الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يقول أحد: فلان عبد لفلان، أو أن يقول العبد لسيده: مولاي، وهذا فيمن كانوا عبيدا وسادة، فكيف بمن يدعى العبودية زورا، ويلقب نفسه بعبد النبي " وعبد علي، وعبد صاحب الجلالة، والعبد الخاص، أما السخاء بألقاب " رب الأرباب "، والجواد المطلق، فلا محل له البتة، ولا مبرر، وهو غاية في إساءة الأدب مع اللَّه، وما تعوده بعض الناس من أن يقولوا لبعض الناس: أنت تملك حياتي ومالي، ونحن في تصرفك، تفعل ما تشاء فهو كذب ومين، وشرك.
النهي عن تقليد النصارى في إطرائهم لنبيه، وغلوهم فيه:
أخرج الشيخان عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد اللَّه ورسوله» .
ومقصود الحديث أن منصب الرسالة يتضمن جميع المحاسن، والفضائل التي أكرمني اللَّه بها، فإذا أطلقت على هذه الصفة، وقيل:" رسول اللَّه " فلا مزيد على ذلك " فإن الرسالة هي الغاية القصوى التي يصل إليها بشر وكل ما عدا ذلك من المنازل فهو دونها، لذلك قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«فقولوا عبد اللَّه ورسوله» .
ولكن البشر إذا أكرم بالرسالة، لا يتجرد عن البشرية، وحسبه فخرا
أن يكون عبدا لله تعالى، لا يتلبس بذلك بالألوهية، فلا يحل القول بذلك لعبد من عباد اللَّه، وكفر النصارى بهذا الاعتقاد في المسيح عليه الصلاة والسلام، وبعدوا عن اللَّه تعالى، ولذلك نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمته عن تقليد النصارى في إطرائهم لنبيهم وغلوهم فيه، فاستحقوا غضب اللَّه ولعنه.
ولكن الغلاة من هذه الأمة، مع الأسف، لم يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقلدوا النصارى في أقاويلهم، وما زاد النصارى على أن قالوا: إن اللَّه سبحانه وتعالى قد ظهر في صورة عيسى ابن مريم وكسوته، فهو بشر من جهة وإله من جهة أخرى.
وقد تطرف بعض من لا يخشون اللَّه فنسبوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فزعموا أنه قال: " أنا أحمد بلا ميم " وقد زوروا عبارة عربية طويلة جمعوا فيها خرافات كثيرة، وسموها بخطبة الافتخار وعزوها إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سبحانك هذا بهتان عظيم، خذل اللَّه الكذابين وفضحهم، وكما أن النصارى يزعمون أن المسيح عليه السلام يملك الدنيا والآخرة، فيدبر الأمر كما يشاء، فمن آمن به، وتضرع إليه لم يحتج إلى شيء من العبودية والعبادة، وما ضره ذنب، ولا فرق له بين حلال وحرام، فيكون لله كسائبة حبلها على غاربها، ويخلصه عيسى ابن مريم في الآخرة بشفاعته عن النار وعن العذاب.
ومثل هذا يعتقد بعض الجهلة المسلمين في النبي صلى الله عليه وسلم وتنزلوا، فاعتقدوا في أئمة أهل البيت، وأولياء الأمة، بل وفي المشايخ مثل هذا الاعتقاد، نسأل اللَّه لنا ولهم الهداية.
أخرج أبو داود عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير، قال: «انطلقت في
وفد بني عامر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد اللَّه، فقلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم فلا يجترئنكم الشيطان» .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالاقتصاد والتوسط، وتحري الدقة، في مدح من يعتقد فيهم الفضل، وأن لا يتخطى في ذلك حدود البشرية فيلحقه بالله، وأن لا يكون كفرس جموح لا يملكه فارس، ولا يضبطه زمام، فيسيء بذلك الأدب مع اللَّه ويتورط فيما لا يحمد عقباه.
وليعلم أن " السيد " له معنيان، فقد يراد به السيد الذي يملك الأمر بالإطلاق، ولا يخضع لأحد، وهذا يختص بالله تعالى، فلا سيد بهذا المعنى إلا اللَّه، وقد يراد به رئيس قبيلة، أو عمدة قرية، أو مرزبان، وبهذا المعنى كل نبي سيد في أمته، وكل إمام مقدم على أتباعه، وكل مجتهد قائد لمن يقتدي به، بأنهم يقومون بامتثال أوامر اللَّه تعالى في نفوسهم، ثم يعلمونها من دونهم، وهكذا، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم هو سيد العالمين، ومنزلته عند اللَّه فوق كل منزلة، وهو أشد الناس امتثالا لأوامر اللَّه تعالى، والخلق كلهم عيال عليه، في الاهتداء إلى اللَّه، ومعرفة أحكامه ومرضياته، وبهذا المعنى يصح أن نسميه بسيد، بل يجب هذا الاعتقاد، أما بالمعنى الأول وهو السيطرة على العالم، والتصرف بمطلق الإرادة، فلا يصح ولا يجوز، فإنه لا يتصرف في أضعف مخلوق.