الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة والشيعة وضرورة اتفاقهما
بلغنا عن بعض إخواننا من مسلمي بيروت أنهم غير راضين عن رد المنار على الشيعة في هذا العهد الذي اشتدت فيه حاجة المسلمين إلى الاتفاق والاتحاد ولا سيما مسلمي سورية ولبنان والعراق الذين اشتد عليهم ضغط المستعمرين في دينهم ودنياهم.
وإنني أقسم بالله وآياته لَشديد الحرص على هذا الاتفاق وقد جاهدت في سبيله أكثر من ثلث قرن، ولا أعرف أحدًا في المسلمين أعتقد أو أظن أنه أشد مني رغبةً وحرصًا على ذلك، وقد ظهر لي باختباري الطويل وبما اطَّلعت عليه من اختيار العقلاء وأهل الرأي أن أكثر علماء الشيعة يأبون هذا الاتفاق أشد الإباء؛ إذ يعتقدون أنه ينافي منافعهم الشخصية من مال وجاه.
وأول مَن كلَّمتهم في هذا الموضوع شيخنا الأستاذ الإمام في سنة 1315 هـ وآخرهم الأستاذ الثعالبي السياسي الرحالة الشهير في هذا الشهر مع أستاذ ذكي من شبان الشيعة العراقيين، وفيما بين هذين
الزمنين تكلمت مع كثيرين من الفريقين في مصر وسورية والهند والعراق، وأعلاهم مقامًا جلالة الملك فيصل تكلمنا في هذه المسألة في دمشق سنة 1320 ثم في مصر عند إلمامه بها في عودته من أوربة في خريف سنة 1345هـ 1926م.
ومما علمته بالخبر والخبر أن الشيعة أشد تعصبًا وشقاقًا لأهل السنة فيما عدا الهند من البلاد الجامعة بين الطائفتين؛ فالفريقان فيها قرنان متكافئان، وقد اجتهدت أنا وإخواني من محبي الإصلاح في الهند بالتأليف وجمع الكلمة وخطبت في مدينة بُمبي خطبة فيَّاضة في ذلك.
وبدأت بزيارة رئيس الشيعة الديني في لكنهؤ دون غيره من أمراء الهند وزعمائها؛ فإنهم كانوا هم الذين يبدؤونني بالزيارة، وكنت سبب دخول الكاتب الحماسي الشعبي (الديمقراطي) المؤثر ظفر علي خان صاحب جريدة زميندار الوطنية المؤثرة دار (النواب فتح علي خان) لأول مرة ولم يدخلها قبل ذلك قط ولا دخل دور غيره من سلائل الأمراء من الشيعة ولا غيرهم، وقد رأيت لسعيي تأثيرًا حسنًا في الهند
وفي إيران، ولما ألممت ببغداد منصرفي من الهند جاءني وفد من النجف للزيارة والدعوة إلى النجف وأخبرني رئيسه صديقي العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني أنه يوجد هنالك كثيرون من طلبة العلم على رأيي في الإصلاح الإسلامي يتمنون لقائي، وما منعني من زيارة النجف إلا المرض وإنما كان داعية الإصلاح فيهم المُلا كاظم الخُراساني وقد توفي قبل زيارتي للعراق رحمه الله تعالى، ولكن جمهور شيعة العراق شديدو التعصب باعتراف السيد هبة الدين وبعض المنصفين منهم. وكان يوجد في شيعة سورية من يُظهر الميل إلى الاتفاق في عهد الدولة العثمانية أكثر مما يوجد في العراق، وكان للمنار رواج عند بعض العصريين المستنيرين منهم. ولذلك قام أشهر علمائهم يطعن عليَّ ويتهمني بالتعصب والتفريق؛ لأنهم يكرهون الاتفاق لما ذكرته آنفًا. وقد صبرت عدة سنين على طعنه عليَّ قولاً وكتابةً حتى صار السكوت عنه إقرارًا لهم على ما قصدوا له في هذا العهد عهد الاستعمار الفرنسي المسمى بالانتداب من مناهضة النهضة العربية الحاضرة من مدنية ودينية
بما هو أكبر خدمة للأجانب السالبين لاستقلال هذه البلاد، سورية والعراق.
ذلك أنهم نشطوا في هذا العهد لتأليف الكتب والرسائل في الطعن في السنة السنية والخلفاء الراشدين الذين فتحوا الأمصار، ونشروا الإسلام في الأقطار، وأسسوا ملكه بالعدل والقوة، وتم بهم وعد الله عز وجل:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة: 33) والطعن في حياة السنة وأئمتها، وفي الأمة العربية بجملتها، وخصوا بالطعن أول ملك عربي اعترفت له الدول القاهرة للعرب والمسلمين وغيرها بالاستقلال المطلق والمساواة لها في الحقوق الدولية، طعنوا فيه وفي قومه بكتاب ضخم لتنفير المسلمين ولا سيما مسلمي العرب وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته والبراءة منه، لا لعلة ولا ذنب إلا اتباع السنة وإقامة أركان دولته على أساسها، مع عدم تعرضه للشيعة بعداوة ولا مقاومة، بدليل اتفاقه مع دولة الشيعة الوحيدة في العالم وهي دولة إيران بما حمدناه لكل منهما، ورجونا أن يكون تمهيدًا للاتفاق التام بين الفريقين بالتبع
للاتفاق بين الدولتين.
والذي بدأ هذا الشقاق وتولى كِبْره منهم هو صاحب ذلك الكتاب البذيء الجاهلي (السيد محسن الأمين العاملي) الذي لم يكتفِ فيه بإخراج ملك العرب الجديد وقومه النجديين من حظيرة الإسلام، وهو يعلم أنه لا قوة له ولا للعرب بغيرهم في هذا الزمان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا ذلت العرب ذل الإسلام)(رواه أبو يعلى بسند صحيح)(1) ولكن الإسلام عنده هو الرفض الذي هو الغلو في التشيع وعداوة السنة.
ولم يكتفِ بذلك حتى زعم أن منشأ ضلال هؤلاء الوهابية وخروجهم عن الإسلام وعليه هو كتب شيخ الإسلام، وعلم الأئمة الأعلام، مؤيد الكتاب والسنة بأقوى البراهين النقلية والعقلية، وناقض أركان الشرك والكفر والبدع بتشييد صرح السنة المحمدية، الشيخ تقي الدين ابن تيمية، الذي نشرنا في هذا الجزء بعض رسائله في جمع كلمة الأمة الإسلامية، والأدلة على أن أهل السنة لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة، ولا يأبون صلاة الجماعة مع المبتدعة منهم.
(1) أخرجه أبو يعلى في مسنده (3 / 402 / 1881) وكذلك أبو نعيم في " أخبار أصبهان "(2 / 340)، وتصحيح المؤلف رحمه الله للحديث فيه نظر؛ فقد ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 376) فقال: سألت أبي عن حديث رواه منصور بن أبي مزاحم. . . فذكره، قال: فسمعت أبي يقول: هذا حديث باطل ليس له أصل. وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (1 / 301)
وزعم أيضًا أن صاحب المنار قد انفرد دون المسلمين بموافقة ابن تيمية والوهابية، وزاد على ذلك الطعن في شخصه وسيرته العملية، بما هو محض الزور والبهتان، ليخدع الجاهلين من أهل السنة بما بيناه في الرد عليه.
وقام في أثره من علماء شيعة العراق مَنْ ألف كتابًا خاصًا في الرد على كتاب (منهاج السنة) لشيخ الإسلام (1)
، وآخرون ألفوا كتبًا ورسائل أخرى في الطعن على السنة وأهلها، دعْ ما قالوه في مؤتمرهم المشهور من تكفير الوهابية والتحريض على قتالهم، على ضعفهم وعجزهم.
كذلك قام بعده زعيمهم الثاني في سورية السيد عبد الحسين فألف كتابًا آخر في الطعن على الصحابة من كبار المهاجرين والأنصار وفي الأمة العربية سلفها وخلفها وفي أصحاب دواوين السنة ولا سيما الحافظ البخاري رضي الله عنهم فوجب علينا الرد عليه، ولم نفرغ إلا للقليل منه.
فصاحب المنار لم يهاجم الشيعة مهاجمة وإنما رد بعض عداوتهم
(1) أحد هذه الكتب قام بعرضه ونقده فضيلة الشيخ العلامة الكويتي عبد العزيز أحمد الرشيد رحمه الله في مقالات متفرقة بين مجلة الكويت والعراقي، ومجلة التوحيد اللتان أنشأهما الشيخ الرشيد رحمه الله، وقال: ((منهاج الشريعة كتاب ألفه السيد مهدي القزويني أحد علماء الشيعة الذين أقاموا مدة طويلة في مدينة الكويت ثم نزح منها إلى البصرة، رد فيه على منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ذلك الكتاب الذي لم يؤلف نظيره إلى اليوم.
وقد كنت والأستاذ المحدث الكبير الشيخ محمد بن أمين الشنقيطي نجتمع بالمؤلف كثيراً أيام إقامته في الكويت ونتجاذب وإياه أطراف الحديث فأحسنا منه إذ ذاك ميلاً إلى الإنصاف وابتعاداً عن التعصب والهوى في بعض الأبحاث التي كانت تدور بيننا وبينه، ولا سيما فيما يخص أكابر الصحابة رضي الله عنهم كما ستعلمه تفصيلاً فيما يأتي: وما كان يدور بخلدنا أن يبرز ذلك المتساهل بالأمس متعصباً متطرفاً في كتابه الجديد الذي نثر فيه ما يكنه ضميره من البغض للحق وأهله)) . اهـ
والعبد الفقير كاتب هذه السطور قد قام بجمع جزء من هذا الكتاب القيم راجياً الله تعالى العون على إتمام بقية أجزائه ونشرها في أقرب فرصة بحول الله تعالى وقوته.
وبهتانهم لبطلانه ولكون هذا الطعن في الصحابة وأئمة السنة وحفاظها وفي الأمة العربية وملكها في هذا الوقت لا فائدة منه إلا لأعداء المسلمين والعرب السالبين لاستقلالهم، وأكبر قوة للأجانب عليهم تعاديهم وتفرقهم.
فلا أدري ماذا يريد الذي استنكر هذا الرد عليهم من استنكاره (1)
، وكيف تصور إمكان الاتفاق مع قوم يتبعون أمثال هؤلاء الزعماء، وتنشر دعايتهم هذه مجلة العرفان بالتنويه بكتبهم هذه والعناية بنشرها، عدا ما تبعثه هي من دعاية التشيع التي كنا نعذرها فيها بتنزُّهها عن الطعن الصريح في السنة وأهلها؛ ولذلك كنا نرجو أن تنكر هذه الدعاية وتأبى نشر هذه الكتب الضارة بصرف النظر عن مسألة موضوعها، فقد يقول أو قال صاحب مجلة العرفان: إنه يعتقد حقيقة ما كتبه هذان المؤلفان، وإن كنا نشرنا عنه من قبل ما يدل على عدم اعتقاد ما افتراه الأول على
الوهَّابية، ولا نعقل أن يكون معتقدًا ما افتراه الثاني على المهاجرين والأنصار من وصفهم بالجبن، ونكثهم لما بايعهم الله عليه. ومن زعمه الذي
(1) إن أهم الدوافع الحقيقية لمثل هذه النوعية: هي هزيمة نفسية تعبر عن نفسها بهذا الأسلوب، والعجب من بعض العقول السنية التي تسوغ للشيعة القيام بمثل ما ذكره الشيخ المؤلف رحمه الله وتصف ذلك بأنه من قَبيل الحرية! ثم تمنع الرد عليه واصفة الرد بأنه من قبيل إثارة الطائفية! والله المستعان.
ومما يُذكر أنه حين أخذ أحد النواب السنة في العراق الجريح يولول متحدثاً عن مذبحةٍ في (حي الجهاد)، انبرى له أحد النواب الشيعة القول: هذا خطاب طائفي. فما إن سمع صاحبنا المعقّد كلمة (طائفي) حتى أخرس للحظته، ولاذ بصمت أهل القبور، ولتذهب دماء أهل السنة وقتلاهم إلى ما تذهب إليه، ما دام في ذلك السلامة من الوصمة ببعبع الطائفية!