 حديثاً، وفي سنن الترمذي 20 حديثاً، وفي سنن ابن ماجه 19 حديثاُ، وفي مسند أحمد 35) .

كما أن أهل السنة لم يُغفلوا ذلك الجزء العظيم من أهل البيت ممن قيل لهن {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} وهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأهل لسنة يرون عن طريق زوجات الرسول بالسند الصحيح.

كما أنهم - أعني أهل السنة - لم يُغفلوا بقية آل البيت وهم آل عقيل وآل طالب وآل علي وآل العباس؛ فقد جاء في كتب أهل السنة روايات لكل من:

عقيل أخو علي بن ابي طالب، عبد الله بن محمد بن عقيل، عبد الله بن جعفر بن ابي طالب، وأم هانئ بنت أبي طالب، وأم عون بنت محمد بن جعفر، وإسحاق بن عبد الله بن جعفر، وإسماعيل بن عبد الله بن جعفر، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه عبد الله بن العباس المعروف بحبر الامة وترجمان القرآن، ومحمد بن الحنفيه أخو الحسن والحسين، وأبنائه كالحسن بن محمد وعبد الله بن محمد وإبراهيم بن محمد وعمر بن محمد.

وكذلك رووا عن بقية أبناء علي بن أبي طالب كعمر بن علي بن أبي طالب، وحفيده محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وولده عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وأيضا عن بنات علي بن أبي طالب ومنهن: فاطمة بنت علي، وأم كلثوم بنت علي زوجة عمر بن الخطاب.

وأيضا روى أهل السنة عن أبناء الحسن بن علي رضي الله عنهما وأبناء أبنائه، منهم: محمد بن عمرو بن الحسن، وعبد الله بن الحسن بن الحسن، والحسن بن الحسن بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن بن الحسن، والحسين بن زيد بن الحسن، والحسن بن زيد بن الحسن.

وأيضا روى أهل السنة عن أبناء الحسين بن علي رضي الله عنهما وأبناء أبنائه، منهم: فاطمة بنت الحسين بن علي، وزيد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن علي بن الحسين، وعمر بن علي بن الحسين، والحسين بن علي بن الحسين، وعلي بن عمر بن علي بن الحسين، إسحاق بن جعفر بن محمد، وعلي بن جعفر بن محمد.

وللعلم فإن الكثير من تلك الأسماء لا توجد لهم روايات في كتب الشيعة المعتبرة

وهكذا تجد إن كتب أهل السنة تحتوى على الكثير من الروايات المروية عن طريق آل البيت ولا نختص فقط بـ 12 شخصا.

علماً بأن الذين يتشدقون من الغلاة فيقولون: أهل البيت أدرى بما فيه ونحن لا نثق في الصحابة!

قد فاتهم أن روايات أهل البيت المنسوبة إليهم جاءتهم من طريق الواقفة وغيرهم من أمثال زرارة وجابر الجعفي وغيرهم ممن تقدم حالهم قبل قليل، ولا ندري كيف تُرد روايات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، الذين هم أفضل من ألئك الرواة من كل وجه وبكل اعتبار بحجة أنهم ليسوا من أهل البيت، وتقبل - في الوقت نفسه - روايات أصحاب جعفر وهم أدنى منزلة، وليسوا من أهل البيت!

ص: 139

منحرفون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركهم حديثهم وانقطاعهم إلى أهل البيت، فهُم على غير سبيل المؤمنين.

فعلى هذا كيف يشترك المتمسكون بالدين منهما بالعمل بإخلاص ونصح ما لم يقع التفاهم بينهم؟

فلو أن شخصين متعاديين سارا في طريق واحدة لم يُجْدِهما نفعًا إظهارهما المجاملة، وقول كل واحد منهما لصاحبه: دع العداء بيننا جانبًا، وهلم فنلكن يدًا واحدة على من سوانا!

فإن ذلك غير مستطاع لهما، واعتمادهما في التعاون على ما أظهراه من المجاملة والاتفاق غرورٌ وأمانٍ باطلة، فلو ظفر بهما عدو لهما على هذا الحال، ثم استعان بكل واحد منهما على صاحبه لأعانه.

فعلى هذين الرفيقين أن يقتلعا سبب العداء من عروقه، ويعترف كل واحد منهما لصاحبه بما جناه ويعطيه بيده ليأخذ بحقه حتى يرضى، وعندها تذهب الشحناء، ويحل محلها الود والإخاء.

أما أنا فهذه يدي رهن بما أقوله معطاة لمن يريدها وما توفيقي إلا بالله.

ص: 140

عِلْمُ علي وعمر رضي الله عنهما بالدين والقضاء

ذكرت مجلة الشبان مقالاً، وهو أن عمر كان أعلم الصحابة بالدين وأفقههم فيه (1)، وردته مجلة العرفان بقولها: إن هذا منافٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقضاكم علي) وقوله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ولقول عمر: (لولا علي لهلك عمر، ولا بقيت القضية ليس لها أبو الحسن) .

وحاصل الرد أن ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من الحديثين غير صالح للاستدلال به لعدم صحة ما روي، وعلى فرض صحته لا دلالة فيه على المطلوب؛ إذ كون علي أقضى لا يمنع أن يكون عمر أعلم؛ لأن القضاء - أعني فصل الخصومة - لا يحتاج إلى كثير علم (2) ؛ وإنما يحتاج إلى ذكاء وفطنة، فبين الأعلم والأقضى عموم وخصوص من وجه.

(1) المنار: الصواب أن مجلة الشبان المسلمين نشرت مقالاً في عمر رضي الله عنه فيه كلمة بهذا المعنى، ولم يكن هذا موضوع المقال. (ر)

وقد ردَّ الأستاذ العلامة صاحب المنار في الجزء الرابع من المجلد (31 ص295) هذه الأدلة وعنون المسألة بهذا العنوان.

(2)

لم نقل أنه لا يحتاج إلى كثير علم. (ر)

ص: 141

وكذلك جعل علي عليه السلام باب مدينة العلم لا يوجب الحصر؛ لجواز أن يكون للمدينة أبواب كثيرة منها علي عليه السلام، ومنها عمر رضي الله عنه ومنها غيرهما، وكذلك قول عمر إنما جاء على نحو التواضع.

ثم أطال البحث في أحوال الرواة لهذين الحديثين وتضعيفهما.

أقول: ما أحسن المناظرة إذا كانت بآدابها، وصحت نية أربابها، وكان الحق ضالتهم، والبرهان قائدهم.

ولنغضي عما في هذا الجزء من الشتم والتجهيل كما تضمنته رسالة ابن تيمية، ومقالة الأستاذ التي عنوانها (السنة والشيعة وضرورة اتفاقهما) فإنها كتبت قبل الصلح والمسالمة.

وقبل الخوض في البحث نقدم بيانًا يعلم منه مناظرنا كيف يسير معنا في المناظرة:

رأي الشيعة في الخلافة:

إن المسلمين من الشيعة يرون أن الخلافة أصل من أصول الدين كالنبوة، وأن نصب الخليفة واجب على الله عقلاً من باب اللطف كوجوب إرسال الرسول (1)

، ويرون أن الخليفة لا بد أن يكون أكمل أهل زمانه في جميع فنون الفضل كالنبي، وإن امتاز النبي صلى الله عليه وسلم

(1) أي أنهم يقولون: كما أن إرسال الرسل هو لطف من الله بعباده، فكذلك نصب الله للخليفة وتعيينه له هو لطف أيضا، واللطف واجب على الله كما يقولون.

ثم بعد أن وضعوا هذا الأصل وخالفوا فيه جميع المسلمين - وهو أن الإمام لا يتعين إلا بنص من الله تعالى - وأخذوا يدافعون عنه قالوا: يجب أن يكون هذا النص صريحاً كي يسهل التعرف من خلاله على الإمام ويزول النزاع.

ولكنهم بعد أن اشترطوا النص الصريح على الإمام، يتفاجأ القارئ ويعجب عندما يراهم ينقضون قولهم هذا بالجملة من خلال منعهم وجوب ذكر اسم الامام صراحة في القرآن، فكيف يجتمع قولهم بوجوب النص الصريح على الإمام، مع قولهم بعدم وجوب ذكر اسم الإمام في القرآن، فتراهم يتأرجحون ويتذبذبون في جوابهم؟!

فعندما قال لهم أهل السنة إنه لا يجب على الله تعالى أن ينص على الإمام.

قالوا: هذا غير صحيح، بل يجب عليه ذلك وأن يكون نصاً صريحاً.

وعندما سلمنا لهم جدلاً بقولهم ذاك وبينا لهم النتبجة المترتبة عليه: وهي أن ذكر اسم الإمام في القرآن لطف، واللطف واجب على الله، فيجب أن يُذكر اسم الإمام في القرآن.

فإما أن تقولوا: بأن الله تعالى لم يفعل اللطف المذكور.

أو تقولوا: بأن الله تعالى قد فعله.

ولا يوجد أمامهم خيار ثالث بحسب القسمة العقلية، وفي كلا الخيارين خطر عظيم. انظر حول هذا الإلزام: كتاب " إمامة الشيعة توجب القول بتحريف القرآن " للشيخ عبد الملك الشافعي.

ص: 142

عندهم بأمور كثيرة (1) ، ويرون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي أمير المؤمنين عليه السلام فهو أفضل أهل زمانه.

رأي السنة في الخلافة:

إن المسلمين من السنة لا يرون الخليفة بهذه العظمة، فهي عندهم فرع من فروع الدين (2)

، فيجب على المسلمين أن يختاروا من بينهم خليفة ولا يشترطون امتيازه عن غيره في الفضل والصلاح، ولعل أكثرهم لا يشترط فيه الصلاح والعدالة.

فإذا عرفت ذلك ظهر لك أن الشيعة حين ينكرون أن يكون أحد من الصحابة أفضل من علي عليه السلام أو مساويًا له إنما هو لمنافاته لأصل الدين (3) وقاعدة المذهب عندهم، وقد فرغوا من إثباته بالحجج القاطعة والبراهين العقلية والنقلية، وألَّفوا في ذلك الكتب المطولة، فمن يجهل رأيهم في الخلافة ولم يطالع ما كتبوه في ذلك مع وفوره وقرب مناله، يظن أن ذلك منهم غلو في علي وانحراف عن غيره، وليس كذلك.

إن العالِم الشيعي ينظر إلى التفاضل بين علي عليه السلام وعمر

(1) أقول: ليته استطاع أن يذكر من هذه الأمور الكثيرة فرقاً واحداً جوهرياً بين النبوة وبين الإمامة غير الفرق السطحي جداً والذي وردت به رواية في "الكافي" تحصر الفرق بين النبوة والإمامة في كون الإمام يسمع الملك ولا يراه بينما النبي يسمعه ويراه، فالناس حينما تتبع نبياً أو رسولاً أو حتى إماماً لا تهتم بالطريقة التي جاء بها الوحي بل بكونه وحياً من الله والناس ملزمة باتباعه؛ ولذلك لم يكن بوسع العلامة المجلسي في بحار الأنوار (26/82) إلا أن يصرّح بقوله:(ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين النبوة والإمامة)، وهنا يقول هذا الشيعي في المناظرة: إن النبي يمتاز بأمور كثيرة!! انظر للاستزادة كتاب " إمامة الشيعة دعوة باطنية لاستمرار النبوة " للشيخ عبد الملك الشافعي.

(2)

الخلاف السني الشيعي حول قضية الإمامة ليس منصباً على ضرورة وجود إمام يقود الأمة أو عدم وجوده؛ إذ أن كلا الفريقين يرى أن وجود إمام وقائد للأمة الإسلامية أمراً لا بد منه، لكن مفترق الطريق بين الفريقين منصبّ على نمط هذه الإمامة..

هل لها القدسية التي أعطاها الله عز وجل للنبوة بحيث يكون أمر الحاكم تماماً كما لو كان هو النبي عليه الصلاة والسلام الذي لا يخالف، أو لا يُتصور فيه الخطأ ولا حتى النسيان؟ أم أنها لا تعدو أن تكون ضرورة دينية واجتماعية لحفظ نظام المجتمع الإسلامي؟

وهل تنحصر باثني عشر رجلاً فقط منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيام الساعة أم أنها غير محددة الحكام وإنما بحسب حاجة الأمة والتغيرات السياسية التي تحوطها وتتجدد معها؟ وهل تنعقد بالنص الإلهي على أشخاص محددين؟ أم بنظام الشورى الإسلامي وبضوابط شرعية تكفل أن لا يتصدر الحكم إلا من هو أهل له؟

فهنا يكمن الخلاف، فهنا تتشعب القضية بل وتصل إلى طريق مسدود يوم أن تنتقل القضية المتنازع عليها من إطار الخلاف الفقهي إلى إطار الخلاف العقائدي بحيث تصير الإمامة أصلاً لقبول أعمال العباد عند خالقهم، وأصلاً في معرفة الدين، وأصلاً في تقييم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته وخلفاء المسلمين وحكامهم وعلماء الأمة والفتوحات الإسلامية!! انظر: ثم أبصرت الحقيقة للشيخ محمد الخضر.

(3)

هذه النظرة الشيعية - التي ينص عليها عبد الحسين هنا - وبرواياتها التي تسندها في كتب الشيعة ساهمت بشكل مباشر في جعل مسألة الإمامة النصية مسألة إيمان أو كفر، فبات المسلم معرضاً للاتهام بالكفر لمجرد اختلافه مع الشيعة الإمامية في عقيدة الإمامة التي يعتقدونها؛ ولذا رأينا بعض كبار علماء الشيعة الإمامية السابقين واللاحقين يصرّحون بهذه الحقيقة المرّة بكل جرأة واندفاع.

ص: 143