المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليقنا الوجيز على هذه الدعوى وأدلته - رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا - جـ ٢

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌الحق أن علياً كرم الله وجهه كان مكلفا بتليغ أمر خاص

- ‌ قو

- ‌الكلمة الأولى في الهجرة المحمدية

- ‌الكلمة الثانية مناقب الصديق في قصة الهجرة:

- ‌(الأولى) :

- ‌(الرابعة) :

- ‌(السابعة) :

- ‌(الثامنة) :

- ‌المعية الإلهية معنى إضافي يختلف باختلاف موضوعه ومتعلقه

- ‌(الثانية عشرة) :

- ‌(الثالثة عشرة) :

- ‌الكلمة الثالثة(تفنيد مراء الروافض

- ‌تفنيد شبهتهم على منقبة {ثاني اثنين} :

- ‌ من أكبر جنايات الروافض على الإسلام والمسلمين أنهم جعلوا أبا بكر وعليا رضي الله عنهما خصمين

- ‌تفنيد شبهتهم على نهيه عن الحزن

- ‌تفنيد تحريفهم لقوله {إن الله معنا}

- ‌ت ف

- ‌السنة والشيعة وضرورة اتفاقهما

- ‌ الزواج من رجل شيعي أو امرأة شيعية

- ‌جواب صاحب المنار

- ‌المناظرة بين أهل السنة والشيعة

- ‌الرسالة الأولى: للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين

- ‌ مشاربه

- ‌مطالبة علماء الشيعة برأيهم في دعوى المناظرة:

- ‌كتاب ورسالة من سائح شيعي أديب

- ‌س ال

- ‌السنة والشيعةالاتفاق بينهما والوسيلة إليهورأينا ورأي علامة الشيعة فيه

- ‌جواب العلامة آل كاشف الغطاء

- ‌تعليقنا الوجيز على هذه الدعوى وأدلته

الفصل: ‌تعليقنا الوجيز على هذه الدعوى وأدلته

لكان سهلاً عليه.

وإذا كان نفس صاحب الشريعة الإسلامية يكرر ذكر شيعة علي ويُنَوِّهُ عنهم بأنهم هم الآمنون يوم القيامة وهم الفائزون، والراضون والمرضيون، ولا شك أن كل معتقد بنبوته يصدقه فيما يقول، وأنه لا ينقل عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فإذا لم يصر كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيعة لعلي رضي الله عنه فبالطبع والضرورة تلفت تلك الكلمات نظر جماعة منهم أن يكونوا ممن ينطبق عليه ذلك الوصف بحقيقة معناه لا بضرب من التوسع والتأويل.

***

‌تعليقنا الوجيز على هذه الدعوى وأدلته

ا:

أقول: (أولا) إن هذه الأحاديث التي اعتمد عليها في بيان أصل الشيعة لا تصح رواية لشيء منها ألبتة، ولذلك لم يخرج شيئًا منها مصنفو الصحاح كالإمام مالك والبخاري ومسلم ولا من بعدهما - ولا أحد من أصحاب كتب السنن كالأربعة المشهورة، ولا مما قبلها من المسانيد كمسند الإمام أحمد ومسند إسحاق بن راهويه ومسند ابن أبي شيبة ومسند الطيالسي، على ما في

ص: 227

هذه السنن والمسانيد من الأحاديث الضعيفة، بل لم يخرجها الحاكم في مستدركه ولا عبد الرزاق في مسنده ولا مصنفه على ما فيها من الأحاديث الموضوعة وشدة عنايتهما بجمع مناقب علي وآل بيته عليهم السلام.

وإنما خَرَّجها بعض الذين عنوا بجمع كل ما روي من الشواذ والمناكير والموضوعات أيضًا، ولا سيما رواة التفسير المأثور التي عني السيوطي بجمعها في كتابه الدر المنثور ويُكْثِرُ إيرادَ مِثْلِها المُصَنِّفُونَ في المناقب والفضائل بغير تمييز، ولا سيما الجاهلين بعلم الرواية، ومنهم: الواحدي والزمخشري الذين أوردوا في تفاسيرهم الأحاديث الموضوعة في فضائل السور سورة سورة ونقلها عنه البيضاوي.

وكلها موضوعة، اعترف واضعوها بوضعها عند سؤالهم عنها كما نقله السيوطي في الإتقان (ص 155 ج 2) .

وقد اشتهر عن الإمام أحمد أنه قال: ثلاثة ليس لها أصل التفسير والملاحم والمغازي - يعني من الأحاديث المرفوعة - وذلك أن أكثر ما روي فيها مراسيل لا يعلم الساقط من سندها، وتكثر فيها الإسرائيليات وأقوال أهل الأهواء. (1)

(1) قال شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة (7 / 435) : ((أما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: (ثلاث علوم لا إسناد لها)، وفي لفظ:(ليس لها أصل: التفسير والمغازي والملاحم) . ويعني أن أحاديثها مرسلة)) . اهـ

وقال الحافظ ابن حجر في اللسان (1 / 207 ط: أبو غدة) : ((ينبغي أن يضاف إليها الفضائل، فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة، إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي، وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي، وفي الملاحم على الإسرائيليات، وأما الفضائل، فلا يحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت، وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية؛ بل بفضائل الشيخين، وقد أغناهما الله، وأعلى مرتبتهما)) . اهـ

ص: 228

ثانيًا: إن ما نقله السيوطي منها في تفسيره (الدر المنثور) من الروايات عن ابن عساكر وابن عدي (1) وابن مردويه هو حديث واحد في موضوعه، وهو سبب نزول آية البينة، وهو لم يذكره في كتابه (لباب المنقول في أسباب النزول) لأنه من القشور الواهية لا من اللباب، ولهذا لم يروها الإمام الطبري ولم ينقلها الحافظان البغوي وابن كثير وأمثالهما في تفاسيرهم ولا مفسرو المعقول.

(ثالثًا) إن ما ينقله السيوطي في هذه الكتب لا يقال: إنه هو الذي رواه كما يقول الاستاذ كاشف الغطاء فيه وفي الزمخشري وابن حجر الهيتمي ويقول مثله غيره من علمائهم في كل ما ينقلونه عن أي كتاب ألفه أحد المنسوبين إلى مذهب السنة ليحتجوا به على أهل السنة كما بيناه في الرد على الأستاذ السيد عبد الحسين نور الدين العاملي.

فالفرق بين الراوي والناقل معروف عند جميع أهل الحديث وجميع أهل العلم، وأكثر الذين رووا الأحاديث بأسانيدهم لم يلتزموا الصحيح منها بل منهم من تعمد رواية كل ما سمعه حتى الموضوع المفترى اعتمادًا على

(1) وقد نص السيوطي نفسه في مقدمة " الجامع الكبير " أن مجرد العزو إلى ابن عساكر وبعض الكتب الأخرى يعني ضعف حديثهم فيستغني بالعزو إليها عن بيان ضعفه.

ص: 229

التفرقة بينهما بمعرفة رجال أسانيدها، ومنهم من اجتنب الموضوع دون الضعيف.

وأكثر الغافلين عنهم من غير المحدثين كالرمخشري والرازي لا يميزون بين الصحيح وغيره.

وما كل المميزين يلتزمون نقل ما يصح أو يبينون درجته إلا قليلاً، ولا سيما أحاديث المناقب والفضائل حتى مناقب النبي صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته ومناقب آله وأصحابه ومن دونهم فأكثر روايات دلائل النبوة للحافظ أبي نعيم وحلية الأولياء ضعيفة وفيها موضوعات كثيرة.

(رابعًا) أن الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي وهو من مثل الفقهاء غير المحدثين نقل في كتابه الصواعق (1) ما رآه من هذه الروايات التي فيها ذكر الشيعة وصرَّح بضعف بعضها وكذب بعض. و (قال) في ص 94: إن المراد بشيعته أهل السنة والجماعة لا مبتدعة الروافض والشيعة فإنهم من أعدائه لا من شيعته.

وأورد عنه كرم الله وجهه ما استدل به على ذلك، وأعاد هذا في ص 95 ثم قال في 98 بعد الإحالة على ما تقدم فيهم،

(1) وربما يَستذكر بعض القراء أسلوبَ بعض الشيعة في التلبيس والتمويه بين الهيتمي - الذي يتحدث عنه المؤلف - وبين الحافظ ابن حجر العسقلاني المحدث، حيث وقع مثل هذا التمويه في مناظرات المستقلة من المدعو محمد التيجاني فما كان من الشيخ عثمان الخميس حفظه الله إلا أن قام بكشف تلبيسه في لحظته.

ص: 230

وفي رواية أحمد في المناقب التي ذكر فيها اللفظ إنما هم شيعة إبليس، ثم قال:((فاحذر من غرور الضالين، وتمويه الجاحدين، الرافضة والشيعة)) .

ثم ذكر حديث الدارقطني عن علي وأم سلمة، وهو حجة له على الشيعة ولذلك [لم] يذكر كاشف الغطاء نصه، بل كشف عن بعضه وغطى بعضًا، فنص الأول:

((يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك ففي الجنة، وإن قومًا يزعمون أنهم يحبونك يصغرون الإسلام ثم يلفظونه، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة يقال لهم الرافضة، فإن أدركتهم فقاتلهم إنهم مشركون)) ، وفي رواية أم سلمة زيادة في علامتهم من ترك الجمعة والجماعة والطعن على السلف.

(قال) : ((وشيعته هم أهل السنة؛ لأنهم هم الذين أحبوه كما أمر الله ورسوله، وأما غيرهم فأعداؤه في الحقيقة

)) إلخ.

(خامسًا) علم من هذا أن قوله: إنه ينقل الأحاديث الشريفة في أصل مذهب الشيعة من نفس أحاديث علماء السنة وأعلامهم ومن طرقهم الوثيقة إلخ غير صحيح؛ فإنه لم يذكر شيئًا من طرق الأحاديث التي نقلها، وإنما نقلها من غير كتب رواتها، بل لا يعرف

ص: 231

تلك الطرق ولا رآها، ولو رآها لما عرف صحيحها من سقيمها، فإن ادعى أنه يعرف هذا وذاك، وأنه قال ما قال عن معرفة، فإننا نسأله: لِمَ لَمْ يذكرها؟

ثم نتحداه بأن يبين لنا هذه الطرق، وينقل لنا أقوال علماء الجرح والتعديل في رجال أسانيدها، ومن المعلوم بالبداهة أن نقل هذا بعد تحدينا إياه به لا يدل على أنه كان يعلمه قبله، وهو على كل حال لن يكون إلا حجة عليه.

(سادسًا) قوله: إنه لا ينقل من طريق الشيعة؛ لئلا يقال ما ذكره - فيه: إن أئمة أهل الحديث لا يقولون مثل هذا القول فيهم كلهم، وقد عدلوا كثيرًا من رجال الشيعة في الرواية فليأتنا بما شاء من رواياتهم بطرقهم المتصلة إن وجدت.

(سابعًا) إن ما نقله عن ربيع الأبرار للزمخشرى المعتزلي هو باطل المتن على حسب أصول المعتزلة والشيعة الذين يُحَكِّمُون عقولهم في الروايات الصحيحة فيردونها أو يؤولونها بل يؤولون آيات القرآن التي توهم التشبيه بزعمهم، فكيف يقبلون حديثا لا يصح له سند، ولا يظهر له تأويل تقبله اللغة، وهو جعل الشيعة كقطار

ص: 232

آخذ كل واحد منهم بحجزة الآخر، وهي معقد إزاره يكون أوله رب العالمين له حجزة يأخذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات: 180) .

وجملة القول: أن هذه الروايات التي أوردها الأستاذ كاشف الغطاء لا يصح منها شيء ألبتة، ولا يعتد بإيهامه لقارئ كلامه أنها أقرب ما علق بذهنه عرضًا من روايات المحدثين الكثيرة المعتمدة أو المتواترة عند أهل الحديث، وأنه لو شاء لأورد أضعافها وجعلها في معنى الوحي الواجب اتباعه، فلو كان في كتب الصحاح أو السنن شيء منها، ولو واحدًا لكان أولى منها كلها. ولو رجعنا إلى أسانيدها وبيَّنا علة كل منها لطال الكلام في غير طائل، وإنما البينة على المدعي وإنا نتحداه ونتحدى غيره أن يأتونا بسند حديث واحد (منها) رجاله رجال الصحيح.

ثم نقول (ثامنًا) إن فرضنا أنه صح حديث مرفوع في ذكر شيعة علي فإننا ننقل الكلام إلى المراد منه في اللغة، وقوله تعالى في موسى عليه السلام:{هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} (القصص: 15) فنقول: إنهم

ص: 233

هم الذين اعتقدوا أنه هو الذي كان على الحق فنصروه على من عادوه وتبرءوا منه وحاربوه من الخوارج، وكذا معاوية وأتباعه خلافًا لابن حجر الهيتمي وأمثاله الذي يخرجون هؤلاء منهم بحجة أنهم كانوا مجتهدين متأولين فلهم أجر واحد، ولعلي وأتباعه أجران؛ فإن متبع الحق مستقل الفكر فيه بلا هوى ولا تعصب لمذهب يجزم بأن معاوية نفسه كان باغيًا خارجًا على الإمام الحق كالخوارج، وأنه طالب ملك (1) .

ويؤيد ذلك إكراه الناس على جعل هذا الملك لولده يزيد المشتهر بالفسق (2) ، وأن بعض الخوارج كانوا متأولين كبعض أصحاب معاوية الذين اعتقدوا أنه كان على حق في مطالبته بدم عثمان.

فمجموع كل من الفريقين بغاة خارجون على إمامهم الحق، وأفرادهم يتفاوتون في النية والقصد، كتفاوتهم في العلم والجهل.

وحكمه كرم الله تعالى وجهه عليهم في جملتهم هو الحق، وهو أن بغيهم لا يُخْرِجهم من الإسلام، وإن كلمته عليه السلام:(إخواننا بغوا علينا)(3) لكلمة لو وزنت بالقناطير المقنطرة من اللؤلؤ والمرجان، لكانت ذات الرجحان في هذا الميزان.

(1) إن مستقل الفكر بلا هوى ولا تعصب ليس هو من يجزم بما أشار إليه الشيخ المؤلف غفر الله له، بل هو من ينظر في كتب التاريخ آخذاً بما صح إسناده منها؛ فإن تاريخ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وما وقع فيه من أحداث هو جزء من ديننا، لا يصح بحال أن نسوي بينه وبين تاريخ آخر، أو أن نتساهل في أخذه وروايته؛ لأن أي إجحاف أو تمييع في حق هذا التاريخ وتوثيقه سيعود حتماً على الدين، وخاصة إذا كانت تلك الأخبار تتناول المواقف الحاسمة، أو بعض الفتن، أو بعض ما يسيء إلى مقام ذلك الجيل الفاضل، أو كان فيها شيء من المخالفة لأصول الشريعة العامة، أو تخللها بعض الشوائب التي ترفضها الفطرة السليمة، فحينئذ لا بد من النظر في أسانيدها نظراً دقيقاً، ومحاكمتها محاكمة عادلة.

وقد وضع الله تبارك وتعالى لنا قاعدة ذهبية في ذلك، قَلَّما يتنبه لها الكثيرون، ألا وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} فهذا إن وجب في حق آحاد المسلمين، فكيف بالصحابة رضي الله عنهم؟!

وقد قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية رضي الله عنه: أنت تنازع علياً! هل أنت مثله؟! فقال: ((لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني، وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا علياً فقولوا له: فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه)) . "تاريخ الإسلام للذهبي (عهد الخلفاء ص 540) بسند صحيح "

وعلى كل حال فإن المصنف ذكر عذا الرأي في مجلة المنار وقد قال في نهاية فتوى له حول الموضوع: ((وإنني على اعتقادي هذا لا أرى للمسلمين خيرًا في الطعن في الأشخاص والنبز بالألقاب واللعن والسباب، وإنما عليهم أن يبحثوا عن الحقائق ليعلموا من أين جاءهم البلاء فيسعوا في تلافيه مع الاتحاد والاعتصام والاقتداء بالسلف الصالح في حسن الأدب لا سيما مع الصحابة الكرام)) . مجلة المنار (9 / 213)

(2)

روى أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني، عن صخر بن جويرية، عن نافع، عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم قالوا لمحمد ابن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب.

فقال لهم: ((ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظبا على الصلاة متحريا للخير يسأل عن الفقه ملازما للسنة)) .

قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك.

فقال: ((وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا)) .

قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه.

فقال لهم: ((أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} ولست من أمركم في شيء)) . انظر: تاريخ الإسلام (حوادث 61-80) ، وسير النبلاء 4/40، أنساب الأشراف 3/278-279، البداية والنهاية 9/236.

فظاهر هذه الرواية الثابتة عن ابن الحنفية رحمه الله أن يزيد لم يكن فيه شيء من ذلك الذي ادَّعى المؤلف وغيره أنه مشتهر عنه، دون أن يُثبتوه بسند صحيح، والعلم عند الله تبارك وتعالى، وهذا لا يهمنا فهو بينه وبين ربه سبحانه.

(3)

انظر: مصنف ابن أبي شيبة (15/256- 257، 332) .

ص: 234

هذا ما يصح به تفسير شيعته في عهده، فإن صح إطلاق هذا اللقب على أحد من بعده فيجب إطلاقه على كل من يقولون: إنه كان هو الإمام الحق في زمن خلافته كما كان على الحق في مبايعة الأئمة الثلاثة من قبله، وجميع أهل السنة يقولون بهذا حتى الذي يعذرون بعض المخالفين له بالتأويل على قاعدتهم فيمن يخالف بعض ظواهر القرآن والسنة الصحيحة عندهم متأولاً.

ولا يصح بوجه من الوجوه أن يفسر لفظ الشيعة في الحديث على فرض صحته بمذهب ديني؛ فإن أساس الدين الإلهي: الوحدة والاتفاق في جميع العقائد والمقاصد والأصول القطعية، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام: 159) الآية، فالشِّيَع في الدين باطلة، والرسول صلى الله عليه وسلم بريء منها بنص القرآن فكيف يكون هو الواضع لأصولها.

كذلك لا يصح أن يكون الغلاة في علي وأولاده وأحفاده عليهم السلام من شيعته، ولو بالمعنى الأعم؛ لأن الغلو في دين الله مذموم في كتاب الله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد روي عنه في

ص: 235

نهج البلاغة وغيره أنه قال: (هلك فيَّ رجلان: مُحِبٌّ غالٍ، ومبغض قَالٍ)(1)، ولا شك في أن من أقبح الغلو فيه أن يقول: إن دين الله الإسلام لم يكن لولا سيفه إلا......!

ولا نحب أن نتوسع في بيان غلو من يُبَرِّؤُون أنفسهم من الغلو ويخصون به من اتخذوه إلهًا، على أن الشيعة الإمامية يعدون منهم خلفاء مصر العبيديين كما شهد لهم عميدها الشريف الرضي، وهم الذين يقول شاعر المعز منهم فيه:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

دع دعايتهم الإلحادية التي فصَّلها المقريزي في خططه. وقال فيهم حجة الإسلام الغزالي: ((ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض)) ، فهل هذا كله مما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الشيعة؟

وخلاصة الخلاصة: أن ما نقله مجتهدهم من الروايات لإثبات أصل مذهب الشيعة لا يصح أن يثبت بها أي مسألة من الفروع العملية كالطهارة والنجاسة والبيع والإجارة، وأنها لا تدل على شيء من أصول هذا المذهب، في عصمة الأئمة وفي الإمامة وفي تحكيم الآراء العقلية في العقائد الدينية ولا من فروعه، كذلك لا يصح

(1) ورد بعدة ألفاظ وله عدة طرق، وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12 / 84 - 85) وعبد الله بن أحمد (1/ 160) ، والحاكم (3/ 123) . السنة لابن أبي عاصم (984، 986 مع ظلال الجنة للألباني) .

ص: 236

شيء مما قاله في عدِّ بعض الصحابة وغيرهم من أتباع هذا المذهب، وليس من غرضنا أن نتكلم في المذهب نفسه، ولا في فرق الشيعة من غلاة، وهم درجات من باطنية وظاهرية ومن معتدلين كالزيدية. فإن الخوض في هذا كان أكبر المصائب الممزقة للأمة الإسلامية.

ولا يزال الذين يثيرونها لأجل المحافظة على جاههم ومنافعهم أشد الناس جناية عليها، وإن سخر بعضهم منها بزعمه الدعوة إلى التأليف بين فرقها، وجمع كلمتها.

وما هو إلا داع إلى مذهبه، مضلل لمتبعي غيره، وهذا هو التفريق بعينه:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا يا سعد تورد الإبل

***

ص: 237