الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن اللَّه سبحانه وتعالى قد أذن للأولياء أن يغيروا قضاء اللَّه وقدره، فرب رجل لم يرزقه اللَّه ولدا، يرزقه هؤلاء الأولياء أولادا، ورب رجل انتهى أجله، وحضرته الوفاة، زادوا في عمره؟ وهذا كله باطل، إن الحقيقة أن اللَّه قد يقبل دعاء عبده، وقد لا يقبل، ويمتاز الأنبياء والأولياء عن عامة الناس بأن أكثر دعواتهم مقبولة، وهم مستجابو الدعاء، ولكن التوفيق بيد اللَّه فيلهمهم الدعاء ويتقبل منهم، والدعاء والاستجابة كلاهما مقدران، قد جرى بهما قلم القضاء، ولا يقع في العالم شيء إلا ومضى به علم اللَّه، وجرى به القلم، فلا يخرج شيء من دائرة القضاء والقدر، ولا يقدر أحد على عمل إلا ما قدر في علم اللَّه، ولا يملك نبي أو ولي، إلا أن يسأل اللَّه ويدعوه، لا حيلة له ولا سبيل إلا هذا السؤال والدعاء، وإذا شاء أجاب سؤله، وقضى حاجته، وإذا شاء منعه لحكمة يعلمها.
المؤمن الموحد رابط الجأش ناعم البال، وضعيف العقيدة مشتت الفكر موزع النفس:
من المشاهد أن الإنسان إذا تعلق قلبه بشيء واستحوذ عليه، أو ألمت به ملمة فلم تنفرج، تشتت فكره، وذهب في طلب الغوث كل مذهب، وهام في كل واد، وقد تسول له نفسه أن يستصرخ النبي الفلاني، وقد تزين له أن ينادي فلانا من الأئمة، وقد يجول بخاطره أن ينذر لفلان من المشايخ، وكذا من الشهداء، أو يخضع لجنية فلانية، أو يرجع إلى المنجم الفلاني، أو الرمال الفلاني، وقد تحدثه نفسه بأن يراجع سادنا، أو إماما من أئمة المساجد الذين اتخذوا هذه
الأمور حرفة، فيطلب منه أن يبحث عن الفال في كتاب، ومن هام في كل واد، واتبع كل ناعق، صرف اللَّه عنه عنايته وأخرجه من عباده الصادقين، وأخطأ طريق التربية والهداية الربانية، وظل يهيم في هذه الأودية، ويتيه في مهامه الأوهام والأحلام إلى أن يتلف ويهلك، فمنهم من تمذهب بمذهب الدهريين، ومنهم من سلك مسلك الملحدين، ومنهم من دخل في غمار المشركين، ومنهم من ابتلي بالسفسطة.
وأما من توكل على اللَّه، ولم تتشعب به المذاهب عده اللَّه وفتح اللَّه عليه طريق الهداية، وهدى قلبه، فأذاقه حلاوة الإيمان، وغشيته غاشية من السكينة، ورزق من اجتماع الخاطر ورباطة الجأش، وبرد اليقين، وهدوء النفس ما لا سبيل إليه لمن تثبت فكره، وتفرق هواه، ثم إنه لا يخطئه ما قدر له وقسم، ولكن ضعيف العقيدة متشتت البال يعاني الحزن والقلق من غير جدوى، والمؤمن المتوكل، الموحد ينعم بالهدوء، والطمأنينة والسكينة.
ومعنى ذلك أن اللَّه عز وجل وعلا لا يقاس على ملوك الدنيا، فإنهم يباشرون الأمور الخطيرة ويتولونها بأنفسهم، أما الأمور التافهة فيكلونها إلى الخدم والموظفين، فيلجأ الناس إليهم في هذه الأمور التي ليست ذات خطر وشأن، وليس الأمر كذلك فيما يختص بالله تعالى، فإنه هو القادر المطلق الذي يقدر على أن يصلح ما دق وجل من الأمور، وإن كانت في عددها وانتشارها كنجوم السماء، ورمال الدهناء، وليس لأحد تصرف في مملكته، فيحب أن يطلب منه الأمر التافه كما يحب أن يطلب منه الأمر الجليل، والعطاء الجزيل، لأن أحدا لا يملك شيئا سواء الصغير منه والكبير، والدقيق والجليل.