الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيجب على المسلم أن يصبر على ما يصيبه من الأذى، من الجن أو العفاريت، كما يجب عليه أن يصبر على ما يصيبه من محنة أو مكروه من بشر في حياته ولا ينبغي أن تحمله هذه الفتنة على وهن في الدين، أو فساد في العقيدة فيحبط بذلك عمله، ويخسر بذلك دينه الذي هو ملاك أمره، ورأس ماله، فيجب عليه أن يعتقد أن الأمر كله بيد اللَّه، ولكنه قد يمتحن عباده، وينال الأخيار أذى من الأشرار ليميز اللَّه الخبيث من الطيب، ويميز بين المؤمن والمنافق، وكما أن المسلمين يكونون عرضة لأذى الكفار والفساق، فلا يسعهم على ذلك إلا الصبر، ولا يرضون أن يتطرق إلى دينهم وهن، أو يتسرب إلى عقيدتهم فساد، كذلك قد يصيب بعض الصالحين مس من الجن، أو خبل من الشياطين، فلا يكون ذلك إلا بإذن اللَّه وعلمه فينبغي لهم أن يصبروا على ذلك الأذى، ولا يخضعوا لهذه القوى بالاستسلام أو التعظيم.
وقد دل هذا الحديث على من مقت الشرك ونبذ الآلهة، وكره تقديم النذور، والقرابين إليها؛، وحارب العادات الجاهلية، والتقاليد الباطلة فأصابته خسارة في المال، أو رزية في الأولاد، أو آذاه الشيطان باسم شيخ أو شهيد، يجب عليه أن يصبر على ذلك، ويستقيم على دينه، ويعتقد أن اللَّه ممتحنه في دينه، وكما أن اللَّه قد يمهل الظالمين ولا يهملهم، ويخلص المظلومين منهم، كذلك لا محالة هو معاقب للظلمة من الجن، ومخلص للصالحين من أذاهم.
إقبال المملوك على غير مالكه، وولي نعمه، قلة غيرة وعدم وفاء:
وأخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قال رجل
يا رسول اللَّه أي الذنب أكبر عند اللَّه؟ قال: " أن تدعو لله ندا وهو خلقك» .
وقد دل هذا الحديث على أن إشراك العبد أحدا لله تعالى في علمه المحيط، وقربه من كل أحد، وقدرته على كل شيء، فيستغيث به ويستصرخه أكبر الكبائر، لأنه ليس في إمكان أحد أن يسعف بحاجته مثله، وأن يكون في كل مكان لا يغيب عنه شيء.
ثم إنه إذا كان الواقع أن اللَّه تعالى هو الذي خلقنا وهو ربنا - ونحن نقر بذلك - وجب علينا أن لا ننادي إلا إياه، ولا نستعين إلا به، وما لنا ولغيره (1) ؟ فمن كان من جملة عبيد ملك وصنائعه، انقطع إليه كليا، وأطبق عينه عن كل ملك ورئيس، فضلا عن وضيع أو خسيس، أيجمل بنا أن نكون أقل غيرة، وأضعف وفاء من المملوك لمولاه المجازي؟ .
(1) وقد شنع الإمام عبد القادر الكيلاني على من يشرك بالله غيره، ويعتقد فيه النفع والضرر، والعطاء والمنع، في بلاغة وقوة، فقال:«يا معرضا عن الحق عز وجل، مقبلا، على الخلق، مشركا بهم، إلى متى إقبالك عليهم؟ أيش ينفعونك؟ ليس بأيديهم ضرر ولا نفع، ولا عطاء ولا منع، لا فرق بينهم وبين سائر الجمادات فيما يرجع إلى الضر والنفع، الملك واحد، الضار واحد، النافع واحد، المحرك والمسكن واحد، المسلط واحد، المسخر واحد، المعطي والمانع واحد، الخالق والرازق هو اللَّه عز وجل» . (الفتح الرباني، المجلد الثالث عشر) .