الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان القليل من عمله كثيرًا، ومن هنا وجب على كل إنسان أن لا يدخر وسعًا في تصحيح إيمانه، وأن يكون الحصول عليه، والاستيثاق منه غاية أمله، ونهاية سؤله، لا يعدل به شيئًا، ولا يتأخر فيه دقيقة.
وقد سلك الناس في هذا العصر في الدين طرائق قددًا، وتشعبوا شعبًا، فمنهم من يتمسك بعادات الأولين وتقاليد السابقين، ويعض عليها بالنواجذ، ومنهم من يحتج بحكايات الصالحين، وأساطير الأولين، ومنهم من يتشبث بكلام من تسمى بالعلماء، وامتاز بتشدق اللسان وحدة الذهن، ومنهم من يركض ركائب العقل في هذا الميدان، ويرخي لها العنان (1) .
وكان الأفضل الأعدل أن يرد الإنسان كل ذلك إلى اللَّه ورسوله، فيصدر عما ثبت عنهما، ويتحاكم إليه، ويتخذه بيانًا شافيًا، وحكمًا قاطعا، فيقبل من قصص المشايخ والصالحين، ومن كلام العلماء والوعاظ والمذكرين، ما وافق الأصول والنصوص، وينبذ من الكلام والأحاديث ومن العادات والتقاليد ما خالفها.
تسويلات الشيطان في الصد عن القرآن:
وأما ما اشتهر في العوام أن كلام اللَّه ورسوله من الغموض والدقة بمكان لا يفهمه فيه الناس، ويحتاجون في فهمه إلى علم غزير، ولا قبل لنا بفهم القرآن والحديث، أما العمل بمقتضاه وتطبيقه فلا ينوء به إلا خاصة الخاصة من الذين سمت همتهم، وتزكت نفوسهم من الزهاد
(1) مع أن العقائد والشرائع لا تقوم على العقل والقياس، ولا ينفع فيها الذكاء وحدة الذهن، إن مصدرها الوحي والشرع.
والعباد، ولا مطمع لنا في ذلك، وحسبنا أن نفهم كلام أمثالنا، ونهتدي بهديهم، ونمضي على ما درج عليه آباؤنا، وعامة أهل بلادنا.
فيعرف الخبير أنه كلام لا نصيب له من الصحة، لأن اللَّه سبحانه وتعالى يصف كتابه المجيد بالبيان والوضوح (1)، فلقد قال في سورة البقرة:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99] ، وقد ثبت من ذلك أنه لا يتعسر فهم ما جاء في القرآن، وإنما يحتج بتعسره وغموضه من جمحت نفسه، وقسا قلبه، فإن النفوس تعاف الانقياد وتتهرب من العمل والطاعة، وإنما تريد أن يلقى حبلها على غاربها، وتترك لها حريتها وانطلاقتها.
ولا يتوقف فهم كلام اللَّه ورسوله على علم غزير، وذكاء حاد، فإن الأنبياء لم يبعثوا إلا لهداية الضلال، وتعليم الجهال، وقد قال اللَّه تعالى في سورة الجمعة:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2] ، وقد من اللَّه بذلك على عباده، فمن مضى بعد ذلك يقول: إنه لا سبيل لغير العالم إلى فهم ما جاء به النبي، ولا طاقة لغير من سمت همتهم، وتزكت نفوسهم أن يعمل بتعاليمه، ويسلك طريقه، فقد أنكر هذه الآية، وكفر بهذه النعمة، وحري أن يقال إن القرآن يرتقي بالجهال إلى درجة العلماء، والضلال إلى مستوى الصالحين والأصفياء، فرب
(1) وقد جاء في سورة يوسف: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ وفي سورة الشعراء: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وفي سورة القمر: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.