الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: "فالاشتغالُ بجمعها أو الاستنباطُ منها نوع تعمق من المتأخرين. وإنْ شئت الحقَّ فطوائف المبتدعين من الرافضة والمعتزلة وغيرهم يتمكنون بأدنى عنايةٍ أن يُلَخِّصُوا منها شواهد مذاهبهم، فالانتصار بها غير صحيح في معارك العلماء بالحديث واللَّه أعلم".
وقد نَعَى من قبل الإمام ابن تيمية على الحافظ الخطيب وغيره، ذكرهم الأحاديث الموضوعة في "مصنَّفاتهم" مع علمهم بها.
حيث يقول في كتابه: "الردّ على البَكْري"
(1)
: "وأبو نُعَيْم يروي في "الحِلْيَة" في فضائل الصحابة وفي الزُّهْدِ، أحاديث غرائب يعلم أنها موضوعة، وكذلك الخطيب وابن الجَوْزي وابن عساكر وابن ناصر وأمثالُهم".
والعجيب أن ترى مثل هذه الملاحظة على الحافظ الخطيب مِنْ قِبَلِ الإمام ابن الجَوْزي
(2)
!!
وهذا الذي ذكره بعض الأئمة بشأن مرويات الخطيب -وجلُّها في "تاريخ بغداد"-، يحتاج إلى بيانٍ وتوجيهٍ مرتبطٍ بالملاحظة المتقدِّمة بشأن موضوع الكتاب وغرضه ومنهج صاحبه فيه.
وهذا البيان والتوجيه يتمثل في أمرين اثنين:
الأول:
أنَّ ما ذكره السيوطي من كون مجرد عزو الحديث إلى الحافظ الخطيب، يعني ضعفه، دون حاجة إلى بيان ذلك؛ وما ذكره الدِّهْلَوي من كون كتب الخطيب -وأكبرها "تاريخ بغداد"- هي مظنة الأحاديث الضعيفة والغريبة والمنكرة
(1)
ص 18 - 19، والبَكْرِي هو: أبو الحسن عليّ بن يعقوب بن جبريل البَكْري المِصْري الشَّافِعِي المتوفى عام (724 هـ). انظر ترجمته في "البداية والنهاية"(14/ 114 - 115).
(2)
انظر كتابه "المُنْتَظَم"(8/ 268).
والموضوعة، وأنَّ أصلح ما فيها، وأمثالها من الكتب التي ذكرها في الطبقة الرابعة، ما كان ضعيفًا محتملًا، وأسوؤها ما كان موضوعًا أو مقلوبًا شديد النَّكَارَة. ينبغي أَنْ يُعْلَمَ بأنَّ ذلك إنّما وقع للحافظ الخطيب في الأحاديث التي تفرَّد بروايتها فحسب، ولم يشاركه أحد من الأئمة الذين سبقوه في روايتها، أو هو فيما شاركهم في روايته، ولكنه رواها بأسانيد معلولة، مردها في الأعمِّ الأغلب -كما تبين لي من خلال دراسة أحاديث (تاريخ بغداد) - هو حرصه على أن تقع هذه الأحاديث من طرق من تَرْجَمَ لهم بغض النظر عمَّا تمثله من قيمة، حيث إنَّ هذا هو مقصوده، دون النظر إلى أي اعتبار آخر.
وقد وجدت أنَّ أكثر هذه الأحاديث التي رواها بأسانيد ضعيفة أو تالفة، قد خَرَّجَهَا غيره من الأئمة بأسانيد صحيحة أو جياد أو ضعيفة ضعفًا محتملًا -كما سُيرى في تخريج الزوائد-، وهذا يعني من وجهٍ: وجود ذلك الملحظ الخاص الذي أشرت إليه، خاصةً وأنَّ الحافظ الخطيب -كما سيأتي في ترجمته- ليس بقليل الرواية ضَيِّقها، ولا هو من غير الراسخين في علم العلل وتمييز صحيح الحديث من سقيمه
وممَّا يؤكِّد أنَّ ما قاله الأئمة في مرتبة أحاديثه، لا يمكن أن ينسحب في جملته على جملتها، وإنما هو يتجه صوب الصِّنْفَيْن المتقدِّمين من رواياته، أنَّ عدد أحاديث (التاريخ) كما قدَّمت هو (4385) حديثا، منها (2132) حديثًا رواه أصحاب الأصول السنة أو بعضهم، أي ما يعادل نصف عدد أحاديث (التاريخ) تقريبًا، وهو عدد بكلِّ مقياس ليس بالهين.
وأنَّ الأحاديث التي تفرَّد بها -والتي غالبيتها من الموضوعات والمناكير والضعيفة ضعفًا شديدًا- ولم أقف على من خرَّجها غيره قبله، قليلة بالنسبة لعدد ما خرَّجه.
وأنت لو نظرت في مجمل الأحاديث الموضوعة والمنكرة وما شاكلها، والتي تفرَّد الحافظ الخطيب رحمه الله في روايتها، أو ممَّا لم يتفرَّد به ولكنه على الصفة