الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
ويبدأ القرن الخامس عشر للهجرة
…
ومع بداية هذا القرن تتعاظم فكرة الجهاد الكامنة في العالم العربي- الإسلامي وفي كل أنحاء العالم الاسلامي. وتتعاظم معها الهجمة لسرقة (التقاليد الحربية - الإسلامية) وتحريفها عن أهدافها وإفراغها من مضامينها. ومن هنا تظهر الحاجة للتمسك بأصالة الحروب الإسلامية والعودة إلى ينابيعها المتفجرة ومواردها الأساسية التي لم يذبلها التقادم ولم يضعفها الصراع الدائم، فما يكاد لهيبه يخبو ظاهريا حتى يعود متمردا على كل أساليب الحرب الشاملة وطرائقها المتباينة.
ويبدأ القرن الخامس عشر للهجرة
…
وقد يكون ذلك مثيرا اقتران هذا الموعد الزمني بمضي ربع قرن على ثورة الجزائر الخالدة (يوبيلها الفضي) والتي حملت في أعماقها كل الأصالة الثوروية. وهي الأصالة التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ. ويؤكد ذلك الحاجة لاستعادة ملامح الصراع في الحقب الزمنية المتقادمة. لقد كانت الحروب الإسلامية بمجموعها شكلا
متقدما من مزج (طرائق الحرب الثوروية وطرائق الحرب النظامية). غير أن التحولات التي رافقت الحروب الصليبية في المشرق العربي-الإسلامي، وفي المغرب العربي الإسلامي قد فرضت تطورا حملت الجزائر المجاهدة راية (ريادته) وصدقت في هذا الدور الريادي، فشكلت بذلك ثروة ضخمة من التجارب القتالية التي لا بد من معرفتها لفهم (الأصالة الثوروية) في العالم الإسلامي بصورة عامة، وفي الغرب العربي - الإسلامي منه بصورة خاصة. لقد جابهت (الجزائر) ومعها أقطار العالم العربي-الإسلامي، تحديات صخمة، وتعرضت لأعمال عدوانية كثيرة، لم يكن أقلها إخراج المسلمين من الأندلس، ولم يكن أقلها احتلال المدن الساحلية للمغرب العربي الإسلامي، وهنا ظهر (الأخوان ذوي اللحى الشقراء) فكان في ظهورهم بداية قيادة التحول الحاسم. وحملت الجزائر أعباء رقع راية الجهاد في سبيل الله، فكان التحول التاريخي من الدفاع الإقليمي إلى الهجوم الإستراتيجي، وتعاظم تيار الجهد والجهاد، فجرف معه المتخاذلين، ولم تمضي فترة طويلة حتى أصبحت الجزائر المجاهدة قوة ضخمة فرضت سيادتها على (غرب البحر الأبيض المتوسط) وأحبطت كل أعمال العدوان ومحاولات المعتدين. وكان الفضل في ذلك للقدرة الذاتية التي عرف المسلمون فيها قوتهم وقدرتهم، وأمكن بهذه القدرة تحرير المغرب العربي-الإسلامي وتطهير ترابه.
لقد خاضت الجزائر المجاهدة حروب تحت (راية الجهاد في سبيل الله) وانطلق تيار الجهاد من (المسجد-الجامع) ومن (الزاوية) حيث طلبة العلم وشيوخ التعليم، وكان هذا التيار من القوة، ومن الشدة ما حمل الحكام على ركوب أمواجه، وتنظيم مساراته، وتوجيه
فعالياته فكان اللقاء الخالد بين الحكام والمحكومين على صعيد الجهاد في سبيل الله، وكان في ذلك نصر الإسلام والمسلمين.
وحملت الخلافة العثمانية أعباء الجهاد في سبيل الله على جبهة أوروبا وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، وحملت الجزائر راية الجهاد في البر والبحر في الغرب (غرب البحر الأبيض المتوسط). وعلى صعيد الجهاد التقت الجزائر بالخلافة العثمانية، فكان في ذلك عز المسلمين وقوة الإسلام في المشرق والمغرب. وكانت قوة الجزائر قوة للخلافة العثمانية، وكانت قوة هذه قوة للجزائر، ويصبح من المتوقع أن تبقى هذه العلاقة الجدلية ثابتة، فعندما استنزفت الحروب المستمرة قدرة الخلافة العثمانية وأصيبت بالضعف، انعكس ذلك على صفحة الجرائر التي استنزفت الحروب قدرتها بمثل ما استنزفت قدرة حليفتها.
غير أن حصالة هذه (الحروب الطويلة الأمد) أكدت مجموعة من الحقائق أبرزها عمق (تيار الجهاد وقوته) فلا غرابة بعد ذلك أن تتعرض قاعدة هذا التيار للهجوم المستمر بأشكال مختلفة وطرائق متباينة. غير أن (التجربة التاريخية) كافية للتأكيد على فشل الهجمات كلها. وهذا هو أبرز درس يمكن استخلاصه.
ويبدأ القرن الخامس عشر للهجرة
…
ومع بدايته تبرز مجموعة من الظواهر المذهلة، أهمها التمرد (على روح العصر- المودة أو الزي) في تيار المسلمين المجاهدين، وتجديد مفهوم الجهاد في سبيل الله ورفع رايته والعودة إلى الالتزام بالعقيدة الدينية الإسلامية التي أفرزت (العقيدة القتالية الإسلامية) بكل فضائلها. ولقد فسرت هذه الظواهر تفسيرات مختلفة، وبذلت ولا تزال تبذل جهود علمية مكثفة للهجوم على القلعة (من الداخل).
غير أن التجربة التاريخية تعود لتؤكد (قوة الأصالة الإسلامية) وقدرتها على تجاوز كل التحديات.
وفي الواقع، عملت الجزائر المجاهدة على حفظ (التجربة التاريخية) والتدقيق فيها، وأقبل كتاب المغرب العربي الإسلامي ومؤلفوه، وكتاب الجزائر منهم بصورة خاصة على إعداد ثروة ضخمة من الكتب والمنشورات الدورية والبيانات والإحصاءات، والهدف من ذلك الإبقاء على جذوة الجهاد المتقدة، وحماية (الأصالة الثوروية) من الضياع. غير أن الجهد المبذول يفتقر إلى التعميم من جهة، ويفتقر إلى سهولة المأخذ من جهة ثانية. ومن هنا ظهرت الرغبة في التعريف (بالحروب الثوروية الإسلامية) من خلال كتيبات تسهم في تعريف أبناء المشرق العربي الإسلامي بتراث المجاهدين الخالدين في المغرب العربي الإسلامي. وتساعد في الوقت ذاته أبناء المغرب العربي- الإسلامي على تطوير المعرفة العربية (ضمن إطار حرب التعريب) التي تقودها الجزائر ومعها أقطار المغرب العربي الإسلامي. وبعد، فقد يكون من المحال الإحاطة بكل جوانب التجربة التاريخية لجهاد الجزائر خاصة والمغرب العربي- الإسلامي عامة، وإن هي إلا محاولة في جملة محاولات (المحافظة على أصالة التجربة العربية الإسلامية، والإفادة من خيراتها الرائعة.
والله أسأل التوفيق
بسام العسلي