الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوحيد الخالص غريبا، ولكن معظم الناس لا يعرفون معنى الشرك، ويدعون الإيمان مع أنهم قد تورطوا في الشرك وتلوثوا به، فمن المهم قبل كل شيء أن يفقه الناس معنى الشرك والتوحيد، ويعرفوا حكمهما في القرآن والحديث.
مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة:
ومن المشاهد اليوم أن كثيرا من الناس يستعينون بالمشايخ والأنبياء، والأئمة (1) والشهداء، والملائكة، والجنيات عند الشدائد، فينادونها، ويصرخون بأسمائها، ويسألونها أو يطلبون منها قضاء الحاجات وتحقيق المطالب، وينذرون لها، ويقربون لها قرابين لتسعفهم بحاجاتهم، وتقضي مآربهم، وقد ينسبون إليها أبناءهم طمعا في رد البلاء، فيسمى بعضهم ابنه بعبد النبي وبعضهم بعلي بخش، وحسين بخش، وبير بخش، ومدار بخش (2) ، وسالار
(1) يعني أئمة أهل البيت الذين غلت فيهم الشيعة، وأحاطوهم بهالات من التقديس والتعظيم، ويعتقدون فيهم العصمة، والاطلاع على الغيب، ويفسرون الإمامة تفسيرا يجعلها مشاركة للنبوة، بل منافسة لها في كثير من الخصائص، وقد تأثر أهل السنة بكثير من العقائد الشيعية بحكم الاختلاط بهم، والجهل بالإسلام.
(2)
هو الشيخ الكبير المعمر بديع الدين المدار الحلبي المكنبوري، أحد مشاهير الأولياء بأرض الهند، ينسبون إليه من الوقائع الغريبة ما يأباه العقل والنقل، وإليه نسب شهر من شهور السنة في التقويم المنتشر عند العامة وأهل القرى في الهند ودخل اسمه في الأمثال السائرة عند عوام الناس، وهو مؤسس الطريقة المدارية التي انحرفت في العهد الأخير، ودخل فيها الشيء الكثير من الخرافات والرياضات البهلوانية، كانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة 844هـ.
بخش (1) ، وغلام محي الدين، وغلام معين الدين (2) ، ويرسل بعض الناس ضفيرة في رأسه باسم ولي من الأولياء، وبعضهم يقلد ابنه قلادة باسم شيخ أو ولي، وبعضهم يكسو ولده لباسا، وبعضهم يصفد ابنه بقيد في الرجل باسم أحد المشايخ والأولياء، وبعضهم يذبح حيوانا بأسمائهم، وبعضهم يستغيث بهم عند الشدة، وبعضهم يحلف في حديثه بأسمائهم.
تقليد جهال المسلمين للمشركين:
والحاصل أنه ما سلك عباد الأوثان في الهند طريقا مع آلهتهم، إلا وسلكه الأدعياء من المسلمين مع الأنبياء والأولياء، والأئمة والشهداء والملائكة والجنيات، واتبعوا سنن جيرانهم من المشركين شبرا بشبر، وذراعا بذراع، وحذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، فما أجرأهم على اللَّه، وما أبعد الشقة بين الاسم والمسمى، والحقيقة والدعوى.
وصدق اللَّه العظيم، إذ قال في سورة يوسف: {وَمَا يُؤْمِنُ
(1) هو السيد سالار مسعود الغازي من أشهر الأعلام في الهند، نسجت حوله أساطير كثيرة، وشخصيته لم يسلط عليها الضوء الكافي علميا وتاريخيا، ذكره ابن بطوطة في رحلته، وقال إنه فتح أكثر تلك البلاد، وله أخبار عجيبة، وغزوات شهيرة، مات شهيدا سنة 588 هـ، ودفن في مدينة بهرانج في الولاية الشمالية في الهند، قال في «نزهة الخواطر» : بنى على قبره ملوك الهند عمارة سامية البناء، والناس يفدون إليه من بلاد شاسعة، ويزعمون أنه كان عزبا شابا لم يتزوج، فيزوجونه كل سنة، ويحتفلون لعرسه وينذرون له أعلاما فينصبونها على قبره «.
(2)
معنى (بخش) الهبة والرزق، يعني فلان هبة فلان ورزقه وعلي هو علي بن أبي طالب، وحسين هو حسين بن علي، و «بير» معناه الشيخ، ومدار، وسالار، أسماء رجال صالحين، ومشايخ مشهورين في الهند، وغلام معناه عبد، ومحيي الدين المراد به الإمام عبد القادر الجيلاني المشهور، ومعين الدين هو الشيخ معين الدين الجشتي الأجميري، مؤسس الطريقة الجشتية في الهند، كانت وفاته في سادس رجب سنة 627 هـ. وهذه الأسماء كلها غير شرعية، وتنم عن عقيدة في القدرة والهبة والرزق، في الأولياء والصالحين.
أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] ، فإذا عارضهم معارض، وقال: أنتم تدعون الإيمان، وتباشرون أعمال الشرك، فكيف تجمعون بين الماء والنار، وتؤلفون بين الضب والنون؟ قالوا: نحن لا نأتي بشيء من الشرك، إنما نبدي ما نعتقده في الأنبياء والأولياء من الحب والتقدير، أما إذا عدلناهم بالله، واعتقدنا أنهم والله جل وعلا بمنزلة سواء، كان ذلك شركا، لا شك فيه، ولكننا لا نقول بذلك، بل نعتقد أنهم خلق اللَّه وعبيده، أما ما نعتقده فيهم من القدرة والتصرف في العالم، فهما مما أكرمهم اللَّه وخصهم به، فلا يتصرفون في العالم إلا بإذن منه ورضاه، فما كان نداؤنا لهم، واستعانتنا بهم إلا نداء لله واستعانة به، ولهم عند اللَّه دالة ومكانة ليست لغيرهم، قد أطلق أيديهم في ملكه، وحكمهم في خلقه، يفعلون ما يشاءون، وينقضون ويبرمون، وهم شفعاؤنا عند اللَّه، ووكلاؤنا عنده، فمن حظي عندهم، ووقع عندهم بمكان، كانت له حظوة ومنزلة عند اللَّه، وكلما اشتدت معرفته بهم، اشتدت معرفته بالله، إلى غير ذلك من التأويلات الكاسدة
، والحجج الداحضة، التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان.
والسر في ذلك أن القوم قد نبذوا كلام اللَّه وحديث رسوله وراءهم، وسمحوا لعقولهم القاصرة أن تتدخل فيما ليس لها مجال فيه، وتشبثوا بالأساطير والروايات الشائعة التي لا تستند إلى تاريخ ونقل صحيح، واحتجوا بتقاليد خرافية. وعادات جاهلية، ولو كانوا عولوا على كلام اللَّه ورسوله وعنوا بتحقيقه، لعرفوا أنها نفس التأويلات، والحجج التي كان كفار العرب يتمسكون بها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ويحاجونه بها، ولم
يقبلها اللَّه منهم، بل كذبهم فيها، فقال في سورة يونس:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] .
وقد تبين من هذه الآية، أن من عبد أحدا من الخلق، اعتقادا بأنه شفيعه، كان مشركا بالله، وقد قال اللَّه تعالى في سورة الزمر:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3] .
وقد نكب هؤلاء الجهال عن طريق الحق، وأعرضوا عن اللَّه الذي هو أقرب إليهم من كل أحد، وأقبلوا على غير اللَّه، واتخذوه ظهيرا ونصيرا، ووليا من دون اللَّه، وحرموا نفوسهم النعمة الكبيرة، التي أنعم اللَّه بها عليهم، فإنه يحقق جميع المطالب، ويرد جميع الآفات من غير واسطة، فلم يشكروا هذه النعمة، ولم يقدروها قدرها، وأقبلوا على خلقه يوسطونهم ويطلبون منهم قضاء الحاجات، ورفع الآفات، فعسروا الميسور، وفضلوا ملتوي الطريق، وجاهدوا في غير جهاد، وبدلوا نعمة اللَّه كفرا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويبتغون في ذلك عند اللَّه قربا وزلفى، ولكنهم لم ينالوا بذلك مطلوبهم، ولم يسعدوا بالقرب عند اللَّه، بل بالعكس من ذلك، كلما أمعنوا في هذا الطريق، واستمروا في هذا السلوك، ازدادوا من اللَّه بعدا، وقد وضح من