الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها على الغيب، وتودد إلى الجن، كما يفعل السحرة بالإيمان بهم وندائهم، وتقديم النذور والقرابين إليهم، فهذا كله من الكفر.
أخرج مسلم عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل له صلاة أربعين يوما» .
وقد عرفنا من هذا الحديث أن من أتى العراف الذي يدعي الإخبار بالغيب، لم تقبل عبادته أربعين يوما، لأنه قد أشرك، والشرك يطمس نور العبادات كلها، ويدخل في هذا الحكم المنجمون والرمالون، ومن يدعي الاطلاع على الغيب، والإخبار به عن طريق الاستخارة بالقطع والبت.
مظاهر ضعف الاعتقاد والسخافة في أهل الجاهلية، ومقلديهم من المسلمين:
ويؤيد هذا الحديث أحاديث أخرى صحيحة، منها ما أخرج أبو داود، عن قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«العيافة، والطرق، والطيرة، من الجبت» .
وما أخرج أبو داود عن عبد اللَّه بن مسعود عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك» .
وقد اعتاد العرب التطير، وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد أخرى ليقلع الناس عن هذه العادة.
وقد اشتهر في جهال العرب أن من قتل ولم يؤخذ بثأره، خرج من هامته طائر، يقال له الهامة، وهي كالبومة، فما تزال تستغيث، وتهيم على وجهها، حتى يؤخذ بثأره، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه باطل، فمن زعم أن الإنسان يتمثل بعد موته بحيوان، فقد كذب على اللَّه، وكان من الاعتقادات الشائعة في العرب أن بعض الأمراض، كالجرب والجذام، تتعدى، وتنتقل من إنسان إلى آخر، وهي كلها اعتقادات باطلة، وشائعات لا أصل لها.
وقد اشتهر عندهم أن الأمر الفلاني لم يوافق فلانا، وأنه لم يوفق فيه، ولم يكن النجاح حليفه، وإن كان لليمن والشؤم أصل، فهما في الدار، والفرس، والمرأة، فقد تكون ميمونة مباركة، وقد تكون تعسة مشئومة، ولكن لسان النبوة لم يحدد السبيل إلى معرفة ذلك، حتى يحكم الإنسان بيمنها وشؤمها، وما عينه الناس من أمارات لذلك مثل الدار التي يصور الناس على بابها، وعلى ميزابها فم الأسد، ومثل أن يكون على جبين الفرس مثل نجم، وأن تكون المرأة سوداء اللسان، فهي مشئومة، فلا أصل له، بل يجب على المسلمين أن لا يحتفلوا
بأمثال هذه الترهات، ويجب عليهم إذا اشتروا بيتا جديدا، أو استأجروه أو ظفروا بجواد، أو تزوجوا عقيلة أو جارية، أن يدعوا اللَّه أن يقدر فيها الخير، ويبارك فيها، ويتعوذوا بالله من شرها، وشر ما جبلت عليه، ولا يشغلوا نفوسهم بالحكم على أمور قد مضت، فيقولوا وافقنا الأمر الفلاني، ولم يوافقنا الأمر الفلاني.
أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى (1) ولا هامة ولا صفر» .
وقد اشتهر في الجهال أن الذي أصيب بالنهامة فيأكل ولا يشبع، ويسميه الأطباء بجوع الكلب، والعامة بجوع البقر، فقد دخل في بطنه عفريت أو شيطان يأكل كل ما يتناوله الإنسان فلا يشبع، وكانوا يسمونه
(1) وردت أحاديث بنفي العدوى كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري، ووردت أحاديث أخرى في إثباتها، ومنها «فر من المجذوم فرارك من الأسد» وكثرت أقوال العلماء في ذلك والمرجح حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين فحيث جاء «لا عدوى» كان المخاطب بذلك من قوي يقينه وصح توكله بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى فعلى هذا يحمل حديث جابر في الأكل مع المجذوم كما سيأتي في متن الكتاب وسائر ما ورد من جنسه، وحيث جاء «فر من المجذوم» كان المخاطب بذلك من ضعف يقينه فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى فأريد بذلك من أرباب اعتقاد العدوى، وقد فعل صلى الله عليه وسلم كلا الأمرين ليتأسى به كل من الطائفتين، وقال بعضهم: إن المراد بالنفي أن شيئا لا يعدي بطبعه نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده بل بإجراء اللَّه تعالى العادة في التعدي، انتهى مقتبسا من «لامع الدراري على جامع البخاري» للمحدث الكبير الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي.
بصفر (1) ، وهو الذي جاء نفيه في هذا الحديث.
ومعنى ذلك أن ما يعتقده الناس في بعض الأمراض أنها من تأثير الشياطين، والعفاريت، وأنها من تصرفاتهم، باطل لا أصل له، مثل ما ذكرنا عن مرض الجدري وغيره من الأمراض التي يربطها المشركون في الهند ببعض الآلهة، والقوى المتصرفة في العالم - زعموا -.
وقد اشتهر في الجهال أن شهر صفر نحس، يجب أن يكف الناس فيه عن أعمال ذات قيمة وخطر، مثل الزواج، والأسفار، والتجارات، والمعاملات (2) ، ويدخل في ذلك ما يعتقده جهال الهند أن الأيام الثلاثة عشر الأولى من شهر صفر مشئومة نحسة بصفة خاصة، ينزل فيها البلاء، ويسمونها " تيره تيزي "(3) فتفسد الأعمال وتحبط المساعي، وكذلك يخصصون بعض الأيام من الشهر بالنحس، فيتوقفون عن مباشرة بعض الأعمال المهمة فيها، بل يجب أن يكون جل الاعتماد على اللَّه تعالى، والإيمان بأنه هو الضار النافع، والمعطي المانع، والمؤثر الحقيقي في الأشياء.
وقد أخرج ابن ماجه عن جابر «أن رسوله اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد
(1) قال القسطلاني في شرح البخاري: وهو فيما قيل: دابة تهيج عند الجوع، وربما قتلت صاحبها، وكانوا يعتقدون أنها أعدى من الجرب، وهذا ذكره مسلم عن جابر بن عبد اللَّه في حديثه المروي عنده فتعين المصير إليه، (ج 8، ص 318) .
(2)
قال البيضاوي في شرح «لا صفر» : هو نفي لما يتوهم أن شهر صفر يكثر فيه الدواهي (شرح البخاري للقسطلاني (ج 8، ص 318)، وفي «مجمع بحار الأنوار للفتني: وقيل هو الشهر المعروف، زعموا أن فيه يكثر الدواهي والفتن، فنفاه الشارع (مجمع بحار الأنوار ج 2، ص 251) .
(3)
الأيام الثلاثة عشر الحادة، و «تيز» معناه «الحاد الشديد» .