المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد للَّه حَمْدًا يُوافي نعمه ويُكافيء مزيده. - زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة - جـ ١

[خلدون الأحدب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول في تعريف علم الزوائد، وثمرته، والمصنفات فيه، والقواعد التي يقوم عليها

- ‌تعريف علم الزوائد

- ‌شرح التعريف:

- ‌النقطة الأولى:

- ‌أولًا - كتب العقائد:

- ‌ثانيًا - كتب التفسير والدراسات القرآنية:

- ‌ثالثًا - كتب الفقه:

- ‌رابعًا - كتب السيرة النبوية والمغازي، والدلائل، والشمائل، ومعرفة الصحابة، وفضائلهم:

- ‌خامسًا - كتب الأخلاق، والزهد والرقائق، والأذكار، والترغيب والترهيب، والفِتَن والمَلاحِم:

- ‌سادسًا - كتب تواريخ الرجال والبُلْدَان:

- ‌النقطة الثانية:

- ‌ثانيًا - القول في التعريف: "على أحاديث كتب الأصول الستة أو بعضها

- ‌ثالثًا - القول في التعريف: "من حديث بتمامه لا يوجد في الكتب المزيد عليها، أو هو فيها عن صحابي آخر، أو من حديث شارك فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم، وفيه زيادة مؤثِّرة عنده

- ‌علم الزوائد: غايته وثمرته

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌مراتب الأحاديث الزوائد روايةً واستدلالًا

- ‌المصنفات في فنِّ الزوائد

- ‌القواعد التي ارتُسِمَت في إفراد زوائد (تاريخ بغداد) على الكتب الستة

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌القاعدة الرابعة:

- ‌القاعدة الخامسة:

- ‌القاعدة السادسة:

- ‌القاعدة السابعة:

- ‌القاعدة الثامنة:

- ‌الباب الثاني أهمية كتاب (تاريخ بغداد) باعتباره مصدرًا من مصادر الحديث الشريف، وترجمة موجزة للحافظ الخطيب البغدادي

- ‌أهمية كتاب (تاريخ بغداد) باعتباره مصدرًا من مصادر الحديث الشريف

- ‌الأول:

- ‌ الثاني

- ‌ترجمة الإِمام الحافظ الخطيب البغدادي رحمه اللَّه تعالى

- ‌اسمه وكنيته ومولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلته في طلب العلم:

- ‌عودته إلى بغداد واستقراره فيها:

- ‌رحلته إلى الشَّام والحجِّ:

- ‌عودته إلى بغداد ووفاته فيها:

- ‌ثقافة الحافظ الخطيب وعلومه:

- ‌عقيدته ومذهبه:

- ‌صفاته ومناقبه:

- ‌أمَّا عِفَّته:

- ‌وأمّا حِفْظُهُ لوقته:

- ‌كما كان رحمه الله ورعًا متحفظًا متواضعًا:

- ‌شيوخه وتلامذته

- ‌ومن أشهر شيوخه:

- ‌ومن أبرز تلامذته:

- ‌توثيقه ومكانته وثناء الأئمة عليه:

- ‌ومن أقوال الأئمة فيه:

- ‌مصنفاته:

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد للَّه حَمْدًا يُوافي نعمه ويُكافيء مزيده.

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة

الحمد للَّه حَمْدًا يُوافي نعمه ويُكافيء مزيده. يا ربَّنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نَفْسِك.

والصَّلاة والسَّلام على من بعثه ربُّنَا جَلَّ ثناؤه لمنهج الهداية رسولًا، فأنزل عليه الفُرْقَانَ ليكون للعالَمِينَ نذيرًا، وأوحى إليه بالسُّنَّةِ المُطَهَّرةِ لتكون على الأحكام دليلًا.

صلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى أبويه إبراهيم وإسماعيل، وعلى آله وصحبه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وبعد: "فإنَّ شرفَ العلوم يتفاوتُ بشَرَفِ مَدْلُولِهَا، وقَدْرَهَا يَعْظُمُ بعِظَمِ محصولها، ولا خلافَ عند ذوي البصائرِ: أنَّ أجلَّها ما كانت الفائدةُ فيه أعمَّ، والنَّفْعُ به أتمَّ، والسَّعَادةُ باقتنائه أَدْوَمَ، والإِنسانُ بتحصيله ألزمَ، كعِلْمِ الشَّريعةِ الذي هو طريقُ السُّعَداءِ إلى دار البَقَاءِ. . .

وعلوم الشَّريعة على اختلافها تنقسمُ إلى فَرْضٍ، ونَفْلٍ.

والفَرْضُ ينقسمُ إلى: فَرْضِ عَيْنٍ، وفَرْضِ كِفَايَةٍ.

ولكلِّ واحدٍ منهما أقسامٌ وأنواعٌ، بعضها أُصولٌ، وبعضها فُروعٌ، وبعضها مقدِّماتٌ، وبعضها مُتَمِّمَاتٌ. . . إلَّا أَنَّ من أصول فروض الكِفَايَات، عِلْمَ أحاديث

ص: 5

رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وآثارَ أصحابه رضي الله عنهم، التي هي ثاني أدلَّةِ الأحكام.

ومعرفتها أمرٌ شريفٌ، وشأنٌ جليلٌ، لا يُحيطُ به إلَّا من هَذَّبَ نَفْسَهُ بمتابعةِ أوامر الشَّرْع ونَواهيهِ، وأزالَ الزَّيْغَ عن قَلْبِهِ ولِسَانِهِ"

(1)

.

وقد بَذَلَ السَّلَفُ والخَلَفُ في سبيل خدمة السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، روايةً ودِرَايةً، حفظًا وصونًا، إعلاءً وتمكينًا، ما تنطق به رحلاتهم الواسعة، ومجالسهم العامرة، ومواقفهم العظيمة المسدَّدة، وتحققهم الصادق النيِّر، ومصنَّفاتهم الكثيرة المتنوعة.

فقد استفرغوا الوسع وزادوا، وصدقوا اللَّه في نِيَّاتهم وأعمالهم، فصدقهم اللَّه تعالى، فنضَّر وجوههم، وخلَّد ذكرهم، وأعلى مقامهم، وبارك في آثارهم.

وما عملي هنا في هذا الكتاب إلّا لَبِنَةً متواضعةً في بنائهم الراسخ الممتد في خدمة حديث النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، يمكن أن يُضَمَّ إلى ما صنَّفوا في فَنِّ الزوائد من موسوعات جليلة، أسهمت في حفظ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، وتقريبها وتيسيرها.

وموضوع هذا الكتاب كنت أتلمس أهميته وضرورته كلَّما ازدادت صلتي بـ (تاريخ بغداد) استفادةً وتحصيلًا، مراجعةً وإحالةً؛ فكنت أقف متأملًا هذا العددَ الكبير من الحديث الشريف البالغ (4385) حديثًا على ما أحصيتُهُ، والمتفرقَ في ثنايا تراجم الكتاب البالغة (7831) ترجمةً، ضمَّتها المجلَّدات الأربعة عشر منه، متسائلًا عن سبب عدم توجه علمائنا السابقينَ واللاحقينَ إلى هذا العدد الكبير من الحديث النبوي -الذي يزيد على عدد أحاديث بعض الكتب الستة: كسنن التِّرْمِذِيّ وابن مَاجَه-، بالعناية والدراسة: جمعًا وتصنيفًا، تصحيحًا وتضعيفًا.

وكنت أرى أَنَّ مَرَدَّ هذا الإِغفالِ، في غالب الرأي، يعود إلى هذا الذي ذُكِرَ

(1)

من كلام الإِمام ابن الأَثِير الجَزَري في مقدمته لكتابه "جامع الأصول"(1/ 36 - 37).

ص: 6

وانتشَر بين أهل العلم وطُلَّابِه، وهو أنَّ مجرَّدَ عزو الحديث إلى الخطيب، مُعْلِمٌ بضَعْفِهِ، أو غَرَابَتِهِ، أو نَكَارَتِهِ، أو وَضْعِهِ، فلا يحتاج معه إلى بيان درجته من حيث القبولُ والردُّ.

فلما تَقَرَّرَ هذا الاتجاهُ، أُغْمِضَتِ العيونُ عن أحاديثه وآثاره، فأُهملت وتُركت، وصُرفتِ الجهودُ إلى غيره بالعناية والدراسة.

بيد أنَّه لما ظهر لي أنَّ هذا الذي تَقَرَّرَ، ليس على الصورة التي قَرِّرَ بها -كما بَيَّنْتُهُ وفَصَّلْتُهُ في الدراسة الآتية-، وجدت أنَّه من اللازم أن يُصارَ إلى العناية والاهتمام بما تضمنه (تاريخ بغداد) من حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: دراسةً وتصنيفًا، تصحيحًا وتضعيفًا.

ووجدتُ أن أجدى الطرق وأَنْفَعَهَا في سبيل تحقيق ذلك، هو إفرادُ زوائد أحاديث (التاريخ) على الكتب الستة الأصول أولًا، فما كان منها فيها أو بَعْضَهَا، لم أُفْرِدْهُ، استغناءٌ بها، ولأنَّ العزو ساعتئذٍ لا يَصِحُّ للمصدر النازل، والمصدرُ الأعلى قائمٌ موجودٌ، فضلًا عن أنَّ هذه الأحاديثَ قد تكاملت العناية بها من كلِّ وجه، ومن ثَمَّ فإنَّا لا نحتاجُ إلى أن تنصرف الجهود بدايةً إلى ما لم يكن من الزوائد.

وبعدَ إفراد هذه الزوائد تكون المرحلة الثانية من العناية والاهتمام، وذلك في التوجه صوب دراسة كُلِّ حديثٍ من تلك الأحاديث الزوائد، من جهة قبوله وردِّه، وبيانِ موجباتِ ذلكَ. ثم تخريجُهُ، وذكرُ متابعاته وشواهده، ومراتِبِهَا، خاصةً عند الاحتياج إليها في تعضيده إذا كان ضعيفًا، ثم بيانُ غريبه إنْ كان مشتملًا على غريب.

أمَّا المرحلة الثالثة: فهي في تصنيف هذه الزوائد -من خلال الفهارس-، حَسْبَ المسانيدِ، والموضوعاتِ، والأطرافِ، لِيُنْتَفَعَ بها من أقرب طريقٍ، ويُستفادَ منها بأقل جهد ووقت.

ص: 7

وكانت مرحلةُ إفراد الزوائد من مجموع أحاديث (التاريخ) بعددها الكبير، من أَدَقِّ مراحل العمل، وأكثرها صعوبةً، لأنَّ هذا يتطلبُ عرض كلِّ حديث من أحاديث (التاريخ) البالغةِ (4385) حديثًا، على أحاديث الكتب الستة الأصول:"الصحيحين" للإمامين البُخَاريِّ ومُسْلِمٍ، و"السُّنَنِ" للأئمة: أبي داودَ والتِّرْمِذِيِّ والنَّسَائيِّ وابن مَاجَه، بآلافها المؤلَّفة، وكتبها وأبوابها الكثيرة، وفِقْهِهَا الدَّقيقِ والمتنوعِ، والذي يحتاج إلى تأملٍ عميقٍ، ونظرٍ واسعٍ، خاصةً مع تقسيم بعضهم للحديث الواحد إلى أجزاءٍ متعددةٍ بحَسْبِ ما يدلُّ عليه من فِقْهٍ، وما يُسْتَنْبَطُ منه من أحكامٍ، وإلحاقِ كُلِّ جزءٍ بالباب الذي يناسبُهُ.

وهذا الأمر إذا كان متيسرًا إلى حَدٍّ كبيرٍ للأئمة السابقينَ، لواسِعِ حِفْظِهِمْ، وقُوَّةِ اسْتِحْضَارِهِمْ، وعظيم اطلاعهم، مع دِقَّةِ الأفهامِ، والفِقْهِ، وبالغ النِّيَّاتِ والصِّدْقِ؛ فإنَّ فيه بالنسبة للمعاصرينَ، مشقَّةً وعَنَتًا، وذلك لما للسابقينَ من الصفات المذكورة التي تَقَاصَرَ عنها المعاصرونَ، مما يجعل عملهم أكثرَ صعوبةً، وأجَلَّ خطورةً، ممّا يستتبعُ مزيدًا من الدِّقةِ والنظرِ، والحَيْطَةِ والحَذَرِ.

هذا أمرٌ، والآخَرُ: أنَّه لا نجدُ بين أيدينا قواعدَ منظومةً محرَّرةً جامعةً في فَنِّ الزوائدِ، تُتَمَثَّلُ، ويُهْتَدَى بها في مثل هذا العمل، إلَّا بعضًا من الضوابط والشروطِ التي يقف عليها الباحث في مقدِّمات بعض مصنَّفات الزوائد للأئمةِ المتقدمينَ، أمثالِ: الهَيْثَمي وابنِ حَجَرٍ والبُوصِيري؛ مما جعل الأمر يحتاج إلى اهتداءٍ وتَلَمُّس لبعضها من واقع عمل الأئمة في مصنَّفاتهم تلك، وتقعيدِهَا؛ وإلى إنشاءِ قواعدَ جديدةٍ تتفقُ وحَدَّ هذا العلمِ وموضوعَهُ، حتى يكون العمل عِلْمِيًّا منهجيًا، ومُتَسَاوِقًا منضبطًا.

وهذا ما قمت به ابتداءً وأتيت عليه في الدراسة التي تلي هذه المقدِّمة.

وقد بلغ عدد الأحاديث الزوائد في (تاريخ بغداد)، بعد هذا العَرْضِ وتلك: المقابلة: (2223) حديثًا، أي ما يزيد على نصف مجموع أحاديثِ (التاريخ) بشيءٍ يسيرٍ، وهو عدد ليس بالقليل.

ص: 8

أمّا ما يتعلقُ بالحكم على تلك الأحاديث الزوائد قبولًا وردًّا، وَفْقَ قواعد علم أصول الحديث وتطبيقاته، وذِكْرِ من خَرَّجَهَا من الأئمة في مصنَّفاتهم، وطرقهم والكلامِ عليها، فإنَّ المنهج الذي اتبعتُهُ في ذلك هو التالي:

أولًا: سوق الحديث بإسناده ومَتْنِهِ كما في (تاريخ بغداد)، وَوَفْق ترتيب تراجمه، والتي رُتِّبَتْ على حَسْبِ حروف المعجم، مع خللٍ في ذلك في نطاق تراجم الحرف الواحد، وكان ذلك مراعاةً ومحافظةً على منهج الحافظ الخطيب في كتابه، وللتيسير في الإِحالة والعزو والمراجعة. ثم ذكرُ الجُزْءِ والصفحة واسم صاحب الترجمة الذي ساق الخطيب الحديث في ترجمته.

ثانيًا: ذكر مرتبة الحديث، ويُسَجَّلُ ابتداءً خلاصة الدراسة حول مرتبته، تقريبًا وتيسيرًا. ثم يُشْرَعُ ببيان حال إسناده، فإن كان مقبولًا، ذُكِرَتْ أسبابُ قبوله إجمالًا، مع ترجمة من يُحْتَاِجُ إلى ترجمتة، دون التزامٍ بذكر تراجم جميع رجال الإسناد، حيث إنَّهم مقبولونَ بعد النظر والتدقيق فيهم، فإثقالُ الكتاب بذكر أقوال النُّقَّادِ فيهم، ليس فيه كبير فائدة.

أمَّا عندما يكون الإسناد مردودًا، فإنَّ أسبابَ ردِّهِ تُذْكَرُ تفصيلًا، مع الترجمة للرواة المجروحين وحدهم، إلّا إذا اقتضى البحث غير ذلك. وكان الاعتمادُ في التراجم على المصادر الأصلية والأُولى في علم الجرح والتعديل استيعابًا ما دامت الكفاية فيها قائمةً. مع مراعاة ذكر الأقدم تصنيفًا أولًا، لمعرفة التطور الاجتهادي في الحكم على الرواة.

وكانت الغايةُ من هذا التقصِّي المقصودِ، الوقوفَ على جميع ما صدر بحقِّ الراوي المتكلَّم فيه من جَرْحٍ وتعديلٍ، ثم الموازنةَ بين تلك الأقوال وَفْقَ قواعد علم الجرح والتعديل وتطبيقات الأئمة النُّقَّاد لها، ليكون الحكم في المآل على الراوي حُكْمًا عادلًا منصفًا، وكاشفًا مُفسَّرًا.

والحكمُ -وإنْ كان متجهًا صوبَ إسناد الخطيب أولًا، احتياطًا وحَذَرًا- إلّا

ص: 9

أنه إذا كان ضعيفًا ضعفًا مُحْتَمَلًا، وَوُجِدَ له من المتابعات أو الشواهد، أو كليهما، ما يعضِّدُهُ ويقوِّيهِ، ويرفعُهُ من مرتبة الضعف إلى مرتبة القبول، ذكرتُهُ، وبَيَّنْتُ حال تلك المتابعات والشواهد ومن خَرَّجَهَا.

أمّا إذا كان ضَعْفُهُ غيرَ مُحْتَمَلٍ، ولا يَقْبَلُ تعضيدًا -بَيْدَ أَنَّ مَتْنَ الحديث قد رُوي من طُرقٍ مقبولةٍ أخرى، صحيحةٍ أو حسنةٍ، أو بمجموعها كانَ مقبولًا- بَيَّنْتُهُ أيضًا، أولًا: بذكره على سبيل الإِجمال مقترنًا مع درجة إسناد الحديث في أول البحث، وثانيًا: بتفصيله عند الكلام عن التخريج.

وهذا المَسْلَكُ إنّما كان لرفع كُلِّ ظنٍ أو اشتباهٍ يمكن أَنْ يَحْصُلَ من جرَّاءِ ذِكْرِ الحُكْمِ على الإِسناد وحْدَهُ، كما يفعلُهُ الكثير من الدَّارِسينَ والمخرِّجينَ.

ثالثًا: تخريجُ الحديث، بذكر من خَرَّجَهُ، من الأئمة في مصنَّفاتهم، وبيانُ طُرُقِهِمْ وحَصْرُها قَدْرَ الإِمكان والحاجة، ثم الكلامُ عنها، وبيانُ ما فيها من عللٍ إن وجدت، مستهديًا في ذلك كلِّه بقواعدِ أصولِ التخريج، وقواعدِ علومِ الحديثِ، وكلامِ أئمةِ هذا الفَنِّ، وأحكامهم، وتَنْقِيداتِهِمْ، وتحقيقاتهمْ، مُتَابِعًا لهم على بَصيرةٍ وعِلْمٍ، مُخَالِفًا لبعض ما صَدَرَ عنهم عند وجودِ ما يوجبُهُ، مقترنًا بالحجَّة والدليل. ومُنَبِّهًا على بعض ما يَلْزَمُ التنبيه عليه ممّا كان من بعض الباحثينَ والمشتغلينَ بهذا العلم من المُعَاصرين، مما له صلةٌ بالبحث، نُصْحًا وأَمَانَةً، دون تعسفٍ أو تجاوزٍ أو حَيْفٍ إن شاء اللَّه تعالى، سائلًا المولى جَلَّ شأنه أَنْ أُرْزَقَ من يَدُلُّنِي على عِثَارٍ لي، مأجورًا مشكورًا، فالخطأُ مُلازِمٌ للعمل البشري مهما بلغ من الجودة والإِتقان، لا يُعْصَمُ منه أحدٌ، إلّا من عصمه مولاه سبحانه. وعَقِبَ التخريج أذكرُ غريبَ الحديث إنْ كان فيه غريبٌ، حتى يُعْلَمَ معناهُ، ويوقفَ على فوائده وأحكامه.

وقد قَدَّمْتُ لهذا العمل الذي ضمَّه ثالث أبواب الكتاب، وهو أُسُّها وقاعِدَتُهَا، بدراسةٍ لازمةٍ كاشفةٍ، ضمَّت بابين اثنين.

ص: 10

أولهما: يشتملُ على تعريف علم الزوائد، وثمرتِهِ، ومراتب الأحاديث الزوائد روايةً واستدلالًا، وذِكْرِ المصنَّفات في هذا الفَنِّ، وخصائِصِهَا، ومناهجِ أصحابِهَا فيها على سبيل الإِجمال، ثم بيانِ قواعد علم الزوائد، التي ارتُسِمَتْ في هذا العمل.

ثانيهما: يتناول مبحثًا عن أهمية كتاب (تاريخ بغداد) باعتباره مصدرًا من مصادر الحديثِ الشريف، وآخرَ في ترجمة موجزةٍ للحافظ الخطيب البغدادي رحمه اللَّه تعالى.

أمّا التعريف، فقد ذكرت في أول مبحثه أنه لم يُوقف على تعريفٍ مِنْ أَحَدِ المتقدِّمينَ له، وأنَّ ما ذَكَرَهُ بعض المعاصرين تَبَعًا للعلَّامة محمد بن جعفر الكَتَّاني رحمه الله، إنما هو تعريف لكتب الزوائد، وليس تعريفًا للزوائد بوصفه عِلْمًا.

وأنَّ تعريفه بتلك الصفة هو: "علمٌ يتناولُ إفرادَ الأحاديثِ الزائدةِ في مصنَّفٍ، رُويت فيه الأحاديثُ بأسانيدِ مُؤلِّفِهِ، على أحادي كُتُبِ الأصولِ الستةِ أو بعضِهَا، مِنْ حديثٍ بتمامهِ لا يُوجَدُ في الكتب المَزِيدِ عليها، أو هو فيها عن صحابي آخرَ، أو من حديثٍ شاركَ فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم، وفيه زيادة مؤثِّرة عنده".

ثم شرحت التعريف شرحًا مُفَصَّلًا، أظهرتُ فيه كُلِّيَاتِهِ وأفرادَهُ وتطبيقاتِهِ، مبينًا فيه محترزاتِهِ وقيودَهُ.

وبعد ذلك ذكرت غاية هذا العلم وثمرتَهُ، التي تتمثل في تقريب السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ وتيسيرها، مع ذكرِ أربعةِ أوجهٍ لهذا التقريب والتيسير تفصيلًا، وأتبعتها ببيانِ مراتبِ الأحاديثِ الزوائدِ روايةً واستدلالًا.

ثم ذكرتُ المصنَّفات في فَنِّ الزوائد، وترتِيبَهَا وَفْقَ وفَيَاتِ أصحابِهَا، وخصائِصَهَا ومناهجَ أصحابها فيها على سبيل الإِجمال.

وآخر مباحث الباب الأول هو: القواعدُ التي ارْتُسِمَتْ في إفرادِ زوائد (تاريخ

ص: 11

بغداد) على الكتب الستة الأصول، وقد بلغ مجموعها (إحدى عَشْرَةَ) قاعدةً ذُكرت مفصَّلةً مقترنةً بالتطبيقات اللازمة لها.

أمَّا الباب الثاني: فاشتمل أولًا على بيان أهمية (تاريخ بغداد) باعتباره مصدرًا من مصادر الحديث الشريف، وذِكْرِ موضوعهِ، وأهميتِهِ المتعددةِ المظاهرِ والجوانبِ، وأنَّ الأهميةَ العُظْمَى له هي في نطاقِ الحديث الشريف، حيثُ اختصَّ رجالُ الحديث بخمسةِ آلافِ ترجمةٍ من مجموع تَرَاجِمِهِ البالغةِ (7831) ترجمةً، وأنَّ عدد أحاديثه -كما أسلف- (4385) حديثًا.

ثم بحثتُ فيما يتعلَّقُ بقيمة مروياته الكثيرةِ تلكَ مِنْ حيثُ القبولُ والرَّدُّ، ومناقشةِ أقوال العلماء في ذلك، والتعقيب عليها، وتوجيهها، والكشف عن أنَّ قُرَابَةَ نِصْفِ هذه الأحاديثِ، هو ممَّا خُرِّجَ في الكتب الستة الأصول، أو بعضها، وجلُّ هذا القسم من المقبول.

وبيانُ أنَّ الزوائدَ عليها، تدورُ بين الصِّحَةِ والحُسْنِ والضَّعْفِ والنَّكَارةِ والوَضْعِ، وأنَّ التَالِفَ والغريبَ والمُنْكَر والموضوعَ، هو الأصلُ في الأحاديث التي تَفَرَّدَ الخطيب بروايتها، ولم يشاركْهُ أحدٌ في روايتها ممن سبقه، مع ذكري لأسباب ذلك مقترنًا بالإِشارة إلى أنَّ هذه الأحاديثَ التي تَفَرَّدَ بها، قليلةٌ بالنسبةِ لمجموع أحاديث الزوائد.

وقد ذكرتُ النتيجة التي توصلت إليها في شأن قِيمَةِ مروياتِهِ، وهي أنَّ قِيمَةَ ما يرويه الخطيبُ قيمةُ سَنَدِهِ.

أما آخر مباحث الدراسة، فكان ترجمةً موجزةً للحافظ الخطيب البغدادي، أنت على ذكر الدراسات التي كُتِبَتْ فيه: اسمِهِ وكُنْيَتِه ومَوْلِدِهِ، ونشأتِهِ وطَلَبِهِ ورحلتِهِ في طلب العلم، ثم ثقافتِهِ وعلومِهِ، ثم صفاتِهِ ومناقِبِهِ، وذِكْرِ أهمِّ شيوخِهِ وتلامذتِهِ، ثم توثيقِهِ وبيان مكانتِهِ وثَنَاءِ العلماءِ عليه، وأخيرًا ذِكْرِ عدد مصنَّفَاتِهِ وموضوعاتِهَا، وتسميةِ المطبوعِ منها.

ص: 12

ولا بد من الإِشارة هنا إلى أنَّ النسخة المطبوعة من (تاريخ بغداد) -كما هو معروفٌ عند أهل العلم والباحثينَ- فيها من أنواع التصحيف والتحريف والسَّقْطِ والقلب، ما يُوجب الرجوعَ إلى النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ منه، لتقويمِ النصوصِ، واستدراك ما يكونُ فيها من سَقْطِ.

وقد سافرتُ إلى كُلٍّ مَنْ تُونُسَ ومِصْرَ والمدينة المُنَوَّرَةِ، للوقوف على النُّسَخ الخَطِّيَّةِ من (تاريخ بغداد)، والاستفادةِ منها فيما قدَّمت، وتصويرِ ما يمكن تصويره منها.

وفي تونس عثرت في المكتبة الأحمدية على نسخة غير كاملة من (التاريخ)، وهي بمقدار نصفه، وتقابلُ الأجزاءَ السبعة الأخيرة من النسخة المطبوعة، مع سَقْطٍ كبيرٍ في مواطن عدّة منها كما لاحظته أثناء الاستفادة منها، وهي برقم (4927)، وعدد أوراقها (436) ورقة من القطع الكبير، وخَطُّهَا مَشْرِقِي جميل، وقد نَسَخَهَا محمد أمين التوني عام (1129) للهجرة في مدينة (استانبول).

كما وجدت فيها مُجَلَّدًا واحدًا من نسخة أخرى، عدد أوراقه (125) ورقة، وخَطُّهُ مَشْرِقِي أيضًا، وهو برقم (16119)، وهذا المجلَّد يقابلُ من المطبوع من (1/ 150) إلى (2/ 15)، وتاريخ نَسْخِهِ سنة (595) للهجرة.

أمّا في مِصْر، فلم أُمَكَّن من الوقوف إلَّا على (ميكروفيلم) يحمل رقم (3442)، في دار الكتب المِصْرِية، وهو لنسخة ناقصة من (التاريخ) لم يبق منها إلّا أقلّها، وقد كُتبت عام (607 هـ) في دمشق. وقد استفدت منها في مواضع، سيأتي ذكرها في محلِّه.

وأَقْدَمُ النُّسَخِ التي تمكَّنتُ من الوقوف عليها، نسخة غير كاملة أيضًا، ضمَّتها خِزَانَةُ المكتبة المحمودية في المدينة المُنَوَّرَةِ. وهي مشتملة على أربعة مجلداتٍ ضِخَامٍ، عدد أوراقها (947) ورقة، وخطوطها قديمة مختلفة، وفي الأول منها سماع تاريخه عام (556) للهجرة في دمشق، وعلى الأجزاء سماعات كثيرة

ـ

ص: 13

المشاهير المُحَدِّثين. وهي فيها بأرقام (2526 و 2527 و 2528 و 2529).

ولم أقم بمقابلة جميع الأحاديث الزوائد على ما وقفت عليه من النُّسَخِ الخَطِّيَّةِ، وإنما راجعتُ فيها ما اشتبه، أو أَشْكَلَ، أو تَعَيَّنَ لي فيه سَقْطٌ أو قَلْبٌ، ونحو ذلك.

وقد فاتتني مواضع قليلة، أبقيتها كما هي عليه في المطبوع، مع ما فيها من إشكال، لعدم عثوري عليها في النسخ المتقدِّم ذكرها.

وبعد: فلئن استغرق هذا العمل مني سنين سَبْعًا، بذلتُ فيها من الجهد والعناية ما أعانَ اللَّهُ عليه وَوَفَّقَ ويَسَّرَ، حتى تمَّ مع اتساعه على الوَجْهِ الذي أرجو أن يكون مرضيًا إن شاء اللَّه، مع الاشتغال في الوقت نفسه بالتدريس الجامعي وما يحتاج ويتطلب؛ فإنها لمن أحبِّ وآثر ما مضى من العمر، لما كان فيها من خدمةٍ للسُّنَّة المشْرَّفة: تأصيلًا منهجيًا لعلم زوائد الحديث، ودراسةً علميةً لهذا العدد الكبير من الحديث الشريف: إفرادًا وتمييزًا، تصحيحًا وتضعيفًا، تبويبًا وفهرسةً. فله وحده سبحانه وتعالى المِنَّة والفضل.

وهذا الكتاب في أصله، كان رسالةً علميةً، تقدَّمتُ بها لنيل درجة (الدكتوراه) في الحديث الشريف وعلومه، من جامعة أُمِّ دُرْمَان الإِسلامية.

وقد أُجيزت بتقدير (الامتياز) من مرتبة الشرف الأولى. وقد تفضَّل بالإِشراف: عليها: أستاذنا فضيلة الدكتور أحمد نور سيف متَّع اللَّه به، وأجزل له المثوية في الدَّارَيْنِ.

وإنِّي لأُسْدِي الشكر خالصًا إلى زوجتي الكريمة، التي كانت خير عَوْنٍ لي بعد اللَّه عز وجل، في إنجاز هذا العمل، فجزاها اللَّه تعالى خير الجزاء وأوفاه.

وإنِّي لأسأل المولى سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتقبَّله بما هو أهله، وأن ينفعني به وذُرِّيني يوم العَرْضِ عليه.

ص: 14

{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التحريم: الآية 8].

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران: الآية 8].

وصلَّى اللَّه وبارك على سيدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه الأخيار الأبرار، وآخرُ دعوانا أن الحمد للَّه ربِّ العالمين.

جُدَّة في 8 رجب 1412 هـ

12 كانون الثاني 1992 م

وكتبه الدكتور خلدون الأحدب

ص: 15