الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه
(1)
.
وقد قام الحافظ ابن حَجَر رحمه الله بعمل متميز في صَنْعَةِ الزوائد، لا يدخل تحت ما عرف واشتهر في هذا الفن، وهو تصنيفه لـ "زيادات بعض الموطآت على بعض"
(2)
.
وفي آخر الكلام على الفقرة الثانية من التعريف لا بد من التنبيه على أمر يتصل بالأحاديث (المعلَّقة) عند الإمام البخاري في "صحيحه"، حيث إنَّ الحديث المروي في مُصَنَّفٍ تُفرَدُ زوائده، إذا كان مرويًا تعليقًا عند البخاري، فإنه يعتبر من الزوائد، ولا عبرة لروايته معلَّقًا.
قال الإمام الهيثمي في مقدمة كتابه "المقصد العلي في زوائد أبي يَعْلَى المَوصِلي"
(3)
: "وما كان من ذلك رواه البخاري تعليقًا. . ذكرته".
وقال الإمام البُوصيري في مقدمة كتابه "إتحاف الخِيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"
(4)
: "وقد أوردت ما رواه البخاري تعليقًا".
ثالثًا - القول في التعريف: "من حديث بتمامه لا يوجد في الكتب المزيد عليها، أو هو فيها عن صحابي آخر، أو من حديث شارك فيه أصحاب الكتب المزيد عليها أو بعضهم، وفيه زيادة مؤثِّرة عنده
":
هذا الجزء من التعريف يتضمن شروط الزوائد، وما يدخل تحتها وما لا يدخل.
(1)
ذكر العلّامة عبد الحي الكَتَّاني في "فهرس الفهارس والأثبات"(1/ 336) عند عدِّه لكتب الحافظ ابن حَجَر التي شرع فيها وكتب منها الشيء اليسير ولم يتمها، كتاب "زوائد الكتب الأربعة مما هو صحيح" ولم يتكلم عليه بشيء يكشف حاله وموضوعه.
(2)
"فهرس الفهارس والأثبات"(1/ 335). وانظر: "ابن حَجَر ودراسة مصنفاته"(1/ 425).
(3)
ص 81. وقال نحوه في "كشف الأستار" (1/ 6).
(4)
(1/ 3 - مخطوط-).
ومن خلال التتبع لكلام وصنيع الأئمة الذين صنَّفوا في فن الزوائد، وجدتهم قد اتفقوا على ثلاثة شروط في اعتبار الحديث من الزوائد.
الأول: أن يكون متن هذا الحديث بلفظه أو بمعناه، لم يُخَرَّج في الكتب الستة أو بعضها، لا من حديث الصحابي الذي رواه، ولا من حديث غيره.
الثاني: أن يكون متن هذا الحديث بلفظه أو بمعناه، قد خُرِّجَ في الكتب الستة أو بعضها، ولكن ليس من حديث الصحابي الراوي له عند صاحب الكتاب الذي تُفرَدُ زوائده، بل هو عن صحابي آخر.
الثالث: أن يكون متن هذا الحديث بلفظه أو بمعناه، قد خَرَّجَهُ أصحاب الكتب الستة أو بعضهم، والصحابي الراوي له واحدٌ، إلّا أَنَّ السياق مختلف، أو فيه زيادة مؤثِّرة، كأن تضيف حُكمًا جديدًا، أو تقييدًا، أو تخصيصًا، أو تفصيلًا وبيانًا مختلفًا في كلّية أو جزئية.
ويلتحق به أن يكون عندهم أو عند بعضهم مختصرًا، وهو عند من تُفْرَدُ زوائده، مطوّلًا.
وهذه بعض نصوصهم التي ضمنوها بعض هذه الشروط إجمالًا:
قال الإمام الهيثمي رحمه الله في كتابه "المقصد العلي في زوائد أبي يَعْلَى المَوْصِلي"
(1)
عند عرضه لمنهجه في إفراد زوائد "مسند أبي يعلى": "فذكرت فيه ما تفرَّد به عن أهل الكتب الستة من حديث بتمامه، ومن حديث شاركهم فيه أو بعضهم وفيه زيادة".
وقال الحافظ ابن حَجَر في كتابه "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية"
(2)
:
"وشرطي فيه ذكر كُلِّ حديث ورد عن صحابي لم يخرجه -[أصحاب]-
(1)
ص 81. وذكر نحوه في "كشف الأستار" (1/ 5).
(2)
(1/ 5).
الأصول السبعة
(1)
من حديثه، ولو أخرجوه أو بعضهم من حديث غيره".
وقال الإمام البُوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"
(2)
:
فإن كان الحديث في الكتب الستة أو أحدها من طريق صحابي واحد، لم أخرِّجه، إلّا أن يكون الحديث فيه زيادة عند أحد المسانيد المذكورة تدل على حكم، فأخرجه بتمامه. . . وإن كان الحديث من طريق صحابيين فأكثر، وانفرد أحد المسانيد. بإخراج طريق منه، أخرجته وإن كان المتن واحدًا".
هذه مسألة، وأخرى: أنَّ إفراد الزوائد إنما كان يتجه صوب المتصل المرفوع
(3)
من الحديث، لأنَّ الحجِّية الشرعية إنما تقع فيه وحده اتفاقًا، أمَّا الأحاديث المُرْسَلَة
(4)
، والموقوفة
(5)
، والمقطوعة
(6)
، فحجِّية بعضها كالمراسيل والموقوفات، ليست محلَّ اتفاق
(7)
، ومن احتجَّ بها احتجَّ بها
(1)
بزيادة "مسند الإمام أحمد" إلى الكتب الستة.
(2)
(1/ 2 - مخطوط-).
(3)
والمرفوع من الحديث هو: ما أضيف إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف. انظر "تدريب الراوي"(1/ 183 - 184).
(4)
المرسل: هو ما أضافه التابعي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الواسطة. "الحديث المرسل مفهومه وحجيته" للمؤلف ص 19 - 20.
(5)
الموقوف: هو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير. "التدريب"(1/ 184).
(6)
المقطوع: هو ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل. "التدريب"(1/ 194).
(7)
يستثنى من ذلك الموقوفات التي لها حكم الرفع، وهي التي لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، كالمواقيت والمقادير الشرعية وأحوال الآخرة ونحو ذلك، مع ملاحظة وجود اختلاف بين العلماء في بعض ما يندرج تحت ذلك وما لا يندرج، كحكم الصحابي على فعل من هذه الأفعال أنه طاعة للَّه ولرسوله أو معصية، فمن العلماء من يعطيها حكم الرفع، والبعض الآخر لا يعطيها. انظر:"شرح العراقي لألفيته"(1/ 529 - 124)، و"النُّكَت على كتاب ابن الصلاح" لابن حَجَر (2/ 529 - 535)، و"فتح المغيث"(1/ 122 - 125)، و"تدريب الراوي"(1/ 183 - 184).
بشروط وضوابط ليس محلُّ تفصيلها هنا.
أمَّا المقطوعات فهي ليست محلًا للحجِّية عندهم.
ومن المعلوم أنَّ كتب الرواية وغيرها، تتضمن الحديث المرفوع وغيره من المراسيل والموقوفات والمقطوعات، فهل الزوائد تشملها كما تشمل المرفوع؟ ؟
لم أقف فيما رجعت إليه على كلام لأحد الأئمة تناول هذه المسألة أو أشار إليها، ولذا وجب تلمسها من واقع صنيعهم في كتب الزوائد.
وقد تبين لي من خلال النظر في جل كتب الزوائد أنهم أدرجوا فيها الزوائد من: المراسيل والموقوفات والمقطوعات، مما لم يُخَرَّج في الكتب المزيد عليها.
ففي مثل كتاب "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للإمام نور الدين الهيثمي رحمه الله، والذي جمع فيه زوائد "مسانيد": أحمد، وأبي يَعْلَى، والبزَّار، و"المعاجم الثلاثة" للطبراني، نجده قد ذكر الزوائد من المراسيل ممّا لم يُخَرَّج في الكتب الستة أو أحدها.
انظر فيه على سبيل المثال: مرسلًا لعطاء (3/ 261)، وللبهي (6/ 83)، وبلال بن بُقْطُر (5/ 227)، وعَبَايَة بن رِفَاعَة (4/ 93)، والحسن البصري (2/ 85).
ولهذا نظائر عنده، إلّا أنَّ المراسيل فيه قليلة جدًّا، ومردُّه واللَّه أعلم، لقلتها أساسًا في الكتب التي أَفْرَدَ زوائدها.
أمَّا الزوائد من الموقوفات عنده، فهي كثيرة فيه بالنسبة للمراسيل التي ذكرها، وهذه الموقوفات، منها ما يمكن أن يكون فيه مجال للاجتهاد والرأي، أو يمكن نقله عن أهل الكتاب، وهي لا تأخذ حكم الرفع؛ ومنها ما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، ولا يمكن أن تكون منقولة عن أهل الكتاب، فهذه تأخذ حكم الرفع، والحجِّيَّة تقع فيها.
ومن أمثلة النوع الأول من الموقوفات التي لا تأخذ حكم الرفع:
ما ذكره في "مجمع الزوائد"(2/ 2) عن ابن مسعود أنَّه قال: "ما أُحِبُّ أن يكون مؤذنوكم عميانكم. قال: وأحسبه قال: ولا قراؤكم".
وانظر فيه أمثلة من هذا النوع في (2/ 92) من قول ابن عباس، و (1/ 128 - 129) من قول ابن مسعود، و (9/ 46) من قول عليّ بن أبي طالب، و (3/ 182) من قول ابن عمر.
ونظائر هذا كثيرة لمن شاء أن يتتبعها.
أمَّا الموقوفات التي تأخذ حكم الرفع:
فقد ذكر في (10/ 409) عن أبي أُمَامَة البَاهِلِي أنه قال: "تخرج يوم القيامة ثُلَّة غرّ محجَّلُون، فتسد الأفق، نورهم مثل نور الشمس، فينادي مناد النبيِّ الأُميِّ. . . "
وانظر فيه أمثلة من هذا النوع في (10/ 371) من قول سلمان، و (3/ 250) من قول ابن عمر، و (10/ 336) من قول ابن مسعود، و (2/ 329) من قول ابن عمر أيضًا. ولهذا نظائر أيضًا.
أمَّا ذكر الهيثمي للمقطوعات في كتابه "مجمع الزوائد" ممَّا ليس في الكتب الستة أو بعضها؛
فانظر فيه على سبيل المثال: (1/ 215) من قول عِكْرِمَة، و (3/ 253) من قول عبد الرحمن بن يزيد، و (9/ 277) من قول عبد الملك بن مَيسَرَة، و (9/ 381) من قول هلال بن يِسَاف، و (10/ 214) من قول عروة. ولذلك نظائر كثيرة.
بل إن الهيثمي رحمه الله ذكر أخبارًا موقوفةً على مثل الزُّبَيْر بن بَكَّار المتوفي (256 هـ)، انظر (9/ 217 و 254) من "مجمع الزوائد". ولذلك نظائر قليلة.
بل إنَّه ذكر بعض البلاغات، انظر (9/ 100) و (10/ 11) في بلاغين عن الإمام أحمد بن حنبل، و (1/ 184) في بلاغ عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين.
وهذا الذي قَدَّمْتُ من وجود المراسيل والموقوفات والمقطوعات عند الهيثمي في "مجمع الزوائد"، تجده كذلك عند الحافظ ابن حَجَر في كتابه "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية"، وهي "مسانيد": أبي داود الطَّيَالِسِي، والحُمَيْدي، وابن أبي عمر، ومسدَّد، وأحمد بن مَنِيع، وأبي بكر بن أبي شَيْبَة، وعبد بن حُمَيْد، والحارث بن أبي أُسامة.
فبالنسبة للمراسيل، انظر فيه الأحاديث التي تحمل رقم:(41) و (1533) و (595) و (4309) و (2798).
أمَّا الموقوفات التي ليس لها حكم الرفع، فانظر فيه رقم:(1067) و (1114) و (1485) و (1488) و (2891).
وأمَّا الموقوفات التي لها حكم الرفع، فانظر رقم:(1046) و (2846) و (2855) و (2964) و (2993).
وأمَّا المقطوعات، فانظر الأرقام التالية:(174) و (1069) و (3044) و (3228) و (3359).
وَلِكُلِّ ذلك نظائر كثيرة.
وممَّا لا شك فيه أنَّ نسبة غير المرفوع المتصل من الحديث، مرسلًا كان أو موقوفًا أو مقطوعًا، في كتاب "المطالب العالية" أكثر منها في كتاب "مجمع الزوائد" بالنسبة لمجموع عدد ما فيهما من الحديث جملة.
وسبب هذه الزيادة عنده، أنّ المسانيد التي أَفْرَدَ زوائدها على الكتب الستة ومسند الإِمام أحمد، مليئة بهذه الأنواع من الحديث، على عكس الكتب التي أَفْرَدَ زوائدها الهيثمي في "مجمع الزوائد"، واللَّه أعلم.
أمَّا ما اشترط في التعريف من كون الزيادة مؤثِّرة، حتى يعتبر الحديث بها من الزوائد، فإني أذكر بعض الأمثلة من كتب الزوائد على ذلك بيانًا وإيضاحًا.
المثال الأول: روى البزَّار في "مسنده" عن أبي هريرة وحذيفة مرفوعًا: "أَضَلَّ اللَّه تبارك وتعالى عن الجمعة من كان قبلنا، فلليهود السبت، وللنصارى الأحد، نحن الآخرون في الدنيا، الأولون يوم القيامة، المغفور لهم قبل الخلائق".
قال الإمام الهيثمي في "كشف الأستار عن زوائد البزَّار"
(1)
بعد أن ذكره: "قلت هو في "الصحيح"، خلا قوله: "المغفور لهم قبل الخلائق"":
المثال الثاني: روى أبو يَعْلَى في "مسنده" عن أنس مرفوعًا: "ألا إنَّ الدُّعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة فادعوا".
قال الهيثمي في "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى المَوْصِلِي"
(2)
: "رواه أبو داود وغيره خلا قوله: فادعوا".
المثال الثالث: روى أحمد في مسنده عن عبد اللَّه بن زيد: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل يديه مرتين، ووجهه ثلاثًا، ومسح برأسه مرتين".
قال الإمام الهيثمي في "مجمع الزوائد"
(3)
: "هو في "الصحيح"، خلا قوله: مسح برأسه مرتين. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".
المثال الرابع: روى ابن ماجه في "سننه" عن أبي هريرة: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعدما طَلَعَتِ الشمسُ".
(1)
(1/ 295) رقم (617). وانظر فيه مثالًا آخر في (1/ 114) رقم (208)، وقد زاده بيانًا في "مجمع الزوائد"(1/ 144).
(2)
ص 289 رقم (213). وانظر فيه مثالًا آخر في ص 325 رقم (265)، وقد زاده بيانًا في "مجمع الزوائد"(2/ 101).
(3)
(1/ 229 - 230).
قال الإمام البُوصيري في "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه"
(1)
: "هذا إسنادٌ رجاله ثقات، رواه الترمذي أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "من لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلهما بعدما تطلع الشمس". وقال: حديث لا نعرفه إلّا من هذا الوجه".
فما عند ابن ماجه حكاية فعل، وما عند التِّرْمِذِيّ حكاية قول، ومن ثم اعتبره البُوصيري من الزوائد.
المثال الخامس: روى ابن أبي شَيْبَة في "مصنَّفه" عن عثمان بن أبي العاص أنَّه قال: "آخر كلام كلَّمني به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين استعملني على الطائف قال: خَفِّفِ الصلاة على النّاس، حتى وقَّت لي: اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى الذي خلق، وأشباهها من القرآن".
قال الإمام البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"
(2)
: رواه مسلم في "صحيحه". . . دون قوله: "حتى وقَّتَ لي" إلى آخره".
* * *
(1)
(1/ 139).
(2)
(1/ 4/ 391 - مخطوط-). وانظر منه (1/ 3/ 274) في مثال آخر.