الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكانت قيمته في غايته، بمعنى ما كان عن الوحي منذ بدايته، وهذا يؤيد كون ما ذكرناه في تفسير المعية من كونها معية خاصة من نوع المعية التي أيد الله تعالى بها موسى وهارون عليهما السلام، إلا أنها أعلى في ذاتها وشخصها من كل أفراد هذا النوع.
ف
المعية الإلهية معنى إضافي يختلف باختلاف موضوعه ومتعلقه
، فمعية العلم عامة، كقوله تعالى {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكبر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} وهى لا تشريف فيها لأهلها بل هي تهديد لهم؛ وإنذار بأن الله مطلع على كل ما يصدر عنهم، وأنه سيحاسبهم عليه ويجزيهم به.
وأعلى منها معيته تعالى للمتقين والمحسنين، وهي تتضمن معنى التوفيق واللطف كما تقدم، ففيها شرف عظيم.
وأعلى منها معيته عز وجل للأنبياء والمرسلين، في مقام التأييد على الأعداء المناوئين وهي أعلى الأنواع كما علمت، ولم يثبت لأحد من غيرهم حظ منها
إلا ما ثبت للصديق هنا. (1)
(التاسعة) : إنزال الله تعالى سكينته عليه - على ما تقدم من التفسير المنقول المعقول - وهي منقبة لم يرد في التنزيل إثباتها لشخص معين قبله ولا بعده إلا الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد إثباتها لجماعة المؤمنين كما تقدم.
وقد كان رضي الله تعالى عنه قائما مقام جميع المؤمنين في الغار وسائر رحلة الهجرة الشريفة في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما أنزل التنويه بذلك في أواخر مدة الهجرة. أي سنة تسع منها.
وقد روينا لك ما قاله علي المرتضي كرم الله وجهه وغيره من تفضيله على جميع المؤمنين بهذه الآية مِنْ قِبل الله عز وجل، وأنه كان المبلغ لها عن الرسول صلى الله عليه وسلم في موسم الحج.
(العاشرة) : تأييده بجنود لم يرها المخاطبون من المؤمنين وهي الملائكة بناء على القول بعطف جملة التأييد على جملة إنزال السكينة كما تقدم شرحه، ويأتي في هذا ما ذكرناه فيما قبله من الخصوصية وجعل أبي بكر في مقدم المؤمنين كافة مع تفضيله عليهم.
(1) أي أنه لم يثبت ذلك لأحد بعينه، وليس المراد عدم ثبوت ذلك لمجموعة على سبيل العموم كما في قوله سبحانه وتعالى لعموم الصحابة رضي الله عنهم بعد معركة أحد {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} .
(الحادية عشرة) : إثبات الله تعالى صحبته لرسول صلى الله عليه وسلم في أعظم مواطن بعثته، وأطوار نبوته، فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد سمي أتباعه في عهده أصحاباً، تواضعا منه وتربية لهم على احترام جميع أفراد الأمة ومعاملتهم بالعدل والمساواة، وإزالة لما كان في الجاهلية من احتقار بعض القبائل لبعض، واحتقار الأغنياء والرؤساء لمن دونهم.
وإبطالا لما كان في شعوب أخرى كالهنود من جعل الناس طبقات بعضها فوق بعض بالتحكم والتوارث، وهو صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجميع ولإصلاح الجميع، فإن هذا لا ينافي ما جرت به سنة الله تعالى في خلقه وأقرته شريعة الحق والعدل بخاتم رسله من تفاضل أفراد الناس بعضهم على بعض بالإيمان والعلم والعمل ومعالي الأخلاق {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ، {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة} ، {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل
الله أعظم درجة عند الله} الخ..
وقد أجمع المسلمون (1) على أن المهاجرين السابقين الأولين أفضل من سائر المؤمنين، وورد في فضائل الهجرة آيات وأحاديث كثيرة معروفة، وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن أبا بكر رضي الله عنه أول المهاجرين، وأنه امتاز بهجرته مع الرسول نفسه بإذن ربه، ورَغْبَتتُهُ صلى الله عليه وسلم من قبل الإذن الإلهي له؛ إذ مَنَعَ أبا بكر من الهجرة، وحَدَّدَ انتظارًا منه لإذن الله تعالى له بهجرته معه، كما تقدم في الحديث الصحيح - فلا غرو أن يكون له كل ما علمنا من المزايا في الهجرة.
وأن يكون بها أفضل المهاجرين بعد سيد المهاجرين صلى الله عليه وسلم، وأن تكون صحبته أفضل وأكمل من صحبة غيره.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مغاضبة عمر له على مسمع من الصحابة: ((فهل أنتم تاركوا لي صاحبي)) إشعار بأنه الصاحب الأكمل له صلى الله عليه وسلم، فهو قد أضافه إلى نفسه كما أضافه الله تعالى إليه في كتابه (2) ، إذ الإضافة هنا كالإضافة في قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده} إضافة تشريف واختصاص؛
(1) انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني 2/312، أصول الدين لأبي منصور البغدادي ص/304، الفرق بين الفرق ص/359، تاريخ الخلفاء ص/44، مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس الرسائل الشخصية رسالة رقم 1 ص/10.
(2)
أي أن إضافة الصحبة إليه صلى الله عليه وسلم في خطابه وخطاب المسلمين تتضمن صحبة موالاة له وذلك لا يكون إلا بالإيمان به. انظر: منهاج السنة 8 / 471 - 472، مجموع الفتاوى 35 / 61.