المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مظاهر ضعف الاعتقاد والسخافة في أهل الجاهلية، ومقلديهم من المسلمين: - رسالة التوحيد المسمى بـ تقوية الإيمان

[إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة المترجم

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تسويلات الشيطان في الصد عن القرآن:

- ‌أحوج الناس إلى الطبيب، المرضى:

- ‌مظاهر الشرك وأشكاله المتنوعة:

- ‌حقيقة شرك أهل الجاهلية وضلالهم:

- ‌خلال الشرك وأعماله:

- ‌علامات التعظيم الدالة على العبودية والاستكانة، خاصة بالله تعالى:

- ‌الفصل الأولفي التحذير من الشرك

- ‌الفرق بين الشرك، وسائر الذنوب:

- ‌الشرك ظلم، ووضع للشيء في غير محله:

- ‌إن اللَّه لا يقبل إلا خالصا، ليس لأحد فيه نصيب:

- ‌عهد سبق في عالم الأرواح:

- ‌الضن بعقيدة التوحيد والاستقامة عليها عند الفتنة والبلاء:

- ‌إقبال المملوك على غير مالكه، وولي نعمه، قلة غيرة وعدم وفاء:

- ‌الموحد المذنب حري بأن يتوب، وتدركه رحمة اللَّه ولطفه بخلاف المشرك العابد:

- ‌الفصل الثانيفي رد الإشراك في العلم

- ‌الحواس الخمس الظاهرة، والعقل، منحة إلهية عامة للبشر

- ‌علم الغيب خاص بالله تعالى، ووراء طور البشر:

- ‌من ادعى لنفسه، أو اعتقد في أحد علم الغيب بالاستقلال والدوام كان كاذبا آثما:

- ‌الأمور المستقبلة التي لا تعلم بالقطع:

- ‌العلم بمكنونات الضمائر وهواجس الخواطر، ليس بميسور دائما:

- ‌المدعون المحترفون بالإخبار عن الأمور الغيبية:

- ‌نداء الأموات من بعيد أو قريب للدعاء إشراك في العلم:

- ‌نفي القدرة المطلقة والاستقلال بعلم الغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌سر شرف الأنبياء، وكرامة الأولياء ليس في التصرف المطلق، والعلم المستقل بالغيب:

- ‌استنكار النبي صلى الله عليه وسلم لنسبة علم الغيب إليه:

- ‌عقيدة أهل الجاهلية في اللَّه وحقيقة شركهم:

- ‌التحذير للمسلمين عن تقليد المشركين في نبيهم وأولياء أمته:

- ‌عجز الأنبياء وخواص الأمة عن التصرف في العالم:

- ‌عادات الملوك والأمراء في قبول الشفاعة وأنواع الشفعاء، وأهل الوجاهة:

- ‌أنواع الشفاعة التي لا مجال لها عند اللَّه:

- ‌الشفاعة الثابتة في الإسلام:

- ‌لا داعي إلى الاعتصام بغير اللَّه:

- ‌الصالحون من عباد اللَّه لا يملكون إلا الدعاء والسؤال من اللَّه:

- ‌المؤمن الموحد رابط الجأش ناعم البال، وضعيف العقيدة مشتت الفكر موزع النفس:

- ‌تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأهل قرابته من الاعتماد على نسبه إليه وقرابته منه

- ‌الفصل الرابعفي رد الإشراك في العبادة

- ‌الدعوة إلى التوحيد الخالص، ونبذ الشرك، قديمة ومتصلة:

- ‌السجود بجميع أنواعه لا يجوز إلا لله تعالى:

- ‌ضلال الناس فيمن يعتقدون فيهم الصلاح والفضل:

- ‌المناسك ومظاهر التعظيم الأقصى وشعائر الحب والتفاني

- ‌الحج وأعماله لا تجوز إلا للبيت:

- ‌تخصيص الحيوانات للصالحين، والتقرب باحترامها ونذرها وذبحها إليهم حرام:

- ‌شركاء متشاكسون، وأسماء من غير مسميات:

- ‌غاية التعظيم في التذلل والخشوع من حق اللَّه تعالى:

- ‌أتعبدون ما تنحتون

- ‌الذبح تقربا وتعظيما من حق اللَّه تعالى:

- ‌عودة الجاهلية في آخر الزمان:

- ‌فتنة الشيطان في آخر الزمان:

- ‌تغيير خلق اللَّه بأمر الشيطان:

- ‌جحد المشركين بنعمة اللَّه، وتفننهم في تعظيم غير اللَّه وشكره:

- ‌تطفيف الكيل مع اللَّه، وإيثار غيره عليه:

- ‌شرع ما لم يشرع، والتزام ما لا يلزم:

- ‌اعتقاد التأثير في الأنواء والكواكب في العالم، إشراك بالله:

- ‌الاعتماد على العرافة والكهانة، والمخبرين بالمغيبات، كفر:

- ‌مظاهر ضعف الاعتقاد والسخافة في أهل الجاهلية، ومقلديهم من المسلمين:

- ‌كل كلمة تدل على الجهل بالله وإساءة الأدب معه لا يحل السكوت عليها:

- ‌الحث على إظهار شعار التوحيد في الأسماء والتحذير من الكلام الموهم:

- ‌الحلف بغير اللَّه إشراك بالله:

- ‌لا يجوز النذر لغير اللَّه ولا الذبح في مكان كان فيه وثن

- ‌النهي عن الإفراط والتفريط في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌التحذير عن الكلمات الموهمة للشرك:

- ‌النهي عن تقليد النصارى في إطرائهم لنبيه، وغلوهم فيه:

- ‌النهي عن تعظيم صور الصالحين:

- ‌تأذي النبي صلى الله عليه وسلم بالغلو في شخصه، والزيادة على ما وصفه اللَّه به:

الفصل: ‌مظاهر ضعف الاعتقاد والسخافة في أهل الجاهلية، ومقلديهم من المسلمين:

بها على الغيب، وتودد إلى الجن، كما يفعل السحرة بالإيمان بهم وندائهم، وتقديم النذور والقرابين إليهم، فهذا كله من الكفر.

أخرج مسلم عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل له صلاة أربعين يوما» .

وقد عرفنا من هذا الحديث أن من أتى العراف الذي يدعي الإخبار بالغيب، لم تقبل عبادته أربعين يوما، لأنه قد أشرك، والشرك يطمس نور العبادات كلها، ويدخل في هذا الحكم المنجمون والرمالون، ومن يدعي الاطلاع على الغيب، والإخبار به عن طريق الاستخارة بالقطع والبت.

‌مظاهر ضعف الاعتقاد والسخافة في أهل الجاهلية، ومقلديهم من المسلمين:

ويؤيد هذا الحديث أحاديث أخرى صحيحة، منها ما أخرج أبو داود، عن قبيصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«العيافة، والطرق، والطيرة، من الجبت» .

ص: 155

وما أخرج أبو داود عن عبد اللَّه بن مسعود عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك» .

وقد اعتاد العرب التطير، وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد أخرى ليقلع الناس عن هذه العادة.

وقد اشتهر في جهال العرب أن من قتل ولم يؤخذ بثأره، خرج من هامته طائر، يقال له الهامة، وهي كالبومة، فما تزال تستغيث، وتهيم على وجهها، حتى يؤخذ بثأره، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه باطل، فمن زعم أن الإنسان يتمثل بعد موته بحيوان، فقد كذب على اللَّه، وكان من الاعتقادات الشائعة في العرب أن بعض الأمراض، كالجرب والجذام، تتعدى، وتنتقل من إنسان إلى آخر، وهي كلها اعتقادات باطلة، وشائعات لا أصل لها.

وقد اشتهر عندهم أن الأمر الفلاني لم يوافق فلانا، وأنه لم يوفق فيه، ولم يكن النجاح حليفه، وإن كان لليمن والشؤم أصل، فهما في الدار، والفرس، والمرأة، فقد تكون ميمونة مباركة، وقد تكون تعسة مشئومة، ولكن لسان النبوة لم يحدد السبيل إلى معرفة ذلك، حتى يحكم الإنسان بيمنها وشؤمها، وما عينه الناس من أمارات لذلك مثل الدار التي يصور الناس على بابها، وعلى ميزابها فم الأسد، ومثل أن يكون على جبين الفرس مثل نجم، وأن تكون المرأة سوداء اللسان، فهي مشئومة، فلا أصل له، بل يجب على المسلمين أن لا يحتفلوا

ص: 156

بأمثال هذه الترهات، ويجب عليهم إذا اشتروا بيتا جديدا، أو استأجروه أو ظفروا بجواد، أو تزوجوا عقيلة أو جارية، أن يدعوا اللَّه أن يقدر فيها الخير، ويبارك فيها، ويتعوذوا بالله من شرها، وشر ما جبلت عليه، ولا يشغلوا نفوسهم بالحكم على أمور قد مضت، فيقولوا وافقنا الأمر الفلاني، ولم يوافقنا الأمر الفلاني.

أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى (1) ولا هامة ولا صفر» .

وقد اشتهر في الجهال أن الذي أصيب بالنهامة فيأكل ولا يشبع، ويسميه الأطباء بجوع الكلب، والعامة بجوع البقر، فقد دخل في بطنه عفريت أو شيطان يأكل كل ما يتناوله الإنسان فلا يشبع، وكانوا يسمونه

(1) وردت أحاديث بنفي العدوى كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري، ووردت أحاديث أخرى في إثباتها، ومنها «فر من المجذوم فرارك من الأسد» وكثرت أقوال العلماء في ذلك والمرجح حمل الخطاب بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين فحيث جاء «لا عدوى» كان المخاطب بذلك من قوي يقينه وصح توكله بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى فعلى هذا يحمل حديث جابر في الأكل مع المجذوم كما سيأتي في متن الكتاب وسائر ما ورد من جنسه، وحيث جاء «فر من المجذوم» كان المخاطب بذلك من ضعف يقينه فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى فأريد بذلك من أرباب اعتقاد العدوى، وقد فعل صلى الله عليه وسلم كلا الأمرين ليتأسى به كل من الطائفتين، وقال بعضهم: إن المراد بالنفي أن شيئا لا يعدي بطبعه نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده بل بإجراء اللَّه تعالى العادة في التعدي، انتهى مقتبسا من «لامع الدراري على جامع البخاري» للمحدث الكبير الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي.

ص: 157

بصفر (1) ، وهو الذي جاء نفيه في هذا الحديث.

ومعنى ذلك أن ما يعتقده الناس في بعض الأمراض أنها من تأثير الشياطين، والعفاريت، وأنها من تصرفاتهم، باطل لا أصل له، مثل ما ذكرنا عن مرض الجدري وغيره من الأمراض التي يربطها المشركون في الهند ببعض الآلهة، والقوى المتصرفة في العالم - زعموا -.

وقد اشتهر في الجهال أن شهر صفر نحس، يجب أن يكف الناس فيه عن أعمال ذات قيمة وخطر، مثل الزواج، والأسفار، والتجارات، والمعاملات (2) ، ويدخل في ذلك ما يعتقده جهال الهند أن الأيام الثلاثة عشر الأولى من شهر صفر مشئومة نحسة بصفة خاصة، ينزل فيها البلاء، ويسمونها " تيره تيزي "(3) فتفسد الأعمال وتحبط المساعي، وكذلك يخصصون بعض الأيام من الشهر بالنحس، فيتوقفون عن مباشرة بعض الأعمال المهمة فيها، بل يجب أن يكون جل الاعتماد على اللَّه تعالى، والإيمان بأنه هو الضار النافع، والمعطي المانع، والمؤثر الحقيقي في الأشياء.

وقد أخرج ابن ماجه عن جابر «أن رسوله اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد

(1) قال القسطلاني في شرح البخاري: وهو فيما قيل: دابة تهيج عند الجوع، وربما قتلت صاحبها، وكانوا يعتقدون أنها أعدى من الجرب، وهذا ذكره مسلم عن جابر بن عبد اللَّه في حديثه المروي عنده فتعين المصير إليه، (ج 8، ص 318) .

(2)

قال البيضاوي في شرح «لا صفر» : هو نفي لما يتوهم أن شهر صفر يكثر فيه الدواهي (شرح البخاري للقسطلاني (ج 8، ص 318)، وفي «مجمع بحار الأنوار للفتني: وقيل هو الشهر المعروف، زعموا أن فيه يكثر الدواهي والفتن، فنفاه الشارع (مجمع بحار الأنوار ج 2، ص 251) .

(3)

الأيام الثلاثة عشر الحادة، و «تيز» معناه «الحاد الشديد» .

ص: 158