الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم الزوائد: غايته وثمرته
إذا أردنا الوقوف على غاية هذا العلم وفائدته، فخير وسيلة لذلك، أن نتلمس حقيقة تلك المصنفات التي أُفردت زوائدها، ومناهج أصحابها فيها.
وقد لخصَّ الإِمام الدِّهْلَويّ رحمه الله القول في ذلك عند ذكره للطبقة الثالثة من طبقات كتب الحديث في كتابه "حجّة اللَّه البالغة"
(1)
فقال:
"والطبقة الثالثة: مسانيد وجوامع ومصنَّفات، صُنِّفَتْ قبل البخاري ومسلم، وفي زمانهما وبعدهما، جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف والمعروف والغريب والشاذ والمنكر والخطأ والصواب والثابت والمقلوب، ولم تشتهر في العلماء ذلك الاشتهار، وإن زال عنها اسم النكارة المطلقة، ولم يتداول ما تفردت به الفقهاء كثير تداول، ولم يَفْحَصْ عن صحتها وسَقَمِها المحدِّثُونَ كثير فحص، ومنه ما لم يخدمه لغوي لشرح غريب، ولا فقيه بتطبيقه بمذاهب السلف، ولا محدِّث ببيان مشكله، ولا مؤرِّخ بذكر أسماء رجاله.
ولا أريد المتأخرين المتعمقين، وإنما كلامي في الأئمة المتقدمين من أهل الحديث، فهي باقية على استتارها واختفائها وخمولها، كـ "مسند أبي يَعْلَى"، و"مصنف عبد الرزاق"، و"مصنف أبي بكر بن أبي شَيْبَة"، و"مسند عبد بن حُمَيْد"، والطَّيَالِسِيّ، وكتب البيهقي، والطَّحَاوي، والطبراني.
(1)
(1/ 134 - 135).
وكان قصدهم جمع ما وجدوه، لا تلخيصَهُ وتهذيبَهُ وتقريبَهُ من العمل"
(1)
انتهى.
فمثل هذه الحال لتلك المصنفات هو الذي دفع بعض الأئمة المتأخرين للتوجه إليها بالخدمة والعناية. وأي خدمة ابتداءً أجدر بالتقديم من إفراد زوائدها على الكتب الستة، حيث إنَّ ما فيها مما هو في الكتب الستة، فائدته محصورة على الغالب -من حيث الصناعة الحديثية- في التعضيد والتقوية لطريق ضعيف في "السنن الأربعة" أو بعضها، أمّا "الصحيحان" فقد اتفقت الأُمَّة على صحة ما فيهما.
فالعناية أولًا لا بد من أن تتوجه صوب هذه الزوائد، لأنَّ القيمة التشريعية والتفسيرية والتوجيهية، وغيرها، إنما تحصل بها بعد حصولها بأحاديث الأصول الستة، فهي متممة مكملة لها.
بعد هذا الذي تقدَّم يمكن القول: إنَّ غاية علم الزوائد وفائدته هي: تقريب السُّنَّة النبوية وتيسيرها للمسلمين بعامّة، ولعلمائهم بمختلف تخصصاتهم بخاصّة.
حيث إنَّها مع القرآن الكريم -كما هو مقرر معلوم- المصدران الأوليان لهذا الدين في مجموع بنيته: عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا. وأنت إذا قرأت كلام بعض من صنِّف في الزوائد وجدته ينصُّ أو يشير صوب هذه الغاية.
فهذا الإِمام الهيثمي -وهو رائد علم الزوائد- يقول في مقدمة كتابه "كشف الأستار عن زوائد البزَّار"
(2)
:
"فقد رأيت مسند الإِمام أبي بكر البزَّار، المسمى بـ "البحر الزخَّار" قد حوى جملة من الفوائد الغزار، يصعب التوصل إليها على من التمسها، ويطول ذلك عليه
(1)
أقول: كلام الإِمام الدِّهْلَويّ هذا، على أهميته، لا ينسحب بهذا العموم على جميع مصنفات الأئمة الذين ذكرهم، كما لا يخفى على المتأمل.
(2)
(1/ 5).
قبل أن يخرجها، فأردت أن أتتبع ما زاد فيه على الكتب الستة. . . ".
ويقول رحمه الله في مقدمة "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى المَوْصِلي"
(1)
:
"فقد نظرت مسند الإِمام أبي يَعْلَى أحمد بن عليّ بن المثنَّى رضي الله عنه، فرأيت فيه فوائد غزيرة لا يفطن لها كثير من الناس، فعزمت على جمعها على أبواب الفقه لكي يسهل الكشف عنها لنفسي ولمن أراد ذلك".
ويقول في مقدمة كتابه "مجمع البحرين في زوائد المُعْجَمَيْن"
(2)
:
"فقد رأيت "المعجم الأوسط"، و"المعجم الصغير"، لأبي القاسم الطبراني ذي العلم الغزير، قد حويا من العلم ما لا يحصل الطالبه إلا بعد كشف كبير، فأردت أن أجمع منهما كل شاردة إلى باب من الفقه يحسن أن تكون فيه واردة".
وهذا الحافظ ابن حَجَر رحمه الله يقول في مقدمة كتابه "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية"
(3)
:
"إنَّ الاشتغال بالعلم خصوصًا بالحديث النبوي، من أفضل القربات. وقد جمع أئمتنا منه الشتات على المسانيد والأبواب المرتبات، فرأيت جَمْعَ جميع ما وقفت عليه من ذلك في كتاب واحد، ليسهل الكشف منه على أولي الرغبات، ثم عدلت إلى جمع الأحاديث الزائدة على الكتب المشهورات في الكتب المسندات.
وعنيت بالمشهورات: الأصول الستة، ومسند أحمد. وبالمسندات: ما رتب على مسانيد الصحابة. . . ورتبته على أبواب الأحكام الفقهية. . . ".
وهذا التقريب والتيسير أخذ وجوهًا متعددة يمكن حصرها بالأوجه الرئيسة التالية:
(1)
ص 81.
(2)
(1/ 2 - مخطوط-).
(3)
(1/ 3 - 4).