الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة المترجم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، قائد الغر المحجلين، محمد وآله وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، من الأئمة المهديين، والدعاة المصلحين، المجددين لهذا الدين، الذين لم يزالوا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، جزاهم اللَّه عن الإسلام والمسلمين، أفضل ما جزى العلماء الراسخين، النائبين عن الأنبياء والمرسلين.
أما بعد: فقد كنا نشعر بمسيس الحاجة منذ زمن طويل إلى نشر كتاب واضح المنهج، صريح العبارة، مشرق الديباجة، سهل المتناول، ينم عن إخلاص مؤلفه، وصدق لهجته، وتوجع قلبه مما يرى الناس عليه في عصره من الجهل لغاية الخلق، وبعثة الأنبياء والرسل أجمعين، من إخلاص الدين لله، وإفراد العبادة له، والخوف والرجاء منه، والاستغاثة به، والتضرع إليه، ولما كان يرى من انتشار العقائد والعادات، التي جاءت الأديان السماوية لمحوها، وأنزلت الكتب وبعثت الرسل لمحاربتها والتخليص منها، حتى أصبح الناس من ذلك في جاهلية جهلاء، وفتنة عمياء، واحتاجوا إلى دعوة صارخة سافرة إلى الدين الخالص، والحنيفية السمحة.
وقد شرح اللَّه صدر الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في مدينة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم
في شهر ذي الحجة 1393 هـ لنقل كتاب " تقوية الإيمان " للإمام المجاهد، الداعي إلى اللَّه، الشهيد في سبيل اللَّه، الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن أحمد ولي اللَّه بن عبد الرحيم العمري الدهلوي " ش 1246 هـ "، فإنه كتاب أصبح شعارًا وعلمًا للدعوة إلى التوحيد، وبيان الحق الصريح، وقد نفع اللَّه به خلائق في شبه القارة الهندية لا يحصيهم إلا من أحصى رمل عالج وحصى البطحاء.
وقد صدر هذا الكتاب عن قلب جريح متقطع بمشاهدة ما كان عليه المسلمون من بعدٍ عن التعاليم الإسلامية، وخضوع للوثنية الهندية، وتمسك بالعادات الجاهلية، وقد زاد في تأثيره وقبوله، دموع عين باكية على الإسلام، ودم زكي أريق في سبيل إحياء هذا الدين، وتنقيته من الجاهلية، وتأسيس حكومة شرعية تقوم على منهاج الكتاب والسنة، ويكون الدين كله لله.
وقد قرن رحمه الله الدعاء بالدعوة، والجهد بالجهاد، والشهادة للحق بالشهادة في الحق، وذلك لباب التوحيد، وغاية الْإخلاص، وكمال الصدق، وتمام الوفاء، وصدق اللَّه العظيم:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] ، فكان لكتابه من القبول والتأثير، والذيوع والانتشار، ما لا يكون إلا لكتابات كبار المخلصين، والعلماء العاملين، والدعاة المجددين.
وسر قوة الكتاب في صراحته وتشخيصه للأدواء، ومظاهر الشرك، ومواضع الانزلاق، وأنه يضرب على الوتر الحساس، ويصيب ضعف الاعتقاد، وما فتن به المسلمون في العهد الأخير، من الغلو والتقديس والتعظيم، وتقليد الأمم الوثنية، والعادات الجاهلية، في صميمه، وقد اعتاد الناس أن لا يفزعوا للمواعظ والخطب
التي تلقى على المنابر، أو البحوث العلمية التي تتناول موضوع التوحيد والشرك بصفة إجمالية عامة، إذا لم تتعرض للأمراض التي يعانونها، والأخطاء التي يرتكبونها، والعادات التي لا يمكنهم الفطام عنها، وللأشخاص والأماكن والشعائر التي يغلون فيها، فيتجاهلون كل ذلك، ويتظاهرون بأن الواعظ أو الكاتب لا يعنيهم، وإنما يعني المشركين القدامى، وعباد الأوثان في الجاهلية الأولى، أما إذا تعرض هذا الكاتب أو الواعظ لواقع حياتهم، ووضع يده على عللهم وأسقامهم، وحدد مواضع فتنتهم، لم يسعهم أن يتغافلوا عنه، فأعلنوا الحرب عليه، ونادوا بعدائه، وهذا شأن الداعي المخلص الذي ملكته الفكرة، واستحوذ عليه الشعور، وتذوق القرآن، ومنهج الأنبياء في دعوتهم تذوقًا حقيقيًا، فإنه لا يبالي أرضيَ الناس أم سخطوا، إن همه الوحيد أن
يبلغ رسالة القرآن، ويرضي ربه، ويريح ضميره، ويبرئ ذمته.
ويحسن هنا أن أنقل ما كتبته في كتابي " رجال الفكر والدعوة في الإسلام " وأنا أتكلم عن سر تأثير الإمام الحسن البصري في المجتمع الإسلامي في مستهل القرن الثاني الهجري، ونفوذه في القلوب والعقول، وأن المجتمع لم يستطع أن يتجاهله، وأن يمر به مر الكرام، قلت:" إنه ضرب على الوتر الحساس، ونزل في أعماق المجتمع، ووصف أمراضه، وانتقده انتقاد الحكيم الرفيق، والناصح الشفيق، لقد كان عصره يغص بالدعاة والوعاظ، ولكن المجتمع لم يخضع خضوعه للحسن، لأنه كان يمس قلبه، وينزل في صميم الحياة، ويعارض التيار ".
لذلك كله وقع اختيارنا على نقل معاني هذا الكتاب، ومحتوياته إلى لغة الضاد في أسلوب عصري رشيق، وتعبير سهل سائغ.
وقد طلب منا الشيخ الجليل محمد زكريا السابق ذكره، أن يكون بداية هذا العمل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يسر اللَّه ذلك في سلخ ذي الحجة 1393 هـ
في ساعة مباركة قبل زوال الشمس يوم الأربعاء، فكتبت السطور الأولى من المقدمة في مكان بين باب الرحمة وباب جبرائيل، مكتظ بالحجاج الوافدين، والمشتغلين بالذكر والتسبيح، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي جو من السكينة، والخشوع والحب، ونحمد اللَّه أن كانت فاتحة هذا العمل في هذا المسجد العظيم، الذي انبثق منه هذا النور وانطلقت موجة التوحيد، والدعوة إلى اللَّه إلى أنحاء العالم، فبددت الظلام، وغمرت القلوب بفيض من الْإيمان، ونور التوحيد، وطهرت النفوس، وأشرقت الأرض بنور ربها، وتمت نعمة اللَّه على عباده.
ويسّر اللَّه إتمام هذا العمل، والقيام به بقدر الطاقة في مدة قريبة، وأيام معدودة، والحمد لله الذي بعزته وجلاله تتم الصالحات.
ورأينا أن نلحق بالكتاب ترجمة مؤلفه العلّامة الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن ولي اللَّه الدهلوي، مقتبسة من المجلد السابع لكتاب (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر " للعلامة السيد عبد الحي الحسني، ليطلع القارئ على علو كعب المؤلف في العلوم الدينية، ورسوخ قدمه في الدين، وحسن بلائه في الإسلام، وغيرته على نقاء العقيدة وأصالتها، وقد أجاد من قال: " إن ترجمة المؤلف نسب الكتاب " ولذلك أكثرَ المؤلفون في الإسلام من تأليف كتب الطبقات والتراجم، والسير والأخبار، وأجادوا في ذلك وأفادوا، ووضعنا عناوين جانبية للكتاب، وتناولنا بعض الكلمات والعادات المحلية، والأعلام التي تختص بالهند بالشرح والإِيضاح والتعريف، حتى يسهل على القارئ العربي الكريم، فهم الكتاب والتذوق به.
ونقلنا بعض المقتطفات من كلام بعض أعلام هذه الأمة وأئمتها تأييدًا لبعض ما ورد في هذا الكتاب من تعبيرات وعبارات لم يألفها كثير من الناس لشيوع الأساليب الإصلاحية في العهد الأخير، التي تعتمد على مجاراة العواطف، ومسايرة المعروف المألوف، إيثارًا لتوسيع الدعوة على تعميقها، وتبليغ العقيدة على ترسيخها، وجلب المنفعة على دفع المضرة،
وتفاديًا من وحشة الناس، وسخط العامة، ولكل وجهة هو موليها.
ويعرف القارئ العربي من خلال هذا الكتاب، وما ورد فيه من ذكر أنواع الانحراف والضلال، وتقليد الأكثرية من سكان الهند، مدى تغلغل الحضارة الهندية، والعادات الجاهلية والتقاليد الوطنية في أحشاء المجتمع الإسلامي الهندي، وخضوع المسلمين في هذه البلاد، للفلسفة الهندية البرهمية، والهند - كما يعرف المطلع على التاريخ القديم - من أعرق بلاد اللَّه في الوثنية، فهي فيها قديمة وأصيلة، إذ كانت في كثير من البلاد جديدة ودخيلة، وقد عجنت فلسفتها وحضارتها، وآدابها، وعلم الفلك، والعلوم الرياضية، والتقويم، فضلًا عن الديانات، بهذه الوثنية، فهي أرض المؤلهين والمؤلهات، وأرض الأساطير والروايات، وأرض الأعياد والمواسم، والمهرجانات والمآتم، تذكارًا لحوادث تاريخية دينية، وأبطال قومية خرافية، أثر كل ذلك في حياة المسلمين وعاداتهم تأثيرا عميقًا، وغم عليهم الأمر على مدى الأيام، والتبس الحق بالباطل بتهاون الحكام والسلاطين، وقلة انتشار علم الحديث، وكتب السنة الصحيحة، ورواجها، وشدة اختلاط المسلمين بجيرانهم في كل مدينة وقرية، وحي وزقاق، حتى قيض اللَّه للصدع بالدعوة، وتمييز الحق من الباطل،
والقشور من اللباب رجالًا من علماء الدين، والدعاة المرشدين.
وكان ذلك من أقوى الأسباب التي حملت مؤلف هذا الكتاب - وقد نشأ في بيئة هندية خالصة، وفي مركز هذه الحضارة - على أن يكون صريح العبارة، قوي العارضة، مرهف الحس في هذا الموضوع، لا يحتفل بالنقد واللائمة، ولا يبالي
بسخط الخاصة والعامة، ولو طالت به الحياة، ووجد فرصة للدعوة والبقاء في الهند، فربما أخذ الأمر بالتدريج، ومشى الهوينا، ولكنه كان مضطرًا إلى مغادرة الهند، وكأن حادي الشوق يحدو به إلى الجهاد، والشهادة في سبيل اللَّه، فألف هذا الكتاب إتمامًا للحجة، وبراءة للذمة، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون.
وليس الأمر مقصورًا على الهند التي بعدت عن مهد الإسلام ومهبط الوحي، ودخلها الإسلام عن طريق بلاد العجم، وقد فقد الشيء الكثير من قوته وجدته، بل تبلبلت العقيدة الإسلامية، واختلطت بشيء كثير من البدع والضلالات في العواصم الإسلامية وبلاد العرب، في القرن السابع والثامن الهجريين، بتأثير الشعوب غير العربية التي دخلت في الإسلام جديدة، وحملت معها رواسب كثيرة من دياناتها وعاداتها، واختلاط المسلمين مع غير المسلمين والعجم، ونفوذ الحكومة الباطنية والإِسماعيلية في مصر والشام وتأثيرهما، وانتشار تعليمات بعض المتصوفين الجهلة، ومن قرأ كتابي شيخ الإسلام ابن تيمية " الرد على البكري "، و " الرد على الأخنائي " عرف الشيء الكثير من غلو الجهال في الأئمة والمشايخ والأولياء والصالحين، واعتقاداتهم الفاسدة، وعاداتهم الجاهلية، ولا يزال لهذا الغلو والتعظيم بغير ما أمر اللَّه به، وشرع ما لم يأذن به اللَّه، آثار باقية في بلاد المسلمين والعرب، تستوجب دعوة قوية صريحة، وحكمة بليغة، لذلك ليست فائدة هذا الكتاب محدودة في الهند، بل تعم جميع الأوساط التي استطاع الشيطان أن يتسرب إليها، وانتشر فيها من
العقائد والعادات ما لا يرضاها الإسلام، ولا يقرها الشرع، ولا يقبلها ضمير المسلم الواعي.
وقد أسمينا هذه الترجمة بـ " رسالة التوحيد للعلامة الشيخ إسماعيل الشهيد " لأن هذا الاسم أدل على مسماه، وقد تولى المؤلف نقل كتابه الذي وضعه بالعربية، وسماه بـ " رد الإشراك " وقد طارت العنقاء بهذا الأصل العربي وفُقِد، وتسميتنا أقرب إلى تسميته الأصلية.
والله نسأل أن ينفع بهذه الترجمة كما نفع بالأصل، ويشرح بها صدور المؤمنين، وعلى اللَّه قصد السبيل.
أبو الحسن علي الحسني الندوي
غرة ربيع الأول 1394 هـ